
رواية رماد لا ينطفئ الفصل الثاني 2 بقلم رميسة
الليل كان نازل على الحارة زي غطا سميك، ظلمة ماليه الشوارع، والبيوت متقفّلة والناس نايمة، بس في قلب أوضة صغيرة في بيت بسيط في آخر الحارة، كانت فيه واحدة ستّ قاعدة لوحدها، بين أربع حيطان مهدّمين من الزمن، دموعها نازلة من غير صوت، وإيدها بتسند على بطنها الكبيرة اللي خلاص على وش ولادة.
آسية… ست اتكسرت جوّاها حاجات كتير…
لسّه سامعة صوته في ودانها، صوته اللي كان دايمًا بيطمنها… النهاردة كسرها.
“آسية… أنا… أنا سافرت… مقدرتش أكمّل… سامحيني…”
الكلمات دي كانت زي السكينة، قطّعت فؤادها… سابت التليفون يقع من إيدها، وإيديها التانية اتحطت على بطنها، تحس بنغزات، وجع… مش بس من الحمل… من الصدمة… من الخيانة.
الصمت كان مالي الأوضة، بس صوت نرجس، بنتها الصغيرة، رجّعها للحقيقة:
“ماما… فين بابا؟ أنا جعانة…”
آسية حاولت تمسح دموعها بسرعة، قامت بالعافية، ريّحت ضهرها على الحيطة، وكأن الحمل مش تقيل بس، ده الحمل اللي على قلبها أكبر بكتير.
“بابا مشغول يا حبيبتي… تعالى هنا جنبي…”
البنت جريت عليها، حضنتها، بس آسية من جوّاها قلبها بيصرّخ، ولسّه الوجع بيزيد.
بعد شوية…
صوت خبط على الباب، نرجس الصغيرة تسمع، تقوم بخضة، تروح تفتح الباب، تلاقي حنان واقفة، باصة عليها بقلق:
إيه يا نرجس؟ فين مامتك؟”
نرجس عنيها مليانة دموع، تمسك في إيد حنان وتشدّها:
“ماما تعبانة قوي… وقعت ومش بتقوم…”
حنان تدخل بسرعة، تلاقي آسية مش قادرة تتحرك، ماسكة بطنها، نفسها متقطع، الوجع باين على وشّها، حنان تصرخ:
“آسية… إنتِ بتولدي؟ إنتِ كويسة؟”
آسية حاولت تمسك نفسها، بس الوجع بان في عينيها، مسكت إيد حنان وقالتلها:
“جمال… سابنا… وسافر… سابني لوحدي وأنا… أنا خلاص هولد لوحدي …”
حنان مفكرتش، دخلت بسرعة، مسكتها من إيدها:
“يلا بسرعة، لازم نروح المستشفى، متخافيش، أنا معاكي…”
نرجس ماسكة طرف هدوم أمّها، دموعها في عينيها، مش فاهمة الدنيا، بس حاسة إن فيه حاجة كبيرة بتحصل.
في الطريق…
التاكسي ماشي بسرعة، الشوارع فاضية، قلب آسية مش بس بيوجعها من الولادة، عقلها تايه بين كلام جمال، بين خوفها من بكرة، بين نظرات بنتها، بين وجع قلبها اللي اتكسّر.
حنان كانت ماسكة إيد آسية بكل قوّتها، التاكسي بيجري في الشوارع، وآسية كل شويّة تحس الوجع بيزيد، مش بس وجع البطن… لا، ده وجع القلب، وجع الخيانة، وجع الوحدة…
الوجع بيزيد، بس دماغها مشغولة بجمال، كل الذكريات بتمر قدامها زي شريط قديم، اليوم اللي وعدها فيه يعيشوا سوا، اللحظات الحلوة… كلها وجع دلوقتي
وصلوا المستشفى، الجو مليان دوشة، ناس داخلة طالعة، صرخات ستات، صوت خطوات الأطباء، ريحة المطهّرات مالية المكان…
آسية كانت ماسكة بطنها، جسمها بيرتعش، الوجع ضاغط عليها، بس رغم كده، عينيها بتدمع من التفكير، تفكّر في جمال، في بنتها نرجس، ضحكتهم مع بعض، أيامهم الحلوة، كأن شريط الذكريات بيفرّ قدام عينيها…
“مامااااا… بابا فين؟” صوت نرجس كان بيرن في ودانها وهي ماشية بالعافية وسط الناس، حنان ساعدتها، دخلوا بيها بسرعة غرفة العمليات، قلبها بيرفرف من الخوف، جسمها كله تعب، بس عقلها تايه مع جمال…
فاكرة ضحكته لما كان بيلاعب نرجس، لما وعدها إنه عمره ما يسيبها، لما اتفقوا سوا إنهم لما يولدوا ولد، يسمّوه “مراد”، عشان يبقى رمز الأمل وسط كل تعبهم…
داخل غرفة العمليات…
صرخات الولادة بتزيد، الدكاترة حواليها، الجو متوتر، وآسية بتحاول تتمسّك بالحياة، دموعها مخلوطة بالوجع وبالذكريات…
وفجأة… صوت صرخة البيبي… الدنيا كلها سكتت قدّام الصرخة دي، دموعها نزلت، الدكتورة بتبص عليها:
“مبروك… ولد!”
بعد شوية…
خرجوا بيها من غرفة العمليات، ريّحوها في أوضة صغيرة في المستشفى، جسمها مرهق، قلبها موجوع، دماغها لسه مش مصدقة اللي حصل…
مسكت التليفون بأيد ضعيفة، عيطت لجمال، الخط فتح، صوته كان تعبان، متكسّر:
“آسية… سامحيني… أنا… مقدرتش أكمّل…”
“إزاي؟! جمال إنت بتحبني… إزاي تسيبني وأنا في اللحظة دي؟! أنا ولدت ابنك… ابنّنا حلو أوي…
مفيش غير تنهيدة طويلة منه… وبعدها الخط اتقفل.
لحظة سُكات…
دموع آسية نزلت، حضنت نفسها، قلبها بيتقطع، لحد ما دخلت الممرضة:
“مبروك يا مدام… عايزين نكتب اسم البيبي في الأوراق… هتسمّيه إيه؟”
آسية تبص للممرضة، صمت ثواني… دموعها تقرب تنزل، ويفضل صوت جمال يرنّ في ودانها، تفتكر لما كانوا قاعدين على الكنبة القديمة في بيتهم، وهو بيضحك ويقولها:
جمال بضحك:
“لو جه ولد… نسميه مراد… مراد يعني الأمل… يعني الامل اللي ربنا بعتُهولنا من وسط الضلمة…”
تتهزّ الدنيا حواليها، دموعها تنزل، تاخد نفس بالعافية، وتقول للممرضة وهي بتحبس القهر جواها:
آسية:
“مراد… اسمه مراد…
“يا جمال… ابنك جه… بس إنت مش هنا… بس مهما حصل… مراد هيعيش… وهكون ليه الأم والأب مع بعض…
في الليل…
الدنيا ساكتة، بس فجأة تحس إن ابنها مش بيتنفس كويس، وشه بيزرق، قلبها وقع، نادت لحنان بسرعة، حنان دخلت:
“فيه إيه انتي كويسة؟!”
آسية بصوت متكسّر:
“مراد… مراد مش قادر يتنفس…”
حنان جريت تنادي على الدكتور، الدكتور جه بسرعة:
عنده مشكلة في التنفس… لازم يدخل الحضّانة فورًا…
آسية دموعها بتنزل، حضنت نرجس جنبها، عينيها ما بتسيبش مراد، تحس الدنيا بتسود حواليها، دموعها تنزل وهي تبص على ابنها اللي بيتحارب من أول يوم في حياته ، بتدعيله من قلبها:
“متسبنيش إنت كمان… أنت أملّي الوحيد…...