رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الثاني 2 ج2 بقلم ليله عادل


رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الثاني 2 ج2 
بقلم ليله عادل



بااااك

جلست سارة على طرف الفراش تتصفح الأوراق، والذكريات تتدفق مع ابتسامة خفيفة تكشف لحظة إدراكها للحقيقة وانكشاف السر.

همست لنفسها بإبتسامة خفيفة خبيثة: بس تمضي وتبيعي كل حاجة لعماد وساعتها، هخليه يقلب عليكي وهعرف أوجعك منين.

أغلقت سارة الأوراق وخبأتها في الخزنة بإحكام، عادت إلى السرير هادئة على وجهها ابتسامه خبث

مستشفى المواساة.

مكتب محمد، الرابعة مساءً.

جلسه محمد المقعد الامامي وامامه مصطفى يتبادلون الأحاديث.

محمد بصوت منخفض: بص يا مصطفى، أنا عمري مادخلت نفسي في حياتكم، بس انت أخويا، ومش شايف نفسي مجرد صاحب ليك،البنت دي وجودها معاكم أذى.

ارتسمت على وجه مصطفى ابتسامة مستنكره: أذى؟ يعني لما كانت مرات إسماعيل، ظابط أمن الدولة، ماكانش فيه أذى؟

تنهد محمد وقال بحزم: إنت عارف كويس إني كنت رافض إنك تقف معاه، من البدايه، عندي فكره، نجيبلها شقة بعيد، ونشوفلها شغل في مكان تاني بعيد عنكم، كدة يبقى عملنا معاها حركة جدعنا مسبنهاش، وأمنا نفسنا، ونقطع العلاقة خالص بيها، و ربنا يتولاها.

هز مصطفى رأسه ببطء: أنا مش هعمل كده، أنا وعدتها، ومش هخذلها.

نظر له محمد مطولًا وقال بريبة: أوعى تكون حبيتها يا مصطفى.

رد بحزم: الموضوع مش كده، بس ماينفعش أسيبها لوحدها، في قوة إنسانية بتخليني واقف جنبها، حتى لو كله شايف إنه غلط.
وقف فجأة وقال: أنا ماشي، عندي عيادة دلوقتي.

ظل محمد يتأمل خطواته وهو يبتعد، ثم تمتم بحزن: بتضيع نفسك يا صاحبي، وأنا مستحيل أقبل ده

فيلا، صافيناز، السادسةمساء 

الصالون 

جلست صافيناز على الأريكة الجلدية، تبدو متوترة وهي تحرك فنجان القهوة بين يديها دون أن تشرب.
دخل عماد بهدوء، متأملًا ملامحها القلقة، ثم جلس قبالتها.

عماد بنبرة هادئة:أخبار الباشا إيه؟

صافيناز بضجر: خرج النهاردة كويس الحمد لله، بس متخيل؟ مش عايزني أدخل القصر! روحت أزوره في القصر، اتفاجأت إنه مدي أوامر عند البوابة إني ممنوعة من الدخول! مامي كلمتني وقالتلي معملش مشاكل، بس أنا متعصبة ومش طايقة!  أنا هتجنن يا عماد، وإنت سايبني كده؟ مش وقتك تروح تشوف شغل باباك؟!

عماد بهدوء وقلق ظاهر: أنا لازم أشوف شغل بابا، ده إللي هيعيشني بعد ماخسرنا كل حاجة، ولسة هنخسر كمان.

صافيناز رافعة حاجبيها بقلق: تقصد إيه؟

عماد بجدية: الباشا خرج من المستشفى، يعني على أول الأسبوع الجاي لما يرجع المجموعة هيكلم، المحامي يسحب منك كل حاجة زي ما قالك، ومش بعيد كمان يسحب الفلوس حتى المشاريع إللي دخلتي فيها، من الباطن هيكلم أصحابها، ويقولهم يلغوا أي شغل معاكي، ماتنسيش ده الملك، وكل واحد من دول نفسه يخدمه، وإنتِ دلوقتي ولا حاجة. الباشا رفع عنك الحماية.

صافيناز بهمس مرتبك: دي تبقى كارثة لو حصل كده، ومش شرط الباشا، ممكن يكون سليم يعملها لإنه دلوقتي متضايق مني وأقسم ليورينى أسود أيام حياتي.

عماد بخبث: بالضبط! سليم خلاص أعلن الحرب ضدك ومين في السوق سواء الداخلي أو الخارجي يرفض خدمة سليم الراوي أمير امبراطورية الراوي الجديد.

صافيناز بتوتر: طب والحل يا عماد؟

مال عماد بجسمه للأمام، بصوت خافت بفحيح أفاعي: وأنا هناك فكرت، الحل الوحيد إنك تنقلي لي كل حاجة باسمي أو اسم الاولاد لو يعني ماعندكيش ثقه فيا.

صافيناز: إزاي؟

عماد بثقة وخبث: تبيعيلي أنا أو للأولاد كل حاجة بيع نهائي وأنا أبقى الوصي عليهم وقتها لا الباشا ولا سليم يقدروا يعملوا حاجة، لأن كل حاجة هتكون باسمي قانونًا.

سكت لحظة، ثم تابع بنبرة خبيثة كفحيح الأفعى: أما الأسهم تبيعيها لطرف تالت أي اسم تثقي فيه، لأن اسمي أنا كمان ممكن يتوقف لكن لو شخص غريب، ياخد الأسهم وتتسجل باسمه، وإنتِ تاخدي منه وصولات أمانة بأرقام كبيرة تكون متباع علينا بشكل تاني.

صافيناز بتردد: بس أنا مابثقش في حد أثق في مين؟

عماد بدهاء: نفتح شركة جديدة بأسم وهمي الشركة دي تبقى ملكك من الباطن، بس الواجهة شخص تاني وساعتها كل حاجة تتسجل باسم الشركة، ولو حد سأل، قولي كنتي محتاجة كاش عشان أكبر المشروع بتاعي وخلاص.

صافيناز بإعجاب: فكرة بمليون جنيه يا عماد بس تفتكر يعني لو دور مش هيلاقي حاجة ورانا.

عماد بحسم: هنرتب لها صح، وبعدين يوم ما الباشا يعمل حاجة مش هيعرف يحول كل حاجة باسمه، لإن دي مملوكة ليكي، هم آخرهم هيلغوا معاكي الشغل وهيدوكي نسبتك، والمجوهرات، لازم تخبيها في مكان ما حدش يعرفه.

صافيناز: أنا سبت لبسي وحاجتي هناك، عشان يعرفوا إني راجع.

عماد: بس المجوهرات؟ لأ، دي لازم تيجي هنا فورًا ممكن الباشا ياخدهم ويقولك دي ملكي كل حاجه ممكنة يا صافي.

صافيناز متوترة: عندك حق، كل حاجة دلوقتي بقت مخيفة، أنا هكتبلك كل حاجة باسمك، لحد مانعدي الفترة دي.

عماد بلهجة صارمة: يبقى بكرة نبدأ نعمل كل ده، قبل ما الباشا ياخد أي خطوة ويارب مايكون خدها خلاص.

مسك إيديها نظر داخل عينيها: صافي شكرا لإنك بتثقي في كل الثقة دي

صافيناز بحب: أنا مابثقش إلا فيك يا عماد أنا بحبك

عماد ضمها إليه: وأنا كمان.

قصر الراوي

الصالون، الثامنة مساءً

تدخل نانا بابتسامة واثقة من باب القصر وهي ترتدي فستانًا أنيقًا، وتحمل في يدها باقة ورد فاخرة، تقدمت بخطوات ثابتة، أومأت بإبتسامة قصيرة للخادمات اللواتي قابلنها في الردهة، وكأنهن كن في انتظارها وفي موعد سابق، صعدت الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي حيث جناح عزت.

غرفة عزت وفايز 

في الداخل، كان عزت مستلقيًا على الفراش، تحيط به أجواء من الهدوء، إلى جانبه فايزة تجلس على المقعد الهزاز، تقلب صفحات هاتفها بلا اهتمام.

طرق الباب، ودخلت الخادمة: فايزة هانم نانا هانم وصلت.

عزت رافعًا عينيه باستغراب، بينما فايزة متوقفة عن النظر في الهاتف: خليها تدخل 
ثم نظرت لعزت موضحة: كلمتني من شوية وقالت إنها جاية،ونسيت أقولك، سوري.

نظر لها عزت بضجر مكبوت، جز على مقدمة أسنانه لكنه يحافظ على ثباته.

دخلت نانا بإبتسامة رقيقة، وهي تقدم له الباقة: عزت باشا، ألف سلامة على حضرتك، والله كل الناس زعلانة على حضرتك وبتسأل عنك.

عزت بإبتسامة باهتة: ميرسي يا نانا، اتفضلي.

فايزة بهدوء: نتالي، شوفي نانا هتشرب إيه.

نانا وهي تعطي الباقة للخادمة: ممكن قهوة مظبوطة لو سمحتي.

هزت الخادمة رأسها وخرجت.

نانا بلهجة مهتمة: وحضرتك أحسن دلوقتي ولا إيه؟

عزت بهدوء: الحمد لله وهرجع للمجموعة الأسبوع الجاي.

نانا بإبتسامة: حقيقي المجموعة مظلمة من غيرك يا باشا، وإن شاء الله ترجع وتنورنا تاني.

رن هاتف فايزة، فنهضت لتجيب على المكالمة في الخارج، وهي تقول: مكالمة مهمة دقيقة وراجعة.

وما إن أُغلق الباب، حتى نانا تتحرك بخفة نحو عزت، وتنحني لتحتضنه، هامسة بصوت متهدج بشوق:
حبيبي، حمد لله على السلامة. أنا خفت عليك أوي، كنت هموت من القلق عليك.

عزت منتفضًا، دافعًا يديها قليلًا: إنتِ بتعملي إيه؟ إنتِ اتجننتي؟ ممكن في أي لحظة حد يدخل، أقعدي مكانك،وإيه إللي جابك؟

نانا بحدة ممزوجة بالعاطفة: إيه الكلام ده؟ أنا مراتك، وقبل ما اكون مراتك أنا حبيبتك،كنت لازم أبقى جنبك.

عزت بلهجة صارمة متوترة: أنا مش هقول تاني، أرجعي مكانك وأعقلي،لما أخف هجيلك، لما الدنيا حواليا تهدى والكوارث تتحل.

نانا بإصرار وهي تلامس وجهه: الكارثة هتتحل يا حبيبي، بس إنت ارتاح وصحتك تبقى بخير، أوعى تزعل نفسك تاني وحياتي عندك.

وأثناء اقترابها منه، تداعب بخفة وجهه، لمحت ظلًا خفيفًا عند باب الغرفة، شخص كأنه تقدم خطوة ثم تراجع، عيناه ألتقطتا شيئًا، وملامحه أوحت بأنه رأى ما لا ينبغي؟! عندها ارتسمت على وجه نانا ابتسامة خبيثة وكأن ما حدث جزء من خطة لم تكن في الحسبان.

عزت منفعلًا: أرجعي مكانك ماتعمليش مشكلة!

نانا وهي تتراجع بهدوء: حاضر أنا بس كنت بطمن عليك، بحبك وبخاف عليك، أعمل إيه؟

عزت بحسم: ماتعمليش حاجة تشربي قهوتك وتمشي، وأوعي تعملي إللي عملتيه ده تاني، فاهمة؟

نانا بخضوع: أمرك.

جلست في مقعدها، بعد ثواني فتح الباب وتدخل الخادمه وخلفها فايزة بإبتسامة هادئة.

قدمت لها  الخادمة القهوة ورحلت بدأت نانا تحتسي القهوة، ثم رفعت عينيها نحو فايزة: حضرتك هترجعي للمجموعة ولا؟

فايزة بنبرة عملية: لا، هرجع مع الباشا، وبعدين إنتِ سكرتيرته هو، أنا ليا سكرتيرة خاصة؟ أنا عارفة إن عزت وسليم مدلعينك أوي، وعارفة تفاصيل كتير وبتتعاملي كإنك مديرة بس أنا بحب التخصصات أكتر.

نانا بابتسامة ساخرة: مافيش أجمل من التخصص.
ثم تابعت وهي تضع الفنجان وتنهض من مكانها: طب أنا أطمنت عليك يا باشا، إن شاء الله تقوم بالسلامة ألف سلامة على حضرتك، بعد إذنك يا هانم.

خرجت نانا بهدوء بينما بقيت فايزة ملامحها هادئة جدا كان عزت ينظر لها بشكل خبيث، يحاول أن يتأكد هل رأت شيء أم لا لكنها كانت عادية يبدو أنها ليست من رأت..

تنهدت فجأة فايزة بملامح مشدودة: أنا جالي مكالمة مش لطيفة خالص.

عزت متجنبًا النظر إليها: مش عايز أعرف دلوقتي.

فايزة بإصرار: لا، إنت لازم تعرف، صافيناز الغبية باعت كل حاجة لعماد، حولت كل فلوسها باسمه، وعملت لعبة غبية، فاكرين إن إحنا مش هانفهمها. شركة جديدة باسم مستعار، وباعت لها كل حاجة كانت مشتركة فيها، طبعا باسم عماد واخذت كل المجوهرات كمان يعني بتحاول تأمن للي معاها قبل ما تسحبه منها.

عزت بهدوء غامض: جميل سيبيها.

فايزة بدهشة: إنت مش هتعمل حاجة؟

عزت بهدوء متعمد: فيه حاجات عندنا أهم محتاجة تركيز، وبعدين نفوقلها، دي صافيناز وعماد، وهو كدة كدة عماد خلاص بيحرق نفسه هو أنا هعرف إزاي أنهيه.

منزل مصطفى الخامسة مساءً

نبيلة وعائشة كانتا في المطبخ تحضران الأطباق، بينما إيهاب كان في غرفته، ومصطفى يتابع التلفاز بصمت.

رن جرس الباب نهض مصطفى ليفتح، فإذا بماسة تقف أمامه.

ماسة: مساء الخير.

مصطفى مبتسم: حماتك بتحبك!

ماسة ضحكة خفيفة: مثال غلط جدآ.

مصطفى بمزاح: ما هي ممكن تكون واحدة تانية عادي.

ماسة وهي تضحك: ولا واحدة تانية ولا تالتة كفاية كدة.. ميرسي، بقولك إيه؟

مدت يدها بكيس: جبتلكم تين شوكي، علشان عارفة إن عائشة بتحبه.

مصطفى وهو يأخذه منها: طب تعالي اتغدي معانا.

ماسة: لأ، ألف هنا، أنا جايبة غدايا.

نبيلة من المطبخ: أسمعي الكلام يا ماسة، وسيبيه لبكرة، يلا تعالي خشي!

دخلت ماسة، وأثناء ماوضعت حقيبتها رفعت النقاب.

ماسة بضيق: أنا بفكر أمشي من المكان إللي بشتغل فيه وأشوف أي مكان تاني أي حاجة إنت عارف أنا مش بيفرق معايا نوعية الشغل إيه؟!

مصطفى ألتفت لها متعجبا وهو يضيق عينه: ليه؟

ماسة زفرت بضيق: ايناس حاطاني في دماغها جامد، ولا دكتور ممدوح، ده خصملي يومين عشان اتاخرت عليه في القهوة، هو أنا الساعي بتاعه، مش أول مرة، وبيتعامل معايا بتعالي بأسلوب وحش، بيفكرني بناس أنا مش عايزة افتكرهم.

مصطفى بهدوء وعقلانية: بصي، لازم تفهمي إن أي مكان فيه الكويس وفيه الوحش وإنتِ بذكائك تقدري تتجنيي الوحش، لازم تتعلمي إزاي تتعاملي مع ناس زي إيناس وممدوح وغيرهم دول كتير.

ماسه وهي تحك في جبينها بحيرة: مش عارفة.

اقتربت عائشة، ألتقطت حبة تين شوكي وقالت:
تسلم إيدك على التين. (أخذت قضمة) طعمه حلو أوي!

نبيل: ماتاكليش! أستني لما نتغدى.

عائشة: مش قادرة أستنى

ماسة بابتسامة: ألف هنا، أول ماشفت الراجل إللي بيبيعه، افتكرتك على طول.

مصطفى بضحكة: طب ماجبتلناش معاه ليه؟ دي ممكن تخلص عليه كله في ثواني.

ماسة بهمس: ماهو معايا شوية في الشنطة هشش.

عائشة مازحة: على فكرة، أنا سمعتكم!

ضحكا للجميع

جلس الجميع حول مائدة الطعام.

مصطفى: أسمعي الكلام، وخليكي في الشغل، وأنا معاكي، ولو حسيتي إن المكان مش مناسبك خالص هشوفلك شغل في مكان تاني كويس.

ماسة بإبتسامة ممتنة:ماشي.

عائشة وهي تضحك: أو جبيلهم سليم.

ماسة وهي تبتسم: إنت بتقوليها بتريقة طب أقسم بالله سليم لو عرف إللي بيحصل معايا ليدفنهم صاحيين.

نبيلة بحنان وعقلانية: والله العظيم الراجل ده فيه شوية صفات سكر، بس ربنا يهديه مش عارفة ليه أنا مش عارفة أزعل منه، من إللي عمله معاكي في آخر فترة، السنين الأولي إنتي بتقولي إن هو رجل 10على 10، إنتي عارفة لو بنتي هخليكي معاه ومش هخليكي تطلقي، بس هعرفك إزاي تجيبي حقك منه؟!

عائشة بتعجب: إنتي بتقولي كده يا ماما إن إنتي أكتر واحدة عشتي وقاسيتي جزء من إللي عاشته  ماسة 

نبيلة باعتراض عقلاني: لا عبد الحميد مش زي سليم عبد الحميد من يوم ما خدته الله يهديه ويصلح حاله ويسامحه ماشفتش معاه يوم عدل، خيانة وبهدلة وقلة قيمة وظلم، لكن سليم كان كويس ماتغيرش كده غير في الآخر، وكان علشان مريض وكان عايز يتغير، غير أن أهله ناس وحشة وعايش في مكان وحش وهما سبب في كل البلاوي إللي حصلتلكم. 

ماسة بتعجب: وماكنتش هتخليني أسيبه ليه بقى يا ماما؟!

نبيلة بعقلانية: مش هخليكي تسيبيه علشان عارفة إنه بيعشقك وبيتمنالك الرضا بس هو محتاج مسايسة، محتاج ست ذكية تعرف تتعامل معاه صح وأنا كنت هعلمك تحطيه كدة خاتم في صباعك وهخليكي ترجعي له بشروطك ولازم يمشي على الشروط دي لا تظلميه ولا يظلميك.

مصطفى بتهكم بمزاح: علمي بنتك الأول إللي تقلانة على محمد ومجنناه. 

نبيلة: عائشة بس تخلص الامتحانات إللي عليها وأنا هروقلها، يلا كلوا.

فجأة نادت من على المائدة: إيهاب! إيهاب! تعالي !

خرج إيهاب من غرفته. وما إن وقعت عيناه على ماسة الجالسة حتى قال بهدوء: لأ أنا مش هاكل. بعدين.

نبيلة بتعجب: ده إنت كنت جعان وبتقولي خلصي بسرعة!

إيهاب: هاكل في الأوضة لوحدي.

شعر ماسة بلاحراج نهضت بهدوء وب: طب أنا هطلع بقى الشقة.

مصطفى: ماسة أقعدي.

ماسة بلطف: لأ خلاص، مش هينفع، والله علشان خاطري.

نبيلة بحنان: يابنتي أقعدي! عيب كده، هتقومي من على الأكل؟

ماسةمافيش مشكلة بصي، أمسكت الطبق (وضعت بعض الطعام فيه) أهو، خدت أكل، هطلع فوق، أنا أصلاً تعبانة وعايزة آخد شاور وأنام.

خرجت ماسة مسرعة.

الجميع شعر بالتوتر، خاصة بعد تصرف إيهاب.

جلس إيهاب بهدوء على الكرسي وبدأ بتناول الطعام

مصطفى بحزم: ينفع إللي إنت عملته ده؟

إيهاب متعجبا وهو يمضغ الطعام: أنا عملت إيه؟ بتدخلوها هنا زي ما إنتم عايزين، وأنا ماقلتش حاجة ولا حتى قلت لكم تمشوها! بس مش هقعد مع حد انا مش حبه

عائشة: طبيعي يعني يا إيهاب لما تلاقيك مش عايز تاكل علشان هي موجودة، تعمل كده.

إيهاب بضيق: هو المطلوب مني أقعد كمان معاها غصب عني؟ أنا مش عايز أقعد معاها يا جماعة أعمل إيه؟

مصطفى بهدوء تنهد: ماتعملش حاجة، إنت صح، أمي، أمسكي نفسك شوية لحد ما إيهاب يفك ماتفضليش تعزمي عليها تدخل أو تاكل معانا طول ما إيهاب هنا.

نبيلة بهدوء: حاضر يا ابني.

قصر الراوي

السفرة السابعة مساءً

نرى فايزة تجلس على طاولة العشاء والخدم يضعون الطعام لكن كان هناك صحن لها وصحن آخر فقط، بعد قليل أقترب رشدي.

رشدي: hello 

جلسه في مقعده نظر من حوله؛ أمال فين الناس؟!

فايزة: ياسين رجع فيلته هيقعد كم يوم ويرجع تاني فريدة حابة النهاردة تخرج تتعشا وطه ومنى معزومين عند رفعت.

رشدي وهو يتناول الطعام: أوكيه والباشا كويس.

فايزة: في تحسن 

هز رشدي راسه وبدأ في تناول الطعام في صمت
بينما فايزة تتابع رشدي بنظرات متفحصة وهو يتناول الطعام بهدوء غير معتاد فهو لم يفعل شيء منذ معرفته بما فعله سليم!؟ هادئ يقوم بفعل نفس الأشياء التي اعتاد أن يفعلها السهر الخروج كأن شيئا لم يكن؟! وهذا كان مثير للإنتباه ليس لفايزة فقط بل للجميع

ألتفت لها فجأة رشدي متسائل: إيه؟ مالك بتبصيلي كده ليه وحشتك؟

فايزة: مستغربة الهدوء إللي إنت فيه مش شبهك.

رشدي بإبتسامة ساخرة: المطلوب إيه؟ أهاجم الحيطان؟ طول ماسليم عامل الوصية دي، حتى لو مات مش هاخد حاجة مش هينفع أتحرك دلوقتي.

فايزة بخبث: يعني ناوي تفضل ساكت بعد ما سليم أخذ كل أسهمك؟

رشدي بهـدوء بارد: ساكت، لحد ماييجي الوقت إللي أرد فيه، دلوقتي ماينفعش أعمل حاجة بعدين الأسهم لسة ملكي، ومش هتبقى ملكه غير لما يموت مقتول. فادلوقت لازم أحافظ على حياة أخويا حبيبي، عشان نصيبي يفضل في إيدي، صافيناز هي إللي طار نصبها.

فايزة بشك: أنا مش مطمنالك.

رشدي بابتسامة بها نبرة ساخرة: أطمني لحد دلوقتي شيطاني واخد له قرص منوم، مش عارف هيصحى إمتى ولا هيخليني أعمل إيه؟! إبنك قفلها، وأنا مستني أشوف رد فعل الحج إللي مجلوط فوق، وأختي الحرباية، وإنتِ يا أمي يا حبيبة قلبي، أصل أنا متأكد إن إنتم مش هتسكتوا، فأنا هالعبها صح هخليكم إنتم الواجهة وتحاربوا، وفي الآخر، كل حاجة هاتوصلي في الأخر وأنا قاعد مانتخ.

تناولت فايزة ما في الشوكة وهي تقول: هحاول أصدقك.

رشدي وهو يتناول الطعام بلا مبالاة: ولا ماتحاوليش مش فارق.

نظرت له فايزة بصمت فسكون رشدي مقلق بشدة لكنها لم ترد.

خلال الأيام الماضية

ذهب عزت مع فايزة للمزرعة لإكمال شفائه، لم يكن هناك من يقدم له الحنان أو الاهتمام الشخصي؛ فالجميع منشغلون بأعمالهم، وفايزة لم تتدخل في رعايته أو إعطاءه الدواء، فالممرضات هن من يتولون كل شيء. ومع مرور الأيام بدأت صحته تتحسن تدريجيًا.

في الوقت نفسه، قامت صافيناز بتحويل كل أموالها ومستحقاتها إلى عماد، وأعطته توكيلًا عامًا على كل شيء، كما أنها حولت جميع حساباتها في البنوك باسم ابنائها، حتى المشاريع الصغيرة،باعتها لشركات، مملوكة لعائلة عماد معتقدة أنها بذلك تحمي ثروتها. سارة، رغم معرفتها بكل شيء، فضلت الصمت، ولم تخبر عماد بأي شيء بما علمته؟!

سليم ومكي اختفيا تمامًا، ويبدو أنهم في مهمة سرية بألمانيا، لا يريدون لأحد أن يعرف عنها، يتحركون في العتمة والسرية.

إيهاب ما زال غاضبًا وغير راغب في التواصل مع ماسة، وكان يحاول الابتعاد عنها قدر المستطاع. وهي حاولت تقليل وجودها بالقرب منه، بينما علاقتها ببقية المجموعة جيدة بشكل غير متوقع.

ندى بقيت هادئة، تذهب للعمل وتعود، تحت إشراف والدها الذي وضعها تحت "الميكروسكوب"، خاصة بعد مكالمته لمصطفى ليؤكد له أنه يود أن يعلم فورًا بأي محاول منها للتواصل معه.

نانا وعزت، فلم يكن هناك أي تواصل بينهما، ولم تعرف هوية الطرف الذي شاهدهما، فيبدو أن فايزة لم تكن شاهدة، فظل السر غامضًا، يلوح في الخلفية كطرف ثالث مجهول.

وبعد أسبوع تقريبًا، عاد عزت إلى المجموعة ليجد أن سليم ما زال مختفيًا، ولم يغير الوصية كما وعد، مما أثار ذلك غضبه ودفعه لاتخاذ قرار غير متوقع، سيهز الجميع.
💞______________بقلمي_ليلةعادل

الأسكندرية

مدخل العمارة مصطفى الثامنة صباحاً.

تدخل ماسة، تمسك بعض الأكياس. يفتح باب المصعد ويخرج إيهاب.يتبادلان نظرة خاطفة.

ماسة هادئة: صباح الخير 

إيهاب قصير الرد، وهو يزيح نفسه ليمر: مساء النور.

يمضي مسرعًا خارج الباب دون أن يلتفت، تتابعه بعينيها ثم تكمل طريقها صامتة.

مجموعة الراوي

غرفة الاجتماعات، العاشرة صباحاً.

جلس عزت في مقدمة الطاولة المستطيلة، يحيط به عدد من المستشارين القانونيين إلى جواره جلست فايزة في صمت، عيناها تتابع التفاصيل بقلق، رغم خروجه من المستشفى منذ أيام، بدت ملامحه مرهقة، وجهه شاحب ونظراته زائغة.

عزت بصوت بطيء لكن حازم: أتمنى تكونوا لقيتوا ثغرة، أي حاجة تخلصنا من الكارثة إللي سليم عملها.

تقدم أحد المستشارين، رجل خمسيني يرتدي بدلة داكنة، وتكلم بثقة: هو حل واحد بس، مافيش غيره.
أنا اتناقشت مع مازن وسيادة، المستشارين: إنك ترفع عليه قضية حجر.

اتسعت عينا عزت وهو يرد ببطء: حجر؟!

تدخل مستشار ثانٍ: أيوه، نطعن في صحة توقيعه وسلامة قواه العقلية ودي حاجات نقدر نعملها، بالفلوس.

أضاف مستشار ثالث وهو يفتح ملفًا أمامه: كمان نقدر نجيب تقارير تقول إن عنده رصاصة مستقرة في ضهره مهددة حياته، يعني ممكن يموت في أي لحظة، نثبت إنه تصرف تحت ضغط نفسي كبير، ونزور ملف طبي نفسي دكاترة كبار يشهدوا إنه كان بيروح لهم سرًّا.

علا صوت فايزة فجأة، حادًا ومصدومًا: إيه إللي انتوا بتقولوه ده؟!

رفع مازن رأسه لأول مرة وتحدث بهدوء: ده الحل الوحيد يا فايزة هانم، فكرنا في كل السيناريوهات، مافيش غير كده، التوقيع سليم، والتوكيل العام كان بإرادتكم، يعني ليه الحق يتصرف في كل حاجة، لو طعنّا، هانقعد سنين، والنتيجة مش مضمونة وساعتها اسم العيلة والأسهم ممكن ينهاروا، الحل الوحيد السريع الحجر.

مستشار رابع بنبرة واثقة: غير كده، عندنا نقطة مهمة
سليم باشا داخل شريك في شركات أجنبية كبيرة، ومعاه نسبة محترمة، لو وصل للشركات دي إن عنده إصابة قاتلة، وإنكم بتشككوا في قواه العقلية، الشراكة ممكن تتلغي، واسمه هاينهار في السوق، التقارير الطبية دي ممكن نقنعهم بيها.

تردد عزت قليلًا، ثم قال بصوت مكسور: يعني مافيش حل تاني؟ يعني أحارب ابني بمرضه؟ أفضح ابني؟!

سأله مازن بهدوء: ماحاولتش معاه يا باشا؟

أجاب عزت وهو يشيح بوجهه: حاولت، ووعدني انه هيغير بعض البنود، لكن للأسف حتى الآن مافيش أي حاجة حصلت، وبطل يرد على تليفونات أختفى.

المستشار الاول: لو حضرتك وافقت، نبدأ الإجراءات فورًا

تابع آخر: ولحد دلوقتي، الدنيا ماشية كأن سليم بيه ماعملش حاجة، بس...

قاطعه المستشار الأول وهو يشير بورقة في يده: بس ماتنساش إنه كتب وصية، لو مات، كل حاجة تروح لجمعيات خيرية، يعني مش بس أخد الحاجة، كمان ناوي يطلعها برا العيلة وحياة سليم بيه مهددة بين كل لحظة ولحظة إحنا ماينفعش نجازف لازم نسرع في اتخاذ القرار.

مازن وهو يطالع عزت بثبات: القرار ليك يا باشا، تؤمر بس.

التفت عزت إلى فايزة وسألها بصوت مبحوح بحيرة:
رأيك إيه يا فايزة؟

ردت بصوت منخفض لا يخلو من القلق: معرفش يا عزت، بس لو عملنا كده، هيعند أكتر، ومش بعيد يرد بشكل أعنف وبعدين المعلومة بتاعت الرصاصة جبتوها منين؟ دي محدش يعرفها عرفتوها منين يا أكرم.

المستشار الاول أكرم: إللي قالنا يا فندم كانت صافيناز هانم، ورشدي بيه بس من فترة

تمتم عزت بضجر: طبيعي شيء متوقع يفضحوا أخوهم..
فجأة، ضرب عزت بيده على سطح المكتب، وصوته أنفجر غاضبًا: طب يلا قوموا من هنا! ماحدش يعمل حاجة، ولما آخد قراري هكلمكم.

هز الجميع رؤوسهم صامتين، وبدأوا في الخروج، واحدًا تلو الآخر.

بقيت فايزة وحدها معه نظراته كانت متوترة، كأنه بيصارع نفسه: قولي لي يا فايزة. أستنى وأصبر؟ ولا أتحرك؟ 

فايزة بتنهيدة بحيرة: مش عارفة أنا خايفة ندخل في مشاكل مع سليم، وفي نفس الوقت، مش عايزة نجازف إننا نصبر سليم فعلا مهدد بالموت.

عزت: بس هو عملها في القتل؟؛

نظرا لبعضما في صمت تبادلا النظرات ثم قال عزت: أنا هعمل محاولة لو مانفعتش همشي بالقضية بس هحاول ما استخدمش تاريخ مرضه، مستحيل أفضح ابني.

فايزة بصوت منخفض: بالتأكيد.

رفع هاتفه وأتصل: ألو، يا شاكر؟ إنت عارف عنوان ليلى أم مكي؟حلو، هاتها لي. سلام.

فايزة قربت بجسدها، وسألته بقلق: هتعمل إيه؟!

عزت بحسم: مش هعرف أوصل لسليم غير عن طريق ليلى.

قصر الراوي. 
مكتب عزت الرابعة مساءً.

فايزة تجلس أمام المكتب وعزت يجلس خلفه بهيبته المعتادة، بينما وقفت ليلى أمامهما في صمت، تتأمل وجهيهما ببرود.

عزت مبتسمًا: إزيك يا ليلى عاش من شافك.

ليلى بنبرة جافة: إزيك يا عزت بيه،

عزت بهدوء: ليلى من غير كلام كتير، أنا عايز الرقم إللي بتكلمي بيه مكي.

ليلى بإرتباك: أنا مش فاهمة حضرتك عايز ايه؟!

عزت وهو يشد على الاسم: ليلى.

ارتفع حاجباه قليلًا، بينما تدخلت فايزة بنبرة حاسمة: أستنى يا عزت، إنتي أكيد معِاكي رقم بتتواصلي بيه مع مكي، إحنا بقى عايزين الرقم، عايزين نوصل لسليم فيه كارثة في المجموعة.

ليلى بجمود:أنا معرفش حاجة عنهم من وقت، ماسافروا ده أنا كنت حتى هسألكم عليهم.

وهنا اومأ عزت برأسه، فتقدم شاكر وأخذ الحقيبة من يد ليلى بشدة.

فتحها وأخرج الهاتف المحمول، بدأ يقلب فيه حتى توقف عند رقم دولي.

شاكر: فيه رقم خارجي يا باشا دولي.

عزت بحسم: أتصلي بيه.

ارتبكت ليلى وزمت شفتيها دون تحدث

ثم ألتفت عزت نحو ليلى، وقال بحدة: بقيتي كدابة يا ليلى؟ عيب ست كبيرة ماينفعش تكدبي.

فتح شاكر مكبر الصوت، وسمعوا جميعًا صوت مكي يأتي من الطرف الآخر في أحد المطاعم كان بجانبه سليم.

مكي بقلق: إيه يا ماما، عاملة إيه؟ خير؟ فيه حاجة؟

أعطى شاكر الهاتف بسرعة لعزت، فصاح بصوت غاضب: سليم فين يا مكي؟!

مكي متوترًا: عزت باشا؟!

صاح عزت: أخلص سليم فين؟

وهنا، نزع سليم الهاتف من يده، وقال ببرود: روح ليلى ومالكش دعوة بيها علشان قسماً بالله العظيم، لو عملت أي حركة من حركاتك إللي إنت عارفها صدقني، إنت إللي هتندم.

عزت بحدة: إنت مانفذتش وعدك ليه يا سليم؟! أنا صدقتك ( تابع بتهديد) أسمع قدامك لحد بكرى لو مافيش حاجة رجعتلي أنا همشي في قضية الحجر هحجر عليك..

سليم بسخرية: معاك محامي؟ ولا أبعتلك محامي بمعرفتي؟
تابع بنبرة أكثر قوة: أسمع إنت بقى لما يجيلي مزاجي هغير البنود بتاعة الوصية غير كده ماترغيش كتير، علشان إنت بس إللي هتزعل بدل قسما بجلالة الله، عد ٦٠دقيقة من دلوقتي هتشوف سواد في حياتك ماشفتهوش، روح ليلى يا عزت من غير ماتقربلها بخدشة فاهم. 

ثم أغلق الخط دون أن ينتظر ردً

نظر مكي إلى سليم بتوتر، رد سليم على نظرته بهدوء: ماتخافش مش هيعمل لها حاجة، هما بس عايزين الرقم علشان يوصلوا لي 

ابتسم مكي وهو يهز رأسه: أنا مش قلقان، بس أنا هكلم ولاد الكل،إللي هناك عشان أعرف إزاي ماقالوليش.

سليم بهدوء: أتصل بيها كده، شوفها خرجت ولا لسة

في حديقة القصر.

كانت ليلى قد بدأت بالخروج بالفعل، رن هاتفها، فردت سريعًا: ها يا حبيبتى إنتي كويسة.

ليلى بهدوء: آه يا حبيبى، ماتقلقش مافيش حاجة حصلت، هو بس جابوني عشان ياخدوا رقمك.

دخل سليم في المكالمة: طنط ليلى لو فيه حاجة قولي؟!

طمأنته ليلى: لا والله العظيم مافيش حاجة أول مقفلت قالى أمشي، هو إنتم فين؟

سليم بهدوء: إحنا كويسين خدي بالك من نفسك، ده أهم حاجة.

مكي: ماتخافيش يا ماما، إحنا كويسين، خدي بالك من نفسك، ويا ريت تروحي تقعدي عند خالتي

ليلى: حاضر

بعد إنهاء المكالمة، جلس سليم وهو يتمتم بخزي: هيرفعوا عليا قضية حجر؟ شفت؟

مكي مستنكراً: هو إنت فاكر إن إللي عملته هيمر عادي؟!

تبسم سليم بحزن: كنت فاكر بعد مكالماتي مع الباشا هيهدى، بس طلع مفيش فايدة، عموماً إنت هتبقى متابع كل حاجة، لو مشوا في الإجراءات، إنت هتبيع كل نسبتنا في المناجم، حتى المنجم إللي ملكنا، هاتبيعه أيا كان الرقم، مش مهم، وبعدها تبعت لهم بوكيه ورد وتقول لهم "سليم بيمسي عليكم" بس ده في حالة لو بدأوا فعلاً.

مكي بقلق: بلاش جنون؟ وبعدين هي مش قضية الحجر دي بتتعمل لو إنت كنت مريض أوعندك مشكلة عقلية.

سليم بنظرة جانبية: وهما هيعملوا كده، ناسي إني عندي رصاصة في ضهري هيلعبوا من هنا.

مكي محتقنًا: أغبياء! ماهما كده بيفضحوا نفسهم وكل المساهمين والمشاركين هينسحبوا، البورصة هاتقع.

ابتسم سليم بنظرة واثقة:مافيش مساهمين، مافيش مشاركين، نسيت، إني مشيت كل المساهمين والمشاركين كل حاجة، تبقى ملكنا إحنا بس، أنا إللي داخل شراكة مع شركات تانية، بعيدة عن المجموعة، بس هما نسيوا إننا داخلين شراكة مع ناس تانية بنسب فطبيعي هايلغوا العقود مش هتحرق لوحدي، هما كمان مأذين حتى لو مش بنفس القوة..

جز على اسنانه بنبره غيظ أضاف: أكرم؟ الأفكار القذرة دي ماتطلعش غير من أكرم، ما أنا إللي معينه

مكي بإبتسامة وضع يديه على المسدس: نعلمه الأدب.

سليم ببرود قاتل: سيبه دلوقتي ده حتة عسكري طيشه فيه حاجات أهم منه، وحاجات أهم دلوقتي جايين علشانها سيبك منهم.

على إتجاه آخر مصر

عزت هو يشعر بالضجر: أنا هكلم مازن يمشي في الاجراءات

فايزة بتوتر: مافيش حل تاني يعني يا عزت

عزت بغضب: عندك استعداد تجازفي كل ما نملك  هو قال لي هغير في الوصية وهديك نسبتك، إنت والهانم ماعملش حاجة لحد دلوقتي، وبيهددني أنا عايز أعرف بقى هايهددني إزاي؟! نسي إني عزت الراوي.

رفع عزت هاتفه وقام بالاتصال بمازن إيه يا مازن أمشي في الاجراءات كلم أكرم، سليم في ألمانيا أي معلومات تانية معرفهاش: سلام

تبادلا النظرات بصمت

مجموعة الراوي، العاشرة صباحا.

ممر الطابق الذي يوجد فيه مكتب عزت، خرج مازن من مكتب عزت، يحمل ملفًا ثقيلًا بين يديه، ويتحدث في الهاتف بصوت منخفض.

مازن وهو يهمس في الهاتف: خلاص يا أكرم، شوف أقرب جلسة إمتى وخد لنا ميعاد، أنا معايا التقارير كلها تمام؟ يلا هجيلك دلوقتي.

يتقاطع معه طه فجأة، فيتوقف مازن مرتبكا.

طه وهو يشير للملف:إيه ده يا مازن؟ وجلسة إيه إللي بتتكلم عنها؟

مازن بتردد: القضية إللي باشرف عليها ضد سليم بيه،
دي أوراق القضية، هنقدم بيها طلب حجر، فيها تقارير تثبت إن حالته النفسية غير مستقرة، وإن حياته مهددة بالموت في أي لحظة بسبب الرصاصة إللي في ضهره

طه منفعلًا: إيه؟! هو الباشا وافق على كده؟

مازن بتأكيد: آه طبعًا، كل حاجة بموافقته.

طه بحزم: طب أسمعني، ماتعملش حاجة دلوقتي، أصبر.

مازن يحاول الإعتراض: بس يا طه بيه.

طه مقاطعًا بنبرة صارمة: بس إيه؟ أنا قلتلك أصبر!

يسحب طه الملف من يده بعنف ويتجه مباشرة إلى مكتب عزت.

داخل مكتب عزت
كان عزت يجلس خلف مكتبه، يكتب شيئًا، ويبدو عليه الإنهاك، دخل طه بملامح غاضبة، ووضع الملف أمامه.

طه بعصبية: إيه يا باشا إللي كنت ناوي تعمله ده؟

رفع عزت عينيه ببطء، بنبرة يائسة: كنت عايزني أعمل إيه؟ كلمته، حاولت أتكلم معاه، بس هو رافض، عنيد..
تابع بإستنكار غاضب: مستحيل كنت هقبل إن كل حاجة تروح مننا في لحظة؟

جلس طه أمامه، وقال بهدوء بنبرة عقلانية محاولًا إقناعه: مافيش حاجة هتروح، وكل حاجة هترجع، بس بالهدوء، سليم ماعملش كده علشان طمعان، وإنت متأكد من ده، هو عمل كده علشان يرد على إللي بيعملوا ولادك.

عزت بتعجب: ولادي؟!

طه بحزم وكأنه يذكره بكل شيء بنبرة فيها عتاب: أيوة، من قبل ماسليم يرجع مصر، وهما بيحاولوا يبعدوه، جوازه من ماسة كان فرصتهم، عارفين إنك هترفض، فاستغلوا ده، وحاولوا يقربوا منك، ولما فشلوا، راحوا للهانم، واستغلوا كرهها لماسة ساعدوا في سقوطها في قتل حفيدك..

نظر عزت إليه بدهشة وارتباك فرد طه بثبات وهو يرد على تلك النظرة: أيوة... بتبصلي كدة ليه؟ أنا عارف، عارف كل حاجة، حتى مراتي للأسف كانت معاهم في بعض إللي حصل، ماوقفوش عند إنهم يسقطوا ماسة، ولا إنهم يضايقوها إنها خدامة، سمعوها إنه كان متعدد العلاقات، وعملوا المستحيل علشان يفرقوهم، ولعبوا له علي  خط إنها طماعة، وإنت للأسف يا باشا كنت عارف وساكت، بس للأسف كل حاجة فشلت وقربوا من بعض أكتر، وبعد الحادثة، سليم اتكسر مراته كانت هتموت قصاد عينه، بنته ماتت قبل ما يشوفها كل ده قتله، بس ماسة هي إللى رجعته وقوته..بعدين سليم صبر، وأداهم فرص كتير، وحاول كتير معاهم، مافيش فايدة، هما مكملين في طريق الخسة والندالة والدم، لحد إللي حصل في الحفلة، وفي الآخر، صافيناز باعت كل حاجة لعماد، سليم بيدور على أمان وبس يا باشا الأمان إللي حضرتك مش قادر توفرهوله

أشاح عزت بوجهه، وكأنه يحاول الهروب من الحقيقة تابع طه على نفس ذات النبرة: سليم مش عايز حاجة لنفسه، هو بس عايز يوقف المهازل دي، ويامن حياته وحياة مراته، حضرتك عارف بكل حاجة، بس ساكت، ولو عرف يوم إنك كنت سايبهم يعملوا كده بيه، عمره ما هايسامحك أشتري سليم أوعى تبيعه.

عزت بقلق: يا طه أنا خايف كل حاجة تروح مننا لو حصل له حاجة إنت متخيل إللي ممكن يحصل؟

طه مقاطعًا بهدوء: سليم مش غبي، أنا متأكد إنه عامل احتياطاته في الوصية، علشان مانتهزش هو بس بيحاول يعلم رشدي وصافي الأدب، ويبعد أي حد ممكن يأذيه وأنا متأكد إنه لما عرف إنك تعبان، غير حاجات كتير فيها.

عزت موضحًا: هو قال لي إنه هيرجع لي حاجتي، وحاجة فايزة، بس رشدي وصافي لأ ولحد دلوقتي ماعملش حاجة.

طه بعقلانية: يمكن مشغول، او بيعند، لكنه بيوفي بوعوده هتوه عنه،  اما نسبة صافي ورشدي، دول 6% بس! إحنا نقدر نشتريهم، لو يعني بعد الشر سليم حصل له حاجة، (برجاء) بابا أرجوك، ماتفتحش حرب، لو رفعت عليه قضية حجر، واتقال إنه مريض ده ممكن يكسره من جواه.

نظر له بعمق وتابع: سليم ضعيف بسبب الرصاصة، دي نقطة ضعفه، ماتستخدمهاش ضده، خليه يحس إنك كان ممكن تضربه بيها، لكن اخترت تحميه صدقني، هتفرق معاه كتير.

سكت عزت قليلًا، وكأن فكرة مابدأت تتشكل في ذهنه،كل ما قاله طه كان صحيحًا،منذ عودة سليم إلى مصر، وهم لم يكفوا عن نسج المؤامرات ضده وضد ماسة، وهو كان على علم بكل شيء حتى الآن، ما زال يعرف أنهم السبب الحقيقي في هروب ماسة، وأنهم من هددوها، وهم أنفسهم من دمروا حياة سليم... والآن إن لجأوا إلى قضية الحجر، فذكر إن سليم مصاب برصاصة قاتلة سيكون في صالح عزت لكن ذلك، رغم فائدته، سيكسر سليم تمامًا الأمر بالغ الصعوبة، من الصعب أن يتخلى عزت عن كل ما جمعه طيلة تلك السنوات، والاصعب أن يكون هو سبب كسر ابنه، فماذا يفعل؟ تردد قليلًا، ثم مال بفكره نحو خيارٍ آخر ربما عليه أن ينتظر أن يمنح الأمور فرصة فلعل عودة سليم إلى مصر تغير كل شيء فهو لم يكن لينفجر بتلك الطريقة، إلا بعد أن بلغ به الضيق مداه، من أفعال صافيناز ورشدي، لكن، وفي كل الأحوال، لا بد أن يأخذ احتياطاته.

تنهد بتعب، ثم رفع هاتفه بحزم: مازن؟ خلاص، ماترفعش القضية أسحب كل حاجة وأنا هحاول مع سليم

طه بتنهيدة ارتياح وابتسامة خفيفة: هو ده الصح، يا باشا صدقني مش هاتندم.

عزت بصوت مكسور: كلمه، خليه يبطل إللي بيعمله ده تفهمه إن أنا مش هخلي حد يضايقه تاني، قل لي بقى، إنت بجد ماتعرفش هو فين؟

طه بهدوء: كل إللي نعرفه إنه في ألمانيا

عزت بابتسامة: عليا؟! أنتم طلعتوا عارفين كل حاجة؟! قل لي...

طه بصدق: والله العظيم ما قال لنا حاجة.

حك عزت في جبينه: ما هو يا وصل لمعلومة للي عمل الحادثة يا مشروع جديد

طه تساءل: هتعمل إيه مع صافيناز بعد مانقلت كل حاجة لعماد؟

عاد عزت بظهره للخلف وقال بهدوء: ولا حاجة؟ إللي معاها نقطة في بحر، أنا أهم حاجة بالنسبالي المجموعة يا طه، بعدين عماد ده واحد طماع وأنا مبسوط إن هو عمل كده، هو بيأمن نفسه دلوقتي شوية شوية وهيظهر حقيقته وساعتها هاوري قذارته لصافيناز، لازم تشوف بعينيها قذارته وإن هي باعت العيلة عشان تشتري واحد ما يسواش.

طه: عندك حق.

الإسكندرية 
مكتب إيهاب الخامسة مساءً 

كان إيهاب جالسًا أمام مكتبه، يتابع بعض الرسومات على شاشة اللابتوب، حين اقتربت منه إحدى الموظفات وقالت له بنبرة هادئة: باشمهندس إيهاب، فيه واحدة بره عايزة حضرتك.

رفع إيهاب عينه بسرعة،متعجباً: مين؟ قالت اسمها؟

الموظفة مدت شفايفها: لا يا فندم، ما قالتش.

هز إيهاب راسه: طيب...

أغلق اللابتوب، سحب جاكيت البدلة من على ظهر الكرسي، وخرج بخطوات بطيئة.

في الخارج، كانت فتاة تقف في هدوء. ترتدي إسدالًا واسعًا، ظهرها للباب، ولثانية كاملة لم يتعرف عليها لكنها التفتت... وكانت ماسة.

قالت بصوت خافت: ماتقلقش أهلك كلهم بخير.

رد بهدوء بارد: أنا عارف إنهم بخير الحمد لله.

ماسة موضحة:أنا بس خفت تكون افتكرت وجودي هنا بسبب...

قاطعها بجمود: ما فكرتش. خير؟

ماسة بخجل: أنا كنت جاية أتكلم معاك شوية، أسفة إني جيتلك الشغل، بس أنا مش عارفة أتكلم معاك، كل ماتشوفني تهرب كإني شبح قدامك.

إيهاب وهو يشيح بوجهه بعيد: عايزة تتكلمي معايا في إيه؟ وليه؟

خطت نحوه خطوة واحدة، نظرتها مكسورة لكنها ثابتة: مش هينفع نتكلم هنا، أنا هستناك في الكافيه إللي تحت، من فضلك تعالى، ولو مش عايز، برضه براحتك أنا عارفة إنك مش طايق حتى تشوفني بس اسمعني، لو كلامي عجبك، تمام، ماعجبكش خلاص أنا عارفة إنك لسة فاضلك حوالي تلت ساعة، هستناك لو ما جيتش مش ها أزعل.

تحركت ماسة بعد أن تركت كلماتها تتسلل لعقله، ولم تنتظر ردًا.

ظل إيهاب واقفًا، ينظر لأثارها بصمت، عقله يعيد ترتيب المشهد كله، ثم تحرك.

الكافيه بعد نص ساعة

جلست ماسة على طاولة قريبة من الزجاج، تطل على البحر، رافعة النقاب جزئيًا، وعينيها تتابع الموج بهدوء.

أقترب إيهاب من الخلف، وقف يتأملها من بعيد، ثم تنهد وجلس أمامها دون أن ينبس بكلمة.

ماسة بابتسامة: أنا كنت حاسة إنك هتيجي،

إيهاب معلقًا: رفعه النقاب كدة ليه؟ مش خايفة حد يشوفك؟ ده إنتي طلعتي من المشاهير.

تبسمت وهزت راسها بلا: إن شاء الله لا، وبعدين عرفت إن سليم مسافر.

إيهاب: مش لازم هو إللي يشوفك، كاميرات، ناس، كل شيء ممكن.

تنهدت: إن شاء الله مش هيحصل حاجة.

صمت إيهاب لحظة ثم قال: عايزة إيه يا ماسة؟ ولا أقولك يا حور؟ ولا ليندا؟ ولا اسم تاني خالص؟

ماسة بنبرة تأثر: هو إنت عندك شك في القصة إللي حكيتها؟

ارتسمت على شفتي إيهاب نصف ابتسامة مستنكرة: القصة إللي قعدتي تحكيها فيها ساعتين؟ لا، ماعنديش شك، بس من حقي أختار أسامح أو لا.

هزت راسها بهدوء: أكيد من حقك، بس أنا مظلومة، أنا الضحية في القصة دي ما كنتش أتمنى أي حاجة من إللي حصلت، بس قولي، كنت أعمل إيه؟ انا كنت مضطر اخبي وأكذب.

إيهاب بنبرة حادة قليلاً: والله تقولي الحقيقة، وإحنا وقتها نحدد نساعدك أو لا، ولا كنتي خايفة لما تقولي الحقيقة ما نساعدكيش؟!

ماسة مفسرة بعين دامعة: كنت خايفة عليكم، خايفة على نفسي مش فاهمة حاجة، أنا فين؟ ومين دول؟ هو فيه حد كده؟! أنا ما كنتش متوقعة إن علاقتنا هتوصل للي وصلنا له، معاك، ومع مصطفى، ومع عائشة، وماما نبيلة افتكرت إن كل حاجة هتنتهي، بس كل يوم كنت برتبط بيكم أكتر كأنكم أهلي، إيهاب، أنا كنت مهددة، بأهلي كنت تايهة، ضايعة، وناس غريبة مدت لي إيدها وقالولي هانساعدك كنت خايفة منكم، وعليكم كنت مرعوبة لو عرفتوا الحقيقة، وسليم عرف، يحصل لكم حاجة كنت شايفة إن أمانكم في جهلكم.

إيهاب ببحه: كنتي شايفة؟ وبعد ما عرفتينا؟ برضه فضلتي خايفة؟

ماسة بصدق: خايفة عليكم يا إيهاب، أنا ماغيرتش غير اسم سليم، سليم، هو إسماعيل بس كل كلمة قلتها كانت حقيقية، حاجات بسيطة بس إللي ماقلتهاش، ما كدبتش غير في قضية التهديد، التهديد ما كانش من سليم، كان من أهله اما موضوع تعليمي ده اقسم بالله انا ما اعرفش ليه عملت كده بس فعلا كنت محتاجه ارجع لماسة اللي تاهت مني.

إيهاب بضجر: إنتِي عايزة إيه؟

ماسة برجاء: مش عايزاك تبص لي النظرة دي، أنا مستاهلش المعاملة دي مستاهلش تبصلي كإني كذابة واستغليت طيبتكم أنا كنت خايفة، مش عايزة تحصل مشكلة بينك وبين مصطفى، أو عائشة، أو ماما نبيلة بسببي.

إيهاب صوته مكسور: ماسة، أنا وثقت فيكي، وأنا مابثقش في حد بسهولة، واعتبرتك زي عائشة، وكنتي قريبة مني، أنا مش سهل أخلي حد يقرب مني، أنا حاسس إني مخذول فيكي، كان نفسي تيجي تقوليلي الحقيقة، بس انتِ ماكنتيش هتقولي، لولا محمد عرفها، كنتِ هتفضلي بتخدعينا حتى اسمك ماسة، مش حور، حتى لو غيرتِ اسم جوزك وشغله، أنتِ بالنسبالي كدبتِ، انتي عرفتِ كل حاجة عننا، حتى قصة بابا مع ماما، وباعنا إزاي وإنتِ اللي خليتيني أغيّر قراري وأروح فرح أختي وبعد كل ده، أكتشف إنك كنتِ مخبية علينا حاجات كتير حتى لو من أجل الحماية زي ما بتقولي، أنا مش قادر أعدي زي مصطفى.

تنهدت ماسة ببطء، وعيناها دامعتان، وشفتاها ترتعشان وهي تحاول التماسك. مسحت دمعة انزلقت على خدها بيد مرتجفة، ثم رفعت بصرها نحو إيهاب بصوت هادئ لكنه مثقل بالوجع: بص يا إيهاب، أنا لما خرجت من مزرعة منصور، كنت لسه عندي 15سنة، أول مرة أشوف الدنيا، بعدها لما سافرت السنه كانت للفسحه وبس، وبعدها رجعت و ودخلت قصر الراوي، هو سليم حبني وكان حنين عليا، وعوضني وعلمني كتير، بس ماعلمنيش إزاي أواجه العالم من غيره، إزاي أحافظ على نفسي..
أطرقت برأسها كأنها تستعيد صورًا دفنتها طويلًا، وانخفض صوتها أكثر: ولما قابلت مصطفى خرجت للعالم لوحدي لأول مرة، من غير سليم، من غير حراس، من غير إخواتي، كنت مرعوبة...
شهقت نفسًا عميقًا، محاوِلة كبح دموعها: غير إللي اتعرضت له في الأسبوع إللي عشته في الشارع، أنا مش بقول كده علشان استعطفك، يمكن ماستاهلش تسامحني فورًا، بس يمكن أستاهل فرصة، كإنسانة، مش كغلطانة...
مدت يدها ببطء نحو صدرها، وصوتها يرتجف: إنتو أول ناس حسيت معاهم إن الدنيا مش مرعبة، وكل يوم كنت بقول، يمكن لو حكيت، هخسركم بس الحقيقة إن سكوتي هو اللي خسرني فعلًا...
أغمضت عينيها لحظة وكأنها تتجرع مرارة الاعتراف، ثم تابعت بصوت واهن: ساعات كتير كنت عايزة أقول لكم كل حاجة، بس كنت بخاف، بقيت بخاف من كل حاجة، هما دمروني، قدروا يخلوا الخوف جزء مني، والكذب جزء مني.

بلعت ريقها بصعوبة، ونظرتها تهتز: هما غيروني، ماعرفتش أبقى لا ماسة الراوي، ولا ماسة مجاهد، بقيت مسخ بين الاتنين، ولو عايزني أمشي، همشي.

توقفت لحظة، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، منكسرة: بس وأنا بمشي، مش عايزة أسيب جوا قلوبكم كره، أو ندم إني دخلت حياتكم، او انكم ساعدتوني في يوم، مش عايزة أسبب مشكلة بينك وبين مصطفى. فكر في كلامي، أيًّا كان قرارك، هحترمه.

خفضت رأسها، وخطت خطوة بطيئة نحو الخلف، وصوتها يكاد يختفي:بعد إذنك.

نزلت النقاب وتحركت نظر إيهاب لأثارها طويلًا، عيناه ممتلئتان بألم أكثر من الغضب، وكأن الكذب لم يكن الجريمة، بل الثقة إللي قتلت على يد الخوف، وقفت ماسة على الرصيف، تنساب دموعها من خلف النقاب، خفيفة، صامتة، كأنها تغسل ما في داخلها، منتظرة قدوم الميكروباص وبين الزحام..

قرب منها إيهاب، صوته جه خافت، وفيه نبرة هزار شبه مكسورة: قولي لي... إنتي عاملة لنا عمل فين؟

نظرت له بذهول: عمل إيه؟

ابتسم ابتسامة باهتة: محمد كان بيقول لماما إنك عاملة لنا عمل، كلنا حبناكي  وسمحناكي بسرعة كأنك سحرتينا.

ضحكت ماسة لأول مرة من قلبها، وقالت: حطاه تحت رجلي نملة.

ضحك إيهاب بخفة: كويس إنه مش في البحر، كنت هغرق أصل بيني وبينك، أنا ما بعرفش أعوم.

سكتت لحظة، ثم بصت له بتردد: يعني، هاتسامحني خلاص؟

رد، وهو ينظر امامه: يعني، مش بالظبط أنا هحاول أتعامل، بس إديكي ثقة؟ دي مش حاجة سهلة، ياماسة.

ماسة بقسم: أنا والله ما كدبت عليكم في حاجة، صدقني كل إللي حكيته كان هو الحقيقي وكل حاجة ماقلتهاش،كنت بداريها من كتر الخوف، مش من كتر الخداع.

إيهاب بنبرة خافتة: الأيام هي إللي هاتثبت، مش حلفانك.

نظروا لبعض بالثواني جاء الميكروباص صعدت ماسة، ومعاها إيهاب، وذهبوا إلى البيت سوا.

المركز الطبي، أمام البوابة الخامسة مساءً.

خرج مصطفى وماسة من باب المركز، يسيران جنبًا إلى جنب، والهدوء يرافق خطواتهما، بينما كانت ندى تقف على بعد، تراقبهما بعينين ملتهبتين من الغيرة، يغلي الدم في عروقها كلما رأت مصطفى يبتسم ويتحدث مع ماسة.

ماسة، متعجبة وهي تبحث بعينيها: أمال عربيتك فين؟

مصطفى، بهدوء: مع إيهاب، خدها مني علشان نزل القاهرة النهاردة عنده مشوار مهم خلينا نركب الميكروباص، المشروع باللهجة الأسكندرانية.

ابتسمت ماسة: يلا.

أثناء سيرهما، قال مصطفى بإبتسامة: عارفة، أنا فرحت إنكم اتصالحتوا، قلتلك إيهاب قلبه أبيض.

ماسة بحماس: بصراحة، ماكنتش متوقعة إنه يصالحني، كنت متأكدة إنه أول مايشوفني هيشتمني ويطردني، بس سمعت كلامك وقلت خلاص، هحارب خوفي عشان كده روحت له الشغل والصراحة كان جنتل مان معايا.

مصطفى، مؤيدًا: بالظبط، الخوف هو إللي وصلك للي إنتي فيه، الخوف هو أقرب شيء يوصلك للنهاية أو إجبارك على فعل أشياء إنتي مش عايزاها.

ماسة، تنهدت بحزن: صحيح، صدقنى ماكنتش خايفة على نفسي قد ما كنت خايفة على الناس إللي بحبهم.

مصطفى، بنظرة هادئة: تعرفي أنا مش قادر أصدق إنه ممكن يأذيكم بالشكل إللي أنتي متخيلاه، أقصى حاجة ممكن يعملها هو التهديد، حتى لو هيضرب رصاصة، هيجيبها في مكان مايقتلش، رجل أيد كدة.

ماسة، بغضب: يعني انت بتبرر له؟ أنا حقيقي مش فاهمة موقفك، مرة تقول غلطان، ومرة تدافع عنه! وبعدين، الرصاصه اللي بتتكلم فيها بكل السهوله والاستهتار ده، ممكن تيجي في مكان غلط وتخون!

مصطفى، ضاحكًا بتوضيح عقلاني: متتعصبيش عليا بس، مش معنى الكلام اني موافق، انا بفهمك، أنا ضد العنف بكل أنواعه، لفظي أو جسدي، خصوصًا لو الراجل بيهدد مراته ويخوفها مهما كانت مبرراته مرفوضة أسوأ شعور ممكن يحسه إنه  يخاف يحس بزعر..

ثم تابع مصطفى، بلهجة أكثر هدوءًا: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان في المسجد مع الصحابة، واحد منهم فقد نعله، خدوه منه كهزار، الراجل أتوتر وخاف، فسيدنا محمد أتضايق وقال لهم بغضب: "أروعتموه؟!" تخيل سيدنا محمد غضب عشان خوفوه بهزار ونهى عن النوع ده من الهزار إللي فيه خوف حتى الحيوانات ربنا أنهى عن تخويفها، فما بالك لو كانت حقيقة، والزوجة المفروض تكون في أمان مع جوزها؟ فيخوفها ؟! عشان كدة أنا ضده، أنا بفهمك أنه مكنش هينفذ، هو زيك كان خايف تسيبيه فاستخدم الاسلوب اللي هو متعود وتربي عليه، ومايعرفش غيره، لكن هو غلط ومرفوض، فهمتي وإحساس أنه مكنتش هيعمل.

ساد الصمت قليلاً قبل أن تهمس ماسة بأنين، والدموع تتجمع في عينيها: أنا كنت بشوف سليم أمان ليا، لما حد يسألني، إيه هو الأمان؟ أقول له كلمة واحدة (سليم) بس السنة الأخيرة، حسيت إن فيه حاجة غلط كأني عاشرت حد معرفهوش، كأنهم عارفينه أكتر مني، كل كلامهم صح.

صمت لحظات، وهو يزم شفتيه، ثم تابعت بنبرة حب:
أوقات كنت بقول لنفسي إنه اتغير عشاني، ضربني زمان وتتعالج عشان مايخسرنيش، وأنا صغيرة ماكنتش فاهمة معنى ده بحجمه الحقيقي، لكن لما كبرت فهمت إنه عمل عشاني حاجة كبيرة أوي، بس فجأة مسح كل ده، وخوفني سنة كاملة، داس على جرح إللي اتسببوا أهله فيه، ماكنش قادر يديني وعد، انه مش هياذي اهلي، حسيت إني راهنت على حاجة خسرتني، كان هو أماني الوحيد دلوقتي خلاني أفتش عليه بره، مش قادرة أسامحه.

ثم مسحت دموعها من أسفل النقاب وقالت بصوت منخفض بألم عصف قلبها: مصطفى بالله عليك، بلاش نتكلم في الموضوع ده، بتوجع أوي، خلاص، أنا هسمع كلامك مش هخاف تاني، وهواجه.

ابتسم مصطفى: هو ده إللي عايزه منك، وأنا مش هسيبك أبدًا، هفضل جنبك، وأخوكي في ضهرك. ماتخافيش، مش هتغير.

ماسة، بإبتسامة صغيرة: والله مافكرت فيها، أنا بثق فيك.

مصطفى، مبتسمًا: طب تعالي أجيبلك آيس كريم ياسنووايت الهاربة، بمناسبة التغيير مانجا وفانيلا زي مابتحبي، صح؟

ماسة تبسمت: صح..

وبالفعل تحرك مصطفى أحضر لهما ايس كريم من العربة المتوقفة بالقرب منهم، وجلسا على جانب الطريق، يأكلان بهدوء، والضحك بدأ يتسلل بينهما. وفي تلك اللحظة، كانت ندى قد فقدت السيطرة على أعصابها، اقتربت بخطوات سريعة حتى وقفت أمامهما، والغضب يشتعل في وجهها.

ندى، بتهكم ساخر: الله الله على الحلوين طب ماتقعدها على البحر أحلى وشاعري أكتر يا أستاذ مصطفى؟

توقفت ماسة مصدومة، بينما رفع مصطفى عينيه نحو ندى بهدوء متعمد توقف ببطئ وهو يضع يده في جيبه بعد ان وضع كوب الآيس كريم بجانبه.

واصلت ندى بتهكم أكبر وصوت عالي قليلًا: والله، إللي يشوفك كده يقول أتنين في شهر العسل منظركم رومانسي ناقص تأكلها في بوقها، أنا واقفة من بعيد من بدري وشايفة ضحكتكم، حتى لو النقاب مغطي وشها، عينك فضحتك أوعوا تنكروا.

مصطفى، بشدة وبنبرة رجولية: ندى، وطي حسك. إيه إللي جابك هنا؟

ندى بصوت مرتفع وضجر: جاية أشوف خيانتك، أشوفك وإنت رايح جاي مع الأستاذة حتى أحترمي إللى لابساه يا شيخة عرتينا.

مصطفى ببحة رجولية: ندى بس كفاية فضايح، لأخر مرة بقولك وطي صوتك وأمشي بإحترامك أحسنلك؟

واصلت ندى على ذات الوتيرة دون إنقطاع: وكمان جايبلها آيس كريم يبرد على قلبكم؟ أمال فين جوزها إللي بتقول عليه؟ الواحد مش شايف لها جوز ولا حتى فرد؟ وياترى إللي بتعمليه ده جوزك راضي بيه يا ست مش عارف اسمك إيه؟! آها ليندا؟! أكيد مايعرفش إنك بتتسرمحي من وراه، أنا عارفة كل حاجة عنكم، با أراقبكم شفتكم وإنتم في البلكونة، مقضينها سهر وضحك، وكل مشوار ساحبها وراك، حتى بابا لما جه قالى عيب إللي بيعمله مصطفى، حتى لو بنت خالته، متجوزة! ماعرفتش أقوله إيه كسفتنى إنت ماينفعش تكلمها ولا تهزر معاها الناس هاتفهكم غلط.

نظر لها مصطفى ببرود: خلصتي فقرة الجنان ولا لسة؟

ثم نظر لماسة وهو يشير لها بإستهجان: أهي دي ندى إللي كنتي بتقوليلي أديها فرصة؟ أهو ده الجنون إللي عشت فيه، اسلوبها وصوتها العالي إللي يخلي أي راجل عاقل يبقى عايز يصفق على وشها، واحدة مجنونة محتاجة تتعالج، تخليكي تندمي إنك دخلتيها حياتك في يوم.

ندى بحزن بعين دامعة: علشان بقول عيب مايصحش تقعد معاها؟ حتى لو بنت خالتك ماينفعش، خايفة على سمعتك، وبعدين أنا أصلاً شاكة إنها متجوزة! مستحيل تكون متجوزة؟! إيه جوزك ده رافع الأريل أوي ولا هو بيثق فيكي وإنتي بتلعبي بديلك.

ماسة، بحدة: لو سمحتي، ماتتعديش حدودك معايا، إيه إللي بتقوليه ده اتكلمي بأدب ماتتكلميش عن جوزي كدة فاهمة.

تابعت ندى التى لا تستمع لحد غير صوتها قالت: إنتى شكلك مش متجوزة وبتقولوا كدة، أنا بثق في مصطفي وأخلاقه مستحيل يعمل كدة مع واحدة متجوزة، مصطفى هي مش متجوزة صح بتقول كدة بس علشان معملش مشكلة وأغير عليك.

مصطفى، بنبرة قاطعة: وإنتي مالك؟ متجوزةمطلقة، إنتي مالك يا ندى؟ أمشي من وشي قبل ماعصابي تفلت.

ماسة، محاولة تهدئة الموقف: يا جماعة بالراحة، إحنا في الشارع، والمواضيع دي ماتتحلش كده، أستاذة ندى، صدقيني، إللي في دماغك مش حقيقي، أنا ومصطفى أولاد خالة، أصلاً كمان أخوات راضعين على بعض صح يا مصطفى؟ مش إحنا أخوات.

مصطفى، قاطعًا بحسم، لا، مش أختي ولا حاجة، وماتفقناش نكذب علشان نرضي حد، إحنا مش بنعمل حاجة غلط علشان نكدب، 
نظر لندى بحزم ببحة رجولية: ندى، خليكي في حالك، وأبعدي عننا علشان لحد اللحظة دي أنا عامل حساب للعشرة ولوالدك.

ندى، بصوت مرتعش: إنت بتعمل معايا كده علشان بحبك وبغير عليك؟

مصطفى، بحدة:لا، عشان زهقت منك وبطلت أحبك.

ندى، أمسكت بيده بيأس: لا، ماتقولش كده، إنت بتحبني زي ما أنا بحبك. وأنا اعتذرت مليون مرة، وقلتلك هتغير إنت ليه مش عايز تسامح؟ والله هتغير.

مصطفى، ساخرًا: هتتغيري؟ هو إللي بتعمليه ده اسمه تغيير؟ يلا يا ندى بجد ها أبدأ أتعصب.

ندى، ألتفتت إلى ماسة حاولت استعطافها: إنتِ، لو شفتي جوزك قاعد مع واحدة بيجيب لها آيس كريم، مش هاتتعصبي؟

ماسة، بلا تفكير: هعمل منهم سندوتشات بطاطس محمرة الصراحة.

ندى، انتصرت بنظراتها: شوفت؟ مش أنا الوحدي إللي بغير كده!

ماسة، نظرت لمصطفى برجاء: مصطفى كلمها مرة أخيرة عاشان خاطري.

تنهد مصطفى وقال ببرود: آسف، مش هينفع 

نظر لندى بنظرة حاسمة: أبوكي فين؟ مش كان هنا؟

ندى، بصوت خافت: سافر.

مصطفى، بنبرة حاسمة: علشان كده جبتي لو أبوكي عرف إللي حصل، مش هيسمحلك تخرجي من البيت تاني، وأنا مش عايز أعملك مشاكل، ماتخلينيش أقول له.

ثم ألتفت لماسة، بنبرة حاسمة: يلا بينا يا ليندا.

ماسة، محاولة تهدئة الموقف: طيب يا مصطفى خلينا نسمعها

مصطفى، بنظرة صارمة: يلا.

تحركت ماسة وهي تنظر لندى بأسف، بينما وقفت ندى مكانها تبكي، عيناها لا تزالان تشتعلان غيرة وهي تتابعهما وهما يغادران معًا.

ألمانيا
إحدى الحدائق الصغيرة على ضفاف النهر، الخامسة مساءً

جلس مكي على مقعد خشبي يواجه النهر، مياهه تعكس ألوان الغروب البرتقالية كأنها قطعة من لوحة زيتية. أوراق الشجر تهمس مع نسيم المساء، ورائحة القهوة الطازجة تختلط برائحة العشب المبتل.

اقتربت فتاة من المقهى القريب، وضعت كوب قهوة بجانبه بخفة.

مكي بإبتسامة باهتة: ثانكس.

رفع الكوب، ارتشف رشفة صغيرة، والمرارة امتزجت بطعم غريب من الحنين مد يده إلى هاتفه، يقلب الصفحات بلا هدف، حتى توقفت أصابعه شيء داخله، مزيج من الفضول والوجع، دفعه لكتابة اسم "سلوى" في البحث.

عام 2014، لم يكن بعد زمن الخصوصية المغلقة أو إخفاء الصفحات، فوجدها بسهولة فتح صورتها الأخيرة: سلوى وسط أصدقائها، تحمل باقة ورد، وعيناها تلمعان بنشوة النجاح قلب الصورة إلى أخرى مع عائلتها وأخرى بمفردها، ابتسامتها تشعل في قلبه نار الشوق.

اقترب بإصبعيه على الشاشة، كأنه يحاول لمس وجنتيها الدموع ثقلت في عينيه، ثم انسابت ببطء نظر إلى تاريخ اليوم، فمثل هذه الأيام، لو أن القدر أنصفهما، لكانا تحت سقف واحد، وربما ينتظران مولودهما الأول لكن الأحلام انقلبت كابوسًا مخيف

ارتعشت يده فجأة قبض على الهاتف وكأنه قرار الحياة والموت قاوم رغبة الأتصال كما فعل لشهور، لكن كبرياءه هذه المرة لم يكن كافيًا ليكبح شوقه ضغط زر الأتصال، وحجب رقمه.

في اتجاه اخر
مصر، مكتب المحاماة
المكتب هادئ إلا من صوت تقليب الأوراق، سلوى تنحني على ملفات قضية، عيناها تتحركان بسرعة بين السطور، رن الهاتف رقم خاص، حدقت فيه لحظة، ثم رفعت السماعة بسرعة، قلبها يخبرها أنها ماسة.

سلوى بشوق: آلو؟

على الجانب الآخر

وصل الصوت إلى أذن مكي كمعزوفة حزينة من الشوق أيقظت قلبه، فرعش قلبه، ارتجفت أصابعه، وزفر ببطء كل ذرة في جسده تصرخ: "قل اسمها!"، لكن كبرياءه شده للخلف وكأنه يقول لنفسه: مش هديها لحظة ضعف... أنا هكتفي أسمعها.

لم يتحدث فقط أكتفى بإنصات متوتر لأنفاسها، كل نفس يدخل أذنه كان يروي عطش شهور من الغياب من الوجع الشق الذي أذاب قلبه، أنفاسها كانت كأكسجين نادر لرجل يغرق منذ شهور.

لكن سلوى مازالت تتحدث..

سلوى: مين معايا؟ آلووو؟ الوووو؟!

الصمت على الخط كان ثقيلًا، فجأة، تسربت إلى قلبها تلك المعرفة القديمة، هذا الصمت له ملامح، له طعم، له تاريخ، وضعت يدها على قلبها، وهمست داخلها: "ده... مكي".
أختفت كل الأصوات من حولها فجأة لم تعد تسمع سوى أنفاسه المتقطعة، كأنها قريبة جدًا، قريبة لدرجة أن قلبها ارتبك وبدأ يخونها في النبض.
مرت ثوانٍ، كأنها دهر، وهي تحارب رغبتها في البكاء. هو أيضًا صامت، يبتلع وجعه، يجمد شوقه المميت يحافظ على صورته أمام نفسه، مكتفيًا بسماع صوتها، وانفاسها وكأنه يعاقب قلبه بحرمانه من كلمتها، دموعهما انسابت بصمت.
مرت لحظات، وربما دقائق، وكل منهما صامت، يشعر بالأوجاع والآهات والغصات التي تعصف بقلبه تلك الذكريات باغتتهما فجأة، قبل أن يذكراها عمدًا.
وفي رأسيهما، مر شريط حياتهما: ضحكات، وعود، أحلام مؤجلة، نظرات أول لقاء الصور تتداخل حتى يختنق المشهد بوجع الحقيقة..
أوجعهما الصمت، فصار أثقل من الأنفاس التي باتت قريبة أكثر، مسموعة أكثر، لكن ليست كما كانت؛ بل كان الوجع يلونها بقوة، تسللت الدموع إلى أعينهما، وأصبح الصمت سيد الموقف، بينما الألم يعصف بقلبيهما.

أثناء ذلك صوت أحد الزملاء سلوى ينادي: سلوى مستر خالد عايزك!

انتفضت قليلًا، ثم رفعت صوتها للرد بأرتباك: أيوة، جايه لحظة.

عادت للهاتف، صوتها منخفض متوتر: أنا هقفل، مش هتقول مين؟ ها الووو

دمعة ساخنة خانت مكي وسقطت على خده، لم يرد
زمت شفتيها بحزن بدموع اغرورقت أعينها، وأغلقت الخط، وكأنها أغلقت على قلبها لا على الهاتف.

أما هو، فبقي يحدق في النهر، يمسح دموعه بظهر كفه، محاولًا أن يبدو أمام المارة كأي رجل يحتسي قهوته بهدوء، بينما قلبه يتفتت بصمت.

على إتجاه آخر عند سلوى

كانت سلوى ما زالت شاردة، كأنها في عالم آخر بعد تلك المكالمة، وجع ينهش قلبها ودموع تغرق عينيها، آه تتسلل من بين الصمت وهي تتذكر كل شيء: ما عاشته، الأحلام، وأسباب الفُرقة.

سمر وهي تقترب: سوسكا، يلا نروح لدكتور ناديم.

لكن سلوى شاردة، فمالت سمر بجسدها عليها، ومدت يدها على كتفها: سلوى؟

سلوى وهي تمسح دموعها: نعم.

سمر بإنتباه: مالك يا سلوى؟ إنتي  كويسة.

سلوى وهي تتنفس بعمق: تمام، تعالي نروح للدكتور ناديم.

وبالفعل، توجه الأثنان إلى مكتب المدير، وسمر تنظر إليها، تشعر أن بداخلها شيئًا يثقلها.

توقفوا أمام المكتب، ومعهم بعض الزملاء، وبدأ المدير، الذي يكون دكتورهم في الجامعة، بالتحدث وطرح الأسئلة وعندما جاء دور سلوى، كانت ما زالت تائهة منذ أن دخلت المكتب.

المدير بنبرة جادة: أستاذة سلوى؟

لم ترد.

المدير بحدة خفيفة: سلوى، فين تركيزك؟ إحنا بنتكلم في قضية مهمة، كدة ماينفعش.

سلوى بإبتسامة اعتذار: معلش، أنا آسفة، حضرتك قلت إيه؟

المدير: القضية دي ماينفعش فيها سرحان عايز بكرة الصبح أشوف إنتوا وصلتوا لإيه.

سلوى: حاضر، أنا شغالة عليها دلوقتي.

هز رأسه ومضى جمعت أوراقها وخرجت من المكتب، لتجد سمر تلوح لها من بعيد: تعالي يا سوسكا، نشرب حاجة قبل مانروح.

توقفوا بجانب ماكينة القهوة في زاوية المكتب، وجلسوا أمام بعضهما.

سمر وهي تضع كوب القهوة أمامها: مالك؟ لونك مخطوف، وعينيك مش زي العادة، وبالمناسبة، المكالمة إللي كنتِ فيها طولت أوي، وأنا كنت واخدة بالي إنك ساكتة أكتر مابتتكلمي، هي السبب؟

سلوى بصوت حزين: ولا حتى كنت بسمع.

سمر بعدم فهم: مش فاهمة.

سلوى بنبرة موجوعة: جالي تليفون، غالبًا كان مكي لا، مش غالبًا، أنا متأكدة، بس ما قالش حاجة، فضل ساكت وماقفلش، أنا إللي قفلت لما نادوا عليّ في المكتب.

سمر بحكمه: بصي، إحنا بقينا صحاب من أيام مانقلتي من جامعتك، وأنا مش عارفة القصة كلها بينك وبينه كانت إيه، لكن من إللي فهمته، كنتوا بتحبوا بعض جدًا، وحصلت ظروف خلتكم تبعدوا أنا مش عايزة أعرف التفاصيل، بس واضح إنك لسة بتحبيه، ومن رأيي، موضوع دكتور طارق ده توقفيه، حرام تدي لحد أمل وإنتِ قلبك في مكان لشخص تاني.

سلوى وهي تحدق في فنجانها: بس أنا عمري ماهخلص من مشاعري طول ما أنا لوحدي، محتاجة حد ينسيني مكي.

سمر بعقلانية: مفيش حاجة اسمها حد ينسيكي حد، ده مش مسكن، أفرضي ماعرفتيش تنسي؟! هتجرحيه؟ وإنتي إللي قلتي زمان إن مكي رفض يرتبط بيكي عشان كنتِ صغيرة، وروحتي اتخطبتِ لحد تاني، دلوقتي بتعيدي نفس الغلطة يا سلوى.

سلوى بحزن: المرة دي استحالة أنا ومكي نرجع لبعض الموضوع أكبر من إللي إنتِ متخيلاه من غير ما أدخل في تفاصيل، إحنا شبه متحرمين على بعض. فلازم أكمل حياتي وطارق راجل محترم، وأنا مرتاحة معاه، ومستنية الإجازة الكبيرة عشان نعمل الخطوبة.

سمر باعتراض: أنا شايفة إنك بتحبيه وهو بيحبك، وأيًا كانت أسبابك الغامضة، ودي حاجة تخصك. بس لو الظروف هي السبب، ساعات الظروف بتتغير. أتكلمي معاه، شوية التنازل مش عيب.

سلوى بعين دامعة: الموضوع كبير يا سمسم، بس لما أختي ترجع من السفر، يمكن، بلاش نتكلم في الموضوع ده تاني، من فضلك (تبتسم بهدوء) يلا نشتغل على القضية قبل مامستر ناديم يطردني أنا محتاجة كل جنيه، بالمناسبة، كلمتِ صاحب الشغل التاني إللي قولتي عليه؟

سمر: أيوة، وهو مستنيكي. بس إنتِ عادي تشتغلي في محل إكسسوارات؟ يا بنتي، جوز أختك سليم الراوي عندهم محلات دهب وورش خاصه بيهم، ماتشتغلي معاهم؟

تبسمت سلوى برقه: إنتي بتقوليها كأنها حاجة عيب! أنا أصلاً كنت خدامة قبل ما أبقى خت مرات سليم الراوي وحلم حياتي إني يبقى عندي محل، إكسسوارات واشتغل في التصميم، أنا شاطرة فيها جدًا، بس مش حابة أشتغل في أي حاجة تخص سليم، عايزة أنجح بشغلي وشطارتي بعيد عن أي حد.

سمر وهي تضحك: أجمل حاجة فيكي إنك فخورة بحقيقتك وماضيكي، ولعلمك، الراجل عجبه شغلك إللي رسمتيه. وأنا كمان حجزت خاتم وإسورة، أنا زبونتك من دلوقتي.

سلوى وهي تضحك: بس المرة دي مش هخصملك... عندي جمعية.

سمر وهي تضحك: ماشي يا ستي، يلا يا كحيانة نخلص إللي ورانا بدل مانترفد.

منزل أمنية، السابعة مساءً

في منزل فخم يليق بعائلة رفيعة، اجتمع أهل ماسة مع عائلة أمنية في أجواء هادئة، بينما جلس عمار ليطلب يدها، والعروس خلف الستارة ترتدي فستانًا أوف وايت بسيطًا يزينه خجل ابتسامتها.

عمار بصوت جاد: أنا عارف يا عمي إن مش صح أطلب إيدها وأنا معيش شقة، بس حسيت لو الموضوع طول، ممكن تحسوا إني مش جاد، خصوصًا إني في الأصل فلاح، وعندنا الكلام ده عيب، حبيت أجي من الباب، وأبني مستقبلي معاها، وأنا حاطط إيدي في إيدها، وأتمنى حضرتك توافق.

مجاهد بإبتسامة هادئة: وهو مش بيدينا فلوسه، أنا متكفل بالبيت وعلى قد مقدر هساعده، والله إحنا خجلانين إننا جايين من غير حاجة، بس اتربينا إن بنات الناس ماينفعش يكونوا على اسمنا من غير ما أهلهم يكونوا عارفين ظروفنا.

والد أمنية بترحاب: ماتقولش كده يا حاج، إحنا بنشتري راجل، وأنا عارف عمار كويس، وعارف إنه شاري بنتي، الخطوة إللي عملها أكدتلي إنه راجل محترم وابن أصول، وانا موافق على الخطوبة.

يوسف بإبتسامة: يبقى نقرأ الفاتحة بقى.

قرأ الجميع الفاتحة وسط دعوات بالخير، دخلت أمنية تحمل صينية عصير، وزغاريد خفيفة تملأ المكان، ثم جلست بجوار عمار وهو يخرج خاتمًا بسيطًا.

عمار بإبتسامة: ممكن ألبسها ليها يا عمي؟

وافق والدها، وارتسمت السعادة على وجهي العروسين.

والدة أمنية تسأل: أمال ماسة هانم، ماجتش ليه وسليم باشا؟ كان نفسنا ينورونا.

سعدية بهدوء: للأسف مسافرين، إن شاء الله على الخطوبة الكبيرة يكونوا موجودين.

ابتسم الجميع، رن هاتف سلوى فجأة، رسالة من رقم مجهول تقول: مبروك.

تجمدت أصابعها، قلبها يخفق، ونظراتها تمسح الوجوه حولها، لكنها تمالكت نفسها، محاولة أن تذوب وسط الأجواء المبهجة.

المركز الطبي الخاص، الثالثة مساءً

ساد الهدوء المكان لا يقطعه سوى همسات الزائرين وصوت الغلاية. خلف الكاونتر كانت ماسة توزع ابتسامات عابرة وهي تقدم المشروبات، لكن حين التقت عيناها بأحدهم، تجمدت في صدمة تفوق الاستيعاب.
تفتكروا مين إللي راح لماسة؟!
ماحدش ينسى يضغط على اللايك عشان تساعدوا الرواية تنجح
إلي اللقاءفي الحلقةالقادمة من روايةالماسةالمكسورة2
أتمنى تكون الحلقة عجبتكم النهاردة❤️...



تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة