بقلم سيليا البحيري
– نص الليل – بعد ما تاليا نامت
الصالة منورة بنور خافت،
سيلين لابسة روب حرير غامق، شعرها مرفوع بعناية، واقفة قدام الشباك اللي بيطل على المدينة،
في إيدها كوباية شاي... بس ما شربتش منها حاجة.
الدادة أمينة قاعدة على الكنبة، مسبحتها في إيديها، وبتهمس بأذكارها،
عنّيها مليانة حنان وقلق.
أمينة (بصوت هادي):
– نامت الأميرة الصغيرة؟
سيلين (بتتنهد):
– أول ما دخلت الأوضة قالتلي: "زي أوضة سندريلا!"
– وبعدين حضنتني وقالت: "أنا مبسوطة يا ماما." (تحاول تسيطر على دموعها)
– أول مرة تنام وهي حاسّة بالأمان… وأنا أول مرة أنام وهي جنبي.
أمينة (بتبتسم والدموع في عينيها):
– يا رب تدوم لمّتكم يا بنتي… ويبعد عنكم ولاد الحرام.
سيلين (بتقعد جنبها، صوتها واطي بس فيه نبرة حادة):
– يا أمينة…
– اللي حصلي مش كان صدفة… كان متخطط له، بأوراق مزوّرة وضمير ميت.
أمينة (بتبصلها بخوف):
– يا سيلين… إوعي الانتقام يعمي قلبك… خلاص رجعتي، وبنتك في حضنك، سيبي اللي فات ورا ضهرك.
سيلين (بتهز راسها ببطء):
– اللي فات خلّاني جسد من غير روح…
– خمس سنين يا أمينة، اتكسرت كرامتي، واتاخدت بنتي، واللي كنت فاكراه بيحبني… باعني.
أمينة (دموعها بتنزل في صمت):
– والله ما كان بإيدي…
– كل اللي كنت بعمله إني بدعيلك… ودموعي ما نشفتش يوم.
سيلين (تمسك إيدها بلُطف):
– عارفة يا أحن قلب…
– إنتي أمي قبل أي حد، وشهادتك عندي بالدنيا وما فيها.
أمينة (بصّة فيها حنية وخوف):
– طب قوليلي… خرجتي إزاي؟ مين وقف في ضهرك؟
سيلين (بصّت للشباك، وبعدين همست):
– اسمه… سيف البحيري.
أمينة (باتفاجؤ):
– سيف البحيري؟ الراجل بتاع البيزنس المعروف؟!
– بس… ساعدك ليه؟
سيلين (بنبرة باردة):
– لأنه ليه مصلحة…
– الصفقة كانت واضحة: يطلعني من السجن، وأنا أشتغل معاه في مشروع كبير، هيعلنوا عنه قريب…
– محتاج شركتي القديمة، وعلاقاتي… واسمي.
أمينة (بحذر):
– بس يا بنتي… إوعي تكوني لعبة في إيده.
سيلين (بحدة):
– لأ يا أمينة… أنا مش لعبة… أنا شريكة.
– وأنا اللي طلبت كمان نفتح ملف محامي حسام…
– القذر اللي لفّقلي قضية قتل ياسر.
أمينة (اتجمدت مكانها):
– المحامي؟!
سيلين (عنّيها بقت نار):
– أول واحد في القايمة…
– هو اللي زوّر، وهو اللي خبّى الأدلة، وباع ضميره بورقة شيك.
أمينة (تمسك إيدها بخوف):
– سيلين… إوعي الحقد يملأ قلبك… ربنا كبير.
سيلين (تبصلها بثبات):
– وأنا مؤمنة…
– بس ربنا إداني عقل… وفرصة…
– واللي ظلمني لازم يدفع التمن.
أمينة (بتتنهد):
– والبنت اللي شفتيها في المطعم؟ اسمها إيه؟ ليل؟
سيلين (بتهز راسها):
– غامضة… بس مفهومة…
– عنيها فيها نفس الكسرة اللي في عنيا… ونفس النار اللي جوا قلبي.
– ما قالتش السبب… بس أنا فهمت.
– ليل واحدة من ضحايا حسام…
– وأنا وهي هنتعاون… وضربتنا الأولى قرّبت.
أمينة (بصوت بيرتعش):
– يا رب يستر عليكي يا بنتي… قلبي مش مطمّن.
سيلين (تبص على باب أوضة تاليا، وتهمس):
– لازم أبقى قوية…
– عشان بنتي…
– وعشان سيلين اللي ماتت…
– وأنا رجّعتها من الرماد.
سيلين قاعدة على الكنبة، عنيها مولعة نار،
جنبها أمينة بتدعيلها بهمس...
وفي الخلفية… صوت ست ناعم بيهمس:
"الانتقام… بقى أقرب من أي وقت فات."
***********************
في شقة قديمة بحي شعبي – بالليل – أوضة مها (أم ليل)
الأوضة ضيقة، الحيطان باهتة، وبرغم وجود دفاية صغيرة، البرد لسه بيتسلل من كل ناحية.
مها نايمة على السرير، مابتتحركش، عينيها بتتحرك ببطء، لا قادرة تتكلم ولا تتحرك،
بس دموعها بتنزل كل شوية من غير إذن ولا صوت.
ليل لابسة عباية سودا طويلة، شعرها مربوط بسرعة وبعشوائية،
قاعدة على كرسي قديم جنب سرير أمها،
بتمسح جبينها بقطنة مبلولة.
الساعة عدّت واحدة بعد نص الليل،
والشارع ساكت، مافيش صوت غير مواء قطة جعانة بره.
ليل (بهمس تعبان):
– النهاردة… قابلتها.
(تبص في عيون أمها اللي بترمش ببطء)
– مراته… سيلين.
– اللي سجنها، وظلمها، وبهدلها… زي ما عمل فينا بالظبط.
(مها عينيها تدمع، بس ما بتتكلمش…)
ليل (تنزل تبوس إيد أمها):
– يا ماما… أنا ما نسيتش. ومش هنسى.
– ما نسيتش بابا… وهو بيموت قدامي، ولا دمعتك اللي مانشفتش من ساعتها.
(تسكت شوية، تتنهد، وتكمل بصوت واطي)
– تعرفي عرفت حكايتها إزاي؟
(تضحك ضحكة فيها غصة)
– من واحد كان شغال عنده… في الشركة اللي أسسها من سرقة الناس.
– اسمه نزيه… كان عامل بسيط، بس قلبه أنضف من وشوشهم.
– قالّي: "حسام بيعتبرنا عبيد، بيشتمنا، يهينّا، وساعات يمد إيده علينا… بس ياما ظلم ناس غيرنا."
– وقاللي كمان: "لو عايزة تنتقمي منه، روحي لسيلين… هي الوحيدة اللي كرهته أكتر منّا كلنا."
(تبص على مها)
– وفعلاً… رحت، وشفتها…
– وشفت الكسر في عنيها… نفس الكسر اللي فيّا.
(تسكت لحظة، تقوم وتتمشى في الأوضة بهدوء)
– إحنا بقينا سلاح لبعض…
– أنا وسيلين… إحنا وشين لوجع واحد…
– هي اتسرق منها حُضن بنتها… وأنا اتسرقت مني عيلتي كلها.
(ترجع تقرب من مها، تمسك إيدها اللي بتتهز بخفة، وتدمع)
– هتفتحي عينيكي يوم… وتشوفي حسام تحت رجلي.
– هرجّعلك كرامتك يا أمي…
– وتشوفيني… وتشوفي فيّا بنت تفرحي بيها.
(تنزل جنبها وتهمس عند صدرها):
– أقسمت… من يوم ما شفت بابا وهو بيتدفن،
– وإنتِ بتصرخي ومحدش سمعك… أقسمت…
– إني مش هرحم اللي كان السبب.
(تسكت، وبهدوء… تحط راسها على صدر أمها المشلولة)
ليل تعيط في صمت…
ولا صوت غير دقة الساعة… ودموعها اللي بتنزل على جبين أمها
*****************
فيلا حسام – جناح النوم – نص الليل
الفيلا فخمة بشكل مبالغ فيه،
أثاث دهبي تقيل، نجف عملاق، ولوحات زيت غالية معلّقة على الحيطان.
بس رغم الرفاهية… الجو خانق، كأن الحيطان شايلة ذنوب الناس اللي اتبنت على آلامهم.
جوه أوضة النوم الكبيرة،
نوال قاعدة قدّام المراية، بتشيل مكياجها بالراحة،
وحسام ممدد على السرير، لابس بيجامة حرير،
وبيقلّب في موبايله وهو ساكت.
بره، الخدام بيطفوا النور،
ووليد نايم في أوضته القريبة.
نوال (بصوت واطي وهي باصة لنفسها في المراية):
– شُفتها النهاردة...
حسام (من غير ما يبص لها):
– مين؟
نوال (بتقف لحظة، وبعدين تبصله من المراية):
– سيلين.
(حسام يتجمد ثانية، بس يخبي توتره، ويضحك بسخرية):
– تقصدي المرحومة سيلين؟
– يا نوال اهدي، الست دي خلصنا منها من زمان.
نوال (بتلف له ببطء، ملامحها شاحبة):
– لأ يا حسام… ما خلصناش.
– كانت واقفة قدامي… لابسة كويس، واقفة قوية… ماسكة بنتها في إيدها…
– وفي عنيها نار.
حسام (ينط من على السرير، ويقعد على طرفه، بيحاول يتمالك نفسه):
– وهي عرفت إنك إنتي وسِهر خبيتوا بنتها؟
– قالتلك حاجة؟
نوال (بهمس):
– ما قالتش… بس عنيها كانت بتتكلم.
– كأنها بتقول: "دوركوا جاي"...
– وأنا… والله خوفت يا حسام.
حسام (بعصبية بيخبي بيها خوفه):
– خوفتِ؟
– إحنا اللي دمرناها!
– إحنا اللي خليناها تبوس الأرض قدام المحكمة!
– نسيتي كانت عاملة إزاي وهي بتلبس البدلة الحمرا؟
– خلاص! راحت، وطلعت بعفو ولا واسطة… ومين قال إنها ناوية تنتقم أصلاً؟
نوال (تبص له بريبة):
– وانت ليه صوتك عالي كده؟
(تسكت لحظة وبعدين تقول بسخرية)
– ولا يمكن… ضميرك فاق فجأة؟
حسام (يقوم من السرير، يروح للشباك، بياخد نفس عميق):
– ما عنديش ضمير يفوق أصلاً.
(يبص في السواد اللي بره)
– بس لو رجعت…
– هنتعامل معاها… زي ما عملنا المرة اللي فاتت.
نوال (تقوم ببطء، وتقرب منه):
– المرة دي مختلفة…
– سيلين ما كانتش مكسورة… كانت غضبانة.
– ساكتة، بس مخيفة…
– والمصيبة… إنها ما كانتش لوحدها.
حسام (يلف فجأة):
– تقصدي مين؟
نوال (نظرتها مرعوبة):
– معرفش…
– بس البنت اللي معاها – تاليا – كانت ماسكة إيدها كأنها مش ناوية تسيبها أبداً.
– وكأنها اتعلمت منها… إزاي تبقى قوية.
حسام (بهمس وهو يرجع خطوة ورا):
– البنت… كبرت؟!
نوال (بحدة):
– كبرت… وبقت قمر. شبهها.
– وبتعرفك يا حسام… وبتعرفني كمان.
(لحظة سكوت تقيلة…
وفجأة صوت إزاز بيتكسر بره – يمكن من الهوا –
بس هما الاتنين بينطّوا من الخضة.)
نوال (بصوت متوتر):
– حسام… لو سيلين بدأت… مش هتوقف.
– وإحنا بقينا في قايمتها.
حسام (يبص لها بنظرة فيها شراسة مصطنعة، ويتمتم):
– اللي يبتدي حرب… لازم يكون جاهز يدفع تمنها.
(بس في صوته… الرعب بيبان رغم كل التمثيل.
لإنه عارف…
سيلين اللي كان يعرفها… ماتت.
واللي رجع دلوقتي هو… "ظل الانتقام.")
**********************
بعد لحظة سكوت تقيلة
الجو مشحون…
نوال رجعت السرير بس لسه وشها باين عليه القلق والتوتر…
حسام واقف قدام الشباك، عينيه فيها لمعة غريبة…
فكرة بدأت تتشكل في دماغه… فكرة شيطانية.
حسام (بيكلم نفسه بصوت واطي):
– لو فعلاً رجعت سيلين…
– مافيش حاجة هتكسرها زي ما كسرناها قبل كده.
نوال (بتعب وهي مستلقية):
– تقصد إيه؟
حسام (يلفّ ناحيتها فجأة، وعينيه بتلمع):
– تاليا.
نوال (بتتجمد):
– تاليا؟!
حسام (بهدوء غريب وابتسامة باردة):
– هاطلبها رسمي… الحضانة.
– أنا أبوها، وسيلين… عندها سوابق.
– المحكمة ممكن تدهالي بسهولة.
نوال (رافعه حاجبها، مستغربة):
– إنت بتتكلم جد؟!
حسام (يقرب منها):
– طبعًا بتكلم جد.
– شوفيها من ناحية القانون: أم كانت محبوسة، ماعندهاش شغل، ولا وضع اجتماعي…
– وأنا؟ راجل متجوز، عندي بيت، ومستقر… المحكمة حتديني البنت وأنا مغمض.
نوال (بتقطعه بعصبية):
– لأ.
حسام (بيستغرب):
– يعني إيه لأ؟!
نوال (بتقوم من السرير بسرعة):
– تاخدها من سيلين؟ آه، تمام.
– نكسر قلبها؟ نغلي دمها؟ حلو!
– بس البنت تعيش عندي؟ أربيها أنا؟
– تصحى وشها قدامي كل يوم؟ لأ يا حسام.
حسام (بيحاول يبرر):
– نربيها جنب وليد، تبقى أخته!
نوال (بغضب):
– وليد ما عندوش أخت اسمها تاليا!
– دي بنت عدوتي، بنت الست اللي كانت الناس كلها بتحبها وتقارنّي بيها!
– أنا تعبت أطلع من تحت ظلها… علشان أربي بنتها؟! لا وألف لأ.
حسام (ببرود شيطاني):
– ماشي… نخليها وسيلة ضغط.
– سلاح… كل مرة سيلين تفكر تفتح بقها، تفتكر إن بنتها مش في حضنها.
نوال (بتبص له بتردد، ثم تهمس):
– كده… ممكن.
– تاخدها، تدخلها مدرسة داخلية، مربية تهتم بيها… أي حاجة، بس تبعدها عني.
حسام (بيضحك ابتسامة باردة):
– تمام… سيبيلي الموضوع ده.
– ورقة الحضانة… هتبقى سلاحنا الجاي.
نوال (بنبرة تقيلة):
– بس خليك فاكر، يا حسام…
– تاليا مش سيلين.
– ولو فيها نقطة واحدة من أمها… ممكن تعمل حاجة عمرنا ما نتخيلها.
حسام (بغرور وهدوء):
– أنا اللي بكتب النهايات، يا نوال…
– والمرة دي، هخليها تنتهي تحت رجلي… تاني.
(نوال تبص له بقلق واضح، وهو ياخد صورة قديمة له مع سيلين وتاليا…
ويبص فيها لحظة،
وبعدين يمزقها ببطء وهو بيهمس):
– حتى بنتك… هتبقى ورقة في إيدي
********************
بعد لحظات من كلام الحضانة
حسام لسه قاعد يتباهي بالخطة، ماسك موبايله بيفكر يبعت رسالة لمحاميه،
ونوال واقفة قدام التسريحة، بتمشط شعرها وبتهمس لنفسها:
نوال (بنبرة غيظ):
– يا رب تاليا تطلع كابوس في حياتها، زي ما سيلين كانت كابوس في حياتي.
وفجـــأة…
📱 موبايل نوال بيرن.
رقم مش معروف… بس نغمته غريبة كده، موترة.
نوال (بترد بتردد):
– ألو؟
وصوت أنثوي، بارد… عميق… يخترق الغرفة:
سيلين (من السماعة – بهدوء مرعب):
– مساء المؤامرات، يا عرايس الظلم.
نوال (وشها بيشحب، تهمس):
– سيلين!!
حسام (بيقوم بسرعة من على السرير):
– حطيها على السبيكر!
نوال تضغط… وصوت سيلين يملأ الغرفة:
سيلين (ببرود):
– خطط حلوة بصراحة… حضانة، استغلال، مدارس داخلية… باين عليكم مخكم شغال.
– بس عندكم مشكلة صغننة…
(نبرة سخرية)
– نسيتوا تشوفوا الكاميرا اللي فوق الدولاب… وورا الساعة… وتحت الإضاءة.
حسام (بصوت متوتر وهو بيبص حوالين):
– أنتي… بتراقبينا؟!
سيلين:
– لأ، أنا راقبت نفسي… وإنتو فتحتوا المايك… شكرًا أوي.
– على فكرة، صوتكم طالع زي الفل، حتى رعشة نوال لما قلت "تاليا" سمعاها الدنيا.
نوال (بتتلخبط):
– أنتي… أنتي ما عندكيش حق! ده اسمه تجسس و—
سيلين (بضحكة خفيفة):
– ولما لفقتهولي قضية قتل وسرقة شركة وسجنتوني ظلم… ده كان حق؟
– ولا القانون بيشتغل بالمزاج في عالمكم الوسخ؟
حسام (يحاول يسترجع السيطرة):
– ما تفتكريش إنك أقوى، يا سيلين! أنا معايا كل حاجة!
سيلين (بهدوء يخوف):
– معاك كل حاجة؟
(تضحك ببرود)
– إنت سرقت شركتي… وأنا بنيت إمبراطورية على رمادها.
– ثروتي دلوقتي؟ خمس أضعاف اللي سرقته.
– مش بس أغنى منك… أنا فوقك، بخطوتين… دايمًا.
نوال (بصوت مش مصدقة):
– مستحيل… إنتي كنتِ في السجن!
سيلين (بصوت مريب):
– في السجن… اتعلمت أخلق وحوش.
– واتعامل معاهم.
حسام (صوته مرعوب):
– عايزة إيه؟!
سيلين (ببرود قاتل):
– أنتو الاتنين… على لستة الحساب.
– وتاليا؟ بنتي. مش لعبة في إيد أي حد تاني.
– ووليد؟ بريء… بس أكبر نقطة ضعف فيكم دلوقتي.
(صمت… ثقيل)
سيلين (بهمس شيطاني):
– ناموا… لو عرفتوا.
📞 المكالمة بتتقفل.
نوال واقفة مصدومة، وشها شاحب، ودموعها على طرف عينها.
حسام ياخد الموبايل، يحدفه في الأرض بكل غضبه، ويصرخ:
حسام:
– من يوم ما خرجت من السجن، حياتي بقت كابوس!!!
(الضوء يخف… وصوت ضحكة سيلين بيملأ الخلفية… ضحكة تقطع النفس.)
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
فصل 5
بعد ما المكالمة اتقفلت على طول
الموبايل مكسور على الأرض.
نوال واقفة مكانها، وشها متجمد كإنها شافت عفريت.
حسام ماشي رايح جاي في الأوضة زي المجنون، يمسح وشه، يخبط على الترابيزة، يركل الكرسي برجله… وبعدين يقف فجأة.
حسام (بصوت مخنوق):
– مستحيل… مستحييييل! إزاي دخلت؟! إزاي ركّبت كاميرات جوا أوضتي؟!
(بيبص حواليه بجنون)
– دي أوضتي! قلعتي! محدش بيدخلها غير الخدام!
نوال (بصوت مبحوح):
– لازم… لازم تكون زرعت حاجة… أو يمكن…
(ترتعش)
– يمكن حد من الخدام بيشتغل لحسابها!
حسام (بيقف فجأة وبيصرخ):
– مين؟! مين فيهم؟ دول بقالي سنين معايا!
نوال (بهمس مرعوب):
– من خمس سنين يا حسام… الدنيا اتغيرت.
– وسيلين… سيلين بقت حد تاني.
حسام (يخبط الحيطة بغل):
– كل حاجة مترقبة! كل كلمة قلناها، سمعتها! حتى لما خططنا ناخد تاليا…!
نوال (بتقعد على طرف السرير، تحك في راسها):
– حسام… هي عارفة كل حاجة، وبتلعب بينا لعبة نفسية.
– لازم نضرب قبل ما تضربنا… لازم نسكتها… للأبد.
حسام (بيبص لها، عنيه مليانة شر):
– تقصدي نخلّص عليها؟
نوال (بهمس سام):
– أو ندمّرها من جوا.
– تاليا نقطة ضعفها؟ نخليها تكره أمها.
– نخلي الناس تشك فيها. نلفّق لها تهمة تانية.
– نرجعها السجن… حتى لو لدقيقة واحدة!
حسام (بعينين مجنونة):
– بس إحنا مش عارفين مصدرها، طلعت إزاي، ومين وراها؟
– لازم نعرف مين ظهر في حياتها.
نوال (بابتسامة صفرا):
– لو هي بتلعب شطرنج… إحنا هنلعب بالنار.
حسام (يقرب منها، يهمس):
– أنا مش هخسر… لا قدام سيلين، ولا قدام أي حد.
نوال:
– بس أول حاجة… نطرد كل الخدام. كـــلهم.
– ونفتّش الأوضة… حتة حتة.
– وأي كاميرا نلاقيها… نعرف إن عينيها علينا من جحيمها.
حسام (بيبص حواليه بقلق):
– حتى لو مش لقينا الكاميرا… هي دلوقتي شايفانا.
يسكتوا… والرعب يملأ المكان… العظمة اللي في الأوضة الذهبية، تتحول لسجن خانق
***********************
– بعد شوية –
الجو خانق… التوتر مالي الأوضة.
صوت الباب بيتفتح بهدوء…
إيد صغيرة تمسك بالمقبض…
وليد (عنده ٥ سنين) يدخل، شعره منكوش، وعينيه مليانة دموع.
وليد (بصوت خفيف بيرتعش):
– ماما… بابا…
(يتقدّم بخطوات مترددة)
– في صوت تحت الشباك… خوّفني…
نوال (تلف بسرعة وتحاول تبان هادية):
– حبيبي، مفيش حاجة، تعال…
حسام (ينفجر بعصبية):
– وليد!! مش وقتك دلوقتي!
(يضرب على الترابيزة)
– قلت لك كام مرة لما تنام… متخرجش من أوضتك؟!
وليد (بيرتعش ودموعه تنزل):
– آسف… بس… كنت خايف…
– في حد كان واقف يبص من الشباك… وفيه ظل…
نوال (تقوم بسرعة وتجرى ناحيته):
– ششش، تعالى عندي يا حبيبي، ماما هنا…
(تشيله وتقعد على السرير، تحضنه جامد)
وليد (يبكى بصوت واطي):
– هي خوّفتني… قالتلي إنها هتاخدني… زي ما أخدت بنتها…
نوال (تتجمد، تبص لحسام بصدمة):
– مين؟! مين قالك كده؟!
وليد (يمسح عيونه):
– صوتها… سمعته في المكالمة… نادت اسمي…
حسام (يهمس):
– مستحيييل… مستحيل يكون سمعها…
نوال (بهمس غامق):
– دي بتلعب بينا… وبتستخدم الطفل عشان ترعبنا.
حسام (بيبص لوليد بنظرة حقد مكسورة):
– وليد… اسمعني يا بطل.
(ينزل على ركبته قدام الطفل، صوته مرّ)
– انت قوي… ومينفعش تخاف من حاجة.
– ماما وبابا هيحموك، فاهم؟
وليد (يمسح دموعه):
– بس… أنا مش بحبها، الست اللي بتزعق في التليفون…
نوال (تحاول تبتسم، تمسك وشه):
– مش هتشوفها تاني، بوعدك… بس خليك دايمًا جنب ماما، ماشي؟
(وليد يومئ برأسه، وبعدين يدفن وشه في حضن نوال تاني… جسمه بيترعش من الخوف.)
حسام (يقف، يهمس لنفسه والغضب مالي صوته):
– بتستخدم ابني؟!
– والله يا سيلين… هرجعك للقبر اللي طلعتي منه…
– والمرة دي… مفيش رجوع.
نوال بتحاول تهز وليد علشان ينام، بس نظرتها شاردة…
وحسام واقف قدام الشباك، بيراقب الضلمة كإنه مستني مصيبة تطلع له.
وفي الركن…
نقطة حمرا صغيرة بتنور… من كاميرا مخفية…
ما اكتشفوهاش لسه
*********************
في شقة سيلين الفاخرة – أوضة المراقبة الخاصة – بعد نص الليل
الجو هادي…
بس التوتر مالي المكان كأن في كهربا في الهوا.
قدّام شاشة كبيرة متقسّمة لكاميرات مراقبة…
بتظهر صور أوضة نوم حسام ونوال، ووليد واقف بينهم بيعيط، وصوتهم طالع بوضوح من السماعات.
سيلين قاعدة في هدوء، رجل فوق رجل، لابسة بدلة سودة شيك، على وشّها ابتسامة خفيفة…
باردة… كلها مكر وحساب.
وراها أمينة واقفة بقلق، ماسكة كباية نعناع ما لمستهاش، وعينيها بتتنقل بين الشاشة ووش سيلين.
أمينة (بهمس وقلق):
– سيلين يا بنتي… خلاص، سمعتيهم، شفتي الرعب في وشّهم، عرفوا إنك مش لعبة.
– ليه ما تسيبيهم لربنا؟ ليه مكملة في السكة دي؟
سيلين (وعنيها مركزة عالشاشة):
– علشان أنا كنت اللعبة، خمس سنين.
– خمس سنين وانا بتوسّل، بنزف، بتمنى الموت… وهم؟
(تشاور عالشاشة)
– كانوا عايشين وبيضحكوا، بيسرقوا، وبيربّوا بنتي عند ست ستها شيطانة.
أمينة (تتنهد، تقرّب منها وتقعد جنبها):
– بس قلبك يا بنتي… خايفة يتغيّر.
– خايفة تنسي إنتي مين… وتروحي في سكة ما تعرفيش ترجعي منها.
سيلين (تضحك ضحكة قصيرة، تبصلها):
– أنا؟
– أنا فاكرة كويس أنا مين… ده أنا خلقت نفسي من جديد.
– واللي كان اسمه "قلب"؟ دفنوه يوم ما خدوا بنتي.
(تغمز بعنيها)
– بس متخافيش… مش ناوية أبقى وحش.
– الوحوش الحقيقية؟ هم اللي جوّه الشاشات دول.
أمينة (تشهق وهي شايفة وليد بيعيّط تاني):
– حتى الولد الصغير… خوّفتيه يا سيلين…
سيلين (بهدوء وابتسامة باهتة):
– ما قربتش له… ومش هقرب.
– بس خلتهم يحسوا بشوية من اللي أنا حسّيته… شوية بس.
– وحسام؟ بيتجرّأ تاني ياخد بنتي؟!
(صوتها يبقى حاد)
– لأ. دلوقتي… أنا بدوّر على رقبة جديدة في اللعبة.
أمينة (بخضة):
– تقصدي مين؟
سيلين (تضغط على ريموت جنبها، فتتحوّل شاشة لصورة راجل أنيق شايل شنطة سودا – المحامي "فادي شرف"):
– المحامي فادي.
– شاهد الزور، بياع الضمير، وتاجر العدالة.
– أول واحد هيذوق طعم الخوف… الحقيقي.
أمينة (تحط راسها بين إيديها):
– يا بنتي… لو عرفوا إنك اللي زرعتي الكاميرات؟ لو بلّغوا البوليس؟!
سيلين (بضحكة خفيفة):
– أنا؟ لا، دي مش شغلتي.
– اللي زرعهم "ضمير خادم عندهم"… وحسام ونوال لسه مش عارفين مين.
(تضحك بسخرية)
– دي لعبة ذكاء يا أمينة… لعبة طويلة… وأنا بدأت أكسب أول جول.
أمينة (تبصلها وتسأل بهمس):
– ولو خسرتي فيها يا سيلين…؟ أنا قلبي مش هيتحمّل.
سيلين (تمسك إيد أمينة بحنية نادرة):
– مش هخسر…
– هرجّع كرامتي… وكرامة كل بنت دمّروها وسكتت.
(تقوم ببطء، وتتجه للنافذة الواسعة، تبص على أنوار المدينة)
سيلين (بهمس):
– دلوقتي… دور المحامي
*********************
⚖️ صباح اليوم التاني – مكتب المحامي “فادي شرف”
الساعة عشرة الصبح.
شمس ناعمة داخلة من شبابيك عالية في أوضة مكتب شيك في برج زجاجي.
المكان منظم، هادي، كأنه عمره ما عرف الفساد…
بس الحقيقة؟ كلها بتقول عكس كده.
فادي شرف، في الخمسينات، لابس بدلة رمادي شيك، قاعد ورا مكتبه بيروّق على شوية ورق، بيشرب قهوته الفاخرة.
السكرتيرة كانت نازلة تجيب طلبات…
والباب؟ مش مقفول كويس.
والسكون؟ مستني يتكسر.
خطوات نعمة… بطيئة… تقطع الصمت.
صوت كعب حريمي بيعلى… بيقرب…
لحد ما يقف وراه تمامًا.
فادي (من غير ما يبص):
– ثانية واحدة بس… قولي لهم إني مشغول 10 دقايق.
صوت ناعم… واطي… بس فيه رُعب بارد:
سيلين:
– صباح الخير… يا أستاذ فادي.
(إيده تتجمد فوق الورق. عينيه توسّع. قلبه يوقف لحظة. بيشلّ.)
فادي (بهمس):
– مستحيل…
سيلين (تتحرك ببطء، تدور حوالين المكتب):
– لأ، مش مستحيل.
– سيلين المغربي… خرجت من جحيمكم.
فادي (يقوم بسرعة، يرجع ورا، يخبّط في الكرسي):
– أنـ… أنتي؟! لأ… أنتي في السجن!
– مؤبد! أنا… أنا حضرت المحاكمة بإيدي!
سيلين (بابتسامة فيها سخرية، تحط شنطتها على المكتب، وتقعد بكل هدوء):
– يا سلام… حضرت الإعدام؟ ولا كنت بس في الدفن؟
– عامل إيه؟
(تغمز)
– شكلك تعبان شوية… قلبك عامل إيه؟
فادي (بيحاول يلم نفسه، بيقّطع نفسه نفس):
– إزاي؟ إزاي خرجتي؟!
– أنتي… دي مش ممكن تحصل من غير إذني… أقصد… من غير حكم جديد!
سيلين (بتتظاهر إنها بتفكر):
– يمكن المحكمة فاقت على نفسها؟ واكتشفت إنها سجنت الغلط؟
– أو يمكن شطارتك في تزوير الأدلة ما كانتش قد كده؟
– أو… يمكن في حاجة إنت ما تعرفهاش.
(تميل عليه وتهمس)
– أنا عندي… سيف.
فادي (بيرتعش، يبص للباب):
– عايزة إيه؟ جيتي ليه؟!
سيلين (ببرود):
– أنا؟ أنا مش عايزة حاجة.
– جيت أبص عليك.
– كنت عايزة أشوف الرعب وهو بينوّر في عيني محامي كبير زيك…
– زمان، كنت أنا اللي بترعش قدامك…
– والنهارده؟
(تقف فجأة، تقرّب له خطوة)
– النهارده… أنا اللي بكتب النهاية.
فادي (بتوتر):
– لو جاية تهدديني… أنا أعرف ناس كبار!
– أبلغ الأمن دلوقتي حالًا!
سيلين (تضحك ببرود):
– بلّغ.
– قولهم: "الضحية جاتلي… وقالتلي إنها هشوفني قريب في القفص اللي أنا حطيتها فيه."
– فاكر؟ قلتلي يوم المحاكمة: "إنتي مريضة… والمجتمع لازم يتخلص من أمثالك."
– وأنا بقولك النهارده: أمثالك… لازم الناس تشوفهم من غير لا مهنة ولا ضمير.
فادي (يبلع ريقه بالعافية):
– أنتي… مجنونة.
سيلين (بابتسامة):
– لأ يا أستاذ فادي.
– المجنونة ماتت في الزنزانة…
– واللي واقفة قدامك دلوقتي؟
– ظلّها… جاي يحرق كل الظلال اللي زيك.
(تتجه ناحية الباب، تقف، تبص له قبل ما تخرج):
سيلين:
– النهارده كنت بلعب معاك…
– المرة الجاية؟
– هنلعب… على حقيقتك.
بتخرج… والباب بيتقفل وراها بهدوء مريب…
فادي ينهار على الكرسي، بياخد نفسه بالعافية، والعرق مغرق وشّه
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
