بقلم سيليا البحيري
جوه الشقة الجديدة – أوضة ماما
الساعة 9 بالليل
النور هادي…
مها نايمة على سريرها الأبيض، وشها هادي بس عينيها بتلمع تحت ضي الأباجورة اللي جنبها.
ليل واقفة ورا الباب، سايبة المجال… وساكتة، بس عينيها على أمها وآسر.
آسر بيقرب بخطوات مترددة… قلبه بيترعش.
آسر (بصوت مخنوق):
– ماما…
بيركع جنب السرير، ياخد إيدها اللي مش بتتحرك، يحطها على وشه، ويبوسها مرة واتنين وتلاتة… ودموعه بتنزل زي المطر.
آسر (وهو بيعيط):
– أنا آسف…
– آسف إني اختفيت…
– آسف إني ما كنتش راجل في وقت كنتوا محتاجيني فيه…
عنينا مها بتتفتح شوية، والدمعة بتنزل من طرف عينها… كأنها سابت وجع السنين يخرج معاها.
ليل واقفة بعيد، بتحبس دموعها بالعافية… بس الغضب لسه جوّاها.
ليل (بحدة وهي بتكتم وجعها):
– آسف؟
– جاي تقول آسف بعد سبع سنين؟!
آسر يقوم، يبصلها بندم ملوش آخر:
آسر:
– أنا ما هربتش يا ليل…
– أنا سافرت علشان أرجع أقوى…
– علشان آخدلك حقك، وحق ماما… وحق بابا.
ليل تبصله بعين كلها وجع، وتقرب منه خطوة:
ليل:
– وإحنا كنا بنموت كل يوم…
– وإنت كنت بتتعشى في مطاعم لندن ونايم في فنادق خمس نجوم؟
آسر (ينفجر بصوت موجوع):
– لأااا!!
– أنا كنت بنام في الشوارع أول سنة!
– اشتغلت حارس، وجرسون، وساعي…
– كل ده علشان أجمع فلوس، وأدخل عالم الوساخة بتاع حسام، وأدوس عليه برجلي!
– إنتي عارفة أنا شفت إيه علشان أوصل؟
– عارفة الدنيا كانت عاملة إزاي من غيركم؟!
يسكت لحظة، وبعدين يبصل مها تاني…
ياخد إيدها ويحضنها:
آسر (بصوت هادي مكسور):
– هو قتلك يا مها…
– قتلك من غير رصاصة…
– سرق روحك وإنتي أنضف حد في الدنيا…
– وأنا رجعت، علشان آخد لك حقك كله… لآخر نفس.
ليل عنيها تدمع… تسكت شوية، وبعدين تهمس:
ليل:
– اتأخرت… بس رجعت.
آسر يبصلها، يقرب منها، وهما الاتنين يرتموا في حضن بعض… حضن مكسور، بس بيلم اللي اتكسر.
عنيين مها تلمع من تاني… وإيدها تتحرك خفيف قوي… دمعة تانية تنزل من زاوية عينها… كأن روحها أخيرًا لقت نفسها
********************
ليل قاعدة على الكنبة، شايلة كباية شاي بإيديها، وعنيها نصها مليان دموع.
آسر قاعد قدامها، باين عليه هادي من برّه… بس إيده مضمومة والنار طالعة من عينه.
ليل (بنبرة واطية):
– كنت فاكر نفسك الوحيد اللي حسام خرّبله حياته؟
– لأ يا آسر… حسام هدّ حيوات كتير… ومسح بكرامة الناس الأرض.
آسر يرفع عينه ويبصلها ببطء.
آسر:
– كمّلي…
ليل (ببطء وجع):
– سيلين… كانت مراته.
– خدعها، وخانها مع واحدة اسمها نوال… واتجوّزها بعد ما لفّق لها تهمة قتل.
– قتل صاحبه ياسر، الراجل المحترم اللي كان أشرف منه، وسرق شركاته…
– وسيلين اتحبست ظلم خمس سنين!
– وخد بنتها منها أول ما ولدت في السجن… وادّاها لأخت نوال، تعذّبها كل يوم.
آسر يقوم واقف بشويش، وشه مصدوم وعنيه مولعة.
آسر (بذهول وغضب):
– عمل كده؟
– وسيب الناس تموت وتتبهدل ويتسرقوا؟
– ده ما ينفعش يتقال عليه بني آدم!
ليل (بتهز راسها):
– وخرجت… خرجت من السجن.
– اللي طلعها سيف البحيري… بس مش ببلاش.
– في بينهم صفقة… مش عارفة تفاصيلها، بس باين إنها تقيلة.
آسر يزفر جامد ويمشي شوية، ويقف عند باب البلكونة المفتوح.
آسر:
– سيف البحيري؟
– الاسم ده كبير… الراجل ده ليه وزن.
ليل:
– هو وسيلين اللي جابولي أنا وماما الشقة دي، وهيتكفّلوا بعلاج ماما.
– وسيلين… رغم اللي حصل لها، قلبها لسه حي… ولسه بتساعدنا.
آسر يبص لمها، وبعدين يبص في عين أخته بثبات.
آسر (بحسم):
– من النهارده… إنتي وماما مسؤوليتي.
– أنا اللي هعالجها، وأنا اللي هشيلكم على راسي.
– اللي باقي من عمري… ليكم.
ليل تبتسم ابتسامة حزينة وتحاول تعترض:
ليل:
– بس سيلين كانت…
آسر (بلُطف وهو يقاطعها):
– هاشكرها… وهبقى جنبها كمان.
– اللي حسام عمله فيها… لازم يدفع تمنه، كامل.
لحظة صمت، وبعدين آسر يهمس بصوت غليظ:
آسر:
– بس الانتقام من النهارده… مش بس علشان أبويا.
– بقى كمان علشان أم بنت حسام اللي ضمّرها.
– بقى للناس اللي راحت بسبب حقده ووساخته.
ليل تبص له، عنيها مليانة دموع وفخر…
لأول مرة من سنين… تحس إن فيه حد هيقف في وش الدنيا ويحميها
*****************
بعد كام ساعة
غرفة هادية، منورة بمصباح خافت.
آسر قاعد على الكنبة، باصص في الهوا، ماسك كباية شاي ساقعة من ساعة، ودماغه شغالة نار.
فجأة…
تليفونه بيرن.
المُتّصل: "رقم مجهول"
آسر (بيبص للتليفون، متردد، وبعدين بيرد):
– ألو؟
صوت هادي وعميق من الطرف التاني:
– مساء الخير… أو صباح الخير لو بتحب تبدأ يومك بدري.
آسر (بارتباك وشك):
– مين حضرتك؟ وإزاي جبت رقمي أساسًا؟
المجهول:
– مش مهم أنا مين دلوقتي… الأهم إني زيك.
– عندي تار قديم مع حسام… ولازم يتصفّى.
آسر (بيقوم واقف، صوته بدأ يبقى حد):
– إنت مين؟ أنا ما بحبش الألغاز… ولو دي لعبة، فخلّي بالك، أنا مش سهل.
المجهول (بيضحك ضحكة هادية على الطرف التاني):
– لا لعبة ولا فخ.
– أنا جاي أمدلك إيدي بتحالف.
– شوفتك من شوية… وسمعتك.
– عارف إنك راجع من لندن… وراجع علشان تاخد حقك.
آسر (مصدوم):
– إزاي تعرف الكلام ده؟
– إنت تبع مين؟ سيلين؟ سيف البحيري؟
المجهول:
– لأ… لا تبعهم ولا تبع غيرهم.
– أنا تبع الحق…
– وعلشان أقولك حاجة، حسام زمان قتلني… بس نسي يقفل الحكاية، وأنا لسه عايش.
آسر عينه بتتفتح على الآخر، صوته فيه صدمة:
آسر:
– إيه؟!
– إنت… كنت من ضحاياه؟ زيي؟ زي أمي وأبويا؟ زي سيلين؟
المجهول (بثبات):
– أكتر مما تتخيل.
– حسام سرقني، غدر بيا، وخان كل اللي صدّقوه.
– وأنا شايف إن الوقت جه… نرجّعه لكل حاجة عملها أضعاف.
آسر ياخد نفس عميق، إيده ماسكة التليفون بقوة.
آسر:
– ولو وافقت… نبدأ منين؟
المجهول:
– واحدة واحدة…
– نبدأ من المكان اللي اتولدت فيه المصايب.
– شركته.
– وخليني أقولك حاجة أخيرة…
– أنا مش داخل المعركة علشان سيلين، ولا ليل، ولا غيرهم…
– أنا داخلها علشان الضمير اللي اتدفن من زمان… واللي لازم نحييه من تاني.
آسر (بصوت هادي، بس فيه عزيمة):
– أنا معاك… بس لازم أعرف كل حاجة قريب.
– كل ما أعرفك، كل ما أقدر أقاتل جنبك بصدق.
المجهول (بنبرة غامضة):
– قريب… هتعرف كل حاجة.
– وساعتها… هتعرف إني كنت دايمًا أقرب مما تتخيل.
الخط يتقفل.
آسر يبص لتليفونه، وملامحه كلها خليط بين الصدمة، والفهم، والخوف اللي جواه شجاعة
*******************
فيلا حسام
الغرفة ضلمة شوية، نور خفيف طالع من الأباجورة الكبيرة.
حسام قاعد لوحده ورا مكتبه الضخم، عينه على الشباك، وتعبان من كتر التفكير.
حسام (بصوت واطي وهو بيكلم نفسه):
– في حاجة غلط…
– سيلين عمرها ما كانت ترجع بالثقة دي من غير ضهر قوي…
– وسيف البحيري؟ الاسم ده تقيل…
ياخد نفس جامد، يعدّي إيده على جبينه بتوتر… وفجأة صوت خطوات نوال، الباب بيتفتح من غير استئذان.
نوال (بضحكة مستفزة):
– منوّر لوحدك؟ ولا بتعمل جرد حساب؟
– شكلك كده مرعوب؟
حسام (بعصبية):
– سيلين ظهرت من تحت الأرض، وطلعت قاعدة مع البحيري في أفخم مطاعم القاهرة… ومعاها تاليا!
– متخيلة؟ كانت قاعدة بتضحك ومرتاحه…
– أنا مش مرتاح، حاسس حاجة كبيرة جاية.
نوال تقعد قدامه على الكرسي، رجل على رجل، وتبتسم بخبث.
نوال (بصوت ناعم ولسان سام):
– حبيبي…
– بدل ما تقعد ترتعش زي العيال، استخدم دماغك.
– البنت معاها؟ يبقى عندها نقطة ضعف.
– والنقطة دي نقدر نلعب بيها صح.
حسام يبصلها باستغراب، وهي تكمل بخبث واضح.
نوال:
– سيلين، في نظر الناس؟ ست خارجة من السجن.
– وسُمعتها؟ يا ريت ما نفتحش السيرة…
– حتى سيف البحيري؟ نقدر نجرّه معانا المحكمة بطريقة تانية خالص.
نوال تقوم تمشي في الأوضة كأنها بترسم مصيبة جديدة.
نوال (بتركيز شيطاني):
– نرفع قضية حضانة…
– نقول للقاضي إن سيلين مش مستقرة، خارجة من السجن، وبتقعد في أماكن مشبوهة مع رجالة…
– ونطلب إن البنت تبقى مع أبوها… الأستاذ حسام الجمال.
– الراجل الناجح، المستقر، المتدين… (تضحك بسخرية)
حسام يشبّك إيده، ويبتسم باهتمام.
حسام:
– ولو كسبنا القضية… هنسكن البنت فين؟ البيت هنا مليان مشاكل.
نوال (بتقرب منه وتهمس):
– نبعتها مدرسة داخلية في أمريكا…
– نرميها هناك وسط ناس ما تعرفهاش… وسيلين قلبها يتحرق عليها كل يوم.
– سيلين خسرتنا مرة، مش هتكسبها تاني أبدًا.
حسام يبتسم لأول مرة من أيام… وكأنه لقى طوق النجاة.
حسام (ببرود):
– فكرة شيطانية يا نوال…
– نبدأ من بكرة.
نوال تضحك وتلف حواليه زي التعبانة اللي بتلف حوالين فريستها، وتقول ببرود:
نوال:
– خليها تضحك مع سيف يومين… وبعد كده تضحك وهي تحت الأرض
********************
شقة سيلين الفاخرة – غرفة المكتب – الساعة 1:10 بعد منتصف الليل
الإضاءة خافتة… شاشة ضخمة أمام سيلين تعرض بثًا حيًا من غرفة حسام ونوال… الصورة واضحة… الصوت أنقى من البلّور…
تجلس سيلين على كرسي دوّار جلدي فخم، ساق فوق ساق، ترتدي بيجاما حريرية سوداء، وكوب من الشاي الأخضر في يدها… وخلفها، الدادة أمينة تنظف بهدوء لكنها تراقبها مندهشة.
نوال على الشاشة (من التسجيل):
– نبعثها لأمريكا، ونخلي سيلين تتحرّق كل يوم!
سيلين تميل برأسها قليلاً، تبتسم… ثم تنفجر بضحكة مكتومة.
سيلين (بسخرية):
– أمريكا؟ آه والله؟
– بنتي تاليا؟ في مدرسة داخلية؟
– برافو نوال… أخيرًا عقلك اشتغل… بس على كوكب تاني غير الأرض.
أمينة تتقدّم قليلاً، تحدّق في الشاشة وهي تضع يدها على صدرها.
أمينة (بقلق):
– حسبي الله ونعم الوكيل! لسه ناويين على الشر!
– يا بنتي، هي المراقبة دي لسه شغالة؟!
سيلين تمط شفتيها ببطء وتُشير إلى الشاشة.
سيلين (بثقة تامة):
– شغّالة يا ماما أمينة… وعاملة شغل عمري ما حلمت به.
– هما فاكرين إني هسيب الكاميرات ونساها؟ لااا…
– أنا سايباها مخصوص… عشان الغباء لازم يتوثّق!
تتناول الريموت، تُعيد المشهد من أول الضحك الشرير لنوال… ثم تمط شفتيها وتقلّد صوتها بنبرة ساخرة:
سيلين (تقلّد نوال):
– "نخليها تتحرّق كل يوم!"
– على أساس إنكم بقالكم خمس سنين عايشين بدون نار أصلاً؟
– أغبى ثنائي في الشرق الأوسط رسميًا.
أمينة تجلس على الكرسي المقابل لها، مزيج من الذهول والقلق على وجهها.
أمينة:
– وبعدين يا سيلين؟ هتعملي إيه؟
سيلين تنظر للشاشة، تتأمل وجهي نوال وحسام… ثم تُطفئ الصوت، وتدير الكرسي نحو أمينة.
سيلين (بهدوء مشحون):
– ولا حاجة… مش هكلّمهم المرة دي…
– أنا هسيبهم يتنفّسوا شوية…
– خليهم يحسّوا إنهم سابقيني بخطوة… وأنا أصلاً سبقاهم بخمسة.
تنهض من مكانها، تمرر يدها على شعرها، ثم تنظر إلى شاشة الكاميرا بنظرة انتصار خالص.
سيلين (بابتسامة خبيثة):
– عندهم ٢٤ ساعة… بعدها؟ هتبدأ اللعبة الحقيقية.
– ودي كانت مجرد بروفة
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
