
رواية أسد مشكى الفصل السابع والاربعون 47 والاخير بقلم رحمة نبيل
| لأنها سُليمىٰ|
الفصل اهداء لكم جميعًا، لكل من شاركنا الرحلة، ولكل من غاص معنا بتفاصيلهم، شكرًا لكم ...
صلوا على نبي الرحمة .
وللمرة الأخيرة هنا " قراءة ممتعة "
ـــــــــــــــــــــــ
ومازال الحصار، بل زاد على المعتصم الذي شعر أنه يُستجوب كما لو كان مجرمًا، والله لا ينقصهم سوى ربطه بمقعد وتحطيم عظامه حتى يكشف كل ما يعلم عن أرسلان.
_ماذا فعل ؟؟ أرسلان سيعود لممارسة الطب مجددًا ؟!
كانت تلك جملة سالار المتشنجة وهو يسمع ما قال المعتصم وقد كان الأخير هووالشخص الذي يساعد أرسلان في تجهيز كل شيء خاص به وبالملكة، بينما إيفان ما يزال صامتًا وكأن الصدمة لم تزل بعد عنه .
_ هذا الحقير، لقد ...لقد توسلته منذ سنوات ليفعل ورفض رفضًا قاطعًا.
وضع سالار يده على فمه وكأنه يرغب في كبت ضحكته، يراقب وجه إيفان، يتذكر كم عانى قديمًا حينما علم من أرسلان أنه سينبذ دراسته لأجل الحكم، لقد توسله بكل ما للكلمة من معنى ألا يفعل، وقد كان أرسلان وقتها بارعًا في دراسته، اخبره أن هذه خسارة لهم، لكن أرسلان أصر وهو يردد بهدوء أن هناك الكثيرين يمكنهم فعل ذلك، لكن هو فقط من يستطيع إدارة بلاده وإخراجها من ظلامها.
وحينما طالت صدمة إيفان انفجر سالار في الضحك وهو يهتف من بين ضحكاته:
_ لا تحزن إيفان، لكن أنت لست زوجته لينفذ لك كل ما تتمنى عزيزي.
ختم حديثه ينفجر في ضحكات صاخبة مع المعتصم الذي حاول أن يدعي الجدية في البداية قبل أن تفلت منه ضحكات متفرقة.
وايفان يتابعهم بغيظ شديد :
_ هذا الحقير .
تحدث سالار من بين ضحكاته :
_ الوغد فعلها وأحضر لزوجته مهرًا لم يسبقه به أحدهم، حسنًا لننظر للجانب الإيجابي، لقد اعادت لنا ملكة مشكى جزء من روح أرسلان، وأنا أثق برحمة الله بنا ومفعول ملكة مشكى، أنه في غضون سنوات قليلة ستعيد لنا أرسلان بالكامل .
نظر لهم المعتصم بسخرية وهو يردد بينه وبين نفسه :
_ هذا إن لم تفعل بالفعل ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخيرًا وصل لها وهو يمسك يدها بسرعة قبل أن تهرب مرة أخرى، يجذبها صوبه وهو يتحدث بأنفاس لاهثة وبصوت حانق :
_ مابكِ توبة، بالله عليك ما بكِ ؟! لقد جُبت قصر مشكى بأكمله بحثًا عنكِ حتى كادت انفاسي تتلاشى، أين اختفيتي فجأة بهذا الشكل ؟؟
نظرت له توبة بملامحه محتقنة وقد بدا أنها تكبت بكاءً، والحسرة تملؤ وجهها بشكل جعل أعين نزار تتسع بقوة، يقترب منها بسرعة يطمئن عليها بعيونه قبل أن يهتف بلوعة :
_ توبة؟؟ ما الذي حدث لكِ ؟؟ هل ...هل هناك من ازعجك .
سقطت دمعة من عيون توبة دون شعور وهي تنظر له بوجع ليطلق نزار تأوه مرتعب يجذبها بين أحضانه بسرعة دون أي مقدمات حتى أنه نسي أين يقف، لم يهتم سوى بمعرفة سبب قهر وحزن زوجته الواضح ؟؟
يربت عليها بحنان وهو يحاول أن يفهم منها ما يحزنها، وهي فقط تبكي بشهقات مرتفعة تتمسك به لا تتحدث بكلمة واحدة تطفأ نيران صدره المشتعل .
_ توبة بالله عليكِ تحدثي فإن لم تفعلي فصدقيني عقلي سيرسم لي اسوء الأفكار بحثًا عن سبب بكائك هذا .
تحدثت توبة وهي تتمسك بثيابه بقوة :
_ لقد .....لقد ....
توقفت وكأنها لا تجد ما تعبر به عن دواخلها، أو ربما كانت شهقاتها اقوى لتفعل، نظرت له برفض وكأنها تخبره أنها لا تستطيع ذلك، تنأى بعيونها عنه .
ونزار الذي يعلم من نظرتها هذه أنها لن تتحدث ولو قُطعت، فقد كامل صبره ليتحرك بها بهدوء صوب غرفتهم وهي فقط ما تزال تبكي، تركها دون كلمة واحدة وخرج يغلق الباب خلفه بقوة يبحث عمن يساعده وهو يدرك تحديدًا اين سيجد هذا الاحدهم .
يتحرك وهو لا يبصر أمامه سوى سواد، وحينما أبصر والده تحرك له يتحدث بجدية :
_ أبي أين " مِهرماه " ؟!
رفع آزار عيونه صوب نزار بعدم فهم، ولم يكد يتساءل بكلمة حتى وجد نزار يندفع بسرعة صوب إحدى الجهات حينما أبصرت شقيقته الصغرى وهي تتحرك بلهفة مع بعض النساء .
توجه لها وهو يخفض عيونه بعيدًا عن النساء يهتف بصوت قوي :
_ مِهرماه، تعالي هنا .
توقفت مهرماه وهي تنظر صوب أخيها بخوف، ومن ثم حركت عيونها بين الجميع لتبصر والدها يتحرك خلف نزار يراقبهم بعدم فهم .
اقتربت مهرماه من شقيقها بتردد، تهتف باحترام وخوف من ملامحه الحادة والتي كانت نادرًا ما تظهر معها :
_ نعم أخي ؟؟
مال نزار بجسده وهو يحاول التحكم بملامحه ونبرة حديثه أمام شقيقته :
_ لقد تركتكِ مع توبة، ما الذي حدث في غيابي عنها؟؟ لقد وجدتها باكية، هل هناك ما حدث ويجب أن اعلمه ؟!
نظرت له مهرماه بتردد وهي تحرك عيونها بينه وبين والدها، تفكر باللجوء لوالدها كي تحتمي به، ولم تكد تفعل حتى وجدت آزار نفسه يتدخل بالحديث بعدم فهم :
_ هناك من ابكى توبة؟ من هذا الذي ستفقده والدته اليوم ؟؟
لم ينزع نزار عيونه عن شقيقته وهو يتحدث بإصرار :
_ هذا ما ستخبرنا به مهرماه، صحيح صغيرتي؟
نظرت لهم مهرماه بخوف شديد وهي تحاول الحديث بكلمات منسقة:
_ لقد ...جعلتني توبة أعدها أنني لن ...لن أخبر أحدهم .
اشتد جنون نزار وهو يثق الآن أن ما حدث لم يكن بسيطًا البتة، فإن كان لم تكن شقيقته لتخشى بهذا الشكل وما كانت توبة طلبت اخفاء الأمر .
_ مهرماه إن لم تتحدثي فصدقيني ستكون قطيعة بيننا لفترة لن تسرك .
وهذا كان أقصى ما تخشاه مهرماه أن يقاطعها نزار وهو كان الوحيد الذي تعلم من الاصدقاء، لتسقط دموعها بقوة وهي تنظر لوالدها تترجاه :
_ أبي أرجوك، توبة ستغضب مني إن تحدثت، هي ...لا تريد لنزار أن يعلم حتى لا تثر مشاكل هنا وتفسد الزفاف أو ...
قاطعها آزار بصرامة وهو ينظر لها بحدة وصوت ذو نبرة شديدة قلما يستخدمها مع مدللته الصغيرة :
_ مهرماه تحدثي وإلا لن تكون قطيعة من طرف شقيقك فقط .
سقطت دموع مهرماه وهي تهتف بصوت مرتجف خوفًا من والدها وشقيقها :
_ لقد ....كانت تساعدني و...كانت ترافقني للمرحاض بعدما فسد حجابي لتساعدني لكن في الطريق استوقفنا رجل ...هو ....لقد تحدث معها بكلمات احزنتها، لكنها لم تصمت اقسم أنها ردت الكلمات له ورحلنا.
اشتدت عيون نزار بشكل مرعب، وقد بدا أنه تحول، رجل يتعرض لزوجته؟؟ ظن أن الأمر ربما اقتصر على حديث بعض النسوة، لكن أن يتجرأ رجل ويعطي لنفسه الحق ويتحدث لزوجته أو حتى يستوقفها هذا ما لم يتخيله .
اشتعل جسده بالكامل وهو يشعر برغبة عارمة في نزع عنق ذلك الرجل يهتف بصوت كما لو جاء من الجحيم :
_ مهرماه صغيرتي، هل سبق وقابلتي ذلك الرجل أو تعرفتي عليه ؟؟
نظرت له مهرماه برعب وهي تتحرك صوب والدها تتمسك بمرفقه، تطلب مساعدته، ليربت الأخير بلطف على كتفها :
_ صغيرتي أخبري شقيقك إن تعرفتي على ذلك الرجل ؟!
_ هو ..لقد ....هو قريب ....لقد ابصرته من قبل مع زهور...واخبرتني أنه قريبها
ضيق نزار عيونه وقد خمن في هذه اللحظة هوية الحديث الذي يمكن أن يكون قد اغضب زوجته، رفع عيونه صوب والده يتحدث بجدية :
_ هل لزهور أقارب في مشكى هنا ؟؟
صمت آزار ثواني وكأنه يراجع كل ما يعلمه قبل أن يتحدث بتذكر ولم يكن متأكدًا من الأمر:
_ نعم سيف الدين ابن خالتها الأصغر، انتقل لمشكلى منذ سنوات حسب ما اتذكر .
اسودت عيون نزار وهو يمسك يد مهرماه يتحرك بها بسرعة تاركًا آزار يراقب ما سيحدث مدركًا أن ولده سيحيل المكان لجحيم، يشكر ربه أن أرسلان غادر وإلا كان نسي زفافه وشارك ولده جنونه .
تنفس بصوت مرتفع يتحرك بسرعة يبحث عمن يمكن أن يساعد لتهدأة الأمور إن تفاقمت ..
أما عند نزار فلم يكن يعلم من أين سيبدأ يتحدث لشقيقته يسألها أين ابصرته وفي أي اتجاه رحل، يبحث عنه بين الجميع ويسأل كل من يقابله عن " سيف الدين" هذا حتى وأخيرًا وصل لجماعة من الجنود يحتفلون في أحد جوانب القصر ليتحدث هو بهدوء :
_ هل هو واحد منهم عزيزتي ؟؟
رفعت مهرماه عيونها تبحث بين الجميع حتى اهتدت للرجل نفسه، تهز رأسها بنعم ترفع يد مرتجفة تشير صوب الرجل ليتأكد نزار من هويته يترك يد شقيقته :
_ شكرًا صغيرتي والآن عودي للاحتفال، هيا .
_ نزار أرجوك ....
_ لا تقلقي صغيرتي فقط سأتحدث معه وأخبره كيف يضع حدودًا بينه وبين أي امرأة أخرى.
ترك يدها يدفعها بخفة بعيدًا وهي رحلت بسرعة قبل أن يغضب منها نزار، والأخير بمجرد أن أبصر اختفائها حتى تحرك بهدوء صوب الجمع يربت على كتف سيف الدين متحدثًا ببسمة صغيرة وصوت هادئ يسحبه بعيدًا خشية أن يفسد زفاف أرسلان:
_ أتسمح لي بكلمة جانبًا سيف الدين ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عفوًا سيدتي هل ضللتي الطريق؟
توقفت فاطمة في طريقها بعدما كانت تتبع بعض النسوة صوب قاعة الرقص والاحتفال ببسمة واسعة، لكن ذلك الصوت أوقفها تستدير صوب المتحدث بوجه مبتهج تتحدث بسعادة :
_ المعتصم .
_ فاطمة حبيبتي .
_ هل جئت لتحتفل معنا ؟؟
تشنجت ملامح المعتصم لا يفهم ما تتحدث به :
_ احتفل معكم ؟!
_ نعم نحن في طريقنا لقاعة الاحتفالات، انضم لنا .
ابتسم المعتصم وهو ينظر صوب الجهة التي تشير لها وقد كانت نفسها الجهة المؤدية لقاعة النساء، يهز رأسه وكأنه يفكر جديًا في الأمر :
- يبدو عرضًا لطيفًا، لكنني في الحقيقة أحب أن احتفظ برأسي لوقت أطول فوق كتفي حبيبتي .
نظرت له بعدم فهم وهو تحرك بعيدًا عن الجدار الذي كان يستند عليه يمسك يدها يجذبها له وهو يضحك بصوت مرتفع على ملامحها :
- انضم لمن وأين ؟؟ عزيزتي هذه قاعة النساء هل تريدين أن تُقطع رأسي، ومن ثم ماذا سأفعل معكن هناك اضرب الدف ؟؟
نظرت له ثواني قبل أن يشتد احمرار وجنتيها وقد أدركت للتو ما قالت وكأنها شردت ولم تنتبه أنها تتحدث مع زوجها .
ازدادت ضحكات المعتصم أكثر وهو يضمها له يداعب وجنتها بحب :
_ جئت فقط اطمئن أن كل أمورك جيدة .
_نعم كل شيء رائع هنا لقد رقصت كثيرًا في الداخل .
_ إذن تستطيعين الرقص ؟!
_ بالطبع لقد تعلمت منذ طفولتي .
_ وأنا من ظننتك بريئة صغيرة وخفت خدش حياءك بطلبي لرؤيتك ترقصين ؟؟
نظرت له وهي تضيق عيونها وكأنها لم تلتقط طلبه الخفي، وهو علم أنها لم تفعل لذا جعله ابسط لها وهو يهتف بجدية :
_ ما رأيك أن نقضي اليوم في منزلك ؟!
_ منزلنا .
ابتسم لها بحب وهو يقبل رأسها بحنان شديد :
_ بل هو منزلك عزيزتي، اليوم مساءً حينما ينتهي كل هذا، يناسبك ؟؟
تحمست فاطمة بقوة وهي تهز رأسها بنعم ليتركها المعتصم ببطء، يساعدها لترتيب ثوبها وحجابها، يبتسم لها بحب :
_ يا ويلي عسى ألا تصيبك عينٌ بالحسد فاطم .
رمشت فاطمة بحب وهو مال يقبل باطن كفها :
_ إذن سمو الأميرة اليوم ألقاكِ لنذهب سويًا لمخبئنا السري بعيدًا عن هذا العالم ؟؟
_ هل أحضر معي سيفي ؟؟
كانت جملة قطعت بها فاطمة الجو الشاعري الذي بناه هو في ثواني، فبعدما كان يجهز لليلة شاعرية بينهما ها هي زوجته الحبيبة تخطط لقلبها حرب ستنتهي بغضبها منه واتهامه أنه يحاول التخلص منها بعدما يلمسها سيفه بالخطأ.
خرج من شروده على ملامحها المتحمسة وهي تضم كفيها برجاء وتبتسم له ببراءة، ليتنهد وهو يردد مبتسمًا مغلوبًا على أمره:
_ لا بأس احضري معكِ سيفك .
أطلقت فاطمة صيحة سعيدة وهي تميل بسرعة تقبل خده، ومن ثم ضمته بحب قبل أن تودعه وتلوح له راكضة صوب القاعة :
_ لا تنسى سأنتظرك اليوم مساءً حسنًا، لا تنسى يا المعتصم .
فرك المعتصم رأسه وهو يتنهد بصوت مرتفع :
_ نعم أنا من سينسى صحيح .....
ــــــــــــــــــــــــــــ
_ ماذا ؟؟ أنا ؟!
_ لا بل عثمان أخيكِ، جاء الرجل يطلب يد شقيقك.
كبت عثمان بسمته وهو يتحدث بمزاح :
_ حسنًا أنا موافق فهذا رجل لا يعوض لو تعلم يا أبي، وسيم ذو اخلاق كما أنه قائد الجيش الثاني، الرجل لا يرفض .
اشتعل وجه ديلارا بخجل شديد وهي تشعر بضربات قلبها تعلو، لا تصدق أن ما تسمعه حقيقة، هل ...هل طلب وصالها لتصبح زوجته .
خافت أن تكون قد أخطأت الأمر، لذا تساءلت مجددًا :
_ هل هو ...من هو أخي ؟؟
_ القائد تيم يا قلب اخيكِ، قائد جيوش مشكى الثاني، أعتقد أنكِ ربما قابلتيه سابقًا .
اتسعت عيونها تنفي عنها التهمة بسرعة وهي تهز رأسها:
_ أنا؟ لم يحدث أنا...اسمع عنه للمرة الأولى منك الآن، لا ادري حتى كيف يكون .
وكلمة كاذبة صاخبة رنت داخل أذنها، لتبتلع ريقها تحاول أن تتمالك رعشة يدها وشقيقها يراقبها ببسمة حاول اخفائها .
ووالدها يسمع بهدوء ما يحدث دون أن يتدخل في شيء، ومازال ذلك الحائط من العداء بينه وبين ابنته، الحائط الذي بناه هو بنفسه بعدما غادرهم وترك أعباء الحياة فوق كتفها هي تعتني بنفسها وشقيقها، لتشعره هي بعجزه وتقصيره الذي كره رؤيته في عيونها وبالتالي كره رؤيتها هي كذلك تمامًا كما سبق وحدث مع والدتها.
انتفض من مقعده حينما سمع صوتها توجه له الحديث للمرة الأولى :
_ ما رأيك أنت ؟!
نظر لها بعدم فهم ظنًا أنها تتحدث مع عثمان، لكن عيونها كانت موجه لها ليشعر يالريبة وهو يشير على نفسه :
_ هل تتحدثين لي ؟؟
وديلارا التي كانت تطبق في هذه اللحظة نصائح سلمى، شعرت بالتوتر وكأنها تتحدث مع رجل غريب وليس والدها :
_ نعم ما رأيك أنت..... أبي ؟؟
انتفض قلب أنورين يشعر بصدمة من الكلمة التي نطقت بها، ينظر صوب عثمان بأعين متسعة مصدومة والأخير لا يقل صدمة عنها، بلل انورين شفتيه يحاول الحديث :
_ أنا....في الواقع أنا لم ....الرجل لا يرفض كما قال أخوكِ .
ابتسمت له بسمة صغيرة جعلته يراقبها بصدمة، وهي تهز رأسها تخفضها ارضًا تبتلع ريقها وهي تهمس بصوت منخفض :
_ إذن...ربما نعطه فرصة .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومع انتصاف اليوم بدأت الاحتفالات تزداد بين طرقات المملكة، الجميع يحتفل، وقد أضحت الأجواء أكثر بهجة ..
عدا غرفة واحدة كانت تغرق بالظلام، وصاحبتها تغرق بنفس الظلام وهي تحدق بالسقف تتذكر ما قيل لها منذ ساعات قليلة .
" أنتِ أميرة، لكنكِ لم تحصلي على قطرة واحدة من نبل الأمراء لتبني حياتك على اطلال حياة امرأة أخرى غيرك، كان من الممكن أن تعود زهور للأمير بعدما تدرك الحقيقة، لكنكِ بفعلتك قطعتي عليها أي فرصة لإعادة حياتها كما كانت "
" أولم تخبرك المرأة الأخرى أن حتى عودة الأمير لما كان عليه، لن تغنيها عن حرية تسعى لها، لا تضحكني وتخبرني أن السيدة زهور اقنعتك بأن الحائل الوحيد بينها وبين الأمير هو ما ارتكب نزار "
نظر لها سيف الدين بعدم فهم وقد بدا أنه لا يعلم شيئًا عن زهور التي ابتعدت بالكامل عن حياة نزار ولم تعد أو تفكر في العودة حتى :
" صدقيني أنتِ لا تعلمين شيئًا، الجميع يعلم كم كان نزار عاشقًا لزهور وهي كذلك كانت تعشقه وأنتِ...مجرد دخيلة "
شحب وجه توبة وهي تحاول تمالك نفسها كي لا تصرخ به وتنسى كل ما تربت عليه :
" وهذه الدخيـــلة هي ملكة آبــى المستقبلية، فاعلم قدر نفسك وأنت تتحدث لها، ومن ثم لن يضيرك أن تتحدث لقريبتك لتدرك منها نوع العشق الذي كانت تكنه لسمو الأمير "
كادت ترحل لكنها توقفت فجأة تنظر له بشر مستعر :
" ونعم سيفيدك تعلم بعض المروءة كي تتعلم ألا تتطاول عن النساء "
ختمت حديثها وهي تتحرك تاركة إياه واقفًا مكانه وكلماته ما تزال ترن داخل أذنها، مسحت دمعة كادت تفر منها، تشعر بالباب يُفتح ببطء .
ادعت النوم وهي تجذب الغطاء عليها رافضة أن تظهر أي شيء أمام نزار، يكفيها انهيارها الغبي بين أحضانه منذ ساعات .
ونزار فقط ودون كلمة واحدة مال يضم جسدها لاحضانه يتحرك بها ببطء صوب الشرفة يجلس بها على أحد المقاعد هناك يربت عليها بحنان وهو يراقب الاضواء الخاصة بالاحتفالات في ربوع المملكة .
أما عنها فظلت تدعي نومًا هربًا من المواجهة، ليبتسم وهو يراقب الاضواء الملونة أمامه يهتف ببساطة ولطف :
_ إذن سنقضي الليل تدّعين النوم هربًا مني ؟! أعلم أنكِ مستيقظة، معدل ضربات قلبك لا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال معدل طبيعي لإنسان نائم توبة.
فتحت توبة عيونها ببطء وهي تنظر له من أسفل رموشها لتبصر وجهه وبسمته وهو ينظر لها وقد كانت عيونه أشد التماعًا من الأضواء التي تملئ المملكة في هذه اللحظة ..
_ حينما يزعجك أحدهم لا أحب أن تهربي منه ومني، بل سأكون سعيدًا لاشرح له كيف يتعامل مع اميرتي وملكة آبى .
نظرت له ثواني قبل أن تهمس بصوت منخفض :
_ هل علمت ؟؟
_ وهل كنتِ تنتظرين مني تجاهل شيء ابكاكِ؟! لا استحقك إن فعلت توبة .
هبطت دمعة من عيونها ليميل بسرعة يقبل عيونها هامسًا بصوت حنون :
_ لعنة الله على من أسقط منكِ دمعة ولو كان أنا توبة، لا تبكي حبيبتي لقد ... أخذ ما يستحقه.
_ ما الذي فعلته معه ؟! لم يكن عليك ...
_ بل كان عليّ، ومن ثم لا تشغلي عقلك هذا سوى بي فقط .
وتوبة كانت فقط تراقبه مرتعبة من فكرة أنه تسبب في مشاكل لنفسه مع أحدهم.
لكنه فقط مال لها يطبع قبلة حنونة على وجهها :
_ لا تفكري في الأمر، انتهى تخطينا هذا الفصل من حياتنا وقد أوضحت بالفعل للعزيز سيف رأيي في حديثه .
نظرت له بحب وهي تحاول التحدث بما يؤرقها ورغم أنه أكد لها مئات المرات قبلًا إلا أن قول أحدهم أنه كان يعشق زهور ومازال شيء أوجعها دون إرادتها .
وقبل التحدث تراجعت، لا تريد أن تفسد حياتها بزج امرأة أخرى بها ولو عن طريق بضع كلمات متشككة .
ابتسم وهو يستشف نظراتها الحزينة يستند بجبينه على خاصتها وهي ما تزال ممددة بين أحضانه :
_ محظوظ ذلك القلب الذي من بين الجميع نال عشق امرأة مثلك توبة، وقسم بالله إنه لن يفعل ويعشق أخرى ولو كان السيف على رقبتي .
نزلت دموع توبة وهي ترفع يدها تضم رقبته ليبتسم هو بسمة واسعة بحب وهو يرفع جسدها له أكثر يسند رأسها على كتفه يربت عليها بحب وهو يراقب السماء التي بدأت تُنار بالكثير من الانوار الملونة والكثير من المصابيح التي يطلقها شعب مشكى في الهواء.
وتوبة اتسعت عيونها بانبهار مما ترى، ساعدها نزار لتقف على أقدامها وهي تقترب من سور الشرفة ليحيطها هو من الخلف يميل بذقنه على كتفها يراقب معها الانوار :
_ أعجبتك ؟!
_ هذا ... رائع.
_ إذن احضر لك الكثير من أرسلان وكل ليلة أطلق بعض المصابيح لأجلك.
اتسعت بسمة توبة وهي تستشعر لأول مرة في حياتها راحة وهدوء وكأنها يومًا لم تعرف معنى أن يحبها رجل أو تحب هي رجل، تختبر كل شيء لمرته الاولى مع نزار، الرجل الذي رافقها نصف طفولتها ونبذها مراهقتها وشبابها، ليأتيها وهو رجل ناضج يضمها له زوجة .
كانت تركض خلف مشاعر وهمية، بينما الله يخبئ لها من الحياة درر .
_ ماذا كان سيحدث إن لم نلتقي بالجحر نزار ؟؟
_ كنت لألقاكِ في سبز أو ربما في مشكى أو في سفيد أو حتى آبى، لا يهم في أي بقعة ألقاكِ فالنتيجة كانت لتكون واحدة .
صمت وهو يزيد من ضمها يهمس لها بحب :
_ وجودكِ بين أحضاني توبتي .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تمطي حصانها بكل مهارة تحسد عليها، وهذا بعد أيام تدريب قليلة، ليدرك المعتصم في هذه اللحظة أن زوجته لو تدربت منذ طفولتها كما تتدرب الاميرات لقادت جيوشًا إن أمكن.
_ خسر جيش مشكى محاربة عظيمة فاطمة .
نظرت له فاطمة وحجابها يتطاير خلفها وهي تضحك بصوت مرتفع وسعادة كبيرة لا تظهر سوى في عيونها الظاهرة من خلف اللثام، تراقب الطريق أمامها تفتح ذراعيها للهواء براحة كبيرة وكأنها تنقي جسدها من كل حزن أصابه يومًا ..
والمعتصم يراقبها باهتمام خوفًا أن تزل في أي لحظة :
_ فاطمة هل تعلمتي امتطاء الخيل قبلًا ؟؟
نظرت له فاطمة ثواني وكأنها تحاول التذكر :
_ أبي علمني القليل في مراهقتي وكذلك أخي كان يسمح لي بعض الأوقات أن أفعل لكنني توقفت منذ توفاهم الله .
_ رحمة الله عليهم .
ابتسمت له بحب، وهي تقترب بحصانها له، تهتف بمشاكسة وسعادة كبيرة وهي في طريقها معه صوب منزلهم الخاص الذي صنعه هو لها ليكون ملجئًا لهما .
_ إذن تريد مسابقتي؟
نظر لها ثواني وقبل التحدث بكلمة رفعت يدها وهي تشير للطريق:
_ ألقاك عند باب المنزل يا المعتصم .
وفي ثواني اختفت فاطمة بحصانها بسرعة مرعبة جعلت المعتصم يتصنم في مكانه لثواني وقد شعر أنه يحلم، يراقب أثر تحرك فاطمة لتعلو نظراته الصدمة قبل أن ينغز حصانه بقوة يلاحقها وقد بدأت بسمة ترتسم على فمه بحماس شديد .
يطلق صيحة عالية وهو يلاحقها ومن يبصرهما يظن أنه يلاحق مجرم خطير ...
وعلى اضواء المصابيح الملونة وأصوات الاحتفالات التي تملئ المملكة كان زوجته الخجولة الصغيرة تعدو أمامه كمهرة جامحة، وهذه النسخة من فاطمة، أحبها وبشدة .
نظرت فاطمة خلفها صوب المعتصم والذي كان يتعمد تركها تهزمه إن كانت مكافأة تخاذله ابتسامة منها .
هو يُهزم وهي تبتسم، ومن ثم يسعد هو ..
ضحكت فاطمة تراقبه، ثم عادت بنظراتها صوب الطريق وهو زاد من سرعة حصانه صوبها بشكل جنوني، وفاطمة فقط تراقب طريقها باهتمام وحماس شديد .
لكن فجأة شعرت بجسدها يرتفع عن الحصان ويسقط بين أحضان المعتصم الذي ضمها له يهمس بحب :
_ أحب أن نكمل طريقنا سويًا فاطم .
نظرت له فاطمة بفم ملتوي وهي تستكين لأحضانه تشعر بالراحة والسعادة تتغلغل لصدرها :
_ هذا لأنك شعرت بخسارتك تقترب .
_ عزيزتي أنا خسرت منذ أيام طوال، عن أي خسارة تتحدثين أنتِ الآن؟؟
ابتسمت فاطمة وهي تراقبه لتتسع بسمتها اكثر وهي تراقب منزلهم يلوح في الأفق.
أطلق المعتصم صفيرًا للحصان الآخر ليتوقف، يوقف خاصته جوار المنزل ينزل بسرعة ومن ثم رفع كفه وهو يجلس على ركبته يهمس بحب :
_ سمو الأميرة ...
أمسكت فاطمة بكفه وهي تهبط بمساعدة قدمه التي وضعها كمسند لها، وهي ترفع طرف فستانها تحيا اللحظة كأميرة له.
وحينما استقرت ارضًا ابتسمت له تطلق ضحكة صغيرة وهي تردد :
_ شعرت بنفسي أميرة للحظات .
_ والله في عيوني لا يستحق أحدهم حمل اللقب بعدك صغيرتي .
نظرت له تبتسم له بحب، وهو أمسك يدها يميل نصف ميلة :
_ إذن سمو الأميرة اسمحي لي بمشاركتك هذه الليلة وآخذك لحلم من احلامي .
هزت رأسها له وهي تردد بهدوء :
_ سمحت لك عزيزي .
ضحك وهو يجذب يدها خلفه وهي تهرول معه صوب المنزل، تشعر يروح جديدة تبعث داخل جسدها، ورغم أنها لم تشفى بعد من أصوات عقلها وما تزال تبصر خيالات حولها، إلا أنها تدرك كيف تبعد تلك الخيالات ..
بوجود المعتصم .
اوهامها تخشى المعتصم .....
دخلت معه المنزل تتحرك معه بسرعة صوب الحديقة الخلفية والتي جهزها لها المعتصم، فبمجرد أن خطوا بها اتسعت عيونها من عدد الزهور التي تم زراعتها بها والأضواء الملونة التي تتناغم مع مصابيح السماء في هذه اللحظات .
دارت حول نفسها وهي تبتسم بعدم تصديق .
وهو يراقبها بسعادة .
_ هذا ...المعتصم هذا، أنت.....يا ويلي هذا جميل للغاية .
_ الجميل للجميل عزيزتي .
تنفست بصوت مرتفع وهي تتحرك حول نفسها بسعادة كبيرة، قبل أن تلقي نفسها بين أحضانه وهو ضمها له يرفعها عن الأرض وهي فقط تتنفس براحة كبيرة، تتخيل لو لم تخرج ذلك اليوم من منزلها وتقابله، لربما قضت الباقي من عمرها ملقاه كالخرقة البالية بين جدران المنزل المتهاوية تناجي طيف والدتها، أو ربما ماتت من حسرتها دون أن يشعر بها أحدهم.
رفعت عيونها صوب المعتصم تراقبه وحب أعين ملتمعة وبشدة، لتتلاشى بسمتها قليلًا، تبصر خلفه والدتها، أو بالأحرى طيف والدتها تقف من بعيد وهي تراقبها ببسمة قبل أن تتلاشى فجأة .
وفاطمة فقط تنظر صوب تلك الجهة بأعين متسعة، لا تؤتي بردة فعل لدقيقة أو اثنتين، وحينما تلاشى طيف والدتها ابتسمت بسمة صغيرة وهي تعود بعيونها صوب المعتصم الذي كان يراقبها ببسمة صغيرة .
_ حتى مخاوفي تخشاك يالمعتصم .
نظر لها بعدم فهم، لكنها فقط هزت رأسها وهي تبتسم له بحب ترفع عيونها صوب الأضواء التي ملئت السماء تهتف بصوت سعيد :
_ إذن أخبرتني أنك تريد قضاء الليلة معي ؟؟
_ بل العمر فاطمة .
تنهدت فاطمة براحة وهي تستكين بين أحضانه وهو يجلس على أحد المقاعد يضمها له، ليعلو الصمت ثواني قبل أن تهتف:
_ إذن ؟؟
_ إذن ؟؟
_ ألم تكن تريد أن ارقص لك رقصتنا التقليدية ؟!
اتسعت عيون المعتصم بصدمة وهو ينظر لها وكأنها يراقب شيئًا عجيبًا، أما عنها فابتسمت تغمز له :
_ تستطيع ضرب الدف ؟؟
ضحك المعتصم بعدم تصديق وهي نهضت ترفع يدها وهي تحرك كتفها بهدوء على أصوات الاحتفالات والدفوف في الخارج وهو يراقبها بعدم تصديق .
وفاطمة تغني بصوت مرتفع وهي تحرك جسدها بمهارة كبيرة، وثوبها يتطاير حولها مع الاضواء خلفها لتمنح في هذه اللحظة للمعتصم اجمل مشهد قد يبصر طوال حياته ..
تمنحه مكافأة حياته ...وجودها بها .
واتضح أنه ليس فاطمة فقط من تحتاج لوجود المعتصم، بل المعتصم من كان في أشد الحاجة لوجود فاطمة في حياته .
وُجد المعتصم بالله لأجل فاطمة، وكانت فاطمة لأجل المعتصم .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ والله لو كنت استطيع لصفعت نفسي مئات الصفعات أنني يومًا كدت ارفض واعاند للمجئ هنا، بالله أين كنت سأعثر على رجل مثلك في عالمي أو حتى عالمك ؟!
ختمت حديثها وهي تضم وجنتيه بحب شديد، وهو أجابها ببساطة مبتسمًا .
_ لن تفعلي ببساطة لأنه لا يوجد رجل مثلي .
_ والله صدقت جلالة الملك، والله صدقت، أي رجل هذا الذي يشبه الملك أرسلان العظيم ؟!
_ استغفر الله يا ابنتي العظمة لله وحده، أنا عبد مسكين خلق الله مني نسخة واحدة فقط وقد كنتِ هذه المحظوظة التي فازت بالنسخة الوحيدة .
_ هذه دعوات أبي لي والله كان كل يوم يجلس بعد صلاته يدعو الله أن يرزقني بالزوج الصالح التقي الوسيم الغني، وقد تجمعت دعوات أبي كلها بك .
_ والله لو علمت هذا لجئت آخذك منذ سنوات طويلة موفرًا على العم رائف وجع ركبتيه لأجل تلك الدعوات .
هزت سلمى رأسها موافقة بنعم توافقه الحديث، قبل أن تنفجر في الضحك ويشاركها أرسلان به وهما ما يزالان داخل العيادة الخاصة بسلمى، حوار عبثي لا يليق بالاجواء التي يحاول أرسلان إقامتها منذ الصباح .
اقترب أرسلان منها وهو ما يزال يضحك يضمها له بقوة وهي ضمت نفسها له تهتف بصوت خافت بسبب ضحكتها :
_ هل كنت ستأتي لأخذي حقًا ؟؟
_ لو علمت أنني سأجد بكِ روحي والله لقطعت عوالم لأجلك.
_ هذا رومانسي أرسلان، لا يليق بالشخص الذي قابلته أول مرة .
اتسعت بسمة أرسلان بقوة وهو يتذكر ما حدث أول مرة حينما ابصرها :
_ آه لا تذكريني أن زوجتي قطعت تلك المسافة بثوب اخرق وبدون حجاب مع الاحمقين صامد وصمود.
ابتسمت له وهي تهز حاجبيها له :
_ لكنني لم أكن زوجتك وقتها، كما أن تلك كانت ثيابي العادية .
_ أنتِ زوجتي منذ أول نفس لكِ بهذه الحياة سلمى، كان فقط أمرًا مؤجلًا، لكن حتميًا، ثم هل تسمين ثياب المفسدين هذه ثياب، كنتِ ترتدين بنطال كالرجال، ألا فساتين للنساء في عالمك ؟؟
التمعت عيون سلمى بقوة وهي تقول بهدوء :
_ جيد أنك تطرقت لهذه النقطة، بلى نمتلك فساتين للنساء في عالمي، تود رؤية واحد ؟؟
نظر لها بعدم فهم للمعة عيونه، لكنه رغم ذلك هز رأسه بنعم يراقبها تنظر حولها قبل أن تتساءل بجدية :
_ أخبرتني أن لا أحد يمكنه المجئ هنا أو رؤيتنا صحيح ؟!
هز رأسه بنعم :
_ نعم تعلمين أن هذا كان مكاني الخاص لا أحد يطأه البتة أو يقترب منه وقد احطته بسورٍ لأجلك كذلك .
_ إذن انتظرني في الخارج وسأريك الفساتين التي ترتديها أغلبية النساء في بلادي .
ورغم نظرتها التي جعلته يشعر بالريبة وقد وسوس له صوت داخلي أن ما سيراه سيصيبه بالصدمة، لكن رغم ذلك هز رأسه يتركها متحركًا للخارج تاركًا إياها تراقبه بخبث ...
أما عنه فقد خرج يراقب الحديقة والمصابيح تحيط بها بشكل بديع وقد انعكست الأضواء على الزهور حوله، سعيدًا بما فعل لأجلها وقد كان يغيب ساعات طويلة بحجة المساعدة في إعمار البلاد ويأتي ليساعد في تجديد المكان وكذلك المساعدة في البلاد .
توقفت عيونه على بوابة الحديقة ليتحرك يغلقه بهدوء يحتاط من أي شيء قد يحدث وهو لا يعلم ما الذي تحضر له زوجته .
لكن قلبه يخبره أنه شيء لن يحب أن يشاركه به أحدهم.
مرت دقائق طويلة قبل أن يسمع صوتها يأتي من جهة باب العيادة، رفع عيونه بهدوء صوبها وقبل أن ينطق بكلمة تجمدت الكلمات على طرف فمه، كما تجمد كامل جسده وهو يبصر أمامه.....
حسنًا هو فقد حتى قدرة وصف ما يراه، لا يفهم حتى ما الذي يراه الآن.
زوجته تقف على بوابة العيادة ترتدي فستان أسود يلتمع قماشه بشكل غريب، وقطع كبير من القدم يظهر جانب قدمها وكأن أحدهم شقه بسيفه في خضم معركة حامية، والفستان يضم جسدها حتى أصبح كما لو كان جلدًا ثانيًا، ورغم أنه لم يكن قصيرًا، إلا أنه لم يكن يخفي شيئًا كذلك .
أرسلان كان يراقبها وهي تفرد خصلاتها التي تنافس الفستان سوادً، تقترب منه بخفة وبسمة واسعة تشكر العم جلال لاحضاره وتشكر نفسها لأرتداءه أسفل فستان زفافها الفضفاض، حسنًا كان يضايقها بعض الشيء في الحركة، لكن نظرات أرسلان في هذه اللحظة تستحق .
اقتربت منه حتى توقفت أمامه تميل برأسها تحرك حاجبها ترفرف بخصلاتها واعينها ترسل له نظرات مغوية:
_ إذن مولاي ...ما رأيك ؟!
وأرسلان ظل يراقبها بأعين متسعة لدقائق طويلة وكأنه فقد النطق، يفتح فمه دون القدرة على التحدث، يحرك عيونه عليها، وكان أول ما نطق به بعد صمت هو :
_ لعنة الله على كل فاسقٍ عديم مروءة ساهم في صنع ذلك الثوب .
رمشت سلمى لا تستوعب ما نطق أرسلان لثواني والأخير يحرك عيونه عليها، وقد جعل الفستان من زوجته فتنة لها أقدام، زادها فتنة على فتنتها، يا ويلي هل هذا ما يرتديه شعبها ؟!
تحدثت سلمى تحاول أن تفهم ما يحدث :
_ ماذا هل يحتاج الثوب شيء اضافي ؟؟
_ نعم يحتاج ثوبك ثوبًا يستره .
رفعت عيونها بعدم فهم :
_ ماذا ؟! ما الذي يحتاجه ؟؟
_ في الواقع ليس الثوب فقط، بل بلادك، بلادك تحتاج فتحًا اسلاميًا عزيزتي.
وسلمى ما تزال تنظر له بصدمة كبيرة قبل أن تنفجر في الضحك على كلمات أرسلان تستند على مرفقه وهي تضع رأسها على صدره ضاحكة :
_ أنت لست طبيعي حقًا .
_ أنا ؟؟ أنا لست طبيعي ؟؟ والله الفاسقين في عالمك والذين ساهموا في صنع تلك الفتنة هم من ليسوا طبيعيين، هل ...هل هذا ثوب النوم ؟؟ أخبريني أن هذا ثوب نوم هناك رغم أنني اشك بذلك، فمن ينام في هذا الثوب الذي يشبه التابوت الضيق ؟! أنتِ تسيرين به كاسيرة حرب ملتفة بالحبال .
كان يتحدث وهو يضم يديه لجسده يحاول تقليد وضعيتها .
أما عنها فقد كانت تضحك بصوت مرتفع :
_ تابوت ؟؟ يا ويلي أرسلان هل تعلم كم يكلف صنع مثل هذه الأثواب .
_ لا أعتقد أنها أثمن من الرجولة يا ابنتي :
ازدادت ضحكاتها وهي أمسكت وجهه بين يديها تهتف بحب شديد :
_ يا ويلي منك أرسلان.
_ بل يا ويلكِ أنتِ من أرسلان إن كنتِ ترتدين مثل تلك الثياب هناك سلمى .
هزت رأسها وهي تطمئنه بهدوء :
_ لا حبيبي لا تخف لم يسبق لي أن ارتديت مثل هذه الأثواب الضيقة أو القصيرة، كانت تقتصر ثيابي على الفساتين الأخرى التي تعلمها، لكن هذا ....هذا احتفظت به لأجلك فقط .
نظر لها وهي ابتسمت تزيد من ضم وجهه تهتف بحب وكأنها تعامل طفل صغير :
_ اقسم أنه لو كان ردة فعلك غير هذه لشككت بك أرسلان.
نظر أرسلان حوله رغم معرفته أن لا أحد سيبصرهم هنا لكنه لم يكن مرتاحًا وقبل الحديث بكلمة وجد سلمى تمد يدها له :
_ والآن سيدي ستشاركني في رقصة زفافنا هنا أنا وأنت على أصوات الرياح حولنا وجمهورنا الوحيد هو الزهور .
نظر أرسلان ليدها بعدم فهم، وهي أجبرته على رفع كفه ليضعها بكفها، ومن ثم أمسكت كفه الآخر تضعه على خصرها نظرت لعيونه ببسمة :
_ والآن جلالة الملك أهديك قلبي وهذه الأغنية، استمع لها بقلبك رجاء وليس باذنك فصوتي سييء.
وارسلان لا يفهم ما تريد فقط يتبعها حيث تريد .
شرعت سلمى تغني له كلمات إنجليزية رومانسية هادئة بصوت ربما ليس الافضل لكنه كان كافيًا ليجعل أرسلان يهيم بها وهو يبتسم لا يفهم ما يحدث، لكنه فقط يراقب حالتها مبتسمًا .
توقفت سلمى عن التحرك والغناء وهي تهمس له بصوت خافت :
_ تحرك معي آرس .
_ كيف ؟!
_ ضمني وتمايل، افعل مثلما أفعل...
ومن بعد هذه الكلمات استرسلت في الغناء بنبرة خافتة لا يسمعها سواه وهي تتمايل معه تحقق حلمها بزفاف اسطوري ينتهي برقصة زفاف تقليدية على إيقاع أغنيتها المفضلة، ولو كان بصوتها .
وأرسلان لا يعي في هذه اللحظة من الكون سواها .
المصابيح الملونة فوق رؤوسهم والزهور تحيط بهم والليل يشاركهم احتفالهم.
ابتسمت سلمى وهي ترفع كفها تسنده على صدره لتشعر بضربات صدره تزيد تحت كفها .
تميل عليه تضمه أكثر وتصمت الكلمات لتعلو اصوات القلوب، وأرسلان فقط يضمها له بحب وحينما شعر بها تصمت، شرع هو يكمل بكلمات عربية فصيحة لبعض الأشعار التي جعلتها ترفع عيونها له بصدمة وبسمة واسعة وهو يضم وجهها بين كفيه .
فَدَعانِي حُبُّ سَلْمَى
بَعْدَ ماذَهَبَ الجِدَّةُ مِنِّي والرَّيَعْ
خَبَّلَتْني ثُمَّ لمَّا تُشْفِنِي
فَفُؤَادِي كلَّ أَوْبٍ ما اجتَمَعْ
ودَعَتْنِي بِرُقاهَا، إِنَّها
تُنزِلُ الأَعْصَمَ مِن رَأْسِ اليَفَعْ
— سويد بن أبي كاهل اليشكري
التمعت عيون سلمى وقد كانت هذه مرتعا الأولى التي تسمع بها شعرًا عربيًا فصيح، ومن أرسلان.
_ هذا ...لي ؟؟
_ منذ علمتك وأنا بت انقب عن اسمك بين الاشعار، ووالله لو يمنحني الله فصاحة اللسان لأغرقتك من الاشعار أحسنها .
تضخم قلب سلمى في هذه اللحظة لترتفع على أطراف أقدامها تضم رقبة أرسلان بقوة :
_ كلماتك تكفيني أرسلان..
اتسعت بسمة أرسلان بقوة وهو يرفعها عن الأرض يضمها بقوة، وهو يتنفس بصوت مرتفع.
وبعد دقائق طويلة استمر بها العناق، ابتعد بهدوء عنه، وجلست ارضًا بعدما انتهت الرقصة التي كانت تحلم بها تضم قدميها وهي تشير لأرسلان أن يضع رأسه عليها بين زهورها، وأرسلان لم يتساءل أو يتعجب، بل مال يحقق حلمه .
هي تجلس بين الزهور وهو يسند رأسه على قدمها وهي تداعب خصلاته بحنان، تنفس أرسلان يغمض عيونه براحة كبيرة، تراقبه بحب كبير تميل عليه تهمس :
_ هل أخبرتك سابقًا أنني أحبك أرسلان.
_ أنا أحب سماعها طوال الوقت .
_ إذن...لتعلم أنني أهيم بك عشقًا أرسلان بيجان .
فتح عيونه يراقبها بحب يمد يده يداعب خصلاتها يهمس ببسمة هائمة :
_ أعتقد أنني احتاج لسنوات تماثل سنوات عمري لإيجاد لفظٍ يعبر عن مشاعري لكِ، ولن أفعل سليمى.........
مالت سلمى تقبل عيونه ومن ثم رفعت عيونها صوب السماء وهو يراقب معها الاضواء والاحتفالات التي أقيمت لهما، لتتسع بسمته يعلم يقينًا أنه لو مرت عقودًا أخرى، لن ينسى يومًا اللحظة التي ارسل الله له زوجته من عالم آخر فقط لتشاركه حياته تلك .
ابنة رائف والتي كانت يومًا مسؤولية ثقيلة غير مرغوب بها، أضحت في هذه اللحظة حياة لا غنى عنها .
أضحت امرأة يفعل المستحيل فقط لتبتسم، ليس لأنها فقط زوجته التي تعهد بحبها، بل لأنها سُليمىٰ....
وهكذا هي الحياة، يأتي الله لك بشريكك ولو كان في أقاصي البلاد، ولو كان في عالم غير عالمك، يأتي به الله ويؤلف بين قلوبكم، يأتي به الله ليربت على قلبك، ليضمك في حزنك، يأتي به الله ليكمل حياتك وتكمل أنت حياته، يكون لك رفيقًا في وحدتك ونورًا في ظلامك، وتكون له يد تعينه على الحياة، فمن كان يتخيل أن الملك أرسلان ذلك الحجر، ســيلين ويخضع يومًا لسلمى الطبيبة النفسية صاحبة محل الورود ؟؟
ولو كان أمامك طوال الوقت لا تعي حتى بوجوده، فستكون لحظة واحدة، لحظة واحدة يتحول بها هذا الشخص من مجرد شخص في حياتك، لحياتك في شخص، شخص تشعر معه أنك لم تحيا قبلًا وأن حياتك بدأت من هذه اللحظة التي أدركت أن كامل أنفاسك بين قبضتيه، فها هو أمير آبى وقد لان بعد سنوات وانحنى لأميرة سبز.
ولو كنت تسجن نفسك بين أربعة جدران، ولو كانت تلك الجدران وهمًا، فسيأتي الله بمن يحارب اوهامك ليضحى واقعك، سيأتي الله بمن يطارد مخاوفك ليكون أمنك، وتكون مؤنسه، وهكذا كان المعتصم قائد لجيوش مشكى، ومحاربًا لمخاوف فاطمة ...
ولو كنت غريبًا من ذلك الجانب من العالم حيث المفسدين، فأنت وبعد رحلتك معهم أضحيت من شعب الممالك .
لا يهم لأي مملكة تنتمي .
أو لأي ملك تحتكم .
لا يهم من أي بلاد أنت.
فبعد رحلتك الطويلة معنا، أصبحت من شعب الممالك، أصبحت أحدهم، جزء منهم، وربما تغادرهم الآن، لكنك ستعود لهم مجددًا لا يهم إن كان اليوم أو غدًا، لكن مصيرك أن تعود .
فمن يخطو ويحيا بين جدران الممالك الأربع، لا فرار له منهم ......
والآن نودع وبكامل الاسف طرقات مشكى ونمنح الممالك نظرة أخيرة قبل المغادرة صوب عالمنا .
وتذكروا إن أردتم العودة فأبواب الممالك ما تزال مفتوحة .
تمت بحمد الله