رواية اصفاد الحب الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم رشا عبد العزيز

رواية اصفاد الحب الفصل الرابع والعشرون 24
بقلم رشا عبد العزيز



أفزعها حديث ابنة خالها لتكرر عليها السؤال :

-دلال انتِ بتقولي أي ؟

وبصوت مضطرب ملأه الخوف :

-أمي تعبانه اوي ياحبيبة .

سيطر القلق عليها لتنهض بسرعة

-أنا جاية حالًا مسافة السكة .

أصبحت ضائعة لاتعلم ماذا تفعل ، ارتدت ملابسها ونظرت للساعة لتجدها تقارب آذان الفجر، كيف ستخرج في هذا الوقت لم يعد أمامها خيار سوى الذهاب اليه .

ظلت واقفة أمام باب غرفته مترددة ، حتى حسمت أمرها وطرقت الباب بخفة خشية إيقاظ الآخرين .

لكن لم تكن هناك إجابة

أدارت المقبض وفتحت الباب لتجده يغط في نومه لتنادي عليه :

-أدهم.  أدهم

سمع صوتها لكنه لم يتأثر ظنًا منه أنها مجرد تخيلات كما اعتاد ان يتخيلها معه .

اقتربت منه وجلست على السرير بجانبه ثم رفعت يدها تهزه وتناديه :

-أدهم.  أدهم

وما أن لامست يدها ذراعه العاري حتى تيقن أنها هنا حقا ، انه لايتخيل ، فتح عيونه ببطء حتى رآها أمامه ليفزع ويعتدل بسرعة رفع يده يتلمس وجنتها والثانيه تتحرك على كتفها وذراعها كأنه يتفقدها ويسألها بلهفة وخوف :

-حبييه. مالك انت كويسه ياحبيبتي ؟

عينيه تجوب وجهها وجسدها بقلق أنفاسه متسارعة تخبرها بحالة الهلع والخوف الذي أصابته وبكلمات متعجلة سألها :

-تيمو فيه حاجه أمي فيها حاجه انتو بخير ؟

كانت هذه المره الأولى التي تتقابل أعينهم بهذا القرب عينيه التي تصرخ بعشقها ، أنفاسه التي غزت أنفاسها 
لمساته التي تخبرها كم يخاف عليها 
وكان قلبها يخبره
ارجوك كفاك ، لم أعد أتحمل هذه النظرات . أصبحت نظراتك تؤلمني حبك يشعرني بالذنب ، توقف بالله عليك...
لتقرر ان تنهي هذا القلق

-ادهم ماتخافش احنا كلنا بخير .

وما أن قالت هذا الكلمات حتى جذبها واضعا رأسها على صدره وكأنه يطمئن قلبه انها بخير
يده الأخرى تحتضن جسدها تقربها اليه .

يزفر أنفاسه بشدة مرددًا :

-الحمد الله

اماً هي فكانت تسمع دقات قلبه العاشق التي كانت اشبه بقرع طبول افريقية .

اشفقت عليه من حاله الخوف التي اصابته بها
ظل بضع ثواني حتى هدأ واستعاد ثباته لكنه لازل يكبلها بذراعيه 
مستمتع بوجودها داخل أحضانه 
انتبهت لاستقرار نبضات قلبه لتسأله :

-أدهم…انت كويس ؟

قالت هذا وهي ترفع يدها تحركها على ظهره.  ارتخى جسده اثر حركتها لتفلت جسدها من حصار ذراعيه
وتنتهي لحظات نعيم قربها الذي بعثره

-آسفة قلقتك .

وكانّه عاد من حلم جميل إلى ارض الواقع

-هاااااا…لا بس الوقت متأخر وخفت يكون جرالكم حاجة .

شعرت بالخجل ثم أخفضت عينيها تخبره سبب وجودها

-مرات خالي تعبانة فلو ممكن تاخدني عندهم .

تمتمت كلماتها الاخيرة محرجة 
واكملت معتذره

-عارفه إني قلقت نومك بس مش هقدر آخذ تاكسي في الوقت دا .

لم تكن تعلم انه فهمها منذ البداية لكنه ادعى عدم الفهم مستمتعًا بهذا القرب والخجل .

-لا تاكسي أيه في الوقت دا أنا هاوصلك .

قالها مستنكرًا لتنهض من السرير وتخرج من الغرفه بسرعة
ارتدى ملابسه على عجل

استقلت السياره معه والقلق يجتاحها ،  لسانها لم يتوقف عن الدعاء الذي كانت تردده بين الحين والآخر.
ليحاول التخفيف عنها :

-اهدي ياحبيبه ان شاء الله خير…انت معرفتيش هي مالها ؟

أجابته وهي تحرك رأسها نافية

-معرفتش حاجه دلال بتقول تعبانه وبس ، بس هي كانت بتشكي دايما من قلبها كنت دايما بقلها تعالي نكشف عليكي في المستشفى بس هي بتعند.

-إن شاءالله  خير.

استدارت تنظر اليه بأمتنان :

-متشكرة يا أدهم تعبتك معايا .

ليجيبها مبتسماً :

-متقوليش كده ياحبيبة انت مراتي ودول اهلي ، اهلك هم اهلي .

ظلت تحدق به للحظات كل يوم تكتشف انه لايستحق ما يحدث لايستحق الألم الذي تسببه له
لكن مايحدث رغمًا عنها ، ليس لنا سلطان على قلوبنا .

وصلت إلى شقة خالها ليهرول نحوها خالها وكأنها طوق النجاة الذي ينتظرونه
 
-أي الي حصل ياخالى ، مالها أمي ؟

وبعين ملأها الحزن أجابها خالها :

-مش عارفين ياحبيبة فجاة تعبت ونفسها ضاق ومقدرتش تقف على رجليها .

وبسرعة اتجهت نحو الغرفة 

لتقابلها دلال وفرح الجالستين بقرب والدتهم   ومصطفى الذي يقف بالقرب منه .

اقتربت من زوجة خالها التي يبدو على وجهها الشحوب ، أنفاسها تخرج بصعوبة
 
جلست قربها تتحسس نبضها وأخرجت أدواتها من حقيبتها  تجري لها فحوصات أولية لكن الوضع لم يكن مطمئنًا والأمر يتعدى اختصاصها لتقرر الاتصال بعادل زميلها الأقرب وصاحب الاختصاص المباشر .

وماهي سوى خمسة عشر دقيقة حتى حضر عادل استقبلته حبيبه بامتنان :

-اهلاً ياعادل متشكرة انك جيت في الوقت دا .

-متقوليش كده ياحبيبة ، احنا اخوات .

أخذته إلى غرفة نجاة ليجري لها الفحوصات وعندما انتهى نظر نحو حبيية مشيرًا لها ان يحادثها على انفراد

-لازم تروح المستشفى عشان نعطي التشخيص الدقيق لكن مبدأيًا القلب تعبان يادكتورة .

أنا أدتها أدوية تساعد القلب دلوقت على ما اقدر اروح المستشفى ونلتقي هناك الساعة تمانية .

أومأت له حبيبة وأشارت إليه بالخروج .

-أتفضل ياعادل وانا وهي هنكون في المستشفى الساعه تمانية.
 
لتقدم له خالها ثم اشارت نحو أدهم وقالت :

-أدهم جوزي .

ارتجف قلبه عندما اعطته هذه الصفة

-اهلاً يادكتور .

ضيق عادل عينه ثم سأل مستفسراً

-هو مش حضرتك والد تيم ؟

ابتسم أدهم
 
-ايوه يادكتورما أنا كنت باجى مع حبيبة وتيم

-آسف ما اخدتش بالي ما كنتش اعرف أنكم متجوزين .

-معلش اصل احنا اتجوزنا بسرعة .

كان يقول هذا وهو ينظر اليها وعينيه تفيض حباً حتى وصلتها رسالته لتهرب بعينيها بعيداً

-تشرفنا يافندم ، هستناكي يادكتورة مع السلامة
قال عادل ذلك وهو يخرج من مدخل الشقة

-ان شاء الله

عادت تطمأن خالها وأولاده عن حالة نجاة وعن ضرورة ذهابها إلى المستشفى .

ثم استأذنت منهم ان تذهب إلى غرفتها لتحضر بعض الأغراض .

لايعلم لما انتابه الفضول ان يذهب ورائها  .

-ممكن يا عم محمود أكلم حبيبة اصل افتكرت حاجه عن تيم عاوز اسألها عليها ؟

كتم محمود ضحكته بعد أن فهم كذبته لكنه قال :

-طبعا يا ابني البيت بيتك أتفضل.

دخل عليها ليجدها منهمكة تبحث عن أغراضها ولم تشعر بوجوده اغلق الباب ثم احكم اغلاقه بالمفتاح .

لتلتف فتجده أمامها ، اندهشت من وجوده وقالت :

-أدهم ، انت بتعمل أي هنا ؟

ابتسم وهو يدلك جبينه

-استني أفكر أنا هنا ليه .

ظهر الامتعاض عليها ، فقالت بحدة :

-من غير هزار أنا بتكلم بجد أي الي جابك عاوز حاجة ؟

اقترب منها ينظر لها بخبث

-عاوز مراتي

ارتبكت وزاد غضبها

-ادهم لو سمحت اخرج ميصحش وجودك هنا وفي الظرف دا .

اقترب منها اكثر
 
-بس أنا مش عاوز اخرج

لتقول بحدة اكبر

-يا أدهم اخرج وإلا هاصرخ .

وهنا اقترب اكثر وطوق جسدها بذراعيه

-ادهم انت تجننت بتعمل أي ؟ خالى وولاد خالي بره .

ابتسم على غضبها

قرب وجهه منها حتى لفحت أنفاسه الساخنه وجهها ليداعب انفه بأنفها .

-اصرخي انا مستأذن من خالك أصلا يعني وجودي مشروع وبعدين فيه واحدة بتصرخ عشان جوزها حاضنها ؟

أغلقت عينيها تعتصرها حتى لاتواجه عينيه وكتمت أنفاسها تمنع رائحته من التسلل اليها
 
-يا ادهم ابعد ارجوك .  (بقلم رشا عبد العزيز) 

لكنه فجأة صمت وتصاعدت وتيرة أنفاسه و تشنج جسده الملاصق لجسدها

فتحت عينيها ببطء تتحرى سبب صمته لتجده ينظر بإتجاه معين وفجأة ومن دون سابق إنذار فك حصاره عنها ودفعها عنه ليهوى جسدها ساقطًا على سريرها واستدار مغادرًا الغرفة بسرعة

تفاجأت من فعلته لتنظر نحو ماكان ينظر اليه لتجدها صورة زفافها مع علي  .

شعرت بالذنب لتخرج خلفه مسرعة

كان يقف مع خالها يودعه

-ماكنت تفضل للصبح يابني نفطر سوا ، الشمس اهى هتطلع خلاص .

-معلش ياعم محمود تيم ميقدرش يفطر من غيري

نظر اليه محمود وتحدث بامتنان:

-متشكر اوي يابني على وقفتك معانا .

لينظر له وبابتسامه جاهد لرسمها قال :

-ماتقولش كده احنا أهل .

ثم التفت نحو مصطفى وقال :

-مع السلامة يادرش أبقى وصل حبيبة .

وقبل ان يكمل حديثه نادته :

-أنا جاية معاك يا ادهم .

لم يلتفت اليها ولم يتحدث وغادر

اقتربت من خالها

-مش كنتو استنيتو تفطرو معانا يابنتي 
احتضنته وقالت :

-مره تانيه يا حبيبي .

-مصطفى هستناكم الساعة تمانية في المستشفى

-حاضر ياحبيبة .

وجدته جالس في سيارته ينتظرها ركبت السيارة لتجده ينطلق بسرعة مخيفة ، حمدت الله ان الطريق لم يكن مكتظًا

نظرت اليه لتجد عينيه تشع غضباً يده تمسك عجلة القيادة بقوة جسمه يرتعد أنفاسه المتسارعة كانت كأنّها انفاس تنين لو طالتها لأحرقتها

لم تجرؤ على الحديث بأي شئ فقد كان كالبركان الثائر كلمة واحدة كانت كفيله بتفجيره

وبعد وقت من القيادة أوقف سيارته في مكان قريب من البحر ثم ترجل منها صافقًا الباب بقوة

أسندت راسها على زجاج السياره تنظر اليه متجهًا نحو الشاطئ لم تكن يوماً قاسية لكنها معه متحجرة القلب ، اغلقت أبوابه ومنعته من الدخول وفاءًا لمن ملكه قبله 
لكنها ترى اليوم انها أصبحت تؤذيه تعلم ان مايعيشه معها لا يتحمله رجل لكنه من اختار ان يدخل حياتها رغمًا عنها

 
اما على الجانب الآخر وقف أمام البحر يستنشق هواءه البارد يحبسه في صدره عله يطفئ نار قلبه المشتعلة ثم
يزفر أنفاسه بقوة عله يخرج آلامه المكبوتة ينظر إلى أمواج البحر المتلاطم التي شابهت مشاعره مابين الحب والغيرة

ود لويستطيع الصراخ كما يصرخ قلبه بين أضلعه ، يلومه على حبه المهدور

جثى على ركبتيه. فلم يعد جسده المتألم يقوى على حمله
 
-امتى هتحسي بيا ، أنا تعبت ياحبيبه تعبت بس مش قادر انسحب ، روحي اتعلقت بيكي لوسبتك هموت .

اه …اه ياقلبي يوم ماتحب تحب قلب مش ملكك

ليرى الشمس تشرق شيئًا فشيئًا وتمنى لو يشرق حبه في قلبها  لتنير حياته كما انارت الشمس الأرض.    (بقلم رشا عبد العزيز) 

مضى وقت طويل وهو يجلس امام البحر حتى شعر انه هدأ تمامًا ليعود إليها فهو رغم كل شئ كان يخشى جرحها
وجدها تسند راسها على المقعد مغمضة العينين وقبل ان يدير السيارة

-أنا آسفة يا أدهم انى منتبهتش لوجود الصوره لأني مادخلتش الاوضه من زمان أنا عند وعدي ليك وبحترم انك…
انك.    جوزي.     على أد ما اقدر صدقني .

لم يعقب على كلامها رغم انه أراحه قليلاً

حتى سمعت زجاج النافذة يطرق لتنتبه لفتاة صغيرة تحمل المناديل فتحت النافذة

-تشتري مناديل ياهانم الله يخليكي .

وها هي أصوات الماضي تهاجمها وصور الذكريات  المؤلمة تتسابق  أمام ناظريها
 
نظرت نحو الصغيرة ولاحت ابتسامة باهتة على شفتيها :

-اسمك أي ياحبيبتي ؟

-ورد

لتقرص وجنتيها وتقول

-اسمك يجنن يا ورد استني

ثم فتحت الباب ونزلت من السياره جثت على ركبتيها امام ورد وسالتها بصوت منخفض

-بتشتغلي ليه يا ورد ؟

ورد التي شعرت بخطب ما تجمعت الدموع في عينيها وقالت :

-والله ياهانم ابويا ميت وانا وامي بنشتغل عشان مصروف البيت .

احتضنت وجهها وقالت لها مطمئنه إياها :

-ما تخافيش ياحبيبتي انت في المدرسة ؟

لتقول الطفله بصوت مخنوق ودموعها بدأت تسيل على وجنتها :

-ايوه

مسحت حبيبه دموعها باصابعها

-برافو عليكي ، أمال النهاردة مروحتيش المدرسه ليه ؟

-النهاردة أجازة .

لتضرب حبيبه جبهتها  براحه يدها مبتسمة

-اه والله نسيت النهاردة أجازة طب لو اشتريت منك كل المناديل تروحي بيتكم ؟

لتحرك ورد رأسها بنعم

-طب بكام المناديل كلهم ؟

لتخبرها ورد بالمبلغ.  وقفت تبحث عن النقود فتذكرت انها لم تجلب سوى هاتفها 

فهم ادهم ماتبحث عنه ليخرج لها المبلغ المطلوب

ظلت تنظر اليه والى يده الممدودة بالنقود دون ان ينظر اليها أخذت النقود وعادت إلى ورد

-اتفضلي يا ستي آدي الفلوس .

ابتهج وجه ورد وتوهجت عينيها فرحاً لتعطي حبيبة المناديل .

-ممكن أحضنك يا ورد؟

ابتسمت ورد وفتحت لها ذراعيها احتضنتها حبيبة وكأنها تحتضن نفسها عندما كانت طفلة لقد تمنت لوكانت حظيت هي بحضن مماثل خفف عنها ثقل الحياة
أخرجتها من أحضانها
 
-يلا مع السلامة يا ورد .

-متشكرة ياهانم

رحلت ورد لتصعد هي إلى السيارة كانت منهكة وكأن الماضي قد عاد دفعة واحدة بظهور ورد ذكريات طفولة مسلوبة عاشتها من جديد

استدارت نحو ادهم الذي رغم تصنعه الجمود إلا أن قلبه الخائن كان يتمزق من أجلها
 
-كنت زيها في يوم من الأيام .

وكأنها وجدت حجة لتحرردموعها المسجونة داخل صدرها تخنقها لتسيل على وجنتيها

وتعلو شهقتها لترفع يدها تمسحها وبصوت مهزوز :

-كان نفسي أعيش طفولة عادية زي باقي الأطفال …ليه حياتي دايما ناقصة ؟
 
لينظر لها بنظرة حزن امتزجت بالشفقة ، لم يتحمل منظرها ليجذبها  نحو احضانه يحتضنها بقوة كأنّه يحاول التخفيف عنها  :

-اشششش ، اهدي ياحبيبة خلاص كفاية .

لكن شهقاتها استمرّت

-خلاص دا كله ماضي ، انت انتصرتي خلاص وبقيتي الدكتوره حبيبة ، انت حياتك مش ناقصة انت بتشوفيها من زاوية واحدة ومش راضية تشوفيها من زاوية تانية .

ثم أخرجها من احضانه ، أمسك رأسها ومسح  دموعها  بإبهامه ثم نظر داخل عينيها

-انسي الماضي وعيشي حياتك .

رغم أن كلامه كان هادئ لكنه كان سهام تعرف ماتصيب .

طبع قبلة طويلة على جبينها ثم أعادها إلى أحضانه كانت مستسلمة له لاتعلم الا انها تحتاج احضانه كي يخفف عنها أم انها كانت طريقة اعتذار من نوع آخر

ظل محتضنها حتى هدأت تمام وخرجت من احضانه على استحياء ترتب حجابها وبصوت متلعثم :

-احم.  احنا اتأخرنا.      (بقلم رشا عبد العزيز 

ليقرص وجنتها ثم يقبل أصابعه التي قرصتها ويبتسم :

-لا ماتخافيش لسه فيه وقت .

****************************************

بخطى مثقلة بخيبة الأمل خرجت من مكتب دكتور عمر بعد ان أخبرتها  سكرتيرته انه في رحلة لمدة شهران أو ثلاثة ، أصبحت الآن مجبرة على مواجهته فلقد انقضت أيام أجازتها الثلاثة ولم يعد هناك مفر .

دخلت غرفتها وبروح مخنوقة أنهكها الألم بدأت تزاول عملها .

حتى أتت الممرضة تخبرها أن دكتور يوسف يطلبها في مكتبه ، ارتجف قلبها وارتعشت قدميها كيف ستقف أمامه
أمسكت مقبض الباب اخذت نفسا عميقا وأخرجته بقوه تستعد لمواجهته ، طرقت الباب فسمح لها بالدخول

دخلت بخطوات مربكة ودت لو لم تصل أمامه وبصوت مثلت فيه القوة قالت وعينها تبتعد عن مواجهة عينيه :

-حضرتك طلبتني ؟

ظل صامت لثواني ادهشتها لتنظر اليه تجد عينيه تنظر اليها بشوق ولهفة لكن بمجرد ان واجهته عيناها تبدل حاله للجمود وامتعض وجهه وقال بإنفعال :

-كنتِ فين التلات أيام الي فاتو ؟.

افتعلت الثبات وبصوت ادعت فيه الصلابة :

-أنا واخذة اجازة يا دكتور.

ليضرب سطح المكتب أمامه بقوة :

-والمرضى الي حضرتك مسئولة عنهم مفكرتيش فيهم فين مسئوليتك يا دكتورة ؟

هزت فعلته قوتها الواهية وشتت تفكيرها للحظات حتى عادت تلملم شتاتها وتبلع ريقها الجاف :

-يادكتور، نجوى استلمت مني الحالات .

تحرك من خلف مكتبه ووقف أمامها لتتراجع هي خطوتين للخلف تزيد من المسافه بينهم تمنع نفسها من الانهيار وتتوسل دموعها ان تصمد في مقلتيها ولاتخذلها أمامه .
وبصوت منفعل سألها :

-وإنسانيتك فين وانت الي عارفة الوضع والحالة؟

تمسكت بحافة المكتب علها تساعدها على الصمود فقدميها لم تعد تقوى على ذلك فإنفعاله وحركت يده التي تظهر غضبه :

زحزحت صمودها وتحشرج صوتها يأبى الخروج  ، جاهد لأخراجه  بكل قوتها لتقول :

-انا كنت تعبانة ومحتاجة الاجازه دي .

رات تراخي ملامحه وارتباكه ليهدم صوته ويقول :

-خلاص اتفضلي وآخر مره أسمح بالتهاون دا .

هربت من امامه مسرعة قبل ان تفضحها دموعها واستعادت أنفاسها التي كانت تحبسها أمامه 
ألا يكفيه الألم الذي سببه لها ، لماذا يحاول ان يضيف المزيد من الألم لها .
***************************************** 

انتهت من قراءة قصة ما قبل النوم وقالت لهم :

-يلا ياحبايبي عشان تناموا

دثرت أنس وطبعت قبلة على جبينه ثم اتجهت نحو مسك ودثرتها وطبعت قبلة على جبينها وقبل ان تغادر فاجأتها مسك بسؤال :

-هو انتِ صحيح هتاخذي بابا مننا زي ما تيتا قالت ؟

احتقن وجه خديجة من هذه التي تستخدم الأطفال لمحاربتها تلوث أفكارهم نحوها .

اقتربت من مسك تمسح على شعرها وبصوت رقيق :

-لا ياحبيبتي بابا بيحبكم وانا كمان بحبكم وعمري ما هاخد بابا منكم .

لتقول بلهفة طفلة بريئة

-صحيح يا ديجة ؟

-صحيح ياقلب ديجة يلا نامي احلام سعيده 
  
قالت ذلك وهي تقبل وجنتها

-تصبحي على خير.

ثم. خرجت من من الغرفة لتجده يدلك جبهته بقوة ثم انتقل لرقبته أصبحت تشفق عليه من النوم على الاريكة .
اقتربت منه وقالت :

-مالك يا ايمن ؟

نظر اليها بعين متألمة :

-صداع هيفرتك دماغي ياديجه .

سألته بصوت اختلط بالقلق ،  اسعده :

-طب أخدت اسبرين أو أي علاج ؟

ليجيبها متنهدًا و مستمرًا بتدليك جبهته :

-أخذت بس مفيش فايدة .

لتسأله متلهفة

-تحب أعملك مساج

لينظر اليها اليها بطرف عينيه :

-صدقني هيريحك ، مالك دايما كان بيقول كده لمابعمله مساج .

وضعت يدها على فمها بسرعة بعد ان ادركت ماقالته

لتجده ينظر لها بعين متسعة يملأها الغضب

-أسم مالك مش عاوز اسمعه هنا …ومش عاوز مساج أنا هنام وهو هيخف  اطفي النور وروحي نامي .

ثم تسطح على الاريكه واضعًا يده على عينيه

اقتربت منه ثم جثت على ركبتها :

-أيمن أنا اسفة .

لكنه لم يجيب

مدت يدها تلامس يده تسأله

-إيمن انت زعلت ؟.     (بقلم رشا عبد العزيز) 

لكنه استمرّ بعدم الاجابة

-ايمن متبقاش قفوش كده ما أنا اعتذرت .

ليسألها وهو مايزال مغمض العينين

-عاوزة أي ياخديجه ؟

عاوزة أعملك مساج .

-مش عاوز  .

زمت شفتيها وقالت بصوت ادعت فيه الحزن :

-وانا مش هسيبك إلا لما أعملك مساج …يلا يا ايمن

فتح عينيه المتعبة وقال متألمًا وهو يزيح يده عن جبهته

-امري الله

نهضت بسرعة وقالت استناني ثواني.   رغم حنقه منها لكنه ابتسم يسعده اهتمامها ، عادت تحمل مرهم ثم عادت لوضعيتها امامه وضعت القليل من المرهم على أصابعها وبدات تحركها على جبهته.

نظر لها بطرف عينه وقال بخبث :

-خديجة انت وضعك كده غلط والمساج كده مش هيجيب فايدة أي رأيك انام على رجليكي كده هتقدري تعملي المساج احسن .

ادهشها ماقاله نظرت له وقالت ببلاهه

-هاااا

ادعى الانزعاج وقال

-لو مش عاوزة خلاص

ارتبكت ثم ابتلعت ريقها وقالت بتلعثم

-لا لا حالاً.  
 
رفع رأسه وازاح الوسادة لتجلس هي مكانه ويضع رأسه على ساقيها وبدأت بتدليكه.

 أغلق عينيه يستشعرحركه أصابعها الناعمه على جبهته التي  كانت تعزف أعذب الألحان على أوتار قلبه ودفئ أحضانها الذي  أنعش روحه ، تاه بقربها ونسي الألم كما تاهت

 هي ايضاً بهذا القرب تنظر لقسمات وجهه كانّها تراه للمرة الأولى.   عينه انفه شاربه لحيته أصبحت عينها تتنقل على وجهه كانّها ترسمه  لتبتسم بتلقائية  وهي تراه يتاثر مع حركات يدها ، مر وقت طويل وهو مستمتع 
بتدليكها حتى اشفق عليها وقال :

-خلاص ياديجه بقيت احسن متشكر.

ثم سحب يديها يقبلها عده قبل

-تسلم أيدك ياديجه

ارتبكت من فعلته وحاولت سحب يدها لكنه ظل متمسك بها.

-ممكن اروح انام ؟

ليبتسم وهو لايزال مغمض العينين حتىالا يزيد حرجها حرر يدها ورفع رأسه :

-متشكر ياديجه تصبحي على خير .

لتقف بسرعة ثم تذهب إلى غرفتها تختلي بهذه المشاعرالجديدة التي أصبحت تغزو قلبها
********************* * * ******************

شهر ونصف مرعليها وهي لاتزال تسمع تأنيبه وكلامه الجارح لقد اكتفت من ذلك وقررت الذهاب اليه 
لتنهي هذا العقاب الذي اصبح يعاقبها به كأنّه يحاول ان يجعلها تكرهه ....




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة