
رواية عشقت فتاة المصنع الفصل السابع عشر 17 بقلم صفاء حسنى
مدّت زينب إيديها للطفلين وسلّمتهم لإيمان علشان تهديها، وعيونها كلها طيبة وهدوء:
– "حضرتك متخافيش مني، أنا لا خاطفة أطفال، ولا ليّا علاقة باللي حصل. ولادك هنا، جنبك.
وعشان تطمني أكتر، كل خطوة ليا محسوبة ومتسجّلة فيديو وصوت."
إيمان اتجمدت مكانها، نظرتها بين خوف وصدمة:
– "متسجّل؟! ازاي؟!"
زينب بهدوء:
– "أيوه حضرتك، كل حاجة متسجلة... بس مش تجسس ولا كده،
ده لأننا في مهمة، وزياد ركبلي جهاز في إيدي... قاللي إنه يقدر يحميني بيه،
وقال كمان إن الموضوع أكبر مننا، وأنا صدقته، لأن دي كانت الحقيقة الوحيدة اللي فهمتها."
إيمان خدت الطفلين في حضنها بقوة، كأنها بتحاول ترجع ليهم الأمان اللي ضاع.
عينيها لسه فيها شك، لكن في نفس الوقت، لمحة ارتياح خفيفة لمحتها زينب.
إيمان بخفوت:
– "أنا مش فاهمة حاجة... بس حاسة إن في حاجة كبيرة ورا كل ده."
مؤمن حط إيده على كتفها بحنان وصوت مطمن:
– "وأنا كمان زيك، بس لازم أفهم كل حاجة من زياد... دلوقتي المهم تهدي."
زينب بصتلها بابتسامة فيها صدق وهدوء:
– "صدقيني، أنا مكنتش أعرف سبب وجودي هنا، بس أتوقع إن وجودي كان حماية ليكم وليا."
خرج مؤمن بخطوات سريعة، والغضب باين على وشه، واتصل بزياد:
– "اقفل الكاميرات فورًا! أنت بتهزر ولا إيه؟ جايبها عندي ليه مدام حاطط عليها جهاز تتبع؟
ولا أنا كمان بقيت تحت مراقبة المخابرات؟ ولا تكونوا شاكين في إيمان؟!"
زياد ضحك ضحكة قصيرة، ودخل بصوته الرزين اللي مفيهوش مجاملات:
– "اسمع يا مؤمن... إحنا كلنا تحت المراقبة، بس الموضوع بعيد خالص عن اللي في بالك.
إحنا ركبنا الجهاز في إيد زينب علشان نتابع كل حاجة حواليها...
لكن حصلت مستجدات، وكان لازم أبعتها عندك.
بس بصراحة، متصورتش إنك تعمل مقلب في مراتك بالشكل ده!
أنا كنت فاكرها هتقعد عند أهلك، إنت اللي جبتها عندك بنفسك!"
مؤمن اتنفس بحدة، بس سكت.
زياد كمل بنبرة أكثر هدوء:
– "وعلى العموم، متقلقش. أمرت يقفلوا شاشة الكاميرا طول ما هي عندك،
وخلينا الصوت بس مفتوح... ده علشان نطمن على أولادك لحد ما نروح ونقابل محمود وسماح،
ونفهم منهم مين ورا اللي بيحصل."
..................
عند إيمان وزينب:
سألت زينب وهي بتحاول تكسر الصمت بفضول ناعم:
– "آسفة على التدخل، بس واضح إن جوزك بيحبك وبيخاف عليك،
فليه شكيتي فيه؟ ومين رهف دي؟"
إيمان نزلت راسها، وصوتها كان مزيج بين وجع وتعب طويل:
– "مكنتش بشك... كنت محتاجة يبص في عيني ويقول الحقيقة من غير لف ودوران.
حكايتنا غريبة جدًا... أنا ومؤمن اتقابلنا أربع أو خمس مرات في العمر كله،
وكل مرة يا هو بيحميني، يا أنا بحميه."
زينب ابتسمت واهتمت، وقالت برقة:
– "سَمعاكي... كَمّلي."
بدأت إيمان تحكي، وصوتها مهزوز لكنه صادق:
– "حبيته لما اتصاب بالنار... كنت مجبورة أتجوز،
بس كنت عايزة أطمن عليه هو ورهف.
ولما رُحت شُفته بعد العملية، كان على الناقلة...
ولما مسكت إيده، حسيت بإحساس غريب، كأنه بيطلب مني متسبهوش.
كنت حاسة إنه بينادي عليا من غير صوت.
فضلت جنبه، أتكلم وهو غايب عن الوعي،
ولما خرجت، حسّيت كأني روحي بتنسحب معاه.
كنت سامعة صوته بيقول: انتي رايحة فين؟ خليكِ...
بس الواقع رجعني، العريس ندهلي...
ومشيت، بين نار قلبي وعقلي.
لكن أول ما قدرت، رسمت صورته،
كانت هي الأمل الوحيد، الأمان في غربتي.
كنت بحكي مع الصورة وأسأله كأني شايفاه قدامي."
زينب اتأثرت جدًا، دمعت عينيها وقالت بانفعال صادق:
– "كأنكم بتتخاطروا بأرواحكم."
إيمان لمحت لمحة ابتسامة صغيرة:
– "تقريبًا كده.
حاولت أوصل لرهف عشان أطمن عليها،
بس أربع سنين كنت بتتنقل من مخيم لمخيم ومن بلد لبلد...
لحد ما البحر أنقذني ورماني على شواطئ تركيا.
وأول ما قدرت أبعت رسالة... صدمتي كانت كبيرة."
زينب اتسعت عينيها بقلق:
– "ليه؟ حصل إيه؟"
إيمان بانكسار:
– "عرفت إنه هيتجوز... وصحبتي كمان."
شهقت زينب بدموعها:
– "يا خبر! اتجوز صحبتك؟!"
إيمان هزت راسها بالألم:
– "أيوه... ومن حقهم.
كنت فاكرة إنه نسي،
بس طلع هو كمان روحه كانت بتدور عليا."
..................
في الوقت ده، رجع مؤمن بعد ما خلص مكالمته مع زياد،
قرب منها بخطوة بطيئة، بصوته المليان ندم وصدق:
– "وقت الصراحة يا إيمان.
صدقيني... حُبي ليك حقيقي،
حتى لو غلطت في الأسلوب،
كان قصدي الأمان مش الجرح."
زينب ابتسمت بخفة وهي بتقرب من سرير الأطفال:
– "يلا يا ستي، نطلع إحنا نديهم ساعة كده لوحدهم.
نخلي العشاق يتكلموا بصراحة، وإحنا نقعد نرغي شوية برا."
ساعدها مؤمن وطلعوا السرير في الأوضة التانية،
وسابوا إيمان ومؤمن لوحدهم.
إيمان خدت نفس عميق، ولسه جواها تردد...
لكن في عينيها شرارة أمل خفيفة:
– "لو هتكون صريح... أنا هسمع."
مؤمن مسك إيدها بحذر،
وعينيه بتلمع بوعد حقيقي:
– "صدقيني... الصراحة كلها، المرة دي."
كانت زينب قاعدة في الأوضة التانية، تهزّ السرير بإيدها بهدوء والطفلين نايمين،
لكن ذهنها ساب المكان وراح في حوار مع نفسها بصوت واطي:
زينب:
– "شفتوا بقى يا حبايب الحب صعب ازاي؟ نصيحة محدش فيكم يحب لما يكبر،
الحب وجع والله، شوفوا أهلكم تعبوا قد إيه علشان يتجمعوا،
وبرضو الشك مزروع جواهم... ده لو الحب دواء، كان زمانهم خفّوا."
زياد كان سامعها من السماعة وبيتنهد بضيق:
– "انتي بتعلمي إيه للأطفال يا بنت؟!
وهما أصلًا فاهمين حاجة من اللي بتقوليها؟
ومال الحب يا ست المفهومة، هو الحب ناقص حد يظلمه كمان؟!"
زينب ضحكت بخفة وقالت وهي تبصّ في الكاميرا:
– "شايفين يا حلوين؟ اللي بيتكلم ده اسمه زياد الباشا...
روبوت بيتدرب على الجفاف، ولو مجرحش ميعرفش ينجح.
جاي دلوقتي يسألني عن الحب؟ يا راجل دا أنت..."
رفعت حاجبها بمكر وقالت له بنغمة دلع خفيفة:
– "مش أنت من الصبح بتقول عايز تنام؟ طب منمنتيش ليه؟"
زياد نفخ وقال بتعب واضح في صوته:
– "أنام إزاي وأنا سامعك عمالة ترغي زي العصافير،
والعيال بتزن، وليلة كلها زنة ونكد.
ده مؤمن عمل فيلم دراما عشان يوزع العيال وينام،
وأنا اللى اتزنقت أسمع التمثيلية بتاعتكم بالصوت والصورة!"
زينب انفجرت ضاحكة وقالت له بسخرية ناعمة:
– "طب وليه تاعب نفسك يا سيدي؟ اقفل السماعة ونام،
ما انت صاحب التحكم الكبير! وارتاح من صوتي ومن نفسك كمان."
وبدأت تقلده بصوت خشن ومضحك وهي بتحرك إيديها كأنها بتقوده بالريموت:
– "زينب امشي كده يا بت! روحي هناك يا بت!
تعالي هنا يا زينب! اسكتي يا زينب! اتكلمي يا زينب!"
قاطعها زياد بصوت متحكّم بس باين عليه بيكتم ضحكته:
– "زينب... ركّزي معايا، قبل ما أرجعك مكانك القديم!"
زينب ضحكت أكتر وقالت:
– "طب متزعلش يا سيدي الروبوت، أصل الضحك برضو علاج،
وانت شكلك محتاج جرعة مضاعفة."
وسابت السماعة مفتوحة وهي تهمس للطفلين بهدوء:
– "ناموا يا حبايبي، النوم راحة من كل اللي حوالينا،
حتى الروبوت بيتعب وبيحتاج يطفي نفسه."
عند إيمان...
قرب منها مؤمن بهدوء، لمس إيدها بحنان وربت عليها كأنه بيطمنها، وبعدها قبلها بخفة وقال بصوت مليان دفء:
مؤمن: "ممكن أنا وانتي نتولد من جديد؟ زي ملك ومالك... كأنها بداية حياة جديدة، من غير نفوس تعبانة ولا جروح تتفتح. عاوزك تثقي فيّ، زي ما روحي نادت عليك وحسّيتها... خلي قلبك يحس بيا، ويعرف إني مش أناني، ولا كل همّي راحتي. راحتي الحقيقية مش هتبقى غير وإنتِ معايا."
سكت لحظة، وبص ناحيتها بعينين فيها وجع وصدق وقال:
مؤمن: "اتعلمت من تجربة جوزي القديمة إن الحب الحقيقي بيخلي الإنسان ما يشوفش عيوب في حبيبه... بيكون رحيم معاه، مش بيتقل عليه. بس أنا في الماضي كنت متجوز بالعقل، فكانت في حرب بين عقلي وقلبي... لكن دلوقتي، أنا محتاجك جنبي. محتاج قوتك... عشان في حاجة شاكك فيها، وخايف أواجهها."
إيمان بصّت له بحنية، ومدّت إيدها تمسح شعره برفق وهي تقول بهدوء:
إيمان: "قولي وأنا معاك، ونفكر سوا... إوعى تشيل فوق طاقتك، يا مؤمن."
مؤمن تنهد تنهيدة طويلة، وقام طالع على السرير، فرد جسمه على ضهره، وعينيه معلّقة في السقف...
كان بيفكر يقولها ولا يستنى يتأكد الأول...
بين الخوف والصدق، قلبه بيخبط في صدره وهو بيحاول يقرر.
في بيت زياد...
ضحك زياد وقال وهو بيعدل المخدة تحت راسه:
زياد: "الله ينور عليكي، افصلي بقى أبوس إيدك، عايز أنام! وانتي رغي رغي رغي... والعيال يا تختار تنام يا تسمع صوتك. نامي بقى، عشان بكرة نشوف إيه اللي هيحصل."
قبل ما زينب ترد، التليفون رن...
بصت على الشاشة، وشها اتبدّل، ملامحها اتشدّت فجأة.
همست بخوف:
زينب: "ده عصام..."
استغرب زياد وقال وهو بيحاول يفهم:
زياد: "مين؟"
زينب: "عصام... بيتصل."
زياد اتنفس بعمق، شعر بالضيق من غير ما يعرف ليه، وقال بحدة:
زياد: "افتحي الاسبيكر وإنتي بتتكلمي."
اتنهدت زينب بخوف وقالت:
زينب: "ولو سمع صوت الأطفال؟ لأ طبعًا... أنا هبقى أقولك اللي هيحصل."
حطّت التليفون على ودنها التانية، وقالت بصوت مبحوح كأنها لسه فايقة من النوم:
زينب: "مين معايا؟"
جالها صوت عصام هادي وواثق:
عصام: "واضح إن صحيتك من النوم... آسف، كنت عايز أطمن عليكي، مرتاحة عندك ولا لأ؟"
ردّت عليه زينب بنبرة تعب وضيقة:
زينب: "يا ريت كنت نمت... وانت أزعجتني. في حاجة مهمة؟"
اتنحنح عصام وقال:
عصام: "آه... ولدي كان عايز يقابلك، عشان يأكدلك اللي قولته قبل كده. هو عنده يقين إنه يعرف مين أهلك... بس قاللي: لما أشوفها، هاعرف هي بنت مين فيهم."
زينب رفعت راسها فجأة من على السرير، عينيها اتسعت بخوف وارتباك:
زينب: "مش فاهمة! يعني إيه بنت مين فيهم؟"
تنهد عصام وقال بصوت هادي، كأنه بيرجع لذكريات قديمة:
عصام: "اللي فهمته من ولدي إن كان ليه 3 أصحاب في الجامعة. كانوا شباب وقتها، دمهم حامي، وعقلهم في السياسة والحروب والهزيمة. انضمّوا لجامعة فترة من الزمن، لكن بعد حرب أكتوبر لما الجيش انتصر، عرفوا إنهم لازم يكونوا في ضهر بلدهم، فانسحبوا منهم... بس انسحابهم ده كان بالنسبالهم هزيمة كبيرة."
كمل بصوت أعمق:
عصام: "فقرروا ينتقموا بطريقة وجعة... كانوا بياخدوا أولاد الناس دي، يربّوهم وسطهم، ويزرعوا فيهم أفكارهم، ولما يكبروا... يفاجئوا أهاليهم بيهم."
زينب كانت بتسمع ودموعها بدأت تنزل من غير ما تحس، والعالم بدأ يلف حواليها.
عصام: "واحد منهم خلّف توأم... سرقوا بنت منهم. والتاني خلّف بنت، وده أبويا. فابني عايز يشوف ملامحك، عشان يحدد... إنتي بنت مين فيهم."
شهقت زينب، صوتها خرج متقطع وهي بتصرخ ودموعها بتغرق وشها:
زينب: "يعني... أنا! أنا ممكن أكون بنت مين فيهم؟!"
ويمكن لا
---
كانت زينب مرمية على السرير، ملامحها باهتة ودموعها مش بتقف، بتحس كأن الأرض بتسحبها لتحت.
نَفَسها تقيل، وكل حاجة حواليها بتدوخ.
كلمة “بنت مين فيهم” كانت بتخبط في ودانها كأنها طلقة!
زينب (بهمس وجواها ضياع):
"يمكن آه ... يمكن لأ! يمكن الكلام ده كله كدب..."
حطّت إيدها على صدرها، بتحاول تلم نفسها، بس الإحساس بالضيق كان بيزيد،
دموعها نزلت أكتر، وبقت بتشهق من كتر البكاء.
الأطفال سمعوا صوتها... صوت بكاها الهلِع ملأ القوضة،
فعيّطوا هما كمان، وصوتهم العالي دوّى في البيت كله.
صرخاتهم وصلت لحد غرفة إيمان ومؤمن،
وكمان ياسمين ومحمد ومنى وعماد وسعاد وابنها — كلهم جريوا على الصوت.
طلبت إيمان بلهفة وقالت وهي بتنهج:
"مؤمن... ساعدني أقوم، العيال بيعيّطوا، في حاجة حصلت فوق!"
سندها مؤمن وطلع معاها بخطواتهم
أول ما دخلوا أوضـة زينب، شافوها منهارة، قاعدة على السرير ، شعرها مفكوك،
وعينيها منتفخة من البكاء.
السرير مهزوز من صوت الأطفال اللي لسه بيصرخوا،
فـ إيمان بسرعة بدأت تهديهم وهي بتطبطب على زينب،
إيمان: "اهدي يا بنتي... اهدي بالله عليكي، في إيه؟ مالك يا زينب؟!"
بس زينب ما كانتش سامعة... كانت شبه غايبة عن الوعي.
وفي نفس اللحظة...
رن جرس الباب بصوت عالي، وبعدها خبط حد بعنف!
قام مؤمن بسرعة وراح يفتح،
بينما إيمان بتقعد جنب زينب وتهزها بهدوء:
إيمان: "فوقي يا زينب... فوقي، متخوفينيش!"
عين إيمان وقعت على التليفون اللي مرمي على السرير،
وكان في صوت راجل بيقول من السماعة:
"ألو... زينب؟ سامعاني؟ زينب؟"
مسكته إيمان وردت بسرعة:
إيمان: "زينب تعبانة دلوقتي، ممكن تكلمها بعدين؟"
الراجل من الطرف التاني، عصام، صوته اتغير وقال باستغراب:
عصام: "إنتِ... إنتِ معاها في الفندق؟"
إيمان اتجمدت لحظة... حست إن في حاجة غلط في نبرة صوته،
بس ردت بسرعة، وهي مش عارفة ليه بتقول كده:
إيمان: "آه... أيوه، أنا معاها..."
وسرعان ما قفلت المكالمة بإيد مرتجفة.
في اللحظة دي كان كل أفراد العيلة دخلوا الأوضة،
وشافوا المنظر... زينب منهارة، ووشها شاحب كأنها فقدت الروح.
لكن الصدمة الحقيقية...
كانت زينب غريبة جدًا عليهم
سكت الكل فجأة...
العيلة كلها واقفة مذهولة،
والصمت خيّم على المكان،
واللي سمعوه من بكاها لسه بيرن في ودانهم.