
بقلم خديجه احمد
نور
وشه اتجمّد…
علامات الصدمة كانت واضحة قوي،
وكأنه كان مستني رد مختلف…
أحسن… أحن… مش الكلمة اللي طلعت منّي.
عينه كانت مليانة وجع،
وجسمه كله اتشلّ لحظة
قبل ما ينطق بصوت واطي…
مكسور:
"بس يا نور… أنا…"
قلبي دق.
اتوترت.
حسّيت بالجملة قبل ما يقولها،
بس برضه مكنتش جاهزة ليها.
قرب بخطوة،
نظرة عينه كانت بتترجّاني يسمعني،
وبعدين قالها…
__أنا بحبك.
اتسعت عيني.
اتجمدت.
مقدرتش أرد…
ولا حتى أمدّ إيدي أمسح دمعته اللي مكنش عايز ينزلها.
سكوتي كرّس وجعه.
هو فهمه بطريقته…
الطريقة الأقسى.
ضحك ضحكة مكسورة،
سخرية كلها مرارة وقال:
__افتكرت يوم… إنك ممكن تحبيني.
بس شكلي كنت غلط.
كمل كلامه وهو بيهرب منّي بعينه:
__بُكره هجيب المأذون… ونطلق.
وقف.
لف.
سابني.
والباب اتقفل وراه
بس الوجع…
فضل مفتوح جواي.
طلعت البيت وقلبي
مقبوض،
والدنيا حواليّا بتلف،
ومش قادرة أفهم
الإحساس اللي ماسكني.
أول ما فتحت الباب،
لقيت أدهم واقف قدّامي.
بلهجة متحفظة قال:
__كنتي فين؟
تنهدت وقلت:
__يوسف كان عايز يتكلم معايا…
قابلته تحت.
رفع حاجبه وسأل بهدوء:
__وقالك إيه؟
حكيتله باللي حصل،
فابتسم ابتسامة صغيرة
وقال:
__كويس.
____________
سارة
من يوم اللي حصل
ما بيني وبين نور…
وأنا ما اتكلمتش معاها.
عجنت الدنيا،
ومش قادرة أرجع لها
ولا أعرف أبتدي منين.
فريد كان دايمًا
بيطمن عليّا،
وأنا…
كنت باردة.
برد ع قد السؤال وبس.
حاسّة إنه بيحاول
يتقرّب…
وأنا بصده.
لسه يوسف جوّا قلبي.
لسه…
برغم كل حاجة
لسه بحبّه.
القلب مالوش مالك.
حاولت أنسى كتير،
بس مفيش فايدة.
فريد ينفع يبقى صديق…
أخ…
حد مخلص.
لكن كـ حاجة تانية—
مستحيل.
كنت قاعدة زهقانة،
ومخنوقة،
وكإن الأوضة
بتضيق عليّا.
مسكت موبايلي
واتصلت بفريد.
قولت له ننزل.
كانت تاني مرة
نخرج فيها
بعد اللي حصل
مع نور.
نزلت وقابلته.
كان قلقان…
واضح من عينيه.
عشان مش عوايدي
إني أتصل بيه
وأقوله ننزل.
شوفت التساؤل
على وِشّه…
فـ قلتله:
__حاسّة إني مخنوقة،
ومجاش ف بالي غيرك.
ابتسم،
وقال بهدوء:
__وأنا موجود يا سارة.
احكي اللي انتي عايزاه…
وأنا هسمعك.
قعدنا على الكورنيش،
كعادتنا ....
الهوا بيلعب
في شعره
،والنيل قدامنا هادي…
بس هو كان ساكت.
... سكوته اللي بيخوف.
بدأت أنا الكلام، والغصة ماسكة في حلقي:
__أنا مش عارفه أنسى يوسف… حاولت، بس مش قادره.
حاسه إني وحشة، وبحب جوز صاحبتي… ومش عارفه أعمل إيه.
تعبت… تعبت أوي من جوايا.
كان فريد ساكت.
عينه ثابتة على
المية…
كأنه بيدوّر فيها
على كلمة ينقذني بيها.
اتنرفزت، دموعي بتقرب، وقلت:
__هو إنت مش مركز معايا؟"
من غير ما يلف، رد بهدوء غريب:
__مركز… بس كنت بفكر.
سكت لحظة، وبعدها قال:
__أنا عندي واحد صاحبي… حالته زيّك بالظبط.
بيحب واحدة… وهي قلبها مع حد تاني.
بصّيت له بسرعة، وقلت:
__طب… عمل إيه؟
لفّ وشه ناحيتي لأول مرة، ونبرة صوته فيها وجع:
__كتم حبها… فضل جمبها، يهديها ويسمعها.
بس هي؟… عمرها ما شافته.
قلبي اتشد، وقلت بحذر:
__وبعدين؟
رجع يبص للنيل، وصوته نزل واطي:
__لسه جمبها… ولسه قلبه بيتقطع كل مرة يسمع اسم اللي بتحبه.
بس هو شايف إن لو اعترف… هيخسرها.
فعاش على فكرة إنه يفضل في حياتها، حتى لو مش ليه.
تنفست بصعوبة، ودمعة نزلت غصب عني:
__ربنا يكون في عونه…
أنا عارفه الإحساس دا… بينهش في الروح، ويطفي الواحد من جواه.
وساعتها…
حسّيته متأثر جدا ....
وسكوته كان أوضح من أي كلمة.
__________
نور
كنت قاعدة في العربية…
أدهم كان سايق، وماما جنبي، ماسكة إيدي وبتبتسملي.
وأنا… كنت طايرة من الفرح!
قربت عليها وحضنتها…
حاسّة إن الدنيا بتتصلّح، وإن كل حاجة هترجع في مكانها.
بس فجأة!
لمحت نور العربيات قدامنا بتلخبط.
ضوء قوي، وصوت فرامل، وحركة سريعة!
ولقيت عربية داخلة علينا بسرعة…
وفي اللحظة اللي عيني وقعت فيها على السواق…
اتصدمت.
مازن!!!
هو…
هو اللي جوا العربية!
وبس كده—
اللحظة كلها قلبت في ثانية…
والدنيا اتلخبطت حواليا.
صحيت مفزوعة…
نفَسي كان بيطلع ويتقطع،
والعرق بيجري من جبيني
كإنّي كنت بجرّي
مش بحلم!
حطيت إيدي على دماغي…
وجع فظيع،
وكلمة واحدة كانت بتخبط
جوا عقلي:
__ماما… ماتت.
مش زي ما كنت فاكرة…
مش إنه حادثة عادية!
الحلم رجّعلي كل حاجة
زي ما كانت…
العربية… الصدمة…
ومازن!
حسّيت بقلبي بينزل لتحت،
وعيوني دمعت فجأة.
أنا اللي كنت فاكرة
إنها ذكرى مطموسة…
طلعت حقيقة أنا هربانة منها!
قعدت على السرير
وأنا مرعوبة…
وبصيص واحد كان ماسكني:
بابا…
بابا اللي طول الوقت كان قاسي،
اللي معملّيش يوم حساب،
اللي عمره ما حضني
ولا حاول يفهمني…
دلوقتي بس فهمت!
هو شايفني السبب.
شايف إن أنا
اللي خطفت منه مراته.
مسحت دموعي بمرارة:
__طب ليه؟
ليه محدش قالّي؟
ليه أدهم مقالش؟
ليه ماحدش حاول يصلّح
الوجع اللي جوايا؟.
قلبي كان بيتخبط
زي حد محبوس…
مش فاهمة!
مش مستوعبة!
كل اللي كنت محتاجاه
حد يقولّي إني مش مذنبة.
لكن…
ولا حد حاول.
الغضب مسك في قلبي وولّع،
وقولت بصوت كله حُرقة:
__تمام يا مازن… أنا هوريك.
مسكت تليفوني بسرعة واتصلت بيه.
رد عليّا بصوت مخنوق بالغضب:
__ورحمة أمي يا نور… لو وصلتك مش هرحمك.
ضحكت بسخرية وقلت:
__متِحلّفش برحمة أمك… أنا هسمع كلامك وهتجوز يونس،
وهاجي لحد عندك.
سكت ثواني، وبعدين رد باستغراب:
__مقابل إيه؟
قلتله ببرود:
__قابلني في المكان **… محتاجه أتكلم معاك ضروري.
قفلت معاه، وابتسامة صغيرة ظهرت على وشي،
وقمت أجهّز للخروج.
وبعد ما خلصت وكنت ماشية ناحية باب الشقة،
قطعني صوت أدهم وهو بيقول بنبرة قلق:
__رايحة على فين كده؟
بصّيت له بنظرة فيها تأنيب…
نظرة خلّته يتوتر ويحوّد بعيونه.
قلتله بهدوء بس واضح إنه وجع:
__رايحة أعمل حاجة مهمّة… وراجعة.
مـتنامش… لأني محتاجة أتكلم معاك.
_____________
أدهم
الباب اتقفل وراها…
والصوت كان كأنه خبطة على قلبي.
نظرتها!
ليه بصّتلي بالطريقة دي؟
ليه شوفت في عينيها غضب مكبوت…
وخوف؟
وليه حاسس إن في حاجة غلط
قربت قوي تحصل؟
قلبي اتقبض من غير ما أفكّر.
إيدي راحت على الموبايل
واتصلت بمازن.
بعد ثواني رد،
صوته كان تقيل ومليان عصبية.
قولتله بتوتر واضح:
__نور… شكلها عرفت حاجة.
أنا… أنا خايف تكون افتكرت.
ضحك بسخرية وقال:
__لسه برضه؟
شيل الفكرة دي من دماغك يا أدهم.
ويلا سلام… أنا خارج.
وقفل.
بس أنا…
قلبي مش مطمّن.
حاسس إن اللي جاي
مش سهل.
يتبعععع