رواية الرائد الذى أسرني الفصل السادس عشر 16 والاخير بقلم نور كرم


رواية الرائد الذى أسرني الفصل السادس عشر 16 والاخير 
بقلم نور كرم


_عاصم؟!
جحظت عيناها بصدمةٍ حقيقية وهي تراه واقفًا أمامها، يرمقها بحدةٍ ممزوجة بالدهشة، وكأنه اكتشف لتوّه كذبةً كادت تُدفن إلى الأبد.
خرج صوته من جوفه محمّلًا بعلامات استفهام ثقيلة:
مدام ناريمان… إيه ده؟ هو إنتِ هنا؟

تلعثم ردّها وهي تحدّق به، لكن الأخرى سبقتها، اندفعت نحو الباب وفتحه على مصراعيه، لتصيح بابتسامة زائفة:
إيه ده يا عاصم؟!

ولم تجد هند نفسها إلا وهي تقفز إلى أحضانه، تضمّه بقوةٍ أربكت الجميع.
تجمّد جسده للحظة، كما تجمّدت الأم، بينما ذاك المشتعل في الداخل كان يراقب المشهد بنيرانٍ صامتة.

أطبقت ذراعيه حولها دون وعي، يمنحها دفئًا صادقًا…
لكنها ابتعدت فجأة، وكأن نارًا لسعتها، وقالت بصوتٍ مرتبك حاولت تهذيبه:
إيه ده؟ هو إنت جيت ليه؟ مش كنا لسه مع بعض؟

ما زال أثر صدمته من احتضانها المفاجئ يغطي ملامحه الشاردة وتأمله فيها، حتى نسي تمامًا سبب مجيئه.
ابتسم بهدوء، ومدّ يده بحقيبتها قائلًا:
نسيتي شنطتك في عربيتي.

اتسعت عيناها بدهشةٍ مصطنعة، شهقت بفرحٍ زائف:
هااا… أيوه صح! شكرًا أوي يا عاصم، كنت هفضل أدور عليها لو مكنتش لقتها!

هزّ رأسه وهو يراقب ضحكتها الممثلة…
كم بدت جميلة وهي تضحك، تتسع حدقتا عينيها الريميّتين، كأنها لوحة فنية يتمنى لو يكتفي بالنظر إليها العمر كله.

فاق من شروده على صوت والدتها الحاد:
أنا مش فاهمة حاجة! البني آدم ده بيعمل إيه هنا؟!

رمقتها هند بصدمة مصطنعة، ثم قالت بضجر:
يوه بقى يا ماما… دي طريقة تكلمي بيها خطيب بنتك؟

كان ذلك جزءًا من الخطة؛ تشتيت ذهنه، دفن الكذبة بكذبةٍ أكبر.
اتسعت ابتسامة عاصم باتساع السماء، قلبه يقفز من الفرح، بينما عادت الأم تقول بدهشةٍ مصطنعة:
خطيب بنتي؟! تقصدي إيه بالكلام ده؟

ردّ عاصم ببرودٍ قاتل:
يعني أنا وهند هنتجوز… قريب يا حماتي.

جحظت عينا الجميع.
ابتسمت هند بوهن، وقالت بصوتٍ مكسو بحبٍ زائف:
فعلاً… أنا بحب عاصم، وعايزة أتجوزه يا ماما.

ثم أضافت بحماسٍ مصطنع:
إيه رأيك ندخل جوه ونتكلم بدل ما إحنا واقفين كده؟

لكن الأم انفجرت بوجهه:
مين ده اللي يدخل جوه؟! ده على جثتي! وجواز إيه اللي بتتكلمي عليه؟! امشي من هنا، أنا معنديش بنات للجواز يا عاصم بيه!
جذبت هند بعنفٍ إلى الداخل، وأغلقت الباب في وجهه.

وقف عاصم في الخارج، مذهولًا…
كلماتها تتردد في رأسه:
"أنا بحب عاصم"

ابتسامة بطيئة ارتسمت على شفتيه.
إذًا هي تحبه…
إذًا لم تعشق ذاك الأحمق.
لا بد أنه اختطفها، تزوّجها غصبًا عنها.

الآن الحقيقة واضحة.
هند له… وستكون زوجته.
ارتفع صوت الأم من الداخل، صراخٌ متداخل، لكنه لم يتحرك.
قرر الرحيل… لا يريد أن يضعها في مزيدٍ من المشكلات الآن.
لكن في النهاية…سيتزوجها... ولن يقف أحد في طريقه.
وإلا… سيكتب نهايته بيده.

•     •     •     •     •

_أوف… مشي!؟ 
قالتها هند بعد أن زفرت بقوة، وكأن عبئًا ثقيلًا انزاح عن صدرها، لتتنهد الأخرى براحة قبل أن تعقب:
— أيوه الحمد لله… عدّت على خير!

— ده أنا هاطلع عين أمك… سوري يا حماتي!
قالها بفحيحٍ غاضب، وهو يمسكها من ياقة بيجامتها الحريرية، يهزّها بعنف قبل أن يصرخ فيها:
— بقى تجري عليه وتحضنيه؟! وكمان تتجرئي وتقولي له بحبك؟! لا وفوق كل ده طالعة قدّامه بالبيجامة يا ست هانم؟! ده أنا هاطلع الجديدة والقديمة عليكِ!!!

ثم تابع بصوتٍ أشد غضبًا، وعيناه تقدحان شررًا:
— قديم وجديد إيه؟! ده أنا أكسّر نفوخك! كل ده حصل قدّامي… أمال من ورايا كان بيحصل إيه؟!

— يا حبيبي… استهدي بالله، والله هفهمك!
قالتها بخوفٍ واضح، وهي تخبئ وجهها في ياقة ملابسها ككتكوتٍ مبلل، لكنه هزّها بعنفٍ أشد، صارخًا:
— أستهدي بالله إيه؟! هتفهميني إيه وأنا شُفت كل حاجة بعيني يا هانم؟!

ضحكت والدته بيأسٍ مكتوم، فهو يغار عليها بجنون، لكنها تعرف جيدًا كم هو حنون… حنون لدرجةٍ لو كان الأمر بيده لكسر رأسها نصفين. كتمت ضحكتها، وخرج صوتها برجاءٍ متعب:
— خلاص يا علي يا ابني… هي عملت كده عشان كانت خايفة عليك، خافت يطلع ويشوفك.

— ميدخل ولا! ميدخلش ولا يتزفت!
صرخ بحدةٍ أكبر:
— إزاي تحضنه وهي على ذمة راجل؟!

تدخلت هند برجاءٍ ممزوج بالارتباك، وعيناها ترتجفان:
— يا علي يا حبيبي، اهدى… أنا عارفة إني غلطت النهارده!
ثم تابعت بسرعة:
— بس والله كنت خايفة يطلع… إنت ما شُفتوش تحت، معندوش دم وكان مصمم يطلع، لولا إني قلت له إن ماما مش موجودة.، عملت كل ده عشان ما يشكّش فيّا ويفتكر إني مخبية حاجة من وراه

زفر أنفاسه بغيظ، ثم رفع سبابته في وجهها بحدةٍ جعلتها تبتلع ريقها، وقال بصوتٍ قاسٍ ارتجفت له أوصالها:
— ماشي يا هند… هنعدّيها المرادي.
ثم أردف بنبرةٍ مشحونة:
— مع إن هاين عليّا أكسّر راسك وأقتله ونخلص من القرف ده… بس ماشي.

وتابع بتهديدٍ صريح، وهو يرمقها بنظرة وعيدٍ صادق:
— بس قَسَمًا بالله… لو طول الفترة الجاية عملتي حاجه تديقني ، قَسَمًا بالله لأخلّيكي تعيطي بجد من اللي هعمله!

  _أوعي…
أفلتها بصعوبة، ورحل بخطواتٍ غاضبة، لا ينكر أن الغليان يشتعل بداخله… كيف لغيره أن ينعم بلمسةٍ منها؟
نارٌ تتأجج في صدره، لا تنطفئ كلما حضرت صورتها في ذهنه. صار يقذف كل ما تقع عليه يده إلى الأرض، يراه يتحطم كما يشعر هو من الداخل… مفتتًا إلى شظايا.

أما في الخارج، فكان وجهها ينكمش رعبًا مع كل صوت تحطّم يصل إلى أذنها. عقدت ملامحها بضيق، وقالت بنفاد صبر:
— بصي يا ماما… بصي! كل ما أحاول أساعده في حاجة يكسر ويتعصب بالشكل ده!

تنهدت الأم، وقالت بهدوءٍ تبريري:
— ما هو حقه برضه يا هند… ما كانش ينفع تنطي عليه وتحضنيه كده.
ثم تابعت:
— مهما كان، إنتِ ست متجوزة، ومينفعش تقربي منه بالشكل ده.

وأكملت بجملةٍ أشعلت الأخرى:
— وبعدين، لو كان بدر الله يرحمه، كان كسر لك راسك!

— يا رب!!!
صرخت هند بنفاد صبر، وهي ترمق والدتها بغيظ… دائمًا تجد مبررًا لأفعاله الغاضبة المجنونة.
هو يغار… وهي أيضًا تغار، لكنها لم تفعل هذا عندما علمت أن ميرلين هي من أنقذته.

— أوف يا رب!
هتفت بضيقٍ شديد، ثم استدارت ورحلت من أمامها قبل أن تنفلت أعصابها تمامًا.

•       •       •         •        •
وبعد مرور أيامٍ كانت أثقل من الجبال على قلبيهما…
أيامٌ تمر بطيئة، خانقة، كأن الزمن تعمّد أن يجلدهما بها جلداً لا رحمة فيه.

كان هو يستشيط غضبًا في كل ليلة من مجرد تخيُّل قرب ذلك الحقير منها، حتى كاد يفقد عقله آلاف المرات…
كم مرة همَّ بالذهاب لقتله؟
كم مرة قبض على سلاحه، ثم تراجع بصعوبةٍ قاتلة؟

لكنها… كانت دائمًا تهدئه بطريقتها الخاصة.
بصوتها، بعينيها، بصبرها الذي لم يفهم من أين تأتي به.
أجل… هو مجنون.
وهي الوحيدة القادرة على ترويض هذا الجنون، ولو مؤقتًا.

مرّت ثلاثة أيام…
ثلاثة أيام أصرّ خلالها ذلك الأحمق أن تختار فستانًا مخصوصًا لذلك اليوم الموعود.
وبالفعل… فعلت.
وبكل إرادتها.

كم تمنت حقًا…
لو أن هذا الفستان كان من أجل زوجها علي.
لو كان لقاءً عاديًا، فرحًا، آمنًا…
لا موعدًا مشبوهًا تتدثر فيه بالخوف.

لكن علي نفسه هو من أصرّ.
أصرّ عليها أن تختار أفضل فستان يمكن أن ترتديه.
الأجمل…
الأكثر لفتًا للنظر.

لم تفهم سر إصراره،
لكنها نفذت ما قاله، دون نقاش.

وجاء اليوم الموعود…
اليوم الذي انتظروه طويلًا،
بعد أيامٍ شاقة على القلوب،
كم عانوا…
وكم تذوقوا الألم والخوف،
حتى صار الخوف رفيق أنفاسهم.

واليوم…
جاء يوم التسليم.

في أرض سيناء الحبيبة…
كانت العصابات تتشكل.
ملثمون في كل اتجاه،
وفي كل زاوية من الصحراء فرقة مدججة بالسلاح، تختلف عن الأخرى.

المشهد بدا وكأنهم داخل أرضٍ من نار…
أرض لا ترحم من يخطئ خطوة.

وصل ماركو ورجاله، ومعهم رجال عاصم في المنتصف.
وفي الجهة المقابلة…
وقف ذلك الملثم.

رفع سلاحه، وصوته يخرج أجوف بارد:
_ هذه هي الأموال… أين هي البضاعة؟

ضيّق ماركو عينيه من وهج الشمس المسلَّط على نظرته السوداء،
ثم أشار لرجاله بإخراج البضاعة.
صناديق مدججة بالأسلحة،
أنواع مختلفة…
كأنها مخازن موت مفتوحة.

وفي لحظة…
لحظة بلا إنذار…
انفجرت الطلقات من كل مكان.
من الغرب…
من الشرق…
من كل اتجاه.

تحولت الأرض إلى بحرٍ من الدماء،
صرخات، أجساد تسقط،
وغبار يختلط برائحة البارود.

انزلق ماركو على الأرض، رافعًا يديه باستسلام،
بعد أن سُلِّطت عليه أسلحة الشرطة من كل صوب.

رفع رأسه…
فرأى ذلك الملثم يتقدم نحوه بخطواتٍ بطيئة،
خطوات تشبه خطوات الذئب حين يقترب من فريسته.

رفع الملثم قناعه…
لتجحظ عينا ماركو صدمة:
_ علي؟!!

_ أجل يا ماركو…
قالها علي بفحيحٍ غاضب، صوته مشبع بنارٍ قديمة:
_ أرأيت؟ أنا لم أمُت بعد.

ثم علا صوته بحدةٍ آمرة:
_ يلا يا ابني… اسحبوه من هنا!

_ كل الاتجاهات تتأمَّن!
قالها بأمرٍ قاطع لأحد الملازمين برفقته:
_ مش عايز كلب منهم يهرب!

وبالفعل… نُفِّذ الأمر.

تقدم المقدَّم رجدي من خلفه، وصافحه بفخر:
_ أهلاً بيك يا سيادة الرائد… مبروك عليك الترقية يا سيادة المقدَّم.

رفع علي رأسه بشموخ الصقر،
لكن خلف هذا الشموخ كان هناك حزنٌ دفين،
حزن لا يراه إلا من عرفه جيدًا.

_ تسلم يا فندم…
ثم قال بصوتٍ منخفض:
_ متعرفش قد إيه كنت أتمنى إن سيادة المقدَّم إبراهيم الجبالي يكون موجود…
_ كنت نفسي يشوف إني قدرت أنجح كالعاده… وأرفع راسه.

_ ده أكيد يا سيادة المقدَّم…
قالها رجدي بفخر، ثم سأله بهدوء:
_ والخطوة الجاية إيه؟

_ الخطة الجاية…
قالها علي بعينين تشعّان ألمًا وحقدًا مكبوتًا:
_ عاصم الشرنوبي.

•     •        •            •
وبقصره الوثير
كانت تقف أمام المرآة…
تحدّق في هيئتها الخاطفة للأنفاس بخوفٍ يتشكل في عينيها.

تدعو الله أن يعيد علي إليها أمنًا وسلامًا…
كم تخاف أن يغيب عنها مرةً أخرى،
وكم تخشى أن تفقده إلى الأبد!

رفعت بصرها نحو السماء، بعينين لامعتين بالدموع، وقالت برجاءٍ من الخالق:
_ يا رب… رجّعهولي بخير يا رب، مليش غيره.

أخفضت رأسها بذعر، بعدما دلف إليها الأخر دون استئذان.
تسمّر في مكانه،
وجحظت عيناه بانبهارٍ محمَّل بالعشق والدموع،
كأنه مسحورً بها…
بل كان كذلك فعلًا.

كم كان فستانها راقيًا…
فستان صُمّم لها خصيصًا، منفوش بنفشةٍ بسيطة،
يضيق عند الخصر، وينسدل بأريحية كفساتين الأميرات.
يميل عن الكتفين كفستان سندريلا،
وتعلوه ورود من الألماس الخالص،
ليبدو كتحفةٍ فنية،
وكأنها أميرة هاربة من حكايةٍ قديمة.
اكتفت بمساحيق بسيطة،فبدت كفراشة…أو كحبة فراولة!
وزاد احمرار وجنتيها الخفيف من لطفها،
حتى صارت ساحرة حدّ الإرباك.

اتسعت عيناه بانبهار،
واقترب منها بهدوء وهو يقول:
_ إيه الجمال ده كله؟

ارتبكت من قربه،
وابتسمت بوهن وهي تتراجع خطوة للخلف قائلة بحماسٍ مصطنع:
_ شوفت؟ إيه رأيك في الفستان عليّ؟

_ قمرررررر.
هتفها بصوتٍ عالٍ، مليء بالدهشة والعشق،
فابتسمت بهدوء، وأمسكت كفّيه قائلة:
_ طب يلا نلحق ننزل قبل ما الناس تطلع هنا تدور علينا.

ابتسم بعشق،
وسحبها أمامه،
ونزلا الدرج معًا.

وبين ساعةٍ وأخرى…
كان ضجيج الحفلة يزداد.
تجمع كثير من الشخصيات المهمة بحديقة القصر،
المزيّنة بالكامل بفروع الزهور،
وأضواء مبدعة بتصميمٍ خيالي.

وفي لحظة…
كان عاصم يقف ممسكًا بمكبر الصوت،
وقال بامتنانٍ واضح:
_ شكرًا جدًا لكل اللي شرفوني ونوّروني النهارده في حفلة خطوبتي.

ثم تنهد، وقال بحبٍ :
_ أحب أعرّفكم على حبيبة قلبي ونور عيوني… هند.

علا التصفيق الحار،
حتى بلغت مكانها بجانبه.
وضعت أناملها المرتجفة بين راحتيه،
وابتسمت بوهن،
وقلبها يفرّ ناحية علي بخوفٍ تحاول مداراته.

قبّل يدها بعمق،
وقال بصوتٍ عالٍ مفعم بالعشق:
_ بحبك يا أجمل هدية قدمهالي ربنا.

كانت ستردّ…
لكن في لحظةٍ واحدة،
قُطع سكون المكان.
ارتفعت فوق صوت الموسيقى الصاخبة طلقات نارية،
ودلف علي،وخلفه رجال الشرطة الملثمون،
وقال بأمرٍ قاطع لا يقبل النقاش:
_ سلّم نفسك يا عاصم الشرنوبي… المكان كله محاصر.

انخفضت الأسلحة،
وتوقفت الموسيقى،
وشهق كل من في الحفل بصدمة.

وفي اللحظة نفسها،
ركضت هي نحوه،
وألقت بنفسها في أحضانه باكية، لاهثة بالخوف:
_ علي… حبيبي!

استقبلها بذراعيه،
وقبّل وجنتيها،
بينما كانت الشرطة تقبض على ذلك المشتعل غضبًا،
الذي صاح بنحيبٍ هستيري:
_ إوعى إيدك عنها! هند تعالي هنا!!

ومع محاولاته العنيفة للإفلات،
اقترب علي منه بخطواتٍ هادئة،
وقال بفحيحٍ مليء بالكراهية:
_ كتبت نهايتك بإيدك يا سيادة الوزير…
 حفرت قبرك بنفسك،
 وخلاص دي آخر الحكاية… ودي أخرتك يا كلب.

_ هقتلك يا علي!
 هقتلكوا ومش هسيبكوا تتهنوا!
هقتلكووووووا!
صرخ وهو يُسحب بعنف نحو السيارة.

رمقته هي باحتقار،
ثم احتضنت زوجها بعمق، وقالت بابتسامةٍ هادئة:
_ خلاص كده يا علي… الحكاية خلصت.

قبّل وجنتيها بعمق،
وهمس أمام عينيها بشغف:
_ مش قبل ما أوفي بوعدي الأخير.

قطبت حاجبيها باستغراب،
ومالت عليه بدلال قائلة:
_ يعني إيه؟

أزاح سترته،
وأخرج من خلفه باقة ورد،
ثم ركع أمامها قائلًا بعشقٍ مجنون:
_ يعني… تقبلي تتجوزيني يا مجنونتي؟

اغرورقت عيناها بالدموع،
وقفزت في أحضانه بفرحٍ صادق وهي تقول:
_ أكيد… أكيد أقبل يا أسرني.

وقف مت مكانه، وامسك يدها بحب وقال بشغف: 
_طب يلا بينا بسرعه! 

_ هنورح علي فين يا مجنون!؟ 
قالت من بين ضحكاتها الرنانه، لـ يبتسم وهتف بحب وحماس: 
_ هنروح لـ فرحنا يا مزتي! 

•        •       •          •
وفي مكانٍ آخر…
كانت الجموع تذدحم في كل زاوية، كأن المكان يضيق بأنفاسهم، ينتظرون هبوط العورسين، تلك اللحظة التي يشتعل فيها الفرح ويبلغ ذروته.
وبالفعل… وسط الموسيقى الصاخبه، وتصفيقٍ حارٍ من المعازيم،
اندفع الاثنان إلى داخل الحفله ركضًا، بجنونٍ طفولي، بضحكٍ منفلت، حتى علت التصفيقات، وتعالت الذغريد السعيده، فغمرت أرجاء الحفل كلّه.

_ وحشتني يا أمي… وحشتني!!
قالها بشوقٍ جارف، وهو يقبل رأسها، ثم يدها، ثم قدمها، كأنما يعوض عمرًا من الغياب في لحظةٍ واحدة.
ثم لمح أخاه الأصغر صالح، فاجتذبه إلى أحضانه بقوة، وصوته يرتجف فرحًا:
_ وحشتني يا صلوحا… كلكم وحشتوني!!

بكت والدته ودلته، وهي تحتضنه بدفء شوق أمٍ أنهكها الانتظار.
كانت تتقكع في اليوم ألف مره على غياب فلذة كبدها سنتين، ولم تلمح طيفحه، حتى باتت تصدق، رغمًا عنها، بأنه مقتول.
كادت تموت قهرًا، ولولا أن الله أعاد لها الحياة بخبر مجيئه من جديد، لما بقي في القلب نبض.

_ حبيبي… حبيبي ونور عيوني،
أمك وحشتني، وحشتني يا علي،
يا أجمل عريس شفتو عينك،
افتكرت إني هموت قبل ما أشوفك تاني يا قلبي، يا حبيبي!!
قالتها من بين دموع ألم الغياب، وحسرة قلبٍ كاد يموت شوقًا،
فانحنى هو يقبل يدها بحنوٍ شديد، حنو ابنٍ عاد من الغياب محمّلًا بالشوق والندم.
ثم جذب الأخرى بهدوء، وقربها من والدته، وقال بحبٍ خالص:
_ اعرفك يا أمي، مراتي هند… البنت اللي كنت بقولك عليها؟!

ابتسمت هند، ومالت تقبل يدها بحب، وقالت بحنانٍ صادق:
_ اتشرفت بمعرفتك يا طنط.

ابتسمت والدته بنظرة أمٍ مطمئنة، وقالت بانبهارٍ حقيقي:
_ قمر… زي متوقعت!!

لم تمهله اللحظة طويلًا، إذ جذب هند بحماسٍ واضح، وقال معتذرًا بابتسامة:
_ معلش بقا يا أمي، لازم اخودها ونرقص على الاغنيه دي…!!

وغادر من أمامها بلهفة،
وهو يرقصها على إحدى الرقصات الرومانسيه لأغاني عمرو دياب،
وعيناه لا تفارقان عينيها، كأن العالم كله اختصر في تلك الرقصة.

وما إن هدأت الأنغام، حتى اشتعلت أخرى أشد جنونًا،
فتجمع حولهما الأصدقاء والعائلة،
حازم، وممدوح، وزوجته غزل، وتلك الجميله بدرة،
التي كانت تترقص معهم بفرحه كبيره،
ويردد كلٌّ منهم خلفها بجنون،
فضحكٌ يعلو، وقلوبٌ ترقص، واشتياقٌ قديم يُدفن أخيرًا تحت أقدام الفرح وهم يرقصون علي تلك الاغنيه : 
_ لما تروح وتسافر دنيا بعيده... 
لما تدخل قصة حب جديده... 
لما بنتجمع في مناسبه سعيدة 
بنغنييي!! 
لما نطير من الفرحة لعالم تاني! 
ولما تضيق الدنيا علينا ونعاني 
ولما بنفصل من الدنيا، دي ثواني  
بنغنيييي!! 
هنعيش لسه يما ونشوف، هنعيش تحت أي ظروف 
هنعيش يلا بينا نعيييييش 
هنغني كمان وكمان، وهنرقص علي الاحزان 
ويادنيا جنان بجنان، يا دنيا جنان بجنااااااااان!!!! 

                      تمت بحمد الله 




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة