
آلاء محمد حجازي
موووؤمن!!! بالله عليك قوم!!
يا ناس… حد يعمل حاجة!!
كانت ماسكة إيده بكل قوتها…
كأنها لو سيبتها
هتفقد آخر حاجة في الدنيا تربطها بالحياة.
والناس حواليها…
واقفة…
مصدوّمة…
واللي بيعيط…
واللي بيقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله.
وشهد؟
كانت قاعدة في نص الشارع…
حضناه…
وبتصوّت…
وكإن روحها اتسحبت مع آخر نفس خرج منه.
وصلت الإسعاف وكانت بتجري بسرعة رهيبة....
شهد كانت قاعدة جانبة في عربية الإسعاف فجأة قالت بسرعة:
ألحقوه!! بالله عليكم هو لسه عايش… النبض بيرجع… هو لسه عايش!
المسعف كان بيقول نبضه بصوت عالي:
ضعيف… ضعيف… رجع… اختفى… ارجع يا مؤمن… يلا يا بطل…
وإيده بتضغط على صدره بقوة:
وجسمه يهتز…
وشهد تهتز معاه وتصرخ:
مؤمن!
فجأة النبض رجع خط بسيط…
رفيع…
بيتحرك بالعافية.
المسعف لف لشهد بسرعة:
إحنا وصلنا… ادعيله بس، لان الدعاء بيغيّر القدر.
نقلوه جوّا المستشفى على نقالة،
والدكاترة اتلمّوا عليه.
شهد وقفت على باب غرفة الإنعاش،
بترتعش…
وبتبكي…
ومش قادرة تاخد نفسها.
كانت سامعة صوت الدكتور:
اضغط أكتر… شحن تاني… النبض ضعيف… على الحافة!
وبعدها؟
صمت…
صمت يخوّف.
الدكتور خرج،
قرب منها…
وحاول يكون هادي وهو شايف انهيارها
يا بنتي…
والله حاولنا…
حاولنا بكل الطرق…
بس… البقاء لله.
دماغ شهد وقفت
وقفت…
بصّت له بشلل ثواني، وبعدين خرج صوتها…
لا… لأ… لأ… لأ… مؤمن؟
جريت على باب الغرفة قبل ما حد يلحق يمسكها،
دخلت عليه، لقتهم مغطّينه نص تغطية.
شدّت الغطاء من على وشه وهي تقول:
ما تموتش… ما تموتش بلاش تسيبني…
مسكت إيده… لقياها بردت شوية.
مسكتها بإيديها الاتنين كأنها بتحاول تدفّيها:
إدفى… قوم… اسمعني… قوم عشان نعيش… قوم عشان قلتلي هنمشي سوا… قوم!
وفجأة قالت بوجع في قلبها:
أنا لسه… لسه كنت شايفاك جنبي… لسه ماسك إيدي… لسه بتضحكلي…
ركعت على الأرض عند السرير،
حاطّة راسها على صدره:
ما تسيبنيش… ما تسبنيش زيه… بالله عليك قوم.
وبعدين اتهمت نفسها فجأة:
أنا السبب… أنا السبب إنك تعدي الطريق… أنا السبب إنك كنت ماسك إيدي… أنا السبب في كل حاجة…
وبصوت أعلى:
ارجع… ارجع يا مؤمن… ما تموتش في يوم كتب كتابنا… حرام عليك… قوم!
الممرضة حاولت تمسكها…
شهد زعقت:
سيبيني! ده جوزي! ده جوزي أنا!
وبعدين بصت لوشه…
وشه الهادي اللي دايمًا كان يسمعها قبل ما يتكلم.
قالت له آخر كلمة وهي بتنهار انهيار كامل:
يا مؤمن… أنا بحبك… قوم.
ومن بعدها ماكانش في صوت غير بكاها وهي حاضناه كأنه لسه حي.
وبعدين قالت ودموعها بتنزل علي صدره:
ما تسبنيش…
أنا كمان بحبك…
كنت هبقى عوضك…
وإنت عوضي…
قوم عشان نعيش… قوم يا مؤمن!
بس هو؟
ما بيردش…
ما بيتنفسش…
جسمه بقى هادي…
هادي بطريقة توجع.
وقعت على صدره تبكي…
صرخات محبوسة جواها سنين:
إحنا لسه هنبدأ…
لسه هنعيش…
لسه عندنا حكاية…
ليه يا مؤمن؟! ليه؟!
الممرضين حاولوا يشيلوها…
بس دكتور قال:
سيبوها…
وهي فضلت ماسكة إيده…
وكأنها لو سابت…
هتسقط من على وش الدنيا.
------------------
كانت شهد ماشية وراهم…
تايهة.
رجليها بتتحرك، بس عقلها واقف في اللحظة اللي شافته فيها بيقع…
ولا هي سامعة صوت الناس… ولا فاهمة مين بيكلم مين…
كل حاجة حواليها عاملة زي ضباب تقيل مش راضي يتشال.
كانت بس بتعيد في دماغها جملة واحدة:
هو فين؟… فين مؤمن؟ هو فين دلوقت؟
الوقت كله راح…
الساعات عدّت كإنها دقيقة…
والناس دخلوا البيت اللي كان لسه من وقت قليل مليان فرحة وضحك.
البيت اللي مؤمن كان واقف فيه من ساعات بيهزر معاها…
اللي قال لها فيه وهو ماسك إيديها بعد كتب الكتاب:
بصي يا بنت الحلال… إوعي تزعلي بعد كده…ومن النهارده هنعوض كل السنين اللي راحت.
كانت شهد وقتها بتضحك وهي بتردعليه:
طب ماشي،بس بطل تهزر معايا كتير قدام الناس، انا بتكسف.
فيغمز لها و هو بيقول:
بتتكسفي؟ ده أنا لسه هكسفك كسوف… أنا ناوي أزهقك مني، ده إنتي شغلي الشاغل من النهارده.
الكلام ده رجع يرنّ في ودنها بقوة لحد ما قلبها وجعها.
دخلت أوضتها…
أول ما قفلت الباب، وقعت على الأرض زي ورقة نشفة مكسورة.
مدّت إيدها على تليفونها بطريقة لا إرادية…
فتحته…
ولقت صورتهم.
الصورة اللي اتصورت على السلم…
الصورة اللي كان فيها مؤمن واقف جنبها…
حاضنها من كتفها وشه مبتسم ابتسامة كبيرة قوي…
الابتسامة اللي كانت بتقول أخيرًا بقت ليا.
افتكرت صوت ضحكته…
افتكرت لما وقفها على السلم وقال لها:
تعالي نتصوّر يحبيبي.
ضحكت شهد و قالت له:
إنت مش طبيعي… على السلم؟!
راح ضاحك بصوت عالي:
على السلم، في الشارع، فوق السحاب… المهم صورتي معاك.
لما افتكرت كلمته…
اتقطّعت جواها.
قربت الموبايل من صدرها…
الصورة بتتهز من إيدها اللي كانت بترتعش…
وبعدين فجأة…
خرج صوتها.
كانت بتعيط…
وبتعيط…
وبتعيط…
زي حد كان ماسك نفسه من بدري… وفجأة اتكسرت السدود كلها.
دموعها نزلت بغزارة لدرجة إنها كانت مش شايفة الشاشة…
كانت بتقول بصوت مكسور:
ليه يا مؤمن…؟
ليه سبتني؟
لسه كنت بتتريق عليا…
لسه كنت بتضحك…
لسه كنت ماسك إيدي…
وأطول موجة بكا عرفتها في حياتها نزلت…
محدش كان قادر يدخل لها…
محدش كان قادر يقرب منها…
ولا هي نفسها كانت قادرة توقف.
كانت بس ماسكة الصورة…
وبتنهار.
-----------------------
عدى شهر كامل…
شهر وشهد لسه محبوسة في أوضتها، كأن الدنيا وقفت عند اللحظة اللي اتاخد فيها مؤمن من حضنها قبل ما تلحق تقول له استنى.
لا بتتكلم…و لا بتضحك… حتى النفس كانت بتاخده بصعوبة.
تاكل لقيمات صغيرة وترجع تكمل عياط.
مع إنها ما عاشتش فترة طويلة مع مؤمن…
بس هي كانت شايفاه السند… الأمان… الراجل اللي بعد أبوها.
ولما الأمان بيتاخد منك مرتين…
الكسرة بتبقى أعمق من إن حد يفهمها.
بس الليلة دي…
باب أوضتها اتفتح بهدوء…
وأمها دخلت.
قعدت جنبها…
نفسها كان تقيل، كأنها بتحارب عمر كامل مش لحظة بس.
قالت بصوت مش مألوف لشهد، صوت هزيمة:
هتفضلي لحد إمتى كده؟
شهد بصتلها…
نظرة ساكتة، فيها كسر أكبر من كل الكلام اللي ممكن يتقال.
أمها تنفست بعمق وقالت:
أنا عارفة إنك زعلانة مني…
وعارفة كمان إن وجودي مش عاجبك دلوقت
ويمكن كارهاني…
ويمكن لو الزمن يرجع، تختاري أم غيري…
بس اسمعيني.
قربت منها شوية:
أبوكي… أبوكي يا شهد…
قبل ما يموت، مسكني إيدك وقال لي: دي أمانة في رقبتك يا أم شهد… بنتي دي قلبها ضعيف… خلي بالك منها.
وانا يومها وِعِدت.
بس يمكن…
يمكن فهمت الوعد غلط.
شهد دموعها نزلت بهدوء.
أمها كملت:
تعرفي يعني إيه ست تبقى لوحدها؟
تعرفي يعني إيه الدنيا كلها تبقى واقفة عشان تمتحنك كل يوم؟
إخواتي البنات كانوا بيخافوا لما أزورهم…
بيخافوا لخطف اجوازاتهم او زي ما بيقولوا كده ألف على واحد فيهم.
والناس تقول:
دي شكلها مش تمام… دي عينها زايغة… دي بتخطف رجالة.
أنا يا شهد اتشتمت…
اتهنت…
اتكسر ضهري…
واترمى عليا كلام…
لو قلبك مكان قلبي، كان زمانه مات من زمان.
أنا اتربيت على الجمود يا شهد…
أبويا كان ناشف… أمي ناشفة…
وأنا كنت فاكرة إن كده الصح.
كان لازم أبقى جامدة…
لازم أبان قوية…
لإن كلام الناس ما بيرحمش…
وانا جربته قبلك.
مسحت دمعتها بسرعة، كأنها ممنوعة تبين ضعف:
كنت خايفة تتأذي…
كنت خايفة الناس تعمل فيكي زي ما عملوا فيا…
خايفة تشوفي اللي شوفته…
خايفة قلبك يتكسر زي قلبي.
قربت أكتر، صوتها انكسر:
عشان كده كنت قاسية.
كنت ناشفة.
كنت بكسر فيكي…
عشان أعلّمك تقفي.
عشان لما الحياة تخبطك ما توقعيش.
عشان تبقي قوية… مش سهلة الكسر.
شهقت شهد بهدوء…
أمها حطت إيدها على إيدها لأول مرة من شهور:
كنت فاكرة إن الحنية هتضعفك…
وإن القسوة هتحميكي.
وطلع…
إني كنت بخوّفك بدل ما أطمّنك.
وبوجعك بدل ما أحضنك.
بصت لها بعينين مش مليانة دموع…
لأ… مليانة ندم:
سامحيني يا شهد…
أنا فشلت أبقى أم زي ما كنت أتمنى…
بس والله…
والله العظيم…
عمري ما قسيت عليكي إلا خوف.
خوف بينهش قلبي كل يوم.
وخوف الناس يا بنتي…
ناس ما بيرحموش… بيعدموا.
وما كنتش عايزة حد يعدم بنتي.
سكتت لحظة…
وبعدين قالت بصوت مهزوم:
حاولي…
اخرجي من اللي إنتِ فيه…
مش عشاني…
عشانك.
لإنك انكسرتي مرة…
وما ينفعش تنكسري تاني.
قامت…
وبصت لها آخر بصّة فيها كل اللي ما اتقالش سنين:
وانا…
لسه على وعد أبوكي…
بس المرة دي هافهمه صح.
وبقولك تاني حاولي…
يا بنتي…
اطلعي من اللي إنتِ فيه.
مؤمن مات… بس إنتِ لسه عايشة.
وإنتي تستاهلي تعيشي.
وطلعت ببطء
وسابت شهد قاعدة…
دموعها بتنزل في صمت…
وقلبها مش عارف يسامح ولا ينسى…
بس لأول مرة من شهور…
حست إن الباب اتفتح شِبر… مش للهوى…
للراحة.
وبداية سلام صغير… بيخبط على باب قلبها لأول مرة.
------------------------
بعد ما خرجت أم شهد من الأوضة، سابتها واقفة في النص بين الوجع والحيرة…
ما هيش عارفة تمسك راسها ولا قلبها ولا دمعتها.
الدنيا حواليها هادية… بس الهدوء كان مرعب أكتر من العياط.
وفجأة…
الباب اتفتح تاني.
دخلت الأم، وبصوت هادي على غير عادتها قالت:
شهد… عمّة مؤمن برّه… وعايزة تقابلك.
شهد ما اتكلمتش… بس هزّت رأسها.
دخلت عمّة مؤمن بخطوات تقيلة… خطوات حد موجوع بجد.
أول ما شافت شهد، مافيش كلمة خرجت منها.
مدّت دراعتها وفتحت حضنها…
وشهد، رغم تعبها، راحت ووقعت في حضنها زي طفلة.
حضن كان مليان رحمة…
مليان خوف…
مليان فقد شبه فقدها.
عمّة مؤمن قعدتها جنبها، ومسحت على وشّها بلطف أمّ خصرت عمرها كله.
وقالت بصوت دافي، هادي، وداخل من أعمق نقطة في قلبها:
بصي يا بنتي… هقولّك كلام نفسي يدخل قلبك قبل ودنك.
سكتت ثواني، ودمعتها لمعت، وقالت:
الموت يا شهد… مش آخر الدنيا.
الموت باب…
كلنا هنعدي منه.
وربنا قال:
«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»
يعني ماحدّش بيمشي من الدنيا إلا بأذنه… لا قبل ثانية ولا بعدها.
شدّت على إيدها وقالت:
من حقّك تزعلِي…
ومن حقّك تبكِي…
ومن حقّك تتكسري.
ده رسول الله ﷺ نفسه…
بكى على ابنه إبراهيم.
ولما صحابه استغربوا قال لهم:
«إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا».
فلو سيد الخلق زعل…
يبقى عادي… طبيعي… إن قلبك يتقطع.
مسحت دموع شهد اللي نازلة بالغصب:
بس يا بنتي…
الزعل مش معناه إنك توقفي حياتك.
الوجع مش معناه إنك تدفني نفسك معاه.
إنك تحبيه… مش معناه إنك تموتي بالحياة.
قربت منها أكتر:عارفة إنك كنتي شايفاه سند…
شايفاه أمان…
شايفاه ضهر.
ومش غلط… كان فعلاً كده.
@ج
بس اللي راح… راح للي أرحم منّا كلنا.
وإحنا ما نملكش حاجة غير إننا نقول:
«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون».
مش كلمة نقولها وخلاص…
دي شهادة…
تسليم…
وإيمان إن ربنا ما بياخدش إلا لحكمة.
حطّت إيدها على خد شهد وهي بتترعش:
ومش هكدب عليك…
الوجع مش هيروح بكرة… ولا بعده.
بس هتهديه رحمة ربّنا.
وهيفضل الحب…
بس من غير ألم يكسر ضهرك.
قربت وشها من وش شهد وقالت:
مؤمن…
لو واقف قدامي دلوقت…
هيقول لك: قومي.
عيشي.
ادعي لي.
اعملي خير باسمي.
مش هيقول لك اقفلي على نفسك… ولا موتي معايا.
ده كان بيحبك… واللي بيحب ما يرضاش يشوف حبيبته بتدبل.
حضنتها تاني… حضن طويل… حضن أم فقدت ابنها بس لسه قلبها حيّ:
وإوعي تنسي…
الدنيا مش دار بقاء.
كلنا ماشين.
بس اللي باقي… عملنا… صبرنا… دعاء اللي بيحبونا.
شدّت على إيدها الاتنين وقالت:
يا شهد…
اللي حصل مش نهاية.
ده بداية جديدة… يمكن صعبة…
لكنها من ربّنا.
ولما نيجي يوم ونقف على أبواب الجنة…
هتلاقيه مستنيك…
يضحك…
ويقول: استنيتك.
مسحت دمعتها وابتسمت بألم وقالت:
بس لحد اليوم ده…
عيشي.
لإن لسه ليك عمر…
ولسه ليك نصيب…
ولسه ربنا كاتب لك حياة…
ما ينفعش تطفيها.
عاوزه اقولك يمكن انا اكتر حد ماذي من موت مؤمن مامه مؤمن ميته وهو عنده 10 سنين انا اللي ربيته مع ابوه لاني ما بخلفش واتطلقت من جوزي بسبب ده ولحد قبل ما يجي هنا بسنتين كان بابا توفى وانا رجعت شقتي لما شفت حالته النفسيه بس هو قرر يسافر شغل في القاهره السنتين دول عشان يقدر يتعافى يعني واول ما اجيب شافك قال لي عمتي انا لازم انا اخطبها ويوم ما وافقتي كان فرحان جدا.
بس هو دلوقتي زعلان علشان انتي زعلانه.
افرحي يشهد؟
------------------------
الكلام اللي قالته عمّة مؤمن كان داخل جوا شهد…
يدخل… ويخبط… ويصحّي الوجع اللي كانت بتحاول تنامه.
وفجأة…
كأن كلمة صغيرة كسرت آخر حتة كانت ماسكة نفسها بيها.
قامت شهد بتبص لعمّته…
عنّيها واسعة… ودموعها بتلمع قبل ما تقع.
وطلعت منها الكلمة اللي كانت محبوسة في صدرها شهر:
أنا عارفة…
عارفة كل اللي بتقوليه…
بس… مش… قادرة…
الصوت اتكسر.
الكلمة اتشرخت.
وهي نفسها انهارت.
الدموع نزلت مرة واحدة…
مش دموع بكاء طبيعي…
دموع حد اتفتح فيه باب وجع كان مقفول بالعافية.
قعدت تعيط…
وتنهيدة ورا التانية…
وصوتها بيرتعش:
مش قادرة… مش قادرة أصدق إن هو مش موجود…
مش قادرة أصحى كل يوم على إن في حد ناقص…
كان أماني يا طنط…
كان ضهري…
ولما راح… اتكسرت.
انهارت…
فعلاً انهارت.
رأسها نزلت على ركبتها.
عمّة مؤمن…
اللي كانت ماسكة نفسها طول الوقت…
دمعتها نزلت من غير ما تقاوم.
مدّت إيدها ولمست شعر شهد بحنان أمّ مكسور، وقالت بصوت واطي… دافي… مهزوز شوية:
ازعلِي يا بنتي…
ازعلِي قد ما تقدري…
الزعل حقك… ومش حرام.
بس بالله عليكِ…
ما تخليش الزعل ياكل عمرك.
مسحت دموع شهد وهي بترتعش:
ما تخليش الحزن يسرقك…
ولا يخطف أيامك.
هو راح للي أرحم منه ومننا…
وانتي لسه ليكي عمر…
ولسه ليكي حياة لازم تعيشيها.
حضنت شهد، وقربت ودنها منها وقالت بجديّة دافئة:
يا بنتي…
اطلعي…
اخرجي من الأوضة دي…
خدي نفس برّه…
غيري جو، روّحي مكان مفتوح، شوفي ناس…
ما تفضليش لوحدِك.
وبصوت أعمق… أصدق… أقرب للقلب:
وعلى فكرة يا شهد…
الحادثة اللي أخدته…
طلعت قضاء وقدر.
سابت الكلمة تقع في قلب شهد زي الحقيقة اللي بتهدّ وتبني في نفس الوقت:
قضاء وقدر…
يعني عمره خلص.
واللي خلص… ما حدش كان هيطوّله، لا إنتي… ولا أنا… ولا الدنيا كلها.
مسكت خد شهد بين إيديها وقالت:
بس إنتي… لسه مكتوب لك تبقي هنا.
وربنا ما كانش هيخليكي لوحدِك…
غير لو كان شايف فيك قوة…
وهي موجودة…
حتى لو انتي مش شايفاه.
والدموع على خد شهد كانت بتزداد…
بس لأول مرة…
كانت دموع اعتراف…
دموع حد بدأ يسلّم… حتى لو غصب عنه.
----------------------------------
بعد ما عمّة مؤمن خرجت…
فضلت شهد قاعدة لوحدها في الأوضة…
والكلام اللي سابته ورَاها كان بيرِنّ في ودان شهد زي نبض تقيل.
الكلمات دي كانت بتتنقّل جواها…
تكسر… وتلَحّم… وتفَوّق وجع شهور.
فضلت ساكتة شوية…
بس لأول مرة من يوم الحادث…
حست إن في حاجة جواها بتتهز…
بتصحى…
بتقول لها إن الحياة مش هتقف…
حتى لو القلب اتكسَر.
مسحت دموعها…
قامت تلبس طرحتها…
وخدت نفسها وقررت تطلع.
مفهمتش هي رايحة فين غير بعد ما رجليها وقفت قدام أول مكان شافته فيه.
البحر.
نفس البحر اللي كانوا واقفين قدامه…
ونفس الموج اللي كان ضحكه ووشّه الطيب بيملاه حياة.
قعدت شهد على الرملة…
والهوا بيعدّي على وشّها…
وبصّت للمكان اللي مؤمن وقف فيه يومها، والطفل الصغير اللي كان بيعيّط…
فاكرة إزاي مؤمن مسك الطفل من غير ما يعرفه…
إزاي كان حنين…
هادي…
وراجل بمعنى الكلمة.
ابتسامة صغيرة كسرت دمعتها…
مش عارفة إن كانت فرحة ولا وجع…
بس كانت حقيقية.
وفجأة…
شعرت بإيد بتتلف حوالين بوقها من ورا…
تشَدّ…
بقوة…
من غير ولا صوت.
وبتكتم نفسها.
الصدمة خلت قلبها يقع من مكانه…
حاولت تتحرك…
بس الإيد اللي بتشدها كانت أقوى من خوفها.
وهي بتتلف غصب عنها…
عينيها اتسعت…
نفسها اتقطع…
زيــــــاد.
وقف قدامها…
وشه كله غِلّ…
ضحكة مريضة طالعة من قلب ظلام.
قرب وشه منها وهو ماسكها بقسوة وقال بطريقة تقشعرّ لها الأبدان:
مـــات.
مات اللي كنتي بتستخبي وراه.
وشهد اتجمدت.
كمّل بصوت أوسخ من السواد:
ودلوقتي…
هــاخد حق الضرب اللي ضربهولي…
عشانك.
هاخد أعزّ ما عندِك يا شهد.
الكلمة نزلت عليها زي جردل ماية صاعقة في عز الشتا.
شهقتها طلعت متقطّعة…
عقلها حاول يرفض يفهم…
بس فهمت…
وخوفها بقى نار.
هخليكي تتمني ترجعيلي…
وتيجي تبوسي إيدي،
علشان اتجوزك بعد اللي هيحصل.
هخلي سمعتك علي كل لسان.
وهنا…
شهد اتولدت من جديد.
الخوف اتحوّل لغضب…
والصمت اتحوّل لصراع.
زقّته بقوة…
قعدت تضرب فيه بكل قوتها…
إيديها…
كتافها…
حتى وهي مرعوبة كانت بتحارب.
لكن الفارق بينهم كان كبير…
ضخم…
شرّ…
وهي منهارة وتعبانة.
مسكها من شعرها من فوق الخمار....
وضربها خبطة جامدة على دماغها خلّت الدنيا تبيضّ في عنيها…
قرب منها…
ثانية…
ثانيتين…
وجسمها مرمي على الأرض…
والخطر بيقرب…
بيتنفّس عليها…
وفجـــــــــاة قبل ما يغمى عليها شافت اخر شخص كانت تتوقع انها تشوفه تاني.......
---------------------------
#يتبع.