اسكريبت وليتني لم التفت الفصل الخامس 5 بقلم ألاء محمد حجازي


اسكريبت وليتني لم التفت الفصل الخامس 5 بقلم 
ألاء محمد حجازي


ولما إنتي…عارفة إني كنت بحبه…
و عارفة كويس قوي هو كان إيه بالنسبة لي…
ليه وافقتي تتخطبي له؟

رحمة قربت منها خطوة…
وشها متشدّد، عينيها مليانة نار مش دموع، صوتها واطي بس مسموم:

–علشان بكرهك.

الكلمة نزلت على إستبرق زي الطوبة.
ما ردّتش…
ولا عرفت ترد.

رحمة كملت، ووشها بيقرب أكتر، وكأنها عايزة تتأكد إن كل كلمة توجع:
– أيوه بكرهك… وعمري ما كرهت في حياتي حد قدك.
عارفة ليه؟
علشان طول عمرك كده…
إستبرق راحت، إستبرق جت،
إستبرق عملت، إستبرق لبست،
إستبرق مش بتحط ميك اب،
إستبرق باباها عمل لها،
باباها جاب لها،
باباها وداها، باباها جابها…

صوتها علي شوية، وإستبرق لسه واقفة، عيونها ثابتة، كأنها اتخشّبت:
– وأنا؟
أنا كنت إيه؟
ظلّك؟
نسخة أقل؟
دايمًا المقارنات…
شوفي إستبرق عملت إيه،
شوفي إستبرق ذكية إزاي،
شوفي إستبرق محترمة إزاي…

ضحكت ضحكة قصيرة فيها سخرية وحقد:
– حتى وإحنا صغيرين…
حتى وإحنا بنلعب…
حتى وإحنا بنكبر…
إنتِ دايمًا الأحسن،
وأنا دايمًا اللي بعدها.

إستبرق بلعت ريقها، صوتها طلع بالعافية:
– رحمة…

قاطعتها بسرعة، بنبرة حادة:
– لا.
ما تنطقيش اسمي كده،
إنتِ مالكيش حق.

خدت نفس عميق وكملت، وكل كلمة كانت سكينة:
– إنتِ فاكرة إني وافقت أتخطب لزين ليه؟
حب؟
إعجاب؟
لا يا حبيبتي…
وافقت علشان أكسرك.

إستبرق شهقت، دموعها نزلت من غير صوت.
– أيوه…
علشان أذلك،
علشان أتعبك،
علشان أشوفك وانتي ساكتة،
علشان أعرفك إحساس إني أقل.

قربت أكتر، وبصّت لها من فوق لتحت:
– وأكتر حاجة فرّحتني؟
إني كنت عارفة إنك ضعيفة.
عارفة إنك مش هتتكلمي.
عارفة إنك مش هتعملي حاجة.
عارفة إنك هتوجعي… وتسكي.

إستبرق أخيرًا اتكلمت، صوتها مكسور:
– طب ليه؟
أنا عمري ما أذيتك…
عمري ما أخدت منك حاجة.

رحمة ضحكت ضحكة عالية المرة دي:
– هو الحب بيفهم منطق؟
هو الغِلّ بيفرق بين صح وغلط؟
أنا مش محتاجة تكوني أذيتيني…
كفاية إنك كنتِ إنتِ.

وسكتت ثانية، وبعدين كملت ببرود قاتل:
– آه…
وبالمناسبة؟
زين طلع صفقة ممتازة.
غني، ووسيم، ومعاه فلوس…
وفوق ده كله؟
حبيبك.

رفعت حاجبها باستفزاز:
– يعني ضربت عصفورين بحجر.
خطيب محترم،
وكسر خاطر إستبرق.

إستبرق كانت بتسمع…
بس عقلها مش مستوعب.
كل حاجة بتلف.
كل الذكريات بتقع.

رحمة ختمت، وهي لابسة ابتسامة انتصار:
– وأحب أقولك حاجة أخيرة…
ده لسه البداية.
وأنا ناوية أتعبك أكتر.

كانت إستبرق واقفة قدّام رحمة،
مش قادرة تتحرّك،
مش قادرة تصدّق،
ولا حتى قادرة تزعل بالشكل الطبيعي.

الكلام اللي طالع من رحمة كان تقيل…
تقيل قوي.
كأن كل كلمة بتترمي عليها حجر.

رحمة كملت وهي عينيها مليانة حقد:

هنا…
إستبرق رفعت عينيها،
وكان فيهم وجع سنين.

– أنا كنت دايمًا بحبك يا رحمة.
كنت بعتبرك أختي.
كنت بتمنى لك الخير حتى أكتر من نفسي.
وحتي لما عرفت انك عارفه اني بحب زين، أو لما كنت بحبه. 

رحمة بصتلها باستغراب:
– إنتِ عرفتي منين إني عارفة إنك بتحبي زين؟

إستبرق كملت، وصوتها ثابت:
– يوم ما كنت مسافرة.
رجعت علشان أودّعك.
وسمعتك وانتِ بتكلمي أمك.

سكتت لحظة…
وبعدين قالت الجملة اللي كانت محبوسة جواها :
– سؤال واحد بس لسه بيلف في دماغي…
وانتِ عارفة إني بحبه…
وافقتي ليه؟

رحمة افتكرت نفسها كسبانة…
بس ملامحها بدأت تهتز.

إستبرق كملت، المرة دي بصوت أعلى شوية:
– بس إنتِ جاوبتي بنفسك.
أنا كنت فاكرة نفسي أختك.
طلعتي ما تستاهليش.

قربت منها خطوة، وقالت بوجع مكبوت:
– كنت فاكرة إنك تستاهلي العِشرة…
طلعتِ ما تستاهليش غير إن الواحد يشفق عليكي.
ومتزعليش…
حتى الكلاب أنضف من قلب مليان حقد زي ده.

رحمة شهقت:
– إنتِ بتقولي إيه؟

إستبرق ردت، لأول مرة بعينين قوية:
– إنتِ قولتي إني ضعيفة؟
يمكن.
أنا ضعيفة مع الناس اللي بحبهم.
وده عيبي الوحيد.

سكتت لحظة، وبعدين قالت بحدة:
– وإنتِ كنتِ من الناس دي.
بس خلاص.

إشارت بإيدها ناحية الباب:
– اطلعي بره.
اطلعي بره بيتي.
مش عايزة أشوف وشك تاني.

رحمة وهي طالعة، لفّت وقالت بصوت مليان تهديد:
– ماشي…
بس والله ما هسيبك.
وديني ما هسيبك يا إستبرق.

الباب اتقفل.

وإستبرق فضلت واقفة مكانها…
مش بتعيّط.
مش بتنهار.

بس حاسّة إن حاجة جواها
اتكسرت للأبد…
وحاجة تانية اتولدت.
----------------------------
وقعت إستبرق على الأرض أول ما الباب اتقفل ورا رحمة.
كأن رجليها قرروا يسيبوها في اللحظة اللي الحقيقة اتعرّت فيها قدّامها بالشكل ده.

قعدت على الأرض، ضهرها مسنود على الكنبة، إيديها بترتعش، ونَفَسها مش مظبوط.
مش بتعيّط بصوت…
لا.
ده العياط اللي بيطلع من جوّه، اللي يخنق الصدر ويكسر الضلوع من غير دموع في الأول.
أنا ليه؟
ليه دايمًا اللي أعتبرهم أهلي…
يطلعوا أكتر ناس قادرين يوجعوني؟
ليه دايمًا القريب هو اللي يكسّرني؟

الأسئلة كانت بتلف في دماغها زي الدوّامة، ومفيش ولا إجابة واحدة.

فتحت في العياط بقى.
عياط مكتوم، متكسر، مالوش صوت بس له وجع.
حضنت نفسها، كأنها بتحاول تعوض حضن اتسحب منها فجأة.

وفي اللحظة دي…
باب الشقة اتفتح.

أبوها دخل، ولسه هيقول السلام عليكم،
الكلمة اتبلعت في حلقه أول ما شافها.

إستبرق…
بنته اللي عمره ما شافها ضعيفة بالشكل ده،
مرمية على الأرض، وشها أحمر، عينيها مورّمة، ونَفَسها مش مظبوط.

قرب منها بسرعة:
– إستبرق! مالك يا بنتي؟ في إيه؟

ما ردتش…
بس أول ما سمعت صوته، انهارت أكتر.
قامت من مكانها ورمت نفسها في حضنه زي الطفلة.
– ليه يا بابا؟
ليه كده؟
ليه دايمًا بتخزل؟
ليه أقرب الناس ليا هم اللي بيكسروني؟
أنا تعبت… والله تعبت.

شدّها لحضنه أكتر، ومسّد على شعرها:
– اهدي يا روحي… اهدي واحكي.

وحكت.
حكت كل حاجة.
من أول حبها، لحد خيانة رحمة، لكلامها السام، لتهديدها وهي طالعة من البيت.

أبوها كان ساكت…
ساكت بس عينه بتشد، وقلبه بيتقطع، بس ثابت.

لما خلصت كلامها، رفع وشها بإيده وقال بهدوء تقيل:
– بصي يا بنتي…
مفيش حاجة اسمها ليه.
اللي بيحصل ده نصيب من عند ربنا،
وربنا عمره ما بيكسّر حد غير عشان ينقذه من كسر أكبر.
إنتِ مش ضعيفة…
إنتِ طيبة، والطيبة في الزمن ده ابتلاء مش عيب.

مسح دموعها بإبهامه:
– والخير اللي ربنا بيشيله عنك أحيانًا…
بيكون شكله وحش في الأول،
بس بعدين بتفهمي إن ربنا كان بيحميكي.

وبعد ثواني صمت، بص لها بنص ابتسامة وهو بيغيّر الجو:
– وبالمناسبة بقى يا قرد…
إنتِ ما قولتيليش…
إنتِ تعرفي زين منين أصلًا؟

ابتسمت غصب عنها وسط دموعها، ومسحت وشها بإيديها:
– من وأنا في أولى ثانوي…
كنت بشوفه دايمًا وأنا رايحة الدرس.
مرة على مرة…
لقيت عيني بتروح له لوحدها،
أركز معاه أكتر من نفسي.
وبعدين فجأة…
لقيت نفسي بحبه.

سكتت شوية، وبصّت في الأرض، وقالت بصوت واطي:
– بس تعرف يا بابا…
أنا حاسّة إن الموضوع دلوقتي اتلخبط جوايا.
مش عارفة ده كان حب بجد…
ولا إعجاب…
ولا يمكن صورة كنت رسماها في دماغي.
أنا مشوشة قوي.

شدّها لحضنه تاني، وقال بثبات:
– وده طبيعي يا إستبرق.
القلب لما يتوجع…
بيحتاج وقت يفهم هو كان بيحب إيه، ومين.
وسيبيها على ربنا…
هو الوحيد اللي بيعرف يرتّب القلوب المكسورة.

فضلت في حضنه…
ولأول مرة من فترة طويلة،
حسّت إنها مش لوحدها.
-----------------------------
الأيام ابتدت تعدّي…
مش بسرعة، ولا بسهولة،
كانت بتعدّي تقيلة، واحدة واحدة، كأن كل يوم جاي يعلّم في قلب إستبرق علامة جديدة.

استبرق ما بقتش البنت اللي بتصحى مستنية مكالمة من رحمة،
ولا اللي بتعد الساعات عشان تشوف زين صدفة.
قصّت الخيوط واحدة واحدة…
مش بقسوة،
بوجع هادي،
بوجع اللي بيضطر ينقذ نفسه.

وقررت أخيرًا تعمل الحاجة اللي كانت مأجّلاها من زمان…
تشيل رحمة من دماغها.

مش تمسحها،
ولا تكرهها،
ولا حتى تلعن اليوم اللي عرفتها فيه.

لا…
تشيلها.

تحطها في ركن بعيد كده جوا الذاكرة،
الركن اللي بنحط فيه الحاجات اللي وجعتنا
بس خلصت مهمتها.

فهمت حاجة متأخرة شوية…
إن أسوأ حاجة ممكن يعملها الإنسان في نفسه
إنه يفضل عايش رد فعل لوجع قديم.

تفضل تصحى كل يوم
تفتكر اللي اتقال،
واللي اتعمل،
واللي كان ممكن يحصل وما حصلش.

وهي خلاص تعبت.

تعبت من دور الضحية،
ومن إنها كل مرة تقعد تحاسب نفسها:
أنا غلطت في إيه؟
قصّرت في إيه؟
استاهلت ده ليه؟

واكتشفت إن مش كل وجع ليه إجابة.
ومش كل خذلان ليه سبب منطقي.
في ناس بتكسر غيرها لمجرد إنها تقدر.

وساعتها بس…
إستبرق قررت تختار نفسها.

تعيش لنفسها.
مش علشان تبان قوية قدّام حد.
ولا علشان تغيظ حد.
ولا علشان تثبت إنهم خسروا.

لكن علشان هي تعبت بجد.

بقت تقوم الصبح
تعمل قهوتها بهدوء،
تضحك على حاجات بسيطة،
تخرج من غير ما تبص وراها تشوف مين هيشوفها.

بقت تفهم إن السلام الداخلي
مش معناه إن الوجع اختفى،
معناه إنك بطلت تسيبه يمسك الدركسيون.

وإن أحسن حاجة ممكن يعملها أي بني آدم لنفسه
إنه يفصل نفسه
عن أي حد كان سبب في كسره
حتى لو كان أقرب الناس.

مش كل حد كان في حياتك
ينفع يكمل فيها.

وفي وسط كل ده…
يعقوب.

الغريب القريب.
الحاضر من غير ما يفرض نفسه.
اللي بيظهر فجأة
كأنه جاي يقول: لسه في حاجات حلوة.

ما كانتش بتحاول تفهم هو إيه.
ولا ليه دايمًا موجود.
ولا إذا كان قدر ولا صدفة بتتكرر بزيادة.

بس كانت ملاحظة حاجة واحدة بس:
إنها في وجوده…
مش محتاجة تمثل.
ولا تدافع عن نفسها.
ولا تشرح وجعها.

كانت بتضحك.
ضحك حقيقي.
من غير ما تحس بالذنب.

ولما سمعت الخبر اللي نزل عليها زي الصاعقة
إن زين ساب رحمة…
وقفت مشوشة.

مش فرحانة.
مش زعلانة.
مش شمتانة.

حاسّة إن صفحة قديمة اتقفلت
من غير ما تستأذنها.

وساعتها فهمت
إن ربنا لما بيشيل حد من حياتك
مش دايمًا علشان يعوضك بحد.
أحيانًا
علشان يسيبك لنفسك شوية
تتعافى.

وإستبرق…
كانت أخيرًا
بتتعافى.

ابتدت حياة جديدة.
دويرة أوسع،
ناس شبهها،
ضحكة راجعة واحدة واحدة،
قلب لسه موجوع… بس واقف.

بعيدة عن رحمة.
بعيدة عن زين.
لكن الغريب؟
مش بعيدة عن يعقوب.

يعقوب كان في كل حتة.
في الكافيه.
في الشارع.
في التجمعات.
في الصدف اللي زيادة عن اللزوم.

مش عارفة ده قدَر؟
ولا هو اللي كان بيطلع لها في كل طريق؟
ولا ربنا بيعوّضها بطريقة هي لسه مش فاهمها؟

بس اللي كانت متأكدة منه…
إن وجوده مش بيقلقها.
مش بيوجعها.
مش بيفكّرها بحاجة وحشة.

بالعكس…
كانت بتلاحظ إنها بتفرح أكتر وهو موجود.
إن ضحكتها معاه مش متكلفة.
إن الكلام بيطلع من غير تفكير.
إن قلبها… مش متشد، مش متخوف.

ومع كل مرة كانت تحاول تقنع نفسها إن ده عادي،
كان قلبها يبتسم ويكذبها.

لحد اليوم اللي الخبر فيه نزل عليها
زي جردل ماية صاعقة في عز الشتا، كانت الصدمة بالنسبة ليها؟ 
---------------------------
#يتبع. 

                 الفصل السادس من هنا 

تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة