قصة انت حقى انا البارت التاسع9 بقلم نورهان حسني


قصة انت حقى انا
البارت التاسع9
بقلم نورهان حسني


قطع كلامهم صوت طرق شديد علي الباب..فتح أحد الخدم بسرعة ليصرخ بخضة بمجرد أن رأي البواب يحمل عز و حنين المحمرة عيونهم من كثرة البكاء... 
انتفض قلب فيروز من تلك الصرخة و ذهبت مسرعة إلي الباب..لتجد طفليها يحركان شفتيهم بضعف و دموعهم تهبط بهدوء فلم تعد بهم قدرة علي الصراخ.. 
هرولت فيروز ناحيتهم و ضمتهم إلي أحضانها بقوة وهما ممسكان بها كالغريق الذي وجد طوق النجاة..ظلت فيروز تبكي و تبكي علي حال طفليها و قلبها يتمزق علي رؤيتهم بتلك الحالة..تمنت لو صعدت إلي الشيطانة التي تدعي غادة لتخنقها بكلتا يديها علي ما فعلته بأطفالها... 
سأل عامر مندهش:أنت لاقيتهم فين 
تكلم البواب مشيرا إلي رجل يبدو عليه كبر السن يتابع الموقف في صمت قائلا:البيه دا لاقيته داخل عليا بيهم يا باشا 
عامر و نبيل بغضب:أنت عملت فيهم إي!!!!! 
الرجل بخوف:يا بيه والله ما عملت حاجه أنا راجعه من شغلي لاقيتهم مرميين علي الأرض و جمبهم ورقة فيها العنوان دا حاولت أجبلهم أكل أو أي حاجه و هما ساكتين و دموعهم نازله وبس 
ضمت فيروز أطفالها أكثر لأحضانها و هي تهمس في أذنهم بحنان:متخافوش أنتوا مع ماما 
شعر نبيل و عامر بصدق كلام الرجل فطلبوا منه أن يجلس في القصر لساعة حتي ينتهي التحقيق بينما حملت فيروز أطفالها في صمت و صعدت بهم غرفتها و أغلقت الباب و وضعتهم علي الفراش لتقول له بعيون باكية:وحشتوني أوي عارفين أنا مكنتش بعرف أنام عشان أنتوا معايا
تعلق الأطفال برقبة أمهم و هم يبكون بضعف مرددين "ماما..ماما"
حملت فيروز أطفالها لتبدل لهم ملابسهم و هي تحاول تخفيف الحزن الذي في أعينهم و تحاول أن تستخلص منهم أي معلومة عما حدث.. 
في غضون ساعة كان رجال الشرطة يملئون قصر آل توفيق..و ما بين التحقيق مع الرجل الذي أحضر الأطفال.. غضب غادة من عودتهم رغم تأكدها أنها مجرد ساعات و تستولي علي الغنيمة بمفردها..كانت فيروز تجلس مع أطفالها في غرفتها مانعه أي حديث مع رجال الشرطة معهم مراعاة لما مروا به..جلست فيروز بين طفليها تطعمهم بحنان و تطمئنهم بكلماتها أنهم بأمان الآن.. 
سمعت فيروز صوت طرقات خفيفة لتأذن بالدخول..ليدخل عامر و نبيل و سناء و حنان.. 
أنحني الجميع علي الأطفال يطبع قبلة حانية علي جبينهم و جلسوا في أماكنهم و يقضوا بعض الوقت معهم ليطمئنوا علي الأطفال إلا أن غفي عز و حنين بين ذراعي فيروز.. 
مع دقات الساعة الواحدة صباحا..وضعت فيروز صورتها مع حسن و أغلقت الحقيبة بعيون باكية..أغمضت عينيها بحزن و تذكرت آخر ليلة أمضتها في تلك الغرفة بين أحضان حسن..تمتمت بصوت ضعيف:ربنا يرحمك يا حبيبي و يجمعني بيك في الجنة
وضعت فيروز حقيبة خلف ظهرها و حقيبة أخري في يدها و حملت طفليها النائمين بصعوبة..تحركت بخفوت و وضعت ورقة صغيرة أمام باب حجرة عامر و أدخلتها للداخل بينما وضعت ورقة صغيرة في حجرتها و انطلقت تستكشف طريقها بين ظلمات الليل هاربة بأطفالها من وحوش بشرية لا تفكر سوي في جمع المال..حامله أجمل ذكرياتها مع زوجها عاشتها في سنواتها الأخيرة..لم تستطع تجمل ألا تري البيت الذي جمعهم سويا..أوقفت تاكسي و طلبت منه الذهاب إلي الفيلا..دخلتها من الباب الخلفي و هي تحمل طفليها رغم علمها بأنه لا يوجد أحد بها بعد وفاة حسن..ظلت تجوب في كل ركن في المنزل و صعدت غرفتها مع حسن أحضرت معها نظارته الطبية و المصحف الذي كان يقرأ به و همست في أذن أطفالها الغارقين في نومهم قائلة:البيت دا مينفعش نعيش فيه من غير بابا 
نظرت فيروز نظرة أخيرة علي غرفتها ودموعها تهبط منها باستسلام و ضعف وهبطت علي حجرة المكتب أحضرت بعض الكتب الذي كان يقرئها حسن و فتحت الخزنة السرية الخاصة بها لعلمها بمكانها و رقمها..وجدت فيها بعض المال و بعض الأوراق لم تفهم أهميتها و لكن أخذتها معها أيضا لعلها تكون سبب في عودة حق اليتيمين اللذان علي ذراعها.. 
ركبت فيروز التاكسي مودعه المنزل الذي قضت فيه أجمل أيام حياتها مع زوجها بعيون باكية و قلب موجوع.. 
ظلت طوال الطريق تضم أطفالها إلي صدرها و رأسها علي زجاج السيارة و شريط حياتها مع حسن يمر أمام أعينها.. 
وصلت السيارة بسلام إلي المنزل الذي اشتراه حسن إلي فيروز..كان الشقة في الدور الرابع من عمارة سكنية في حي يبدو عليه البساطة و الرقي..صعدت فيروز درجات السلم و وضعت حقائبها أمام الباب ثم عادت وحملت أطفالها و قبل أن تضع المفتاح في الباب سمعت صوت رجولي يقول:أنتي مين؟؟؟؟؟؟ 
التفت فيروز بخوف لتجد رجل في عقده الخامس يبدو عليه الوقار يقف أمامها بترقب لتقول بصوت متقطع:أنا فيروز 
ارتسمت ابتسامة هادئة علي وجه الرجل وقال:أنتي مرات حسن توفيق الله يرحمه 
فيروز بقلق:أيوة 
الرجل مطمئن:طب متخافيش مني حسن كان زميلي وقالي إنك لما تيجي البيت دا محدش من أهله يعرف عنك حاجه و متخافيش المنطقة هنا أمان 
تنهدت فيروز براحة وقالت:شكرا يا عم... 
الرجل بهدوء:عم طه 
قطع حديثهم صوت طفليها اللذان أفاقا من نومهم بكسل مرددين"ماما" 
طمأنت فيروز طفليها بضمه إلي صدرها ليعودوا غارقين في نومهم.. 
طه بابتسامة:عز و حنين مش كدا 
فيروز:أيوة 
طه:طب يا بنتي أدخلي إرتاحي من تعب السفر و بكرة بإذن الله بعد صلاة العصر هكون عندك عشان أعرفك علي عيلتي و أديكي أمانه و علي العموم برده أنا ساكن في الدور اللي تحت دا لو احتاجتي حاجه قبل ما أجي 
 
فيروز بامتنان:شكرا يا عمو طه مش عارفه أقولك إي والله

طه:ربنا يحميكي أنتي و ولادك يا بنتي كفاية إنك من حبايب الغالي 
ودعته فيروز بابتسامة هادئة ودخلت منزلها الجديد لتجده مجهز بأثاث بسيط و لكن يوجد بعض الأتربة و ما شابه ذلك.. 
نظفت فيروز الفراش و وضعت طفليها و غاصت بجانبهم في سبات عميق هاربه من التفكير في هذا الواقع.. 
.............................................................. 
"ولادي دول آخر حاجه ليا بعد موت حسن..و محدش قدر يحميهم و لا يحمينا لأن اللي كان بيخلي باله مننا دلوقتي تحت الأرض..أنا عمري ما فكرت في فلوس حسن و لا عنده كان أنا حبيته وبس و هربي ولادي زي ما هو عايز..كفاية اللي شوفته من يوم ما مات..هقدر أربي ولادي بعيد عن الجو اللي مليان كره هنا..سامحوني بس أنا أم و بعد اللي شوفته مقدرش أعيش أكتر من كدا في البيت دا..هيجي اليوم و هتلاقوا ولاد حسن توفيق أحسن ناس و هيكملوا طريق أبوهم..أنا آسفة..فيرووز" 
كانت هذه الكلمات الموجودة بالجواب الذي كان في غرفة فيروز,,ألقاه نبيل علي مسامعهم وسط ذهول من جميع الحاضرين..ما إن أنهي نبيل قراءة الجواب حتي انفجرت حنان باكية علي حرمانها من أحفادها كحرمانها من أبويهم..
قالت غادة بنبرة خبيثة:متزعليش نفسك يا طنط دي شكلها وقعت علي شاب من سنها و ضحك عليها و هي بتقول كدا عشان تطلع بريئة 
عامر بغضب:اللي بتكلمي عنها دي كانت في يوم شايله اسم حسن و حافظت عليه و هتفضل تحافظ عليه 
حنان من بين دموعها:متظلميش البنت يا غادة كفاية الأيام اللي عاشتها بعيد عن ولادها 
غادة بضيق:خليكوا أنتوا كدا 
سناء بحزن:طب إحنا لازم ندور عليها مهما كان 
سميرة:أنا رأيي زي سناء مينفعش نسيبها كدا 
نبيل بخيبة أمل:هحاول و ربنا يسهل لو ليها نصيب ترجع هترجع 
غادة:هي سابت البيت و هي عارفه إن كدا غلط مفروض الوقتي منسألش فيها لأنها معملتش اعتبار لحد و غير كدا تتحرم من أي جنيه 
عامر بعصبية:فلوسها و فلوس ولادها هتفضل زي ما هي بنشغلها ومحدش يفكر إنه ياخد مليم منها 
نبيل:من غير ما تتعصب يا عامر 
أكمل نبيل كلامه و هو ينظر إلي غادة وقال:فلوس حسن محدش هيقرب منها غير ولاده و مراته 
زفرت غادة بضيق و صعدت إلي غرفتها بينما ذهب عامر إلي دورة المياه و أحكم غلق الباب و أخرج الورقة التي رائها في غرفته و حمدالله أن سناء لم تنتبه لها.. 
قرأ عامر جواب فيروز مرة أخري و هو يشتعل غضب مما فعلته غادة و أنها السبب في خطف أطفال أخيه.. 
كان مضمون الجواب أن فيروز أخبرته عن كلام غادة لها في المقابر وأخبرته أنها ستبعد أطفالها عن تلك الحياة التي يملأها الكره..و أوصته برحمة أخيه ألا يخبر أحد لأنها لا تريد أن تظلم من الجميع و أخبرته هو فقط لعلمها بأمانته و ثقة حسن فيه..ختمت فيروز جوابها بجملة بعثت الأمل في صدر عامر و كانت تقول "في يوم ولادي هيرجعوا يا عامر..هيرجعوا عشان ياخدوا حق أبوهم و يعرفوا الدنيا كلها إن أمهم لما هربت من عالمكوا كان عشان خايفة يتاخدوا منها..ولاد حسن متقلقش عليهم هيتربوا زي ما أخوك كان عايز"

زفر عامر بحزن و فتت الورقة حتي لا يراها أحد و دعا ربه أن يوفق فيروز فيما هي مقدمه عليه 
................................................................... 
انتهت فيروز صلاة العصر و وقفت في المطبخ تعد طعام لأطفالها..شعرت فيروز بيد صغيرة تمسك قدمها لتخفض بصرها بابتسامة لتجد حنين تنظر لها ببراءة و تقول:ماما بابا وحثني أوي (وحشني أوي) 
تنهدت فيروز بحزن وهبطت لمستوي طفلتها وقالت:بصي يا حبيبتي بابا في مكان حلو أوي و هيبقي مبسوط لما يشوف بنوته حبيبته شاطرة و بتسمع الكلام هتلاقي كل أما تنامي يجيلك في الحلم 
حنين بحزن طفولي:بث أنا حايزه بابا كمبي (بس أنا عايزه بابا جمبي) 
أمسكت فيروز بقلادة معلقة في رقبة حنين كانت هدية حسن في عيد مولدهم الأول وقالت:كل أما يوحشك أمسكي السلسلة دي و أحضنيها بإيدك و غمضي عينيكي و افتكري بابا في كل مرة كان بيضحك فيها هتلاقي إن قلبك ارتاح و حسيتي ببابا جمبك 
ابتسمت حنين بطفولة و احتضنت والدتها وقالت:أنا بحبك أوي يا ماما زي ما بابا كان بيحبك 
ابتسمت فيروز و قالت:ربنا يخليكي ليا يا حنون 
قطع كلامهم صوت طفل صغير يقول:ماما ماما ماما 
التفت فيروز إلي طفلها الصغير عز وقالت:في إي يا حبيبي
عز ببراءة:حايز أثاعدك زي بابا (عايز أساعدك زي بابا) 
حنين بحماس:و أنا و أنا و أنا 
ابتسمت فيروز لأطفالها و أجلستهم علي طاولة المطبخ و جعلتهم يزينون الكعك التي صنعته.. 
بعد أن أنهت فيروز و أطفالها الطعام سمعت فيروز صوت طرقات علي الباب..
فتحت فيروز الباب لتجد الحاج طه و معه سيدة و فتاة في مثل سن فيروز.. 
فيروز بترحاب:أهلا أهلا اتفضلوا 
بعد أن أنهت فيروز تقديم واجب الضيافه و ماشابه ذلك من حديث عن حالها و حال أطفالها.. 
جلست ابنة الحاج طه تشارك عز و حنين اللعب بينما جلست فيروز مع الحاج طه و زوجته.. 
الزوجة:بصي يا بنتي لو احتجتي أي حاجه أندهيلي بس و متخافيش من أي حاجه
فيروز:ربنا يخليكي يا طنط

وضع الحاج طه حقيبة جلدية أمام فيروز وقال:دي أمانة ليكي حسن سيبهالي وقالي أوصلهالك لما توصلي بالسلامة هنا...و بعدين أنا من شهرين كدا فتحت مطعم أكلات بحرية وحسن دخل معايا شريك باسمك و كل أول شهر هيوصلك نصيبك في المطعم عشان تصرفي منهم براحتك 
فيروز بعدم تصديق:حضرتك بتتكلم بجد 
طه بابتسامة:طبعا يا بنتي 
احتضنت فيروز كفها الذي يوجد به دبلة حسن و ابتسمت بحزن.. 
زوجة الحاج طه:ربنا يقويكي يا بنتي علي المسئولية دي 
فيروز بتنهده:يااارب 
أكملت فيروز بإحراج:هو ممكن أطلب من حضرتك طلب 
طه:أتفضلي 
فيروز:عز و حنين قربوا يكملوا 3سنين و أنا بصراحة عيزاهم يبدؤا في القراءة و الكتابة عشان لما يقربوا علي سن الدراسة يكونوا قادرين ينجحوا فيها 
طه:بس كدا مش مشكلة عادي علي أول الشارع في بنت في سن بنتي بتدرس لأطفال المنطقة و بتحفظهم قرآن كمان 
فيروز بقلق:و دي بيتها أمان يعني 
طه:متقلقيش يا بنتي المنطقة هنا أمان و اعتبري أهل المنطقة أهلك و هم ناس طيبة 
فيروز:بس المهم محدش يعرف من أهل حسن إني هنا عشان اللي حكيته لحضرتك 
طه:متخافيش يا بنتي أنتي و ولادك في حمايتي و كفاية أنكوا من أحباب حسن 
ابتسمت فيروز براحة و نظرت إلي أطفالها و هما يركضان في المنزل بحيوية راجية من ربها أن يحفظهما لها.. 
................................. 
دارت الأيام بفيروز و أطفالها وهي تحاول بكل طاقتها أن تنشئهما النشئة السليمة و تربيهما علي طاعة الله و أسمي الأخلاق..دارت بها الأيام و أطفالها هما من يخففان عنها حزن فراق حسن..انشأتهم علي حب أبيهم بل و عشقه أيضا..ذكريات عاشتها مع حسن كانت رفيقتها في ليالي اعتصر فيها قلبها آلما علي فراق حبيبها..كانت تشعر بالأمان في تلك المنطقة البسيطة..الجميع أصبحوا أهلها و الجميع أصبحوا سند لها و يخافون علي أطفالها بل و يتجمعون كل عام في ذكري مولدهم و يقيمون حفل صغير لهم..و مع مرور كل شهر كانت فيروز تتسحب في الظلام و تذهب إلي الإسكندرية مع أطفالها لتصل إلي المقابر بعد شروق الشمس..كان معها نسخة من مفتاح المقابر الخاصة بحسن..كانت عادة دائمة عندها لم تقطعها أبدا و كان أطفالها ينتظرون تلك الزيارة علي أحر من جمر ليجلسوا أمام قبر والدهم و يحدثونه علي كل ما مر بهم في الشهر الماضي...حاول نبيل و عامر جاهدين أن يصلوا إلي فيروز و لكن بلا جدوي ليخيم الحزن علي قصر آل توفيق بعد وفاة حنان لتزداد فرحة غادة وحقدها و جشعها للمال ليصبح حبها للمال كالسرطان الذي أستولي علي الجسد كله..يئس نبيل من غادة و قسوتها و عزم علي أن يطلقها و لكن أوقفه أطفاله فقد هددته غادة أنها ستأخذهم بعيد عن أعينه إذا فكر في طلاقها لتستمر في سحب المال بجشع و حلمها الوصول إلي ثروة حسن الذي عزم عامر و نبيل علي المحافظة عليها لحين عودة فيروز و أطفالها..أما سناء فلم تكترث كثيرا لتصرفات غادة كان معظم يومها إما مع سميرة أو والدتها و تعود قبل عودة عامر من عمله لتستقبله هي و طفلها في محاولة لتخفيف حزنه..أما ناصر و فرح استطاعوا أن يخففوا عن ألم سميرة و أصبحوا أسرة متماسكة تنعم حياتهم بالسعادة..
أما عز و حنين كانوا نعم الخلف الصالح لوالدهم..كان يضرب بهم المثل في الأخلاق و الإحترام و النجاح في مدرستهم و الحي..كان الإثنان نعم الأخوة لا يفترقوا عن بعض إلا ساعة النوم..كانت فيروز هي صديقة أطفالها الوحيدة لا يخفوا عنها شئ مهما كانت بساطته..كانت تنتظر عودتهم من المدرسة لتجلس معهم علي الطاولة و تستمع لهم و هما يقصان علي مسمعها ما حدث معهم في يومهم الدراسي..لتبني فيروز داخل أطفالها أسمي معاني الحب و العطاء و الحنان و العمل..إلخ..كما تعلمت من حسن زوجها و حبيبها الوحيد..

كانت فيروز وفية جدا لحسن فبرغم أنه تقدم لخطبتها العشرات كانت ترفض حتي التفكير في هذا الأمر و لم تخلع دبلة حسن من يدها..كان عز كأبيه غيور جدا علي أمه و بمجرد أن يدق أحد الباب لخطبتها كان يصيح به بغيرة.. 
أما حنين فلم يكن لها أصدقاء سوي عز و والدتها و ابنة أحد الجيران كانت كل ليلة تنام و هي تحتضن قلادة والدها التي نشأت علي حبه.. 
....................... 
بعد مرور 20 عام..شاب في مقتبل العمر يتميز بطول قامته و نظرة عين بنية كالصقر تشتت من أمامه و شعر أسود حريري و جسد رياضي و ملامح الوسامة المصحوبة بالرجولة و لكن يكسو وجهه الحزن فهذا هو حاله منذ أن أنهي دراسته الثانوية لا يعلم أحد ما السبب !! فقد تغيير كثيرا كان يملأ البيت حيوية و نشاط وضحك و لكن تبدل الحال بمجرد أن أنهي دراسته الثانوية و زاد هذا الحزن أضعاف بعد وفاة والده في عامه الثاني في كلية هندسة..تنهد الشاب بحزن و ارتدي معطفه و اتجه إلي مكتبه ليحمل هاتفه ليفاجأ بفتح الباب بقوة ليجد أخاه الكبير.شاب يتميز بالوسامة و العيون السوداء المكحلة ولكن يغلب عليه الطبع القاسي الذي أصبح عليه بعد وفاة والده.. 
ماهر بقوة:تصميمات القرية الجديدة لسه مخلصتش ليه يا أدهم 
أخرج أدهم ملف من مكتبه و وضعه أمام أخيه و أمسك بورقة و كتب عليه (كنت سهران عليها في الشركة و رجعت كملت التصميم هنا و لما خلصته كانت الساعة 4 الفجر و أنت كنت نايم ) 
التقط ماهر الملف بدون كلام و ترك أخيه في صمته الذي لم يتبدل منذ حادثة الثانوية العامة المجهولة لدي الجميع.. 
خرج ماهر من غرفة أدهم ليجد فتاة تقف في نهاية الممر تتميز بالملامح الهادئة والبراءة ويعلو رأسها حجابها الذي ارتدته بعد جدال دام شهور مع والدتها..اتجهت الفتاة إلي ماهر بسرعة وقالت:ماهر استني 
ماهر:في إي يا رقية أنا متأخر علي الشركة ومش ناقص كلمة من عمو عامر 
رقية بحزن:خلاص أنا آسفة اتفضل 
رق قلب ماهر لأخته الصغري و تنهد وقال:في إي يا رقية 
رقية بحزن:عشان خاطري أنا ممكن تدخل تطيب خاطر أدهم بكلمتين دا كان سهران طول الليل و حتي لما خلص التصميمات نزل الجنينة ولسه طالع أول ما عمو عامر صحي عشان خاطري يا ماهر كفاية اللي هو فيه من أيام الثانوية و بعد وفاة بابا
تنهد ماهر بحزن ونظر إلي غرفة أخيه بحزن وقال:عندك حق أنا زودتها

رقية بمرح:خلاص بقي أدخل صالحه و أنا مستنياكوا تحت عشان جعانه خاالص وذنبي هيبقي في رقبتك لو روحت الكلية من غير فطار 
ماهر بابتسامة:خلاص يا روءه اسبقي أنتي 
وقفت رقية علي أطراف قدمها لتصل إلي مستوي ماهر و طبعت قٌبلة علي خده وقالت بسعادة:ربنا يخليك ليا يا ماهر 
ابتسم ماهر لها و عادر في طريقه إلي غرفة أخيه بينما هبطت رقية مع جهاد ابنة عامر الصغري.. 
دخل ماهر الغرفة ليجد أدهم يقف أمام الشرفة في صمت..دق الحزن أبواب قلبه علي أخيه الذي أصبح جسد بلا روح..تبدلت حياته من لعب و ضحك و حيوية إلي حزن و كسرة توجد دائما في عينيه.. 
تنهد بحزن و اقترب من أخيه و وضع يده علي كتفه وقال:حقك عليا أنا آسف 
نظر أدهم إلي أخيه و تحدث بلغة الإشارة التي تعني "مش مشكلة عادي" 
ماهر بحزن:تصدق يا أدهم إن صوتك وحشني يا أخي 
نظر أدهم إلي أخيه بحزن و أعاد نظره إلي صورة معلقه له منذ طفولته.. 
ماهر بمرح:كان صوت يجيب تلوث سمعي 
ضحك أدهم من بين حزن و ضرب أخيه ضربة خفيفة في صدره.. 
ماهر بصدمة مصطنعه:أنت ازاي تعملي كدا لو الناس شوفتي تقول عليا إي 
أمسك أدهم بورقة وكتب عليها "تقول إنك و لا مؤاخذة" 
انفجر ماهر ضاحكا وقال من بين ضحكاته:تصدق لولا إنك أخويا أنت عارف أنا هعمل إي 
هزً أدهم رأسه بابتسامة شاحبة بمعني"عارف" 
ماهر:يلا بقي عشان ننزل نفطر عشان رقية وجهاد ممكن يخلصوا علي الأكل و الأطباق 
حمل أدهم سلسلة مفاتيحه وهاتفه و هبط مع أخيه.. 
دخل أدهم و ماهر إلي غرفة الطعام ليجدوا رقية و جهاد يأكلون بشهية وهما يضحكان بقوة.. 
ماهر:أرحموا أرحموا هتتخنوا و هيبقي شكلكوا مسخرة و أنتوا مكعبرين 
أكلت جهاد قطعة من الكريب وقالت:رقية أصرفي مع اخوكي عشان أنا مش فاضيه 
أمسكت رقية بقطعة أخري وقالت:و لا أنا والله أصرفي أنتي 
قطع كلامهم صوت يقول:ما تجيبي حتة من الكريب يا جهاد 
نظرت جهاد إلي مصدر الصوت لتجد شاب متوسط الطول ذو ملامح جذابه و عيون عسلية ورثها من أمه لتضحك بمرح و تقول:و أنت مين أصلا أنت 
أمجد بصدمة مصطنعه:أنا أخوكي يا بنت نستيني عشان حتة كريب 
جهاد بضحك:أنت أول مرة تعرف !! أنا أبيعك بلبانه
ماهر:عارف أنا لو منك كنت جيبت السلاح من المكتب وخلصت علطول

جهاد:حيلك حيلك ما تشوفي أخوكي يا رقية 
رقية:أخويا!! مين و فين و إزاي!!! 
قطع كلامهم صوت سناء يقول:خليكوا كدا تتكلموا والفطار يبرد يلا بسرعة 
التف الجميع حول مائدة الطعام بينما قال ماهر بتعجب:أومال ماما فين!! 
سناء:غادة خرجت من بدري بتقول عندها حفلة عند واحدة صحبتها 
انشغل الجميع في إنهاء إفطاره سريعا و هم يتبادلون أطراف الحديث في جو من البهجه... 
حملت جهاد حقيبتها وقالت:يلا يا روءه 
حملت رقية حقيبتها هي الأخري وقالت:يلا يا غلطة عمري 
سناء:أبقوا طمنوني عليكوا لما توصلوا 
قبلت جهاد والدتها وقالت:متقلقيش يا سوسو 
قبلت رقية سناء أيضا وقالت:أدعي بس إننا نوصل من غير إصابات عشان جهاد اللي هتسوق 
خرجت الفتاتان و من ثم باقي الشباب متجهين إلي مقر الشركة.. 
نظرت سناء إلي صورة معلقه تضم نبيل و حسن وعامر و والدهم توفيق وقالت لنفسها:علي أد ما غادة كانت كل يوم تسيب لولادها لينا وللخدم بس دي الحاجه الوحيدة اللي عملتها صح عشان ولادها مطلعوش زيها..مقدرتش تزرع جواهم الكره و حب الفلوس..قدرت أنت يا نبيل رغم كل اللي كان بيحصل تزرع جواهم الحب و الخير قدرت تخلي ولادك يكونوا الإمتداد الصح ليك..أما أنت يا أبيه حسن أنا متأكده إن فيروز ربت صح بس تفتكر اليوم اللي هيوجعوا فيه البيت دا قرب ولا لا !! 
........................................................... 
دقت الساعة الثانية عشر ظهرا لتعلن وقت الراحة في محل ملابس صغير..بدلت لافتة من "مفتوح" إلي "مغلق" 
بعد أن بدل اللافتة نظر الشاب الذي يتميز بالعيون السماوية و الجسم الرياضي المتناسق و الملامح الجذابة والشعر الأسود الحريري إلي فتاة لا تختلف عنه في ملامحه نهائيا فما يختلف بينهم النوع هو ذكر و هي أنثي هو صاحب نبرة رجولية وهي صاحبة نبرة أنوثية..من يراهم يظنهم أنهم نفس الشخص و لكن من يعرفهم بحق يعلم أنهم التؤام الذي ظلوا معا يتحدون أي قوة قال الشاب للفتاةالمنشغلة بترتيب الملابس:مش ناكل بقي 
التفت له بابتسامة هادئة وقالت:حاضر يا عز 
أخرجت حنين من حقيبتها صندوق طعام صغير يضم بعض قطع البيتزا التي أعددتها صباحا وقالت:أتفضل يا زيزو 
جلس عز بجانب أخته وقال:أيوة كدا الواحد محتاج يأكل بلد بحالها 
ابتسمت حنين بخفوت ولكن سريعا ما اختفت ابتسامتها تدريجيا.. 
عز:مالك يا حنين!! 
حنين بحزن:ماما وحشتني اوي يا عز 
عز بحزن:ربنا يرحمها يا حنين أدعيلها 
سقطت دمعة هادئة من حنين وقالت:ماما سابتنا بدري أوي يا عز وبابا كمان كانت نفسي تكون معايا أنا محتاجهم جمبي أوى 
أنهارت كل قوي حنين في تلك اللحظة وأنفجرت باكية وهي تقول:نفسي ماما ترجعلي يا عز وتاخدني في حضنها 
اقترب عز من أخته و ضمها إلي صدره بحنان لتتعلق به بقوة و ترتعش بين يديه وهو يمسح علي رأسها بهدوء قائلا:حبيبتي دا قدر ربنا و أنتي عارفه إننا ماما ارتاحت وبقيت مبسوطة إنها مع بابا بس لما بيشوفوا دموعك علطول كدا بيزعلوا و بيخافوا عليكي 
أمسك عز بوجه حنين الصغير وقال:حنين ماما و بابا عايشين معانا في كل لحظة جسدهم فارقنا بس روحهم معانا روحهم اللي مخليه فينا القوة إننا نكمل 
حنين بدموع:أوعدني يا عز إنك مش هتسبني 
مسح عز دموع أخته وقال:وعد يا حنين بس و غلاوتي عندك متعيطيش بقي 
أكمل عز بمرح:يا بنتي في حد يبقي عنده العيون القمر دي ويعيط 
حنين بابتسامة:ربنا يخليك ليا يا عز 
عز:و يخليكي ليا يا حنون 
أكمل التؤأم طعامهم سريعا و انتهت فترة الراحة ليفتح المحل من جديد و يبدأ العمل..كانت حنين منشغله مع أحد السيدات ليلتفت لها عز و يتذكر كيف كبرت أخته أمام عينيه..وردة صغيرة كبرت بين يديه كان يراها كل يوم و هي تزداد جمالا و إشراقا..كانت حنين نسخة مصغرة من فيروز بكل تفاصيلها..سرح عز فيما مر من عمره و هو بين أحضان والدته..لا ينسي ليلة وفاتها و هما في الصف الثالث الإعدادي لا ينسي ما قالته و هي تحتضر "خالي بالك من أختك يا عز و متزعلوش عليا أنا راحه لحبيبي" أيام عاشها عز و حنين في ألم و بكاء و وجع..أيام قضاها التؤام سويا يتغلبوا علي وجعهم سويا..أيام كبرت حنين أمام عينيه ويري بداخلها الحزن الذي لم يقل.. 
فاق عز من شروده عليي صوت أحد الزبائن لينتبه له عز ويقول:أيوة معاك 

                 البارت العاشر من هنا 


تعليقات