قصة ساتزوج منحرفا البارت العاشر10بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت العاشر10 
بقلم امانى عطيه


جلست ليلى بثوبها الأبيض وعلى شفتيها ابتسامة رائعة تخفى بها ما يعتمل فى أعماقها من قلق لا حد له ،ها هى اللحظة التى انتظرتها طويلاً ، إنها بالفعل ليلة العمر التى ستضع فيها الحروف الأولى لرسالتها ومستقبلها اللامع بإذن الله ، لا يهمها هذه الطريقة البدائية التى تزوجت بها ، ولا هذا العريس الذى لم تره أو يحاول رؤيتها حتى الآن ، ولا كل هؤلاء النساء اللواتى يحدقن فيها بلا توقف منذ جلست على هذه الأريكة ، ظلت الابتسامة على شفتيها ولكل الوجوه ، الحاسدة والشامتة وحتى تلك التى تعض شفتيها حسرة على شبابها وجمالها الذى لن يصونه هذا الفاسق أبداً 
تعالت الزغاريد فجأة لتزف العروس إلى عريسها ، رعشة عنيفة بدأت تسرى فى جسدها بلا توقف ، فابتسمت نادية التى تحتضن كفها قائلة :
- هل أنت خائفة ؟
ـ ليس بالضبط 
ـ يا إلهى ألا تعترفين بضعفك ولو مرة واحدة !!!
ـ صدقينى يا نادية فهو ليس خوفاً بالمعنى التقليدى ، إنه نوع من القلق والرهبة للموقف الجديد الذى أمسيت فيه .. هناك أشياء كثيرة لم أفكر فيها سوى الآن
ـ اسمعينى جيداً يا ليلى ، رغم كل اعتراضاتنا السابقة على هذه الزيجة ، غير أنها الآن قد حدثت بالفعل وأصبحت واقعاً لا مفر منه ، أنت الآن زوجته شرعاً ، نصيحتى لك أن تنسى أمر هذه الرسالة ولا تفكرى سوى فى إنجاح الزواج من أجل حياتك وسعادتك 
نظرت إليها ليلى وهتفت مستنكرة :
- ما هذا الذى تقولينه ، هل جننت ؟ لو أردت زواجاً حقيقياً ،  لما فكرت لحظة واحدة فى هذا المنحل ، يكفى أن تعلمى بأن فؤاد يرفض الحديث معى ، بل امتنع عن رؤيتى منذ حددوا موعد الزفاف وحتى هذه اللحظة 
حاولت التحكم فى انفعالاتها وأردفت :
- لقد رفض أن يسلمنى إليه الليلة ، بل رفض أن يرانى قائلاً بأنه كان أهون عليه أن يرانى أزف إلى قبرى على أن يرانى أزف إلى هذا الفاسد 
ربتت نادية على يدها قائلة :
- لا تحزنى يا ليلى ، إن شاء الله سيخلف توقعاتنا جميعاً ، بمن فينا فؤاد ، وسيهدى هذا الرجل على يديك ، لتكونى أوفرنا حظاً وأكثرنا سعادة 
غمغمت ليلى فى مزيد من الأمل :
- كم أتمنى هذا ، لتنجح تجربتى وأحصل على الدكتوراة  بتقدير امتياز 
نهرتها نادية ساخطة :
- أهذا كل ما يشغلك ؟
ـ ولن يشغلنى أكثر من هذا 
غمغمت نادية حالمة :
- رأيك هذا سيتبدل حتماً ما إن يقع بصرك عليه ، فهذا الرجل فارس بحق 
ضحكت ليلى قائلة :
- وكأنك متيمة به ..!

ابتسمت نادية ولم تعلق فى نفس اللحظة التى اقتربت منها حماتها لتقودها مبتسمة إلى إحدى الحجرات التى أعدت خصيصاً من أجلها وممدوح ، تعالت الزغاريد والهتافات والأغنيات الشعبية التى لم تفهم ليلى من بعضها شيئاً ، ولم تنجح  ابتسامة نادية المشجعة فى التخفيف من حدة التوتر الذى تشعر به ، ولا فى الحد من سرعة نبضاتها ودقات قلبها العنيفة ، توقفن أخيراً أمام إحدى البوابات الشبيهة بتلك التى للمداخل الأسطورية  التى قرأت عنها وأحبتها كثيراً فى طفولتها وصباها  
ابتسمت حماتها وهى تفتح أمامها باب الحجرة قائلة : 
ـ أدخلى بقدمك اليمنى يا ليلى 
ضحكت ليلى فى عصبية وهى تلبى ما طلبته منها ، أخيراً تفرق الحضور وبقيت ليلى وحدها مع حماتها التى راحت تقودها فى الغرفة الواسعة ومرافقها فى زهو تستحقه بالفعل ، لقد كانت الحجرة بكل ما تحتويه من غرفة للنوم وأخرى للجلوس بالإضافة أيضاً لهذه المنضدة الصغيرة والكراسى المحيطة بها متناسقة تماماً ، حتى أن ليلى شعرت بأنها انتقلت فجأة من القرية بكل بدائيتها إلى المدينة وحداثتها ، فلم تتردد عندما سألتها حماتها عن رأيها فيما حولها بل هتفت بسرعة :
- رائعة 
جذبتها المرأة فى سعادة قائلة :
- تعالى لترى بقية المرافق 
كانت هذه المرافق عبارة عن حمام فسيح تناسقت ألوانه جميعها فى تناغم تام ، يقابله فى الجهة الأخرى مطبخ يبدو صغير جداً بالنسبة للغرفة والحمام ، فعلقت المرأة مبتسمة وهى ترى دهشة ليلى : 
ـ هذا المطبخ للوجبات السريعة فقط ، أو لإعداد المشروبات فى الأوقات التى لا تريدين فيها أن يزعجك أحد 
تجاهلت ليلى المكر الذى يطل من عبارتها قائلة :
- هل أتيتم بـ مهندس للديكور ؟
أجابتها المرأة فى حماسة :
ـ أشرف صديق ممدوح الألصق من الأخ ، فهو يعمل مهندساً للديكور فى الإسكندرية ، لقد رتب كل شئ ، بل ذهب بنفسه مع ممدوح لشراء الأثاث والمفروشات من أكبر المعارض فى القاهرة 
غمغمت ليلى بصوت منخفض :
- حمداً لله أن له أصدقاء من الرجال 
نظرت إليها المرأة بدهشة قائلة :
- أتقولين شيئاً يا ليلى ؟
ابتسمت ليلى فى توتر قائلة :
ـ أصوات الفرق الموسيقية صاخبة جداً ، هل ستبقى لوقت متأخر ؟
ـ حتى الصباح فقط ، كان الحاج يريدها أن تستمر سبعة أيام بكاملها لولا أن ممدوح رفض ذلك 

جلست ليلى على حافة الفراش تستمع فى صبر نافد إلى حماتها التى بدأت تقدم لها بعض النصائح والإرشادات التى ستساعدها على تحقيق السعادة الزوجية كما زعمت : 
ـ اسمعينى جيداً يابنتى ، إن أردت أن تكونى سعيدة مع زوجك ، عليك أولاً أن تنسى كل ما سمعته عنه ، لكل رجل ماضٍ يا بنتى ، فلا تدعى هذا الماضى يؤثر على المستقبل 
غمغمت ليلى :
- تأكدى من أننى سأبذل كل جهدى لإنجاح هذه التجربة ، أقصد هذا الزواج  
ـ دعيه يجد عندك يا ليلى مالا يستطيع إيجاده عند امرأة غيرك ، عندى إحساس قوى بأنه سيحبك من الليلة الأولى ، وأنت أيضاً كذلك 
ضحكت فى بلاهة وأردفت :
- أصدقاؤه يطلقون عليه ساحر النساء 
نظرت ليلى إلى المرأة فى امتعاض وهى تجاهد كى تتجنب النظر إلى هذا الجدار الذى صفت فوقه عشرات الصور لـ ممدوح فى مشاهد مختلفة ، وكلما وقعت أنظارها على إحداها مرغمة تذكرت قول نادية لها .. نصفك الآخر يا ليلى 
تابعت المرأة حديثها قائلة :
- ممدوح عطوف جداً وطيب القلب ، لكنه فى ثورته لا يستطيع أحد أن يوقفه ، ممدوح لا يحب أن يستفزه أحد ، لا تثيريه يا ليلى حتى لا يغضب عليك ، بل كونى وديعة ومطيعة له بقدر استطاعتك 
ابتسمت ليلى ساخرة ، لمَ لا تقول هذه المرأة بأن هذا الأبله يريد أن يعيد عصر الحريم مجدداً ؟  من يظن ذاته ، شهريار أم هارون الرشيد ؟! وهذه المرأة الحمقاء التى جاءت لتقدم لها النصيحة ، ألم تقدم له كل ماتحدثت عنه وربما أكثر ، وبرغم كل ذلك فقد انحرف ، بل لأجل كل ذلك انحرف ؟!  ربما لو كانت أكثر قسوة وصرامة معه .. لكان هو أفضل حالاً  
ـ ليلى ، لمَ لاتقولين شيئاً ؟
ـ أنا أستمع إليك 
فجأة تحولت نبرة المرأة إلى الاستعطاف قائلة :
- من أجلى يا ليلى كونى صبورة على ممدوح وتحمليه بصدر رحب ، إذا حصلت على قلبه ستكونين أسعد امرأة فى العالم 
تأملتها ليلى فى بعض الشفقة ، كان واضحاً بأن هذه المرأة تعشق وحيدها جداً ، وكل همها إسعاده مهما بلغت التضحيات .. ولكن ماذا عن الطرف الآخر .. ليس هناك من يتحمل للأبد ؟
غمغمت ليلى وهى تربت على يدها مبتسمة : 
ـ اطمئنى يا خالتى ، تأكدى أننى سأبذل قصارى جهدى 
ثم أردفت وهى تتذكر رسالتها العلمية والدكتوراة : 
ـ هذا الأمر يهمنى ربما أكثر منك ، كل ما أحتاج إليه هو دعواتك لى بالتوفيق 
رفعت المرأة عينيها إلى السماء فى دعاء صامت قبل أن تنهض قائلة : 
ـ سأتركك الآن يا ليلى ، لابد أن الجميع يسألون عن أم العريس 
ما أن وصلت لباب الغرفة حتى استدارت إليها من جديد وأطلقت زغرودة طويلة .. قالت بعدها وهى ترفع عينيها للسماء فى تمنى :
- وفقك الله يا ابنتى ومنحك الذرية الصالحة 
  
 ذهبت المرأة وتركت صدى أمنيتها يتردد فى مسامعها .. ذرية صالحة .. أطفال .. من هذا الهمجى ؟! 
وماذا لو لم تنجح فى تقويم انحرافه ؟  صموده حتى الآن وعدم اهتمامه بمعرفة أى شئ عنها .. زادا من إحساسها بأن تجربتها معه لن تكون بالسهولة التى تتخيلها 
 من الجيد أنها أحضرت معها حبوب منع الحمل .. فهى وإن كانت قد غامرت بنفسها بالدخول فى تجربة لا تعرف نهايتها , ليست مستعدة لتحميل طفلها جينات رجل فاسد مثله .. قد تضطر لطلب الطلاق منه عاجلاً أو آجلاً .. حين تعلقت بهذه التجربة لم تفكر فى استمرارية البقاء فيها للأبد .. لذا عليها أن لا تتسرع وتنجب طفلاً تتركه للمجهول

راحت تتأمل ما حولها قبل أن تحدث نفسها قائلة : 
ـ يمكننى الآن بسهولة أن أعدد أسباباً قوية لانحراف هذا المجرم ، أولها هذا الثراء الفاحش الذى يطل من كل شئ حولها ، ثم التدليل المفرط من قبل والدته ، فحديث هذه المرأة البلهاء لها يحمل الكثير من المعززات الخفية التى تدعم انحرافه بلا شك ...........
تلفتت تنظر حولها وكأنها تخشى وجود من يراقبها قبل أن تتجه لتلبية هذه الرغبة الملحة التى تدفعها دفعاً نحو الجدار , كان الركن الوحيد الذى افتقد إلى البساطة وهو يزخر بكل هذه الصور له ، غمغمت فى انبهار لم تستطع أن تنكره : 
" ربما فى مقوماته الشخصية ، سبباً آخر قوى لانحرافه "
راحت تنقل عينيها من صورة إلى أخرى وهى تحدث نفسها بلا وعى ، كم يبدو وسيماً فى هذه الصورة ، وفى هذه الصورة يبدو خفيف الظل ، وهذه تعلن عن لياقة جسدية عالية ، وهذه ........

هزت رأسها فجأة بعنف وهى تهتف ساخطة ، ما هذا الذى أقوله ! لم يكن ينقصه سوى أن يصوروه نائماً ، هذه الصور إن كانت تعبر عن شيء فهو الغرور ، الغرور المفرط والثقة الزائدة التى يجب أن تبدأ بتخليصه منها إن أرادت لتجربتها النجاح ..!
اتجهت إلى المرآة وكأنها تبحث فى نفسها عن يقين .. عن ثقة تفتقدها أخبرتها نادية بأنها ستفقدها ما أن تراه .. لكن نادية حمقاء بلا شك ، ربما لم تعرفها بعد جيداً ، فصداقتهما ما زالت فى عامها الأول ........


تعليقات