قصة ساتزوج منحرفا البارت الواحد والستون 61 البارت الثاني والستون 62 بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت الواحد والستون 61
البارت الثاني والستون 62
بقلم امانى عطيه


كانت عقارب الساعة قد تخطت العاشرة مساء عندما وصل ممدوح ووالده إلى منزل فؤاد الذي شعر بدهشة بالغة عند رؤيته لهم في مثل هذا الوقت ، اجتمع رجال العائلة سريعًا واتفقوا جميعًا على عدم عودتها إليه مرة أخرى ، خاصة فؤاد الذي اشتعل غضبًا وهو يرى هذا المتعجرف الذي جلس صامتًا واضعًا ساقًا فوق الأخرى وكأن الأمر لا يعنيه ، شعر برغبة عارمة في تحطيم وجهه الذي امتلأ سخرية وتهكم وهو يتطلع إلى والده الذي يحاول جاهدًا أن يزيل سوء التفاهم بينهم ليعيد المياه إلى مجاريها مرة أخرى 
هتف فؤاد بصبر نافد : 
ـ آسف يا حاج سالم ، لكن هذه الزيجة كانت خطأ كبيرًا منذ البداية ولا يجب تكراره مرة أخرى 
وصرح عمها الكبير بأن ليلى قد تمت خطبتها لولده صالح وسوف تزف إليه ما إن تنتهى شهور العدة 
ابتسم الحاج سالم في هدوء قائلًا :
- هل نسيتم أن ليلى تحمل حفيدي الآن ؟
أجابه عمها قائلًا :
- بيننا وبينكم الشرع والقانون 
هتف الحاج سالم مستنكرًا :
- الشرع والقانون ! الأمر لا يتعدى كونه مجرد سوء تفاهم يحدث بين أي زوجين ، وها نحن قد أتينا لنقدم اعتذار.......
قاطعه ممدوح في لهجة باردة كالثلج :
- مهلًا يا أبي ، لا يوجد ما يدعو إلى التوسل والاعتذار 
استقرت أنظارهم فوق وجهه في غضب واستنكار ، لكنه أردف في لهجة أكثر استفزازًا : 
ـ نحن لم نأت إلى هنا نطلب بكرًا للزواج ، بل أتينا لاستعادة زوجة سمعتها ملطخة بالخيانة ، كان يجب عليكم أن تنتهزوا الفرصة لا أن تتمادوا دلالًا
أمسك فؤاد بسترته في عنف صارخًا :
- أختي ليست خائنة ، ماضيك القذر هو ما يهيء لك ذلك 
أزاحه ممدوح في عنف أشد قائلًا :
- أختك خائنة ، صدقت هذا أو لم تصدق 
ضغط فؤاد على أسنانه قائلًا :
- مادمت مقتنعًا بخيانتها لهذا الحد ، لماذا تريد عودتها إليك ؟ 
أجابه ممدوح في لهجة أفزعته :
- بيننا حساب لم ينته بعد 
نظر إليه فؤاد في قلق قائلًا :
- أختي لن تعود إليك 
ابتسم ممدوح ساخرًا وقال في ثقة وهو ينهض من جلسته :
- سننتظر في السيارة لدقائق معدودة ، عليك أن تأتي بها إلينا حتى لا يفعل هذا رجال الشرطة غدًا ، ولا أظن بأنكم في حاجة إلى المزيد من الفضائح 
نظر إليه فؤاد شاردًا بينما تابع وهو يتجه لباب الخروج :
- هيا يا أبي 

حدق فؤاد في ليلى التي ارتدت ملابسها وأعدت حقيبتها سريعًا قائلة :
- أنا مستعدة ، هيا بنا 
ـ كلا ، لن تذهبي إليه يا ليلى 
ـ اطمئن يا فؤاد ، لن يحدث شيء 
ـ تقولين هذا لأنك لم تري النار المستعرة التي تطل من عينيه ومن حديثه 
ـ سيعرف ممدوح عاجلًا أم آجلًا أنه كان مخطئًا في حقي 
ـ أخشى أن يحدث لك مكروه حتى يحدث هذا 
ـ لا يوجد مبرر لكل هذا القلق ، اطمئن يا أخي ، ممدوح يحبني 
ـ هذا المتوحش لا يعرف الحب 
تنهدت في لا مبالاة قائلة :
- هيا بنا قبل أن ينصرفا ، لا أريد أن أذهب إليه بصحبة رجال الشرطة ، سيؤثر هذا على عملي كثيرًا

ما إن أقبل فؤاد وليلى إلى السيارة حتى ترجل منها الحاج سالم للترحيب بها بينما اكتفى ممدوح الذي جلس متأهبًا خلف عجلة القيادة بنظرة سريعة ألقاها عليها ، نظرة سريعة لكنها كانت كافية لبث المزيد من الرعب في قلب فؤاد الذي أسرع إلى الرجل الكبير قائلًا :
- أختي أمانة في عنقك يا حاج سالم 
ابتسم الرجل وهم أن يعلق ليطمئنه لكن ممدوح انطلق بالسيارة مسرعًا رغم اعتراض والده وصياحه 

****

جلسوا حول مائدة العشاء الذي أصرت والدته على تقديمه لهم ، لم ترفع ليلى عينيها عن طبقها خشية أن تواجها عيني ممدوح وما تقذفانه من نار موجهة إليها ، نظر الرجل إلى ولده الذي لم يتناول شيئًا من طبقه بل اكتفى بالتحديق في ليلى بنظرات نارية أصابتها بارتباك شديد وذعر عجزت عن إخفائه ، فهتف الرجل محاولًا التخفيف عنها :
- يجب أن تأكلي جيدًا يا ليلى ، فأنا بحاجة إلى حفيد قوي 
ابتسمت ليلى في تردد فى حين قال ممدوح للمرة الأولى منذ رأته :
- مسكين أبي .. أليس كذلك ؟
أغمضت عينيها في ألم ولم تعلق بينما أردف في لهجة هيستيرية : 
- شوقه إلى الحفيد يجعله يغض بصره عن أشياء كثيرة 
نظرإليه والده مستنكرًا لكنه أكمل في قسوة ومرارة : 
- تغاضى حتى عن الخيانة 
نظر إليه والده ساخطًا قبل أن يقول بسرعة محاولًا الحد من الألم الذي كسى ملامحها
- يبدو أن ممدوح يشعر بالتعب بعد رحلته الطويلة ، لقد وصل للتو من فرنسا ولكنه أصر على عودتك إليه قبل أن يغمض له جفن 
نظر إليه ممدوح في غضب قبل أن يقذف بالأطباق أرضًا ويغادر المائدة 

***
كان مستلقيًا فوق فراشه مغمض العينين وأنفاسه نار مستعرة حين دلفت ليلى إلى حجرته ومست ذراعه في رفق لكنه انتفض مذعورًا كمن مسته حية وصرخ فيها : 
ـ اخرجي من هذه الحجرة ، وحذار أن تقربيها مرة أخرى 
همست في ألم :
- ممدوح ، لماذا تعذب نفسك وتعذبني كل هذا العذاب ؟
ضغط على أسنانه قائلًا :
- كلانا يستحق العذاب ، أنت تستحقينه لأنك ساقطة ، وأنا أستحقه لأنني صدقتك 
عز عليها أن تدافع عن نفسها أمامه فانهمرت دموعها وهي تهتف في لوعة : 
ـ أنت تعلم جيدًا أنني لست ساقطة 
ـ من قال هذا ؟ أنا لا أعلم عنك شيئًا أكثر مما تخبرينني أنت به ، ويومًا بعد آخر ينجلي خداعك وكذبك 
ازدادت نحيبًا وهتفت معترضة :
- أنا لم أعرف رجلًا قبلك .. ولن أعرف بعدك 
ـ إن بكيت دمًا هذه المرة .. هل تتوقعين أن أصدقك ؟
نهض وراح يدور حولها كأسد جريح قائلًا وكأنه يحدث نفسه :
- أنا من عرفت نساءً بعدد شعر رأسي ، أقلهن دهاءً يمكنها سحقك سحقًا ، أسقط كدلو في قبضة بلهاء مثلك ..! أنا من لقبونني بساحر النساء وزعيم الرجال ، أنسكب تحت قدميك فتعبرين فوقي ! 
برقت عيناها في يأس قائلة :
- حسنًا ، هب أنني أخطأت كما تقول ، لماذا لا تغفر لي وقد غفرت لك مرارًا ؟
صرخ فيها قائلًا : 
ـ لأنك طعنتني في ظهري ، نعم .. كنتُ شيطانًا لكنني لم أرتدِ يومًا قناع الملائكة كما فعلتِ أنتِ ، كنت ذئبًا ولكنني لم أدعِ أبدًا بأنني حمل وديع 

أردف والنار في عينيه لا يمنعها من القفز إليها سوى حاجز من الدمع المتحجر بهما : 
ـ حين أعلنت توبتي كنت صادقًا ، كنت قد حررت نفسي من شهواتي وسلوكي الهمجي حتى استحق التقرب من ملاك مثلك ..! ، أمضيت معك شهرًا كاملًا في الساحل الشمالي ، لم أحاول خلاله أن أقبلك رغم الشوق الذي كان يحرقني إليكِ , امتنعت عن معاشرتك وأنت تشاركينني الفراش ذاته في وقت كنت فيه وحشًا لا قلب له ..! 
هل تعرفين لماذا ؟ 
هل تظنين أن جناحي حمامة مثلك هما ما منعا شيطانًا مثلي من الاقتراب منك ؟!
هل تظنين أنني كنت أخشى من بصاقك فوق وجهي ؟!

عجزت عيناه عن قمع كل هذا الدمع المتحجر فيهما فصفعها بقوة صارخًا :
ـ لقد قدستك أيتها العاهرة ، ويبدو أنه قد حان يوم قتلك 
لم تؤلمها صفعته القوية بقدر ما تألمت لرؤية دموعه التي كانت تتوقع أن تسقط الجبال ولا تسقط أبدًا
اقتربت منه وهي لا تدري ماذا تفعل له ! حاولت أن تجفف دمعه لكنه أزاحها بعنف صارخًا : 
ـ ويلك لو اقتربت مني مرة أخرى 
همست في توسل :
- ممدوح .. أقسمت أنني بريئة فلم تصدقني .. اعترفت بذنب لم أفعله فلم ترحمني ، ماذا تريدني أن أفعل ؟
أجابها في جنون :
ـ لقد حرقت سترتي عندما شممت بها رائحة الخيانة .. فماذا أفعل أنا والخيانة متجسدة في أحشائك ؟ 
صرخت ثائرة :
- لماذا أعدتني إليك ما دمت تحملني هذا الذنب الكبير الذي لا تستطيع أن تغفره ؟
لمعت عيناه في مزيد من الجنون قائلًا :
- لقد وعدتك أن أكون رجلك الوحيد يا ليلى ، ستبقين بقربي .. سنموت معًا كل يوم حتى نكفر عن هذا الحب 
أجابته بصوت يملؤه الألم :
- ليس حبي بذنب لأكفر عنه ، الذنب في رأسك وحدك 
اعتصر ذراعها غير مبال بكم الألم المرتسم على وجهها صارخًا : 
ـ رأسي أنا أم رأسك أنتِ الذي يدفعك للنيل من الرجال واحدًا تلو الآخر؟! 
أدارها إليه في قسوة وراح يحدق في وجهها وأردف :
- هل انتهيت من رسالتك اللعينة تلك أم ليس بعد ؟ كم منحرفًا تريدينه حتى تكتمل تجربتك يا ليلى ؟ كم رجلًا عليك العبور فوق جثته حتى تحصلي على اللقب يا دكتورة ليلى
أجابته بأنفاس لاهثة ووجه شاحب :
- أنا لا أريد غيرك 
تمعن فيها ثم قال في صوت حاول جاهدًا أن يخرج بلا انفعال :
- ماذا بكِ ؟
همست بصعوبة وهي تعض على شفتيها :
- أشعر بأنني سأفارق الحياة 
أشاح بوجهه قائلًا :
- هكذا ..! بهذه السرعة ! حسابنا لم ينته بعد
تجاهلت القسوة التي أبداها قائلة :
- هل لي في أمنية .. ربما تكون الأخيرة ؟
التفت إليها في فضول .. فاندفعت تعانقه في حنين عجز عن مقاومته وهي تهمس بصوت بالكاد وصل مسامعه :
- دعني ألفظ أنفاسي بين ذراعيك 
أزاحها أرضًا .. وراح يضرب رأسه بالحائط مرارًا حتى سال دمه وغمر وجهه وهو يصرخ كالمجنون : 
ـ اذهبي ، ابتعدي عني قبل أن أقتلك 
تأوهت وهي تمسك أحشاءها ووجهها يتصبب عرقًا ويكسوه ألم رهيب ، تفرس فيها جزعًا ، انحنى محاولًا مساعدتها على الوقوف من دون جدوى فغمغم في قلق :
- بماذا تشعرين ؟
ضغطت على أسنانها قائلة :
- مغص شديد
تطلع إليها في شك .. فابتسمت بوهن قائلة :
- مغص حقيقي هذه المرة 
وجد نفسه بلا وعي يجثو على ركبتيه أمامها وما لبث أن حملها إلى فراشه هاتفاً :
- سأستدعى الطبيب
أمسكت بيده وهى تبتسم في ألم قائلة :
- كنت على يقين بأن حبك لى سوف يقهر غضبك الأعمى 
تنهد وهو يحرر يده منها برفق قائلاً :
- إسعافك لا يعنى بالضرورة أننى غفرت لك 
قالت بأنفاس متقطعة :
- أما أنا وطفلك ..... الذى يموت ..... الآن حزناً.... فقد غفرنا لك 

ما كادت تنهى عبارتها حتى غابت عن الوعى ، تنبه عندئذ إلى هذه الدماء التى لطخت ملابسه ، ألقى بسماعة الهاتف جانباً وأسرع إليها محاولاً إسعافها ، فوجئ بهذا الكم من الدماء التى تغطى فراشه ، همس باسمها فى لوعة فلم تجب .. 
غمغم فى توسل وهو يتفرس فى وجهها :
- بالله لا تستنفزى أرواحك السبعة ، وأعدك بأن أبتعد عن حياتك للأبد

تلفت حوله كالغريق الذى يبحث عمن ينقذه ، أخيراً حملها بين ذراعيه وغادر المنزل مهرولاً غير مبال بهتاف والده ولا صراخ والدته اللذان أسرعا خلفه على عجل

كلما حانت منه التفاتة إلى تلك الغارقة فى دمائها بالمقعد المجاور ، كلما زاد من سرعة سيارته حتى بلغ حداً جنونياً يثير الفزع ، هناك خياران لا ثالث لهما ، أن ينجح فى إسعافها أو يموتا الآن معاً

****

بالرغم من أن الساعة لم تكن قد تجاوزت السادسة صباحاً ، إلا أن ردهة المستشفى الصغير كانت قد امتلأت عن أخرها بعشرات الزائرين الذين أتوا للاطمئنان عليها والتأكد من سلامتها ، تطلعت العيون كلها فى لهفة إلى الطبيب الذى خرج للتو من غرفة العمليات فابتسم الأخير قائلاً : 
ـ لقد فقدت كمية كبيرة من الدماء ، لكنها ستنجو بإذن الله
نظر إليه الحاج سالم فى شبه توسل قائلاً :
- وماذا عن الطفل ، هل هو ....
قاطعه الطبيب قائلاً :
- للأسف ، لم نتمكن من إنقاذه ، على أية حال حمداً لله على نجاتها هى ، والطفل يمكن تعويضه

أغمض الرجل عينيه فى ألم ، كم كان يتمنى أن ينجو هذا الطفل ويظل على قيد الحياة رغم كل ما حدث ، فهو يعلم علم اليقين بأنه لن يستطيع أن يرغم ممدوح على الزواج مرة أخرى مهما فعل ، كان هذا الطفل هو فرصته الوحيدة فى الحصول على الحفيد الذى طالما انتظره ، لماذا يعاقبه الله هكذا ؟! 
لا يتذكر يوماً بأنه أخذ ما ليس له ، ربما كان عنيفاً ومستبداً في أحيان كثيرة ، ربما كان يفتخر أحياناً بقوة وجبروت ولده ويستغل صلابته في تهديد خصومه وبث الرعب في قلوبهم ، لكنه كافح وقاسى كثيراً حتى تضاعفت ثروته التى ورثها عن أجداده ، لم يسرق أحداً ولم يظلم أحداً ، لمن سيذهب كل هذا ؟

نظر ممدوح إلى والده فى رثاء وهو يلمح كل هذا الكم من الألم وخيبة الأمل فوق وجهه ، لكنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً من أجله ، فهو يحتاج لمن ينقذه أولاً 
تنهد بضيق وأشاح بوجهه لتلتقى عيناه بعينى فؤاد فوجدهما على النقيض تماماً ، كان وجهه قد امتلأ بالراحة وتنفس الصعداء ، ولمَ لا ..؟! 
لكم يتمنى أن تتخلص أخته من هذه الزيجة بلا خيط ولو رفيع يذكرها بها أو بـ ممدوح ..! هذا الوغد ، الذى يدعو الله أن ينجيه من رغبة ملحة تدعوه لقتله حتى يخلصها منه ، أطلق تنهيدة طويلة وهو يقترب منه محاولاً السيطرة على انفعالاته وثورته المشتعلة فى أعماقه ، ظل كلاهما يحدق فى الآخر طويلاً قبل أن يقول فؤاد : 
ـ هل أنهيت حسابك معها ؟
زفر ممدوح فى ضيق قائلاً :
- ماذا تريد الآن ؟
هتف غاضباً :
- ما الذى تريده أنت منها أكثر من هذا ؟ لقد كدت أن تقتلها ..! إن لم تكن قد قتلتها بالفعل ، فهذه المخلوقة الغريبة الميتة بقلب ينبض ، ليست هى أختى التى أعرفها ، وأين هذه البائسة المحطمة من ليلى القوية المليئة بالأمل ..؟! اتركها الآن فربما استطعت أن أعيد شيئاً منها ...
كان ممدوح يستمع إليه صامتاً فأردف فى مزيد من العصبية :
- طلقها وابتعد عن طريقها للأبد ، يمكننى الآن أن أذهب إلى مركز الشرطة وأقدم بلاغاً ضدك أثبت فيه ما فعلته بها ، يمكننى أن ....
قاطعه ممدوح فى حدة قائلاً :
- إن كنت تظن أننى سأطلقها خوفاً من أحد فأنت مخطئ 
ضاقت عينا فؤاد وهو يضغط على أسنانه قائلاً :
- لا تجبرنى على فعل شئ لا أريده 
غمغم ممدوح فى لامبالاة قائلاً :
- إن كنت تريد قتلى ، فدعنى أخبرك بأننى ميت بالفعل 
ـ ربما كنت محقاً هذه المرة ، فأنت لا قلب لك 
همس بصوت بلغ فؤاد واضحاً :
- نعم لا قلب لى ، ما كدت أكتشفه حتى سلبتنى أختك إياه ..! 

تفرس فؤاد فى ملامحة وأدرك للمرة الأولى ما يعانيه من عذاب ، كيف لم يلحظ من قبل كل هذا الحب الذى أفقده صوابه ، لقد نجحت ليلى بالفعل وجعلت منه قيساً جديداً كما أرادت ، لكن وبرغم كل هذا ، يجب أن يبتعد عنها للأبد ، فربما كان حبه لها أكثر خطراً من لا مبالاته بها 
ربت ممدوح على كتفه قائلاً فى كلمات تقطر ألماً :
- أختك ليلى طالق 
هم بالانصراف عندما استوقفه فؤاد قائلاً :
- هذا الطفل كان طفلك 
ابتسم فى تهكم قائلاً :
- ربما ، هذا لم يعد يهم الآن 
ـ يهمنى أنا أن تعلم بأن أختى ليست ساقطة 
ـ كم أود أن أكذب عينى وأصدقك ، ولكننى لا أستطيع
ـ لو تتخلص من بقايا الماضى ستصدقنى 
ضحك فى عصبية قائلاً :
- ما أريد التخلص منه هو الآتى 
نظر إليه فؤاد فى شفقة لم يتخيل يوماً بأنه سيشعر بها نحوه بينما همس الأخير قبل أن يغادر المستشفى : 
ـ أعتن بـ ( ليلى )

- ممدوح .. فكر مرة أخرى .. الحياة لا تتوقف بعد الطلاق ، يمكنك أن تبدأ من جديد
أجابه ممدوح وهو يخرج بعض الأوراق من درج مكتبه ويضعها في حقيبته 
- انتهى كل شئ يا أشرف ، لن أعود إلى الإسكندرية مرة أخرى ، عندما تجد مشترى للشقة تخلص منها ، بأى ثمن ولا تفكر كثيراً 
- ممدوح .. بغض النظر عن كل ما حدث ، أنا على يقين من أن ليلى تحبك حباً جماً ، إذا طلبت منها العودة إليك لن تمانع أبداً ، بل سوف ترحـ........ 
- ليلى مجنونة .. وأنا أكثر منها جنوناً ، فراقنا لا مفر منه 
احتضنه أشرف في لوعة وهتف به 
- أعرفك عنيد ومتحجر القلب ، مهما رجوتك لن تغير رأيك ، مهما أخبرتك عن الفراغ الذى ستتركه بيننا فلن تشعر به .. متى سترحل ؟ 
ربت ممدوح على ظهره طويلاً وتصنع ابتسامة قائلاً 
- سأرحل غداً 
- هكذا .. بهذه السرعة .. من دون أن تودع باقى الرفاق ..! 
- سأودعهم بالطبع .. اخبرهم بأننى أدعوهم إلى تناول العشاء الليلة ، في المكان الذى يريدونه ، عندما تحددوا المكان اخبرنى وسألحق بكم
لم يستطع أشرف أن يكبت انفعالاته أكثر من هذا ، انفجر باكياً كالأطفال ، تأمله ممدوح وزفر بضيق قبل أن يشيح بوجهه عنه ويهتف ينادى سكرتيرة مكتبه ، أقبلت سهام على عجل وما أن رأى عينيها المتورمتين حتى قال ساخطاً 
- ما بالكما .. وكأننى ذاهب لقبرى لا للساحل الشمالى
ازداد الاثنان نحيباً فغمغم في صبر نافذ وهو يمد يده إلى سهام قائلاً 
- هذا شيك بمبلغ صغير ، اعتبريه مكافأة نهاية الخدمة ، لقد تحدثت بشأنك مع المهندس الذى اشترى المكتب ونصحته بأن يحتفظ بك ، أخبرته بأنكِ سكرتيرة رائعة
غمغم يتصنع ابتسامة 
- لكن .. لا تدعيه ينعش حياتك الزوجية ، فالأمر صعب جداً لزوجك ، بالمناسبة .. بلغيه سلامى
انهارت سهام وهى تغمغم بأنفاس لاهثة 
- أى نقود تعوضنى عن إحساسى بك ، وأى عمل يطيب لى بعيداً عنك ، تعلم أننى لا أعمل من أجل المال بل من أجلك أنت ..؟!
ربت على كتفها مواسياً ، يا الله .. لكم كان طائشاً ، همجياً بالفعل كما اعتادت ليلى أن تصفه ..! كيف استطاع أن يعذب كل من حوله ويؤلمهم حد البكاء ..؟! لم يرحم ضعفاً لقلب ملكه ..! 
عليه الآن أن يتجرع من كأس طالما أشقى الأخرين به ولم يشفق أو يترفق ، سوف يتجرعه راضياً عله يكفر عن بعض من ذنوب .. بقصد كانت أو بلا قصد ، ربما استحق الغفران يوماً ومنحه الله فرصة أخرى ...


تعليقات