قصة ساتزوج منحرفا البارت الثالث والستون 63 البارت الرابع والستون 64 بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت الثالث والستون 63
البارت الرابع والستون 64
بقلم امانى عطيه


كثيراً ما تكرر وجودهم معاً في هذا المكان وعلى ذات الطاولة ، ولكنهم فى أحلك الضغوط والمواقف التى تعرضوا لها .. لم يسد بينهم ذلك الوجوم ، حتى البسمات المصطنعة غدت ثقيلة والتصقت بحلوقهم فلم تغادرها ، العبارات القليلة التى أفلحت في الهروب من أفواههم زادتهم إحباطاً وحزناً فقرروا الصمت ، تدلل الصمت وتمادى في دلاله حتى قطعه نحيب كمال الذى لم تتحمل أعصابه الصمود أكثر من ذلك فأجهش في وصلة من البكاء العنيف المتصل ، لم يحاول أحد مواساته أو التخفيف عنه .. بل انتقلت العدوى تدريجياً لتشمل الجميع حتى غمغم ممدوح بصوت مختنق 
- يبدو أنه كان غباءً منى عندما قررت أن نجتمع اليوم معاً 
قالت نجوى من بين تشنجاتها 
- هل كنت تريد أن تذهب بلا وداع ؟! أما لقسوتك من حدود ؟! 
- كلما تأملت وجوهكم شعرت بأننى راحل بلا عودة ، كنت أتوقع سهرة مرحة كعهدنا دائماً 
غمغم عادل في لوعة
- عهدنا انتهى برحيلك عنا ، لقد فرقت شملنا للأبد 
- كف عن حديثك السخيف هذا ، سوف نلتقى هنا وفى الساحل الشمالى حيث أعمل ، سنقتنص كل الفرص المتاحة لنتواجد معاً ، الصداقة التى تربطنا أقوى من أن يقهرها الزمن

أمسكت نجوى بيديه وهمست في مزيج من الحزن والعتاب والغضب :
- وماذا عن حبنا ، ماذا عن حبى أنا لك ؟! أعلم أنك لم تحبنى كما أحببتك ، ولكن كيف هنت في قلبك لهذا الحد ؟ كيف استطعت أن تتركنى بعد سنوات أمضيناها معاً ؟ ألا تذكر لى لحظة جميلة تجمعنا أوضحكة حلوة تبادلناها ؟ كلماتك كانت مصطنعة ولكننى أحفظها كلها .. ألم تعلق كلمة منى في خاطرك ..؟! الأماكن التى زرناها معاً كيف سأراها وحدى بعد رحيلك ..؟! كل العيون التى رأتنا معاً .. بماذا سأخبرها عندما تسألنى عنك ؟!

- بالله كفى يا نجوى ، إن كنت لا أجيد البكاء فهذا لا يعنى أبداً أننى لا أتعذب وأعانى ما تعانوه ربما أضعافاً 

أخرج من جيب سترته بعض الأوراق قدمها إليها قائلاً 
- هذا تنازل منى عن الشقة التى تشاركناها معاً ، وهذا شيك بمبلغ أظنه كافياً لفترة طويلة ، أتمنى خلالها أن تبحثى عن عمل مناسب ، أنت جامعية وجميلة وذكية حد الدهاء ، لن تجدى صعوبة في الحصول على عمل جيد ، أتمنى أيضاً أن تتوفقى إلى زوج يحبك ويعوضك سعادة عن كل ألم سببته لك 
غمغمت ساخرة 
- ولماذا لا تزوجنى أنت ..؟! ابحث في جيبك الآخر ربما تجد لى زوجاً به ..! 
- نجوى ! 
- آهٍ .. لو تدرى كم أتألم ..! لو تشعر بما أشعر ما كنت استنكرت لوعتى ..!
- لا تحسبن أننى خرجت من مصابى بلا جراح ، إن كنت لا أذرف دمعاً فقلبى ينزف دماً 
هتفت به سميرة بلا مقدمات 
- أمن أجل امرأة خانتك تفعل بنفسك وبنا كل هذا ؟
نظر إليها في غضب ، ما لبث أن وجهه لأشرف ، لم يكن سواه يعلم بهذا الأمر ، وإن لم تكن ليلى هى من أخبرته .. ربما ما كان ليعلم أبداً ، كبرياءه هو الشئ الوحيد الذى تبقى له بعد أن هان كل شئ في عينيه 

صرخ بها أشرف وكأنه ينفى التهمة التى التصقت به 
- من أخبرك بهذا الأمر ؟

ارتبكت سميرة وحانت منها التفاتة إلى نجوى التى تبدل حزنها فجأة إلى شئ من الخوف حاولت إخفاءه من دون جدوى ، لقد باحت سميرة فى لحظة طائشة بما خططت له مسبقاً ونجحت فى إخفائه حتى الآن .. كانت تأمل أن تسير خطتها كما أرادت .. فتتخلص من ليلى ومن ذلك الرجل أيضاً عندما يراهما ممدوح معاً ويفاجأ بخيانة زوجته .. كانت تعلم أن القانون سوف يبرئه لأنه فعل جريمته دفاعاً عن شرفه المغتصب .. يومها فقط كان سيعود إليها .. لكن خطتها فشلت .. لم تكن تتوقع أبداً أن يطلقها فى صمت ويتكتم الأمر 
ضاقت عينا ممدوح وومضتا فجأة وهو يوجه حديثه إلى سميرة من دون أن يرفع عينيه عن نجوى 
- أن لم يكن أشرف هو من أخبرك .. فلا شك أن نجوى لديها الكثير لتخبرنا به 
غمغمت نجوى وقد فضحتها ملامحها 
- ماذا تعنى ، وما شأنى أنا بهذا الأمر ؟
تطاير الشرر من عينيه قائلاً 
- كيف دخل هذا الوغد إلى حجرة نومى ؟ 
- و ما أدرانى أنا ؟ اسأل من كانت زوجتك ، هى من أدخلته 
- أخبرتنى ليلى أنكِ زرتها ذلك اليوم المشئوم .. وأنك من أخبرتها بأمر عودتى من فرنسا ، جنونى يومها أعمانى عن الوصول للحقيقة .. لكننى على يقين الآن بأنك من دبرت كل هذا أيتها اللعينة 
- ومن أين لى أن أعرف بأمر عودتك من فرنسا ؟ لا تحاول أن تبرأها وتتهمنى بالمقابل

غمغم أشرف الذى كان على يقين من براءة ليلى .. وإن كان لم يستطع إثباتها 
- لا شك في أن سميرة هى من أخبرتك ، كانت تقف بجوارى وأنا أتسلم التلغراف الذى أرسله ممدوح 
- يبدو أن كلاكما فقد عقله ، لابد أن أذهب من هنا
ما كادت تنهض حتى وجدت قبضة ممدوح الحديدية حول عنقها تعتصره بقوة وهو يضغط على أسنانه قائلاً 
- ليس قبل أن تخبرينى بالقصة كاملة ، منذ رأيت هذا المجرم وخططما معاً لجريمتكما الدنيئة .. وحتى أدخلته إلى حجرة نومى 
فتحت فاها واتسعت عيناها وهى تهتف بأنفاس تكاد تتوقف 
- ممدوح .. سوف أختنق بالفعل ، لم أعد قادرة على التنفس

حاول رفاقه أن يخلصوها منه ، لكنه هتف في هيستيريا أفزعتها وأفزعتهم 
- سوف أقتلك يا نجوى ، بسببك قتلت طفلى وكدت أقتل المرأة الوحيدة التى أحببتها في حياتى ، بسببك أهدرت أمال أبى حتى كاد يجن حزناً على حفيد انتظره طويلاً وحرمته منه في لحظة طيش ، أنا وأنت نستحق الموت عن كل ما سببناه لهؤلاء الأبرياء من حزن وألم ....

عيدًا للحب
دخل فؤاد إلى حجرة ليلى التي لم تكن تغادرها لمسافة أكثر بعدًا من دورة المياه رغم مضي أكثر من شهر ونصف على عودتها من المستشفى ، وضع صينية الطعام التي يحملها جانبًا وهو يقول مبتسمًا : 
ـ لقد دعوت نفسي لتناول الفطور معك هذا الصباح 
انفرجت شفتاها عن ابتسامة باهتة ولم تعلق ، فأردف ببعض العتاب : 
ـ لماذا تصمتين ؟ ألا يسعدك هذا ؟
غمغمت شاردة :
- يسعدني بالطبع 
ظل يراقبها وهي تتناول الطعام بطريقة آلية دون أن ترفع عينيها عن الأطباق التي شك في كونها ترى ما تحتويه ، شعر بالألم عندما غمست يدها في طبق لم تكن تتقبل مذاقه من قبل .. أعدته زوجته من أجله وهم أن يرفضه حتى لا تفقد شهيتها 
غمغم عندما تناولتها ولم تعلق :
- هل أعجبك ؟
ابتسمت قائلة :
- رائع كالعادة 
أيقن أنها تتناول طعامها دون أن تتذوقه ، تنهد قائلًا : 
ـ هل فكرت بشأن قطع أجازتك والعودة للعمل ؟
ـ ليس بعد ، على أية حال لا أظن أن صالح سيرحب بهذه الفكرة 
صاح منفعلًا :
- وما شأن صالح بهذا الأمر ؟
قالت وكأن الأمر لا يعنيها :
- هل نسيت أنني سأغدو زوجته عما قريب ؟
ازداد غضبه قائلًا :
- صالح متزوج ولديه خمسة أبناء 
ـ صالح يحبني منذ زمن بعيد ولم يتزوج بغيري إلا بعدما رفضت أنا الزواج منه 
صاح مستنكرًا :
- قولي بأنك تحبينه أنتِ أيضًا ..!
أجابته في لا مبالاة :
- هذا لا يهم 
هزها في عنف صارخًا :
- استيقظي يا ليلى قبل أن تضيعي للأبد ، عمك لم يرحب بهذه الزيجة إلا طمعًا في ثروتك التي تركها لكِ خالك عبدالله بعد وفاته 
قالت وكأنها لم تسمعه :
- أشكرك على الفطور 
حدق فيها مليًا قبل أن يصرخ من جديد :
- مهما بلغ عشق صالح لك ، فسوف يملك سريعًا عندما يكتشف أنك أصبحت دمية لا حياة فيها 
أشاحت بوجهها قائلة :
- ما دمت تعلم هذا ، فاتركني أدفن حيثما أشاء ، لا تعترض على زواجي منه 
هز رأسه حائرًا لا يدري ما يفعله لكنه في النهاية ضغط على أسنانه قائلًا :
- على جثتي يا ليلى هذه المرة ، هذه الزيجة لن تتم ولو اضطررت لمواجهة العائلة بأكملها ، لم يغمض لي جفن هانيء حتى خلصك الله من زيجة مجنونة ، لتلقي بنفسك الآن في زيجة أكثر جنونًا ، لماذا تفعلين بنفسك وبنا كل هذا ؟!
غادر الغرفة صافعًا الباب بقوة ، وقف أمام حجرتها مهمومًا شاردًا ، فلم يسمع تحية نادية التي عادت تغمغم مبتسمة :
- هل يمكنني الدخول لرؤية ليلى ؟

رفع رأسه يتفرس في وجهها كأنه لا يعرفها قبل أن يرسم ابتسامة شاحبة على شفتيه قائلًا : 
ـ بالطبع يا نادية ، أرجو أن تلتمسي ليَ العذر، لقد كادت صديقتك أن تصيبني بالجنون ، لقد فقدت وعيها تمامًا ولم تعد تتذوق أي شيء حولها ، هل تصدقين أنها تريد الزواج من صالح غير مبالية بزوجته أو بأولاده الخمسة ..؟ بغض النظر عن الفرق الشاسع بين ثقافة كل منهما ؟!
ابتسمت نادية في تفاؤل قائلة :
- اطمئن ، سأعيدها إلى رشدها 
تأملها في رجاء قائلًا :
- أتمنى لكِ التوفيق من كل قلبي 

بادلت ليلى تحية نادية وحضنها لها في برودة ولا مبالاة كعادتها في الفترة الأخيرة كلما أتت لزيارتها ، جلست نادية تتأملها في أشفاق قبل أن تقول :
- خمني .. من أتى إلى الجامعة هذا الصباح ؟
تنهدت قائلة في عدم اكتراث :
- مَن ؟
همست وهي تتفرس في وجهها :
- نصفك الآخر 
تدفقت معالم الحياة فيها دفعة واحدة وهي تغمغم فى صوت لم يخرج من شفتيها :
- ممدوح ؟!
ابتسمت نادية وترقرق الدمع في عينيها وهي تتطلع إلى ليلى التي همست :
- كيف حاله ؟
ـ ليس أفضل من حالك ، لقد صدمت عندما رأيته 
أحنت ليلى وجهها وعضت على شفتيها في مزيج من الحنين والألم .. فعادت نادية تقول :
- ألا تريدين معرفة ما حدث بيننا ؟
صاحت في عناد :
- الأمر لم يعد يعنيني 
تأملتها نادية مستنكرة قبل أن تقول في مكر :
- حسنًا ، دعينا نتحدث عمن يهمك أمره ، ما أخبار صالح ؟
نظرت إليها في عتاب فضحكت نادية وهي تقبلها قائلة :
- لقد بلغه خبر زواجك من صالح 
هتفت بسرعة :
- لا تقولي بأنه أرسلك لتهنئتي !
عادت نادية تضحك قائلة :
- كلا ، بل أرسلني لأحذرك 
حدقت ليلى فيها متسائلة فأردفت :
- طلب مني أن أخبرك بأنه سيقتل صالح إذا صممت على الزواج منه 
ابتسمت في حنين فهتفت نادية مستنكرة :
- هل أنت سعيدة لأنه سيقتله ؟
تجاهلت عبارتها قائلة :
- ماذا قال أيضًا ؟
فتحت حقيبتها بينما ليلى تراقبها في لهفة ، أخرجت منها رسالة قدمتها إليها صامتة فأمسكت بها الأخيرة بيد ترتجف انفعالًا وما إن بدأت سطورها حتى انهمرت دموعها التي ظنت أنها جفت للأبد ......


تعليقات