قصة ساتزوج منحرفا البارت التاسع والاربعون 49 البارت الخمسون 50 بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت التاسع والاربعون 49
البارت الخمسون 50
بقلم امانى عطيه



11ـ حنين و .........

استيقظت ليلى من شرودها حين لكزتها نادية قائلة :
- ليلى ، ليلى .. دكتور عبد الرحمن يتحدث إليك 
نظرت ليلى إلى دكتور عبد الرحمن الذى يتطلع إليها بضيق وقالت مرتبكة :
- آسفة ، لم أسمعك
تنهد قائلاً فى أسى :
- لو كانت المرة الأولى لالتمست لك الأعذار 
حولت وجهها عنه صامتة فتابع فى سخرية مريرة :
- على أية حال ، نحن مجبرون على التماس الأعذار لك ما دمت قد سقط في فخ هذا الشيط......
قاطعته فى غضب قائلة :
- من فضلك ، لا تتحدث عنه هكذا ، تذكر أنه زوجى 
تأملها طويلاً قبل أن يهتف فى تهكم :
- يبدو أن تجربتك تسير فى الاتجاه الذى توقعته أنا لها تماماً 
جذبت حقيبتها بعنف وأسرعت تغادر الغرفة غير مبالية بمحاولات نادية للتخفيف من حدة التوتر ، التفتت الأخيرة إلى دكتور عبد الرحمن وهمت أن تعترض لكنها وجدت الألم يكسو ملامحه وهو يغمغم فى مرارة وحسرة :
- آهٍ ...يا ليلى ، خسارتك لن يعوضها أى مكسب آخر !

همت ليلى بصعود الدرج عندما وصل إلى مسامعها صوت حماها يناديها ، فاستدارت إليه وتصنعت ابتسامة باهتة ، لم تقنع الرجل الكبير الذى ربت على كتفها قائلاً :
- ماذا بك يا ابنتى ؟ 
عادت ابتسامتها الباهتة إلى شفتيها قائلة :
- أنا بخير 
حدق فى عينيها قائلاً :
- ملامحك لا تقول هذا 
تنهدت بضيق قائلة :
- ربما كان ضغط العمل .. لقد اقترب موعد الامتحانات ونحن نستعد لها
ـ امرأة تقدس العمل مثلك ، لا ظنى أن متاعبه تؤرقها إلى حد الحزن يا ليلى 
ـ بماذا تريدنى أن أخبرك ؟
ـ ماذا حدث بينك وبين ممدوح ؟ لماذا لم يأت لرؤيتك منذ أكثر من عشرين يوماً ؟ 
صاحت فى غضب :
- أنت تلقى باللوم علىَ ، أليس كذلك ؟
ـ كلا يا ابنتى ، أنا أعلم أن ولدى ليس ملاكاً 
صرخت قائلة :
- ولدك شيطان ، هل تعلم هذا ؟
ابتسم الرجل قائلاً :
- منذ اللحظة الأولى التى رأيتك فيها يا ليلى ، أيقنت أنك المرأة الوحيدة التى تستطيع أن تغيره ، لذلك فعلت المستحيل لأتمم هذه الزيجة ، وما زال يقينى قائماً .. لن يغير ممدوح سواكِ 
هزت رأسها فى يأس قائلة :
- أخشى أن أصيبك بالخيبة يا عمى ، ولكن....
انهمرت دموعها قبل أن تكمل بصوت مختنق :
- أشعر بأننى أغرق فى شر أقوى كثيراً من كل خير داخلى ، أخشى أن أسقط معه بدلاً من أن أقيمه معى ، ما عدت اتحمل .. خارت مقاومتى .. فقدت كل أسلحتى وما عدت أعرفنى ..!
ـ أين شجاعتك يا ليلى ..؟ كل ما عليك هو أن تقولى لا ، وأنا أعرف ولدى جيداً 
ـ لا .. هى ما جعلته يغضب ويثور ويترك المنزل متوعداً بعدم المجئ إليه مرة أخرى .. إلا بعد أن أقول نعم 
نظرت إليه ملياً قبل أن تضيف :
- هل أقول نعم ؟ وحتى إذا قلتها ، كم يوماً ، شهراً ، عاماً ، كم سيمضى معى قبل أن يشعر بالملل والحاجة إلى تبديلى بأخرى 
عاد الرجل يربت على كتفها قائلاً :
- الصبر يا ابنتى ، لقد وهب الله ممدوح كل شئ لكنه للأسف بدلاً من أن يشكره ، ترك نفسه أرضاً خصبة للشيطان يفعل به ما يشاء لأعوام عدة ، قاربت الثانية والثلاثين عاماً ، محال أن يتغير كل هذا فى أيام قليلة 
نظر إليها ، يبحث فى وجهها عما يؤكد صحة ما يقول قبل أن يردف : 
ـ لا أريدك أن تقولى نعم ، لكن عندما تقولى لا ، فلتكن بلكنة النساء ، هل تفهميننى يا ليلى ؟ 

****

كانت عقارب الساعة قد تخطت الثالثة صباحاً عندما جلس ممدوح فى شرفة شقته فى العجمى ، مسترخياً فوق أحد المقاعد ورافعاً ساقيه فوق آخر ، نفث دخان سيجارته فى بطء وراح يتابعه ببصره محاولاً الفرار من هذه الأفكار الوحشية التى تطارده باستماتة ، أطلق تنهيدة طويلة حين تعلقت عيناه بالسماء فى حنين عجز فى السيطرة عليه ، القمر وجهها ، والليل ونجومه شعرها وبريقه ، ما أكثر النجوم ... وكل نجم يحمل رسالة منها إليه ، رسالة ترجوه أن يعود ، تأمره أن يعود ، تشده شداً إليها ، غداً .... هل يذهب إليها ؟ هل يقبل دعوتها ؟ 
ربما كبرياؤه الجريح هو ما يوهمه بتلك الدعوة ، ربما كانت نسجاً من أمانى ، فهذا هو الأسبوع الثالث على التوالى .. أما زالت عنيدة ؟ أحقاً لا تريد رؤيته ؟ هذه البلهاء التى جمعت كل الصفات معاً فى مزج عجيب ، كل المتناقضات أتت عندها وتكاملت وتآخت ، ما أضعفها وما أقواها ! ما أرقها وما أقساها ! العقل والجنون ، الدين والدنيا ، كل الحب وكل البغض ........
ما أرق النسيم وما أعنفه حين يتغلغل إلى العظام ، كيف تسللت هكذا حتى استوطنت جسده ؟! 
لقد أمضى طيلة الأسبوعين الماضيين بين أحضان الراقصات وبائعات الهوى عبثاً وهو يحاول التخلص من رغبته المتوحشة فيها من دون جدوى ، حتى أيقن أن لا رغبة له فى امرأة سواها ، لا امرأة يمكنها أن تشغله عنها ، قبلاتها البلهاء بكل نساء العالم ....
زفر بضيق وراح يغمغم ساخطاً : 
- ما هذا الذى يحدث لى؟! ما هذه الأفكار الصبيانية التى تراودنى فى مرحلة ظننتها آمنة من السقوط فى براثنهن ؟!! 
ربما الوضع لا يستحق كل هذا العناء ، ربما ليلى ليست أكثر من نزوة عابرة ، بل أنها كذلك بالفعل ، امرأة له فيها رغبة ما إن يشبعها حتى يتحرر من سطوتها عليه ، ويتخلص من هذه الأفكار المجنونة التى تملأ كيانه وتطارده ليل نهار ، سيذهب غداً لرؤيتها ، بل لرؤية والديه ، سيهشم رأسها العنيد هذا .. ويخرج منه كل الأفكار التى تثير جنونه .. سيرغمها على طاعته ، فهى المرأة الوحيدة التى يجب أن تطيعه بلا شروط فهى زوجته .. تعجب لامتنانه لهذا الأمر .. حمد الله لأنها زوجته حتى لا تستطيع الهرب منه ..! 
يالسخرية القدر ..! ألم يطلب هو منها مراراً أن تشكر الله الذى جعل علاقتها به شرعية ..!

دق رنين الهاتف ، وتسارعت دقات قلبه فى استجابة أدهشته قبل أن تزيده سخطاً ، لا يعقل أن تكون هى ، لديها عمل فى الغد يمنعها من السهر المتأخر لهذا الوقت .. ربما كانت نجوى تتساءل عن سر تحوله عنها فى الفترة الأخيرة ، ربما أشرف ، أو ربما عادل أو كمال أو ...
ربما أى شخص آخر ...... إلا هى ، فى مثل هذا الوقت !!
توقف عن تساؤلاته عندما توقف جرس الهاتف عن الرنين ، شعر ببعض الضيق سرعان ما تخلص منه ، ليست هى ، لابد أنه شخص آخر ، تكفيه إذاً اللحظات القليلة التى أمضاها على رنينه فى الخيال ... 
عاد الرنين من جديد فأمسك بالسماعة فى مزيج من اللهفة والرجاء 
تجسد إحساسه وهو يستمع إلى هذا الصمت الذى ساد بينهما ، صمت أحلى من كل كلام يقال ......... 
قالت أخيراً فى بعض التردد :
- هل أزعجتك باتصالى فى مثل هذا الوقت ؟
أغمض عينيه وهو يستمع إليها فى حنين لم يحاول إنكاره ، لكنها ما كادت تنتهى من سؤالها حتى قال متعمداً : 
ـ يمكنك الاتصال متى شئت يا نجوى 
صاحت غاضبة :
- قلت لك مراراً لا تشبهنى بتلك الساقطة 
ضحك طويلاً قبل أن يقول :
- كيف صدقتى أننى قد أخطأ فى صوت نجوى على الأقل ؟!!
هتفت فى مزيد من العصبية :
- إن لم تكف عن ذكر اسمها سأغلق الخط 
صاح فى لهفة :
- مهلاً ، لن أفعل ، لكن لا تغلقى الخط 
أردف هامساً فى شوق ظنت أنها تتخيله من شدة لهفتها إليه :
- هل اشتقت إلىَ أخيراً ؟ 
أجابته فى تلعثم قائلة :
- بل والدك هو من يشتاق إليك 
همس فى تهكم :
- لم يكن يضنيه هجرى من قبل 
ـ متى ستكف عن سخريتك ؟
ـ عندما تكفين أنت عن الكذب 
ـ أنا لا أكذب 
ـ ليتنى أستطيع أن أرى عينيك الآن
هتفت فى عصبية :
- لا تظن أننى اتصلت بك لأقدم فروض الولاء والطاعة
ـ ولماذا اتصلت إذاً ؟
ساد الصمت بينهما قليلاً حتى غمغمت بصوت مختنق : 
ـ حسناً ، كنت أريد التأكد من كونك لا زلت على قيد الحياة 

أغلقت بعدها الخط وانخرطت فى بكاء طويل منعها من الاستجابة لرنين الهاتف المتواصل رغم يقينها بكونه هو الذى يحاول الاتصال بها ، ولماذا تجيب ؟ ما الذى يريد قوله ؟ لمَ يصر على إيلامها دائماً وهى تحبه كل هذا الحب ؟ يا له من ظالم متوحش وكأنه ينتقم منها لأنها أحبته ، ترى هل تألم دكتور عبد الرحمن كل هذا الألم من أجلها ؟ كم كانت سادية وهى تتلذذ بآلامهم جميعاً ..! لم تكن تدرى حينها بقسوة ما تفعله بهم ، لكنها الآن .. الآن فقط ذاقت من الكأس التى سقتهم منها ، ويا لها من كأس ..........!

لم تكن الساعة قد تخطت كثيراً الثامنة صباحاً عندما فوجئت والدة ممدوح به وهو يدخل إلى المنزل فهتف مبتسماً :
- صباح الخير يا أمى 
احتضنته والدته فى سعادة وقبلته قائلة فى بعض العتاب :
- ممدوح ، ما كل هذه الغيبة يا ولدى ؟
ابتسم وهو يقبل جبهتها قائلاً :
- ضغط العمل
صاحت المرأة مستنكرة :
- ضغط العمل !! وهل نسيت عروسك ؟! عندما ترى ما أصابها من حزن لن تغفر لنفسك أبداً 
ابتسم وهو يتجه للدرج قائلاً :
- لكنها ستغفر 
كان قد بلغ منتصف السلم عندما وصل لمسامعه صوت والدته قائلة :
- ليلى ليست بأعلى 
ـ أين ذهبت ؟ 
ـ لقد ذهبت إلى الجامعة 
ـ فى هذا الوقت المبكر ؟!
ـ قالت أن لديها محاضرة فى الثامنة
زفر بضيق وهو يهبط الدرج على مهل ، ربتت والدته على كتفه وابتسمت قائلة : 
ـ اغتسل وتعالى لتتناول الفطور معى ريثما تأتى ، فهى لن تتأخر 
برقت عيناه وهو يتجه للباب قائلاً :
- ريثما تعدين أنت المائدة ، سأكون قد أتيت بها 

****

انهمكت نادية فى قراءة بعض الأوراق على مكتبها عندما ألقى عليها أحدهم التحية فرفعت رأسها نحوه لترد تحيته ، وما لبث القلم أن سقط من يدها وهى تحدق فى وجهه بنظرات لم يستطع تفسيرها قبل أن تغمغم فى تلعثم :
- صباح الخير 
ثم أردفت بسرعة وهى تنهض عن كرسيها كمن يحاول الفرار :
- سأذهب لأحضر ليلى حالاً 
أشار إليها بيده قائلاً :
- مهلاً ، هل تعرفين من أنا ؟
ابتسمت بعصبية قائلة :
- بالطبع ، أنت ممد.... الأستاذ ممدوح سالم ، زوج ليلى 
تفحص وجهها قائلاً :
- هل تقابلنا من قبل ؟
هزت رأسها نفياً دون أن تنطق فأردف دون أن يرفع عينيه عن وجهها :
- وكيف تعرفتِ على إذاً ؟
ابتسمت فى حيرة ثم ما لبثت أن قالت :
- رأيت صورك المعلقة على الحائط فى إحدى زياراتى لليلى
ظل يحدق فيها بريبة وكأنه لا يصدق ما تقول لكنها قالت بسرعة :
- سأذهب لأحضر ليلى 
عاد يوقفها من جديد قائلاً :
- لا أريد إزعاجك ، اخبرينى فقط برقم القاعة و المبنى الذى توجد فيه وأنا سأجدها بنفسى
أخبرته بما يريده بأنفاس لاهثة وهى تتجنب بقدر المستطاع النظر إلى وجهه ، مما زاد من ريبته فيها ، وما أن شكرها وغادر الغرفة حتى ألقت بنفسها فوق كرسيها وهى تتنهد بعمق .. قبل أن تطلق لأفكارها العنان


تعليقات