قصة ساتزوج منحرفا البارت الثالث والاربعون 43 البارت الرابع والاربعون 44 بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت الثالث والاربعون 43
البارت الرابع والاربعون 44
بقلم امانى عطيه


فتح عينيه ببطء ليجد نفسه فوق فرش لأحد العاملين بالملهى ، محاطاً بعشرات الرجال والنساء ، ابتسم أحد الرجال الذى فهم ممدوح من مظهره أنه الطبيب قائلاً :
- حمداً لله على سلامتك أيها البطل ، لقد حقنتك ببعض المسكنات ، لكنك يجب أن تعرض نفسك على المتخصص مرة أخرى 
انصرف الرجل تاركاً ممدوح وسط عشرات المراهقات ، اللواتى تسابقن لخدمته و بدت ليلى على رأسهن ، يقدمن له الشراب المثلج والساخن ، ويجففن له العرق المتصبب على وجهه ، ويهمسن فى أذنيه بسيل من عبارات الإعجاب والغزل ، حاولت ليلى التخلص منهن دون جدوى حتى هتفت إحداهن ساخطة :
- صديقتك تغار عليك بشكل لا يطاق 
بادلتها ليلى سخطها قائلة :
- أنا زوجته ولست صديقته
همس ممدوح فى أذنها مبتسماً :
- أرجو أن تتذكرى هذا حين نعود للمنزل 
تجاهلت عبارته قائلة :
- هؤلاء هن حشراتك إذاً 
ابتسم قائلاً :
- حشرات صغيرات لم تنضج بعد
زفرت بصبر نافد قائلة :
- هل نستطيع الذهاب الآن ؟
أجابها وهو يحاول النهوض :
- أظن هذا 

مشت بجواره مزهوة وقد جعله المحيطون به بطلاً بعد أن خلصهم من هؤلاء السفاحين الذين حولوا الملاهى إلى مدينة للرعب وهم يهاجمونها من وقت لآخر للسطو على الرجال أو خطف النساء كما فعلوا الليلة ..ولم يجرؤ أحد على الشهادة ضدهم ، سواء من العاملين بالملاهى أو مرتاديها خوفاً من بطشهم ، عرض عليه بعض الرجال توصيله إلى منزله لكنه رفض هذا زاعماً أنه أصبح بخير ... 
ما كاد ممدوح يضع ساقه فى السيارة حتى وجد إحدى الفتيات العاملات بالسيرك وقد أقبلت نحوه تحمل فى يدها عقداً من الفل ووقفت على بعد أمتار قليلة وهى تهتف باسمه هائمة ، غادر السيارة متجهاً إليها فوضعت العقد حول عنقه ثم ما لبثت أن قبلته فى مزيج من الشوق والخجل فقبلها وهو يهمس مبتسماً :
ـ أشكرك 
اتجه عائداً إلى السيارة فلحقت به وعادت تهمس من جديد غير عابئة بوجود ليلى التى احترق وجهها غضباً وغيرة :
ـ ستأتى مرة أخرى للاطمئنان علينا ، أليس كذلك ؟
ـ يسعدنى هذا يا جميلتى 
****

ساد الصمت بينهما طويلاً ، رفع بصره عن الطريق قليلا لينظر إليها فوجدها تحدق فى وجهه شاردة .. ابتسم فى تهكم قائلاً :
- هل أبدو أكثر وسامة الآن ، وهذه الضمادات تزين وجهى ؟!
أحنت وجهها ولم تعلق فى حين أردف فى لهجة لا تخلو من الغضب : 
ـ هل تلذذت بمشاهدتى وأنا أصرخ كالنساء ؟
هتفت مستنكرة :
- ألم تلحظ أننى حاولت أن أجنبك كل هذا منذ البداية ؟
أجابها ساخطاً :
- لأنك بلهاء ، لا تثقين بى البتة 
زفرت بضيق بينما تابع :
- كيف تخيلت أننى يمكن أن أخرج مع امرأة لا أستطيع حمايتها !! 
تنهدت بعمق وهى تلتهم قسماته ، خيل إليه أنها لا تصدقه فهتف غاضباً وهو ينظر إليها : 
ـ اعلمى أنه لولا إصابتى لقتلت ثلاثتهم
ظلت تتأمله صامتة ، بينما هتف يعاتبها مرة أخرى
- لو أخبرتنى بالأمر منذ البداية ، لاتخذت بعض الحذر .. وما كنت فوجئت بهم كما حدث
هتفت أعماقها فى توسل :
- بالله كفاك واصمت ، لن أستطيع أن أحبك أكثر من هذا 
ساد الصمت بينهما من جديد حتى قطعته وهى تحاول أن تخفى انفعالاتها قائلة :
- هل أعجبتك ؟ 
ألقى عليها نظرة سريعة قائلاً :
- من هى ؟ 
ـ لا تتصنع الجهل 
ـ أتنكرين أنهن كن كثيرات ؟
ـ تلك التى قبلتها متجاهلاً وجودى
ـ فتاة السيرك .. أتسمين هذه قبلة ؟ 
ـ وماذا تسميها أنت إذاً ؟ 
ـ رد فعل ، فتاة قبلتنى ، ماذا كنت تريديننى أن أفعل معها ، هل أصفعها ؟ 
ـ كلا ، تقبلها !!!
ـ وهذا ما فعلته ، فلماذا أنت غاضبة ؟
هتفت مستنكرة :
- أنت لا تطاق 
ضحك ولم يعلق وساد الصمت من جديد وعادت تقطعه أيضاً قائلة :
- هل هى أجمل منى ؟
أجابها دون أن ينظر إليها :
- أنت أجمل امرأة رأيتها فى حياتى 
تهلل وجهها قائلة :
- أحقاً يا ممدوح ؟ 
ـ نعم 
ـ لماذا لا تكتفى بى إذاً ؟
ـ ماذا ؟ 
ـ لماذا تنظر للأخريات مادمت ترانى الأجمل ؟
ـ اسمعينى يا ليلى ، وحاولى أن تتفهمى الأمر ، أخبرتك من قبل أن الأسد هو حيوانى المفضل ، لكننى لن أذهب إلى حديقة الحيوان لأمضى الوقت كله أمام قفصه أتغزل فى مفاتنه وحده
صاحت غاضبة :
- مع احترامى لعشقك الشديد للأسد لكننى لا أرضى أن تشبهنى به 
ابتسم قائلا ً :
- حسناً ما رأيك فى التفاح يا تفاحتى ؟ 
صاحت بصبر نافد :
- التفاح شئ والنساء شئ آخر !
ضحك قائلاً :
- أنتن أشهى بالطبع 
عادت تكرر فى مرارة :
- أنت لا تطاق ، أنت حقاً لا تطاق 
تأملها ضاحكاً :
- أنت تتصرفين كالمراهقات يا ليلى 
ـ المراهقات ، منذ قليل كنت ترانى طفلة والآن ترانى مراهقة ، وماذا بعد ؟ 
همس فى وقاحة :
- أتمنى أن تبلغى مرحلة النضج حين نصل للمنزل 
أبعدت وجهها عنه فى ضيق لكنها وجدت نفسها تستدير نحوه وفى حركة لا شعورية ، امتدت يدها إلى عقد الفل الذى يحيط عنقه وكأنه ذراعى تلك الفتاة الوقحة ، انتزعته فى قوة لتلقى به من نافذة السيارة ..
جن جنونه وكاد أن يصفعها فصاحت غاضبة :
- ألم تقل من قبل أنك لا تحب القيود ، أم أن قيدها له ملمس آخر؟
صاح ثائراً وهو يعض على شفتيه :
- لتذهبن جميعكن إلى الجحيم ، لقد كدت تتسببين فى كارثة ، ألم تلاحظى تلك المقطورة التى كدت أن أصطدم بها ؟
شعرت بالخجل من سلوكها الذى لا مبرر له سوى حماقتها ، فانهارت باكية وزاد من نحيبها كونه لم يلتفت إليها ، ولم يحاول أن يهدئ من روعها ، كيف أمكنها أن تتخيل منذ قليل أن هذا المتحجر هو فارسها الذى طالما انتظرته ؟ ألكونه وسيماً وشجاعاً وأنيقاً والشهد يقطر من شفتيه حتى عندما يسخر منها و.......؟!
عادت تنتحب بصوت أعلى فالتفت إليها فى دهشة ثم زفر بضيق قائلاً : 
ـ كفى ، لست فى حاجة إلى المزيد من التوتر

وصلا أخيراً إلى المنزل ، وما أن التفتت إليه حتى شعرت بالقلق ، كان وجهه يتصبب عرقاً ويكسوه ألم واضح ، قال بصوت واهن :
- هيا لقد وصلنا 
سألته فى قلق :
- ماذا بك ؟
أجابها وهو يعض على شفتيه ألماً :
- يبدو أن مفعول المسكن قد ذهب 
ـ استند إلىَ حتى نصل إلى غرفتنا 

وصل إلى مسامعهما صوت ارتطام عنيف لم يستطيعا تحديد هويته ، صرخت نجوى فى ثورة وغضب لم تستطع التحكم فيهما :
- انظرى ، انظرى ماذا فعلت به هذه القروية ، انظرى ماذا يرتدى ؟ انظرى كيف يحيطها بذراعه مشتاقاً وكأنه لم يمض معها كل هذا الوقت حتى الثالثة صباحاً ، سأجن يا سميرة ، سأجن ...
احتضنتها سميرة وهى لا تدرى ماذا تقول .. غمغمت أخيراً وهى تتصنع ابتسامة : 
ـ لمَ كل هذا القلق ؟ فهى ليست المرة الأولى التى يذهب فيها مع أخرى للنزهة ، غداً سيعود إليك من جديد 
حاولت نجوى التحكم فى دموعها المنهمرة وقالت بصوت مختنق :
- هذه المرة ينتابنى خوف رهيب ، أشعر أن ممدوح تغير، مهما حاولت أن أنكر هذا ، لكنه تغير ، أخشى أن أفقده للأبد ، إن لم أكن قد فقدته بالفعل
- أنت تبالغين كثيراً .. لو أنه يهتم بها كما تقولين ما كان تركها وأمضى كل الوقت معنا منذ مجيئنا إلى هنا .. ألم تلاحظى هذا ..؟
غمغمت من بين دموعها 
- حتى وأنا بين ذراعيه أشعر به غريباً وبعيداً عنى .. أصبح دائم الشرود وكأنه في عالم آخر .. كان ينسى الأخريات ما أن يتركهن .. لم يكن أبداً بهذا الفتور نحوى

****

تحسست ليلى جبهة ممدوح التى ذهب لونها وهى تهتف فى هلع :
- سأستدعى الطبيب حالاً 
أشار محذراً :
- ليس دكتور قيس يا ليلى 
استدارت إليه وغمغمت فى دهشة :
- من هو دكتور قيس هذا ؟
ثم ما لبثت أن ابتسمت حين أدركت ما يعنيه وهى تغمغم بصوت لم يصل إلى مسامعه 
ـ أنا لا أريد قيساً سواك أيها المتوحش 
حاولت ليلى الوصول إلى الطبيب عن طريق الهاتف دون جدوى ، عادت تنظر إلى ممدوح فى قلق ، كان يعض على شفتيه صامتاً رغم الألم الهائل الذى يصرخ فوق ملامحه ، وكأنه يخشى أن يتأوه فتشمت به ، هذا المعتوه ..!
لا يدرى أنها تتألم لآلامه ربما أكثر منه 
هل تذهب لتوقظ والدته ؟ لكن ماذا ستفعل هذه الأخيرة سوى النحيب والبكاء ، برقت عيناها وأسرعت تهبط الدرج حتى وصلت إلى الغرفة التى يقطنها رفاقه وطرقت بابها فى بعض التردد ، دلفت إلى الغرفة فى بطء وخجل بعد أن وصل إلى مسامعها صوت يدعوها للدخول ، هب أشرف واقفاً ما أن رآها وكذلك فعل عادل ، أما كمال فلم يشعر بوجودها وقد استغرق فى سبات عميق 
سألها أشرف فى قلق :
- ليلى !! ماذا حدث ؟
وقبل أن تنتهى من سرد ما حدث ، كانا قد بدلا ثيابهما غير عابئين بوجودها فى الغرفة ، قال عادل وهو يتجه للباب :
- سأذهب أنا لاستدعاء الطبيب ، وابق أنت يا أشرف مع ليلى ربما احتاج ممدوح شيئاً 
***
ما كاد ممدوح يبصر ساقه وقد كساها الجبس من جديد حتى صرخ ساخطاً :
- كلا ، ليس مرة أخرى 
ابتسمت ليلى للتخفيف عنه قائلة :
- عشرة أيام فقط ، وسوف ينزعه الطبيب 
أمسك فجأة بذراعها قائلاً :
- من الذى قام بوضع الجبس فوق ساقى ؟
صمتت فى حيرة فازداد ضغطاً على ذراعها قائلاً :
- دكتور قيس .. أليس كذلك ؟
هتفت فى بلاهة :
- اسمه الدكتور مسعود 
صرخ فى عصبية قائلاً :
ـ فليذهب إلى الجحيم ، هل انتهزتما فرصة غيبوبتى لتمضيا الوقت معاً فى غرفة نومى 
تأوهت فى ألم قائلة :
- يبدو أنك ما زلت تهذى 
استمر فى الضغط على ذراعها غير مبال بآلامها قائلاً :
- لا تظنى أن وجودى فى الفراش سيتيح لك الفرصة لفعل ما يحلو لك يا ليلى ، يمكننى قتلك دون أن أتحرك من مكانى هذا 
طرقات على باب الحجرة أوقفت صراخه فدفعها بعيداً فى ضيق ، دلف أشرف إلى الحجرة مبتسماً وقال : 
ـ كيف حالك الآن أيها الزعيم ؟
أجابه ممدوح ساخطاً :
- لست أدرى ، أية كارثة تلك التى حلت بى ..!
ضحك أشرف قائلاً :
- أخبرت الطبيب بأنك ستثور حتماً ما أن تستيقظ من غيبوبتك 
سأله ممدوح فى لهفة :
- هل كنت معى أثناء غيبوبتى ؟
ـ وهل كنت تتوقع غير هذا ؟ فعلت ليلى الصواب عندما لجأت إلينا 
قال ممدوح وهو ينظر إلى ليلى :
- ألم تجد سوى هذا الطبيب لتأتى به ؟
ابتسم أشرف وهو ينظر إلى ليلى بدوره :
- يبدو أنه الوحيد المقيم فى مركز الصحة 
عاد ممدوح ينظر إلى ليلى التى بادلته نظراته غاضبة ، وازدادت ضيقاً وغضباً عندما دلف إلى الحجرة عادل وكمال وبصحبتهما نجوى وسميرة ، تأملت نجوى ما حولها حاقدة وما لبثت أن أسرعت لترتمى بين ذراعى ممدوح وهى تهتف متصنعة الجزع :
- ممدوح حبيبى ... ماذا حدث لك ؟
ابتسم فى لا مبالاة قائلاً :
- مشاجرة بسيطة 
ابتسمت فى مكر قائلة :
- كان ينبغى عليك أن تستمع إلى نصيحتى ، ولا تخرج بمفردك وأنت ما زلت فى مرحلة النقاهة 
قال كمال فى حماسة :
- تقول ليلى أنك أديت عرضاً رائعاً ، هزمت فيه ثلاثة عمالقة 
ضاقت عينا ممدوح قائلاً :
- لقد ضربت واحداً فقط ، أعاقتنى إصابتى من فعل المزيد 
نظرت إليه نجوى قائلة :
- إلى أى الملاهى ذهبتما ؟
ابتسم ممدوح وهو ينظر إلى ليلى قائلاً :
- ملاهى لم تخطر ببالك مطلقاً 
نظرت إليه فى تساؤل فاتسعت ابتسامته قائلاً :
- ما رأيك فى الأرجوحات ؟
شهقت نجوى مستنكرة :
- ماذا .. هل أنت جاد ؟ 
نظر رفاقه إلى ليلى ضاحكين مما جعلها تشعر بالحرج الشديد فصاحت غاضبة : 
ـ لا تنكر أنك كنت مستمتعاً بكل لحظة هناك حتى حدث ما حدث 
همت بمغادرة الغرفة فأمسك بها أشرف قائلاً : 
ـ ليلى نحن نمزح معك ، إن كنت غاضبة من وجودنا يمكننا نحن أن ننصرف 
تنهدت بضيق وهى تنظر إلى نجوى قائلة :
- لست أنت من يضايقنى على أية حال 
نظر إليها أشرف وابتسم صامتاً بينما صاح عادل :
- ليلى .. عندما تفكران فى الذهاب إلى هناك مرة أخرى سأكون فى المقدمة .. فهو تغيير نحتاجه جميعاً
وأردف كمال :
- عندما يشفى الزعيم لابد أن نذهب إلى هناك 
ابتسمت ليلى راضية ، فى حين صاحت نجوى مستنكرة :
- يمكنكم أنتم الذهاب ، أما أنا وممدوح فدعونا نذهب إلى أماكن أكثر تحضراً ورقياً ، ويكفى ما أصابه هناك في تلك المناطق الغوغائية
أجابتها ليلى فى حدة :
- ممدوح فى غاية الشوق للذهاب إلى هناك ليقتل هذا العملاق الذى حاول تقبيلى 
ابتسمت نجوى فى لا مبالاة قائلة :
-عجباً ، مع أن مظهرك يومها لم يكن على قدر من الإغراء


تعليقات