قصة عشقت امرأة خطرة
البارت التاسع والعشرون 29 جزء اول
بقلم ياسمينا احمد
فى غرفة صيا
اخيرا استطاعت أن تجد الراحه وتتمدد الى الفراش بعد يوما طويل من العمل لم تستطع حتى الاهتمام بنفسها كالعادة وإكتفت بالاستحمام دون وضع أى مرطبات أو روائح مما تستخدمها عادتا ،دخل "زيد"والذي لا يقل عنها تعباً خلع عنه سترته وإندفع الى الفراش ليرتمي فوقها ومن ثم يختبئ فى أحضانها فإبتسمت لهذا اللجوء السريع
الذي لم يأخذ اكثر من دقيقه لفعله هذا ما يوضح مكانتها لديه ومدى شعوره بالرحه فى أحضانها سألته وهى تعبث بخصلات شعره المجعده الطويل :
- تعبت إنهارده
أجابها وهو يحاوط خصرها بيده ورأسه مستكينا أعلى صدرها:
-تعبت وأنا اتخيل الحضن دا ....وحشتيني
زادت من إبتساماتها ومالت برأسها لتطلعه لكنه كان مختبأ بالكامل كالطفل الصغير فأجابت بسعاده:
-وإنت كمان وحشتنى أوى ربنا ما يحرمنيش منك
غمغم مجيبا :
-يارب ولا يحرمنى منك
حاوطت جسده بذراعيها فوجته يقول دون مقدمات:
- نورتى حياتى بعد سنين عتمه ،حولتى الخريف لربيع
وفتح الورد جوايا بشوفتك وبوجودك وكنتى أحلى شئ حصلي حضرتك
خفق قلبها بقوة على إثر كلماته فهتفت وقد ضيعت عذب كلماته حروف الهجاء:
-مش عارفه ارد أقول إيه على الكلام الحلو دا
أجاب دون جهد :
-إضحكى كفايه عايز اشوفك بتضحكى على طول
نبض قلبها الذي يسمعه تحت رأسه الآن يحكى كل شئ تحدثت بتأثر:
-خليك جانبى كفايه خلينى أنسي بيك كل همي
هتف وهو لا يزال مغمض عيناه مكتفيا بصوتها ونبضها ورائحتها المنعشه التى تملاء صدره:
-حفرتى إسمك على قلبى نصي التانى وفرحة دنتيتي
نورتى عتمتى إنتى بقيتى" نوري " هفضل أقولهالك على طول عشان أفكر نفسي إني ماينفعش أبعد عنك وإن ماحدش غيرك ينفع يبقى نوري وما حدش نور عتمتى غير نورك .
كانت جرعه كبيره من الحب دفعها تجاهها برغبته التامه ملئت حواسها بالراحه والسعادة والمحبه فهتفت بعشق تام وقد بلغ تأثيره عليها مبلغ عظيم :
- حتى لو كنت عتمه أنا هختار عتمتك عن نور العالمين
إنت أحلى قدر صدقنى إنت روحي
لم يجد كلمه واحده تصف ما بداخله لها فراح يضمها بقوة لعل يستطيع التعبير شوقه وسعادته الجارفه ولو بقدر ضئيل سكت الكلام وتحدثت المشاعر لينطلق نحو مدينة الحب تلك المدينة المحصنه التى لايدخلها سوى العشاق .
فى الصباح
-عمو حكيم
قالتها بلهفه عند رؤيته يقبل من بوابة القصر الداخلية متجها نحو غرفة مكتب جدها ،أوقفته لتسلم عليه لقد كان لطيفا معها فى فترة إستضافتها والوحيد الذي عاملها بإنسانية دونا عن الجميع لكن عكس المتوقع منه سلم بفتور وكأنه لايريد رؤيتها :
- أهلا يا صبا
تعمقت بالنظر إليه حتى تفهم سبب هذا الفتور فلم تفهم شيئا فسألته :
-مالك يا عمو فى حاجه مضايقاك ؟
تردد فى إخبارها وعينه زائغه :
-مافيش حاجه،انا داخل للحاج عن إذنك .
منعته قائله بإصرار:
- مش هتدخل إلا لما تقولى سبب التغير دا من ناحيتى
سكت قليلا وكأنه يستدعى شجاعته للقول رفع وجهه بوجهها وزاد ارتباكه تشبه والدتها بكل شئ وكأنها نسخه مصغره لكن السن أصغر لذا الترويض من الممكن يكن أسهل وإن روضت "صبا"لصالحه سيكون من الحظ أن
يعاد الزمان لكن لصالحه .
تحدث ونبرته تملئ بالحزن:
- كان نفسي تبقى فى داراى ،لكن يلا أهو النصيب
شعرت بالحرج من رفضها ولده علانيه و تفضيل زيد على عامر زمت شفاها بأسف وهى تجيبه :
- صدقنى أنا ما رفضتش عامر عشان اسباب معينه انا بس كنت حاطه العقد .....
قطعت حديثها الذي لا معنى له بعدما سقطت عشقا فى حب زيد ،وإستعوضت كلامها بغيره مستأنفه :
- يلا أهو زى ما إنت قولت نصيب ،عموما إنت هتفضل عمو حكيم الطيب الحنين اللى ما شفتش منه غير كل خير
ياريت ننسي الموضوع دا ونفضل أصدقاء
كانت تستمتع بالكلام مع هذا الرجل لقد كان الأول والأوحد فى إستقبالها ومعاملتها بالحسني ولا تريد خساراته أو معاداته ،ابتسم فورا ليثبت لها أنه أمر
عادي وأن كل ما قالته سينفذ :
-طبعا إنتى تؤمري واى حاجه تضايقك وعايزه تتكلمى فيها أنا موجود وبعدين إنتى ما روحتيش بعيد زيد زى عامر بالظبط والاتنين إخوات
شعرت بالارتياح لقول هذا وإبتسمت بسعاده جعلته يسخر فى نفسه على سذاجتها،رغم الشبه الذي يصل حد التطابق لأمها إلا أنها لم تمتلك ربع قدرة ودهاء والدتها لو كانت "بشري "التى تقف أمامه الان لما صدقته أبدا فهى بحياتها لم تثق بأى شخص حتى زوجها ، فهتف بشرود وهو يتعمق بالنظر لها :
-الله يرحم أمك
انتبهت على قوله وحدقت له بصدمه وكأنها إرتطمت بصخرة قويه أفقدتها النطق إمتلئت عينها بالدموع فهى تخبطت فى معرفة اقرب الناس إليها طارة تشعر أنها كانت مظلومه وطارة تشعر أنها وحش كاسر لا يقوي عليه أحد التفريق صعب ومن سيخبرها الحقيقة أمر أصعب
هتفت بقلق :
-لي إفتكرتها دلوقت؟
اؤمي بسرعه وهو يلوح بيده لينفي هذابقول:
-لااا مافيش سبب،أصلك شبهها أوي
أمسكت يده وظلت تحدق به برجاء ،لا يمكن أن يفلت تعلقها هذا بحقيقها واحده يبخل الكل بإخبارها إياها، من قبل تحدث بكلام جيد عن والدتها والآن تريد أن تسمع منه
فهى تثق به:
-قولى يا عمو إنت أكيد مش هتكذب عليا ماما كانت كويسه ولا زى كلهم بيقولوا
سحب يده سريعا وكأنه يخشي شئ معين أو سحر خاص يمسه من هذه الصغيره وتشتت نبرته وهو يجيب:
-وانا اعرف منين يا بنتى ؟انا قولتلك قبل كدا اللى اعرفوا
سألته وقلبها يتمزق :
-على الأقل قولى ماما قتلت تيته زى ما عمتوا بثينه بتقول
إذدراء ريقه ورمشت عيناه إنها تفتح مقبرة عتيقه وتنبش فى أسرارها واللعنه بالتأكيد ستصيب الجميع اولهم هو فصاح وهو يغطى على هذا الارتباك بضحكه قصيره:
-إنتى بتقولى إيه ؟هى لو أمك كانت عملت كدا فعلا جدك كان هيسبها عايشه
سألت بملل :
-اومال هى لي قالت كدا؟
أجابها ليطمئنها حتى لا تفزع :
- بصي يا صبا أمك ما كانتش ست عاديه لما دخلت القصر هنا قلبتوا يمكن القلبان دا ما عجبش كتير عشان كدا هتلاقى لها أعداء كتير ليها
تعثر قليلا ليجد تعبيرا مناسبا ليوصف ما بداخله،جعلها تزداد تركيزا معه ثم أردف بتوضيح:
- لما يكون فى ست حلوه وشايفه نفسها أوى واثقه فى نفسها وذكيه ومختلفه عن الكل طبيعى هتكون كابوس الستات اللى مش واثقه فى نفسهاو هتغير منها رغم إن الكل كرهها لكن كل واحده من جواها كان نفسها تكون هي وانا مش عايزك تشغلى دماغك بالماضي عشان تعرفى تعيشي المستقبل،الماضي كان فى "بشري" المستقبل مافيهوش غير "صبا "
حديثه كان منطقى الالتفات للوراء كثيرا سيؤدى للسقوط إبتسمت له بإمتنان وهتفت:
-شكرا ليك بجد قد إيه كلامك ريحنى
إبتسم هو الآخر مستمتعا بإقناعها وقال:
-انا تحت أمرك يا صبا لو عوزتى أى حاجة أنا مش هتردد اعملهالك
"ربت على كتفها بحنو "
-اسيبك أنا بقى عشان جدك زمانوا مستنينى
ودعته بسعاده:
-اتفضل يا عموا بس خلينا نشوفك
كان سعيدا بثقتها وإقناعها فقبل دعوتها بأن وعدها قائلا:
- ان شاء الله نيجى نبارك فى ظروف أحسن من كدا
فى غرفة مها
كانت تتحدث عبر الهاتف مع أخيها رشدي و دار بينهم حوار طويل حتى وصل الى هذه النقطه أخبرته بما يسرها
ويبهج قلبها :
-مش قادره أقولك فرحانه فيها قد إيه بقت حرفيا خدامه زى ما كانت بتعايرنى بالظبط هيبقى آخر أسبوع فى حياتها خلصت كل ذنوبها قبل ما تموت
لا تعرف كيف سقط الكلام من فمها لأخيها الذي ردد بصدمه:
-قبل ما تموت ،إنتى قصدك إيه يا مها ؟!
إرتبكت وهى تجيبه محاولة إخفاء الامر :
- ماقصديش حاجه انا اقصد يعنى إنها هتموت من الخدمه البيت كبير وهى أ.....
قاطعها بعصبيه :
- مها إنتى عملتى إيه ؟
اجابة وهى تحرك ثقدمها بارتباك وظهر الارتباك في نبرتها:
-ما عملتش حاجه
تأكدت شكوكه من أنها فعلت شئ دون علمه للتخلص منها ،شدد من نبرته وهو يكرر بغضب :
-قولى عملتى إيه أحسنلك أنا عندي استعداد أجيلك وأجيب عليها وطيها
-عملتى إيه إنطقى
لم يكن أمامها سوى الاعتراف فصاحت بعد حصار منه:
- عملتلها عمل
فى البداية لم يعطى للأمر أهميه وجايها صوته ساخرا :
-إنتى بتمشي وراء الهبل دا
اجابته برهبه وهى تلتفت يمينا ويسارا :
-لا بقولك إيه دا شيخ جامد دا عرف إنك عايزها من غير ما أنطق وقالى لو عايزها تروح لاخوكى برضاها قادر يعمل دا
رد عليها ولا زالت نبرته تحمل السخرية :
- وما عملش ليه ؟!
أجابته"مها" بشئ من الحنق :
- يا سلام هعمل كدا وعمتها معايا ،حلو أوى بالموت
هو اسبوع
تعصب "رشدي"من تصديقها تلك الخرفات :
- إنتي برضوا مصدقه ؟
فتحت يدها وهى تهتف بثقه:
- أنا بصمه بالعشره الراجل دا اللى عمل سحر لأمها وكان سبب فى مرضها وموتها وعمتها هي اللى عملاه
ظل صامته وكأنه يستوعب ماقالته وبدأ يشعر بالسوء وشئ من الصدق في الأمر أخيرا صاح بغضب عارم:
-يخرب بيتك يا مها الله يخرب بيتك إنتى ماعندكيش عقل إزاى تشتاركي فى حاجه زى كدا البت دى لو حصلها حاجه أنا هقطع علاقتى بيكي ولا هطولى مليم أحمر من فلوسك اللى معايا انتى لحد دلوقتي ما إستفتش منك بحاجه وفى الآخر رايحه تخلصي عليها
زعقت هى الأخري بضيق:
- جري إيه يا رشدي أنا كدا هصدق انك حبتها كل الهري دا كلوا وحرق الدم دا عشان العيلة اللى كنت بلعب بيها زى العروسه
كان محتدا هو الآخر وهو يتحدث إليها:
-البت دى كبرت يوم بعد يوم تحت عينى البت دى مش بتطلع من دماغي مع انها أسهل واحده دى في بيت اختى ،وأختى دي بتخاف منها وتعملها الف حساب اختى اللى عشمتنى بيها وقعد كتير أستنى اليوم اللى تقولى فيه تعال .
كل كلامه تفهمه تعرف جيدا ان صبا كانت بالنسبة له السهل الممتنع اقرب ما يكون ليده وأبعد ما تكون عن أحلامه،ولكى تنفي الذنب الذي يلقيه عليها سألته :
-ما أنا قولتلك يوم الفرح تعال كانت لوحدها ما جتش ليه ؟
بنفس الانفعال الذي لم يزول صاح مندفعا:
-كان عندى حاجة تانيه كان جويا نار لازم اطفيها وأحرق بيها خصمي" زيد ابن الواصل "
بترقب شديد سألته :
- نار إيه!!
وبلحظه واحده من التفكير عرفت ما فعل فلا حاجة للسؤال وبقي العجب والدهشه شهقت :
- رشدي إنت إتجننت المخزن مش بتاع زيد لوحده ثم إنت مين عرفك مكانه ؟
غدت الغرفه ذهابا وإيابا وهى تحاول تهدية نفسها من فعلة أخيها ،رد على سؤالها ببرود :
-اومال انا كنت مصاحب الخروفين اللى عندك دول ليه ؟!
انا عرفت كل اللى عايز أعرفه عن إبن ال××××اللى عندك
وانا وراه والزمن طويل وانتى قسما عظما لو عملتى حاجه من غير ما أعرف لاأكويكى بالنار اللى جوايا.
نقطه إنتهي عندها وتفرق بها ليغلق الخط بينهم وتبقي هى فى حيره من غضب أخيها المجنون ونيرانه التى ستحرقهما معا .
"جميع الحقوق محفوظه لدى الكاتبه سنيوريتا ياسمينا أحمد""
"فى الأسفل "
إتجهت "صبا"نحو غرفة "جدها" الذي طلب منها كوبا القهوة بعد رحيل "حكيم"بمدة قصيرة تقدمت حامله الصنيه و تهتز لأول مرة تصنع قهوة ولمن لجدها لذا
فهى مرتعبه من ردة فعله ،نقرت الباب فأذن لها بالدخول دخلت اليه وهى تحاول أن لا تسقط ما في يدها وبنفس الوقت عينها عليه وهو يجلس خلف مكتبه منهمك فى العمل يرتب بعض اوراقه وضعت أمامه الصنيه ووقفت
قباله بابتسامه غراء متحدثه بمرح كي تدفع الخجل الذي سيقع عليها إن لم تنال القهوة إعجابه:
- قمر بيعمل قهوة قمر والله يا جدو إنت محظوظ بيا
رفع وجهه عن الأوراق ونظر لها من خلف نظارته الشفافه متعجباً من جرأتها بالحديث بهذا الشكل المرح أمامه،حركت رأسها مستفسره معاينة هذا التعجب وسألته :
-إيه هو أنا قولت حاجه غلط
تيقن جدها من أنها تمزح ومن قلة عقلها المزاح في التوقيت الغير مناسب فمكتبه هذا محراب العمل ولا يسمح به بالمزاح أو الدخول إليه دون إذن ،أشاح بيده مشيرا للخارج وقال:
-روحي شوفى وراكي إيه
أجابته وهى تتمسك بالوقوف :
-جدوا أنا عايزه أعرف رأيك فى القهوة قبل ما امشي الصراحه كدا أول مرة أعملها
ظل على نفس عبوسه وعدم تقبله أى حديث فأثناء عمله لا يحب الجدال معه حتى لا ينسي ويشتت عما يفعل فهتف موضحا بضيق:
-روحى شوفى وراكي إيه انا ما بحبش حد يتكلم معايا وانا بشتغل بعدين نشوف مشاكلك مع القهوة
مطت فمها لاحد الجانبين بيأس واستدارت للخارج بخيبه من مساعدتها فى النجاح في المطبخ حتى لا يشمت أحد بها وقبل أن تصل للباب سمعت صوت الفنجان يصدح بضيق داخل صحنه فأغمضت عينها متأكده أنها لم ترضيه ولم تعجبه وأكد هو على ذلك مناديا:
- تعالى خدي قهوتك وإنتى خارجه
التفت ببطء وحذر وعادت نحوه وعلامات الخيبه ترتسم على وجهها قال "فايز"وهو يحدق الى فنجان القهوه بشرود:
-إشمعنا دى اللى ما تطلعتيش فيها لأمك
إنتبهت وهى تميل الى مكتبه لتلتقط الفنجان الى ذكر والدتها من جديد،كيف يريدون منها النسيان ومع كل خطأ يذكرونها بأمها وينتظرون منها أن تشبهها بأى شئ ويتهمونها بأنها تشبها طاره ليخلق بداخلها فضول لاستكشاف المرأة التى تثير الشكوك ولا ينساها التاريخ.
سألته بتأثر :
-أمي ..ممكن حد يريحنى ويقولى أمي دى كانت كويسه ولا وحشه
نظر لها بعمق ليردها عن الوقوف طويلا والحديث فى أمور أخرى قد تشتت تركيزه عما يفعل ،ثم تعطف وأعطاها إجابة :
- ماحدش هيريحك لأن ماحدش يعرف حقيقة أمك
المهم ما تبقيش زيها
لم تكن إجابته غامضه بل مخيفه هل كانت شبح لدرجه أن لا احد يعرف حقيقتها أم كانت سيئه لدرجه حصولها على كره الجميع ،لم تشفى بإجابته الغامضه وسالة من جديد بنبرة متحيره :
- قولى إزاى إزاى تطلب منى ما بقاش حد أنا ما أعرفهوش
إبتسم نصف إبتسامه خفيفه وهو يرد:
- دى حاجة فى الجينات الوراثية زى ما بيقولوا
لازالت مائلة امامه على المكتب ،اعتدلت فى وقفتها لتهتف بثبات رغم خوفها منه :
- مش عايزه أعرف إنتوا بجد كلكم متعبين وإن هى حتى كانت وحشه معاكم فأنا من عشرتى ليكم بقولكم تستحقوا
إتسعت عينه مستنكرا جرأتها وصاح بها بعدما دمرت جلسته:
- ما تزيديش فيها قلبتى رأسي مش عارف أنا وصلت لفين الله يكون فى عون زيد منك
على ذكر "زيد" إنتبهت الشي الوحيد الذي يعطيها طاقة لتحمل كل هذا والاستكمال فى هذا البيت نظرت له ببرود وعادت تأخذ الفنجان من سطح المكتب ليميل معها ويهمس بشدة وكأنه يلومها :
- ما تخليش زيد يكسر القواعد يا صبا لأحسن أنا هكسرك اتنين لو ضيعتى حفيدى منى .
ارتعشت من تهديده الغير واضح سببه وكأنه يخشي شخص آخر غير تلك الضعيفه التى ترتعش أمامه ،مسح على سطح المكتب وتحدث بنبرة ذات مغزي:
- المكتب دا ليه إحترامه دا مكان شغلى ممنوع تدخلى بعد كدا غير بإذن منى حتى لو كان زيد جواه.
الآن فهمت ،جدها يلمح لما حدث هنا بينها وبين زيد إشتعلت وجنتها بحمرة الخجل وانطلقت من أمامه
بسرعه كادت أن تسقطها ،وقفت بالخارج تحاول أن تلملم أنفاسها المتبعثره لاتعرف كيف علم جدها أخبره زيد نفضت رأسها بالنفي وهى تردد يستحيل وكيف عرف
أوعلم لأى درجه هى إقتربت من مكتبه المبجل
إنها بالفعل حائره وخائفه وخجله من منزل كالزجاج الكل مطلع على أبسط الأشياء وأقلها وكأنها تحت المجهر .
"فى المساء"
أخيراً إجتمعت العائلة بالكامل على طاولة الطعام كلا من "ونيسة وبلال ويحيي وزوجها عماد وحسين ومها "وعلى رأسهم الجد "فايز "
قدمت "صبا"الطعام الذي إجتهدت فى صنعه قلبها كان يرتجف وهى تعرف أن الكل سينقدها وتحضر نفسها للدفاع وكذلك عدم التشكيك فى ذاتها نادت فى نفسها:
-يااا لو كان زيد هنا
وكأنه كان نداء موصول بينهم لتسمع صوت صرير سيارته يتصتف بالخارج تركت ما بيدها وهرولت صوب الباب بحماس ،فهتفت "ونيسه"بحنق:
-إجري يا أختى كلي عقله كمان وكمان
نظر "فايز"لها دون معنى ،الحق أنه بات يخاف أن تتوحش الصغيرة وان تكون سبباً فى إسقاط "زيد"وضعفه خاصتا وهو يري ابتسامه "عماد"الساخره ويسمع صوته الهامس بسخرية:
-من حق الكبير يدلع
عيبه الوحيد أنه ينتقد الأخرين دون أن ينظر لعيوبه ،قلب "فايز" الآن مشتت صبا تقلقه بشدة ويخشي أن ينجرف "زيد"فى عشقها وينسي عائلته التى سيترئسها بعد وفاته
يحاول جاهدا أن لا يفكر فى إعادة النظر فى إختبار غيره.
وقفت امام الباب لتنتظره وقد نزل عن سيارته ارتسم على ثغره أبتسامه فرحه بإستقبالها وما إن إقترب منها حتى هتف مازحا:
-مالك واقفه كدا ليه زى العيله الصغيره اللى مستنيه حاجه حلوه؟
-أنا مش مستنيه منكم أى حاجة حلوة لأن إنتوا كلكم ما حوليكمش غير وجع القلب
سأل متعجبا من هذا الانتقاد الذي يبدوا حقيقيا:
- الله الله الكلام دا حقيقي ولا بجد
لم تكن على ما يرام لمزاحه ودخلت مباشرة فى الموضوع لتهتف :
- انت هتقعد تتغدى معانا وإوعى ترفض أنا اللى عاملة الأكل وانا متأكده إن الكل هيحفل عليا
رفع أحد حاجبيه وسأل مشيرا لنفسه بإستنكار :
-بتستغليني
أومأت بسرعه وهى تجيب:
- أيوا لان أنا فاض بيا بصراحه يا هستغلك يا هطفش
ضحك على غضبها الطفولى وشدة تمسها بطلبها الذي لا يسبب مشكله رفضه، فمازحها قائلا وهو يدفع رأسها من الخلف بخفه:
-هتطفشي فين دا إحنا لاقيتك على باب جامع
تحدثت بضيق وهى تكاد أن تجذب شعرها من أسفل الحجاب وتعترض على كل شئ فهى ايضا غاضبه منه لإخبار جدها بما حدث ومعاتبته لها اليوم .
-صحيح هروح فين منكم الواحده بتزعل تروح على بيت أبوها إنما أنا أروح فين ! اذا كان ابويا هنا
سأل متعجبا من مزاجها المعكر وضيقها الغير معلل :
-مالك يا بنتى كل دا عشان الاكل
زعق جده متعصبا ليقطع هذا الحديث الذي طال:
-مش هنتغداء إنهارده ولا إيه؟
تحرك زيد ليلبى نداء جده وهتف بصوت منخفض:
-إعقلى كدا ولما نطلع أوضتنا إبقى قولى اللى عندك
لم يكن لها خيار أخر سوي بإتباعه والاقتراب منه
اقبل بإتجاه الطاولة ليلقى التحيه :
-السلام عليكم
أجاب الحضور السلام ،ودعته والدته على غير عادتها دون ترحيب:
-إقعد كل ،مراتك اللى طابخه
نظر بجانب عينه لصبا التى تتجمد بجواره خشية من رفضه فهى كما تعلم انه لم يأكل بالمنزل من مدة طويلة
فإستجاب ليهدء من قلقها وإتخذ مكان جلسته بجوار جده
وهى إلي جواره ،ثم إستكملت الغرف الذي تركته لأجل إقناعه بالانضمام إليهم، وزادت دهشة "ونيسه"بانضمام زيد لهم فقد مرت سنوات على انضمامه لطاولة الغداء او العشاء فهو دوما يأكل فى عمله ولاحظ "فايز"هذا وايضا تأثير صبا عليه الذي سيأخذه الى جانب آخر ويضعف موقفه والقادم سيثبت هذا ،هتف "يحيى" مازحا فور جلوسه:
-احنا لازم نحتفل عشان زيد هيتغدا معانا
منحه زيد ابتسامه ودوده دون أن يرد يعرف أنهم سيندهشون كثيرا مما سيحدث لأنه تغير كليا ،وما عاد يهتم بأرائهم لكن ما نزع إبتسامتهم قول عماد الساخر والغير مكترث بهدم فرحة أبنائه:
- دا إحنا إ بتدينا نشوف العجب الاستاذ سايب شغله وجاى يتغدا معاها
كلماته المسمومه سقطت على مسامع "صبا" وأزعاجتها بشده فقررت إجابته دون إنتظار مدافعه زيد او غيره خاصتا فى صمت والدها الذي يتشابه مع العدم :
- أكيد هتشوف العجب يا عمو هو أنا برضوا أى حد
نظر لها "عماد"بشراسه وتوعد هو لم يتحمل أي حديث منها وهم ليجزرها محتدا لكن فايز منع ذلك قائلا:
- كلوا وإنتوا ساكتين
عين "زيد"لم تسقط عن صبا مندهشا من جرأتها وإجابتها الجريئه دون التفكير فى أي إنطباع سيسقط ع الحاضرين يبدوا أنها إبتدت تستغل السلاح الذين يقاتلوها به وهو نعتها بشبية أمها لتحذرهم علنا من أنها إبنة الساحرة والماكره التى من الممكن أن تهدم القصر فوق رؤسهم.
بالفعل تناول الجميع الطعام فى صمت وكما توقعت لن يعجب ما صنعته أحد بالأخص "ونيسه"التى صاحت بإعتراض:
-إيه العك دا،إنتى عامله الاكل برجليكى
إحمرت وجنتها من إنتقادها الاذع والذي إستمرت به دون أي شفقه:
- إنتى إيه عمرك ما دخلتى مطبخ
تدخل عماد وهو يؤيدها تاركا ملعقته جانبا:
-والله عندك حق الاكل إستغفر الله العظيم
بينما تحدث كلا من "يحيي وبلال ":
-الحمد لله إنا كلت برا
يحيي:
-يا إبن اللعيبه يا بلال ،طيب لغينى أروح معاك
زعقت "ونيسة"بحده:
- بس إنت وهو ،وانتى ما ردتيش يعنى ؟عمرك ما دخلتى مطبخ ولا ايه؟
همت لتجيب لكن منعها "زيد" بأن أمسك يدها الموضوعه فوق الطاولة هاتفا بجمود :
- أنا حابب إنها ما تطبخش اصلا
اغاظتها إجابة زيد عنها على عكس "صبا"الذي برد قلبها بإجابته ونصفها ،صاحت "ونيسه" محتده:
-نعم وانا هشتغلكم خدامه بقى ولا ايه؟انا كنت بستنى مرات إبنى تساعدنى
نهض "حسين"من الطاولة كى لا يشارك فى الحديث معهم يزعجه معاملة ونيسة لصبا لكنه لا يود الاعتراض :
-عن إذنك يا حاج أنا طالع أرتاح
أشار له" فايز " ثم قال:
- طيب روح
هتف عماد لاخيه:
-خدنى معاك يا اخويا
تحدث "زيد"لوالدته بهدوء:
- لو حابة نجيب طباخه تساعدك مافيش مانع
زاد غضبها من تساهل إبنها من اجل راحة هذه الملعونه
-وانا من إمتى جبت حد يساعدني طول عمري بأكلكم بإديا
تذكرت امر هام سيحرق صبا وهتفت دون مبلاه:
-وإذا كان على كدا عجل بجوازة نهي
ألجمته تماما وإمتنع عن الرد حتى كررت بجديه وهى تضع يدها اسفل ذقنها:
-هااا إمتى اروح اتفق على كتب الكتاب
انتظر "فايز"إجابة من زيد كما إنتظرت صبا وونيسه ومها التى تجلس على ترقب بعدما غادر حسين وعماد وكذالك بلال ويحيي تدخلت صبا بشكل فورى وبثقه كبيرة قالت:
-أوعدك الجوازة دى مش هتم
إصتدمت "ونيسه" بإجابتها الصاعقه بينما صمت زيد تماما،أغضبت هذه المرة"فايز"الذي لم يتوقع إجابتها بهذه الجرأة وامام زيد دون ان يردعها أو حتى يوقفها.
هدرت ونيسة وهى تكاد أن تجن:
-يعنى إيه الكلام دا يا زيد؟
ظل محافظا على هدؤئه دون ان يعطى إجابه ،ثبت "فايز"نظره عليه ثم صاح ليستفزهما معا بـ :
- بكرا ان شاء الله تروحى تزوري نهي وتتكلمى رسمي يا ونيسة وتاخدى فى ايدك صبا عشان نبين للكل ان الجوازه هتم
إتسعت عين صبا عندما سمعت حديثه والتف إليه وعينه تمتلئ بالدموع لقد تحطمت كليا وسألت بتررد وخوفا من ان يرغموها على ذلك:
- انا اروح ليه ليه أصلا تفرفوا بينى وبين زيد
وضح له كم وصل زيد من عشق حتى يتركها تتحدث بهذه الثقه وضاق صدرة من عدم إطاعة زيد لأوامره ،مال برأسه وهو يجزها بإستهانه :
- إنتى مش ملاحظه إنك إتعديتى حدودك
تنفست بصعوبه وهى تجيبه:
-يا جدو ارجوك إفهمن......
لم تكمل جملتها حتى لطم "فايز "سطح الطاولة بتشنج:
-إفهمى إنتى بلاش انانيه مريم قصاد الجوازه دى يا نهى تيجى دارنا يا مريم تروح بلا راجعه .
اردف زاعقا :
- زيد شوف مراتك
نظرت له وقد إمتلئت عينها بالدموع وترصدها عين "مها"الشامته بابتسامه خفيه لا تستطيع حبسها ،قالت "ونيسة"المتعجله:
-ايه رايك يا زيد
أبي "زيد"النظر لها وحاول أن يبدوا هادئا امام كل هذا الضغط ظلت تحدق به بنظرات كلها توسل أن ينتشلها من هذا أن يشفي كل هذا الالم الذي يفتك بيسارها لكنه لازال ينظر بعيدا ويلتزم الصمت ،تحدثت هى بنبرة متوسله وهى تمسك بساعده :
-زيد قول حاجه عشان خاطري
فى ثوانى التف لها ليقول بإقتضاب :
-إطلعى فوق
هذا كان رده الصادم، طردها كان الحل الأمثل وسط كل هذه الضوضاء فليرتب نفسه بتمهل حتى يستطيع مواجهتها من جديد ومواجهة كل هذه الضغوط فليس هى وحدها من تعانى فهو يعانى أكثر ،لم تنتظر بعد هذا صرت على أسنانها ونهضت تدق الارض بضيق
بقي وحده مع "جده وأمه ومها " التى تنتظر الجديد بفارغ الصبر لكن "فايز" لم ينولها هذا أمرها قائلا :
-مها خدى ونيسه وإطلعوا فوق
اتضحح كم هو غاضب وأين سيوجه هذا الغضب فلم يبقى معه سوى زيد ، تاكد" فايز" من مغادرتهما وبدأ
بنهره وصب جم غضبه عليه:
- إنت حصلك إيه؟ لدرجادى بينت ضعفك قصادها ووقعت وما حدش سمى عليك سبق وقولتلك عشان تسيطر عليها ما تبينالهاش حبك وانت ماشاء الله عليك ما صدقت
شعر "زيد"بالحرج من حديث جده ولم يجد إجابة مناسبه تقيه من هذا الاحراج وتحفظ ماء وجهه سوي سؤال بتعصب طفيف:
-وانا كنت عملت إيه ؟!
استاء من وصول "زيد"لهذه الحالة من الاستسلام وقرر مواجهتة دون خجل :
-مين سمحلها تدخل مكتبى فى غيابى وفوق كدا ...
قطع كلامه وهو متيقن انه فهم قصده ليردف وهو يشيح بوجه فى استياء:
-بقيت لدرجادى كلمه تجيبك وتوديك اخر أملى فيك يا زيد إن حتة عيلة زى دى تسيطر عليك
لم يكن لزيد الجراة لاجابته ولا حتى النظر تجاه يعرف مدي قدسية مكتبه لدى "جده" وكم يكره أى تجاوز أو مرور أحد إليه دون إذنه كانت اول قاعده يغفل عنها
بسبب انجراف مشاعره تجاه "صبا "اصدر فقط همهمات دون ان يعرف ما يليها :
-ااا ...مم...أنا أسف حضرتك عارف ....
على فجأة باغته "فايز"و وضع عينه بعينه وكأنه احرقه بتلك النظرات رفع إصبعه ليحذره قائلا:
-إياك تبرر لمرة ،حبك ليها انا شئ فاهمه
حبك ليها أنا شئ مش همنعك منه لكن اللى لازم أمنعك منه إنك تمشي وراء عواطفك وتلغى عقلك "صبا"مش سهلة عشان تديها حب هتفلت منك ومش هتعرف تسيطر عليها ما أخدتش بالك بترد على عمك إزاى
إذدرء ريقه محاولا الدفاع ،وتحدث متوترا :
- صبا لسه صغيره مش معقول هتعلم من يوم وليله وزى ما انت شايف الكوارث اللى حلت علينا فى يوم وليلة.
مط شفاه باستياء فهو لم يقبل عذره كان يكفى ان يردعها علنا أو سرا لكنه لم يفعل خوفا على مزاجها حرك رأسه بيأس وهويهتف :
-يا خوفى اكون ضيعت منى حفيدى اللى بتباها بيه .
رمش بعينه ولم يجد إجابة ليطمئنه هو أصلا يمشي فى طريق لا يعرف له آخر ويعشق تلك الخطرة التى يحذره منها الجميع...