قصة عشقت امرأة خطرة البارت السادس والثلاثون 36 بقلم ياسمينا احمد

    

قصة عشقت امرأة خطرة

البارت السادس والثلاثون 36

بقلم ياسمينا احمد


"زيد"

عاد مرهق ومنهك إلي غرفته سابقا كانت مهرب له من كل العالم الخندق الصغير الذي يختفي به عن الانظار ويخلع عنه رداء التصنع ويبقي على حقيقته ضعيفا وهاشا ويحاوط نفسه بنفسه كي يستطيع أن يعيش الغد،لكن الآن الخندق أصبح أضيق الهواء الذي كان يتنفسه وحده تشاركه معه عدوته المرأة التى عشقها بشدة وجرحته بقوة بعد أن أرها نقطه ضعفه دعست عليها بمنتهى القسوة ،الصمت كان يعم المكان الا من صوت أنفاسهم وكأن هذا الفراغ الكبير من حولهم لم يبتلع هذا الصوت 

كان جالس على الكرسي المقابل للفراش وينظر للأعلي متحاشيا النظر لها بينما هى تطالعه بترقب للحظه التى سيلتف وتقع عينه بعينها لكن طال الوقت وهو على نفس حالة الثبات التى إتخذه من فور دخوله فبادرت هى بقطع الصمت متسائله:

-جدو عامل إيه؟

صوتها جعل قلبه يعتصر،نبرتها الرقيقه أشعلت بصدره بركانا خامل .صوتا يريد أن يخنقه ويندثر بين أوتاره ،صوتا اشتاق له ونفر منه كالجحيم التناقض الذي يدور فى داخلة صعب التعبير عنه كمن يعشق الفاكهة الطازجة المحاطه بالمبيدات  وفى كل مرة ينسي أنها تسبب له التسمم.

يأست من إجابته  بعد طول صمته فعادت تحثه على الحديث قائله:

-عمو عماد كان راجع غضبان أووى ..

إنطلق منه زفيرا غاضب جعلها تطمئن أنها فى وجهتها الصحيحه لجذبه فى الحديث أسهل شي قد يدفع الإنسان الكلام هو الاستفزاز وهذا ما فعلته إستأنفت حديثها بهدوء ورتابه:

- ولما سألتوا عن جدو زعق ليا وقالى كلام مش كويس..


اخيرا نظر اليها لكن نظرته كانت كالصاعقه اتسعت عيناه الضيقه بشكل مهول وطفي الجحيم على وجهه وكأنها فعلت ما لا يجوز فعله ابتلعت باقي كلامها واخيرا سأل هو بحده:

-قالك إيه؟


رغم أن حالته ونظراته غامضه فهى لا تفهم هو غاضب منها أم خائف عليها اجابت بلسان متعثر :

-بي...ي..قالى امشي من وشي وقال انى عيله و..


اخفت تماما انه كان يشككها بزيد هى تريد أن تسمع منه وتري بعينه كي تستطيع فعل شئ ربما ينفعهم معا.


أشاح بوجهه بعيدا عنها رغم ان يغلى من إهانتة لها لكن يظهر هذا لها لم يعد ساذجا ليريها مكانتها العاليه لديه فترديه قتيلا كما فعلت سابقا،لكن بالمقابل لن يمررها لعمه فهو لن يقبل بأن يدعس أحد على طرف ذيلها حتى دون قصد ،نهض من مكانه واتجه صوب الحمام فنهضت مسرعه لتقف امامه قائله بتلهف:

-انا عايزه اروح معاك لجدو 

حاول تجازوها فأمسكت بكتفيه لترجوه :

- بالله عليك عايزه أطمن عليه ...

قاطعها بأن دفع يدها عنه وأطبق بقسوة على أصابعها ليضمهما معا أخفت تأوهها سريعا وتسابقت دموعها على وجنتيها من فرط الألم ولازالت عينها تنظر لها بحده وأضاف وهو يسحق الكلمات بين أسنانه:

-إوعك إيدك تمد عليا تانى ،إياكى تلمسينى فاهمه ولا لاء .


أومات بسرعه ودون تفكير ارادت فقط التخلص من هذا الالم  لاول مرة يقسوة عليها بهذا الشكل وترى منه هذا الجانب السيئ فهتفت بنبرة خالصة الحزن :

-حـ ..حاضر ،بس بالله عليك خدى لجدو عايزه أطمن عليه .


أدرك اخيرا غضبه الذي بثه على اطراف اصابعها ونظر الى تلك العلامات التى ظهرت على الفور فوق بشرتها وتركها 

مبهوتا مما فعل كيف تجنه لمسه منها  وتفقده صوابه لدرجه أن يكون همجيا و بربريا معها لهذا الحد،  تجاوزها سريعا ليختفي داخل الحمام الملحق بالغرفه .

هرب هذا هو ما كان عليه فعله من البداية انهار من اول لمسه منها سقط فى بئر مظلم  وصارع نفسه  فى رغبة سحقها وضمها فى آن واحد .


جلست فى نفس مكانه تطبب يدها التى آلمتها بشدة وتغير لونها فورا حركتها فى الهواء كى تهدي الالم الذي أصابها والحقيقة ان الآلم الرئيسي كان فى قلبها فلم تتوقع أبدا أن اليد التى طببتها فى يوم من الايام تؤلمها لهذه الدرجة 

ولقد إعتادت الالم منذوا الصغر لكن منه هو كان أصعب .


فى الصباح 


ترك لها الفراش بأكمله ونام على الاريكه الساعات القليلة التى نامها كان يتحاشي النظر بإتجاها حتى لا يضعف 

لقد قرر إقصائها وهذا لا تراجع فيه غاص فى نوم عميق 

حتى استيقظ على صوتها ينادى بلطف:

-زيد ،زيد 

فتح عيناها فوجدها بمحاذاته أجفل من جديد واعتصر عينيه لقد قضي اليل كله يفكر بها وعندما غفى الى النوم رأها فى أحلامه والآن يستيقظ على وجهها يالها من مؤامرة كونيه ضد رغبته فى الابتعاد عنها،فى ثواني 

ضغط على ساعديه ونهض كالملسوع يتمتم بتذمر :

- يا دى النيلة اللى الواحد فيها 


مظهره وهو مشعث الشعر وغاضب كالاطفال أضحكها رغما عنها عضت على طرف شفاها وهى تقول:

-معلش بس تليفونك رن كذا مره وانت ما سمعتوش 

التف ليمسك بهاتفه الذي وضعه على المنضده القريبه ورأي 

قائمة الاتصالات التى  فاتته ثم هب واقفا ليستعد للمغادرة 

وقفت معه وقالت بجرأه :

- انا هروح معاك 


ضم حاجبيه وهتف مستنكرا:

- خير  زى ما يكون بتأمرينى 


تراجعت خطوة لم تخف لكنها تثق إنها إن أردت ستفعل 

اعادت ضبط نفسها لترواغه برقتها ودهائها:

- لأ خالص انا عمري ما أقدر أمرك لأنى عارفه إن زيد حتى لو مختلف معايا هيفضل طول  عمره شهم 


مط فمه بضحكه ثقيلة وقال :

-ألاعيبك دى إعمليها على حد تانى مش على بابا 


حافظت على رقتها وأجابته بثبات:

-ألاعيبي ..كلمه كبيرة اوى يا زيد والصراحه بقى لو هنلعب انت الخسران 


رمقها باستخفاف تام واستهان بها بالقول :

-لااا هو انتى فاكره إنك ليكي تأثير عليا 

قطمتها بثقه :

- ألاعبك ونشوف 


تشنج وجهه وهم بتجاوزها وهو يقول :

- مش هتروحي معايا

فعادت تقاطعه هاتفه بخبث  :

-هروح عشان كمان اعمل الاشعه اللى طالبه الدكتور منى 

ولا مش عايز تطمن على البيبي 


تغيرت تعابير وجهه وبدى غاضبا رفع يده فى الهواء وكورها بضيق وهدر بغضب مكظوم:

- لا مش عايز ،مش عايزك اصلا تبقى حامل 


أحزنها بإجابته مهما سائت ظنونه بها لم تكن تتوقع منه أن ينكر كل ما حدث بينهم ويرفض طفلها على الرغم أنها تعرف كم كان عشقه لمريم ،تحولت تعابيرها ولكن بغضب وهاجمته بحرقه وعينها تفيض بالدموع :

- على فكره مش  إنت اللى لوحدك اللى زعلان انا كمان زعلانه عشان إنت ما صدقتنيش عشان انت عيدت نفس اللى بيعملوا معايا بابا انت ما وثقتش فيا انت طلعت نسخه تانيه منه كلكم مش بتصدقوني مهما كنت صادقه 


رغم تعاطفه معها وميول قلبه الشديد لها إلا أنه لازال موجوعا على ابنته التى يصعب أن يصدق أن سبب الوفاة كان طبيعيا بعد مئات المرات التي صعدت بها بالاعلي وكان من المستحيل ان يحدث هذا بسبب علو السور والشبك الحافظ المحاط به ،تدعت كل جوارحه بتشنج وركل الارض وهو يشير نحو صدره بقبضته بإنفعال:

- دي بنتي عارفه معني دا ،انا شلتها على ايدي اربع سنين 

عارف بتحب ايه وبتكره إيه عارف تقدر تعمل إيه وما تعملش إيه .


سألته بحزن عميق :

-وأنا إنت مش عارفني ،مش عارف مريم كانت عندي إيه؟


الآلام التي بداخله أنسته معنى أي شئ وفقدته التعرف على نفسه او تذكر أي شئ يخصه والله رحيم به إذ جعله يتنفس رغم كل ما يجول فى صدره والذي لم يترك فسحه للهواء ،ضم حاجبيه ونفض رأسه بيأس من الجدال وقال بتشويش :

- انا مش عارفك  انا مش عارف حقيقة مشاعرك نحيتى ،انتي فعلا بتحبينى بعد كل الرفض 

اللى رفضيه ولا واخداني سكه عشان تعيشي هنا بكل قوتك بما ان خلاص بقيت أمر مفروض عليكي وما بقتيش مهتمه إيه يزعلنى أو حتى يقتلني  .


كان ثقيل عليها أن يتكلم معها بهذا الشكل وان يصارحها بهذا التشويش الواضح وتغافله عما تكنه له من مشاعر حب حقيقية لايشوبها أي نية أخري سوي أن تبقي بجواره للابد لكن كل ما حولهم لايسمح بهذا وحتى هو نفسه بقي عائق فى هذا وقاطع طريق فى الوصول الى بر الأمان والسلامة ،رمقته مطولا على أمل ان يغير حرفا مما قاله او حتى يتراجع عنه لكن يبدوا أنه آخر ما لديه ،استدارت بالكامل من وجهه وهتفت بنبرة مشحونه بالالم:

- هيجي يوم وتندم على اللى انت بتقوله دا فى يوم مش هينفع فيه ندم.


عادت تلتف من جديد لتقول بصرامه ولازال فى عينها الدموع:

- ومن هنا لما يجي اليوم دا بلاش عند عشان تسيب باب بينى وبينك مفتوح 


نفخ بملل وتحرك من امامها ليحدق بشاشة هاتفه الجوال ليعرف كم الساعه تمتم بحنق :

- يوووه اخرتينى 


تبعته لتقول بيأس :

-خدني معاك  لجدو 


اكتفي من هذا الحديث فلينتهي الجدل ان كانت ستذهب على اي حال للمستشفي من اجل اثبات الحمل وافق داخليا لكنه رفض قولها واشار بيده بالقبول ،وسرعان ما تحول كل حزنها الى فرحه وسعاده اخيرا ظفرت بموافقه كانت شبه مستحيله بعد كل هذا التعند .


قبل ان يغادر زيد القصر تقابل مع عمه الذي تزامن خروجه من القصر معه توجه نحوه بغضب عارم وتوقف بوجه ملتصق بوجهه صائحا بجنون :

- ما تقربش من صبا تانى اقسم بالله انا مستعد اردلك كل اللى عملتوا حالا وما هيهمنى اى عواقب بس عامل خاطر لجدو ولحالته الصحية انه يسمع إن إبنه اتقتل 


عماد كان جامدا رغم ارتعاش أوصاله زيد خطر جدا عندما يكون فى حالات العصبيه هذه وحديثه كله يستطيع تنفيذه، حمدا الله أنه لازال لديه شئ يمنعه 


هتف بصوت متحشرج:

-انا سايبهالك يا زيد سيبهالك خالص ولحد ما ابويا يفوق 

وقتها هأخد حقي صح 


دفعه زيد دون إهتمام:

-يكون أحسن اختفى من وشي 


حدق عماد به بشراسة من عدم اهتمامه به ولا احتياجه له حتى فى أحلك الظروف وهدر من بين أسنانه:

-ولادى كمان هيسبوك لوحدك ابقى ورينى بطل الابطال هيعمل إيه بطوله فى الحرب دى كلها .

لم يخشي زيد شئ كل ما أراده أن يختفى من وجهه رغم ثقل المسؤليه وكثرة الضغوط إلا أن عماد وحده كارثه قد تزيد من ارتخاء كتفه الذي لا يميل إلا بصعوبة.


غادره عماد وانتهي زيد من مواجهته تنفس براحه بعدما حاول جاهدا أن لا يكون قتيله اليوم .


"فى السيارة"


انطلق بسيارته نحو المشفي بسرعه عاليه لم يترك لفرحة مغادرة القصر ان تكتمل ،كانت تسمع صوت الريح يمر من جوارها هتفت بتذمر:

-انت بتجري كدا ليه؟!

لم تستقبل منه رد عاد جامدا وباردا يحدق امامه وكأنه وحده .


هتفت لتخفف من توترها :

- هو انا ينفع أعمل أعمال خيرية فى البلد


لفت إنتباه لما قالت وتعجب وهو يردد بتمهل :

- اعمال خيريه

حركت قدمها بعصبية من فرط سرعته،وتحدثت باستفاضة:

-اه عايزه اعمل مستوصف ومدرسه ومائدة الرحمن


رفع كتفيه وهو يسألها دون النظر لها:

- ايوا ما دا عايز سيولة ومبالغ كتيره حصتك من العيلة  مش هتغطيها 

اجابت :

-جدو كان قايلي اني ليا فلوس بتاعت ماما  عندوشايلهالي لو احتاجت منها حاجه اطلب تنفع دي 


رغم اعجابه بالفكرة وانتباهها الكامل لمساعدة الناس

الا انه لم يبدي هذا الاعجاب ولم يعد يمكنها منه ولا من رضاه إكتفي بالقول بإقتضاب:

-لو دي رغبتك إعملى فلوسك وانتى حره فيها 

نفخت بضيق من استمراره فى تجاهلها وعدم التفاعل معها وايضا السرعه القصوى التي تزيد من رعبها هتفت 

بزنق:

-ممكن تهدي شويه

لم يستجيب لرغبتها واستمر بل زاد أكثر  فلم تتحمل  فصرخت عاليا :

-هتموتي ،انت بقيت سفير عذرائيل 


اخفي شبح ابتسامته وظل يحدق امامه متجاهلا حديثها 


ما يصدر منها بعفو ية ينسيه ما بينهم من خصام أبدي 

‏انتهي هذا عندما إسترسلت بهياج:

‏-هتموتني زي ما موت اللى قبلي 

هنا وضعت خنجر سام فى موضع جرجه ،أوقف السيارة فجأة ليصدر صوت عالي ورغما عنها صاحت بفزع وهي تصدم بمقدمه السيارة وعادت مكانها بلحظه،لكن كل هذا كان لا شئ في أمام نظراته المسلطه عليها إذدريت ريقها وانسحبت أنفاسها أدركت ما قالته 

-ااا انا ما أقصدش ،انا أسفه

قاطعها بأن سأل بحده:

- مين قالك كدا؟!

أجابت بسرعه وهى ترفع يدها امام فاها:

-عموا عماد ،بس انا والله ما صدقتوش 


إكتفي من النظر تجاهها وأشاح بوجهه عنها ليقول مشمئزا:

-إزاي كنت واثق فيكي  للحظه فيكي 


بدي الامر بينهم معقدا ،لكن ما عو إلا جبل هائل من الجليد 

إن طلعت عليه الشمس سيذوب.


تجهزت كلا من مها وبثينه وونيسه استعتاد لزياره الجد فايز ولكن قبل أن تغادر مها القصر مرت الى غرفة صبا لتضع بها الهاتف لموضعه بعدما نقلت منه صور عديدة لترسلها لأخيها كى يستطيع ابتزازها لقد كانت أسؤء طبع بين الجميع الكره والغل الذي تكنه لصبا أنساه ما الحلال والحرام بينما تبرر بكل برود انها تحافظ على حياتها وحياة ابنها.

خرجت من الغرفه بعدما تركت هاتفها دون ان يشعر أحد بما تخطط له. 


فى المستشفى


وقف امام فراش جده وفى مقابلة تماما "صبا" مالت اليه ومسكت بيده مقابلاتها معه كانت قليلة لكن هو كان الاصدق بالنسبة لها رغم كل خلافاتهم معا لكنها   كانت تستشعره عطفه برغم قسوته دونا عن الكل،هتفت بحنان:

-سلامتك يا جدوا قوم عشان خاطري 


يبدوا عليه التعب لكن كان متعجل لقول شئ هام بعيدا عن كل هذه العواطف أدار يده ليمسك بيدها وبيده الاخري 

لوح لزيد ليضع يده فى يدها ورغم دهشة" زيد " إلا أنه إستجاب على الفور ألصق يده بيد صبا وقبض بيده فوقهم 

نظر اليه "زيد"دون أن يخفي دهشته لكن "فايز" يريد ايصال رسالة هامه لزيد يعلم أنه يتهمها فى قتل إبنته وقد لا يسعه الوقت لإخباره الحقيقة لذا وبصوت ضعيف ونفس يكاد ينقطع قال:

-صبا أمانه معاك لحد ما أقوم من هنا،لو ماقومتش من هنا 

خد مراتك بعيد عنهم وحافظ عليها يا زيد حافظ عليها 


هم بمقاطعته فأردف فايز ناهيا:

-ما تقوحش ،اسمع الكلام زي عادتك 

هز رأسه بالموافقة فى إ ستسلام أعمي وثقه تامه فى رجاحة عقل جده .

فرحة "صبا" بحديثه ودعمه رغم عدم فهمها السبب كانت لا توصف أعادت ثقتها بنفسها وكذلك إبتسامتها الخطيرة ....


         البارت السابع والثلاثون من هنا 

لقراءة جميع حلقات القصه من هنا


تعليقات