رواية أسير عينيها الفصل الواحد والتاسعون 91 والثاني والتاسعون 92 الجزء الرابع بقلم دينا جمال

رواية أسير عينيها

الفصل الواحد والتاسعون 91 والثاني والتاسعون 92 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

في أسيوط تحديدا في منزل رشيد الشريف...

كابوس بشع رأت نفسها فيه مقيدة علي ذلك المقعد، مراد أمامها بهيئة مخيفة مفزعة أعين حمراء كالدماء أنياب طويلة وكأنه وحش هارب من احدي حكايا الرعب القديمة، يقترب منها ببطئ يديه بها مخالب طويلة حادة مدببة، هي فقط تبكي تحاول تحرير نفسها من تلك القيود التي تلفها كأفعي تعتصر جسدها، وهو يقترب اكثر وأكثر، ما كادت مخالبه الحادة تلامسها صرخت بصوت عالي وهي تنتفض من مكانها تلهث بعنف جسدها يتفصد عرقا، وضعت يدها علي قلبها تحاول تنظيم دقات قلبها السريعة المتضاربة، ليدق الباب في تلك اللحظة، خرج صوتها ضعيفا مرتجفا:.


- مممين

- أنا جاسر يا صبا، ينفع ادخل

قالها جاسر بنبرة جافة قاسية، لتؤمأ برأسها بالإيجاب وكأنه يقف حقا يراها، حاولت أن ترفع صوتها قليلا تهمس له بنبرة خافتة مرتعشة:

- ايوة ايوة

أدار جاسر مقبض الباب دخل يغلق الباب خلفه اقترب منها لتضطرب حدقتيها خائفة من أن يضربها من جديد، وقف جاسر جوار الفراش ينظر لها في جفاء قاسي حاول إخفاء نبرة القلق من صوته حين قال:

- أنا كنت معدي من جنب اوضتك سمعتك بتصرخي في ايه!


حركت رأسها بالنفي مرة تليها أخري تنظر له بهلع نظرات لم تعرفها عينيها يوما خاصة وهي تنظر له جاسر أخيها الذي كان ولا يزال يعاملها كطفلة مدللة، باتت الآن ترتعد منه بالكاد همست:

- كااابوس!

زفر جاسر أنفاسه يشعر بالأسي يقتل قلبه لم تكن صبا يوما شقيقته بل ابنته الصغيرة الذي لم يحب أحد بقدرها، نظرة الذعر التي تنظر له بها تقتله، تنهد بحرقة يلويها ظهره سريعا يغمغم بصوت جاف مختنق:.


- انزلي يلا عشان تفطري، وزي ما قولتلك اللي حصل يتنسي واياكي بابا او ماما يحسوا بحاجة

دون حتي أن يسمع لها ردا ترك الغرفة يتوجه إلي الخارج ما أن امسك مقبض الباب سمعها تهمس باسمه بنبرة حزينة راجية، شد علي المقبض بيده يزفر أنفاسه بسرعة وعنف ليمسعها تتمتم هامسة بنبرة بكاء حارقة:.


- جاسر أنا آسفة سامحني، هو ضحك عليا، كنت فكراه يبحبني، هو قالي أنك هتفرح أوي، لما تعرف وهتوافق علي اننا نتجوز، أنا آسفة يا جاسر.


طحن اسنانه بعنف يشعر بغضب عارم يجتاح جسده الوغد عرف جيدا كيف يخدع شقيقه البريئة الساذجة، يشعر بروحه تقطر دما وهو يستمع لصوت نحيبها القاسي، اغمض عينيه يحاول أن يبني جدار من الجليد حول قلبه، ولكن نيران شهقات شقيقته اذابت الجليد القاسي، ترك مقبض الباب يتجه ناحيته سريعا في لحظات كان يجذبها إليه يخفيها بين ذراعيه يغزرها داخل روحه، بكت وتعالت شهقاتها، بينما هو فقط يمسح علي رأسها سمعها تهمس من بين شهقاتها العنيفة:.


- سامحني يا جاسر، أنا آسفة، والله ما كنت أعرف، أنا غبية، أنا آسفة، آسفة أوي

ظل يحرك رأسه بالإيجاب مع كل كلمة يقولها يسكت صوت عقله الغاضب يستمع لدقات قلبه الهادرة، شقيقته ليست سوي طفلة صغيرة، وهو إيضا يحمل جزءا من الخطأ نا كان يجب أن يسمح له بأن يأتي لهنا، أبعد شقيقته عنه يمسح وجهها بكفيه يبتسم في رفق يحادثها:

- خلاص يا صبا اللي حصل دا هننساه مش هنتكلم عنه ولا حتي نفتكره تاني ابداا.


ابتسمت في ضعف، صاحب نزول قطرات دموعها بلا توقف تحرك رأسها إيجابا سريعا تؤيد ما يقول، نظرت لوجهه نظرات مرتبكة بها أمل ضعيف متوتر تهمس له:

- يعني إنت خلاص سامحتني

ابتسم لها برفق ظل صامتا للحظات قبل أن يومأ برأسه إيجابا، رفع سبابته أمام وجهها يحادثها بلهجة حادة حازمة:.


- سامحتك عشان أنا عارف تربية أختي كويس، اللي حصل دا يعتبر درس ما تنهسيهوش عمرك كله، بس قسما بالله يا صبا، لو عرفت أنك بتكلمي واحد تاني من ورانا مش هيبقي في سماح، هيبقي في قتل علي طول، فاهمة

توسعت عينيها فزعا للحظات تحرك رأسها إيجابا بلا توقف هي ليست غبية لتقع في نفس الفخ مرة اخري، مد جاسر يده يمسح دموعها المراقة ابتسم يغمغم لها بترفق:.


-قومي يلا اغسلي وشك ويلا عشان نفطر، وزي ما قولتلك اللي حصل دا لا بابا ولا ماما ياخدوا خبر بيه

ابتسمت ابتسامة صغيرة شاحبة تحرك رأسها إيجابا، ليدني برأسه يقبل جبينها ربت علي وجنتها برفق ليتركها ويغادر الغرفة، قامت هي من مكانها تجاه المرحاض دخلت توصد الباب عليها وقفت أمام المرأه تنظر لانعاكس صورتها باشمئزاز واضح تحادث نفسها بقهر:.


- قد ايه كنتي عبيطة وغبية يا صبا، صدقتي أنه فعلا حبك، لولا جاسر وغيث كنت خلاص ضعت، ما فيش حاجة إسمها، مش هسمح لنفسي إني أحب اي حد تاني، اكيد هيبقي اذي زيه، مش هضيع ثقة جاسر تاني، ما فيش حاجة اسمها حب ابداا.


قالتها في نفسها بقوة لتفتح صنبور المياة تصفع وجهها بقطرات المياة بدلت ثيابها بأخري تضع حجاب رأسها لوجود غيث معهم بالأسفل، تحركت لأسفل تفكر، غيث حقا تمتن له لكل ما فعل، عليها أن تشكره، غيث انقذها من مستقبل مظلم، ما إن اقتربت من أسفل سمعت صوت شجار حاد بين جاسر وابيها، صدح صوت جاسر يصيح حانقا:

- أنا عايز أعرف احنا هنسيب الحية دي في البيت لحد امتي، ما تغور في ستين في داهية

رد والدها بهدوء رزين حاد:.


- صوتك ما يعلاش قدامي، وشاهيناز مش هتخرج من البيت دا وهي في حالتها دي، دي حامل وحالتها خطيرة، بدل ما انت واقف تزعق كدة روح دور علي مراتك...

حين نزلت إلي أسفل رأت جاسر يقف أمام طاولة الطعام ينظر لوالدهم نظرات تملئها الغضب والألم حرك رأسه إيجابا يشير بسبابته للطابق العلوي:

- عندك حق أنا هروح أدور علي مراتي، بس لو الحية اللي فوق دي اذت حد هيبقي ذنبه في رقبتك أنت، سلام يا رشيد بيه.


قالها ليتوجه الي أعلي سريعا نظر رشيد في أثره تنهد يلقي المعلقة الفارغة يتمتم حانقا:

- غبي وهيفضل طول عمره غبي، أنا رايح المستشفى سلام

غادر رشيد نظرت صبا لوالدته لتري دمعات حزينة تقطر من مقلتيها اقتربت صبا من تحاول التخفيف عنها ربتت بيدها برفق علي يد والدتها تهمس لها في مرح باهت:

- مالك بس يا ماما يعني هي دي اول مرة بابا وجاسر يتخانقوا.


وضعت شروق صحن الطعام من يدها علي سطح الطاولة تنهدت بحرقة رفعت يدها تزيل دموعها الحزينة تهمس لابنتها:

- لاء مش اول بس جاسر عنده حق خايف من وجود البت دي وسطينا، وابوكي بردوا عنده حق دي حالتها تصعب علي الكافر، وسهيلة قلبي واكلني عليها اوي، يارب تعدي الفترة علي خير بقي

صمتت للحظات تنظر لابنتها تحاول رسم ابتسامة بسيطة علي شفتيها تهمس لها بحنو:.


- قعدي يا حبيبتي افطري يلا عشان تشوفي مذاكراتك، أنا هدخل اعمل الغدا

تحركت شروق ناحية المطبخ بينما وقفت صبا للحظات تنظر للطاولة الممتلئة لم يكن لها الشهية حقا ولو للقمة واحدة زفرت أنفاسها لتتوجه الي الحديقة جلست للحظات علي أحد المقاعد تنظر للفراغ في شرود طوووويل، شرود لم يقطعه سوي حركة غيث حين خرج من المنزل يجذب خلفه حقيبة سفره يتوجه إلي سيارة جاسر، نظرت له للحظات مرتبكة لتصيح باسمه فجاءة:

- غيث!


التفت لها يرسم ابتسامة صغيرة علي شفتيه ازاح نظراته الشمسية ينظر لها مستفهما، للتنهد هي متوترة، اقتربت منه تقف علي بعد مسافة صغيرة منه تتهرب بمقلتيها بعيدا عن عينيه تشعر بدقات قلبها تتقافز تشعر بالحرج الشديد منه، زفرت اخيرا تهمس له مرتبكة:

- شكرا يا غيث بجد شكرا لكل حاجة عملتها عشاني

طرقع غيث بأصبعيه لتنظر هي له ضحك بخفة يغمغم في مرح:

- طب اللي بيشكر حد مش بيصله علي الاقل.


صمت للحظات ليعاود الحديث من جديد بنبرة هادئة:

- مالوش داعي الشكر يا صبا انتي زي جوري بالظبط، لما سمعت كلامك مع مراد صدفة وأنا بكلمك تخيلت جوري مكانك، وقد ايه الموقف هيبقي صعب لو ما حدش اتدخل، وانقذ براءة طفلة

ابتسمت له في حرج تومأ برأسها إيجابا اخفضت رأسها أرضا تهمس له بخفوت:

- شكرا مرة تانية وأنا بجد آسفة لو كنت اتكلمت معاك بطريقة سخيفة قبل كدة، عن إذنك.


قالتها لتستدير وتغادر المكان بأكمله سريعا إلي الداخل وقف هو ينظر لمكان وقوفها الفارغ تنهد يبتسم يآسا يتمتم مع نفسه:

- صغيرة اوي يا صبا، يمكن بعد سنين نتجمع تاني!

دقائق وخرج جاسر من الداخل يحمل حقيبة سفر صغيرة هو الآخر توجه ناحية غيث يسأله:

- بردوا مصمم تسافر

حرك غيث رأسه إيجابا يبتسم في هدوء مردفا:

- ايوة، أنا خلاص خلصت مهمتي، وبعدين ماما بتتصل حوالي خمسين مرة في اليوم، بتسأل هرجع امتي...


ابتسم جاسر له ممتنا يربت علي كتفه ليتحرك الرجلين ناحية سيارة الأخير، بينما تقف صبا في شرفة غرفتها تراقب ما يحدث تبتسم في حزن لن يزول قريبا!


في شقة حسام الخاوية من اي حياة الا منه هو، حتي هو الآخر جسد خالي من الحياة نائم كالميت لا يرغب في الاستيقاظ من جديد فتح عينيه فجاءة يشهق يأخذ نفس عميق ينظم به أنفاسه الغارقة بين أمواج كوابيس لن تنتهي، نظر حوله ما أن فتح عينيه يقطب جبينه أين هو، لحظات وبدأ يعي كل شئ لم يكن حلما بشعا كما يحدث له بل حقيقة أبشع مما قد يتحملها، حبيبته تزوجت بآخر الفكرة نفسها تقتله تمزق لحمه حي، كيف تفعل به ذلك، كيف تكن بتلك القسوة، فيما أخطأ بحبه لها، شعر بحرارة جسده تلتهب، تحرك من مكانه يشعر بدوار عنيف يحطم رأسه، مشي للخارج يستند علي الحائط يهمس باسم صديقه:.


- حسام، حسام أنت فين، حسام.


خرج لصالة المنزل الفارغة، لا أحد المكان هادئ كالقبر، تحرك ينتفس بصعوبة ارتمي بجسده علي اول مقعد قريب منه يعود برأسه للخلف يغمض عينيه، الألم يأكل وجهه، غام عقله تحت غيمات الماضي البعيدة يتذكر كل شئ كل ما حدث له، حياته تمر كشريط سريع تتسابق مع أنفاسه السريعة الهاجئة، صورتها تضئ مع كل ذكري في حياته شد علي أسنانه بعنف جسده يرتجف، والألم يتحول لغضب قاسي يجلد جسده، فتح عينيه الحمراء فجاءة يلهث استند بمرفقيه إلي فخذيه يخفي وجهه بين كفيه يتنفس بعنف يهذئ بجنون:.


- اتجوزته، خلاص اتجوزته، بقت مراته، لمسها، هتحمل منه، يعني خلاص بقت ليه هو، اتجوزته.


صرخة من نار خرجت من بين شفتيه تعبر عن جزء صغير من جسده المحترق، تحرك من مكانه الي المرحاض يرمي رأسه تحت صنبور المياة لمدة طويلة لم يحسبها ابدا، يود لو يصمد رأسه بالحائط، علها تخرج منه تبتعد عن رأسه ولو للحظات، تحرك للخارج من جديد بعد مدة طويلة، امسك هاتفه يود الاتصال برقم حسام ليعلم أين هو، امسكه ليجد يرن برقم انجليكا، تنهد متعبا ارتمي بجسده علي المقعد فتح الخط تنهد يهمس تعبا:

- ايوة يا انجليكا.


سمع صوتها من الاتجاه الآخر تحادثه بتلهف:

- زيدان إنت فين، أنت وهشت أنا كتير زيدان، تآلا

ارتسمت ابتسامة حزينة علي شفتيه تنهد يحادثها ساخرا:

- انجليكا ارجعي بلدك شوفي حياتك صدقيني أنا لا أصلح للحب

لم تصمت لحظة بل تلهفت تقول بشوق حالم:

- نو زيدان مش تقول كدة، - you are handsome, daring, brave man، you stole my heart at first sight, zedan.


ارتسمت ابتسامة تهكمية ساخرة علي شفتيه اعتدل في جلسته يحادثها بقسوة علها تستفيق:

قلبك دا غبي عشان حب واحد زيي قلبه ملعون بُحب واحدة تانية، حب استنزفه لحد ما بقي فاضي خاوي من اي مشاعر، أنا عارف أنك مش هتفهمي نص كلامي، بس اللي عايزك تفهيمه كويس، أنك بتحبي شخص ميت...

ظلت صامتة للحظات بينما هو ينتفس بعنف قلبه يحرقه توسعت عينيه في دهشة حينما سمعها تهمس له بنبرة رقيقة حانية:.


- but you are still alive and I will still love you forever، في يوم قلب هيدق آشاني زيدان، باي.


اغلقت معه الخط ليعود هو لحاله من جديد يبتسم ساخرا علي حاله، لينا القت به بعيدا وتزوجت بآخر بدم بارد دون أن يرتف لها جفن وهو يرفض عشق تلك الفتاة بكل السبل، كم هو أحمق مغفل كبير مثير للشفقة، يستحق ما يحدث له، تنهد يمسح وجهه بكف يده حين دق هاتفه من جديد تلك المرة برقم خالد، فتح الخط يضع الهاتف علي أذنه قبل أن ينطق بحرف، توسعت عينيه فزعا هب من مكانه يصيح مذعورا:

- أنا جاي حالا!


في شقة معاذ، جلست لينا علي الأريكة في غرفة المعيشة أمامها طاولة سطحها من الزجاج تضع عليها كتب الجامعة فتحت أحد الكتب لتبدأ المذاكرة ولكن بدلا من أن تقرأ الحروف اخذتها ذاكرتها لذكري بعيدة حين كانت في المرحلة الثانوية.


Flash back

نزلت من غرفتها حين سمعت صوت والدتها يصدح باسمها للعشاء وضعت الكتب من يدها زفرت قلقة غدا اولي امتحاناتها الثانوية، نزلت لأسفل ما أن جلست علي مقعدها علي الطاولة دق جرس الباب توجهت الخادمة لتفتح لحظات وظهر زيدان عند باب غرفة الطعام صاحت لينا والدتها باسمه فرحة لتهرول ناحيته تعانقه تبكي تحادثه بتلهف:.


- زيدان، يا حبيبي حمد لله علي السلامة أنا كنت هموت من الخوف عليك، الحمد لله يا رب أنك رجعت بالسلامة

رأته وهو يبتسم لوالدته يقبل يديها وجبينها، تحرك والدها ناحيتهم يجذبه بعيدا عن والدتها يحادثهم ساخرا:

- ما هو زي البغل قدامك اهو، اترزع ياض كل

جلس زيدان جوار والدتها مقابل لها، يبتسم ابتسامة واسعة سعيدة ينظر لقسمات وجهها أشتاق لها حد الجنون لم يمنع لسانه من أن يسألها قلقا:.


- عاملة ايه يا لينا، بكرة اول امتحانات الثانوية مش عايزك تخافي أنا واثق أنك هتحلي كويس، لو محتاجة اي مساعدة أنا اقدر

وقفت عن مقعدها في تلك اللحظات ترميه بنظرات غاضبة حادة كارهة لتصيح بغيظ:

- مالكش دعوة أنت أنا عاملة ايه، ومش عايزة منك مساعدة في اي حاجة...

هتف خالد محتدا باسم ابنته:

- لينااااا

نظرت للجميع حانقة في غيظ، لتتحرك لأعلي، انهي الجميع عشائهم، توجه خالد لمكتبه ولينا لأعلي تجهز غرفة زيدان بينما.


تهاوي علي الاريكة يخفي وجهه بين كفيه يغمض عينيه ، يفكر فيها، هل يفكر في غيرها اصلا ليل نهار هي بطلة افكاره، رفع وجهه حينما شعر بحركة حوله ليجدها تنزل بخفة علي سلم البيت الضخم شعرها البني الطويل يتهادي خلفها برفق.


راقبها بشغف وهي تنزل ليجدها تتجه ناحية المطبخ، لم يشعر بقدميه الا وهو يتحرك ناحيتها يمشي ناحيتها، وجدها تخرج زجاجة مياه تحتسي القليل منها ومن ثم تركتها، التفتت لتخرج لتجده يقف أمامها يحاول الابتسام لتنظر له ببرود عقدت ذراعيها تهتف بضيق:

- خير عاوز ايه

نظر حوله بحيرة يحاول إيجاد شئ يخرجه من ذلك المأزق ماذا يقول لها، اريد دائما ان ارائكي هتف سريعا:

- ااا، آه أنا جعان

رفعت كتفيها بلامبلاة تتمتم ساخرة:.


- طب ما تأكل وأنا مالي

حك شعره بحرج كالمراهقين ليبتسم بهدوء: ما بحبش آكل لوحدى ممكن تاكلي معاي

تحركت لتخرج من المطبخ دون أن تعيره انتباها تتمتم في جفاء:

- لاء عن اذنك عشان عندي إمتحان الصبح

هتف سريعا يوقفها قبل أن تغادر:

- انا كنت هطلب بيتزا لو بتحبيها

اكملت طريقها ببرود دون ان تعيره انتباها ليلحق بها سريعا امسك رسغ يدها برفق لتلتفت له تنظر له في هلع ممتزج بغضب تهمس بنبرة مرتجفة:

- سيب ايدي.


أبعد يده سريعا يرفع كفيه باستسلام يغمغم سريعا بتلهف:

- اهو سيبتها، طب ايه رايك اراجعلك المادة بتاعت بكرة، أنا ذاكرتهالك قبل كدة كتير يا لينا وكنتي بتقفلي فيها

ضيقت عينيها بضيق مستغل بالفعل المادة التي ستمتحنها غدا صعبة للغاية وهو أيضا محق، طريقة شرحه سلسلة بشكل يجعل المعلومات تتقافز لعقلها دون مجهود يذكر، هزت رأسها علي مضض:

- هروح أجيب كتبي

توسعت ابتسامته يهز رأسه إيجابا.


ذهبت لينا لاحضار الكتب بينما امسك زيدان هاتفه واتصل بأحد المطاعم يطلب الطعام جلس ينتظرها علي نيران قلبه، لتنزل بعد قليل تحتضن كتبها نظرت ناحية مكتب والدها تتأكد أنه بالداخل تنهدت بارتياح لتتوجه إليه.


جلست على الأريكة التي امام التلفاز ووضعت كتبها علي المنضدة الرخامية العريضة ليجلس جوارها، نظرت له بغضب لتمسك احدي وسائد الاريكة الكبيرة تضعها فاصل بينهما، ابتسم حزينا ليلتقط احد كتبها ومن ثم بدأ يشرح لها تلك المادة بسهولة ويسر كما اعتاد أن يفعل، اجفلت علي صوت دقات علي باب المنزل بينما قام هو، غاب لدقائق ليعود ومعه علبتي من الطعام:

-الاكل

اشاحت بوجهها في الاتجاه الآخر تتمتم بخواء:

- مش جعانة.


، توجه يجلس جوارها قابل ابتسامتها الباردة بابتسامة دافئة يفتح علبة الطعام الخاصة به يأكل باستمتاع:

- لاء بجد لذيذة جدا

زفرت بضيق تنظر له بحنق تبلع لعابها فهي أيضا جائعة التقطت كتبها تهتف بضيق:

- انا طالعة أوضتي

اوقفها يتمتم سريعا بتلهف:

- استني بس لسه ما خلصتش شرح

زمت شفتيها بضيق تزفر حانقة:

-هتشرح ولا هتاكل

ابتسم يرفع تلابيب ملابسه بزهو يتمتم ضاحكا:

-الاتنين دا أنا زيدان الحديدي.


ابتسمت ساخرة علي غروره المبالغ فيه، بدأ يشرح قليلا ويأكل قطعة يهتف بخبث يعرف انها جائعة طبقها كان كاملا حين قامت من العشاء:

- لا حقيقي طعمها تحفة المطعم دا هايل بفكر اشتريه

نظرت له بغيظ معدتها تموء جوعا خاصة مع تلك الرائحة الشهية:

- لو سمحت ركز في الشرح

اؤمأ برأسه إيجابا يدفع اليها احدي العلب يتمتم مبتسما:

- حاضر بس بجد البيتزا تحفة وهي سخنة حرام اسيبها تبرد.


اغلق الكتاب الذي امامها يضعه جانبا ليفتح علبة الطعام الاخري يبتسم بحنان:

- يلا كلي

اشاحت بوجهها بعيدا تكتف بذراعيها أمام صدرها تتمتم ببرود:

- لاء!

امسك كف يدها برفق يتمتم بحنو:

- عشان خاطري كلي أنتي عندك امتحان بكرة

قزف قلبها هلعا ما أن لامس كفه يدها، انتفض سريعل تنزع يدها من يده بعنف لتهب واقفة امامه تصرخ بقسوة ممتزجة بذعر:

- أنت مالكش خاطر عندي يا زيدان أنت فاهم انت أكتر واحد أنا بكرهه في الدنيا دي!


Back.


عادت من شرودها الطويل علي دمعات حزينة تساقطت من مقلتيها، هل كانت حقا قاسية أم هو السبب في ذلك، في تلك الفترة كانت تخاف النوم ليلا بسبب ما كاد يفعله بها، كاد أن يغتصبها قديما، وحين فشل نجح الآن، تشعر بالحيرة تمزقها لما تشتاق إليه الآن، لما فقط ترغب في رؤيته بأي شكل، هي من أخبرته مرارا وتكرارا انها لم تحبه لن تسامحه إذا لما قلبه يطرق باسمه فكل لحظة مسحت وجهها بكفيها، لتنتفض فزعة حين شعرت بأحد ما يجلس جوارها فجاءة شهقت فجاءة حين رأته معاذ نظرت له بغيظ تتمتم حانقة:.


- جري ايه يا معاذ أنت كل شوية تخضني

ابتسم في مرح يضع صينية عليها كوب حليب بالشوكولاتة وبضع قطع كعك علي الطاولة أمامها جلس جوارها يتمتم مبتسما:

- ما كنش قصدي والله أنا بس قولت اجبلك حاجة تاكليها وانتي بتذاكري، تحبي اساعدك في حاجة

حركت رأسها نفيا تنهدت تحاول أن ترسم ابتسامة مجاملة علي شفتيها تتمتم:

- شكرا يا معاذ أنا بعرف اذاكر مع نفسي.


ابتسم لها يحرك رأسه إيجابا جلس جوارها يراقبها عن كثب وهي تحرك اوراق الكتاب أمامها ينظر لوجهها عينيها يتحرك بمقلتيه علي قسمات وجهها المتوترة كما يري، ارتسمت ابتسامة لطيفة علي شفتيه مد يده يبسطها علي وجنتها لتنتفض كمن لدغها عقرب تنظر له فزعا لتري ابتسامته التي لم تتغير مد يده يزيح خصلات شعرها التي تغطي غرة وجهها الجميل ابتسم لها يغمغم بولة:

- انتي جميلة اوي يا لينا بجد جميلة بشكل مبالغ فيه.


ابتسمت ابتسامة مرتعشة دقات قلبها تتقافز مع حركة عينيه النهمة علي قسمات وجهها حاولت استجماع جزء من شجاعتها الواهية تحادثه بحدة:

- في ايه يا معاذ، أنت بتبصلي كدة

- أنت مراتي ولا ناسية

هتف بها محتدا من طريقتها لتتوسع مقلتيها في هلع، قامت سريعا من جواره تنظر له مذعورة، لالالا ليس من الممكن أن تُغتصب مرة أخري علي يد زوجها، حركت رأسها نفيا مرة بعد أخري قبل أن تصيح فيه غاضبة:

- زيدان أنت وعدتني!


توسعت عينيها هلعا حين نطقت اسم زيدان لتضع كفيها فوق فمها، زادت حدقتيها اتساعا ما الذي تفوهت به للتو، ازداد نابضها ذعرا وهي تري حدقتيه تسود من شدة غضبه، تحرك من مكانه علي الأريكة يقترب منها كوحش ضاري رأي فريسة سهلة المنال، في لمحة رأته يقف أمامها يغرز أصابعه في ذراعيها يهزها بعنف مخيف يصرخ فيها:

- زيداااان تااااني، انتي مراتي دلوقتي لا تجيبي اسمه ولا حتي تفكري فيه، انتي فاهمة.


انهمرت دموعها ارتجف جسدها بعنف تنظر به مذعورة شعورها بالخوف يقتلها ارتجفت حدقتيها بالكاد انبثقت الأحرف من بين شفتيها:

- ااا، أنت بتعمل كدة ليه..

تعالت ضحكاته المخيفة ينظر لها نظرة سوداء قاتمة لم تعهدها منه قبلا، ليحاوط جسدها بذراعيه توسعت ابتسامته المجنونة يهمس لها بجنون مخيف:.


- صغيرة، حلوة، حلوة اوي، ما تعرفيش أنا دفعت قد ايه عشان اخدك، هو كان عايزك ليه، بس ما كنش ينفعش اسيبك، دخلتي دماغي من اول مرة شوفتك فيها، دفعت كتير اااه، بس انتي تستاهلي

توسعت عينيها ذعرا أكان هو، هو الذي تحلم به، شخصت عينيها يكاد قلبها يخرج من مكانه بينما تعالت ضحكاته الشيطانية العالية!تبع

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني والتسعون


توسعت عينيها ذعرا أكان هو، هو الذي تحلم به، شخصت عينيها يكاد قلبها يخرج من مكانه بينما تعالت ضحكاته الشيطانية العالية يقبض بأصابع كالمخالب علي علي ذراعيها عينيه مخيفة وكأنه شيطان تلبسه، تسارعت طبول قلبها تعلن حرب الخوف حين مال برأسه ناحيتها يهمس لها بفحيح شيطاني مخيف:

- اللي خده زيدان من حقي أنا، من حقي قبله.


لم تسطير علي شهقاتها الفزعة مستحيل بالطبع حلم بل كابوس بشع مخيف، ماذا يحدث ليس بحقيقي اطلاقا بل هو أبشع من خيال مريض نفسي في حجرة العزل، انهمرت دموعها تغرق وجهها تحرك رأسها نفيا بجنون هل كتب عليها أن تُغتصب مرتين، لا لا أبدا لن تتذوق تلك المرارة مرة اخري، لمحت مقلتيها المضطربة بجنون سكين كبيرة علي سطح الطاولة لا تعرف حتي من أحضرها، نظرت لمعاذ الذي يبتسم كذئب خبيث ابتسامة مرعبة مخيفة، في لمحة استجمعت ما تبقي من روحها لتدفع معاذ بعنف بعيدا عنها، وبالاحري يبتسم ساخرا يلهو بها كالقط حين يلهو بالفأر الصغير قبل أن يلتهمه، اندفعت لينا ناحية الطاولة تمسك السكين التفتت في لحظة ناحية معاذ ترفع يدها المرتجفة القابضة علي سطح السكين، تنظر لمعاذ حدقتيها تتحركان بجنون دموعها لا تتوقف جسدها يرتجف بعنف صرخت بجنون وهي تشهر السكين ناحيته:.


- هقتلك لو قربت مني هقتلك، هقتلك

تعالت ضحكات معاذ المخيفة الشرسة، اقترب ناحيتها يفتح ذراعيه علي اتساعهما يقول في شراسة ساخرة:

- اقتلني يا حبيبتي، اقتليني يلا قبل ما اقتلك أنا.


شهقت بعنف تنظر له في هلع ليس ذلك هو معاذ من أحبت وتزوجت من كان دوما يساندها في كل خطوة هو من يريد قتل روحها الآن، تحركت قدميها للخلف وهي تراه يقترب أكثر وأكثر ضحكاته تملئ المكان، نظراته المخيفة تجردها من كل شئ، اقترب أكثر ونظراته تزداد وحشية، هي تعود للخلف أكثر وأكثر الى أن سقطت علي الأريكة رغما عنها شهقت بذعر في حين ضحك هو ضحكة شرسة حين انقض عليها كفهد جائع انغرز نصل السكين في صدره لتتوسع عينيه للحظات في ألم قبل أن يغمض عينيه للأبد ويغرق دمه وجهها، صرخت وصرخت وصرخت، قاطع صرخاتها، صياح آخر، صياح قلق خائف باسمها، وملمس بارد يصفع وجهها، شهقت بعنف تسعل بقوة، في لحظات تبدلت الصورة لا تزال جالسة علي الأريكة مكانها، معاذ يجلس علي ركبتيه علي الأريكة جوارها يمسك بكوب ماء يرش منه علي وجهها سعلت بعنف هبت من مكانها تنظر حولها نظرات ضائعة منهار بالكاد تتنفس سقطت أرضا بعيدا عن الأريكة تلهث بعنف، تنظر له فزعة بينما ينظر هو لها قلقا، تحرك من مكانه سريعا ناحيتها جلس علي ركبيته أمامها يسألها فزعا:.


- لينا حرام عليكي ردي عليا ما تعمليش فيا كدة

نظرت له نظرات متوجسة ضمت ساقيها لصدرها تحاوطهم بذراعيها تنظر له مذعورة، ماذا حدث لها، ألم تقتله قبل لحظات أين السكين أين الدماء ماذا حدث، ملئت الدموع مقلتيها بالكاد خرج صوتها الضعيف تسأله مذعورة:

- هو اييه اللي حصل

ظل ينظر لها للحظات نظرات حزينة متألمة تنهد حزينا قبل أن يهمس لها برفق:.


- لينا أنتي، ااانتي، بدأ يجيلك هلاوس، أنا كنت جايبلك عصير لقيتك فجاءة بتصرخي وبتتصرفي تصرفات غريبة، وعمالة تصرخي وتعيطي...

شخصت عينيها في ذهول ممتزج بفزع هل جنت، باتت تري هلاوس غير موجودة من الأساس، شردت عينيها في فراغ روحها المتعبة تسمع صوت معاذ يأتيها من بعيد يحاول التخفيف عنها:

- لينا اهدي وما تتوتريش، احنا هنروح لدكتور نفسي، انتي هتبقي كويسة، عشان خاطري اهدي.


انهمرت دموعها تغرق وجهها رفعت كفيها تغطي وجهها تبكي بحرقة، اقترب معاذ يحاول عناقها لتدفعه بعيدا عنها قامت من مكانها تهرول الي غرفتها دخلت توصد الباب عليها بالمفتاح جلست خلف الباب المغلق تضم ساقيها إليها تبكي بانهيار، تسمع طرقات معاذ السريعة المذعورة علي باب الغرفة يصيح قلقا:

- لينا، لينا، لينا افتحيلي الباب يا حبيبتي، لينا عشان خاطري ما تعمليش في نفسك كدة، لينا ردي عليا يا لينا.


اسندت رأسها إلي الباب المغلق تنساب دموعها في صمت وابتسامة ساخرة ممزقة تؤتسم علي شفتيها، جُنت، وربما هي في طريقها للجنون، باتت تري هلاوس لا وجود لها من الأساس، صوت رنين هاتفها انتشلها من حالتها تلك تحركت تجر جسدها ناحية فراشها لتبصر اسم والدتها علي سطح الشاشة، فتحت الخط تضع الهاتف علي اذنها، توسعت عينيها في ذهول مع كل كلمة تخرج من فم والدتها الي أن انتهت لتتمتم لينا بذهول:

- حاضر هاجي!


مرت عدة ساعات هنا في منزل خالد السويسي.


« صوان » عزاء كبير في الحديقة مقاعد كثيرة تتراص جوار بعضها البعض، وعند المقدمة يجلس شيخ وقور بجبة وقفطان يجلس علي مقعد مرتفع أمام مكبر صوت يصدح بصوته العذب بآيات القرآن الكريم، والخدم يتحركون هنا وهناك يحملوا اكواب من مشروب القهوة، يقف عند بداية « الصوان » خالد وزيدان وبينهما حسام الذي بالكاد يقف علي ساقيه، يحاول مسح دموعه التي تهرب من أسر مقلتيه قلبه يحترق، جسده لم يعد يقوي علي الصمود لا يرغب في تلك اللحظات سوي أن ينهار أرضا يبكي بلا توقف، شعر بأصابع تشد علي كتفه نظر للفاعل ليجد والده ينظر له نظرات حزينة عميقة، يحاول تشجيعه علي الصمود، وقف خالد جوار طفله قلبه يتمزق حزنا عليه، يعرف حسام كان يحب والدته للغاية، اغمض عينيه حزينا نادما، يتمني فقط لو كان ما فعله يغفر له ذنب قديم، لحظات وتوقفت سيارة عمر في حديقة منزل خالد نزل عمر ومعه سارة وتالا، أمسكت تالا يد ابنتها تتحرك لداخل المنزل بينما توجه عمر إليهم، اقترب منهم وقف أمام خالد يصافحه يهمس له بصوت خفيض حزين:.


- البقاء لله يا خالد

حرك خالد رأسه إيجابا يصافح أخيه يهمس له باختناق:

- ونعم بالله، خش يا عمر

تحرك عمر يتوجه ناحية حسام الواقف جوار اخيه مد يده يربت علي كتفه يهمس له بحنو:

- شد حيلك يا حسام

حرك الأخير رأسه إيجابا بخواء تام دون أن يوجه نظرة واحدة للواقف أمامه، تحرك عمر لداخل الصوان بعد أن صافح زيدان يجلس علي أحد المقاعد، لحظات وجاء حمزة جلس جوار عمر، مال حمزة علي أخيه يهمس له محتدا:.


- اهلا بالبيه اللي ما بنشفهوش غير في المناسبات، مكبر دماغك أنت من كل حاجة يا عمر

ابتلع عمر لعابه مرتبكا صحيح أنه يعتبر بعيد للغاية عن اخويه تقريبا لا يشاركهما في شء ولكن ذلك لم ينتج من فراغ تنهد عمر غاضبا مال علي إذن حمزة يهمس له متضايقا:.


- ما تجيش تعاتب دلوقتي يا حمزة من سنين وخالد الاول وبعدين إنت وهو شايفني الصغير كل ما كنت احاول اساعد او اشارك في اي حاجة تقولولي خليك في بيتك ومراتك احنا عارفين احنا بنعمل إيه، انتوا اللي عودتوني علي كدة

تنحنح حمزة في حرج عمر محق دائما ما كانوا يروا أن عمر شقيقهم الصغير الطائش، ربما ذلك ما جعله بعيدا عنهم الآن بذلك القدر الكبير، تنهد حمزة متعبا رفع يده يربت علي كتف شقيقه يهمس له:.


- خلاص يا سيدي ما تزعلش اوي كدة

ارتسمت ابتسامة صغيرة علي شفتي عمر يحرك رأسه إيجابا تنهد يهمس لأخيه بخفوت حذر:

- مش زعلان يا حمزة، أنا بس بفهمك، المهم دلوقتي أنت فهمني، هو ازاي خالد يعمل عزا مراته التانية في بيت مراته الاولانية، لاء وكمان عرفت أنها اتدفنت في مقابر العيلة.


رفع حمزة كتفيه لأعلي دلالة منه علي أنه لا يعلم هو حقا لا يعلم كل ما تلاقه هو اتصال من خالد يخبره بأن يأتي للعزاء غير ذلك هو لا يعلم اي شئ، ولكن الارجح خالد يفعل ذلك لأجل حسام.


في داخل المنزل، القليل من السيدات بينهم لينا بالطبع يجلسون علي مقاعد متراصة في داخل المنزل يصدح صوت القرآن من أحد اجهزة الكمبيوتر الحديثة، وبعض الخادمات يتحركن باكواب القهوة، تحركت تالا زوجة عمر تجلس علي الأريكة جوار لينا مالت عليها تهمس له بذهول:

- والله كنت فاكرة عمر بيهزر لما قالي أن خالد عامل عزا مراته التانية هنا في بيته، انتي ازاي توافقي بحاجة زي دي اصلا!


تنهدت لينا متعبة اليوم حقا كان شاقا علي جميع الجوانب يكفي انهيار حسام وبكائه الذي فتت قلبها، التفتت برأسها ناحية تالا تطالعه بنظرة هادئة متعبة تهمس لها بخواء مثقل:

- خالد طلق شهد قبل ما تموت يا تالا، وبعدين دي واحدة ماتت خلاص، هتخانق وارفض نعمل عزا واحدة ماتت!، لا يا تالا أنا مستحيل اعمل كدة...


تنهدت تالا في ضيق تنظر للينا يآسة كم هي طيبة القلب بشكل مبالغ فيه، عادت مكانها من جديد في صمت جوار ابنتها سارة التي تجلس صامتة من الخارج وعقلها يصرخ من كثرة ما به من افكار حزينة مبعثرة، حسام في اللحظات القليلة التي لمحته عينيها رأت ما جعل قلبها ينفطر كم يبدو حزينا متألما يتعذب، يقف في ثبات واهي علي وشك السقوط أرضا تشعر بحزنه العميق، تنهدت حزينة علي حاله، كم تمنت في تلك اللحظة أنها كانت حقا زوجته لتخفف عنه كما تفعل سارين مع عثمان، تنهدت حزينة تدعو له بصوت خفيض هامس أن يرزقه الله الصبر علي فراق والدته...


في الخارج وقفت سيارة معاذ في حديقة المنزل، نزل منها هو أولا، ليتابع ذلك الواقف هناك علي مرمي بصره يراه وهو يتحرك لجانب السيارة الآخر يفتح الباب، تسارعت دقات قلبه ألم بشع يحرق روحه وهو يراها تنزل من سيارة زوجها!، الذي كان هو يوما، نزلت هي ليكن هو أول من وقعت عينيها عليه للحظات فقط التقطت نظراتهم ليشيح هو بوجهه بعيدا عنها رؤيتها باتت تؤلمه وقلبه لم يعد يتحمل مزيدا من الألم، تحركت لينا إلي داخل المنزل ليتقدم هو ناحية الرجال، صافح خالد ليرد الأخير مصافحته بجفاء واضح، وحسام عقله بعيدا عن هنا فقط يحرك يده بخواء، تحرك معاذ ناحية زيدان وقف امامه ينظر لعينيه مباشرة، تصادمت نظرات كل منهما، نظرة انتصار وشماتة من معاذ كأنه يخبره أنظر من انتصر في النهاية، ونظرات قاتلة نارية من ناحية زيدان، رفع معاذ يده ليصافح زيدان يحادثه بهدوء تام:.


- شد حيلك

ارتسمت ابتسامة سوداء علي شفتي زيدان ليمد يده هو الآخر يصافح معاذ يرد بهدوء ساخر:

- أنت ايه اللي جايبك هنا عزا الستات جوا!

احمرت عيني معاذ في غضب قاتل نزع يده بعنف من يد زيدان يرميه بنظرات حاقدة يكاد ينفجر من تلك الكلمات التي القاها زيدان توا تحرك للداخل يرتمي بجسده علي أحد المقاعد يتوعد لزيدان بالكثير.


مرت ربع ساعة تقريبا، قبل أن تقف سيارة اجري امام منزل خالد نزلت تلك الفتاة منها تعطي للسائق نقوده، تحركت للداخل رآها الحرس من قبل بصحبة زيدان فسمحوا لها بالدخول، توسعت عيني زيدان في دهشة حين رآها ها هي هناك تقف أمامه في منزل خاله، لما جائت، تركهم يتوجه ناحيته بخطي سريعة وقف أمامها يسألها محتدا:

- انتي ايه اللي جابك هنا

لمعت عينيها ببريق مشتاق لرؤيته ابتسمت تهمس له بتلهف:.


- مش أنت قولت أنك هتروح بيت هالك عشان في هد مات، أنا هوفت آليك كتير، آشان كدة جيت اشوفك

تنهد زيدان في غيظ يمسح وجهه بكفيه ليته لم يخبرها أنه هنا في بيت خاله، كان يحاول التخلص من الحاحها لمقابلته فأخبرها بأن عليه الذهاب لبيت خاله لوجود حالة وفاة لديهم، ظن بأنه كذلك تخلص منها، لتأتي هي إليه!، عاد ينظر إليها يتنهد يآسا يهمس لها:

- تعالي ورايا تدخلي عند الستات جوا وما تخرجيش غير لما اجيلك.


تحرك ناحية الداخل وهي تسير خلفه سريعا تحاول اللحاق به، وقف عند باب غرفة السيدات من الخارج حمحم بصوت عالي ليجذب انتباه لينا والدته، ولكنه جذب انتباه لينا أخري معها، تحرك لينا الشريف ناحية الخارج بينما شبت ابنتها برأسها تحاول اختلاس النظر لتعرف ما يحدث بالخارج اشتعل قلبها حين رأت تلك الشقراء تقف جوار زيدان سمعت بعض الكلمات التي يقولها لوالدتها وفهمت أنه يوصيها عليها، تحرك هو للخارج بينما ابتسمت لينا بشحوب واضح للفتاة، تحركت بصحبتها تجلسها علي أحد المقاعد، جلست انجليكا مرتبكة تنظر حولها لتلاحظ الكثير من الأعين التي ترمقها بنظرات فضولية مترقبة عدا عينين فقط كانتا ينظران لها نظرات سوداء غاضبة، نظرت انجليكا للينا تبتسم في هدوء لتقابلها الأخيرة بابتسامة شرسة لولا ما يحدث الآن لكانت انقضت عليها ترغب تمزق وجهها باظافرها.


مرت ساعة ويزيد تقريبا حين انتهي الشيخ من القراءة، وبدأ الجمع يرحل والثلاث رجال يقفون مكانهم يتلقون التعازي، عانق عمر خالد يربت علي كتفه ليبتسم الأخير بخواء، خرجت تالا بصحبة ابنتها الي الخارج حين وصلتها رسالة عمر بأن عليهم الرحيل الآن، تحركت بصحبة والدتها لسيارة أبيها عينيها تبحث عنه، تريد فقط أن تراه قبل أن تغادر وقد كان رأته، لأول مرة تراه يبكي كان هناك خطي من الدموع تمردا علي ثباته الزائف من الأساس، ادمعت عينيها حزنا علي حالته، في لحظة غير مقصودة ابدا تلاقت عينيه بعينيها، نظرت له تواسيه بعينيها بينما اغمض هو عينيه في ألم وكانت النظرة الأخيرة قبل أن تسمع صوت والدتها يصيح تطلب منها دخول السيارة، رحل الجميع ولم يبقي سوي اهل البيت، أمسك خالد بيد حسام يجذبه معه للداخل وزيدان خلفهم، جلس الجميع في صالون المنزل الكبير، في صمت مخيف لا أحد ينطق بحرف واحد، كان حسام هو اول من تكلم بالكاد خرج صوته المختنق:.


- أنا هروح، تعبان وعايز أنام عن اذنكوا

قام من مكانه يود المغادرة ليقف خالد سريعا امسك ذراعه يردف بلهجة قاطعة:

- أنت رايح فين مش هتتحرك من هنا، زيدان خد حسام وريله أوضتك ينام عليها لحد ما أوضته تجهز

لم تكن لديه القدرة علي الجدال ولو بحرف واحد تحرك زيدان سريعا يسند جسد صديقه يجذبه معه لأعلي يحادثه برفق:

- تعالي معايا يا حسام...


تحرك حسام في سكون مخيف بصحبة زيدان دون أن ينطق بحرف، وعاد الصمت من جديد معاذ ينظر للينا بعينيه كأنه يخبرها هيا لنغادر والأخيرة تتصنع عدم الفهم لن تغادر وتلك الشقراء هنا ابدا...

في تلك اللحظات صدح صوت متعجب يعرفه معظم الموجودين يأتي مباشرة من ناحية باب المنزل المفتوح:

- انتوا عندكوا عزا ولا ايه، في ايه

ابتسمت لينا رغما عنها حين رأت جاسر لتتحرك من مكانها سريعا ارتمت بين أحضانه تهمس له بصوت خفيض سعيد:.


- جاسر وحشتني اوي...

ابتسم يعانقه برفق يمسح علي رأسها قبل قمة رأسها يهمس لها:

- وانتي كمان يا حبيبتي عاملة ايه، جوزك المريب فين

ضحكت بخفة تضع يدها علي فمها سريعا تخفي ضحكاتها، هي لم تكن لتتزوج معاذ دون أن تخبره حين اتصلت به تخبره ليلة عقد قرانها اخبرها محتدا:

- والله العظيم الواد دا مريب ونظراته مش مريحة...

لتلين نبرته بعد ذلك يهمس له يآسا:

- بس هعمل ايه في دماغك المجنونة، مبروك يا حبيبتي.


رفعت وجهها تنظر لجاسر مبتسمة تهمس له بخفوت حذر:

- تعالا معايا مكتب بابا

حرك رأسه إيجابا يتحرك بصحبتها لمكتب والدها، بعد قليل كان كل يتوجه إلي غرفته لم يبقي سوي لينا وخالد ومعاذ وانجيلكا

في غرفة مكتب خالد وقف جاسر أمام لينا يسألها قلقا:

- طمنيني عليكي، انتي كويسة، جوزك المريب دا بيعاملك كويس

ابتسمت لينا يآسه تهز رأسها بالإيجاب قلبت عينيها تحادثه:.


- آه يا جاسر كويسة، وعلي فكرة هو شخص عادي جدا مش مريب ولا حاجة أنت بس عشان ما بتحبوش شايفه مريب

تنهد جاسر قلقا يحرك رأسه إيجابا، ذلك الفتي لا يثق به نظراته مخيفة مرعبة بها شئ خبيث يراه جيدا، لا يعرف كيف لا تراه شقيقته، بينما تحركت لينا فتحت حقيبة يدها تخرج ورقة صغيرة مطوية من الحقيبة، مدت يدها لها به تهمس له مبتسمة:.


- إسكندرية، دا الرقم اللي سهيلة اتصلت بيا منه، بابا عرف أن الرقم دا في إسكندرية بس فين بالظبط ما قدروش يحددوا عشان المكالمة كانت قصيرة جدا

أخذ جاسر الورقة بتلهف من لينا تسارعت دقاته الهادرة يغمغم متلهفا:

- أنا اكتر واحد يعرف إسكندرية هقلبها حتة حتة لحد ما اوصلها

دون أن ينطق بحرف آخر اندفع خارج الغرفة، تحرك ناحية باب المنزل ليستوقفه صوت خالد:

- رايح فين يا جاسر.


التفت جاسر سريعا ينظر لخالد نظرات متلهفة قلقة يتمتم علي عجل:

- رايح ادور علي مراتي يا عمي

تدخلت لينا سريعا تحادثه بعجب:

- دلوقتي يا ابني الساعة داخلة علي 12

ابتسم خالد بشحوب ربت علي كتف زوجته ينظر ناحية جاسر يحادثه مشجعا :

- سيبيه يا لينا جاسر مش صغير، روح يا جاسر.


ابتسم الأخير ابتسامة صغيرة ممتنة يحرك رأسه بالإيجاب تحرك للخارج ومنها إلي سيارته ينطلق إلي محافظة الإسكندرية، لحظات وخرجت لينا من المكتب ليهب معاذ واقف حمحم يتمتم بخفوت:

- مش يلا نمشي بقي يا لينا الوقت اتأخر

نقلت لينا انظارها بين معاذ وانجليكا، تلك الشقراء لما لم ترحل بعد، تنهدت حانقة تحرك رأسها إيجابا، توجهت ناحية والدتها لتعانقها الأخيرة للحظات طويلة تهمس لها قلقة:

- انتي كويسة يا حبيبتي.


ابتسمت تحرك رأسها بإيجاب صامت، تغمض عينيها هي حقا لا تعلم أهي بخير أم لا، تنهدت تبتعد عن والدتها تبتسم لتطمئنها تهمس لها:

- صدقيني يا ماما انا كويسة ما تخافيش عليا..


تنهدت لينا تشعر بقليل فقط القليل من الارتياح قبلت جبين ابنتها تربت علي خدها برفق، تحركت لينا من أمام والدتها لتقع عينيها علي أبيها الواقف بالقرب منهم، نظرت له للحظات نظرات ضيق معاتبة لن تنسي ما فعله خاصة بالأمس حين رفض أن يزوجها، تنهدت حانقة تعدل من حقيبة يدها فوق كتفها نظرت ناحية زوجها مباشرة تتمتم في ضيق:

- يلا يا معاذ.


تحركت للخارج تهرول في خطاها لخارج المنزل تحرك معاذ خلفها ليشعر بألم بشع يجتاح كتفه نظر خلفه سريعا ليجد خالد يقبض علي كتفه يرميه بنظرات سوداء قاتلة مال برأسه ناحيته يهمس له متوعدا:

- احسنلك ما تفكرش حتي تزعلها، مفهوم.


ابتسم معاذ في خواء ساخر ليتحرك للخارج يلحق بزوجته، لم يبقي سوي ثلاثتهم لينا وخالد وانجليكا، حمحمت لينا مرتبكة تنظر لتلك الفتاة قبل أن تتحرك تجذب يد خالد بعيد عنها قليلا، ما إن ابتعدا عن ناظري الفتاة ارتمي خالد بين أحضان زوجته يعانقها بقوة تهدلت قواه يهمس لها بخفوت متعب:

- أنا تعبان اوي يا لينا، تعبان وعايز أنام.


رفعت يديها تطوقه بهما، مسحت علي شعره برفق عدة لحظات طويلة قبل أن تبعده عنها امسكت ذراعيه تنظر لعينيه تحادثه بحزم حاني:

- خالد، لما لينا كانت بتعيط تتعب وبيبقي جنبها مايا وبدور وسهيلة كانت بتجري في حضني أو حضنك، حسام محتاجك جنبك خصوصا الليلة دي، ما تسيبهوش النهاردة.


ظل ينظر لها دون كلام مع تلك السنوات لازال يعجز عن فهم كيف يمكن أن تكون بمثل ذلك النقاء والرقي، الطيبة الخالصة، حرك رأسه إيجابا سريعا لتبتسم له برفق تكمل:

- وابعتلي الواد زيدان عيزاه في حاجة مهمة.


حرك رأسه بالإيجاب ليتركها ويصعد إلي أعلي يأخذ طريقه إلي غرفة زيدان، لحظات ووصل للغرفة ادار المقبص ودخل ليجد حسام يرتمي بجسده علي عارضة الفراش يغمض عينيه دموعه تنساب من عينيه المغلقة، زيدان جواره يحاول التخفيف عنه بقدر استطاعته دون فائدة، تنهد خالد ينظر لوالده حزينا علي حاله، اشار لزيدان أن يخرج من الغرفة، تحرك الأخير في هدوء وقف أمام خالد جوار باب الغرفة من الخارج ليبادر خالد بصوت خفيض هامس:.


- انزل للينا عايزاك وأنا هفضل مع حسام

ابتسم متألما والدته هي من تريده بالطبع لا يعرف لما ظن للحظات أن، لا لا لم يعد هناك مجال لأي ظن، اومأ برأسه لينزل لأسفل، وقف خالد للحظات يلتقط أنفاسه، يشجع نفسه دخل للغرفة يغلق الباب عليهم اقترب بتروي من فراش حسام، جلس علي جزء صغير من حافة الفراش نظر لحسام يحادثه بمرح باهت:

- يا عم خش جوا شوية.


تحرك حسام بهدوء صامت لمنتصف الفراش تاركا حافته فارغة، استند خالد بجسده الي عارضة الفراش جوار حسام نظر له للحظات طويلة لا يجد ما يقوله ليواسيه بها، حالته تلك، تذكره بيوم وفاة والده لولا وجود لينا جواره لكان جُن من حزنه في تلك الليلة، تنهد يهمس لطفله بصوت خفيض حزين حاني:.


- عارف بتفكرني بنفسي يوم ما جدك الله يرحمه مات كنت حاسس أن الدنيا اتهدت خلاص، كنت هموت يومها، كنت واقف في العزا بتاعه ثابت وأنا جوايا بنهار، ما صدقت العزا خلص وفضلت اعيط ولا كأني طفل صغير عنده خمس سنين مش راجل عدي الأربعين، حزني ساعتها كان بشع ما يتوصفش، حسيت اني ضهري اتكسر، بس رحمة ربنا بينا أن الحزن بيقل مع الأيام، وبتفضل الذكريات التي تخلي الشخص مهما بعد عايش جوا قلبك.


ما إن انهي خالد كلامه شهقة بكاء عالية خرجت من بين شفتي حسام، ليسرع خالد يشده إلي أحضانه، تمسك حسام بوالده يخبئ رأسه بين أحضانه يبكي وتتعالي شهقاته الذبيحة لف خالد يديه يربت علي رأسه ولده دون كلام يسمع نحيب حسام العنيف كلماته المبعثرة التي تخرج من بين شفتيه دون إرادة منه تصرخ بوجعه:.


- سابنتي ليييه، أنا ماليش غيرها، مش هي عملت العملية خلاص، وحشتني، وحشتني أوي، مش هقدر اعيش من غيرها، يارب، يارب خدني أنا عايز اروحلها...

لم يقدر علي الثبات أكثر انهمرت دموعه يشدد علي احتضان ولده يهمس داخل قلبه:

- بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا ما يحرمني منك ابدا.


علي جانب آخر وقف زيدان أمام لينا لتخبره بما تريده أن يفعل:

- بص يا زيدان هتروح شقة حسام اللي كان عايش فيها مع والدته الله يرحمها، هتجيب منها هدومه واي متعلقات ليه مهما كانت صغيرة وتقفلهل، أنا مش عايزة حسام يدخلها الفترة الجاية خالص.


ارتسمت ابتسامة حنونة حزينة علي شفتي زيدان ينظر لوالدته ليحرك رأسه بالإيجاب دون كلام، تحرك ليغادر ليسمع لينا تهمس باسمه من جديد، التفت لها ينظر ناحيتها مستفهما لتقترب هي خطوة اخري منه كتفت ذراعيها تضيق عينيها تسأله:

- مين البنت اللي قاعدة برة دي يا زيدان وايه علاقتك بيها.


ابتسم ساخرا تحركت مقلتيه ينظر للفراغ هو حقا لا يعرف ما هي علاقته بتلك الفتاة من الأساس، ولكنها مسكن بسيط ضعيف الأثر يعمل باقصي جهده لتخفيف آلام قلبه ولو قليلا، فقط قليلا، تنهد حائرا يتمتم في خواء:

- هقولك لما اجي عن إذنك يا ماما.


تركها وغادر توجه ناحية انجليكا ابتسمت برقة طفلة صغيرة ما أن رأته، ابتسامتها جعلت شعور قاسي بالذنب يهاجمه بالرغم من كل الكلمات القاسية التي يلقيها علي اسماعها الا أنها لا تزال له كطفلة صغيرة تري والدها، رسم ابتسامة صغيرة علي شفتيه يحادثها برفق:

- يلا يا انجليكا

ابتسمت لتهب سريعا تتحرك بصحبته للخارج يذهبان...

في غرفة حمزة السويسي.


اضجع بجسده الي سطح الفراش يغمض عينيه يتنهد بارتياح، أدهم بات بخير الآن، ولده العنيد صاحب الرأس الصلب كان يود مغادرة المشفي اليوم، بعد طول جدال اقتناع بالبقاء الليلة علي شرط أن يغادر في الصباح، يكفي أنه بخير هو لا يرغب في شئ آخر غير ذلك، فتح عينيه علي صوت باب المرحاض يفتح خرجت بدور تجفف خصلات شعرها بمنشفة صغيرة ترتدي جلباب بيتي مريح للنوم، ابتسم لها لتشيح هي بوجهها بعيدا تتحرك ناحية مرأه الزينة، قطب جبينه متعجبا لما هي غاضبة، ظل يتابعها بعينيه وهي تمشط خصلات شعرها لتجدلهم في جديلة طويلة، تحركت ناحية الفراش تأخذ الجانب الآخر الفارغ اولته ظهرها تجذب الغطاء تختبئ بجسدها كاملا أسفله، ظل حمزة يتابعها بعينيه، رفع حاجبه الايسر متعجبا مما فعلت، مد يده يزيح الغطاء من فوق رأسها يسأله متعجبا:.


- مالك يا درة في ايه

نفخت في غيظ ظاهر لتمد يدها تجذب الغطاء من جديد تختفئ تحته تتمتم حانقة:

- ما فيش أنا تعبانة وعايزة أنام، تصبح علي خير

توسعت عينيه في اندهاش من طريقتها الغريبة في الحديث ليجذب الغطاء عن رأسها امسك ذراعها يجذبها لتعتدل جالسة رمته بنظرة مغتاظة تشيح بوجهها بعيدا حين سمعته يتمتم مدهوشا:

- في ايه يا درة ما تفهميني

ارتسمت ابتسامة ساخرة متهكمة علي شفتيها تتمتم بنزق:.


- يا تري كلمة درة دي بتقولها ليا لوحدي ولا لكل واحدة حلوة قمر! بتشوفها

تلك الفتاة جُنت بالطبع ماذا حدث لها، لما تتحدث بتلك الطريقة، هو ليس بشخص سريع الغضب، لأنه حقا سئ حين يغضب، لم تري تلك الفتاة وجهه الغاضب بعد، وهو حقا لا يريدها أن تراه، تنفس بعمق يهدئ من نفسه ليعاود النظر إليها يتمتم من بين أسنانه:

- درة، انا ما بحبش شغل اللف والدوران دا، في أي.


التفتت برأسها له ترميه بنظرة معاتبة حزينة زفرت أنفاسها الحانقة، نكست رأسها لأسفل قليلا تهمس بصوت حزين ممزق:

- ما فيش حاجة، ما فيش حاجة خالص، أنا بس اللي اديت لنفسي اكتر من قيمتي، أنا اللي...

قطعت كلامها حين قبض علي ذراعيها رفعت وجهها له تلقائيا تتسع حدقتيها في هلع، حين رأت نظراته الغاضبة جبينه المنعقد، زفر محتدا يهمس لها:.


- درة أنا لحد دلوقتي بحاول افهم مالك، بدأتي تخرفي وتقولي كلام أهبل، ايه اللي حصل

انسابت دموع مقلتيها ليرفع عينيه لأعلي يتنهد يآسا لما تبكي الآن، حاولت نزع ذراعيها من كفيه تهمس له بحرقة:

- اوعي سيبني، إنت كنت بتعاكس الممرضة قولت عليها حلوة، عجبتك مش كدة، هي حلوة مش كدة اي ست احلي مني وأنا ما فييش اي أنوثة.


جحظت مقلتيه في ذهول من أين جاءت بتلك الكلمات الغريبة ضحك يآسا النساء!، جذبها يحتضنها برفق ضحك رغم عنه يتمتم في مرح:

- بقي يا عبيطة كل الفيلم دا عشان كلمة قولتلها، أنا كنت بهزر بنكش أدهم، ما قصديش اصلا اعاكسها، وبعدين ايه التخلف اللي انتي بتقوليه دا، ازاي تفكري في كدة، انتي احلي من القمر نفسه

اغمضت عينيها بمرارة تشعر بغصة قاسية تعتصر قلبها انسابت دموعها تهمس له بخزي:.


- أسامة كان دايما بيفضل يعاكس اي ست حلوة يشوفها حتي لو قدامي، ولما كنت ازعل واتخانق معاه كان يقولي بصي لنفسك اي ست أحلي منك انتي اصلا ما فكييش اي انوثة

اغمض حمزة عينيه غاضبا يكور قبضته يشد عليها، شدد ذراعيه عليها اشتعلت أنفاسه يهمس محتدا:

- أنا مش فاهم انتي ازاي ما اتطلقيش من الحيوان دا من زمان، دماغك دي فيها طبق لوبيا مش مخ علي رأي خالد.


خرجت ضحكة بائسة من فمها ليبعدها عنه قليلا يحتضن وجهها بين كفيه طبع قبلة صغيرة علي قمة رأسها يبتسم لها برفق يتمتم:

- شيلي الهبل دا من دماغك انتي أحلي ست في الدنيا، هو اللي كان شبه راجل، بيعوض نقصه بجرحك، أنا آسف لو اللي قولته للمرضة ضايقك بس صدقيني ما كنش قصدي خالص، لسه زعلانة

ابتسمت تحرك رأسها نفيا ليعاود ضمها من جديد ينظر للفراغ يفكر لما لا يدفن أسامة حيا فكرة جيدة راقت له كثيرا!


في صباح اليوم التالي باكراا، في غرفة زيدان فتح خالد عينيه فجاءة ليري حسام ينام علي ذراعه كما لو كان طفل صغير بقايا دموع تغرق وجهه تنهد حزينا علي حاله ليجذب ذراعه برفق شديد يضع الوسادة تحت رأس حسام، مد يده يمسح بخفة آثار تلك الدموع عن وجهه، ليتحرك علي أطراف أصابعه إلي خارج الغرفة، يشد الباب ببطئ، الي أن اغلقه، تحرك يخطو للخارج يتوجه مباشرة إلي غرفته، فتح بابها بهدوء الوقت لا يزال باكرا وبالطبع لينا نائمة اطل برأسه، للداخل ينظر لها لترتسم ابتسامة حانية علي شفتيه ها هي هنا، تحرك ناحيتها سريعا إلي أن بات جوارها جلس علي ركبيته جوار فراشها ينظر لوجهها وهي نائمة يبتسم في عشق يقيده بها، مد يده يمسح بانامله برفق علي وجهها يهمس لها بعشق يقطر من بين شفتيه:.


- أنا بحبك اوي يا لينا، بحبك لدرجة ما بقتش قادر حتي اوصفها، انتي كل حاجة في حياتي، حياتي من غيرك عذاب، ما تسبينش ابدا يا لينا، والله ما هقدر أعيش من غيرك.


مد يده يلتقط كف يدها يطبعه عليه قبلة صغيرة ليشعر بيدها الاخري تتحرك علي خصلات شعره رفع عينيه لها ليراها تنظر له تبتسم دون كلام، استندت علي كف يده الذي يمسك كفها لتنصف جالسة، تنظر له صامتة دون أن تحرك شفتيها بينما لم تكف عينيها عن الثرثرة تخبره بكلمات هو فقط من سيفهما أنها لن تعشق سواه أبدا، اندفع يحتضنها لتشدد علي عناقه تتلاحم أرواحهم كل نصف يكمل الآخر، قيد هو يملك نصفه وهي تملك، يقيد كل منهما بالآخر للأبد، تهمس له بعشق خالص:.


- أنا بحبك، بحبك اوي أوي يا خالد

تأوه يشدد علي عناقها يغزرها في صدره يهمس لها بشغف جارف:

- أنا ما اعرف من الحب غير أربع حروف

ابتسمت تبتعد عنه قليلا عنه تسأله مبتسمة:

- ايه هما بقي

جذب كفها يقبل باطنه ينظر لمقلتيها، سماء عشقه الزرقاء البلورية، تحركت شفتيه يهمس بصوت عميق اجش عاشق:

- لينا!

ادمعت عينيها ترتمي بين أحضانه من جديد، للحظات طويلة لا تعد ولا تحصى، ابتعدت عنه قليلا تمسك بكفي يده تهمس له بخفوت:.


- خالد الفترة دي حسام محتاجلك، محتاجلك اوي، خليك جنبه علي قد ما تقدر، ماشي يا حبيبي

ابتسم لها في امتنان يومأ برأسه إيجابا لتقبل هي جبينه، تحركت تدفعه للخارج تتمتم مبتسمة:

- يلا روحله وأنا هحضرلكوا الفطار

ابتسم يحرك رأسه إيجابا، تحرك لخارج الغرفة ليجد زيدان يخرج من غرفة جاسر، يبدو أنه قضي ليلته هنا بالأمس، تحرك يقف أمام خالد تنهد يحادثه مرتبكا:

- خالي لو سمحت عايزك في حاجة مهمة.


حرك رأسه بالإيجاب مرة أخري، رأسه بدأت تؤلمه تحرك خلف زيدان إلي غرفة جاسر، ليتهاوي جالسا علي الفراش بينما وقف زيدان أمامه ظل صامتا للحظات قبل أن يحمحم في توتر يقول:

- بصراحة يا خالي، أنا عايز ارجع القاهرة تاني، مش هقدر اسيب حسام في الظرف دا وبعدين خلاص اللي كنت عايز ابعد بسببها بعدت هي واتجوزت مالوش لزوم وجودي هناك

نظر خالد له حانقا عدة دقائق قبل أن يهب واقفا يصيح فيه محتدا:.


- مش لعب عيال هو، شوية عايز اتنقل، وشوية عايز ارجع، وبعدين الغلطة غلطتك أنت اللي هربت، طلعت جبان يا خسارة، سنين ما اتعلمتش مني حاجة

وقف زيدان مكانه يقبض علي كفه واسنانه يتنفس بعنف يحاول أن يهدئ، يذكر نفسها أن من يقف أمامه هو خاله، أبيه، جل ما فعله الا أنه حرك رأسه يتمتم:

- أنا مش جبان يا خالي وأنت عارف كدة كويس، حضرتك هتساعدني، ولا لاء.


عاد خالد يجلس مكانه علي الفراش يستند بمرفقيه علي فخذيه نظر لزيدان يبتسم ساخرا قبل أن يومأ برأسه بالإيجاب تنهد يتمتم متهكما:

- من عينيا يا زيدان باشا، بس دي آخر مرة، تطلب فيها نقل، مش شغالين عندك احنا، واعمل حسابك ما عندكش إجازات لآخر السنة، لو عسكري جاله برد هجيبك تقف مكانه

ابتسم زيدان ساخرا، تحرك هو للخارج ليغادر الغرفة وقف عند باب الغرفة المفتوح التفت لخالد يتمتم مبتسما بشحوب:.


- علي فكرة أنا هخطب قريب!


ليس من عادتها ابدا الاستيقاظ باكرا ولكنها لم تذق للنوم طعما تقريبا خرجت من غرفتها تنظر حولها باب غرفة معاذ مغلقة والمنزل هادئ تماما، معاذ لا يزال نائما، تحركت بحذر ناحية تلك الاريكة الوثيرة، ارتمت بجسدها عليها تحدق في سقف الغرفة، تتصارع الافكار داخل رأسها، معاذ يبدو غاضبا منذ الأمس، دخل إلي غرفته مباشرة ما أن عدا، وهي حقا لم تهتم لتعرف لما هو غاضب، ما يزعجها فعلا تلك الشقراء التي تظهر في كل مكان يظهر فيه زيدان تقريبا، تري الي مدي وصلت العلاقة بينهما لتلازمه بذلك الشكل، ولما هي تهتم من الأساس، ألم تنتهي علاقتهم، انتهي كل شئ بزواجها من معاذ، لما يرفض قلبها تصديق تلك الحقيقة، زفرت أنفاسها المختنقة في اللحظة التالية سمعت صوت جرس الباب، قامت من مكانها تتحرك ناحيته، فتحت مقبض الباب لتقطب جبينها مستفهمة حين رأت امراءة جميلة بكل ما تعنيه الكلمة من معني، عينيها سوداء، بشرة بيضاء، انف شامخ، ملابس راقية، مظهرها اشعرها وكأنها أمام سيدات المجتمع المخملي الراقي ابتسمت لينا تسألها: - مين حضرتك.


في اللحظة التالية وجدت عيني السيدة تتحركان عليها وكأنها تقيمها بنظراتها، انثني جانب فمها الصغير المطلي بشبه ابتسامة تتمتم بترفع:

- أنا مامت معاذ!



        الفصل الثالث والتاسعون من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات