رواية أسير عينيها
الفصل الثالث والتاسعون 93 الجزء الرابع
بقلم دينا جمال
رمشت عينيها في ذهول تنظر للسيدة الواقفة امامها نظرات مدهوشة لا تصدق هي حقا لم ترها من قبل ولكنها تبدو علي الارجح في منتصف الثلاثينات من غير المعقول أن تكون هي والدة معاذ أبدا، حمحمت متوترة حين طال صمتها، لتفسح المجال لها دخلت الأخيرة تسير بخطي مترفعة كأنها عارضة أزياء محترفة اقتربت من احدي المقاعد جلست تضع ساقا فوق أخري بينما تقف لينا أمامها متوترة لا تعرف ما تفعل، ماذا عليها أن تقول، فتحت فمها تريد أن تتحدث لتبادر تلك السيدة تتمتم بنبرة مخملية رفيعة:.
- where is moaz
فتحت لينا فمها تنظر للسيدة مدهوشة وكأنها أحدي ارباب السجون لا تفهم ما تقول، حمحمت متوترة تنظر للسيدة مرتبكة:
- هاا، ثواني هصحيه
تحركت سريعا بخطي متوترة سريعة متلهفة ناحية باب غرفته تدق بابها عدة مرات، لحظات قبل أن تشعر بحركة الباب يُفتح ظهر معاذ في تلك اللحظة يفرك عينيه بكف يده يتثأب ناعسا نظر له بنصف عين يهمس ناعسا:
- خير يا لينا، في إيه.
حمحمت متوترة تشير بأصبعها السبابة ناحية الصالة البعيدة عن غرفته، خفضت صوتها تهمس له مرتبكة:
- في واحدة قاعدة برة بتقول أنها مامتك
قطب جبينه في عجب والدته!، ترك لينا يتحرك للصالة خارجا وقفت للحظات أمام تلك السيدة قبل أن ترتسم ابتسامة واسعة سعيدة علي شفتيه، تحرك ناحيتها يفتح ذراعيه علي اتساعهما يتمتم فرحا:
- ماما وحشتيني، وحشتيني اوي.
قامت السيدة من مكانها تتجه نحو معاذ ضمته لذراعيها تتمتم بصوت حنون مشتاق:
- oh moaz my sweet hurt , l miss you too much my baby.
وقفت لينا من بعيد تختلس النظر لتلك السيدة وهي تعانق معاذ بتلهف شوق يبدو أنها لم تره منذ مدة طويلة، وقفت جوار غرفة معاذ المفتوحة تفكر عليها أن تفعل شيئا، والدة زوجها عندهم، ماذا كانت تفعل والدتها حينها، المشروبات والحلوي تذكرت، توجهت سريعا تبحث عن المطبخ ابتسمت ساخرة علي حالها، هي حتي لا تعرف أين هو معاذ دائما هو ما يتكفل بأمر الطعام ، بعد دقائق من البحث وصلت إليه توجهت سريعا تفتح الإدراج جميع الإدراج تبحث عن الكؤوس والأطباق بعد عناء شاق وجدت ضالتها اخيرا، أحضرت صينية كبيرة، تضع عليها ثلاثة كؤوس ومثلهم من الاطباق، توجهت تفتح البراد لتتوسع عينيها في دهشة، لما كل تلك المشروبات الباردة والحلوي، الثلاجة مليئة بشكل مبالغ فيه، اخرجت بعض قطع الكعك، تضعهم فوق سطح الأطباق علي الصينية، توجهت تبحث بين زجاجات المشروبات الباردة، لتقطب جبينها في عجب، بعض الزجاجات عليها اسمها، والبعض الآخر عليه اسم معاذ، نظرت للزجاجتين في يدها الاثنتين أحدهما من نوع والآخر من نوع أخري، احدهما تحمل اسمها والاخري تحمل اسم معاذ، اجفلت تشهق خائفة حين سمعت صوت معاذ يأتي من خلفها:.
- واقفة عندك كدة ليه يا لينا
حركت رأسها نفيا تحاول الابتسام، لتضع الزجاجة التي تحمل اسمها في البراد من جديد امسكت الزجاجة الاخري توجهت تصب ما بها داخل الكؤوس بينما معاذ يقف جوارها يراقبها مبتسما، التفتت برأسها له تسأله مبتسمة في هدوء:
- معاذ، ليه في ازازيز عصير عليها اسمي وازايز عليها اسمك، مش غريبة دي
ابتسم ببساطة شديدة رفع كتفيه لاعلي يتمتم مبتسما:.
- لا أبدا مش غريبة، انتي ذوقك في العصير في العصير مختلف عن ذوقي، تقريبا ما تحبيش اي نوع أنا بشربه الا الأناناس، وأنا بعمل الاوردر طلبت منهم يكتبوا اسمك علي الأنواع اللي بتحبيها وأنا بردوا
ابتسمت قلقة علي الرغم من أن كلامه أكثر من مقنع الا أنها حقا تشعر بالقلق شديد غير مبرر، اومأت برأسها بالإيجاب لتجد معاذ يتقدم هو يحمل الصينية بدلا منها يحادثها:
- هاتيها أنا هشيلها هتلاقيها تقيلة عليكي...
ابتسمت له متوترة تفسح له المجال اخذ صينية المشروبات يتحرك للخارج وهي خلفه وضع الصينية علي طاولة صغيرة امام والدته، وقفت هي مرتبكة لا تعرف ما تفعل قبل أن تشعر بيد معاذ تمسك بكفها، يجذبها برفق لتجلس جواره، للحظات طويلة تجلس صامتة فقط تستمتع لتلك الأحاديث الاعتيادية بين معاذ ووالدته، اجفلت حين وجهت والدة معاذ الحديث لها تلك المرة:
- أنتي جميلة أوي يا لينا، حقيقي معاذ محظوظ أنه اتجوز بنت في جمالك.
ابتسمت متوترة تنظر لوالدته، حركت رأسها إيجابا تشكرها بصوت هامس خجول منخفض، لتعاود والدة معاذ الحديث من جديد:
- تعرفي، معاذ بيحبك أوي، أنا حقيقي مبسوطة انكوا اخيرا اتجمعتوا، اوعي يكون معاذ بيزعلك
عادت تبتسم من جديد تحرك رأسها نفيا بخفة، تحاول أن تشارك في ذلك الحديث الودي الهادئ بكلمات قليلة مقتضبة، مرت ساعة تقريبا قبل أن تقف تلك السيدة نظرت.
لساعة يدها لتعاود النظر لمعاذ مالت ناحيته تقبل وجنته تتمتم مبتسمة:
- أنا لازم امشي ، يا حبيبي، ما تتأخرش عليا، مستنياك
ثم اقتربت من لينا، وقفت الأخيرة لتصافحها لتجد تلك السيدة الغريبة تقترب منها تعانقها شعرت بها تمشط خصلات شعرها باصابعها الطويلة تحادثه في نعومة:
- مستنياكي يا لينا، باي يا حبيبتي.
قام معاذ يتجه مع والدته الي الخارج يودعها بينما وقفت هي مكانها تعقد حاجبيها في قلق، شعور مخيف يغزو قلبها تلك السيدة بها شئ خاطي حقا لا تفهم ما هو.
علي صعيد آخر في سيارة حمزة السويسي، حرك حمزة مرأة السيارة الأمامية ينظر لولده الجالس علي الأريكة الخلفية، زفر يتمتم حانقا:
- كان هيحصلك حاجة يعني لو فضلت يومين كمان في المستشفي، هو اي عند وخلاص
ابتسم أدهم في خمول يشعر برغبة ملحة في النوم نظر لوالده من خلال سطح المرأة يتمتم ناعسا:
- اتخنقت من القعدة في المستشفي، عايز ارجع البيت.
زفر حمزة حانقا من جديد ليلتف برأسه ينظر لادهم يشد علي أسنانه بعنف يحادثه محتدا:
- وفيها ايه لو جيت قعدت معانا في الفيلا، علي الأقل عشان تبقي تحت عينيا
ابتسم أدهم في هدوء واثق، ينظر لوجه أبيه يتمتم مجهدا:
- أنا دايما تحت عينيك يا بابا، ولا افتكرت اني مش هاخد بالي من الراجل اللي قاعد علي القهوة أربعة وعشرين ساعة.
ضحك حمزة عاليا ذلك الفتي يثبت كل يوم أنه إبن أبيه حتي لو لم يكن من دمه، كاد أن يتحدث حين بادر أدهم يتمتم في ارهاق واضح:
- وبعدين أنا مش عاوز ابقي في مكان واحد مع مايا، لحد ما اقدر أقف علي رجلي واجي اطلبها منك يا حمايا
نطق كلمته الاخيرة بابتسامة عابثة ليتجهم وجه حمزة مسح وجهه بكفي يده ينظر للجالس بالخلف نظرات سوداء حانقة يتمتم في وعيد:.
- تدري يا وجه الجزمة أنت، لولا أنك تعبان ومش قادر تقف علي رجلك، أنا كنت اديتك علقة رجعتك المستشفى تاني، أنا مش فاهم أنا ازاي المفروض اوافق علي جوازك من مايا، بص اتجوزها من ورايا، هتبقي مبلوعة اكتر من كدا
ضحك أدهم بخفوت متعب للغاية عاود النظر لحمزة يلاعب حاجبيه عبثا يتمتم مستمتعا:
- ااه اتجوزتها من وراك عشان تقولي التار ولا العار وتروح قاتلنا سوا، هو أنا مش عارفك..
ضحك حمزة في شر، هو حقا كان يفكر في تلك الفكرة الشيطانية الخبيثة، ويبدو أن ولده الأحمق قرأ أفكاره، زفر حانقا يرمي أدهم بنظرة غاضبة ليأخذ طريقه الي منزل جدة أدهم...
بعد نصف ساعة تقريبا، وقفت سيارة حمزة أمام تلك العمارة السكنية القديمة، نزل حمزة من مكانه توجه سريعا يفتح باب السيارة الخلفي يساعد أدهم علي النزول، شهقت منيرة تضرب بيدها علي صدرها ما أن رأت أدهم بحالته تلك من باب السيارة الخلفي، صاحت باسمه مذعورة لتهرول ناحيته تبكي:
- أدهم مالك يا ابني، حصلك ايه يا ضنايا.
ابتسم أدهم لها مجهدا يحاول طمئنتها ببضعة كلمات، تعاون حمزة وبعض الرجال من المنطقة في الصعود بأدهم إلي شقة جدته، اسندوه الي الفراش، ليبدأ الجمع في الرحيل، هرولت منيرة ناحيته تبكي، ترغب في احتضانه وتخاف أن تؤذيه امسكت بكف يده تسأله خائفة:
- مالك يا أدهم، ما تحرقش قلب ستك يا حبيبي
ابتسم أدهم مرهقا يجذب يدها يقبلها بحنو يهمس لها برفق:
- أنا كويس يا جدتي ما تخافيش.
حركت رأسها نفيا حالته تقول عكس ما ينطق بلسانه تماما تحركت بمقلتيها الي حمزة تسأله قلقة:
- ايه اللي حصل يا بيه، ايه اللي حصله
ابتسم حمزة برفق ينظر لتلك السيدة العجوز نظرات حانية، ربت علي كتف ادهم بخفة يحادثها مبتسما:
- ما حصلوش حاجة زي القرد قدامك اهو، حادثة بسيطة والحمد لله ربنا لطف بينا...
تحرك من مكانه يضع حقيبة الدواء جوار جدته يتمتم مبتسما:.
- أنا هبعتله ممرضة كويسة تاخد بالها منه، حمد لله علي سلامتك يا أدهم، هكلمك دايما.
ابتسم أدهم يومأ برأسه إيجابا، ودعه حمزة ونزل الي أسفل، استقل سيارته يخرج من الشارع ما أن وصل لبداية الشارع وجد فتاة تتحرك سريعا لداخل الشارع من نظرة عينيها استطاع أن يري أنها علي وشك البكاء، يتحرك خلفها ثلاثة رجال اوقف السيارة لتلتقط أذنيه تلم الكلمات الوقحة التي تخرج من افواههم القذرة، كلمات بشعة تصف جسدها بشكل فج، علي الرغم من أن ثياب الفتاة كان حقا فضفاضة للغاية رأي أحدهم يمد يده يلتمس بها ذراعها لتشهق الفتاى مذعورة تسرع في خطاها تنهمر دموعها خوفا ، غلت الدماء في عروقه، فتح باب السيارة يتحرك ناحيتهم قبض علي ذراع ذلك الفتي بعنف يكاد يهشمه بين يديه يصيح فيه:.
- الراجل يا شبه راجل منك ليه، هو اللي يحامي علي عرض الست اللي قدامه حتي لو ما يعرفهاش مش ماشي ينهش فيه زيه زي الكلب
اندفع احدهم ناحية حمزة يدفعه في صدره بعنف يصيح فيه:
- وأنت مالك يا عمى ما تروح تشوف طريقك
ابتسم حمزة في هدوء تام دفع ذلك الفتي الذي كان يقبض علي ذراعه دفعه بعيدا ليعيد النظر للشاب الآخر ابتسم في خبث شيطاني يخلع سترته القاها أرضا شمر عن ساعديه يتمتم ساخرا:.
- واضح كدة أنك عايز عمك يربيك يا حبيب عمك
توجه حمزة يلتقط عصا من الخشب غليظة ملقاه ارضا جوار متجر احد النجارين توجه ناحيتهم يلقن اولائك الشباب درسا لن ينسوه ابدااا، تجمع بعض سكان الحي في حلقة يشاهدون حمزة وهو يهبط بعصاه الغليظة علي أجساد اولائك الشباب ليعلو صراخهم، يتوسلون له أن يرحمهم، لتبدأ همهمات من حوله
- تسلم ايده والله
- ربنا يديله الصحة
- دول عيال زبالة رايحين جايين مش سايبين بت في حالها.
- هو مين دا يا جماعة
- دا قريب الست منيرة تقريبا، أنا شوفته طالع عندهم كذا مرة
وقف حمزة يلهث بعنف ينظر للشباب الملقي ارضا امامه يصرخون من الألم، وقف معتدلا يمسح العرق عن جبينه يحرك يديه الي خصلات شعره، بصق عليهم متقززا، لتلمح عينيه تلك الفتاة التي تقف هناك تبكي، يعرفها، أخبره جاسوسه أنها زوجة مراد شقيق أدهم، ابتسم لها مطمئنا إياها، ليلقي بالعصا بعيدا وقف في منتصف الجمع ينظر لهم مشمئزا ليصيح فيهم:.
- دا اللي انتوا دايما بتعملوا بتتقفوا تتفرجوا، بينهشوا في لحم بنت من منطقتكوا وكل واحد بيقول يلا نفسي أنا مالي طالما مش بنتي ولا اختي، صدقني الدور هيجي علي بنتك واختك وساعتها بردوا هتقول وأنا مالي، ما هو اللي بيسكت في الأول بيسكت في الآخر
تحرك يلتقط سترته ناحية روحية توجه، وقف أمامها ينظر لنظراتها الخائفة دموعها المراقة ارتجافتها الواضحة قطب جبينه يحادثها محتدا:.
- أنتي بتعيطي ليه، أنتي ما غلطتيش في حاجة، شيلي ايدي الناس من علي بوقك واللي يمس كرامتك بكلمة رديها بعشرة، روحية مش كدة.
نظرت له مندهشة كيف عرف من تكون، قطبت جبينها تنظر لوجهه للحظات لتتذكر ذلك هو الرجل الذي جاء لمنزلهم قبل أيام وتشاجر مع أدهم، نظر حمزة لها مشفقا الفتاة تبدو في عمر ابنته وربما أصغر، طلب منها أن تنتظره ليتوجه الي السيارة سريعا اخذ منها شيئا ليعاود إليها يعطيها جهاز غريب الشكل نظرت له متعجبة، ليبتسم هو يتمتم في مرح باهت:.
- دا صاعق كهربا كان بتاع مايا بنتي بس هي نسيته في العربية من مدة طويلة، خديه خليه معاكي، لو حد ضايقك، علي عليه الفولت
ابتسمت مرتبكة لتمد يدها بتردد تأخذ منه تلك الآلة شكرته بهمس خائف لتسرع في خطاها، ظل هو يراقب بعينيه الي أن دخلت الي مدخل العمارة السكنية، ليعود إلي سيارته ادار المحرك سريعا ليأخذ طريقه مغادرا.
صعدت روحية بخطي مرتجفة درجات السلم ما كادت تصل الى شقة منيرة وجدت بابها يُفتح من الداخل ومنيرة علي وشك الهبوط ركضا، تنهدت بارتياح ما أن رأتها لتحادثها قلقة:
- بت يا روحية انتي كويسة الواحد حمادة طلع قالي ان كان في عيال بيرخموا عليكي وفي واحد ضربهم، أنا يا دوب حطيت الطرحة علي دماغي وكنت نازلة اشوفك
ابتسمت روحية في ارتعاش خائف، اندفعت ناحية منيرة تعانقها بقوة تصيح بنحيب حارق:.
- أنا قولتلك مش هيرحموني، قولتلك هينهشوا في لحمي زيادة، تعبت، تعبت وعايزة أموت يمكن اخلص من العذاب دا بقي
ادمعت عيني منيرة حزنا علي حالها لتجذبها للداخل، اجلستها علي أقرب أريكة جلست جوارها تضمها الي أحضانها برفق تمسح علي حجابها تحاول تهدئتها، ابعدتها عنها بعد لحظات طويلة تحادثها بحزم:.
- وأنا قولتلك لازم تبقي انشف من كدة، يا بنتي الدنيا دي مش عايزة الغلبان، هتفرمه، انشفي يا روحية، ما تخليهمش يموتوكي بكلامهم انتي لسه في عز شبابك يا بنتي، هو ايه اللي حصل تحت
تنهدت روحية بحرقة تقص عليها ما حدث، لتعاود منيرة احتضان روحية من جديد تربت علي رأسها برفق تحادثها:.
- طب يا عبيطة ما هو ربنا جابلك حقك اهو، تفتكري ايه اللي هيخلي واحد زي حمزة بيه يقف فجاءة كدة بعربيته دي تدابير، اهو سمعهم ونزل اداهم العلقة التمام، علقة هيتوب عليها الشارع كله هيخافوا يجيبوا سيرتك، أنا عارفة الناس اللي احنا عايشين وسطهم، ناس تخاف ما تختشيش يا بنتي، المهم عملتي ايه في العيادة النهاردة
ابتعدت روحية عن منيرة ارتسمت برضا تتمتم في خفوت:.
- الحمد لله الدكتور راجل طيب ومحترم وبيعاملني كويس، دا حتي بيعلمني الإسعافات الأولية وازاي ادي حقن واقيس الحرارة، وبنته كمان سكرة اوي فاتحة عيادة أسنان في الشقة اللي في وشنا، ربنا يباركلهم والله
ابتسمت منيرة تربت علي وجنتها برفق تحادثها بحنو:
- ربنا يرضي عنك يا بنتي ويجبر بخاطرك، يلا أنا هقوم احضر الغدا لادهم
توسعت عيني روحية في دهشة ممتزجة بألم تتمتم:
- هو أدهم رجع.
كسي الوجوم الحزين وجه منيرة تنهدت بحسرة تتمتم حزينة:
- حسرة قلبي عليك يا ابني، راجع مدغدغ وبيقولولي حادثة بسيطة...
ارتسمت ابتسامة باهتة للغاية علي شفتي روحية قامت من مكانها وقفت أمام الاريكة التي تجلس عليها منيرة نظرت لها للحظات قبل أن تدمع عينيها تهمس لها يصوت خفيض مختنق:.
- حمد لله علي سلامته، بس سامحيني أنا مش هينفع أفضل هنا بعد النهاردة، الاول كنت مراته، وبعد كدة كنتي لوحدك فما رضتش اسيبك، انما دلوقتي ما ينفعش، ما هيصدقوا يخوضوا في سمعتي تاني بالباطل، عن إذنك
قالتها لتتوجه سريعا إلي باب المنزل فتحته ترغب في الفرار بعيدا، ابعد مما قد يصل عقلها، إلي حيث لن يعرفها أحد، لن تتحرق بألسنة كالسوط لا ترحم، وقفت مكانها حين سمعت صوت منيرة تحادثها بقوة:.
- استني عندك اياكي يا روحية تتحركي خطوة واحدة
وقفت روحية مكانها استدارت تواجه منيرة التي ترميها بنظرة ثابتة واثقة:
- انتي عندك حق في كل كلمة قولتيها بس أنا عندي الحل، هيخلصنا من المشكلة دي!
مر اسبوع سبعة ايام كاملة لم يحدث فيهم جديد علي جميع المستويات، زيدان عاد لعمله في الإدارة في القاهرة يغرق نفسه في العمل ليل نهار، يتطوع للذهاب لأي عملية مهما كانت ربما تنتهي حياته في أحدهم وينتهي من عذابه للأبد، حسام حبيس غرفته لم يخرج منها ابداا، خالد جواره أغلب الوقت، لينا فقط تحاول التخفيف عن الجميع...
بعد أن انتصف الليل، تحديدا ليل الليلة السابعة، في غرفة حسام فتح الأخير عينيه فجاءة ينظر لسقف الحجرة، للحظات طووويلة يري صورة والدته تنطبع أمامه انسابت الدموع من مقلتيه يحادثها داخل قلبه يعاتبها علي رحليها:
- كدة تسبيني وتمشي مش انتي قولتيلي أنك هتفضلي جنبي دايما، انتي وحشتيني أوي، نفسي ارمي نفسي في حضنك، نفسئ اسمع صوتك تاني، هنت عليكي يا ماما، هنت عليكي تسبيني وتمشي...
اغمض عينيه متألما لتنهمر الدموع من مقلتيه في صامت يقتل قلبه، فتح عينيه الحمراء من أثر الدموع بعد لحظات ينظر للنائم جواره، أبيه لم يتركه لحظة واحدة منذ ما حدث يعامله كأنه طفل صغير، يحاول حتي اطعامه كالأطفال، ابتسم متألما ليتحرك من مكانه يشعر بالاختناق يقبض علي صدره نزل لأسفل، لا يعلم إلي أين يذهب، فقط تحرك ينزل لأسفل خرج من باب المنزل الي الحديقة، يجلس علي مقعد من الخشب جوار شجرة كبيرة يستنده برأسه إلي ساقها يغمض عينيه تنساب دموعه في صمت، رأته تلك الجالسة في شرفة غرفتها تقرأ أحد الكتب القديمة، بعد أن جافها النوم لساعات، نظرت له مشفقة، كم يبدو حزينا وكأن الحياة انتزعت، حسام ذلك الشاب الذي لم يكن يتوقف عن الضحك، باتت الدموع رفيقته الآن، حاولت منع نفسها من الذهاب إليه ولكنها لم تقدر قلبها لم يسمح لها بذلك، تحركت سريعا تبدل ثيابها وضعت حجاب رأسها، لتنزل لأسفل، في طريقها مرت علي غرفة زيدان لتجد إضاءة الغرفة مضائة وبابها مفتوح اطلت برأسها تنظر لداخل الغرفة لتتنهد تهز رأسها نفيا يأسة حين رأته زيدان يرتمي بجسده علي فراشه بملابس العمل يغط في نوم عميق متعب، تقدمت لداخل الغرفة تنزع الحذاء من قدميه تشد رابطة عنقه، جذبت الغطاء تدثره به مسحت علي شعره بحنو ، تحركت للخارج تغلق الإضاءة تشد عليه الباب برفق، لتكمل طريقها إلي أسفل، فتحت باب المنزل تتجه لحيث يجلس حسام، اقتربت منه تحمحم بخفوت تتمتم:.
- مساء الخير
فتح حسام عينيه سريعا يرفع كفيه يمسح دموعه حمحم يبعد غصته الباكية عن صوته يتمتم شاردا:
- مساء النور يا دكتورة
- ممكن اقعد معاك لو هضايقك بلاش.
همست بها بابتسامة صغيرة عذبة تنظر له بحنو كأنه طفل صغير ، تنهد حسام يحرك رأسه إيجابا لتجلس عليه المقعد الصغير المقابل له، ظلت للحظات صامتة لا تعرف بأي جملة تحديدا عليها أن تبدأ، نظرت لحسام لتتذكر حالتها حين ماتت والدتها، كم حطمها ذلك الخبر وقتها، تنهدت تهمس بشرود حزين:.
- صدقيني يا حسام أنا عارفة أنت حاسس بايه، شعور مهما مر عليه الزمن مش هنساه، حاسة بالنار اللي قلبك، روحك بتصرخ من الوجع مش مصدقة اللي حصل، بتصحي كل يوم من النوم ونفسك يبقي اللي حصل دا كابوس أنا عيشت العذاب دا مرتين مرة لما قالولي أن خالد بعد الشر عنه مات، ومرة تانية لما والدتي توفت، حسام الحزن بيبقي في اوله بشع مؤلم، ولكن رحمة ربنا بينا النسيان والحزن مع الوقت بيقل بتفضل الذكري اللي ما بتسحمش لحد يموت بيفضل دايما عايش جوا قلوبنا.
ارتفع جانب فمه بابتسامة ساخرة يشيح بوجهه بعيدا عنها تلك الكلمات سمع نفسها قبل أيام من أبيه، يبدوا انهما حفظا نفس الكلمات ليقولاها معا، نزلت دمعة من عينيه يتمتم:
- أنا سمعت نفس الكلام دا بالظبط من بابا...
توسعت عينيها في حرج، حسام سيظن انهم يقولان تلك الكلمات المحفوظة فقط للتخفيف عنه بشكل مسرحي، هي حقا لم تكن تعرف أن خالد قال مثلها قبلا حمحمت تبتسم متوترة:.
- ودا ما يخلكش تلاحظ حاجة، احنا حاسين بيك يا حسام، عارفين وجعك كويس اوي، بس مش عايزين تغرق جواه عشان ما يدمركش يا ابني...
انكمشت قسمات وجهه من الألم ليشهق في بكاء عنيف قاسي، بكائه اخافها وهي تجلس أمامه عاجزة لا تعرف ما تفعل، تحركت تتقدم ناحيته تربت علي رأسه برفق كأنها تعامل طفل صغير يبكي، تهمس له بحنو:
- خلاص يا حسام بالله عليك كفاية، يا ابني ما تعملش كدة في نفسك.
رفع وجهه لها ما أن نطقت تلك الكلمة، لتتوتر هي من نظراته، ارتبكت تبتعد خطوة للخلف حين هب هو واقفا يصيح بحرقة:
- أنا هسيب الطب مش هرجعله تاني، أنا ما عرفتش اساعدها، انا دكتور فاشل
شخصت عينيها مصدومة تحرك رأسها نفيا بعنف تحركت ناحيته تقف أمامه سريعا ما أن تجاوزها وقفت أمامه تشهر سبابته أمام وجهه تحادثه بحزم:.
- اياك تقول كدة تاني، ما تحملش نفسك ذنب إنت مالكش دعوة بيه وتدمر بيه حياتك، قضاء ربنا فوق كل شئ، أنت لو أحسن دكتور في العالم مش هتمنع قدر، ثانيا أنت دكتور نسا يا دكتور مالكش دعوة بأمراض القلب اصلا، ربنا اختارلك تكون السبب في وجود أرواح طاهرة نقية كام طفل اتولد علي ايدك كام أم انقذتها من الموت كام فرحة شوفتها في عينين أب، اوعي تدمر دا يا حسام، والدتك الله يرحمها ما كنتش أبدا هتسحملك تعمل كدة وهي وصتني عليك، هتسألني عنك لما اروحلها، ويكون في علمك أنا مش هسحملك تدمر حياتك.
وقفت للحظات ينظر لها عاجزا عن النطق بحرف فقط يبكي تغرق الدموع وجهه هي محقة، محقة في كل حرف قالته، طالته صمته لترسم هي إبتسامة حانية علي شفتيها امسكت كف يده تجذبه خلفها للداخل تتمتم في صرامة بشكل مرح:
- أكيد جعان أنا واقعة من الجوع خالد بيقولي أنك ما بتاكلش، بتعمل دايت يا حسام.
لم يبتسم حتي فقط سار خلفها مستسلمة جذبته إلي أن دخلت الي المطبخ توجه هو يجلس علي أحد المقاعد الملتفة حول طاولة المطبخ، لتتحرك هي سريعا تعد له الطعام، وضعت أمامه عدة أطباق لتسمك زجاجة « الكاتشب » ترسم وجه مبتسم علي طبقه الفارغ ارتسمت ابتسامة حزينة علي شفته لتدفع إليه الشوكة وقفت أمام الطاولة تحادثه مبتسمة:.
- دوق بقي اكلي وقولي رأيك، أنت عارف أنا ما بقتش بدخل المطبخ اصلا، بقالي كتير ما طبختش، فلو طلع وحش قولي حلو، عشان هيجيلي اكتئاب
لم يستطيع حسام أن يمنع تلك الابتسامة الحزينة التي تسللت بخفة إلي شفتيه، ما كاد يقرب الطعام من فمه سمع صوت غاضب يتمتم حانقا:
- دي خيااااانة، دي اييييه خياااانة، من ساعة ما حسام جه وانتي منفضالي، هو أنا مش ابنك ولا هو الواد دا خد مني الدلع كله.
ضحكت لينا بخفة تنظر لزيدان يآسه كم يبدو كطفل صغير غاضب، توجهت ناحيته تجذب يده ليجلس علي المقعد المجاور له تضع الطعام هو الآخر، لتجده يرفع طبقه الفارغ إليها يضيق عينيه قليلا يتحدث كطفل غاضب:
- ارسميلي وش بيضحك زيه.
ضحكت رغما عنها تنظر للجالس يآسة من عناده، بدأ زيدان يشاغب زيدان وهو يأكل عله يخفف عنه قليلا بينما لينا تقق تراقبهما مبتسمة، خرجت من بين شفتيها شهقة مدهوشة حين شعرت باحدهم يحتضنها نظرت خلفها سريعا لتجد خالد ينظر لها يبتسم ممتنا لكزته بمرفقها في صدره تهمس له حانقة:
- خالد وبعدين ابعد ما ينفعش كدة
حرك رأسه نفيا يهمس لها بصوت خفيض حانق:
- لاء ولاد الكلب دول خدوكي مني، سيبيهم يولعوا في بعض، وتعالي معايا.
ابعدته عنها تنظر له في غيظ من أفعاله الصيباينية جذبت يده ليجلس جوارهم علي الطاولة، زم شفتيه حانقا ليرفع طبقا إليها يتمتم بنزق:
- هي جت عليا أنا ارسميلي وش بيضحك زيهم
تعالت ضحكاتهم جميعا حتي حسام خرجت من بين شفتيه ضحكات خفيضة حزينة تنبأ بغد أفضل.
في صباح اليوم التالي وقفت سيارة معاذ أمام شركة والدها، التفت لها يقول مبتسما في عشق:
- مش هتأخر عليكي، أنا هستلم شغلي في المستشفى، هخلص واجيلك علي طول
ابتسمت له تومأ برأسها إيجابا، اقتربت منها يود تقبيل وجنتها لتبتعد هي للخلف تنظر به متوترة، تنهد حانقا مما حدث بينما ارتجفت هي حدقتيها متوترة، زفر بقوة ليعاود النظر إليها يتمتم مبتسما:
- ولا يهمك يا حبيبتي، يلا انزلي عشان ما تتأخريش.
فتحت الباب السيارة نزلت لتراه يلوح لها رفعت يدها تلوح له بخمول، تحركت لداخل الشركة عقلها شارد مغيب، أسبوع مر علي وجودها في منزل معاذ، العلاقة بينهما محدودة لأبعد حد، لا تراه تقريبا الا علي طاولة الطعام مرة او اثنتين يوما، الكاوبيس البشعة زادت بشكل مزعج في الفترة الأخيرة، توجهت الي مكتبها التي تشاركه مع السيدة أشرقت، لتري المكتب فارغا، قطبت جبينها متعجبة أين ذهبت، خرجت من المكتب تسأل أحد عمال البوفية، ليخبرها بأن اجازتها الاسبوعية اليوم، تنهدت لتعاود الجلوس علي مقعد مكتبها تنظر لجدول المهام الأسبوعي التي تعده السيدة أشرقت مع بداية كل اسبوع وبدأت العمل، مرت ساعة تقريبا وهي تجهز بعض أوراق العملاء، قبل أن تلتقط هاتفها تتصل برقم أخيها، لحظات وسمعت صوته الخامل يحادثها:.
- ايوة يا لينا
تمتمت سريعا تسأله متلهفة:
- ها يا جاسر عملت إيه لسه ما لقتهاش
سمعت زفرة طووووويلة منهكة تخرق من بين شفتيه، لتشعر بغصة صوته الباكية:
- لسه يا لينا، قلبت عليها إسكندرية كلها، ما سيبتش مكان ما دروتش فيه، أنا دورت حتي في المستشفيات والأقسام مالهاش اي أثر ، أنا هتجنن عليها...
ادمعت عينيها حزنا علي شقيقها وصديقتها، كم تتمني أن يعثر جاسر عليها قريبا ويشرح لها الوضع وما حدث كاملا حاولت مرارا وتكرارا الاتصال بنفس الرقم الذي حادثتها سهيلة منه من عدة أرقام مختلفة ولكن النتيجة واحدة دائما « الهاتف الذي تحاول الاتصال به ربما يكون مغلق او غير متاح حاليا »، لا فائدة سهيلة اختفت بلا أثر، تنهدت بحرقة تحاول التخفيف عن أخيها قليلا:.
- هتلاقيها يا جاسر أنا واثقة أنك هتلاقيها...
في الأسفل وقفت سيارة خالد السويسي امام شركته، عمر أخيه يريد منه التوقيع علي صفقة هامة لذلك هو هنا الآن، ما كاد ينزل من السيارة وجد هاتفه يدق برقم محمد فتح الخط سريعا ليجد صديقه يحادثه متعجلا:
- خالد إنت فين الملف بتاع آخر عملية معاك، أنا محتاجه ضروري
صدم جبينه براحة يده ينظر لاريكة السيارة الخلفية تنهدت يزفر حانقا:.
- ايوة يا محمد معايا بس أنا مش هاجي الادارة النهاردة عندي شغل كتير في الشركة، اقولك هبعتهولك مع زيدان
اغلق الخط مع صديقه، ليعاود الاتصال بزيدان يخبره بأن يأتي له إلي الشركة في الحال، التقط الملف يأخذه معه للداخل مر في طريقه علي مكتب عمر، ليقطب جبينه متعجبا حين وجد مساعدته القديمة تجلس علي مكتب تالا، كاد أن يسألها عنها حين سمع صوت أخيه يهتف من خلفه بمرح:
- أبو الخلد.
التفت خالد خلفه ليجد عمر أخيه يبدو أنه قد اتي توا نظر خالد لساعة يده ليعاود النظر لأخيه يتمتم ساخرا:
- أنت متأخر يا بيه، ايه خدت علي الانتخة
ضحك عمر في مرح ليتقدم يعانق أخيه يتمتم ساخرا:
- هو اللي يشتغل معاك يعرف الانتخة، دا أنت ساحلنا سحل الفراخ في المجزر يا مفتري
ضحك خالد في تهكم يبعد شقيقه عنه ينظر له يبتسم فئ استفزاز يسأله:
- اومال تالا فين مش شايفها يعني، ما صدقش أنك اقنتعها تقعد من الشغل.
ابتسم عمر في زهو يرفع تلابيب ملابسه بافتخار يتمتم:
- مش أنا اللي اقنعتها محروس اللي اقنعها
قطب خالد جبنيه مستنكرا من ذلك المحروس الذي يتفاخر به أخيه لتلك الدرجة نظر لعمر باشمئزاز يتمتم:
- محروس مين، أنت بقيت قرني ياض ولا ايه
ضحك عمر صاخبا يلكز أخيه في كتفه يتمتم ضاحكا:
- عيب عليك أنا ميمي آه بس راجل أوي، محروس دا يبقي ابن اخوك، تالا حامل يا خالد.
توسعت حدقتي خالد في دهشة للحظات قبل أن تغزو شفتيه ابتسامة واسعة تقدم يعانق أخيه يهنئه:
- بجد الف مبروك يا حبيبي، بس ايه محروس دا يا حيوان البرك، أنت عايز تطلع الواد معقد، مش كفاية انه هتبقي ابوه، يعني تبقي أنت ابوه وتمسيه محروس دا ممكن ينتحر اصلا.
تعالت ضحكات الشقيقين قبل، هنئ خالد أخيه من جديد قبل أن يأخذ طريقه إلي مكتبه، حين وصل لم يجد لينا ولكنه وجد حقيبتها، ابتسم للحظات قبل أن يأخذ طريقه للمكتب، خرجت لينا من المرحاض تعود لمكتبها لتري غرفة مكتب ابيها مضاءة لتعلم أنه أتي، ظلت تباشر عملها لفترة كبيرة من الوقت، قبل أن تسمع والدها وهو يحادث زيدان، هدوء المكان جعلها تسمع ما يقول بوضوح:
- ايوة يا زيدان، أنت تحت، طب اطلعلي أنا مستنيك.
شعرت بدقات قلبها تتقافز ما أن علمت أنه علي وشك القدوم، ارتسمت ابتسامة واسعة خبيثة علي شفتيها تنظر للجيبة السوداء الواسعة التي ترتديها تعقد في نفسها أمرا خبيثا...
تحرك زيدان يصعد الي أعلي يدعو في نفسه الا يراها اليوم وصل الي مكتب السكرتيرة ليجدها هي، ها هي تجلس امامه وقف أمام باب مكتبها المفتوح يستند بجسده علي إطار الباب ينظر لها ترتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة هادئة حزينة، ظل يتأملها وهي تعمل بتركيز علي تلك الأوراق أمامها، ليقف معتدل دق باب غرفة مكتبها، لتلتفت ناحيته نظرة سريعة عادت بها تنظر للأوراق أمامها بتركيز، ليسمعها تهتف بتلك النبرة الباردة: - اتفضل يا زيدان بيه استريح هدي خبر للباشا أنك هنا.
تنهد حانقا لما جاء لما رآها لم يكن يرغب في رؤيتها، قلبها ما عاد له القدرة علي تحمل اي ألم، اتجه ناحية مكتبها جلس علي الكرسي المجاور لمكتبها الزجاجي الفخم، ليجدها تمسك بهاتف مكتبها الصغير، رفعت سماعته تضعها علي اذنها تهتف برسمية:
- خالد باشا زيدان باشا وصل، حاضر يا باشا
وضعت السماعة مكانها لتنظر له تبتسم علي مضض ابتسامة صفراء باردة، لترفع يدها تشير للباب الغرفة المغلق امامهم:
- الباشا في انتظارك.
وقف يعقد زر حلته الفخمة لتلمح عينيه شيئا لا يعرف كيف لم يراها منذ البداية تلك المجنونة التي ستصيبه بالجنون يوما، وربما حدث ذلك وهو لم يدري، ترتدي جيبة قصيرة للغاية بالكاد تصل لمنتصف قدميها، عقد جبينه بحدة مكتبها زجاجي شفاف بالطبع رآها الكثيرون بتلك الصورة، كور قبضة يده يشد عليها...
نظر لها يبتسم ساخرا ينظر لها من أعلي لأسفل يتفحصها بنظراته:.
- هي الجيبة دي مش قصيرة شويتين والمفروض أننا في شركة محترمة
وضعت قدما فوق اخري تنظر له تبتسم ابتسامة انثاوية ماكرة لتتشدق بتهكم:
- والله جوزي شافني وأنا خارجة وما اعترضش. أعتقد مالكش اي صفة عشان تعترض علي لبسي ولا إيه يا زيدان باشا
حدقها بنظرة نارية مشتعلة الكلمة أصابت قلبه في مقتل، رماها بنظرة أخيه قاسية
ليتجه ناحية ذلك المكتب دق الباب ودخل ليصيح كإعصار هائج ما أن وطئت قدميه الغرفة:.
- عجبك المسخرة اللي بنتك عملاها دي، أنت شوفتها لابسة إيه، أنت ازاي تسمحلها بالمسخرة دي
رفع نظره من علي الأوراق ينظر للواقف أمامه عاقدا جبينه بتعجب ماذا يقول ذلك الأحمق ليردد بفتور:
- مسخرة ايه ولبس إيه، إيه الهبل اللي أنت بتقوله دا.
اشار بسبابته ناحية الباب المغلق يصيح بحنق كلما تذكر أن الجميع رآها بذلك الشكل يشعر بالدماء تشتعل في رأسه:.
- الست لينا هانم بنتك جاية بجيبة فوق الركبة رجلها كلها باينة للي رايح واللي جاي
عقد جبينه محتدا صحيح أنه لم يري لينا صباحا ولكنها من المستحيل أن تفعل ذلك، رفع سماعة هاتف مكتبه مرددا بلهجة حازمة حادة:
- لينا تكوني قدامي حالا
سمع صوتها المرتبك تهمس بتوتر:
- حاضر يا افندم.
وضع السماعة مكانها ما هي إلا لحظات حتي سمعا صوت دقاتها علي باب الغرفة إذن لها بالدخول لتفتح الباب وتدخل اقتربت من مكتب والدها تطرق رأسها بأدب تهمس بخفوت:
-خير يا باشا
اتسعت عيني زيدان لسانه التجم من الصدمة ليوجه له خالد نظرة نارية مشتعلة حينما رأي ما ترتدي جيبة طويلة سوداء تصل لنهاية كاحلها متسعة للغاية، عاود النظر الي ابنته حمحم يهتف بهدوء:.
- لاء ابدا ما فيش كنت بدور علي ملف صفقة وخلاص لقيته، روحي انتي وخلي البوفية يعملنا قهوة مظبوط
هزت رأسها إيجابا دون أن تنطق التفتت لتخرج لتراه يقف في حالته تلك عاجز عن الكلام ينظر لها بذهول لتلقي عليه نظرة ساخرة امسكت مقبض الباب تفتحه قبل أن تخرج وجهت له ابتسامة خبيثة شامتة ومن ثم خرجت بهدوء.
والابتسامة لا تزال تزين ثغرها، عادت لمكتبها، لحظات قليلة وخرج زيدان يحمل ملف في يده، اقترب من مكتبها يستند بكفيه علي سطحه ابتسم يتمتم ساخرا:
- حلوة الحركة دي هو دا اللي بيعلمهولك جوزك...
اشتعلت أنفاسها ترميه بنظرات حاقدة مشتاقة كارهة، ابتسم هو ابتسامة سوداء ممزقة:
- صحيح مش تباركلي انا نويت اتجوز، طبعا اول دعوة هتبقي ليكي، سلام يا بنت خالي.
رماها بنظرة اخيرة ساخرة ليغادر المكتب بينما اشتعلت هي أنفاسها تشعر بألم بشع يغزو قلبها، إحساس بشع لا يمكن وصفه، ما إن استعادت ثباتها التقطت حقيبتها تخرج سريعا من المكتب دون حتي أن تخبر والدها أنها ستغادر، نزلت تهرول خارج الشركة بأكملها لتجد معاذ يقف بسيارته في تلك اللحظة ابتسم باتساع يحادثها ضاحكا:
- بنت حلال والله كنت لسه هتصل بيكي.
لم تقدر حتي علي الابتسام، جلست جواره سريعا تصفع الباب خلفها، تحاول أن تبدو هادئة وقلبها يصرخ من الألم تسمع صوت معاذ يحادثها من بعيد ولكنها حقا لا تعي ما يقول عقلها هناك عنده، سيتزوج كما فعلت، سيزيقها من نفس الكأس التي اذاقته منها، تلك نهاية الطريق لكلاهما، الكثير من الأفكار العاصفة ضربت عقلها، افكار لم تفق منها الا حين لاحظت أن الطريق التي تسير فيه السيارة مختلف عن طريق العودة لمنزلهم نظرت لمعاذ تقطب جبنيها متعجبة تسأله:.
- احنا رايحين فين
توسعت عينيه ينظر لها مدهوشا ليتمتم في ذهول:
- بقالي ساعة بقولك أن أنا عاملك مفاجأة وهنسافر أنا وانتي، كل دا ما سمعتنيش.
زفرت في حيرة تمزقها تخفي وجهها بين كفاية الي متي ستظل في تلك الحلقة المفرغة من الحيرة والألم تنهدت ترجع برأسها لنهاية المقعد اغمضت عينيها ما هي الا دقائق وانسحب عقلها، كم مر عليها لا تدري هي فقط استيقظت فجاءة علي صوت معاذ يوقظها، فتحت عينيها لتراه أمامها يخبرها مبتسما انهما قد وصلا، نزلت من سيارته لتتوسع عينيها مدهوشة حين رأت قصر ضخم كبير للغاية، قصر يبدو أثري قديم، تحركت خلف معاذ للداخل تنظر للحديقة الواسعة حولها المكان أكثر من رائع نظرت لمعاذ لتراه يبتسم لها، تحركا معا لداخل القصر، ما إن دخلا سمعت صوت طرقات حذاء تأتي من خلفها نظرت سريعا لتجد سيدة في غاية الجمال تنزل من فوق سلم البيت الضخم، تبتسم ابتسامة واسعة عينيها زرقاء لامعة بشرتها بيضاء ناصعة، نظرت لينا لها متعجبة من تلك السيدة، توسعت ابتسامة معاذ اقترب منها يتمتم مبتسما:.
- ماما وحشتيني اوي
توسعت عينيها في اندهاش والدته ولكن تلك ليست هي السيدة التي رأتها من قبل كيف يمكن أن تكون تلك والدته، سمعت ضحكات تلك السيدة ومعها معاذ لتتمتم السيدة ضاحكة:
- مش قولتلك مش هتعرفني
ضحك معاذ هو الآخر يحرك رأسه إيجابا تحرك ناحية لينا يحادثها مبتسما:
- دي ماما يا لينا مش عرفاها.
نظرت لهما في ريبة تلك السيدة ليست من رأت من قبل، حركت رأسها نفيا لتتعالي ضحكات معاذ، امسك بيدها يجذبها لأقرب أريكة، التقط دفتر كبير للصور جلس جوارها يفتحه، أشار الي صورة تلك السيدة بهيئتها كما رأتها الآن، ليعاود الإشارة للكثير من الصور لعدة سيدات أخري يتمتم مبتسما:.
- دا يا ستي شكل امي الحقيقي، بس ماما ومن هي صغيرة عندها شغف كبير بالمكياج وأنه ازاي يقدر يغير الملامح للشكل اللي إنت عاوزه، كل الصور دي ماما بردوا، شوفتي هي فنانة قد ايه
توسعت عينيها في اندهاش، الصور لا تتشابه مع بعضها البعض ولا مع ملامحها الأساسية في شئ، ولكنها حقا قلقة، الأمر برمته مقلق، عادت تنظر لوالدة معاذ متوترة لتقترب الأخيرة منها جلست جوارها تحادثها بحنو:.
- حبيبتي انا ما كنش قصدي اخوفك، l was joking with you، بس واضح انها كانت joke سخيفة شوية...
حاولت لينا أن تبتسم ولكن شفتيها لم تقدر حتي علي فعل ذلك، فقط حركت رأسها بالإيجاب، تنظر لها بريبة، تنهدت والدة معاذ، تحادثها مبتسمة:
- اوكي بما انك قلقانة مني ممكن تاخدي جولة في الجنينة تهدي بيها أعصابك وأنا هتكلم مع معاذ.
شعرت بأنها تطردها بطريقة اكثر شياكة، حركت رأسها إيجابا سريعا خرجت للحديقة تتحرك علي غير هدي تشعر بقلق بشع يتسرب إليها شئ سي سيحدث او ربما حدث بالفعل تنهدت قلقة تتحرك هنا وهناك، الي لمحت عينيها باب ضخم عند نهاية الحديقة، نظرت حولها لا أحد ربما هو الفضول الذي يدفعها للذهاب لهناك، تحركت بخفة ناحيته، ربما هو الجراش، او شئ تسلي به وقتها ينسيها قلقها، او ربما شئ سي لا يجب عليها الاقتراب منه، تنهدت حائرة حين وقفت أمام باب الغرفة، لتجد مزلاج ضخم يغلقها، غضت علي شفتيها لحظات تفكر، فتحت المزلاج بخفة تنهدت حين لم يصدر صوتا عاليا، تحركت للداخل بخطي مترددة رأت من خلال ضوء الحديقة عدة مفاتيح للكهرباء، ضغطت عليها ليكسو الضوء الغرفة رأت حين اضاءت الغرفة، شاب تقريبا في أواخر العشرينات، ابتسم ساخرا ما أن رآها ليتمتم متهكما:.
- وانتي مين بقي، تبع البيه ولا الهانم.
قطبت جبينها متعجبة من طريقته الساخرة نظرت له عن كثب تسأله:
- أنت مين وبتعمل ايه هنا
قلب ذلك الشاب عينيه في ملل ابتسم يتمتم ساخرا:
- أنا معاذ الحسيني...
الفصل الرابع والتاسعون والخامس والتاسعون الجزء الرابع من هنا