رواية أسير عينيها
الفصل المائه و خمسة 105 والمائه وسته 106 الجزء الرابع
بقلم دينا جمال
تأفتت حانقة للمرة الألف تقريبا، زوجها المستفز يصر على جعلها تفقد أعصابها ماذا يفعل لا شئ أبدا فقط يدور حولها وكأنه ذبابة مزعجة يتعمد الاصطدام بها في طريقه وكأنها بمحض الصدفة البحتة، شدت على أسنانها تنظر له مغتاظة هل يظن بما يفعل أنها ستصفح عنه كما كانت قبلا، تلك المرة لا هي أحبته بكل ذرة فيه لم تخجل من أن تخبره بحبها، تغاضت عن الكثير حين وافقت على البقاء معه وهو متزوج باخري، ولكن ما فعله بها ليس بالهين إطلاقا، نعم نعم لم يكن يشعر بما يفعل كان مسحورا مجبرا على فعل، ولكنها كانت تعي تشعر تتألم، هي من عانت، زفرت أنفاسها الثقيلة قبل أن تمد يدها تلتقط فنجان القهوة ترتشف منه بضع رشفات تتابعه بعينيها وهو يتحدث مع أبيها بشأن الحديقة، والدها يريد زراعة اشجار الفاكهة فيها، ومن أفضل من يساعده في تلك الأمور...
سرحت مقلتيها في قسمات وجهه دائما ما تخونها عينيها حين تنظر إليه، يبدأ قلبها بالتقافز وكأنها تراه للمرة الأولي، تنظر له وهو يقف قامته الطويلة بشرته السمراء، ابتسامته الرائعة، خصلات شعره السوداء الكثيفة التي يتدلي القليل منها ليغطي غرته وهو يتحدث مع والدها بعملية شخص خبير في مجال عمله، ارتبكت واحمرت وجنتيها تشيح بوجهها بعيدا عنه حين نظر لها خلسة يغمزها بطرف عينيه الوقح لازال يظن أن له تأثيرا عليها!، حاولت أن تبدو طبيعة فرفعت الفنجام لفمها ترتشف منه عدة رشفات سريعة، تري طيفه يقترب منها من بعيد، تسارعت دقات قلبها حين انحني بجزعه العلوي منها يحاول اخذ الفنجان من يدها يتمتم قلقا:.
- هي مش القهوة غلط على الحوامل ولا أنا بيتهيئلي
ابعدت الفنجان عنه تنظر له محتدة في غيظ، تبحث بعينيها عن والدها لتراه يتحرك لداخل المنزل، تنهدت حانقة ترفع الفنجان لفمها ترتشف ما بقي فيه دفعة واحدة وضعته على الطاولة تغمغم حانقة:
- مش شغلك، غلط صح، مش شغلك.
كادت شهقة متفاجاة تخرج من بين شفتيها حين مد يده يمسك بطرف ذقنها برفق، يدير وجهها إليه يأسر مقلتيها داخل عينيه، تغوص في عتمة ليله المضئ، اختفت أنفاسها حين خرج صوته الهامس الشغوف:
- اومال شغل مين يا سهيلة، مين اللي يخاف على مراتي حبيبتي أم ابني او بنتي، أنتي عارفة اللي حصل كان غصب عني، وعارفة كمان اني بحبك أوي...
حسنا توقف توقف قبل أن تنهار مقاومتها الواهية وترتمي بين ذراعيه تبكي تخبره بأنها حقا اشتاقت له، لم تحب غيره ولكنها غاضبة تتألم مما فعل، تبدلت مشاعر الاشتياق بشعور قاسي بالألم عصف بأمعائها فجاءة، ورغبة بشعة في التقئ، رغبة لم تقاومها بل دفعت جاسر بعيدا عنها تميل بجسدها ناحية العشب أرضا تخرج كل ما تحوي امعائها وخاصة القهوة، اندفع جاسر إليها يلف ذراعه حول كتفيها يحكم سيطرته على جسدها كي لا تسقط أرضا، يمسح بيده على شعرها وطهرها يحدثها قلقا:.
- خدي نفسك، براحة يا حبيبتي
لحظات أخري إلي أن توقفت عن التقيؤ، عادت بجسدها للخلف لترتمي على صدره، تتنفس بعنف، تنظر لحالتها المقززة المذرية، تجثو على ركبتيها أرضا على عشب الحديقة يديها ملطخة بطين العشب، ملابسها مزيج قذر مما خرج من فمها ومن الطين والأعشاب، آخر ما سمعته منه كان صوته يهمس معاتبا:
- ما قولتلك بلاش قهوة يا سهيلة.
شعرت بجسدها يُحمل بخفة بين ذراعيه، اغمضت عينيها تشعر بالنعاس والألم، رغما عنها غاصت في دوامة النوم، لمدة بسيطة ربما هي ساعة على أقصى تقدير حين شعرت بوخز مؤلم في ذراعها قطبت ما بين حاجبيها متألمة فتحت عينيها قليلا لتري رجل يتحرك من جوارها حاولت التركيز قليلا لتسمع جاسر يشكره:
- متشكر اوي يا دكتور حقيقي مش عارف اشكرك ازاي.
لما يشكره من الأساس ماذا حدث ولحظة واحدة لما هناك طبيب في غرفتها، سمعت ذلك الطبيب يقول:
- لا أبدا لا شكر على واجب يا أستاذ جاسر، أنا وحسام أصدقاء هو مجرد ما بلغني أن مرات حضرتك تعبانة جتلكوا على طول، أهم حاجة تاخد الادوية دي بانتظام، وتبعد عن القهوة والشاي واي حاجة فيها كافيين وبإذن الله هتبقي بخير.
ومرة أخري عاد جاسر يشكر الطبيب ليصطحبه لخارج الغرفة، تقدم والدها من فراشها مهرولا جلس بالقرب منها ينظر لها معاتبا، لتتحدث فئ تلك اللحظة بصوت ضعيف خامل:
- هو إيه اللي حصل
تنهد والدها بارتياح قبل أن يمد كف يده يمسح على رأسها برفق يحادثها بحنو:
- الحمد لله يا بنتي أنك بخير، دا أنا قلبي كان هيقف لما لقيت جاسر شايلك وداخل يجري وانتي مغمي عليكي، الحمد لله.
ابتسمت بوهن، تريح رأسها على الوسادة فقدت الوعي، نظرت لملابسها توقعت أن تجد ثيابها المتسخة لتُفاجئ بثوب أبيض طويل كادت أن تسأل والدها مذعورة من بدل لها ثيابها ليبادر هو قائلا في هدوء:
- أم حسن الشغالة هي اللي غيرتلك هدومك، جاسر حطك على السرير وطلع يجري برة البيت وهو ييكلم حسام إبن عمك خالد، وقالي حد يغير لسهيلة هدومها على ما اجيب دكتور.
تنهد بارتياح تحرك رأسها بالإيجاب، سمعت صوت رنين هاتفها، ليلتقطه والدها من الطاولة المجاورة لفراشها نظر للاسم لينظر لابنته:
- حسام
ابتسمت سهيلة في ضعف، مدت يدها تأخذ الهاتف من والدها ليربت الاخير على رأسها برفق يخبرها بأنه سيذهب لأسفل يخبر الخدم بأن يعدوا الطعام لها، خرج والدها من الغرفة لتقرب هي الهاتف من اذنها فتحت الخط، خرج صوتها هامسا ضعيفا:
- أيوة يا حسام.
- ما أنتي صوتك زي القرد اهو، اومال جاسر بيتصل بيا يصوت ليه الحقني سهيلة اغمي عليها وبترجع
أردف بها حسام بنبرة ساخرة مرحة، مما جعل ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتي سهيلة دون رد، لتسمعه يكمل كلامه موبخا اياها:
- هو أنا مش قايلك يا أنثي كلب البحر أن القهوة ممنوعة، ايه الكيف بيذل...
ضحكت رغما عنها من كلماته على الرغم من توبيخه إلا أن طريقته في الكلام اشعرتها بأنها تريد الضحك، ضحكات اخرستها جملته التي نطقها في مكر:
- اضحكي اضحكي، على العموم أنا موصي عليكي صادق يكتبلك علاجك كله حقن، سلام يا سرسورة
توسعت عينيها في هلع تقبض بيدها على الهاتف تهتف سريعا في توتر:
- حسام ما تهزرش، حسام ألو ألو.
ولا حياة لمن تنادي سمعته ضحكته المتشفية الأخيرة ليغلق الخط في وجهها، توسعت عينيها قلقا للحظات تحاول طمئنة نفسها بأن حسام صاحب الظل الخفيف بالطبع يمزح ابتلعت لعابها تحاول أن تهدئ في لحظة دخول جاسر إلي الغرفة ينظر لحقيبة العلاج في يده يغمغم في عجب:
- ايه الدكتور الغريب دا، العلاج كله حقن!
توسعت عيني سهيلة في هلع، مع تقلب هرموناتها في تلك المرحلة انفجرت في البكاء كالأطفال، توسعت عيني جاسر في هلع من حالتها ، اقترب جاسر منها سريعا يغمغم في هلع:
- سهيلة، اهدي يا سهيلة والله العظيم كنت بهزر، بصي حتي اهو اهو
افرغ حقيبة الدواء جوارها على الفراش يغمغم متلهفا:
- اهي والله بصي، حسام الحيوان منه لله بس اشوفه هعلقه...
شد جسدها برفق انتفصت قليلا في جلستها بينما هو يخفيها بين ذراعيه، يمسح على شعرها برفق يحادثها بحنو ونبرة مرتعشة قلقة:
- اهدي يا سهيلة خلاص، كدة توقعي قلبي، مش قولتلك القهوة غلط، أنا هموت من الرعب لما اغمي عليكي، الحمد لله يا حبيبتي أنك بخير
ارتسمت ابتسامة طفيفة ناعسة متعبة على شفتيها، اسندت رأسها على صدره، رفع رأسه قليلا ينظر لها، وعينيها تغيب في النعاس ليقبل جبينها يهمس لها في عشق:
- بحبك.
ابتسمت في خمول يبدو أنها غاصت في دوامة النعاس وما تقوله هو حلم وردي سعيد تسمعه يقول فيه أنه يحبها لتهمس له هي الاخري:
- وأنا كمان بحبك أوي يا جاسر
كلمة واحدة نطقتها قبل أن تغوص في النوم تبتسم وكأنها طفلة صغيرة تحلم بأنها تلعب في مدينة ألعاب للاطفال مصنوعة خصيصا لها، بينما يشق ثغره هو إبتسامة واسعة عاشقة اراح جسدها برفق شديد إلي الفراش ليتسطح جوارها يجذبها لصدره يبتسم حين ينظر لبطنها المنتفخ!
الغيظ الغضب الغيرة مشاعر سوداء عنيفة ملتهبة كالنيران اشتعلت بقلبها تحرق اوصالها حين رأت الشقراء كما تسميها تمتطي صهوة جواد أسود ضخم، خلف من، خلف حبيبها هي، حبيبها التي تحاول الشقراء سرقته، بأفعالها الماجنة اللعوب، قدحت مقلتيها شررا تستمع إلي ضحكاتها الناعمة، كم رغبت فئ ان تمزق تلك الضحكات من على وجهها تقطع كفيها للتي تجرأت لتحاوطان بها زوجها، زوجها هي ، كان وسيظل، شدت بيديها على العلبة التي تمسكها حين سمعتها تحادثه برقة وهي تضحك:.
- زيدان، تأرف أنا مش ركبت هصان من كتير اوي
شدت على أسنانها بعنف حتي لا تصرخ نظرت حولها لتجد حجر صغير، امسكته في يدها تنظر الشقراء في غل، من الجيد ان ظهر الشقراء مقابل لها رفعت يدها تلقي عليها الحجر بعنف ليصطدم بظهرها، صاحت انجليكا متألمة بينما التفتت لينا سريعا توليهم ظهرها تضع هاتفها على اذنيها كأنها تتحدث فيه، التفت زيدان سريعا ناحية انجليكا يسألها قلقا:
- مالك يا انجليكا بتصرخي ليه.
تأوهت من الألم تمسد ظهرها تهمس بصوت خفيض متألم:
- مش آرفة زيدان في هاجة هبطتت في ضهري ، بتوجآني أوي.
قطب جبينه متعجبا، ينظر حوله ليجد حجر صغير بالقرب منهم، نظر خلفه من اتجاه الحجر ليجد لينا تقف هناك توليهم ظهرها في الظاهر تختلس النظر إليهم، تنهد يآسا، جذب لجام الحصان ليوقفه، قفز من فوقه بخفة ليمد ذراعيه يمسك بانجليكا ينزلها أرضا، حملها بين ذراعيه إلي اقرب مقعد في الحديقة لتتوسع عيني لينا في غيظ، يحملها، يحمل الشقراء بين ذراعيه، اقترب حسان منه ينظر لما يحدث متضايقا يبحث بعينيه عن حسام توجه ناحية زيدان يحادثه محتدا:.
- في ايه يا زيدان إحنا مش في البندر اهنه، عشان تركبها وراك الحصان وتلفحها على درعاتك اكدة، فينها مرتك وخطيبها
اتي حسام في تلك اللحظات مر من جوار لينا التي تكاد تنفجر غيظا رأي غيرتها الواضحة للغاية ليبتسم ساخرا، تقدم ناحية زيدان هو وانجليكا ليبادر حسان صائحا في حدة:
- وبعدهالك يا دكتور ما تلم خطيبتك، كيف جابل على نفسك أنها تركب الحصان ورا جوز أختك، أنا فكرتك راجل.
ابتسم حسام متهكما كتف ذراعيه أمام صدره ينظر لحسان في هدوم ساخر يتمتم متهكما:
- غريبة أنا كمان لما شوفتك افتكرتك راجل!
امتقع وجه حسان غضبا من سخرية حسام اللاذعة ليرميه بنظرة حادة قبل أن يتركهم ويغادر، وقف حسام أمام انجليكا يتمتم مبتسما في اصفرار:
- انتي هنا خطيبتي، يعني ما ينفعش تركبي ورا زيدان الحصان، اتفضلي على اوضتك لحد ما الغدا يجهز يلا.
قطبت جبينها تنظر له محتدة من هو ليحادثها بذلك الشكل، فتحت فمها تريد أن ترد ليصيح فيها حسام بحدة طفيفة:
- أنا مش يلا، يلااااا
انتفضت انجليكا واقفة تنظر لزيدان خائفة لخبئ الأخير ضحكاته بصعوبة، توترت قسمات انجليكا تنظر لحسام قابلت نظراته المشتعلة لتسرع في خطاها، إلي الداخل، خرجت ضحكت خفيفة من بين شفتي زيدان يصدم حسام في كتفه يغمغم ساخرا:.
- نسيت تقول الحمشنة حلوة ما فيش كلام، خالي دايما بيقولها، ضحك حسام من جديد، قبل أن يدق هاتفه، ابتعد عن حسام يرد على أحدي المرضي، حادثها لدقائق قبل أن يعود في طريقه لزيدان يحادثه:
-زيزو يا زيزو يا زوز، ايه يا عم اللي أنت عامله دا، هتف بها حسام ضاحكا
التفت زيدان له بوجهه يعقد عقد ساعديه امام صدره يبتسم ابتسامة هادئة يردف في ثقة:
- عملت ايه.
نظر حسام له مدهوشا في سخرية ضاحكة ليصدم كفه بذراع زيدان يغمغم في مرح:
- لا ولا اي حاجة، لينا واقفة بتغلي هناك، بتفكرني بأغنية جرب نار الغيرة وقولي
ابتسم زيدان في اتساع ينظر بطرف عينيه إلي تلك التي تقف بعيدا تكاد تنفجر غيظا ، ربت على كتف حسام ليتركه ويغادر مر من جوارها ليسمعها تنادي باسمه التفت لها يبتسم يردف في هدوء:
- خير يا لينا.
حمحمت في حرج تحاول إيجاد عذر لمنادتها له ماذا تقول لا تحادث تلك الشقراء والا اقتعلت عينيك تنهدت متوترة لتردف سريعا:
- اااا، أنا عايزة اركب خيل
عقد ذراعيه أمام صدره ابتسم في هدوء جاف يشير لحسام الواقف بعيدا:
- ما تركبي اخوكي واقف هناك اهو اركبي معاه
احتدت عينيها تشد على أسنانها غيظا الأحمق، الا يفهم ام يتعمد عدم الفهم، ابتسمت تسبل عينيها تقول برقة:
- حسام ما بيعرفش يركب خيل ممكن تركب معايا.
قطب جبينه للحظات كأنه يفكر قبل أن يوليها ظهره مغادرا يتمتم في لامبلاة:
- هفكر وارد عليكي...
تركها تقف كالبلهاء تنظر في اثره في ذهول مؤلم بينما ابتسم هو إبتسامة الباهتة في طريقه للداخل، تنظر هي في اثره يختنق قلبها بغصة مريرة رفضها بطريقة مهينة لكبريائها، كيف يفعل ذلك، تأوهت متألمة حين شعرت بيد حسام تهبط على رقبتها من الخلف يتمتم محتدا:
- عايزة تركبي خيل معاه يا بنت المستخبي، شيفاني بقرون زي حسان.
نظرت له في غيظ لتدوس بكعي حذائها على حين غفلة على قدمه بعنف، صاح متألما لتضحك متشفية تركض للداخل، اصطدمت في طريقها بحسنة زوجة نجيب تلك السيدة التي صفعتها، اصطدمت لينا بها دون قصد وهي تركض تبتعد عن حسام لتنظر حسنة لها في غيظ كم أرادت أن تصرخ في وجهها تصفعها مرة أخري رغم ذلك اجبرت شفتيها على الابتسام، تغمغم في اصفرار:
- مش تاخدي بالك يا مرت الغالي.
ابتسم لينا في وداعة قطة صغيرة تحرك رأسها بالإيجاب اسبلت عينيها في براءة تغمغم مبتسمة:
- سوري يا طنط حسنة، ما خدتش بالي، اتفضلي
مدت يدها بالعلبة الفاخرة المغلقة تعطيها لحسنة تردف مبتسمة في أدب:
- اتفضلي يا طنط حسنة، دي هدية بسيطة لحضرتك، بيرفان هايل جدا ريحته رائعة دا من باريس
نظرت لها حسنة ساخرة للحظات قبل أن تأخذ منها العلبة تشكرها بابتسامة صفراء مصطعنة...
دقائق وتوجه الجميع ناحية طاولة الطعام لينا تجلس جوار زيدان فهو زوجها كما يعرف الجميع وحسام جوار انجليكا، بدأت السيدات تضع الطعام على الطاولة حين نظر حسام ناحية فاروق يبتسم في وجهه بخبث يتمتم ببراءة:
- بقولك ايه يا عم فاروق، شنبك دا ولا سالفه أصله مش لايق على وشك خالص.
ضحك زيدان بخفة، ووضعت لينا يدها على فهما تخفئ ضحكاتها، نظر فاروق لحسام نظرات قاتلة، كم يود لو يقتله ولكن يمنعه سببين اولهما زيدان، الذي لن يتواني عن طردهم أن اخطئوا في حق اي من ضيوفه والأهم، والد حسام خال زيدان ذلك الرجل المخيف، يسهل عليه أن يسحقهم بإشارة من يده، وضعت السيدات الطعام أمامهم، ليشرعوا جميعا في الأكل، ما إن وضع زيدان المعلقة فمه بثقها سريعا في المنديل المجاور له امتعضت ملامحه باشمئزاز يصيح محتدا:.
- ايه القرف دا الأكل حادق صبر، مين اللي عمل الأكل دا
نظر حسان لزوجته يحادثها غاضبا:
- انتي اتخبلي يا ولية الاكل حادج اكدة ليه
اشارت زوجة حسان لرانيا الجالسة هناك جوار زوجها تتمتم مرتعدة:
- والله يا اخوي ما اني، الدور النهاردة على رانيا
أصفر وجه رانيا هلعا ليقم فاروق عم زيدان الأوسط من مكانه لطمها أمام الجميع يصيح فيها:
- بجي اكدة يا بنت المركوب تخلي شكلنا شين جدام الناس.
حركت رانيا رأسها نفيا بهلع، تشير إلي لينا الجالسة جوار حسام تغمغم سريعا:
- لا والله يا فاروق ما حصل، اسألها حتي كانت في المطبخ وأنا بعمل الوكل
نظر حسام لشقيقته يرفع حاجبه الأيسر في سخرية يسألها بعينيه اانتي فعلتي ذلك، فابتسمت لينا في براءة تسبل عينيها ببراءة خبيثة كأنه تقول نعم أنا، عادت تنظر ناحية فاروق تغمغم بخفوت هادئ:.
- ايوة فعلا أنا كنت في المطبخ وحضرتك بتعملي الأكل، بس ممكن يكون حضرتك نسيتي وحطيتي ملح زيادة بتحصل، ما فيهاش مشكلة، زيدان اعتقد يعرف مطعم ولا حاجة يقدر يطلبنا منها، مش كدة يا زيدان
ابتسم زيدان في هدوء تام ينظر لكتلة الشر الجالسة جواره الآن فقط تأكد أن لها يد في كارثة الطعام تلك رأسه بالإيجاب يغمغم مبتسما:
- طبعا يا حبيبتي.
كلمة نطقها بهدوء كان لها فعل الثورة على قلبها، روحها ثنايا عقلها انتفض الجميع يصرخ مطالبا بحقه في العشق من جديد، ارتبكت ابتسامتها الخبيثة بأخري متوترة ترتعش، لا تعرف حتي كيف قامت من مكانها تهرب لأعلي كلمة واحدة إعادتها لسرداب البداية من جديد.
على صعيد آخر، في العمارة السكنية التي تسكن فيها منيرة تحديدا في الطابق الرابع، حيث الشقة المغلقة التي كانت تسكن فيها روحية وحيدة، ولكنها فقط كانت الآن هي تجلس هناك في أحدي الغرف على فراش متوسط الحجم، الشقة دهانتها حديثة، بها كافة المرافق، السكان القدامي، لم يمكثوا فيها سوي عدة أشهر قبل أن يرحلوا من المكان بأكمله، تنهدت في حيرة، تنظر للصغيرة النائمة على الفراش تركل بقدميها في الهواء صوتها الطفولي العذب كنغمات هادئة، اقتربت روحية منها تمسد برفق على خصلات شعرها القصيرة تحادثها بحنان فطري:.
- تعرفي أنك احلي حاجة حصلتلي من مدة طويلة أوي، أنتي جميلة اوي يا ملك، يمكن أنتي العوض اللي جالي بعد عذاب طويل مع الدنيا
ضحكت الصغيرة عاليا تحرك يديها عشوائيا في الهواء، لتسمك روحية كف يدها الصغير تقبله بحنو، رفعتها بين أحضانها تحادثها مبتسمة في مرح:
- جعانة، أكيد جعانة...
جلبت زجاجة الحليب التي اعدتها سلفا، تطعم الصغيرة برفق تنظر لها بأعين تقطر حنانا وحبا، تنهدت، تنهيدة طويلة حارة خرجت من بين شفتيها، حين تذكرت ما حدث لها قبل أيام
Flash back.
آخر ما تذكرته أنها فقدت الوعي مما قاله مراد، فتحت عينيها شيئا فشئ، تنظر حولها تلك هي الشقة التي تسكن فيها في منزل منيرة ولكن لما تسمع صوت بكاء طفلة صغيرة، قامت بصعوبة تتحرك بوهن لتجد فراش ملك الصغيرة جوار فراشها اقتربت من الصغيرة تحملها من فراشها رفعتها بين أحضانها، شعرت بالدوار في تلك اللحظات لتأخذها وتعود لفراشها تهدهدها برفق إلي أن توقفت عن البكاء، لتنهمر دموعها هي في صمت قاتل، عاد لعصمته من جديد، لما فعل ذلك، ألم يكتفي بما فعله قديما، هل لأنه لم يحصل عليها قبلا اراد اخذها الأن، ولكن كلماته الغريبة التي قالها لها قبل أن تفقد الوعي تقول بالعكس تماما، ماذا يريد منها، وكيف يجعلها والدة تلك الطفلة دون علمها، هي والدتها الحقيقية من الأساس، كيف تترك طفلتها، اجفلت تشهق مذعورة على صوت الباب يُفتح، نظرت للفاعل لتجدها منيرة تحمل صينية طعام صغيرة وضعتها أمامها على الفراش اقتربت تجلس بالقرب منها، تمسح على رأسها برفق تحادثها بحزم:.
- بصي بقي، الكلام دا مش هعيده تاني، كفاية يا روحية، كفاية قهر في نفسك، أنا حاولت معاكي بالكلام بدل المرة عشرة وانتي ولا حياة لمن تنادي، أنا عارفة أنك مش طايقة تشوفي وش مراد ودا حقك، بس والله يا بنتي مراد اتغير، دا كأنه شخص تاني ما اعرفوش، الدنيا ربته، أنا ما بقولكيش سامحيه دلوقتي لاء، طلعي عينه لحد ما يقول حقي برقبتي لحد ما تسامحيه، عيشي يا بنتي خدي فرصتك من الدنيا، لو فضلت على حالك دا اللي هيسكت النهاردة هيتكلم بكرة، انما لما تبقي زوجة وأم، تكبري ملك وتخاويها وتربيها أحسن تربية الكل يشهد باخلاقها ما حدش هيفتح بوقه بربع كلمة، عيشي يا روحية، وأنا جنبك يا بنتي، لو فكر مراد يزعلك بربع كلمة نادي بس عليا وأنا اطلعله بالشبشب.
Back
وهذا ما فعلته تعايشت، منذ أيام وهو يسكن معها في تلك الشقة، هو في غرفة وهي وملك في الاخري، الغريب في الأمر أنه لا يحاول مضايقتها، بأي شكل، تواجده في المنزل قليل فقط يأتي للنوم، وهي تقريبا لا تخرج من غرفتها يتعيشان كغريبين تحت سقف واحد، تسارعت دقاتها حين سمعت دقات على باب الغرفة هو، ولكن متي جاء، لم تعرف ما تفعل، فقط خرج صوتها مرتبكا قلقا:
- ااادخل.
لم يفتح الباب بعنف كعادته بل برفق شديد تحرك مقبض الباب لينتفتح بهدوء، ظهر هو يقف خارجا يحمل في يده حقيبة من البلاستيك تحمل اسم محل ملابس في منطقتهم، حمحم يشيح بوجهه بعيدا مرتبكا، خطي خطوتين للداخل، يحاول اختلاس النظرات لها يتمتم مرتبكا:
- أنا ما كنش قصدي اضايقك أنا بس كنت عاوز اشوف ملك.
حركت رأسها إيجابا سريعا تقرب الصغيرة منه حملها بين يديه يضمها لصدره بحنو ينظر لها سعيدا، ضحكة تلك الصغيرة كمسكن قوي المفعول بعد يوم عمل شاق طويل، اختلس النظر لروحية بطرف عينيه، ليمد يده بتلك الحقيبة حمحم يهمس متوترا:
- دي، دي يعني حاجة بسيطة، اتمني تعجبك.
شخصت عينيها في ذهول، مراد جلب لها هدية!، مدت يدها مرتبكة تأخذ منه الحقيبة فتحتها تنظر لما فيها لتجد جلباب بيتي أبيض اللون عليه عليه ورد صغيرة وردية اللون، جلباب هادئ بسيط جميل، أحبته لم يحضر لها أحد هدية قبلا، ولم تتصور ابدا أن مراد هو من سيحضرها لها، ارتسمت شبح ابتسامة صغيرة للغاية على شفتيها تشكره بصوت هامس، لتتوسع ابتسامته في سعادة تغمره وشعور غريب يمتكله، تلك الابتسامة الصغيرة اشعرته حقا بأن شخص جيد، غير ذلك المراد الدني الذي كان يراه دائما في عينيها، حمحم في ارتباك يتمتم:.
- ممكن تحضرلينا العشا أدهم هيجي يتغدي معانا النهاردة، أنا جبت شوية حاجات في المطبخ
حركت رأسها بالإيجاب سريعا، تركته تتوجه ناحية المطبخ لينظر هو في اثرها مبتسما تلك الفتاة تعبت بقلبه بشكل غير جيد إطلاقا بل أكثر من ممتاز.
تعلن شركة مصر للطيران عن وصول الرحلة رقم 355 القادمة من مطار لندن، وقفت الطائرة رست اخيرا في أرض المحروسة، نزل خالد من الطائرة يمسك في يمناه يد لينا ويسراه يد لوجين، إجراءات الوصول لم تأخذ سوي لحظات، ليس هو من ينتظر انتهاء اجراءات روتينية، تقدم إلي السيارة التي تنتظرهم بالخارج مع حسن حارسه الشخصي، الذي اسرع يفتح باب السيارة الخلفي ما أن رآه يخرج من المطار يحادثه قي احترام:.
- حمد لله على السلامة يا باشا...
ابتسم خالد له ترك يد لينا لتدخل اولا إلي السيارة، جلس في المنتصف بينها وبين لوجين، انطلقت السيارة في رحلة صامتة، يشعر بشرارات الغضب المنبعثة من لينا تشعره بأنه على أعتاب حرب طاحنة، بعد مدة بسيطة وصلت السيارة الي وجهتها، نزلت لينا أولا تركتهم تدخل الي منزلها امسك خالد بيد لوجين الصامتة يجذبها للداخل، يبتسم لها يشجعها على التحرك، ما إن وطئت قدميها المنزل، نظرت حولها وكأنها تبحث عنه، تمشط عينيها المكان بتلهف لتسمع صوت لينا الساخر وهي تقول:.
- ماتدرويش عليه، زيدان مسافر، ابني أنا أعرف هو فين..
تنهد خالد غاضبا يحاول إخفاء غضبه من تلك القصيرة الواقفة هناك تنظر للوجين تتحداها بنظراتها، ابتسم هو يحادث لوجين:
- اطلعي انتي يا حبيبتي ارتاحي، عندك أوض بالهبل اختاري الأوضة اللي تعجبك
نظرت لشقيقها قلقة بلعت لعابها الجاف تهمس بصوت خفيض مرتجف:
- عايزة اقعد في أوضة زيدان
كاد خالد أن يخبرها بأن لا مشكلة في ذلك طبعا حين انفجرت لينا كالقنبلة الزمنية:.
- أوضة مين انتي اتجننتي، أوضة ابني ما حدش يقرب منها...
التفت خالد في تلك اللحظة ينظر لزوجته يرميها بنظرات نارية قاتلة يصيح فيها:
- لينا وبعدين معاكي انتي اتجننتي ايه اللي بتقوليه دا
- بقوب الحقيقة اللي أنت مش عايز تقولها ليها، زيدان ما بيحبهاش وعمره ما هيسامحها، مكانها مش هنا، مشيها يا خالد يا أنا يا هي في البيت دا.
صرخت بها بجنون حاد تنصل عقلها عن اي منطق، رمت لوجين بنظرة قاتلة قبل أن تاخذ طريقها إلي أعلي دون أن تلتفت لهم من جديد!
يالهوووووووي يالهووووووي الحقوني يا خلق
صدرت تلك الصرخات الانثاوية العالية من غرفة حسان عم زيدان الكبير ، ليندفع الجميع الي غرفتها
فتح حسام الباب بعنف لتشخط عينيه بفزع وهو ينظر لتلك السيدة التي تقف امامه، هتف مذعورا:.
- سلاما قولا من رب رحيم إن كنت جن انصرف، لا تأذينا ولا نأذيك، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم نظر الجميع بفزع لتلك السيدة الواقفة امامهم بشرتها حمراء كأنها جمر ملتهب، بينما هي تبكي تصيح بحرقة:
- جن ايه يا اخويا أني تحسين مرتك
شخصت عيني حسان في ذهول ينظر لها مفزوعا ليصيح محتدا:
- ايه اللي هببتيه في خلقتك دا يا ولية.
قدحت يعينيها غضبا تشير بسبابتها ناحية تلك الواقفة تنظر لها بخبث تبتسم في شماتة، لتصرخ حاقدة:
- هي البت دي السبب هي اللي ادتني علبة الكريم وقالتلي حطي منها على وشك عشان تبقي كيف القمر، شايف ايه اللي حُصلي بقيت كيف العفريت الكريم بتاعها خلي وشي أحمر كيف الدم.
توجهت أنظار الجميع إليها منهم من ينظر لها بدهشة ومنهم من ينظر لها بغضب وغيظ وحسام ينظر لها مذهولا اقترب زيدان منها وقف أمامها هو أتم يقين أنها من فعلت ذلك رغم ذلك حمحم يسألها بهدوء:
- الكلام اللي بتقوله دا صح يا لينا، احنا مش بنتهمك بأي حاجة أنا بس بسألك
اسلبت عينيها
تنظر له في براءة خبيثة ابتسمت تقول ببساطة:
- انا هرد على سؤالك بس عملي.
اتجهت ناحية تلك السيدة لتأخذ علبة الدهان الموضوعة على طاولة الزينة فتحتها لتأخذ كمية كبيرة في يدها تضعها على وجهها ويديها تدلكهم بقوة، لحظات والجميع يرتقب ما سيحدث ولكن لم يحدث شئ بقي لون جلدها كما هو لم يتغير ولو للحظة، توجهت أعين الاتهام ناحية تحسين خاصة حين صاح زوجها محتدا:
- انتي اتخبلتي في مخك يا تحسين عاد ما البت اهه حطت منيه وما حصلش ليها حاجة، قسما بالله يا.
قاطعته لينا في تلك اللحظة تحادثه برقة لطيفة بريئة:
- خلاص يا عمي أنا مش زعلانة منها زي جدتي قصدي زي والدتي، وعشان اثبتلكوا اني مش زعلانة
اقتربت لينا منها تعانقها بقوة تشدد على عناقها بقسوة تهمس لها متشفية:
- صبرك عليا انتي لسه شوفتي حاجة دا أنا هوريكي النجوم في عز الضهر!
علا صوتها تصيح برقة جميلة:
- خلاص يا عمتو تحسين أنا مش زعلانة منك خالص خالص دا انتي حبيبتي، حبيبتي، حبيبتي.تبع
رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وستة
انتهي الموقف تماما حين صدح صوت حسان الغاضب ينظر لزوجته بلهيب مستعر يقدح من حدقتيه:
- كل واحد على اوضته خلاص، واني هشوفلي حل مع البلوة والهباب اللي على خلقتها دا
ابتسمت لينا في براءة ناعمة سامة لتخرج من الغرفة، تحرك حسام يلحق بها ليقبض على يدها سريعا، يدخلها إلي غرفته وقف أمامها ينظر لها مقطب الجبين يسألها عابسا:
- انتي اللي عملتي كدة يا لينا صح.
ابتسمت بوداعة طفلة تخبر أبيها أنها حصدت الدرجة النهائية في امتحان الرياضيات الصعب ولم تخبره أنها غشت الإمتحان كاملا من صديقتها!
Flash back
حين صعدع تركض لأعلي، دخلت من باب غرفة حسام مباشرة، لا أحد بالأعلي، لا أحد سيراها، دخلت إلي الغرفة تغلق الباب عليها توجهت مباشرة إلي حقيبة ملابسها، تبحث بين أغراضها إلي أن وجدت ضالتها زجاجة عطر خاصة بزيدان وتلك الرسالة التي كتبها لها قبلا من فقط ثلاثة كلمات
« فكري، فكري كويس».
جلست ارضا تستند بظهرها إلي دولاب الملابس الكبير تحتضن زجاجة العطر والورقة تغمض. عينيها تشدد على عناقهم، كلمة حبيبتى التي نطقها منذ لحظات فعلت بها الافعايل، اعادتها لذكريات حقا كانت قليلة ولكنها سعيدة، وكأنه عرض طويل لفيلم حزين، تتخلله بعض اللحظات السعيدة فخرج الجمهور مبتسما متأثرا فقط بابتسامة، شددت كفها حول الزجاجة تتخيله هو مكانها، روحها بحاجة ماسة إليه، ترغب في عناقه بأي شكل كان، انهمرت دموعها في صمت، لا تعرف ما عليها أن تفعل، أتذهب وتخبره أنها تحبه، وإن رفضها بعد ما فعلت، سيتدمر قلبها وهي طاقة لها لأي دمار من جديد بالكاد تعيد بناء نفسها تريد يده تستند عليها قلبه يحتويها، طوفان عشقه ليغرقها به لتحتي في سرمدية عشقه الأبدي الي لا نهاية الزمان، لحظات طويلة لم تفق منها الا صوت الباب وصوت حسام يستأذن بالدخول قامت سريعا تدس الاغراض في حقيبتها، لتتوجه ناحية المرحاض، تغسل وجهها بالماء بعنف، تمحي آثار الدموع، خرجت تجفف وجهها بمنشفة صغيرة لتجد حسام يتكأ بجسده على فراشه يعبث بهاتفه، رفع وجهه ما أن رآها يتمتم ساخرا:.
- فالحة بوظتي الأكل، هناكل احنا ايه دلوقتي، يا مصيبة عصرك وزمانك
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها، كادت أن تقول شيئا حين دق الباب الفاصل بينهما وبين زيدان، توجهت هي سريعا قبل أن يقوم حسام تفتح الباب، لتراه أمامها مباشرة ما أن فتحت الباب، اختفت أنفاسها للحظات قبل أن تسمعه يحمحم يهمس في هدوء:
- لينا، تحسين مرات عمي عايزاكي في حاجة...
كادت أن تبتسم كشيطانة ها هو الجزء الأول من انتقامها على وشك الحدوث، اخفت ابتسامتها تحرك رأسها بالإيجاب تهمس سريعا:
- ثانية واحدة
هرولت ناحية حقيبة ملابسها تلتقط علبة منها تدس في جيب ملابسها دون أن يراها أحد، خرجت من غرفة حسام لغرفة زيدان، توجهت ناحية باب الغرفة تحادث تحسين تبتسم في رقة:
- خير يا طنط تحسين، معلش كنت باخد شاور
مدت تحسين يدها تمسك خصلة من شعر لينا المبتل تبتسم في خبث تتشدق:.
- حمام الهنا يا مرت الغالي، أنتي قولتيلي لما اجي احط من الكريم اقولك، ها اعمل ايه بقي
حافظت على ابتسامتها اللطيفة وتعابير وجهها الصافية وبداخلها شياطين تتراقص فرحا تحركت لخارج الغرفة تجذب الباب خلفها اقتربت من تحسين تهمس لها بخفوت:.
- بصي يا ستي، انتي هتفتحي العلبة وتحطي منه على وشك وايدك هتلاقي لونه أحمر كدة ما تقلقيش، اياكي تاخدي العلبة معاكي الحمام، تحطي على وشك وايدك وتدخلي الحمام تفركيه حوالي عشر دقايق وبعدين تغسلي وشك بماية من الحنافية عادي وتنشفيه.
ابتسمت تحسين تشكر لينا، توجهت سريعا إلي غرفتها ووقفت لينا خارجا تراقب، مر خمس دقائق لتتحرك بخفة ناحية غرفة تحسين، ادارت المقبض تفتح الباب بخفة اطلت برأسها الغرفة فارغة وها هي العلبة على طاولة الزينة، دخلت سريعا تتحرك بخفة بدلت العلبة بعلبة أخري كانت في جيبها اخذت العلبة لتخرج سريعا قبل أن يأتي أحد، ضحكت بخفوت ضحكة شريرة توجهت تلقائيا إلي غرفة زيدان تدير المقبض، دخلت للغرفة تغلق الباب خلفها لتبصر زيدان يقف في شرفة الغرفة يدخن أحدي سجائره، التفت ما أن سمعت صوت الباب، ابتسم يتمتم في هدوء:.
- في حاجة يا لينا
تكره طريقته تلك، تكره ما يفعل، تكره تعامله الرسمي معها، هي تستحق كما يري، هي جانية في حكايته، وضحية في حكايتها، متي ستتضافر كلمات الحكايتين، لتصبح بطلة حكايته ويصبح أمير أحلامها من جديد...
Back.
عادت من شرودها تنظر لحسام الذي يقف بالقرب منها ينظر لها ساخرا:
- بقالي ساعة بنادي عليكي، روحتي المريخ ولا لسه
ابتسمت بخواء فارغ، تركته تتوجه ناحية فراشها، القت بجسدها عليه، هو لا يأتي في الواقع ولكنه لا يتركها في الحلم.
بالقرب منهم في غرفة رانيا زوجة فاروق، وقفت أمام مرآة زينتها تتغنج بجسدها، رائحة معطر الجسد الذي اعطته لينا لها رائع بل أكثر من رائع، وزيت الشعر وكأن له مفعول السحر، شعرها الخشن للحظات شعرت به أنعم من الحرير، وقفت بعباءه منزليه وردية تضع كحل عينيها تطلي شفتيها بحمرة غامقة، نظرت ناحية الفراش تبتسم في مكر تحادث نفسها:
- البتاع دا ريحته حلوة اوي، أنا هرش منه على السرير يخلي ريحة السرير حلوة اكدة.
اقتربت بالزجاجة تغرق الفراش، لحظات ودخل فاروق زوجها ذلك الرجل متوسط الطول ممتلئ الجسد ذو الشارب الكثيف العريض، نظر حوله في دهشة حين اشتم تلك الرائحة العطرة تغزو غرفتها يسألها مدهوشا:
- هي الريحة الحلوة دي جاية من اهنه
ابتسمت رانيا في غنج تقترب منه رفعت يدها تداعب شاربه الكثيف تغمغم متغجنة:.
- ايوة يا سي فاروق، رغم اني زعلانة منك عشان ضربتي بالكف جدام الناس، بس جولت لزمن تيجي تلاجي مرتك حبيبتك مستنياك...
لم تتغير تعابير وجه فاروق الباردة فقط ازاحها من طريقه، خلع جلبابه يرتدي آخر للنوم، توجه ناحية الفراش يرتمي بجسده عليه يغمغم ناعسا:
- طفي النور يا رانيا وخلي ليلتك الغبرة دي تعدي على خير، مش كفاية هم ولاد السويسي.
شدت على أسنانها حانقة توجهت ناحية اضاءة الغرفة تغلقها، شعرت بحكة بسيطة في ذراعها، حين تسطحت على الفراش، تتأفف حانقة من زوجها الجلمود ذو مشاعر الصخور الجافة، توسعت عينيها فجاءة حين بدأت الحكة تزداد بشكل بشع انتصف جالسة تحك جسدها بالكامل بكفي يدها وكأنها مصابة بمرض جلدي خطير يسبب الحكة، قام فاروق حانقا من حركتها فتح الإضاءة المجاورة للفراش ينظر لها محتدا يتمتم في غيظ:.
- جري ايه يا ولية انتي اجربيتي ولا ايه، عمالة تهرشي اكدة ليه
زاد الحكة بشكل بشع لا يحتمل، ليبدأ هو الآخر يشعر بأن هناك شيئا خاطي، جسده بدأ يحكه، والحكة تزداد بسرعة رهيبة، انتفض من الفراش يخلع جلبابه يلقيه أرضا يصرخ فيها غاضبا:
- يا بنت المركوب عديتيني، قسما بالله لهطلع روحك يا بت سعفان.
قالها ليندفع الي المرحاض يحاول التخلص كن ذلك البشع بالماء بينما بقيت هي خارجا تتلوي من شعورها القاسي بتلك الحكة البشعة...
في الغرفة الثالثة من هنا لهناك ننتقل في غرفة حسنة زوجة نجيب، نظرت لزجاجة العطر التي جلبتها لينا لها، في حذر، فقط رشة صغيرة حذرة منها تشتمها رائحتها جيدة، بل أكثر من جيدة، انتظرت طويلا أن يظهر على يدها علامة حمراء او شعور بالحكة مثلا، او شي غريب، ولكن لم يحدث شي بتاتا، ابتسمت في توسع تغرق نفسها بذلك العطر الرائع، أغمضت عينيها تشتنقه بهيام رائحته هادية جذابة، فتحت عينيها حين سمعت صوت الباب اقترب نجيب زوجها منها، نجيب كان الأكثر وسامة بينهم بطوله الفارع...
ملامحه الوسيمة السمراء عينيه الزرقاء التي اخذها مثل أخيه زيدان من عيني والدته، كما أخذ قسوتها، اقترب منها يبتسم في مكر وقف خلفها بالقرب منها كثيرا يمسك احدي خصلات شعرها يلفها حول أصابعه يغمغم مبتسما:
- كيف الجمر، ايه الريحة الحلوة دي
ابتسمت حسنة في غنج تلتفت ناحية زوجها تلف ذراعيها حول عنقه تهمس له بدلال:
- اتوحشتك جوي، الا جولي هو المخفي زيدان هيمشي ميته...
تغضنت ملامح نجيب في غيظ، اسودت حدقتيه حقدا يغمغم محتدا:
- بيجول بكرة هيغور بكرة، يارب ما يرجع، هنفضل تحت رحمته هو وخاله لحد ميتا أنا مش عارف، دا بيت أبوي، الله يسامحك يا أبوي يوم ما جسم املاكه كتب البيت دا لزيدان اخوي، يقوم زيدان الله يجحمه، يكتب البيت باسم ابنه، لو ما كنش عمل اكده كنا زمانا خدناه من زمان...
ابتسمت حسنة في مكر تنظر له تغمغم في هدوء خبيث :.
- طب ما هو انتوا لو خلصتوا من زيدان ولد اخوك اكدة السرايا والأرض ترجع لأصحابها
ابتعد نجيب عن حسنة توجه ناحية الفراش جلس عليه يخلع حذائه يتمتم ساخرا:
- عيزاني اقتل ولد أخوي، عشان خالد السويسي يشيلنا من على وش الأرض، وبعدين ريحي بالك، البيت اصلا باسم خالد السويسي، الناصح خلي زيدان يكتبه البيت باسمه عشان ما نعرفش ناخده...
اقتربت حسنة منه تجلس جواره على الفراش تحادثه في غنج:.
- خلاص يا نجيب ما تشغلش بالك أنت، هما بكرة يغوروا وإن شاء الله ما هيجوش تاني واصل
ابتسم نجيب في سخرية ينظر لها نظرات جائعة نهمة ليمد يده يغلق اضاءة الغرفة ليسود المكان عتمة لن يسطع شمسها قريبا.
بعيدا في منزل مراد يجلس مراد على مقعد في الصالة الصغيرة يحمل الصغيرة بين يديه يداعبه وضحكاتها تطرب الجميع، بالقرب منهم في المطبخ الصغير تتحرك روحية هنا وهناك تقطع الدجاجة وحبات البطاطس، تحضر عصير الطماطم، تضع المياة الساخنة والملح على الازر حتى، ينضج، تمزق أوراق« الملوخية » بتلك المخرطة اليدوية، حانت منها التفاتة للخارج حين سمعت ضحكات الصغيرة ملك، لتري مراد وهو يجلس هناك يداعب الصغيرة، كم بدت الصورة جميلة بحق، للحظات هرب عقلها من قوقعة الحزن وفر هاربا يتخيل حياة سعيدة هي وملك ومراد!، الأمر غريب مخيف، لازالت لا تثق في مراد تمام الثقة، مرت نصف ساعة إلي أن أنهت صنع الطعام، وقفت تنظر لما حضرت يداها بابتسامة صغيرة، خرجت من المطبخ لتجد ملك نامت على ذراعي مراد، اقتربت تريد أن تأخذها منه ليهمس بها بخفوت:.
- سيبيها انا هدخلها تنام انتي تعبتي
توسعت حدقتيها في ذهول تنظر له في دهشة من أبدل مراد بآخر، من الصعب أن تصدق أن بات النقيض تماما، تخلي عن شخصيته الدنيئة، اجفلت على صوت دقات على باب المنزل، توجهت ناحية الباب مدت يدها كادت أن تمسك بيده لتسمع صوت خطوات سريعة ويده سبقت يدها نظرت له في توتر ليشير بعينيه إلي ملابسها وشعرها المكشوف يهمس بخفوت حتى، لا يسمعه أحد:.
- العباية بنص كم من غير حجاب، واللي برة دا اكيد أدهم، ما ينفعش يشوفك كدة
يغار، أيغار عليها، أم أنها فقط تتوهم، مراد يغار، حركت رأسها بالإيجاب تأخذ طريقها إلي غرفتها تغلق الباب عليها ليفتح هو الباب رأي أدهم يقف أمامه وخلفه تقف منيرة، تحدث أدهم ضاحكا:
- ايه عم سنة على ما تفتحوا دا أنا افتكرتوا نمتوا وكنت هنزل اتعشي فول بقوطة.
ضحك مراد بخفة يربت على كتف أخيه، دخل أدهم لتدخل منيرة خلفه سريعا نظرت لمراد تتمتم بشراسة:
- اومال فين البت روحية، اوعي تكون زعلتها ولو بنص كلمة، هتقولي وساعتها بالشبشب على وشك
ضحك ادهم يصدم مراد في ذراعه يحادثه بهمس ساخر:
- أنا تعبت من شبشب جدتك دا يا مراد، محسساني أنه سلاح نووي
ضحك مراد عاليا ضحكات خشنة، اشار بيده لباب غرفة روحية المغلق ينظر لجدته يتمتم ساخرة:.
- اهي يا ستي عندك اهي، ادخلي اساليها عشان تعرفي اني برئ ومظلوم وانتي ظلماني
ضيقت منيرة عينيها تنظر له بشك لتتحرك ناحية غرفة روحية دخلت تصفع الباب في وجه مراد وأدهم، ضحك الاخوان، يتحرك ناحية الشرفة الصغيرة الملحقة بالشقة التفت أدهم لمراد يحادثه:
- اخبارك ايه مع روحية، مراد البنت دي غلبانة اوي، وأنت كنت هتأذيها أوي.
انطفأت نظرات مراد تبدلت بأخري نادمة حزينة حرك رأسه بالإيجاب استند بمرفقيه على سور الشرفة يوجه انظاره للشارع امامه تنهد يتمتم نادما:
- أنا اذيت ناس كتير اوي مش هي بس، أنا حتى، مش عارف اعوضها ازاي، أنا بقيت خايف اتكلم معاها لاذيها بكلامي من غير قصد، وأنا مش عايز ااذي حد تاني، كفاية اللي عملته، كفاية اوووي.
انسابت دمعة من عيني مراد حين مرت صورة جاسر أمام عينيه كم يرغب في تلك اللحظة ف أن يركض إليه يطلب منه السماح، ولكن جاسر لن يقبل أن يراه من جديد يكفي ما فعله قبلا، اقترب أدهم من أخيه يربت على كتفه يحادثه مترفقا:.
- روق يا مراد، انت غلطت وأنا غلطت كلنا بنغلط، كل واحد ليه فرصة تانية، فرصة يا اما يصلح فيها الغلط دا ويبدأ من أول وجديد، يا أما يكمل، ويتحمل نتيجة اختياره وأنت اخترت الطريق الصح، أنت لو وحش كنت كملت فئ طريق الغلط، صدقني يا مراد، أنت شخص كويس، كويس جدا وبكرة الأيام هتثبتلك كلامي
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي مراد يحرك رأسه بالإيجاب، ليغمغم أدهم ضاحكا:
- فين يا عم الأكل أنا واقع من الجوع...
ضحك مراد يجذب يد أدهم للداخل، دخلا الي صالة المنزل ليجدوا منيرة تخرج من غرفة روحية تنظر لمراد تبتسم في مكر حين قالت:
- ما إنت حلو اهو وبتجيب هدايا
حمحم مراد متوترا شعر للحظات بأنه مراهق أحمق انكشف سره الصغير، رفع يده يضعها خلف رقبته يحاول إخفاء حرجه ليكزه أدهم بمرفقه في ذراعه ابتسم في خبث يهمس له:
- اوووبا هي الحكاية فيها هدايا وتقولي خايف اكلمها، ها هبقي عمو تاني امتي.
ضحك مراد متوترا ضحكات صغيرة خفيفة، دقائق وتجمعوا جميعا حول طاولة صغيرة يتراص أمامها الطعام فتح أدهم ازرار ذراعي قميصه يزيحه للخلف يغمغم باشتهاء:
- يلا بسم الله أنا واقع من الجوع...
بدأ يأكل بنهم ليضحك مراد عليه اعطاه رغيف من الخبز ليتلقطه أدهم منه، بينما سأله مراد متعجبا:
- ايه يا ابني أنت ما كلتش من الصبح ولا ايه
تقصلت قسمات وجه أدهم بحسرة امسك كوب الماء يرتشف ما فيه يغمغم بنواح حزين مضحك:.
- كلت، دا أنا كلت في نفسي، يا دوب خلصت الشغل ولف يا أدهم مهندس الديكور عايز كذا وكذا وكذا، السباك عايز كذا كذا، بتاع الازاز عمل اللوح بشكل غلط، وبعدين قابلت مايا قولت الحمد لله يا رب هنتغدي، الهانم عاملة دايت عشان قال ايه حاسة أن وزنها زاد، عايزة تبقي فراشة طايرة في فستان الفرح، رفضت تخليني اجيب اكل بنت اللذين، يا دوب روحتها وكملت مشاوري، ولسه جاي من ربع ساعة، سيبني بقي اكل عشان صينية البطاطس دي بتغريني وأنا بصراحة بضعف.
ضحك مراد ومنيرة ينظران لادهم وهو يأكل بنهم كطفل صغير جائع، تحركت عيني مراد يختلس النظرات ناحية روحية ليري عينيها الشاردة، رأي لمحة حزن الحرمان الذي يعرفه جيدا يتجسد في حدقتيها، ربما حديث أدهم عن مايا والزفاف والفستان، حقا آلمها، بالطبع كانت ترغب في زفاف مثلها مثل المئات، إن تظهر وهي عروس جميلة في فستانها الأبيض، ولكن يبدو أن للقدر رأي آخر، أراد أن يقل شيئا عله يخفف ما يري من حزن في عينيها فابتسم يهمس لها:.
- تسلم ايدك الأكل حلو اوي
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها تحرك رأسها بالإيجاب، تنظر للطعام أمامها ليبتسم هو في حزن شاحب، راقبت منيرة ما يحدث تدعو لهم في قلبها، أما أدهم فكان منشغل في الطعام!
من هنا لهناك في فيلا خالد السويسي، توجه اخيرا بعد أن أقنع لوجين بشق. الأنفس أن تبقئ معهم وإن لينا لم تكن تقصد ما قالت، وأنها حقا ستحبها كثيرا ما أن تتعرف عليها، اوصلها إلي غرفة زيدان، ليتوجه إلي غرفته فتح بابها يبحث بعينيه عنها ليجدها تتسطح على الفراش تولي الباب ظهرها، اتجه سريعا إلي المرحاض يبدل ثيابه، تسطح جوارها يعقد ذراعيه خلف رأسه ينظر لسقف الحجرة شاردا هل ما فعله صحيح، هو لم يكن ليترك شقيقته ابداا، هو فقط لا يعرف إن كانت عودة لوجين لحياة زيدان من جديد هو الاختيار الصحيح أم ألم جديد جلبه بيديه ليؤذيه، تنهد حائرا يلتفت برأسه لتلك النائمة جواره، موقف لينا تجاه لوجين حقا هو ما يزيد قلقه، لينا لا تتقبل لوجين، لينا تعامل الجميع كأنهم أطفالها زيدان منذ أن كان طفلا، جاسر ابن رشيد، حتى، حسام ابنه من شهد، حتى، هو أحيانا تعامله وكأنه طفل صغير دائما ما تحنو على الجميع لما صبت غضبها كاملا على المسكينة لوجين، مد يده يريد احتضانها، في أصعب أوقاته يلقي بنفسه بين أحضانها دون كلام، حين شد جسدها إليه رأي تلك الدموع التي تهبط من مقلتيها في صمت قاتل، رفع يده يمسح دموعها برفق:.
- لينا فتحي عينيكي أنا عارفة أنك صاحية..
اطلت بزرقاء عينيها، تنظر له مقلتيها حمراء كالدماء تتجمع فيهما الدموع بغزارة مخيفة رفعها بين ذراعيه يغزرها داخل صدره ليسمع صوت شهقة بكاء عنيفة تخرج من بين شفتيها رفع يده يسمح على شعرها يحاول أن يهدئها، ليسمع صوتها تهمس بحرقة:.
- ما تخليهاش تاخده مني يا خالد، دا ابني أنا والله إبني أنا، أنا اللي ربيته، ربنا حرمني من الأطفال بعد لينا، بس عوضني بيه هو، مش هستحمل ابقي على هامش حياته، مش هستحمل أنها تاخد مكاني عنده...
شعر بالغيرة حقا شعر بالغيرة من حب لينا المفرط لزيدان، إلا أنه ليس وقت الغيرة تماما ابعدها عنه قليلا يمسح دموعها بكفيه يزيح خصلاتها التي تغطي وجهه احتضن وجهها يحادثها بحنو:.
- هو عيل صغير يا لينا، زيدان عدي ال30، مش عيل هتاخده في ايدها وهي ماشية يا حبيبتي، انتي أمه اللي ربته وما حدش يقدر يغير دا ابدا، بس هي أمه يا لينا، صدقيني لوجين عانت كتير، زيدان لو سامح لوجين دا مش معناه إنه هينساكي، ما حدش بينسي أمه، حبيبتي اهدي وشيلي كل الاوهام دي من دماغك، وخليكي جنب لوجين، هي محتاجانا كلنا الفترة دي.
لم توافق ولم ترفض ظلت صامتة تنظر لحدقتيه تنساب دموعها في صمت مخيف، جذب رأسها لصدره يحاوطها بذراعيه تنهد يهمس لها تعبا:
- عارفة نخلص بس من حكاية لوجين، وهخدك ونختفي بعيد عن مشاكل العيلة الخلل دي..
خرجت ضحكة خافتة للغاية من بين شفتيها ليبتسم هو حين سمع ضحكتها الصغيرة، يشدد على عناقها.
بالقري منهم في نفس المنزل في نفس الطابق في غرفة بعيدة، غرفة زيدان، على فراشه تجلس لوجين هناك تتحسس بكفيها سطح الفراش، الوسادة، الغطاء، أدمعت عينيها هنا ينام طفلها الصغير، لم يعد كذلك، لم يعد طفلا، على الحائط للمقابل للفراش صورة له وهو بحلة العمل الرسمية، كم يشبه أبيه نفس الابتسامة زرقة العينين الملامح الشعر البني، امسكت وسادته تحتضنها بعنف بين ذراعيها لتقع عينيها على صورة في برواز صغير مجاور للفراش، صورة له هو ولينا زوجة خالد، يبدو كفتي ووالدته يضحكان صورة مثالية، لا يوجد مكان لثالث فيها، قامت من مكانها صوب دولاب ملابسه تفتحه تنظر للملابس المعلقة جذبت قميص اسود اللون تقربه منها تحتضنه بقوة وكأنها تحتضن صاحبه، تحركت تبحث بين أغراضه لتجد زجاجات عطره، عدة ساعات لليد، حافظات جليدية للنقود، أوراق قديمة مرتبة بشكل منتظم، توجهت إلي مكتبه جلست عليه تنظر حولها تبتسم هنا جلس ولدها، ذاكر أو قرأ هنا كانت لينا بجواره ولم تكن هي، مدت يدها تفتح احد الأدراج تبحث بينهم ليقع عينيها على دفتر رسم كبير، زيدان يرسم، فتحت الدفتر لتجد اسم لينا مرسوم، بخطوط عربية قديمة تعرفها، زيدان ماهر في رسم الخطوط، بحثت بين الأوراق بتلهف تمني نفسها أن تجد اسمها ولو بخط صغير، ولو لمرة واحدة، لا شئ، الدفتر يخبرها بقسوة أنه قد نسيها لا مكان لها فئ حياته، وضعت الدفتر في مكانه تخفي وجهها بين كفيها تبكي ندما، هي من أخطأت في حقه والآن تدفع الثمن، ثمن قاسي مؤلم، يحرق قلبها، استندت بمرفقيها على سطح المكتب، شعرت حين حط مرفقها على سطح المكتب ان سطح المكتب مجوف فارغ، سمعت صوت هواء، قطبت جبينها مدت يدها أسفل السطح تحاول فتحه ليُفتح جزء صغير كأنه باب صغير في اسفل السطح ما أن انفتح سقط دفتر ازرق كبير منه، مدت يدها سريعا تلتقط الدفتر، مسحت الغبار عنه، لتجد كلمة مذكرات تعلو سطحه، ذلك الدفتر تعرفه ذلك الدفتر كان ملكا لزيدان زوجها، فتحت الدفتر لتجد الأوراق التي خطها زيدان كما هي بخط يده حركت بين صفحاته بسرعة لتجد أولي الصفحات بخط طفل صغير، يعرف عن نفسه ببراءة.
- أنا اسمي خالد زيدان، ودا الدفتر بتاع بابا هو ادهولي هدية ليا، انا أسعد واحد في الدنيا، بابا بيحبني اوي وماما كمان، بروح المدرسة والعب مع أصحابي، ماما بتنادي هرجع تاني
حركت عدة صفحات أخري تنهمر دموعها بلا توقف حين قرأت:
- أنا خايف، ماما جت معاها راجل شكله يخوف أوي، بتقولي هيبقي بابا، أنا مش عايزه يبقي بابا...
شهقة بكاء عنيفة خرجت من بين شفتيها احرقت دموعها خذيها لتغلق الدفتر تضمه لصدرها بعنف تهمس بحرقة:
- سامحني يا ابني أنا آسفة، انا آسفة أوي!
حين حل الصباح استيقظ الجميع على صوت صراخ قادم من غرفة حسنة زوجة نجيب، هب كل ما في البيت على صوت الصياح، تقدم حسان يدق باب غرفة أخيه يصيح متلهفا:
- افتح الباب يا نجيب، نجيب في ايه يا نجيب، نجيب رد عليا يا نجيب.
لحظات وفتح نجيب باب غرفته عينيه متسعة في ذهول وجهه شاحب وكأنه رأي الموت بعينيه، حسان يصيح فيه هو صامت تماما، اندفعت إلهام لداخل الغرفة لتصرخ هي الاخري، مما جعل الجميع يندفع للداخل توسعت أعينهم في ذهول حين رأوا حسنة تقف امامهم وجهها لا يكاد يري من علامات التقرح الحمراء والزرقاء التي تغطي وجهها بالكامل ويديها، لم يكد أحدهم ينطق بحرف سمعوا صوت صرخات أخري قادمة من غرفة رانيا، اندفعوا جميعا ناحية الغرفة المجاورة ينظروا بذهول لشعر رانيا الضخم المنفوش الذي يشبه شعر راقصي الديسكوا قديما...
الجمع يتحرك من هنا لهنا، بينما تقف هي عند السلم تبتسم في تشفي هو الوحيدة التي تعرف ماذا يحدث، حسنة تعاني من تقرحات في الجلد غير معدية ستسمر لأسبوع على الأكثر قبل أن تبدأ في الاختفاء، أما رانيا فشعرها يحتاج لجلسة علاج بروتين في اقرب وقت، كم تشعر بنشوة السعادة تختلج صدرها، خرجت إلهام من غرفة رانيا تقدمت ناحيتها ترميها بنظرات غاضبة وقفت بالقرب منها تحادثها بهمس غاضب:
- انتي اللي عملتي فيهم اكدة.
ابتسمت لينا في هدوء تام تشير لنفسها لحظات صمت قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب تغيرت فئ لحظة نظراتها البريئة لاخري متشفية:
- ايوة أنا، مش انتوا استقويتوا عليا زمان، جه دوري اني اخد حقي منكوا واحد واحد، أنا خدت حقي منهم فاضل انتي...
توترت نظرات إلهام تنظر لتلك الواقفة امامها في ريبة:
- وهتاخديه ازاي يا مرت الغالي
- هوريكي
نطقتها لينا بابتسامة واسعة متشفية لتصرخ فجاءة مذعورة:.
- حرام عليكي يا طنط إلهام أنا عملتلك ايه ااااااااااه
دفعت بنفسها من فوق درجات السلم تتمسك خفية بسور السلم حتى، لا تقع وقعة عنيفة ارتمت بجسدها على اقرب درجة عريضة تسمع صوت صراخ زيدان الفزع باسمها، لتغمض عينيها كأنها فقدت الوعي!