×

رواية أسير عينيها الفصل المائه و تسعه 109 والمائه وعشره 110 الجزء الرابع بقلم دينا جمال

رواية أسير عينيها

الفصل المائه و تسعه 109 والمائه وعشره 110 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

فتح باب المنزل بجهد شاق وهو يحملها بين ذراعيه يرفض قاطعا أن ينزلها من بين ذراعيه حتى يفتح الباب، انتهي حفل زفافهم الصباحي فنادرا ما بات أحدهم يقيم حفل زفافه صباحا ولكنه عثمان وخططه الغريبة الساعة الآن الرابعة عصرا.


تمعنت النظر لقسمات وجهه تكاد تقسم أن ما عاشته قبل قليل كان حلما سعيدا، حلما يتخلله بعض الدراما والاكشن ومفاجاءات الصياد الخاصة، هو يوم لا يُنسي بكافة التفاصيل، زفاف ثاني لها ومن ثم ما حدث لن تنسي ابدا شكل ليلا والامن يجرها يلقيها خارجا وهي تصرخ فيهم، وذلك الرجل عمار كان كمن لدغة عقرب وهو ينظر لرؤساء النوادي المسئولين عن السباقات، وبعدها الكعكة الكبيرة التي زينتها صورتها احتفالا بعيد ميلادها التاسع عشر ورقصتها المميزة مع عثمان، وعناق الجميع لها في نهاية الحفل، تفاصيل تظن أنها تقرأها فقط بين صفحات الروايات لكن ان تحدث هكذا علي أرض الواقع، مستحيل من سابع المستحيلات ولكن مستحيل الصياد ممكن!


اجفلت من شرودها حين نفخ في وجهها برفق لتهز رأسها بخفة تنظر حولها لتتسع حدقتيها في دهشة متي دخلوا للمنزل يبدو أنها كانت غارقة في التفكير لدرجة جعلتها لا تشعر بدخوله بها إلى المنزل، اسبلت عينيها تبتسم خجلة، لينزلها هو أرضا بحرص، وقفت علي قدميها تستند بكفيها علي صدره للحظات قبل أن تبعد كفيها في توتر، ابتلعت صحراء لعابها الجاف، لتنحي قليلا تمسك بطيات فستانها الأبيض تتحرك به صوب الأريكة جلست فوقها، لينظر لها مقطب الجبين رفع يده يشير لباب غرفتهم ابتسم يتمتم في بلاهة:.


- انتي رايحة فين اوضتنا أهي

ابتسمت خفية لثواني لتعاود النظر إليه ترميه بنظرات هادئة جافة، كتفت ذراعيها تتمتم في إصرار:

- مش قبل ما افهم يا عثمان، أنت وعدتني أنك مش هتخبي عليا حاجة، انما اللي حصل النهاردة، إنما اللي حصل النهاردة ما كنش عندي علم بيه ابدا...

ابتسمت إبتسامة بريئة وكأنه طفل برئ ساذج يتمتم مدهوشا:

- عيزاني اقولك اني عاملك مفاجأة كدة ما تبقاش مفاجأة.


- عثمان، كلمة واحدة نطقتها بنبرة جادة حازمة ليشعر للحظات أنه يقف أمام والدته تؤدبه، تنهد ساخرا يدس يديه في جيوب سروال حلته الفاخرة تقدم في خطاه إلى أن صار قريبا منها ليجلس علي الأريكة مجاورا لها، امسك الوسادة الصغيرة يضعها فوق ساقيه يستند عليها بمرفقيه، تنهد يردف:.


- هحكيلك، فاكرة ليلة فرحنا لما سألتيني ليلا هي اللي عملت كدة، يوم ما وقعت من علي الحصان اول ما فوقت ورغم الحالة اللي كنت فيها طلبت يتعملي تحليل دم بسرعة، وفعلا التقرير اثبت أن كان في مادة غريبة في جسمي هي اللي خلتني ادوخ واقع، بس للأسف ما كنش عندي دليل واحد أن ليلا هي اللي عملت كدة اثتبها عليها ازاي، مع حالتي النفسية اللي كنت بمر بيها كان الموضوع صعب جداا، وقررت اني هقف علي رجليا الأول عشان اعرف اجيب حقي منها، بس اللس حصل، فادي دا كان زميل ليا، في يوم كلمني وقالي أنه كان رايح لعمار لأن الشلة كانت هتسهر عنده وهو سبقهم شاف ليلا نازلة من بيت عمار.


شخصت عيني سارين في ذهول تنظر له مصعوقة ليحرك رأسه إيجابا ابتسم يتمتم ساخرا:

- يومها عمار فضل يشرب لحد ما سكر علي الآخر وفضل يضحك ويقول أنا اللي كسبت علي الصياد أنا اللي دمرت الصياد أنا اللي هبقي الصياد، فادي بلغني باللي حصل، لو فعلا ليلا كانت عند عمار، وعمار عمال يتباهي بانتصاره بانتصاره عليا معني ذلك أن كان في علاقة بين ليلا وعمار، كان صعب أثق في فادي لأن زي ما قولتلك كنا مجرد زمايل مش اكتر.


صمت للحظات وكأنه يتذكر ما حدث في القريب ليرتسم علي ثغره شبح ابتسامة باهتة، يحرك رأسه يكمل ممتما:.


- بس واضح أن اللي بنفتكرهم مجرد زملا بيطلعوا اجدع من صحاب سنين، في يوم كنتي انتي بتجيبي طلبات للبيت لقيت جرس الباب بيرن طلع فادي، شوفت في عينيه دموع لما بص ليا، قالي أنه نفسي في يوم يبقي زيي وأنه عمره ما كرهني بالعكس شايفني مثل أعلي، في الأول أنا كنت قلقان منه، اديته فلاشة عليها برنامج معين يوصله باللاب توب بتاع عمار.


قطب سارين ما بين حاجبيها وما علاقة جهاز« اللاب توب » فيما يحدث، قرأ عثمان سؤال عينيها ليجيبها يبتسم متوترا:

- انتي عارفة زمان كنت ضمن شلة ليها علاقات كتير، علاقات مش كويسة خالص

ضيقيت سارين مقلتيها تنظر لعثمان حاقدة يملئ الغضب عينيها ليحمحم مرتبكا رفع يده يضعها خلف رقبته يغمغم مبتسما في توتر:.


- كنت يا حبيبتي الحمد لله توبت علي أيديكي يا قلبي، المهم معروف أن عمار عنده كاميرا في أوضة نومه بيصور بيها، مش عارف اقولهالك ازاي، المهم يعني أنه بيصور بيها حاجات مش كويسة، وبيحتفظ بالفيديوهات علي اللاب توب بتاعه

، فادي طلع فعلا جدع، بعد 24 ساعة قالي أنه نقل البرنامج علي لاب عمار...


وبقي اللاب بتاعه تحت ايدي، نقلت كل اللي عليه عندي قبل ما يكتشف في البرنامج عنده ولقيت وسط الفيديوهات فيديو ليه مع ليلا هانم وهما بيتفقوا عليا، وفيديو تاني وهما بيحتفلوا بانتصارهم

صمت ينتفس بعنف رأت حدقتيه تشتعل غضبا قسمات وجهه تتشنج ذلك العرق النافر جوار صدغه تعرفه لا يظهر الا حين يكون غاضبا بل ويحاول كبت غضبه أيضا، شردت عينيه للحظات طويلة في الفراغ قبل أن يلتفت لها برأسه يردف:.


- كان في ايدي اسلم الفيديوهات دي للشرطة وابقي خلصت منهم بس أنا كنت عايز افضحهم قدام الكل، كان فاكرة اني غبي وهتعرف توقعني في شباكها تاني، سرقت موبايلها وبعت رسالة منه لعمار انه يجي النادي عشان يشوف نهاية الصياد وهو جه جري زي الكلب، خدت حقي وفضحتهم قدام الكل، وبعت لابوها الفيديوهات اللي بنته المصون متصورة فيهم مع عمار، وهددته لو ما بعدش بنته عن طريقي المرة الجاية هنشر الفيديوهات دي في كل حتة، حتى عمار اصريت اني اعزم كل رؤساء النوادي عشان يشهدوا علي فضيحته، عشان ما يدخلش سبق تاني لآخر يوم في عمره، ايه رأيك بقي في دماغي.


ارتسمت ابتسامة صغيرة مرتعشة علي شفتيها لا تعرف ولكنها للحظات شعرت بالخوف يغزو كيانها، خافت من عثمان وهو يتحدث عن كيف حقق انتقامه، شعرت برهبة منه ومن طريقة تفكيره، عثمان كان من الممكن أن يُنهي ذلك كله بتسليم مقاطع الفيديو ولكنه فضل الانتقام علي صفيح ساخن يحرق الجميع، اجفلت علي حركة يده علي وجهها يمسح علي خدها برفق ليمد يده الأخري يخرج علبة صغيرة من جيب سترته فتحها بيده الحرة لتجد خاتمين أحدهم من الذهب عريض به فصوص ألماس صغيرة ودبلة من الفضة مطلية باللون الأسود، نزع الخاتم من العلبة يلبسه في بنصر يدها اليسري، اشار بعينيه إلى الدبلة ينظر لها مبتسما، لتمد يدها بتوتر ملحوظ تنزع الدبلة تلبسها إياه هي الاخري، مال يقبل رأسها قبلة حانية لطيفة قبل أن يميل علي أذنيها يهمس لها عابثا:.


- سمعتي عن ابو قردان اللي غرق من زمان!


قرابة الخامسة هناك أمام شركة كبيرة اللوحة تعلو المكان

H. A Software Company.


من الداخل شركة فخمة راقية كان احدي شركات الإلكترونيات واشتراها هو وعمل جيدا علي جعلها نسخة طبق الأصل من شركته في دبي، بعد أن صفي جميع أعماله في الخارج، صوت حذاء رجالي منتظم يُسمع صداه في أرجاء الممرات الهادئة الجميع ينكب مجتهدا علي عمله زيادة العمل، تعني زيادة الراتب قانون حمزة الأول، توقفت الخطوات عند مكتب المساعد حياه الرجل ليتوجه لباب الغرفة الضخم، طرق الباب ليسمع صوته يأذن بالدخول، فتح الباب يخطو للداخل، يغلقه خلفه تقدم ناحية المكتب يتمتم مبتسما:.


- مساء الفل يا حمزة باشا

رفع حمزة عينيه عن شاشة حاسوبه الصغير، ليخلع نظراته الطبية، ابتسم في هدوء يشير إلى المقعد المجاور لمكتبه يتمتم مبتسما:

- مساء النور اقعد يا أدهم...


ابتسم أدهم ليجلس سريعا علي المقعد يبدو من قسمات وجهه المتوترة أنه يود قول شيئا ما ولكنه متردد، تلاعبت يديه بالقلم القريب منه علي سطح المكتب، يدق بسنه بحركة رتيبة ابتسم أدهم يرفع حاجبه الأيسر ساخرا، مد يده يأخذ القلم من يد أدهم، يضحك متمتا:

- عايز تقول ايه يا ابن حمزة...


ابتسم أدهم كطفل صغير تلك الكلمة التي نطقها حمزة توا، جعلته يشعر أنه رغم كل ما حدث لا زال ينتمي له قلبا وقالبا، رفع يبعثر خصلات شعره حمحم يتمتم متوترا:

- أنا كنت جاي عايز اقول لحضرتك أن الشقة الحمد لله خلصت قبل الميعاد اللي احنا متفقين عليه، فيعني ينفع نقدم الفرح عن ميعاده نخليه آخر الأسبوع لو ينفع.


عاد حمزة بظهره يستند إلى ظهر مقعده الاسود المبطن، يمسك القلم بين يديه من اطرافه ابتسم يرفع حاجبه الأيسر ساخرا يتمتم في تهكم واضح:

- عايز تعمل فرح في يومين!

توسعت ابتسامة أدهم ينظر لحمزة في انبهار مصطنع يتمتم بفخر مبالغ فيه:

- دا أنت حمزة باشا السويسي يعني لو أمرت الفرح يتعمل النهاردة بليل

صدحت ضحكة عالية من بين شفتئ حمزة ينظر لأدهم ساخرا، حرك رأسه إيجابا تشدق مستمتعا:.


- علي ياض صوت الطبلة كمان شوية، بتطبلي يا ابن حمزة، ولو قولت يا سيدي إن أنا موافق موافقة؟!

حرك أدهم رأسه إيجابا سريعا يغمغم متلهفا:

- ايوة أنا كلمتها قبل ما اجي لحضرتك وقالتلي أنها جاهزة من دلوقتي حالا بالفستان

ضحك من جديد يحرك يآسا ابنته البلهاء عليه أن يزوجها حالا قبلا أن يفرا سويا، تحرك من مكانه يتوجه ناحية ادهم وقف بالقرب منه يحرك رأسه بالإيجاب يتمتم مبتسما:.


- ماشي يا سيدي وأنا موافق فرحكوا آخر الأسبوع في فيلا عمك خالد، الراجل دا بقي متعهد حفلات العيلة

توسعت عيني أدهم فرحا يضحك عاليا يشعر بالبلاهة تجتاح عقله وافق حمزة وافق هكذا ببساطة، قام من مكانه يندفع ناحيته يعانقه بعنف يصيح فرحا:

- متشكر، متشكر اوي

ضحك حمزة يصدمه بيده علي رأسه بخفة يتمتم ساخرا:

- يخربيت هبلك دا أنت طلعت مدلوق اكتر منها اوعي ياض هتخنقني.


انها السابعة مساءا لازال الوقت باكر لإغلاق الدكان ولكنه حقا يشعر بالتعب الفترة الماضية بكل ما فيها كانت حقا مرهقة، يعمل في المحل صباحا، يحاول جاهدا أن يجد وظيفة أخري، يخطط لضم الدكان الفارغ المجاور لهم ليزداد حجم التجارة ولو قليلا وقد نجح في تأجيره ولكن المكان عبارة عن خردة علي هيئة دكان ولا أحد غيره هنا سيعمل علي تنظيف تلك الخردة، أدهم يساعده بعض الأحيان ولكنه مشنغل للغاية الآن فئ وظيفته الجديدة في شركة حمزة، وتحضيرات زفافه القريب لا يريد أن يُثقل كاهل أخيه أكتر من ذلك، جذب الباب الحديدي الخفيف من أعلي يغلق المحل بالقفل، نفض يديه من الغبار، ليتحرك لأعلي يسير بخطي شبه مخدرة يرغب في بعض الراحة، كاد أن يدخل إلى عمارته السكنية ليجد يد تحط علي كتفه نظر للفاعل ليجد ذلك الرجل البدين صاحب محل الاقفال، تنهد يغمغم بهدوء جاف:.


- خير يا عم عبده في حاجة

ابتسم الرجل في بشاشة يحرك رأسه بالنفي رفع يده يربت علي كتفه برفق يحادثه مبتسما:

- أنا بس مش قادر اصدق أن الواد صايع اللي ضربناه علقة من كام شهر هو الراجل اللي واقف قدامي دلوقتي، عارف يا ابني دي دعوات ستك الغلبانة، ما كنتش بتطبل دعي ليك في كل وقت، ربنا يكرمك يا ابني ويصلح حالك دايما، خلي بالك من مراتك، عن إذنك.


وقف مراد مكانه ينظر للرجل وهو يرحل يقطب جبينه مستنكرا ما حدث لما يشعر أنه في أحد الأفلام القديمة وعم عبده سيختفي الآن، مد رقبته قليلا يتابعه، ليجده يدخل إلى المحل الخاص به لم يختفي، حرك رأسه نفيا هو متعب، متعب ولا يرغب سوي في النوم، اكمل طريقه لداخل المنزل يصعد لشقته بعد أن القي التحية علي جدته، أخرج المفتاح من جيبه يضعه في قفل الباب فتحه بهدوء، ينظر حوله، اول ما قابله رائحة الصابون المحلي كيف لا يعرفه وبائع الصابون يجاوره تقريبا، هناك كانت روحية تمسك بممسحة تغطسها في دلو كبير ملئ بالماء ورغاوي الصابون تمسح أرض الصالة المتسخة، وملك الصغيرة، تنام علي الأريكة تحاوطها الكثير من الوسادات وكأنها ستقفز من فوقهم مثلا، أمعن النظر لجلبابها البيتي البسيط، خصلات شعرها الناعمة التي سقطت تغطي وجهها وسقط قلبه صريعا لها، تنهد بحرارة ينظر لقسمات وجهها وهي منهمكة حقا في التنظيف وكأن زائرا هاما علي وشك الوصول، ضيق عينيه ينظر لتلك الممسحة في يدها أليس ذلك قميصه الأبيض الذي ضاع منذ عدة أيام وأخبرته أنها لم تره ولا تعرف عنه شيئا، الماكرة!


حمحم بخفة ليجذب انتباهها لا يرغب في افزاعها بعد الآن حتى لا تتذكر ما كان يفعل قبلا...

رآها كيف انتفضت واقفة تنظر له متوترة تزيح خصلات شعرها عن وجهها سريعا تمسح يديها الملطختان بالصابون في جلبابها، نظرت له متوترة تهمس مرتبكة:

- ااا إنت جيت بدري، قصدي يعني أن أنا مالحقتش اخلص تنضيف، كنت فكراك هتطلع متأخر زي كل يوم.


هل أخبرها قبلا أنه يحب طريقتها المتوترة حين تتحدث تأخذه لعالم آخر ليس فيه سواهم يقف يستمع إليها وكأنها سمفونية خاصة به، ابتسم إبتسامة مرهقة يغمغم:

- تعبان، قولت اطلع بدري شوية انام، إنما لو عايزني انزل علي ما تخل

قاطعته تغمغم سريعا في ارتباك واضح:

- لالا ابدا، أنا خلصت أوضتك من بدري.


ابتسم لها ممتنا معتذرا لما يجب أن تكون لطيفة لذلك الحد لمعة الحزن الساكنة في عينيها لا تزيدها إلا جمالا، خلع حذائه حتى لا يفسد ما تفعل منذ ساعات علي الأقل بقي فقط بالجوارب يتحرك متجها ناحيتها لتتضارب دقات قلبها تكاد تحطم صدرها وتقفز خارجا لازالت تخشاه لا تنكر حتى وإن تغيرت معاملته تماما، تخاف أن يكن ما يفعله هو فقط خدعة للنيل منها، وقفت مكانها تحاول أن تُظهر شجاعة واهية، جسدها يرتجف بعنف تحاول إخفاء رعشتها هي ليست ضعيفة وهو لن يؤذيها لن تسمح له هاجمته مرة بالسكين أن حاول الآن ستخنقه بالممسحة في يدها وتحمل ملك الصغيرة وتهرب، اجفلت من شرودها الشرير حين اقترب منها حتى بات لا يفصلهم رأته يرفه حاجبيه ينظر له في مكر يتمتم عابثا:.


- هو مش دا قميصي اللي أنتي عملاه ممسحة

توسعت عينيها في دهشة كيف عرفه اخفته سريعا خلف ظهرها تحرك رأسها نفيا بعنف هل تخبره أنها المغسلة الشريرة هي من مزقت ذراعه هي ليس لها دخل إطلاقا، هي فقط اخفته حتى لا يعلم بفعلة المغسلة الشريرة، ضحك بخفة، لتقطب جبينها مدهوشة لما ضحكته مختلفة، عن ضحكاته قبلا، مال بجذعه يحمل الصغيرة من فوق الأريكة استقام واقفا ينظر لها مبتسما يتمتم في حنو:.


- عشان لو صحيت ما تضايقكش علي ما تخلصي، تصبحي علي خير

ابتسمت شبه ابتسامة تومأ برأسها بالإيجاب دون حديث ليميل هو برأس يقبل وجنتي الصغيرة، رفع رأسه لها وابتسم ولم تدري ما حدث سوي أن قلبها علي وشك أن يتوقف، عينيها تكاد تخرج من مكانها، حين باغتها وطبع قبلة صغيرة علي خدها ورحل فئ هدوء تام صوب غرفته، رفعت يدها تضعها علي خدها تنظر في أثره مصعوقة، كيف يفعل ذلك مراد الوقح، قبلها!


هي الآن التاسعة مساءا يجلس في غرفته علي فراشه يحرك ساقه اليسري بعصبية مفرطة، ينظر لساعة يده بين حين وآخر اليوم سيضع حدا لتلك المهزلة، زوجته المصون تتجنبه منذ أن احضر لوجين لهنا، والمقابلة الأخيرة بينها وبين زيدان وقعت علي رأسه هو بالمصائب، لما، لينا تهرب من الحديث من لقائه حتى حين يستيقظ صباحا يجدها لا تزال نائمة، تظل تغرق في النوم إلى أن يرحل وحين يعود ليلا يجدها نائمة بفعل أحد اقراصها، تلك الأقراص التي القاها من النافذة عدة مرات لا يعلم من أين تحصل عليهم وهو يتخلص منهم كل يوم تقريبا، لكن لا يهم هو اليوم عاد باكرا، ضعط العمل في الأيام الماضية كان يجبره علي التأخير لساعات بعد منتصف الليل، اليوم هو هنا قبل أن تأتي وتتناول تلك الأقراص، دقائق طويلة قبل أن يسمع صوت سيارتها تقف، لحظات فقط ورآها تفتح باب الغرفة، نظرت ناحيته كان يتوقع أن يري عينيها تجحظ مصدومة أن تفغر فمها، ولكن العكس تماما ما حدث نظرت ناحيته في هدوء تام تركت حقيبة يدها علي أحد المقاعد لتخطو صوب مرحاض الغرفة تحرك هو في تلك اللحظة يمسك سريعا بيدها قبل أن تدخل إلى المرحاض ربما تحمل أحد الأقراص وستأخذهم بالداخل التفتت له تقطب جبينها تسأله بجفاء واضح:.


- في ايه يا خالد سيب ايدي لو سمحت

ابتسم ساخرا يحرك رأسه نفيا يردف متهكما:

- طب كويس والله أنك فاكرة اسمي، أنا قولت نستيه

زفرت أنفاسها المختنقة، لتجده يجذب يدها يجلسها علي الفراش رغما عنها نزعت يدها من يده تكتف ذراعيها تنظر له حانقة، جلس هو أمامه نظر لها للحظات قبل أن ينفجر حانقا:.


- في ايه يا لينا أنا عملتلك ايه عشان اللي بتعمليه دا، بتصحي بعد ما امشي وتنامي بعد ما أرجع، هو أنا قتلتلك قتيل، لا عارف اشوفك ولا حتى اتكلم معاكي، فين حقي عليكي يا دكتورة!

رفعت حاجبيها في اندهاش ساخر تحرك رأسها نفيا تتمتم متهكمة:

- حقك، هو دا الموضوع اللي عايز تتكلم فيه

تلك المرة هو من ابتسم ساخرا ينظر لزرقاء عينيها مباشرة، رفع يده يبسطها علي وجنتها ابتسم يهمس لها:.


- أنا قصدي حقي في الكلام معاكي، حقي في اني اشوفك، حقي في حاجات كتير، غير اللي في دماغك

جيد باتت هي الوقحة الآن من عاشر القوم كما يقولون أستاذ ورئيس قسم المنحرفين يحاول إقناعها أنه هو البرئ هنا، ولكن ذلك ليس مربط الفرس كما يقال، الموضوع اكبر من ذلك، أبعد يده عن وجهها ينظر ناحيتها نظرات ثابتة يسألها في جدية مباشرة، للحظات شعرت أنه تحقيق رسمي وهي المتهمة هنا خاصة مع نبرته الرخيمة:.


- في ايه يا لينا أنا حصل ايه للي انتي بتعمليه دا كله، عشان جبت لوجين هنا، مش كنا خلصنا من الموضوع دا، لوجين ضحية زيها زي زيدان، هي آه غلطت في الأول بس مين ما بيغلطش، اللي انتي بتعمليه دا نهايته ايه، مش عايزة تشوفيني بتهربي مني، وصلنا لمرحلة أنك مش عايزة تشوفيني يا لينا، نايمة جنبي مش عارف اخدك في حضني، لينا ما غلطتش لما رجعت لوجين، دي ام، أم كل اللي هي عايزاه أن ابنها يسامحها، أنا ما بقولكيش روحي قولي لزيدان سامحها، بس علي الأقل ما تعمليهاش علي أنها ضيف غير مرغوب فيه، لوجين اصرت أن أنا اوصلها النهاردة بيت محمد بسبب معاملتك الجافة ليها، طول عمرك قلبك طيب، اشمعني المرة دي قسي.


انهار قناعها الزائف زحفت الدموع كجيوش تنتصر علي وجهها، تملئه بالكامل حركت رأسها نفيا بعنف شديد تتمتم بحرقة:.


- مش كل الأخطاء ينفع يتسامح عليها يا خالد، من يوم ما لوجين رجعت وزيدان رافض أنه يجي البيت حتى لما بكلمه صوته مخنوق أنا حاسة بيه، عارف يعني أم يا خالد، أنت عارف، والدتك ربنا يخليهالك رغم كرهها ليا مستعدة تعمل اي حاجة عشان خاطرك، تخيل بقي طفل صغير بيبكي لأمه يقولها أنا جعان أنا بردان بيضربني، وهي، هي عملت إيه، كل اللي بتقوله ما كنتش في وعيها ما فيش أم ما بتحسش بابنها أو بنتها، هي اللي ظلمت زيدان وظلمت نفسها، كل ما بحاول اسامحها بفتكر حالة زيدان اول ما جه هنا يعيش معانا، ما كنش بيبطل صريخ طول الليل، بيفضل يبكي ويصرخ وهو نايم بينادي عليها، زيدان تعب اوي في حياته وهي السبب، ما تطلبش مني فوق طاقتي يا خالد.


كان يريد أن يكون خشنا الليلة تحديدا يعاتبها بقسوة علي جفائها معه ولكن تلك الخشونة الواهية ذهبت مع سيول دموعها ليقترب منها يضمها لذراعيه يمسح علي حجابها برفق، لحظات قبل أن يغمغم ضاحكا:

- لاء علي فكرة بقي أنا اللي المفروض ابقي زعلان، ما تجييش في الآخر تعيطي وتقلبي الترابيزة، اوعي يا بت.


خرجت ضحكة خفيفة من بين شفتيها رفعت يدها تمسح دموعها الساقطة، ليمد هو كف يده يرفع وجهها لتلتحم زرقاء عينيها بنخيل عينيه، صمت للحظات قبل أن يهمس متمتما بشغف عاشق:

- بضحكاتك احيا، بآنفاسك أعيش، بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي، فأنتِ الروح والنبض، أنتِ اكسير حياتي.


توردت وجنتيها كعادتها، تخبره بأنه كلماته دائما رائعة ليبتسم بخبث هل يخبرها بأنه سرق تلك الكلمات من حسام حبيب أبيه، لا ولما يجب أن تعلم فلا حقوق ملكية فكرية هنا بين الولد وأبيه، مد يده يمسح علي وجنتها برفق اقترب منها لتغمض عينيها تتنهد حالمة، لتشعر به يحط قبلة صغيرة فوق رأسها فتحت عينيها حين سمعته يتأثب يتمتم ناعسا:

- تصبحي علي خير يا قلبي أنا راجع من الشغل تعبان وهموت وانام.


ضيقت عينيها تنظر له حاقدة ليبتسم هو في براءة توجه إلى الفراش يأخذه بالأحضان بدلا منها، يذقيها قليلا مما فعلت في الأيام الماضية.


ومن هنا لهناك في بيت قريب، حقا قريب في حديقة بيت عز الدين، تجلس سهيلة ولينا حول طاولة مستديرة امامهم اكواب العصير، جاسر في المطبخ يعد لهم معكرونة بالصلصة البيضاء والمأكولات البحرية غارقة في الجبن بوصفته الخاصة التي لا يعرفها غيره، مدت لينا يدها تربت علي بطن سهيلة المنتفخ برفق تسألها مبتسمة:

- انتي بقيتي في الشهر الكام يا سهيلة

- بقالي عشر أيام في السابع...


همست بها بضعف شديد تشعر منذ الصباح بألم عنيف يختفي لساعات ويعود أشد، تعرق جبينها رغما عنها، جسدها بارد يرتجف، ربتت لينا علي يدها تسألها قلقة:

- انتي كويسة اوعي تكوني بتولدي

أخذت نفسا قويا تزفره براحة حين اختفي الألم فجاءة حركت رأسها نفيا تتمتم:

- لا يا لينا لسه بدري

نظرت لينا حولها تتأكد من أن لا أحد يراهم، لتقترب من صديقتها تنظر لها حزينة تهمس بصوت خفيض حاني:.


- ما تسامحي جاسر بقي يا سهيلة، عشان خاطري أنا، صدقيني والله بيحبك اوي، كفاية عليه كدة، يلا بقي عشان خاطر البيبي اللي في بطنك طيب.


ابتسمت سهيلة شاردة هي تود ذلك فعلا وربما حان الوقت لتعطيه صك الغفران، حركت رأسها إيجابا لتتسع إبتسامة لينا تعانقها برفق، في اللحظة التالية كسي الحديقة رائحة شهية للغاية، حين خرج جاسر يحمل في يده صينية طعام عليها ثلاثة اطباق وضع واحد أمام لينا والآخر أمام سهيلة جذب مقعد ليجلس جوارهم، ليصبح الطبق الأخير له، مدت لينا يدها سريعا تلتقط الشوكة تلتهم ما في طبقها بنهم، تحاول الحديث بفمها الملئ بالطعام:.


- المكرونة تحفة كالعادة بس كنت زود الجمبري شوية يا معفن

في اللحظة التالية ااتها صفعة علي رقبتها من الخلف لم يكن جاسر الفاعل، نظرت خلفها لتجد حسام يرتدي حلة سوداء رسمية يمسك بعض الأوراق في يده، بلعت ما في فمها لتطلق صفيرا طويلا معجبا:

- تؤبر قلبي اديش بتعقد، ايه الحلاوة دي يا حس

ضحك حسام ساخرا يرتمي بجسده علي المقعد المجاور لها اختطف الطبق من أمامها يلتقط شوكة نظيفة يأكل هو:.


- هاتي بقي بطلي طفاسة، وبعدين بدل ما تقوليله يا معفن يا انثي كلب البحر أنتي، وبعدين يا أمي أنا طول عمري شيك، أنا بس مش عايز اقعدوا

ضحك جاسر ولينا أما سهيلة كانت تحاول فقط الابتسام مع عودة ذلك الألم بشكل أبشع مما سبق، أخذ حسام شوكة أخري يأكلها باستمتاع:.


- المكرونة دي عظمة، ايه يا عم الجمدان دا، اسكتوا اتنفخت أنا النهاردة كنت بستلم التعيين بتاعي في كلية الطب، الدراسة هتبدأ يوم السبت الجاي، وورق ولف ومدام عنايات، وتحت خانة الذكريات اكتب اسمك في المواجع، تحت خانة الذكريات اكتب أن الجرح واجع واطلع امضيه من مدام اعتماد في الرابع وحاجة نيلة

ضحكت لينا عاليا تقرص خديه باصابعها تغمغم ساخرة:

- إنت يا حوسو هتبقي دكتور في الجامعة دا انت هتعر العيلة كلها.


أزاح يدها بعيدا بعنف ينظر لها باستعلاء يتمتم مفتخرا بذاته مشمئزا منها:

- اوعي ايدك فاشلة جربوعة ما عكيش نص الشهادات اللي معايا، وبعدين دا أنا هبقي دكتور عظمة ولا اييه

اااااه صاحت بها سهيلة، لتتوسع ابتسامة حسام يشير ناحية سهيلة يلاعب حاجبيه يغيظ لينا:

- شوفتي حتى سهيلة معترفة بيا

ااااااااه الحقوني شكلي بولد اااااااه، هب جاسر من مكانه توجه ناحيتها سريعا يصرخ مفزوعا:

- بتولدي، بتولدي ازاي يعني.


صرخ حسام فيه في تلك اللحظات يهرول في خطواته للخارج:

- لاء مش وقت غباء شيلها وورايا بسرعة

ارتجف قلب جاسر خوفا عليها، ليهرع إليها يحملها بين ذراعيه ولينا تهرول خلفهم، من الجيد أن عز الدين لا زال في عمله، الرجل قلبه لا يحتمل اي صدمات، في سيارة حسام، حسام خلف المقود، ولينا جواره وجاسر يحتضن سهيلة بالخلف، صرخاتها تملئ المكان ليصيح حسام بنزق:.


- بس بقي يخربيت صوتك المسرسع، ليه يا ربي ما طلعتش دكتور أنف وإذن

ظلت صرخات سهيلة تتعالي تسب حسام طوال الطريق إلى أن طفح كيله ليصيح فيها:

- وأنا مال أهلي أنا، بتشتمني أنا ليييييه، ما تشتمني اللي جنبك دا

مد جاسر يده يمسح علي رأس سهيلة برفق شديد يهمس لها في رفق رغم أنه يود أن يصرخ هو الآخر من شدة قلقه:

- بس يا حبيبتي اهدي، اهدي قربنا نوصل خدي نفسك.


اخيرا توقفت السيارة أمام المستشفي، قفز من السيارة يصيح في جاسر:

- خليهم يدخلوها أوضة الكشف بسرعة

لمحته لينا وهو يركض لداخل المستشفى يخلع سترته، ليحلق جاسر به دخل إلى المشفي ينظر للمرضين يحادثهم مذعورا:

- بسرعة ارجوكم.


علي فراش طبي وضعوها لتدخل لغرفة الكشف الخاصة، منعوه من الدخول وقفت لينا جواره تدمع عينيها قلقا علي صديقتها تنظر لحاله البائس، جاسر بالفعل يبكي خوفا عليها، لحظات ورأت حسام يهرول ناحيتهم بعد أن أبدل ملابسه واجري التعقيمات اللازمة دخل إلى غرفة الكشف دون أن ينطق بحرف، غاب لبضع لحظات، ليجدوا الباب يُفتح وحسام يحادث الممرضات سريعا:.


- بسرعة علي أوضة العمليات ما فيش وقت الماية اللي حولين الجنين نزلت خلاص...

خرجت سهيلة يدفعها الممرضات علي السرير الطبي لحق جاسر بها يركض جوار الفراش يمسك بيدها ليسمعها تهمس مرتعدة:

- أنا خايفة يا جاسر خايفة اوي

ارتعدت قلبه أكثر ذعرا عليها كاد أن يقول شيئا حين جذبه حسام بعيدا عنها يصيح فيه محتدا:

- ابعد مش وقت نحنحة.


إلى غرفة العمليات اندفع الفراش وخلفه حسام، وقف جاسر في الخارج ينظر للباب المغلق وذلك الكشاف الأحمر الصغير الذي يعلوها مضاء باللون الأحمر، ارتمي بجسده علي الحائط القريب من غرفة العمليات يصدم رأسه بالحائط خلفه، دموعه تهبط بلا توقف، لينا تقف هناك، عينيها شاردة في ذكري فراغ مؤلم، ذكري ذهاب طفلها الرضيع بلا عودة، كانت تملك يوما، طفلا ينمو بين احشائها يكبر يوما بعد يوم تشعر بروح أخري تنبض داخلها رغم ما حدث الا أنها كانت حقا سعيدة به، هي فقط كانت!


مسحت دموعها سريعا اقتربت من أخيها وقفت جواره تربت علي ذراعه تحاول طمئنته بشتئ ما تعرف من كلمات، مر وقت كثير حقا كثير صرخات سهيلة تصدح وتتوقف، إلى أن شق تلك الصرخات، صرخات أخري صغيرة تقول ها أنا قد أتيت، انتفض جسد جاسر بالكامل وهو يستمع إلى صرخات طفله او طفلته، يأتي من الداخل اقترب يهرول من باب غرفة العمليات ومعه لينا ليخرج حسام من الغرفة يحمل لفافة صغيرة داخلها رضيع او رضيعة نظر لجاسر يبتسم في توسع يردف:.


- مبروك سهيلة جابت ولد، طبعا هتسميه حسام علي اسمي عارف عارف، ما فيش داعي للشكر يا عماد دا واجبنا واجبنا...تبع 

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وعشرة


الألم شعور بشع بالألم الخالص اجتاحها لساعات طويلة ظنت أنها علي مشارف الموت ما هي الا لحظات وتلفظ أنفاسها الأخيرة، الألم كان أبشع مما يمكن احتمال وكأن عظامك تنكسر واحدا تلو الأخر ببطئ مؤلم قاسي، ولكنه كما بدأ انتهي اخيرا آخر ما سمعته قبل أن تفقد وعيها صوت بكاء طفل رضيع، طفلها هي، فتحت عينيها بتمهل، لاتزال أثر ذلك الألم تسيطر عليها، ترهق جسدها ولكن دافع قوي حثها علي الاستيقاظ وهو طفلها الصغير تريد أن تراه تشبع روحها من عبيره البرئ، تأوهت بصوت خفيض، حين حاولت أن تنتصف جالسة، ليهرع جاسر إليها حاوطها بذراعيه يسند جسدها برفق يضع وسادة خلف رأسها ابتسم لها يغمغم مترفقا:.


- حمد لله علي السلامة.


ارتسمت ابتسامة شاحبة علي شفتيها تجول بعينيها في أرجاء الغرفة لينا هناك تنام علي الأريكة القريبة من الفراش، نظرت ناحية النافذة، أنهم في صباح اليوم التالي، هل نامت ليلة كاملة دون أن تشعر، حركت ملقتيها تبحث عن ذلك الفراش الصغير الذي تراه دائما في المسلسلات والافلام يجاور فراش الأم، ولكن غرفتها بلا فراش، أين طفلها أو طفلتها، حركت انظارها سريعا ناحية جاسر، علي الرغم من ألم جسدها العنيف إلا أن الخوف الذي استبد بقلبها جعلها تصيح حتى لو خرج صوتها ضعيفا ولكن ملتاع خائف مذعور:.


- البيبي فين يا جاسر، حصله حاجة، مات صح، مات مش كدة

توسعت عينيه ذعرا ماذا تقول تلك البلهاء حرك رأسه بالنفي بعنف ينفي تلك الفكرة السيئة ليردف سريعا:

- بعد الشر عليه يا سهيلة، حبيبتي ابننا عايش، هو بس في الحضانة لأنه اتولد في السابع محتاج يفضل في الحضانة مدة بس إنما هو كويس.


حركت رأسها نفيا تغمر الدموع وجهها كل ما يجول في رأسها الآن، إن طفلها أصابه مكروه وهو يكذب، لف ذراعه حول كتفيها يقربها لصدره يمسح علي شعرها يحاول جعلها تهدئ قليلا:

- والله يا سهيلة ابننا كويس وبخير، واسالي حتى حسام لما يجي...


في تلك الانثاء تملمت لينا علي الأريكة نومة غير مريحة إطلاقا ولكنها لم تكن لتترك صديقتها وتغادر، بمعجزة اقنع حسام والدهم أن يسمح لها بالمبيت في المشفي، نظرت لسهيلة مذعورة حين رأت صديقتها تبكي بذلك الانهيار هرولت من مكانها بخطي سريعة توجهت ناحية فراشها تسألها ملتاعة:

- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه، في اي يا جاسر مالها سهيلة

حرك رأسه يآسا لما تلك الدراما صباحا، الطفل بخير، نظر لشقيقته تنهد يتمتم يآسا:.


- ابدا يا ستي من ساعة ما عرفت أن البيبي دخل الحضانة وهي فتحاها منحة ولا كأنها بقالها سنين في كلية الطب، خليكي جنبها علي ما اشوف حسام فين

ربت علي رأسها ليقبل جبينها قام من مكانه متجها لباب الغرفة فتحه وخرج، لتقترب لينا من سهيلة جلست جوارها لترتمي سهيلة بين أحضانها حاوطتها لينا بذراعيها، في حين انهارت سهيلة باكية تتمسك باحضان صديقتها تتمتم من بين دموعها بحرقة:.


- أنا خايفة، خايفة عليه اوي يا لينا، أنا ما شوفتوش ما خدتوش في حضني حتى...

كلماتها الباكية تعيدها لذكري بائسة تكرهها، ذلك ليس وقت الذكريات ابداا، نفضت تلك الافكار السوداء من رأسها نظرت لصديقتها ابعدتها عنها برفق، امسكت ذراعيها بين كفيها ابتسم في عجب تتمتم بمرح زائف باهت:.


- ايه يا سوسو، أنا صحيح كنت بكره طب بس انتي كنتي بتحبيها، وانا لسه فاكرة كويس أوي، اننا خدنا أن الأطفال اللي بتتولد في السابع في الاغلب بتحتاج تروح حضانات، بيبقي لسه الجنين حجمه صغير يا سهيلة ومناعته ضعيفة والجهاز التنفسي بتاعه بيكمل، صدقيني البيبي هيبقي كويس.


كلماتها اقنعتها ولكنها لم تسكن ألم قلبها، هي لا تريد سوي أن تحتضن طفلها، والآن لن يسمح لها حتى بلمسه، نظرت خلفها حين سمعت صوت الباب يليه صوت حسام يتحدث ساخرا:

- جاسر قالي أنك فتحاها مناحة علي الصبح، مش كفاية خرمتي ودن اهلي إمبارح.


فقط ابتسامة ضعيفة هي من ارتسمت علي شفتيها لتسقط دموع لم تستطع إخفائها من مقلتيها، نظر حسام لجاسر الواقف خلفه يقلب عينيه ساخرا، تحرك يقف أمام الفراش عقد ذراعيه أمام صدره يتمتم مترفقا:

- في ايه يا سهيلة، مالك، يا ماما والله، الطفل كويس وبخير، بس لازم يفضل فئ الحضانة، عشان مصلحته، هخلي جاسر ياخدك تشوفيه، ما تقلبيهاش مناحة بقي.


ابتسم ابتسامته المرحة يحاول تغيير دفة الحوار لشئ آخر نظر لجاسر يضيق عينيه كطفل صغير يتمتم حانقا:

- جوزك الحيوان مش عاوز يسمي الواد حسام علي اسمي، هيلاقي احسن من اسمي فين أنا مش عارف، ويكون في علمك أنا بكرة هخلف بنت ومش هجوزها لابنك..


ضحك جاسر ينظر لحسام ممتنا في الفترة القصيرة التي تعرف فيها علي حسام بات علي علم بما يفعله ذلك الرجل هو فقط يحاول إدخال البهجة والسعادة علي قلوب الجميع بمرحه المعتاد متناسيا نصيبه هو من السرور، تحرك جاسر ناحية فراش سهيلة جلس جوارها من الناحية الأخري ينظر لحسام يبتسم في استفزاز يتمتم باصفرار:

- بردوا مش هسميه حسام، سهيلة هي اللي هتختار اسمه، ومش هيبقي حسام.


ضيق حسام حدقتيه يرمي جاسر بنظرات حانقة كتف ذراعيه أمام صدره يشيح برأسه بعيدا يغمغم في ألم زائف مضحك للغاية:

- أهل دول وصحاب ولمة ولا دول تعابين وسامة شوفت قسوة وجرح منهم وأنا بلعب كورة السلة

ضحكت سهيلة بخفة، تعقد جبينها ظنت أن الوقت امامها لا يزال مبكرا لتختار اسم جنينها، ولكنه فجاءها بالقدوم باكرا، تعجبها حقا الكثير من الأسماء، في حيرة ايهم تختار.


بينما جوارها مباشرة هناك ذهبت عيني البندق تشرد في ذكري بعيدة عن العين تسكن القلب، تتسطح علي الفراش في غرفتهم في الفندق تنظر لسطح الغرفة ترسم بيديها اشكال وهمية في الهواء، حين خرج هو من مرحاض الغرفة يجفف شعره بمنشفة صغيرة ابتسم حين رآها تفعل ما تفعل اقترب منها يجلس جوارها علي الفراش يسألها مبتسما في عشق دائم:

- بتعملي ايه يا لينا.


ضحكت كطفلة صغيرة بلهاء تكمل ما تفعل بيديها نظرت ناحيته نظرة خاطفة تتمتم مبتسمة:

- برسم في الهواء، زهقانة، بقالك ساعة ونص بتستحمي

ضحك ياسا من أفعالها صدمها علي رأسها برفق ليحرك يده في الهواء هو الآخر كأنه يرسم بأصابعه نظرت لسه خلسة تضيق عينيها الفضول يقتلها لتعرف ما يرسم، ثبتت عينيها مع حركة يديه لتسمع صوت يهمس بنبرته الدافئة:

- طفل صغير هيكبر يوم بعد يوم همسك ايده عشان اعمله المشي، ابننا يا لينا.


ابتسمت سعيدة لينزل يده من الهواء يمدها إليها جذبها لتضع رأسها علي صدره يداعب خصلات شعرها بكف يده ابتسمت تسأله برقة خافتة:

- هيكون عندنا احلي بيبي في الدنيا، كفاية عينيك الزرقاء دي وشعرك اللي مدي علي أصفر، أنت اجنبي يا إبني، أنت جاسوس وعامل فيها ظابط.


ضحك رغما عنه يحرك رأسه ياسا من كان يصدق، إن في يوم من الأيام سيحط طيره الشارد رأسه علي صدره يسكن جناحه علي صدره تعلو ضحكاتهم، حرك رأسه بالإيجاب يتمتم ساخرا:

- ايوة ايوة أنا اسمي الحقيقي دنيال، الأفلام دي هتاكل مخك

ضحكت بخفة تغرق رأسها في صدره تستمع للحن دقات قلبه المتسارع عشقا، رفعت مقلتيها إليه تسأله بابتسامة ناعسة:

- طب قولي بقي لو جبنا بنت هنسميها ايه ولو ولد هنسميه ايه.


تحرك بمقلتيه بعيدا عنها شردت عينيه في الفراغ ليس فراغ الغرفة بل في فراغ ذلك الجزء المُعذب في روحه، كان يتمني أن يعطي ابنته الأولي اسم والدته ولكنه أن فعل ستكرر حلقة أسماء لينا، أما والدته الحقيقة، لا مكان لها في حياته لن يذكرها حتى بالاسم، تنهد يعود بانظاره إليها ابتسم يتمتم:

- لو بنت هنسميها وتين، عشان تبقي وتين قلبي هي وامها.


ابتسمت خجلة تنظر لمقلتيه مباشرة تبتسم كعاشقة عرفت للتو معني الحب، همست له بصوت خفيض ناعم:

- حلو اسم وتين، طب لو ولد...

لمعت عينيه لمعة صافية توسعت ابتسامته الحانية يتمتم مبتهجا:

- ياسين أنا بحب الاسم دا أوي، بحسه اسم نقي بيور، ياسين خالد زيدان الحديدي

ياسين، ياسين، ياسين...

لم تكن تدري أنها خرجت من شرودها وتتمتم بذلك الاسم بلا توقف الا حين سمعت صوت صديقتها تحادثها:.


- حلو اسم ياسين يا لينا بس قديم، ايه رأيك في اسم أحمد، اسم جديد

ابتسمت لينا في سخرية ترفع حاجبها الأيسر في تهكم واضح كأنها تقول حقا!


نصف البلد اسمهم أحمد من الأساس، وافق جاسر اختيار زوجته ليكن أحمد إذا، صوت دقات علي باب الغرفة قاطع تلك الجلسة، سمح جاسر للطارق بالدخول ليدخل هو، رأته بعد أيام غياب ابتعد فيها عن المنزل منذ عودة والدته، ها هو يقف أمامها لما تبدو ملامحه مجهدة تعبة، رغما عنها لم تستطع إزاحة عينيها عن قسمات وجهه، اشتاقت لبحار عينيه لتطفئ لوعة قلبها المشتعل، ها هو امامها يقف بطوله الفارع، قميص أبيض اللون سروال من الحينز الأسود يحمل باقة ورد كبيرة وعلبة بها هدية، اقترب منهم، ليقف حسام سريعا يعانقه يختطف باقة الورود منه يحتضنها بقوة أخرج طرف لسانه لسهيلة يغظيها:.


- الورد دا عشاني

ضحك زيدان من أفعال صديقه الطفولية أخذ باقة الورود من بين يديه اقترب من فراش سهيلة يضعهم أمامها يحادثها مبتسما:

- حمد لله علي سلامتك يا سهيلة وألف مبروك، وأنا جاي شوفت باباكي واقف. عند الحضانة بيبص علي البيبي، ربنا يباركلكوا فيه وتفرحوا بيه.


خرج حسام حين استعدته احدي الممرضات للمرور علي المرضي، جلس زيدان علي أحد المقاعد صامتا يتحدث مع جاسر بكلمات قليلة بين الحين والآخر، نظرت سهيلة لجاسر في ذلك الوقت تتوسله قائلة:

- عشان خاطري يا جاسر هشوفه حتى وهو فئ الحضانة.


تنهد حائرا يعرف أنها ستبكي وتنهار بشكل مبالغ فيه ما أن تري الصغير، ولكن ماذا يفعل هي لا تتوقف عن الإلحاح لرؤية وهو حقا لا يلومها، كيف يلوم أم علي لوعتها لرؤية صغيرها، ابتسم مترددا يحرك رأسه بالإيجاب

ليقوم زيدان في تلك الاثناء نظر لساعة يده نظرة خاطفة ابتسم يتمتم معتذرا:

- طب هستأذن أنا عشان الشغل، وبإذن الله اجلكوا في السبوع.


صافح جاسر زيدان يودعه، اختطف نظرة سريعة لها، رأتها جيدا وكيف تغفل عنها وهي لا تفعل شيئا سوي اختلاس النظرات إليه طوال الوقت، اجفلت علي وغزة من يد سهيلة فئ ذراعه قطبت ما بين حاجبيها تنظر له مستنكرة ما فعلت بينما مالت سهيلة ناحيتها تهمس بصوت خفيض متعب:

- حاولي تتكلمي معاه يا لينا التجاهل اللي انتوا فيه دا مش هينفع، طبقي نصايحك اللي عماله تقوليهالي.


تتحدث معه عن ماذا وما ستقول، هي حقا لا تعرف اي نوع من الحديث من الممكن أن يجمعهما بعد ما حدث، كرامتهم تأبي وبشدة أن تخبره أنها لا تزال تحبه، ماذا أن كان لم يعد هو يحبها، حركت رأسها تنفي الفكرة استأذنت منهم، أنهم ستتوجه إلى المطعم تحضر بعض المأكولات، خرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها لتتوسع عينيها مندهشة حين رأته يقف خارجا يتحدث في الهاتف، مع من يتحدث، ظهره مواجها لها يدس كفه الأيسر في جيب سرواله والايمن يمسك به الهاتف، هل هذا والدها الذي يحادثه أم أنه يُحادث تلك الشقراء اللزجة، ترددت كلمات سهيلة في رأسها توا، هي وهو يحتاجان لجلسة مصارحة طويلة للغاية، جلسة يكشف كل منهم عما يدور داخل قلبه المغلق الملتاع ألما، ولكن كيف تخبره بذلك، اخذت نفسا قويا تزفره بعمق، بشكل مباشر ستخبره بشكل مباشر، أيسر الطرق هو الطريق المستقيم، تقدمت ناحيته فقط خطوتين، قبل أن تجد باب أحدي الغرف يُفتح بعنف ويخرج رجل يُسند زوجته يصرخ فزعا، توسعت عينيها هي هلعا من الدماء التي تغرق ملابس الزوجة الحامل، اندفع الاطباء والممرضات ناحيتهم ليصيبها هي دوار شديد، في تلك اللحظة تحديدا شعرت أن الأرض تلتف بعنف رأته وهو يهرع إليها أمسك بذراعيها قبل أن تسقط يصيح فيها قلقا:.


- مالك يا لينا

- دايخة اوي وحاسة اني عايزة ارجع.


همست بها بصوت ضعيف قبل أن تزوع عينيها كادت أن تسقط أرضا ليحاوطها بذراعيه يحملها، تلك الكلمات التي نطقتها توا اشعلت في جسده نيران لن تنطفئ ابداا، أيعقل أنها تحمل بطفل من ذلك الرجل ولما لا ألم تكن زوجة له، نعم زوجته، تم زواجهم والآن تحمل طفلهم، مجرد الفكرة جعلت خلاياه تصرخ تتعذب، لم يعرف حتى كيف وصل بها إلى أحدي غرف الكشف حتى، أخبر الممرضة أن تستدعي حسام لأن شقيقه متعبة، وقف هو جوار الفراش ينظر لجسدها المسطح عليه تركزت مقلتيه عند بطنها، يشعر بخنجر حاد النصل يشطر قلبه، أتحمل طفل من غيره، ولما يتألم، هل لأنه لا زال يعشقها بكل ذرة تنبض فيه، كم رغب في تلك اللحظة في أن ينزع قلبه الأحمق يلقيه أرضا يدهسه بحذائه، فقط دقيقتين وجاء حسام يهرول إلى الغرفة نظر لزيدان يسأله فزعا:.


- مالها لينا حصلها ايه

انتقل بمقلتيه بينها وبين صديقه، ابتسم شقت شفتيه ابتسامة ألم بشعة، خرج صوته خاوي من الحياة:

- لينا ممكن تكون حامل من نائل.


لا يعرف أيقولها في صيغة سؤال يتمني نفيه أم حقيقة يتمني أن تكن هي الكذب الذي خدع الحقيقة وارتدي ثيابها ليخدعه هو، شخصت عيني حسام مذهولا، خرج زيدان من الغرفة وقف خارجا استند بجسده إلى الحائط عينيه تشرد بعيدا، إلى متي سيتسمر ذلك الحال، استدعي حسام أحدي الممرضات دخلت للغرفة لدقيقة فقط، ليراها تخرج من الغرفة تمسك زجاجة صغيرة بها القليل من الدماء، ابتسم ساخرا، حسام يريد التأكد من صحة ظنه، لن يبقي ليستمع إلى الحقيقة المؤلمة لن يتحمل ذلك الألم من جديد، توجه إلى باب الغرفة فتحه فقط جزء ضئيل للغاية جزء استطاع منه سماع ذلك الحوار الذي يجري بالداخل ابتداءً من صوت حسام وهو يسأل لينا:.


- يا لينا متأكدة أنك مش حامل أنا بعت عينة دم ليكي تتحلل عشان نتأكد

وصل إليه صوتها الشاحب المتعب وهي تردف منفعلة:

- مش حامل والله مش حامل، أنا ومعاذ ولا نائل جوازنا ما كنش اكتر من حبر علي ورق

شخصت عينيه في دهشة لا يصدق ما تسمعه أذنيه، أحقا ما تقول، ليسمع حسام يسألها حذرًا:

- يعني ايه.


سمع زفرتها القوية يبدو أنها تعبت من الحديث مع حسام الفضولي الذي يرضي فضول ذلك الواقف خارجا دون أن يعلم أي منهم لتتمتم بنزق:

- يعني من يوم فرحنا وأنا في اوضة وهو في أوضة، حتى لما خطفني، قالي علي ميولة الغريبة الشاذة معاذ ولا نائل دا ما كنش طبيعي

كان شاذ يا حسام من الآخر

سمع صوت شهقة مدهوشة تأتي من صديقه ليتمتم بعدها مذهولا:.


- نهاره أسود، ايه البني آدم دا، دا ناقص يكون بيؤد بنات ويبقي ليفل الوحش في الجحود.


لم يقل ذهول حسام عن ذهوله ترك مقبض الباب يبتعد عن الغرفة قليلا، جلس علي أحد المقاعد ينظر للأرض يبتسم ساخرا، لما يشعر بالسعادة حين علم أن ذلك الفتي لم يمسها، ذلك لم يشفي سوي جزء من جرح قلبه، ليس من الساهل إن يتجاوز بسهولة أنها فضلت ذلك الشيطان عنه، إهانت كرامته ورجولته لأجل وغد دنئ، لو فقط يعلم أنه وغد لعب علي وتر مشاعرها الحائرة أظهر الجميع هم أشرار الحكاية ليكن هو البطل الطيب الذي جاء لينقذ الاميرة، تحرك يخرج من المستشفي، صادف في طريقه سهيلة تقف في المنتصف بين جاسر وابيها تبسط يدها علي زجاج غرفة « الحضانة » تنظر لطفلها تبكي، لا يعرف أتبكي فرحا أم خوفا.


بأمر من كبير العائلة من هو كبير العائلة الآن، صاحب قاعة الزفاف الذي يقيم جميع الحفلات في منزله تقرر قيام زفاف أدهم ومايا يوم السبت زفر حسام أنفاسه حانقا والده لم يجد سوي أول أيام العام الدراسي ليقرر فيه أن الزفاف اليوم، زفر أنفاسه متعبا منذ أيام وهو في دوامة لا تنتهي، والآن ها هو يقف هنا نظر لساعة يده ليزفر أنفاسه متوترا وقف أمام باب غرفة المحاضرة المغلقة يتأنق بحلة رمادية اللون وقميص ابيض يحمل حقيبة جهاز « اللاب توب » علي كتفه، رفع يده يعدل من وضع نظارة عينيه الطبية الشفافة وقف للحظات يلتقط أنفاسه، لقد حاضر من قبل حين كان في السعودية تلك ليست مرته الأولي، ادار مقبض الباب ليدخل في لحظة دخوله توقفت الاصوات الصاخبة المنعبثة من داخل القاعة ليسود الصمت المكان تحرك بخطوات رشيقة ناحية المكتب يضع حقيبته عليه، التفت ينظر للطلاب الجالسين أمامه تحرك من مكانه يقترب من مدرجات الطلاب قليلا رسم ابتسامة هادئة علي شفتيه يتحدث برزانة غير معتادة:.


- صباح الخير يا شباب، أنا دكتور حسام السويسي هكون محاضركم لمدة شهر بإذن الله لحين عودة دكتور صادق من سفره...


للحظات توقفت باقي الكلمات داخل حلقه حين وقعت عينيه عليها لا يعرف كيف لم يرها من البداية ها هي تجلس هناك بعيدا تنظر له في ذهول فكها يكاد يلامس الأرض من الدهشة، ليرتفع جانب فمه بابتسامة صغيرة، كم رغب في تلك اللحظة أن يذهب ويعانق صادق، علي ذهابه للبعثة الآن من قال أنه سيمكث شهر واحد فقط، عذرا يا صادق ولكن علي الارجح سآخذ مكانك لباقي السنوات القادمة، حمحم يستعيد ثباته المسلوب، نظر لمقلتيها مباشرة للحظة قبل أن يحمحم يردف بجدية:.


- الأساتذة اللي قاعدين ورا، يجيوا يقعدوا قدام المدرجات فاضية قدام

تحرك بعض الطلاب ينقلون أماكنهم عداها هي، ظلت جالسة مكانها دقات قلبها تكاد تصم اذنيها، لا تصدق أنه هو الواقف أمامها، اجفلت من شرودها علي صوته وهو يحادثها:

- الاستاذة اللي ورا يا دكتورة

اشارت إلى نفسها ليحرك هو رأسه إيجابا كتف ذراعيه أمام صدره يتمتم فئ هدوء:

- سمعتي أنا قولت ايه.


تحرك يدق بقلم السبورة الأسود علي سطح مقعد فارغ في المدرج الأول عاد ينظر لها يبتسم في هدوء تااااام:

- تعالي هنا!

حركت رأسها إيجابا سريعا تنظر له، الصدمة تكاد تُفجر عقلها، كيف يعقل أن يظهر في كل مكان هي فيه بذلك الشكل، والأهم كيف يريدون منها أن تنجح في تلك المادة تحديدا وهو من يدرسها لها، ابتلعت لعابها متوترة تتحرك بخطي شبه مرتعشة، كان يجب عليها أن تسمع نصيحة والدها التي قالها لها صباحا.


« يا بنتي طنشي كدة كدة ما حدش بيروح أول أسبوع خوديني قدوة ليكي كنت بروح علي الامتحانات بس وبعدين فرح مايا بنت عمك بليل عشان ما تبقيش تعبانة ».


ولكنها أصرت أن تكون الطالبة المجتهدة وتذهب اليوم، في غياب سارين تشعر بأنها منعزلة لا يمكنها الاختلاط مع الطلاب بسهولة سارين هي من كانت تدفعها تشجعها والآن سارين ليس هنا، جلست علي المقعد الذي اشار إليه تنظر له قلبها يرتجف، لازالت تحمل ذلك المنديل الذي اعطاه لها ليلا تقرأ كلماته التي خطها لها كل ليلة...


«بضحكاتك احيا، بآنفاسك أعيش، بشذي عطرك ينبض قلبي بين خلجاتي، فأنتِ الروح والنبض، أنتِ اكسير حياتي »

كلمات تسلب لبها، تسحر عقلها، كلمات تعترف بعشق صاحبها، اجفلت تنتفض من مكانها حين دق بسطح قلمه علي سطح الطاولة امامها، اشار إلى شاشة العرض لتنتبه لما يقول لتحرك رأسها بالإيجاب سريعا، ليعاود هو الشرح من البداية لأن حبيبته البلهاء كانت شاردة.


وقف أدهم في غرفته الصغيرة في منزل جدته وقف أمام مرآته ينظر لحلته السوداء ابتسامة تكاد تلتهم وجهه من شدة اتساعها، اليوم، اليوم ستُكتب زوجة له، اليوم ستحقق أسعد أحلامه، تسارعت دقات قلبه يرغب في الرقص القفز عاليا الصياح من شدة ما يختلج بقلبه من سعادة، امسك زجاجة عطره يضع منها القليل، في لحظة دخول جدته إلى الغرفة رأي عينيها الممتلئة بالدموع ترك الزجاجة من يده ليقترب منها قبل رأسها يتمتم مبتسما:.


- بتعطي ليه بس يا جدتي

انهمرت دموع منيرة رفعت يديها تجذب أدهم لها تعانقه بقوة تمسح علي رأسه تغمغم بحرقة:

- دي دموع الفرحة يا إبني، ما تنساش جدتك يا أدهم، دا أنا ما صدقت أن ربنا ردك ليا تاني..

رفع رأسه عن أحضانها دمعت عينيه ليقبل رأسها ويدها ضمها لصدره يغمغم مبتسما:

- انساكي ازاي بس، حد ينسي أمه، دا أنا انسي نفسي وما انساكيش، ربنا يخليكي ليا وما يحرمني منك ابدا

- اوووبا ليالي الحلمية شغالة اهي...


غمغم بها مراد ضاحكا في لحظة دخوله للغرفة يحمل حذاء أدهم الأسود اللامع اقترب منه يضع الحذاء جوار الفراش يغمغم متفاخرا بإنجازه الهائل:

- الجزمة مراية خليت الواد رزق يمسحها مسحة حكاية، يلا يا عم البس عشان ما نتأخرش، العروسة بتجهز في البيت اللي هيتعمل فيه الفرح.


حرك رأسه إيجابا سريعا هرول يرتدي حذائه ليمسك مراد بسترة حلته السوداء يلبسه إياها، التف يقف أمامه يعدل رابطة عنقه، نظر أدهم لأخيه يبتسم، ربت مراد علي ذراعه في اللحظة التالية كانا يتعانقان ربت مراد علي ظهر أدهم يغمغم بانفعال صادق:

- ألف مبروك يا أدهم، ربنا يسعدك ويهنيك دايما

لحظات سعيدة لم تقطعها سوي صوت منيرة حين صدحت من بين شفتيها زغرودة عالية تتمتم سريعا:

- يلا يا واد أنت وهو اتأخرنا علي الناس.


تقدمت منيرة خلفها ادهم يلحق بهم مراد، حين خرج الأخير إلى صالة البيت، رآها منذ ساعات وهو منشغل مع أخيه، لم يرها اليوم تقريبا، لم يكن يعرف وهو يبتاع ذلك الفستان الاقحواني بلونه الفاتح الهادئ أنه ستخطف أنفاسه لتلك الدرجة وحجابها الرقيق الذي يلف رأسها بشكل أنيق يكاد يطيح المتبقي من ثباته، حتى الصغيرة ملك ترتدي فستان أبيض اشتراه منذ عدة أيام هو وفستان روحية لأجل زفاف شقيقه لم يفق من دوامة شروده علي صوت جدته تنهره:.


- يلا يا مراد هتفضل متنح فيها كتير، هي زي القمر آه بس احنا متأخرين

نظر لجدته حانقا فضحت أمره وكأنه مراهق ضُبط بالجرم المشهود، التقط أنفاسه يقترب منها يشير لها بيده لتتقدمه، حركت رأسها بالإيجاب جسدها يرتجف متوترا، تحركت إلى السيارة تجلس علي الأريكة الخلفية جوار منيرة، وفئ الإمام يجلس مراد خلف مقعد السائق وادهم جواره تنطلق السيارة إلى منزل خالد السويسي.


في منزل خالد السويسي زُينت الحديقة بشكل مبهر فمن كثرة ما اُقيم فيها من مناسب بات خبيرا فيما يتعلق بالحفلات، كوشة العروسين، الإضاءة، الموسيقي، طاولات الطعام، طاولات الضيوف، حمزة يتحرك هنا وهناك بصحبة خالد يشرفان علي الجميع، السيدات جميعا في الأعلي في غرفة مايا، التي وقفت أمام مرآه زينتها تلتف حول نفسها تكاد تصرخ من السعادة ولما تكاد فقد صرخت بالفعل:

- أنا وادهم هنتجوز اخيرا.


ضحكت لينا السويسي ساخرة من افعالها توجهت ناحيتها تقرص ذراعها بخفة تأوهت الأخيرة تنظر له حانقة لتتمتم لينا ساخرة:

- يا مدلوقة شوية وقار مش كدة...


قلبت مايا عينيها دون أن تهتم بكلمات لينا هو حقا لن يشغلها كل ما يشغلها الآن أن أدهم عاي وشك الوصول سيعقدون قرانهم، ومن ثم حفل زفافهم الرائع، اقتربت لينا زوجة خالد منها تساعدها في إنهاء آخر اللمسات، نظرت مايا لها تبتسم، في تلك الليلة تحديدا كانت علي وشك أن تنهار باكية، لولا وجودها جوارها كأنها والدتها، منذ البداية إلى هذه اللحظة زوجة عمها لم تتركها لحظة...


صوت سيارة وقفت في حديقة المنزل، هرعت إلى الشرفة أدهم هنا ومعه المأذون وشقيقه وجدته وزوجة شقيقه وابنتهم...


في غرفة الصالون قبل أن يزدحم القصر بالحضور قرروا عقد القران اولا، جلس المأذون في المنتصف بين أدهم وحمزة، تجمع فقط أهل البيت من ضمنهم مايا تقف بين السيدات يشاهدن عقد القران في مشهد مألوف تم عدة مرات امامهم، ولكنه تلك المرة مختلف بفرحة أدهم ومايا العارمة، وضع أدهم يده في يد حمزة، ادمعت عيني حمزة رغما عنه، يزوج إبنه وابنته في ليلة واحدة، لحظات مر شريط طويل من المشاهد المتتالية أمام عينيه، مشاهد طفولة شباب كبر، الآن يزوج شطري قلبه، ردد خلف المأذون إلى أن انتهي دوره ليجئ دور أدهم الذي كان يسابق الكلمات وهو ينطقها، وقع خالد واحد حراسه كشاهدين، خط أدهم توقيعه متلهفا حتى أنه كاد يمزق الورقة من شدة لهفته، جاء دور مايا اقتربت منهم تخط توقيعه ما أن وضعت بصمتها علي الورقة، شهقت بعنف خرجت بعض الشهقات من السيدات من المفاجأة التي قام بها أدهم حين حملها يلتف بها حول نفسه يصرخ من شدة سعادته:.


اتجووووووووززززتهاااااا!

تعالت ضحكات الجميع وضرب خالد كفا فوق آخر، عند باب المنزل وقف ينظر لها وهي تقف هناك تنظر لادهم ومايا تبتسم لسعادتهم، تلاقت ملقتيها بمقلتيه، لتندثر ابتسامتها شيئا فشئ، كلاهما ينظر للآخر يبحث عن السعادة في عينيه والسعادة تلتف أمام أعينهم!..


الفصل المائة إحدى عشر والمائه وأثناء عشر من هنا 


لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة
تعليقات