رواية أسير عينيها الفصل المائه و إحدى عشر 111 والمائه و أثناء عشر 112 الجزء الرابع بقلم دينا جمال

رواية أسير عينيها

الفصل المائه و إحدى عشر 111 والمائه و أثناء عشر 112 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

نغمات الموسيقي تنبعث من هنا وهناك تلف حبالها الناعمة حول الجميع في حالة خاصة من السكر، علت نغمات أخري تفوق نغمات الموسيقي تعلو فوقها، تحجبها، نغمات السعادة، السعادة المشعة منهما فقط، سعادة خاصة من بين أفواههم أعينهم ضحكاتهم، تلفهما معا في قوقعة صافية لن تنكسر، لن يطرقها الحزن قريبا، يجلس جوارها علي « الكوشة » المخصصة لهما أشبه باريكة صغيرة بيضاء مزينة لا فواصل بينهما، احتضن كفيها بين كفيه، رفع يدها يقبلها بهيام عينيه لا تنزحان عن مقلتيها، في تلك اللحظات آخر ما يمكن أن يشغله هو حفل زفافه!، كيف يوجه انظاره لإضاءة نجوم خادعة والقمر أمامه يبتسم له، يأسر قلبه المكبل بقيود عشق خاصة، عشق لم يذقه احدا قبله ولن يفعل احدا بعده، فلا الحكايات تتشابه، ولا ليلي ستشعق بعد قيس احدا، رفع يدها يقبل باطنها للمرة التي لم يعد يحسبها، ليري وجهها بالكامل يصطبغ بحمرة وردية جميلة، تلتهما عينيه في فستان الزفاف الأبيض تبدو كأميرة هربت لتوها من حكاية سندريلا، سندريلا لم تحب الأمير بل أحبت ذلك الفقير اللقيط، تهدجت أنفاسه يشعر بقلبه علي وشك أن يخرج من مكانه حلمه بالسعادة تحقق اخيرا، وباتت هي بعد طول انتظار، زوجته!

تحرك لسانه يعبر ولو قليلا عن نيران قلبه المتأجحة بلهيب عشقها:

- اخيرا يا مايا، أنا مش قصدي نفسي حاسس اني بحلم حلم حلمته كتير أوي، حلم اخيرا اتحقق، بقيتي مراتي، هتفضلي معايا دايما مش هتبعدي عني تاني، هاخدك في حضني قدام الدنيا كلها، يعني لما اصحي كل اليوم الصبح هلاقيكي نايمة جنبي، ولما ارجع من الشغل هلاقيكي لسه موجودة، مايا انا بحبك، بحبك اوي، اوي يا مايا.


ملئت الدموع حدقتيها تنظر له قلبها يكاد ينفجر كلماته لا تعزف برقة بل تدق بعنف علي وتين قلبها تكاد تفجره، تريد أن تخبره أيضا انها تعشقه فوق عشق العاشقين عشقا، لم تجد ما اقول كلمات العالم اختفت جميعا من قاموسها الكبير الذي يحوي عدة لغات، عربية، إنجليزية، فرنسية ألمانية، ولم تجد كلمة واحدة تعبر عن عشقه في قلبها، فتركت لسانها جانبا واندفعت ترتمي بالروح والقلب قبل الجسد بين أحضانه ولم يتردد هو للحظة بل طوقها بذراعيه يزرعها داخل قلبه وصدره وهي في الأساس تسكن شطر روحه، لحظات طويلة سرقاها من الدنيا سعادة لا مثيل لها لهم هم فقط، لحظات طويلة مرت كلمح البصر قبل أن تبتعد عن أحضانه، مال يقبل رأسها يهمس لها بشغف عاشق:.


- نرقص

ابتسمت خجلة تومأ برأسها لمحة خاطفة قام يشبك أصابعه بكفها يجذبها بخفة لتتحرك معه إلى باحة صغيرة للرقص، لفت ذراعيها حول عنقه ليحاوطها بذراعيه يقربها منه حتى بات عجز الهواء عن العبور من بينهما، يتمايل معها علي ألحان قلبه قبل ألحان الموسيقي

- أنا بقول كفاية كدة ونروحهم قبل ما نتفضح.


غمغم بها خالد ضاحكا قبل أن يرفع يده يوكز اخيه بمرفقه في ذراعه التفت حمزة له، برزت علي شفتيه فقط ضحكة خافتة نظر لهما ليعاود النظر لأخيه رفع يده يسمح وجهه بكف يده يغمغم في عجب ساخر:

- طب أنا دلوقتي المفروض ابقي قلقان علي مين فيهم، ليزعل التاني بعد الجواز لما يجوا يشتكولي أنا المفروض اعمل ايه بقي.


ضحك خالد يحرك رأسه يآسا ترك حمزة يقف هناك ليتجول هو في الحديقة يبحث عنها، أين تلك القصيرة صاحبة الأعين الزرقاء التي تسلب لبه أينما كانت، رآها تجلس علي طاولة بعيدة قليلا تشاهد العروسين بابتسامة كبيرة، وقف ينظر لها يمر أمام عينيه شريط طويل من الذكريات السعيدة هي بطلتها جميعا ومن سيكون غيرها، رفع يده يتحسس شعره الذي امتزج بالشيب، الشيب بين ذراعيها هو الشباب السرمدي، تحرك متوجها إليها تخترز عينيه فستانها الأسود الأنيق حجابها الرمادي زرقة عينيه الكفيلة بجعل وجهها يضئ، اقترب أكثر واكثر إلى أن صار أمامها مباشرة انحني قليلا يمد يده لها، لترتسم علي شفتيها ابتسامة صغيرة دون كلام وضعت كفها في كفه ليجذبها برفق، يأخذها إلى ساحة الرقص يخفيها داخل جسده وهو يتمايل معها علي انغام الموسيقي، يده علي خصرها والاخري تمسك بكفها، ويدها علي كتفه والاخري تحتضن كفه، تنظر لمقلتيه دون كلام، فالصمت في تلك اللحظات هو خير كلام تقوله الأعين يعرفه القلب ولن ينطق به اللسان أبدا، لاحظت تبدلت ابتسامته هي تحفظه عن ظهر قلب، وتعرف تلك الابتسامة التي ظهرت علي شفتيه لتبتسم هي الاخري تسأله:.


- افتكرت ايه

ضحك يوجه انظاره إليها يقربها منه أكثر برزت ابتسامة عابثة علي شفتيه يغمغم مشاكسا:

- افتكرت فرحنا التاني. لما اصريتي نرقص في الجنينة الساعة 2 بليل.


ابتسمت وضحكت عيناها حين صدمت رأسها تلك الذكري، اصرت علي أن يرقصان في الحديقة الثانية بعد منتصف الليل لأنها تعرف أنه لن يرفض، لم تكن رقصة هادئة كهذه إطلاقا، بل كانت أشبه برقصات المجانين وهي تتقافز حوله تصيح فيه أن كطفلة بلهاء أن يرقص معها وهو يخبرها كرجل آلي أنه لا يجيد تلك الرقصات الغريبة، وأنه لا يجيد سوي رقصة « التحطيب » الشعبية القديمة التي تحدث في بلدهم...


عادت تنظر إليه ابتسمت تنظر له تلك النظرات الناعسة التي ينسي معها أن هناك عالم من الأساس أن الكون يتوقف عندها هي، إن نبضاته تدق فقط لها هي...


بالقرب منهم نظر حمزة لأخيه يبتسم خالد حين يري لينا يشعره بأن مجذوب رأي من لعنه ليسير خلفه أبد الدهر، أحيانا يظن أنها جنية قادمة من باطن الأرض ندهت أخيه بسحرها لتكبل قلبه للأبد بعشقها، نظر لبدور الجالسة علي المقعد جواره تهدهد سيلا الصغيرة، ليبتسم تلمع عينيه بعاصفة مشاعر من الحب والامتنان والاحتواء، رآها حين اختلست النظر لساحة الرقص، رأي في عينيها نظرة حزينة بها ألم قديم، ليتفهم الوضع، قام من مكانه يمد يده لها يحادثها مبتسما:.


- نرقص

اسبلت عينيها تنظر له مدهوشة ترقص لم تفعل منذ زفافها الأول تقريبا، كم مرة أرادت الرقص علي تلك النغمات الهادئة بين ذراعي زوجها السابق وكان رده العنيف القاسي، هو السخرية منها وابعادها بقسوة عنه، كم تكرهه لا تعرف حتى لما أحبته في يوم، ابتلعت لعابها تحرك رأسها نفيا تهمس متوترة:

- ها، ااا، أنا ما بعرفش ارقص، وبعدين خالد وسيلا.


ابتسم دون كلام ليميل يحمل سيلا الصغيرة من بين ذراعيها، حمل الصغير خالد علي ذراعه يبحث بعينيه عن هدفه ليجده يقف هناك جوار طاولة الطعام الكبيرة يتحدث مع طبق المقبلات في موضوع غاية الأهمية:

- ايوة يعني هما اتاخروا ليه، أنا مستنيهم من بدري، تفتكر مش هيجيوا.


وقف حمزة بالقرب منه ينظر له بأعين متسعة مدهوشة حسام جُن يتحدث مع اطباق الطعام، أراد أن يضرب كف فوق فوق آخر ولكن حمله للأطفال منعه، اقترب اكثر يرسم ابتسامة واسعة علي شفتيه يغمغم ساخرا:

- حوسو حبيب عمك، سيب يا حبيبي الطبق اللي أنت بتكلمه دا، وتعالا عايزك.


قطب حسام جبينه متعجبا عن أي طبق يتحدث، حسام كان يحدث زيدان من خلال سماعة الاذن الصغيرة، زيدان الذي فضل المكوث في غرفته بعض الوقت قبل أن ينزل للحفل، أغلق حسام الخط مع صديقه، يقترب من عمه وقف أمامه يردف مبتسما:

- خير يا عمي.


فكر حمزة للحظات عن حجة مقنعة يقولها لحسام قبل أن يعطيه الصغيرين، رسم ابتسامة كبيرة علي ثغره قبل أن يدفع سيلا الصغيرة بين أحضان حسام برفق، حملها الأخير سريعا ينظر لحمزة مدهوشا بينما اردف الأخير مبتسما:

- بص يا حوسو أنا عارف انك دكتور نسا واكيد بتحب الأطفال...

رفع حسام يده اليسري سريعا يقاطع عمه قبل أن يكمل لأن اليمني تحمل الصغيرة، رفع حاجبه الأيسر يردف مستهجنا:.


- مين قال إن دكتور النسا لازم يحب الأطفال، هل دا معناه أن دكتور السنان بيحب السنان ويمشي يلمها من تحت مخدات العيال ويعملهم سلسلة ولا دكتور السمنة بياكل الدهن ويسيب اللحمة، ولا دكتور البواسير بيحب ال

قاطعه حمزة سريعا قبل أن يكمل وصلته المقززة ليردف مشمئزا:

- بس بس يخربيت قرفك، أنا اللي غلطان

اقترب منه يدفع الصغير خالد الذي تعلق في عنق حسام ينظر له بشر طفولي، بينما اشهر حمزة سبابته امامه يردف:.


- خلي بالك من سيلا وخالد واوعي تزعلهم...

اقترب يربت علي رأس الصغير يحادثه مبتسما بحنو:

خالودة إلعب مع عمو حسام.


قالها ليبتسم الصغير في خبث يحرك رأسه بالإيجاب، بينما ابتلع حسام لعابه خائفا ينظر للصغير بجانب عينيه متوترا ، تركهم حمزة وغادر متوجها ناحية بدور الجالسة هناك تراقب ما يفعلون، اقترب حمزة منها ودون كلمة أخري جذبها من يدها يتجه بها ناحية الحديقة الخلفية بعيدا عن الجمع، توسعت عيني حسام مدهوشا رفع حاجبيه لأعلي يتابع ما يفعل حمزة بأعين مدهوشة، ليتمتم في ذهول:.


- نهار اسوح إنت مش كبرت يا عمي علي اللي أنت بتعمله دا

نظر حوله يبحث عن أبيه ليخبره بأفعال أخيه الغريبة ليجد أبيه يجلس علي طاولة بعيدة عن الحفل ملاصقا يهمس لها ببعض الكلمات العابثة فئ اذنيها والاخيرة تضحك خجلة حرك رأسه يتمتم ساخرا:

- وأنا هشتكي مين لمين، ما اسخن من سيدي الا ستي زي ما خالتي كانت بتقول.


علي صعيد آخر قريب وقفت سيارة رشيد بعد رحلة طويلة لهدفان الأول رؤية حفيده الأول، والثاني حضور الزفاف، نزل من السيارة لتنزل صبا من بعده، بعد أن أصرت شروق أن تمكث مع سهيلة في المشفي، تحركت صبا جوار أبيها تنظر للمكان بأعين واسعة تلمع، نظرات بريئة رقيقة، ما هي الا لحظة ووقفت سيارة مسرعة بالقرب منهم لتسمع صوت تعرفه يأتي

من داخل السيارة تصيح محتدة:.


- مش هترتاح غير لما نعمل حادثة في مرة بسواقتك المجنونة دي يا غيث...

صوت ضحكاته المميزة يصدح من الداخل غيث هنا!، لم تره منذ الحادثة الأخيرة منذ أشهر كانت تظن أنه سافر مرة أخري ولكنه هنا، تحرك رشيد والدها ناحية أخيه يعانقه لقاء بعد طول غياب نزلت ياسمين ومعها جوري الصغيرة تمسك بيدها اقتربت ياسمين منها تعانقها بود تردف بحنو:

- ازيك يا صبا عاملة ايه يا حبيبتي، عقبالك يا سوسو.


ابتسمت صبا في توتر تهمس بخفوت خجل عينيها تحاول اختلاس النظرات تبحث عنه. :

- الحمد لله شكرا يا طنط

اقتربت جوري من صبا تشد اكمام فستانها ابتسمت ابتسامة واسعة تغمغم بصراحة مطلقة:

- صبا صبا فستانك حلو اوي يا صبا، ماما أنا عايزة فستان زيه

ضحك الواقفون جميعا قبل أن يميل رشيد يمسك جوري يرفعها عن الأرض كشر قسمات وجهه بشكل مضحك يردف متوعدا:

- إنت يا بت بتعاكسي بنتي، يا شبر ونص أنتي.


قلبت جوري عينيها بملل كتفت ذراعيها أمام صدرها زمت شفتيها تغمغم بنزق:

اسمي جوري يا عمو رشيد، وطبيعي اكون قصيرة لأن أنا لسه صغيرة عندي 10 سنين، وما ينفعش تشيلني زي الكيس كدا لأن دي إهانة للمرأة

توسعت عيني رشيد في ذهول ينظر لفارس وياسمين مذهولا، بينما ضحك فارس يآسا يصطدم جبينه بكف يده يغمغم ضاحكا:.


- إنت لسه شوفت حاجة، الأستاذة جوري بتقرا في كتب غيث، وطول النهار بتسمعني محاضرات عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، لدرجة انها حسستني اني فاتح مكتب بؤد فيه بنات.


كان الجميع يضحك يتحدثون عما تفعله تلك الصغيرة جوري، عداها هي، تقف بعيدا عنهم قليلا تفرك يديها متوترة عينيها تحاول اختلاس النظرات إليه لتنتفض في حرج حين التقت مقلتيها بعينيه للحظات رآها وهي تختلس النظرات إليه يال الفضيحة ماذا سيظن بها ، تحركت بصحبتهم للداخل، توجهوا جميعا إلى طاولة كبيرة يلتفون حولها تجلس جوار والدها عينيها تتوجه ناحية مايا وادهم تنظر لسعادتهم وهم يلتقطون الصور بابتسامة صغيرة، استأذنت من والدها لتتحرك ناحية طاولة المشروبات التقطت كأس عصير برتقال، وقفت جوار الطاولة تنظر للفراغ شاردة، منذ تلك الحادثة وهي تشعر بوخزة مؤلمة داخلها، وخزة تنخر كلما رأت زوج بصحبة زوجته او فتاة بصحبها خطيبها، باتت تشعر أن الجميع مخادعون او أنها الحمقاء الوحيدة في العالم اجفلت من شرودها المؤلم علي صوته بالقرب منها يسألها مبتسما:.


- ازيك يا صبا، أخبارك ايه وأخبار المذاكرة

التفتت يمينها لتراه يقف بالقرب منها، يرتدي « سويت شيرت » من اللون البني وسروال باللون الاسود، يبتسم يمسك في يده كوب عصير تفاح تقريبا، ابتسمت في توتر تومأ برأسها في لمحة سريعة تهمس بخفوت:

- الحمد لله

ابتسم يحرك رأسه إيجابا رفع كأسه يرتشف منه قليلا قبل أن ينزله يردف مبتسما:

- جوري عندها حق، حقيقي فستانك حلو أوي.


توسعت حدقتيها تنظر له للحظات في دهشة قبل أن تخفض رأسها أرضا وتغزو تلك الحمرة القاتمة وجهها هل يتغزل بها، أم هي فقط ملاحظة عابرة، ماذا تفعل لم تجد ما تقوله سوي أحرف مرتجفة نطقت بها كلمة واحدة:

- شكرا.


وكانت الكلمة الأخيرة الاخيرة لنهاية نقاش قصير، تتهرب هي بعينيها بعيدا بينما ينظر هو لها مبتسما، راقبها بعينيه وهي تعود للطاولة رآها حين التفتت تنظر له في لمحة خاطفة، ليبتسم يرتشف ما بقي من كأسه يغمغم مع نفسه:

- مستنيكي يا صبا

عاد لطاولتهم من جديد، جلس يعبث في هاتفه ليفاجئه سؤال عمه الذي قاله مباشرة دون اي مقدمات:

- وأنت بقي يا عم غيث ناوي تستقر هنا ولا هتسافر تاني.


أزاح الهاتف من أمام عينيه يضعه علي الطاولة ابتسم يحادث عمه بأدب:

- لاء بإذن الله هرجع لندن تاني بعد بكرة عشان هقدم ماجستير وحابب اخده من هنا وكمان جدي جاسم قاعد لوحده بقاله مدة طويلة وأنا لازم اسافرله

إذا سيسافر، متي ستراه مرة أخري ربما تلك هي المرة الآخرة التي يمكنها أن تراه فيها، لذلك التفتت برأسها له تبتسم فقط ابتسامة صغيرة وكأنها تودعه بها، اجفل الجميع علي صوت يرحب بهم بحفاوة:.


- يا اهلا يا اهلا وأنا أقول الفرح نور ليه.


اقترب خالد بصحبة لينا منهم بعد ترحيب حار من الطرفين جلسوا سويا يتحدثون وتتعالي ضحكاتهم علي تلك الذكريات القديمة خاصة ذكريات زفاف رشيد وما فعلوه ثلاثتهم في محل الحلاقة، في تلك اللحظات توقفت سيارة محمد في المراب الخاص بها، اوقف محمد السيارة التفت برأسه ينظر للوجين الساكنة جواره منذ أن استقلا السيارة ولم تنطق بحرف واحد عينيها شاردة تسبح في فراغ مؤلم فارغ يعذب قلبها يشتت روحها، رفع يده يضعها علي كتفها برفق التفتت له ليحادثها مبتسما:.


- يلا ننزل

حركت رأسها بالإيجاب فتحت الباب المجاور لها تخطو خارج السيارة تحولت عينيها في تلك اللحظة إلى برج مراقبة تبحث عن صغيرها في كل شبر من المكان لا اثر له أين هو، قلبها يطرق بعنف بحثا عنه تشعر بيد محمد يمسك بكف يدها يجذبها معه لداخل الحفل متوجها بها إلى طاولة خالد والبقية قام خالد يصافح صديقه يعانق لوجين، وفقط ابتسامة باردة خرجت من بين شفتي لينا قبل أن تترك الطاولة تتمتم بنبرة اعتذار فاترة:.


- عن اذنكوا هروح اشوف مايا

قامت دون أن تلقي نظرة واحدة حتى عليهم توجهت صوب كوشة العروسين، ليتنهد خالد يآسا، قبل أن يوجه انظاره للوجين الجالسة جواره لف ذراعه حول كتفيها يسألها مبتسما:

- عاملة ايه يا جوجو

ابتسمت ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالايجاب، دون كلام لينظر خالد لمحمد يسأله مبتسما:

- اومال رانيا وفراس فين

رانيا قاعدة مع والدي وفراس بيه عنده ماتش بلاي ستيشن.


نطقها محمد بامتعاض يكاد رأسه ينفجر من ذلك المراهق فراس، ليضحك خالد علي ضيقه

بالقرب منهم تحديدا علي طاولة منيرة ومراد وروحية، لوت منيرة شفتيها تنظر لأجواء الحفل بابتسامة ساخرة اقتربت من مراد تسأله حانقة:

- ايه يا مراد الفرح دا، كل واحد قاعد علي تربيزة لا حد بيرقص ولا حد بيزغرط، وبعدين ايه المزيكا اللي مشغلينها دي

ابتسم مراد حين نظر لشقيقه يلوح له ليعاود النظر لجدته اخفض صوته يتمتم ضاحكا:.


- هي دي أفراح الطبقة المخملية يا جدتي، لا اغاني شعبي ولا زغاريط ولا رقص وتشكيل موسيقي واللي عايز يرقص بيرقص سلو وصور وبوفية فاخر جداا وبس

امتعضت قسمات وجهه منيرة تغمغم حانقة:

- طب اقسم بالله الأفراح اللي بتتعمل عندنا أحسن منها علي الأقل فيها روح كدة...

صمتت للحظات قبل أن تلكز مراد في ذراعه تحادثه ساخرة:

- وأنت يا اخويا ما تاخد مراتك وترقصوا سلوس مع بعض.


توسعت حدقتي روحية في ذهول اخفضت رأسها أرضا تحركها نفيا بعنف شديد، لتمتعض قسمات منيرة، تردد مراد للحظات كاد أن يمد يده لها ليجذبها معه لباحة الرقص ولكنه تردد في اللحظة الأخيرة عن ما كاد يفعل، لتزفر منيرة تتمتم بصوت خفيض ساخر:

- عيل موكوس طول عمرك.


بينما شردت عيني روحية تتخيل نفسها بين أحضان مراد! يتمايل معها كما فعل أدهم مع زوجته منذ قليل، الفكرة نفسها جعلت جسدها يرتجف قلقا، مراد وإن كانت معاملته تغيرت تماما، إلا أن الذكريات القديمة لا تُنسي بسهولة ابداا...

علي صعيد آخر تأفف حسام حانقا من اولائك الأطفال نظر حوله ليجد احدي الخادمات تخرج من المنزل هرول اليها يعطيها الطفلين يغمغم سريعا متلهفا:

- فتحية خلي بالك منهم أنا خلاص تعببببببت.


بصعوبة كبحت الخادمة ضحكاتها تحرك رأسها إيجابا وقف حسام يبحث عن صديقه أين زيدان مختفي منذ بداية الحفل تقريبا، اخرج هاتفه يود الاتصال به ليشعر بيد توضع علي كتفه التفت خلفه ليجد زيدان يقف خلفه عينيه ناعسة يبدو أنه كان نائما رفع حسام حاجبيه يتمتم مدهوشا:

- أنت فين يا عم بدور عليك من أول الفرح، إنت كنت نايم ولا ايه.


حرك زيدان رأسه بالإيجاب صعد لغرفته ليستريح قليلا قبل بداية الحفل لم يشعر بنفسه حين غط في نوم عميق رآها في حلم قصير ترتدي فستان زفاف أبيض تضحك له تهرول لاحضانه حلم سعيد لم يرد أن يستقيظ منه ابداا، توجه بصحبة حسام يجلسان علي مقعدين متجاورين جوار طاولة الطعام، التقط زيدان قطعة قريدس صغيرة يدسها في فمه، ليرتشف بعدها بعض العصير، نظر لحسام ليجد عينيه المعلقة بباب المنزل ابتسم يربت علي كتف صديقه:.


- ما تقلقش زمانهم جايين، خالي مأكد عليهم انهم يجيوا.


ابتسم متوترا قلبه يكاد ينفجر شوقا إليها وقد رآها فقط صباحا، اغمض عينيه متمنيا أن تمر اللحظات القادمة علي خير حين رأي لوجين والدة زيدان تتقدم ناحيتهم، اقتربت من الطاولة تقف أمامهم، زيدان يوجه انظاره للهاتف، هو يراها ويتظاهر أنه لا يفعل، امتلئت حدقتي لوجين بالدموع تنظر لولدها كم أرادت أن تحتضنه بقوة مرة واحد تضمه لأحضانها، لتهمس باسمه بنبرة خافتة حانية راجية:

- خالد!


لم يرد لم يرفع عينيه حتى وكأنها لم يسمعها من الأساس فقط يمسك هاتفه بيمناه واليسري يدق باصابعه علي سطح الطاولة مدت هي يدها بلحظة مفاجاءة تمسك كف يده، لتشعا بحركتها فتيل من نار غضب، رفع وجهه لها يرميها بنظرات قاسية، نزع يده من يدها بعنف ينظر لها مشمئزا، هب واقفا يشهر سبابته امام وجهها يهمس لها بنبرة غاضبة حادة عنيفة:

- اياكي، اياكي تفكري تلمسيني لولا اننا في فرح ووسط ناس كان ردي هيبقي مختلف تماما.


تركها وغادر دون كلمة أخري، وقفت هي تبكي ترتجف من شدة البكاء، قلبها يحترق من كلماته، للحظات شعر حسام بالشفقة عليها، كم أراد أن يقول شيئا ليهدئ من حدة بكائها ولكنه لم يجد، وفي تلك اللحظات تحديدا وقفت سيارة عمر في حديقة المنزل، فتحرك هو من مكانه سريعا ليكون في استقبالهم...

وقف أمام السيارة يفتح ذراعيه علي اتساعهما يغمغم في خبث:

- عمي حبيبي وجد عيالي شرفت يا غالي.


زفر عمر أنفاسه حانقا كم اراد أن يعود لسيارته يقودها بعنف يدهس بها ذلك السمج شبيه أبيه، شدد كف علي كف سارة ابنته يتجاوزه وكأنه فراغ لا قيمة له توجه بابنته إلى الحفل، لأن تالا متعبة واحتراما أيضا لمشاعر لينا زوجة خالد فضلت تالا عدم المجئ، سار عمر بابنته إلى أقرب طاولة ليجد حسام يقترب منهم يبتسم ابتسامة كبيرة يجذب مقعد فس يده وضعه جوار عمر ينظر له يغمغم مبتسما في ولة:.


- وحشتني يا عمي، إنت ما بتجيش ليه يا عمي، يا حبيبي يا عمي، ما تتجوزني بقي يا عمي

زفر عمر أنفاسه حانقا يغض علي شفتيه بغيظ مد يده يقبض علي نلابيب ملابس حسام يقربه منه يهمس له غاضبا:

- اسمع ياض يا ابن خالد إنت، لم نفسك بدل ما امسح بيك الحفلة كلها

ابتسم حسام في سماجة ينظر لعيني عمر متحديا ليميل عليه يهمس له جوار اذنه بنبرة جادة متوعدة:.


- ما هو بص بقي يا عمي، قسما بالله لو ما جوزتني بنتك لهخليهالك تعيد سنة اولي سبع سنين، هي ما قالتلكش إن أنا الدكتور بتاعها، جوزهالي بقي وأنا هشرحلها مجانا، وهكشف علي مدام تالا مجانا، ما تجوزهالي بقي يا عم هو أنا هشحت منك

نظر عمر له باستخفاف ليدفعه بعيدا عنه نظر لابنته يسألها:

- هو صحيح الواد دا يبقي الدكتور اللي بيدرسلك.


حركت رأسها إيجابا تختلس النظرات ناحية حسام، نظرت لوالدها لتري تجهم وجهه ينظر لحسام حانقا بينما يبتسم الاخير في اصفرار يكاد يصيب ابيها بذبحة صدرية حادة.


أين هي، هل يهتم كثيرا يكذب أن قال إنه لا يفعل يريدها بكل ذرة في قلبه وروحه وجسده وينفر عقله منها بكل ذرة فيه خلياه الصلبة كالصخر، ولكن ذلك لا يمنع أن يبحث عنها يراها، يطمئن عليها، سعادة غريبة تدق قلبه حين علم أن نائل لم يمسسها، زوجته هو، لم تسمح لغيره بلمسها، لولا تلك الغصة العنيفة التي تؤجج قلبه، ظنا منه أنها أحبت ذلك الشيطان، فضلته عليه قبلت زواجه قلبه يحترق، أين هي وسحقا لقلبه الآن، بحث في الحديقة الخلفية فلم يجد سوي حمزة وهو يراقص بدور زوجته أو بمعني أصح يعلمها كيف ترقص والاخيرة تضحك بانطلاق، يبدو أن بدور سعيدة اخيرا بعد طول عذاب، تحرك بخفة حتى لا يروه لفت انتباهه باب غرفة التدريبات مفتوحة دفع بابها برفق تحرك داخلها يبحث عنها، ورآها تقف هناك كملاك حزين بفستانها بلون السكر خصلات شعرها المنسدلة تقف داخل حلبة الملاكمة التفتت له ما أن شعرت بوجوده وابتسمت بخفة، ابتسامة ذابت قلبه المذاب ابتلع لعابه يحاول امساك قلبه أن يفر إليها تسارعت أنفاسه سلبت لبه كما تفعل دائما حمحم يستعيد ثبات واهي يغمغم في هدوء جاف:.


- بتعملي ايه هنا، أنا قصدي يعني خالي بيدور عليكي

ابتسمت من جديد فتحت ذراعيها تشير إلى الحلبة لتعاود النظر إليه، دموع طفيف غزت مقلتيها حين ابتسمت تقول:

- فاكر لما جبتني هنا وقولتي برنسيسة عيلة السويسي لازم تتعلم تدافع عن نفسها، ساعتها أنا سكت، ما كنتش عارفة اقول إيه، أقولك أنا ضعيفة بخاف حتى من الناس، بخاف منك أنت نفسك، أنا عمري ما هقدر احمي نفسي ...


تقابلت أعينهم ليري تلك الطبقة الشفافة تغزو مقلتيها، يسيل منها القليل علي وجهها حين اردفت بانفعال تلك المرة:

- بعدت وطلقتني يوم ما قررت اسامحك، هربت يا زيدان وسيبتني، سيبته يلعب بيا، سيبته يجرني لشباكه، سيبته يموت ابننا

- ما ادتنيش اي فرصة يا لينا

غمغم بها بنبرة خافتة خالية من الحالية، يبعد عينيه عنها لتنزل هي من حلبة الملاكمة، امسكت بوجهه تدير وجهه إليه بعنف تصرخ بحرقة:.


- إنت السبب، كان كلامك كله تهديد ليا، شوية تبقي كويس وشوية تهددني، شوية بحبك وشوية هاخد ابني منك، شوية هطلقك وشوية هسيبك متعلقة، كنت حاسة اني لعبة بيتلعب بيها منكوا كلكوا، وجه هو اوهمني أنه الوحيد اللي واقف جنبي، الوحيد اللي هيفضل في ضهري الوحيد اللي هيساندني، بس ضحك عليا، زي ما انتوا ضحكتوا عليا...

- أنا ما ضحكتش عليا أنا كنت بحارب في حقي حبي فيكي كنتي عيزاني اسيبك تتجوزيه.


صاح بها منفعلا لتصرخ هي الاخري غاضبة:

- وفي الآخر عملت اييييه سبتني اتجوزه، في الآخر سيبتنئ فئ اكتر وقت محتجالك فيه، إنت الوحيد اللي كنت تقدر تمعنه أنه يلعب بمشاعري لو احتويتني طمنتني بس إنت كنت دايما بتهددني، كل الناس شيفاك مظلوم عشان ما كنتش في وعيك، طب أنا يا زيدان، أنا كنت في وعيي، أنا اللي اتذيت يا زيدان

ابتعدت خطوتين عنها ينظر لها يتنفس بعنف يصيح منفعلا:.


- وأنا حاولت بدل المرة ألف قولتلك كتير شوفي ايه يرضيكي وأنا مستعد اعمله مهما كان، كنتي بتجرحيني وتدوسي علي كرامتي وانتي بتقوليلي معاذ هيبقي آب لابننا وكلام كتير بشع، أنا حبيتك وحبيتك اوي كمان انما أنتي لاء يا لينا، أنا اللي طنت غلطان من الأول مش عشان حبيتك لازم انتي كمان تحبيني، ما سببناش لبعض غير الاذية والألم يا لينا الحكاية خلصت يا لينا، عن إذنك.


قالها ليأخذ طريقه لباب الغرفة حين كاد أن يغادر سمع صوتها يصيح من خلفه بحرقة:

- إنت لسه بتحبني يا زيدان قلبك عمره ما حب غيري

التفت لها برأسه يبتسم، ابتسامة بسيطة معذبة يغمغم ساخرا:

- اعمله ايه بقي مهزق

ومن ثم غادر لتجلس هي علي درجات سلم الحلبة تبتسم رغم دموعها مدت يدها تمسح دموعها تغمغم في اصرار:

- لسه الحكاية ما خلصتش يا زيدان.


في الخارج توجه زيدان يبحث عن صديقه ليجده يقف هناك جوار احدي السماعات الكبيرة، توجه يقف جواره ليلتقت حسام برأسه له يبتسم يتمتم ضاحكا:

- ابقي اتصل اطمن عليا بعد الفرح، بعد اللي هعمله دلوقتي

قطب زيدان جبنيه فئ عجب ماذا سيفعل صديقه الاحمق، تحرك حسام ناحية منظم الحفل يأخذ مكبر الصوت منه وقف في منتصف القاعة يغمغم مبتسما:

- مساء الخير يا جماعة ممكن معلش تسمعوني.


ساد الصمت حتى أن الموسيقي توقفت نظر حسام للحفل امامه تحديدا ناحية طاولة عمر وسارة التي تبرق كليلة وردية جميلة بفستانها الوردي اللامع تنهد يغمغم مبتهجا:.


- أنا آسف اني قاطعت الحفلة بس معلش في كلمتين محشورين في زوري هموت لو ما قولتهمش، أنا حسام خالد السويسي، دكتور نسا عندي 32 سنة، آه أنا مش صغير علي الحركات دي بس سامحوني، أنا عيشت عمري كله بشتغل بس، حياتي عبارة عن شغل ودراسات عليا وماستجير ودكتوراه وزمالة من جامعة مش فاكر اسمها ايه، نمط حياة روتيني قررت اني ما اغيروش ابدا، لحد ما وقعت في طريقي، علي فكرة اول مرة شوفتها فيها كانت في الفيلا دي بردوا، نجمة بتنور اي عتمة، نجمة أول ما قلبي شافها اتمرد عليا وعري نمط حياتنا وقالي هي دي حياتي، أنا عمري ما عرفت يعني ايه حب رغم اني عندئ 32 سنة، بس لما ابقي مش عايز اشوف غيرها فئ حياتي يبقي هو دا الحب، لما احس اني مسؤول عنها في كل لحظة يبقي هو دا الحب، لما وشها يبقي أول وش بشوفه وسط ألف شخص هيبقي هو دا الحب، سارة يا بنت عمي عمر، أنا بحبك قدام الناس دي كلها ووعد مني قدام ربنا قبلكوا كلكوا اني هشيلك جوا عينيا وفوق راسي، بس يقولي لابوكي يوافق.


انهي كلامه ينظر لوجوه الحاضرين المذهولة سمع صوت تصفيق نظر خلفه ليجد لينا زوجة ابيه تصفق له بحرارة ابتسم لها ليصفق له زيدان ويبدأ الحضور واحدا تلو الآخر يصفقون له، بينما هو عينيه هناك عند عمر ينظر له كم يتمني أن يوافق وقف عمر في تلك اللحظات يصيح عاليا:

- واد يا ابن خالد ياللي شبه أبوك إنت، اوعدني أنك هتحافظ علي البنت.


توسعت عيني حسام في ذهول تكاد الفرحة تقتل قلبه ليحرك رأسه إيجابا سريعا دون توقف ليضحك عمر يقول:

- أنا موافق يا سيدي..تبع

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة واثنا عشر


سعادة يكاد عقله ينفجر منها، أخيرا حصل على موافقة عمه، ستزوجها لو الأمر بيده لتزوجها في الحال، انتفضت ذرات جسده أجمع تصرخ من الفرحة بينما هرول هو ناحية عمر يعانقه بقوة يصرخ فرحا:

- موافق، بجد موافق، قول والله العظيم أنك موافق

ضحك عمر يآسا ينظر لذلك الشاب الذي من المفترض أنه تجاوز الثلاثين، رفع يده يحاول إبعاده عنه يغمغم ضاحكا:

- يا سيدي موافق اغنيهالك، اوعي ياض بقي خنقتني.


ابتعد حسام عن عمر ينظر بأعين لامعة لسارة الجالسة هناك وجهها يكاد ينصهر من شدة خجلها، لما تخفض رأسها بتلك الطريقة لما تمعنه من رؤية ما يبقيه حيا يتنقس، تحركت قدميه ناحيتها مسلوب الإرادة ليشعر بيد تقبض على كتفه تمنعه من التقدم نظر خلفه ليجد عمر يقبض على تلابيب ملابسه، ينظر له باستهجان يتمتم ساخرا:.


- إنت رايح فين لمؤخذة، جو الأفلام الاجنبي و she said yes وتاخدها بالحضن وتلف بيها دا هناك عند ولاد العم سام، إنما هنا تجيب أبوك وتيجي تتقدم رسمي، فاهمني يا حوسو.


امتعضت قسمات وجه حسام غيظا فقط تصبح تلك الصغيرة زوجته ويقسم أنه سيذيق عمر مما يفعله به الآن، تحركت عينيه تلقائيا حين شعر بنظرات حارقة تحدق فيه نظر صوبها ليجد أبيه يرميه بنظرات قاتلة حادة متوعدة، رأي وعيد حاد في عيني أبيه كأنه يقول له انتظر إلى أن ينتهي الزفاف، وسأجعل من بقايا عظامك عصير فراولة، قاطع تلك اللحظات صوت منظم الحفل وهو يعلن عن رقصة الزفاف الختامية، بسرور اصطحب أدهم مايا إلى باحة الرقص هم في المنتصف، ابتسم عمر لحسام ابتسامة صفراء ليمسك بيد ابنته يتوجه بها ناحية ساحة الرقص، ومن بعدهم خالد ولينا، وحمزة وبدور، وفارس وياسمين، لتميل منيرة على ذراعي روحية تأخذ الفتاة منها لكزت مراد في ذراعه تحادثه حانقة:.


- قوم أرقص مع مراتك زي ما كل الرجالة دي بتعمل يلا إنتوا مش أقل منهم

حمحم ينظر لروحية قام من مكانه يمد كف يده لها توترت حدقتيها قبل أن تمد يدها بتردد ظاهر شعر هو به من ارتجاف كفها داخل كفه جذبها لتقوم برفق، يتحرك بصحبتها إلى ساحة الرقص وقف أمامه تخفض رأسها أرضا تتمتم بارتباك خافت:

- ااا، اانا ما بعرفش ارقص

ابتسم ببساطة رفع كتفيه لأعلي يغمغم:

- والله ولا أنا، بصي احنا نعمل زي ما هما بيعملوا.


حين رفعت رأسها كان أول زوجين وقع عينيها عليهم أدهم ومعه مايا، مايا تلف ذراعيها حول عنق تنظر لعينيه ترتسم على ثغرها ابتسامة جميلة واسعة، بينما أدهم يلف ذراعيه حول خصرها يقربها منه يبتسم هو الآخر ابتسامة رائعة وكأن فاز بجائزة عظيمة بعد طول عذاب، انتفض جسدها حين شعرت بيد مراد تمسك كف يدها نظرت له سريعا لتراه يبتسم، ابتسامة جذابة، لحظة هل قالت توا عن ابتسامة مراد جذابة!، توسعت عينيها في دهشة حين شعرت به يلف ذراعيها حول عنقه، في اللحظة التالية تجمدت الدماء توقفت عن الجريان بين خلاياها.


اختفت أنفاسها، تضاربت دقات قلبها بعنف لا تعرف أهو خوف أم قلق أم شعور آخر جديد لم تعرفه قبلا، حين لف ذراعيه حول خصرها يقربها منه فقط خطوة واحدة ارتجفت ساقيها تحاول التناغم مع حركاته البطيئة الماهرة، المخادع يخبرها بأنه لا يستطيع الرقص وهو يتحرك مثل الجميع، ارتجف قلبها تشد قبضتها حول عنقه متوترة تشيح بوجهها بعيدا بينما كان يبتسم وهو ينظر إليها بالقرب منهم في تلك الساحة التي ليست بالصغيرة على الإطلاق، نغمات العشق بين زوجي العشق ابدا تعب القلم من وصفها ولم يقدر حتى عن التعبير عن جُزئ صغير للغاية جُزئ من الكترون واحد فقط يدور في حلقات العشق اللامتناهي هنا البداية ولا تبحث لهم عن نهاية ففي قاموس العشق لا الأحبار تكفي ولا الأوراق تُشبع ولا الكلمات وحدها تعبر عن فيضان يُغرق القلوب، يسلب العقول، يسحر الألباب، العاقل هنا هو المجذوب.


سحر خاص جمع زرقة السماء الصافية بصخور الأرض الصلبة منذ سنوات، وامطار السماء تروي الصخور بقطرات عشق لن يجف حتى مع كلمة النهاية...

جل ما فعلته انها اقتربت منه تضع رأسها على صدره ذراعيها حول عنقه تنهدت تهمس له حالمة:

- بحبك.


أحاط روحه جيدا بذراعيه يغرزها داخل اسوار قلب هي من أسست بنيانه، قلبه تشكل على عشقها، قلب لن يعرف غير قلبها مرسى له، بعد طول صراع يرسو بقاربه على شاطئ كالجنة، ينهل فيه من كل ألوان النعيم وابدأ لن يكتفي، ابتسم ينطق بكلمة واحدة، كلمة كقطرة لا تكفي ابدا للتعبير عن طوفان هائج يهمس لها:

- بعشقك.


ومن هنا لهنا من حب تأسس من الصغر لشعور آخر مختلف، علاقة أخري ربما الحب لم يعرف طريقه فيها وربما هو حب من نوع آخر، ان كان احتواء كل منهما للآخر في أوج وأقل حالاته ضعفا فهو حب، إن كانت الضحكات الصافية التي يرسمها كل طرف على وجه الآخر حب فهو حب، ان كان الأمان الذي يمنحها إليه، السعادة الاحتواء الحنان لها ولأطفالها حب فهو حب، حب من نوع آخر، حب راهن الجميع على جنون أصحابه ولكننا قلنا قبلا أن في قانون العشق العاقل هنا هو المجذوب، فمبالك بالمجنون لقب لم يُطلق سوي على فرد واحد في قاموسنا الامتناهي هو خالد فهو خالد الاسم والصفة والعشق!


التفت الحلقة لتذهب ناحية فارس وياسمينته تلك الوردة النضرة التي حافظ على رونقها رغم مرور سنوات، فالوردة لا تبذل بالعمر، الوردة تبذل بالإهمال، وهو ابدا لم يكن ليُهمل زهرته، كلماته حنانه عشقه لها، كانت قطرات الحياة التي حافظت على نضارة وردته سنوات طويلة يعشقها فيهم، مال برأسه يقبل قمة رأسها يهمس لها بعشق جارف:

- بحبك يا ياسمينة قلبي من اول يوم وقعت عيني عليكي وأنا عارف إن قلبي هيبقي ليكي.


ابتسمت بخفة تريح رأسها على صدره سنوات من العشق يعلوها الإحترام والتقدير، دائما ما يشعرها أنها لازالت تلك الشابة التي أحبها، الشابة التي جمعها به قصة عشق جديدة بعد نهاية مؤلمة لقصة قدمية تنهدت بحرارة تغمغم بولة:

- وأنا بعشقك يا فارس أحلامي.


هنا العشاق وهناك من حاولوا يوما أن يكونوا مثلهم، اختلست لينا النظر إلى ساحة الرقص تنظر للجميع تتخيل نفسها بينهم كانت يوما هي هناك نجمة الليلة بفستانها الأبيض تتمايل بين أحضانه بين جموع الناس، اختلست عينيها النظرات إليه لتجده يقف هناك يستند إلى احدي الطاولات ينظر لساحة الرقص بابتسامة باهتة لامبالية، شهقت فجاءة تبتعد بعينيها عنه حين شعرت بيد حسام تقبض على رسغ يدها يجذبها لساحة الرقص، نظرت له مدهوشة تتمتم حانقة:.


- إنت اتجننت يا حسام اوعي سيبني

ولكنه لم يهتم جذبها لساحة الرقص جوار عمر تقريبا نظرت لينا لسارة لتعاود النظر لحسام تبتسم ساخرة اقتربت برأسها منه تغمغم متهكمة:

- يا ابني أهمد بقي، أنت فاكر أن عمك عمر هيخيلك ترقص مع سارة دا في المشمش يا حوسو

نظر حسام لشقيقته حانقا ابتسم في سماجة قبل أن يلتف بها ويصبح هو بالقرب من عمر بدلا من لينا، رسم واسعة على شفتيه يحادث عمر ببراءة:.


- نبدل يا عمي، اصل لينا بتقولي رقصك وحش وعمي عمر رقصه أحسن منك ألف مرة ولا ايه يا لينا

نظر حسام للينا لترفع الاخيرة حاجبها الأيسر ساخرة تأوهت حين داس حسام على قدمها بحذائه لتغمغم سريعا:

- آه ايوة طبعا اكيد

ضحك عمر ساخرا ينظر لحسام نظرات تحدي ساخرة يتمتم متهكما:

- دا لما تشوف قفاك يا دكتور، عن اذنكوا

قالها ليبتعد بابنته عنهم، لتحتد عيني حسام ينتفس بعنف، كشر عن جبينه نظر لشقيقته يتمتم في غيظ:

- بومة.


توسعت عينيها مدهوشة كادت أن تمطره بوابل من السباب الا أنه قد تركها ورحل، ولكن لينا لم تكن لتترك ثأرها حملت طيات فستانها تتحرك في المكان تبحث عنه هنا وهناك تتوعد له برميه في المسبح ما أن تجده، لتشعر بأحدهم يربت على كتفها التفتت خلفها سريعا لتتوسع عينيها في دهشة نظرت للفاعل تتمتم مدهوشة:

- مروان!


ابتسم ذلك الشاب الذي يدعي مروان ساهر، ذلك الطبيب الذي رأته حين كانت في بيت آل زيدان، هو نفسه الفتي الذي قبلته قبل سنوات وهي طفلة، يقف امامها بحلة سوداء وقميص كمعظم الحضور، يحمل في يده علبة حلوي متوسطة الحجم بها قطع الشوكولاتة مد يده لها بها يغمغم مبتسما:

- اتفضلي دي عشانك، أنا كنت بتصل بوالدك من قريب عشان اسلم عليه، هو عزمني على الفرح واصر اني اجي بس واضح اني اتأخرت.


والدها، التفتت برأسها سريعا تنظر ناحية والدها ليشيح خالد برأسه بعيدا قبل أن تراه ابنته ولكنها قد فعلت ابتسمت في خبث، الآن فقط فهمت إلى ما يخطط والدها، حيلة قديمة عرفت من والدتها انها استخدمتها قبلا، ولكن لما لا، إن كان زيدان تلميذ والدها فالطبع ستنطلي عليه الحيلة، عاد تنظر لمروان تبتسم في رسمية مجاملة تغمغم:

- شكرا على الشوكولاتة...


اخذت منه العلبة، تضعها على الطاولة جوارها، جلست على أحد المقاعد ليجلس هو على المقعد أمامها، لحظات من الصمت عينيها تبحث عن زيدان تحاول أن تراه، بشكل لفت انتباه مروان ليسألها متعجبا:

- بتدوري على حد

ابتسمت مرتبكة تحرك رأسها نفيا، ليقوم مروان من مكانه يمد يده لها يغمغم مبتسما:

- تحبي نرقص.


نظرت لوالدها لتراه يحدجها بنظرة قاتلة يحذرها من أن توافق، يبدو أن مروان يتصرف من تلقاء نفسه ليست تلك تعليمات والدها ابداا، ولكن بعض المغامرة سيكون اكثر من جيد، ابتسمت لمروان تضع كفها في كفه، قامت معه فقط خطوتين لتشعر بيد قاسية لم تكن يوما بتلك القسوة تقبض على ذراعها نظرت خلفها سريعا تنظر للفاعل لتجد زيدان يقف خلفها يحدجها بنظرة توازي الجمر.


اشتعالا رقص قلبها فرحا، رقص قلبها فرحا من نظراته المخيفة قبضته القاسية، زيدان يغار لم يحتمل وجود مروان جوارها، جذبها بقوة لتصبح خلفه يمسك برسغ يدها نظر لمروان ابتسم يتمتم:

- نورتنا يا دكتور، اكيد الفرح نور بوجودك، بس معلش احنا بنات عيلتنا ما بترقصش مع رجالة غريبة، صعايدة بقي

ابتسم مروان في هدوء يرفع كتفيه لأعلي يغمغم ببساطة:

- لا ابدا، ما حصلش حاجة، أنا هسلم على خالد باشا وامشي عن اذنكوا.


تحرك مروان ناحية خالد، في حين التفت زيدان للينا للحظات شعرت بقلبها يدق خوفا منه ألم تكن عينيه زرقاء لما تشعر بها اسود من الليل الحالك، لم يقبض على فكه، يشد على أسنانه بتلك الطريقة، نظر للأرض للحظات يحاول أن يهدي لتتوسع عينيها هي في هلع حين ظنته يود قتلها ودفنها هنا، شهقت مدهوشة حين شعرت به يجذبها لساحة الرقص وقف أمامها يمسك كفها فئ أحد كفيه يضع كفها الآخر على كتفه يتحرك معها ينظر لعينيها يتمتم حانقا:.


- ارقصي يا بنت خالي، بدل ما ترقصي مع راجل غريب، ما احنا مش بقرون قدامك، لو فاكرة اللي بتعمليه دا حرية وتحرر، تبقي غبية دا قمة قلة الأدب، لو فاكرة أنك كدا هتخليني اغير تبقي بتعيدي نفس غلطتك تاني...

وقفت تنظر له تتنفس بعنف كم أرادت أن تخدش وجهه باظافرها على ما قال، جذبت نفسها بعيدا عنه عادت خطوتين للخلف ابتسمت تتمتم ساخرة:.


- بتحاسبني وناسي نفسك، هي فين انجليكا صحيح مش شيفاها، مين قالك أن أنا عيزاك تغير، أنت بنفسك قولت الحكاية خلصت

أنهت كلامها لتحمل طيات فستانها تغادر إلى المنزل، بينما وقف زيدان ينظر في أثرها للحظات قبل أن يأخذ طريقه هو الآخر ويغادر، في تلك اللحظات كانن لوجين على وشك أن تستقل سيارة محمد ليعودا للمنزل، رأت زيدان يخرج من المنزل لتنزل هي من السيارة سريعا تقاطعه في منتصف الطريق تهتف باسمه بتلهف:.


- زيدان يا ابني اسمعني عشان خاطري

- ابعدددددي عني مش عايز اشوف وشك لآخر يوم في عمري، أنتي برة حياتي من زمان مالكيش مكان فيها دلوقتي

صاح بها بقسوة ليترك المكان ويغادر إلى سيارته وقفت لوجين تنظر مكان ما كان يقف تبكي بحرقة تضع يدها على قلبها ليأتي محمد إليها ربت على كتفها يطالعها بنظرات حزينة مشفقة ليأخذها إلى السيارة.


أخيرا انتهي الزفاف وقف الجميع يودع العروسين ترك أدهم سيارته لمراد، ليذهب بها هو والعائلة، أصر حمزة على أن يوصل العروسين إلى منزلهم، انطلقت سيارة حمزة وبدور والعروسين خلفها سيارة مراد وباقي أسرتهم، تحركت سيارة رشيد بصحبة سيارة فارس، إلى منزل الأخير، رحل الجميع ولم يبقي سوي خالد ولينا وحسام، التفت خالد لحسام يرميه بنظرة نارية مد يده ينزع طوقه الجلدي لفه حول يده ينظر لحسام متوعدا يصيح:.


- دا أنا هعلق أهلك على اللي عملته

توسعت عيني حسام في هلع لحظة اثنتين ثلاثة قبل أن يركض هلعا لداخل المنزل وخالد خلفه، ولينا تقف تضحك عليهم.


لم يكن يظن بأن الطريق من منزل خالد لمنزل أدهم سينتهي بتلك السرعة ولكن انتهي، وقفت السيارة امام عمارة سكنية في منطقة هادئة ليست بتلك الراقية للغاية ولكنه حي هادئ تزينه الأشجار، نزل حمزة من السيارة يفتح الباب المجاور لمايا نزلت ابنته الصغيرة التي صارت عروسا بين ليلة وضحاها اقترب منها يعانقها يقبل رأسها يغمغم:

- خلي بالك من نفسك يا حبيبتي، ولو احتجتيني في اي وقت كلميني على طول.


ابتسمت مايا تعانق والدها ليضمها حمزة إليه يشدد على عناقها للحظات تجسدت أمام عينيه ذكري قديمة وهو يحتضنها طفلة صغيرة كبرت لتصبح عروسا، اقتربت بدور منها تعانقها بحنان اموي، التفت أدهم ناحية حمزة اقتربت منه يعانقه دون كلام ادمعت عيني حمزة يربت على رأس ولده يغمغم راجيا:

- انتوا الاتنين غلاوتكوا واحدة في قلبي، بس أنا المرة دي هقولك خلي بالك من مراتك يا أدهم ما تزعلهاش ابدا يا إبني، ولو عشان خاطري أنا.


ابتعد أدهم عن حمزة يقبل كف يده يردف مبتسما:

- مايا جوا عينيا وفوق راسي ما تشلش هم ابدا يا بابا

انسابت الدموع من حدقتي حمزة يعانق الإثنين لفترة طويلة قبل أن يودعهم ظل يقف هناك ينظر لهم إلى أن اختفوا داخل المصعد ليلتفت لبدور التي ربتت على كتفه تبتسم له في رفق ليبتسم لها هو الآخر وقف للحظات قبل أن يأخذ طريقه عائدا إلى بيته، دون ابنته لأول مرة.


اخيرا وصل العروسين إلى عش عشقهما السعيد، على الرغم من أن مايا رأت عش الزوجية ما يزيد عن عشر مرات ولكنها رغم ذلك وقفت تنظر له منبهرة وكأنها تري منزلها للمرة الأولي، التفت حول نفسها في صالة المنزل تغمغم ضاحكة بسعادة:

- أنا مبسوطة اوي يا أدهم أنا أسعد إنسانة في الدنيا النهاردة

ضحك يراقب حركاتها العفوية، هو الآخر يود أن يصراخ بمدي سعادته لا يصدق أنه بعد طول.


صراع انغلق باب واحد عليهما معا اخيراا، اقترب منها يعتصرها بين أحضانه يغمغم بتلهف عاشق:

- مبسوطة، أنا لو فضلت ميت سنة اقولك اصرخ بفرحتي بيكي مش هيكفي.


ابتسمت، شقت شفتيها ابتسامة كبيرة، تركته يقف مكانه كالابله تحمل طيات فستانها الكبير تتحرك به في ارجاء المكان وهو يسير خلفها، تنظر لمحتويات الشقة بنظرات مدهوشة وكأنها تراها للمرة الأولي، التفتت تتوجه للمطبخ ليقاطع طريقها وقف امامها يعقد ذراعيه أمام صدره يغمغم ساخرا:

- ايه يا مايا الانبهار المبالغ فيه دي، حبيبتي انتي اللي فارشة الشقة فوقي، احنا مش فيلم عربي، ما فيش كاميرا ماشية ورانا.


ضحكت رغما عنها، تنظر له تعبس بدلال، لينحني هو بجذعه يحملها بين ذراعيه يتوجه بها للداخل يحادثها مبتسما في عبث:

- عارفة القدماء المصريين كانوا بيكتبوا ايه على ضهر عربياتهم الحربية

قطبت جبينها تحرك رأسها نفيا ليغمزها هو بطرف عينيه يكمل عابثا:

- ما تيجي في التابوت ونجيب حتشبسوت، احنا نصلي وأنا هحكيلك حكاية حتشبسوت كلها

ضحكت لتندمج ضحكاته مع ضحكاتها قبل أن تختفي شيئا فشئ خلف الباب المغلق.


العكس تماما ما حدث هنا الطريق من منزل خالد للحارة لم يكن بذلك القصر، وقفت السيارة اخيرا أمام عمارتهم السكنية في حارتهم البسيطة، نزلت روحية ومن بعدها منيرة، التي اقتربت من روحية تأخذ الصغيرة من بين ذراعيها تغمغم ناعسة:

- أنا هاخد ملوكة تنام في حضني النهاردة، يلا تصبحوا على خير

اقتربت من مراد في طريقها تهمس له بصوت خفيض حتى لا تسمعهم روحية:.


- اتلحلح شوية، عايزة اشوف أخ ولا أخت لملوكة ولا أنت مالكش غير في الشمال غير موكوس كاتك الارف.


توسعت عيني مراد ينظر لجدته مدهوشا ماذا فعل هو الآن لتقول هذا، ابتسم يآسا يحرك رأسه، نظر لروحية كالعادة تشيح بعينها بعيدا عنه لا يعلم أهو نفور أم خجل، يتمني فقط الا يكون نفور، تقدمته للداخل تصعد وهو خلفها إلى أن وصلت إلى باب منزلهم، افسحت له المجال يفتح الباب، تقدمت لتدخل في نفس اللحظة التي تقدم هو فيها، ليصطدما ببعضهما عند الباب شحب وجه روحية حين اصطدم جسدها بجسد مراد تنظر له متوترة ليحمحم الأخير مرتبكا افسح لها المجال دخلت هي سريعا إلى المنزل، ليلحق بها مراد، توجهت لغرفتها لتسمع صوت مراد يأتي من خلفها يسألها:.


- مش جعانة

حركت رأسها نفيا يكفي ما حدث لليوم لم تكن ابدا قريبة منه بذلك القدر، دخلت إلى غرفتها سريعا تحتمي بها جلست على مقعد في غرفتها تتنفس بعنف، تضع يدها على قلبها يمر أمام عينيها كل ما حدث اليوم، وتلك المشاعر الجديدة الخاصة التي باتت تختبرها، ومع من مراد!، تنهدت حائرة ربما هي فقط تحتاج للنوم قامت تبدل ثيابها، في لحظة فتح مراد لباب الغرفة فجاءة يغمغم سريعا:

- روحية منيرة بتسألك.


انحبست الكلمات داخل فمه يشيح بوجهه بعيدا بينما صاحت هي فزعة تشدد من احتضان فستانها ليغمغم هو سريعا متلهفا:

- أنا آسف، أنا آسف، ما كنتش اعرف

أغلق الباب سريعا وقف ينظر لباب الغرفة يقطب جبينه متعجبا يحادث نفسه لما اعتذر أليست من في الداخل زوجته!


بدلت روحية ثيابها تجلس على فراشها تتنفس بعنف ذلك الوقح دخل غرفتها دون أن يدق الباب، ولكن الغريب في الأمر ما شعرت به لم يكن خوفا بل خجلا من مشاعر تصر بعنف على دق باب قلبها المغلق.


مرت عدة ايام على ذلك اليوم، في صباح أحد الأيام هو نفسه اليوم المتفق عليه ليذهب حسام لطلب يد سارة.


صباحا في الجامعة يجلس في مكتبه وابتسامة واسعة تغزو ثغره سيراها بعد قليل وسيراها الليلة، الليلة بداية جديدة لأولي خطوات حياتهما معا، يشعر بالسعادة تغمر كيانه، ينظر لوجوه المحاضرين على مكاتبهم بابتسامة كبيرة حتى ظن البعض منهم أنه أبله او يعاني حالة نفسية ما، أمسك هو كوب الشاي الخاص به يضعه على حافة سور الشرفة ينظر للخارج يبحث بعينيه عنها ربما يراها، دقيقة اثنتين ثلاثة إلى أن وقعت عينيه عليها اخيرااا، اخيرا رآها، ولكن مهلا من ذلك الشاب التي تقف معه ولما تبتسم له، صدقا خصلات شعرها الحريرة تتساقط على وجهها لتسرع بازاحتها، ذلك الأحمق لما تكاد الابتسامة تأكل وجهه، ذلك الشاب يعرفه، هو أحد الطلاب في دفعة سارة، رآه قبلا في المحاضرات، عن ماذا يتحدثان، ولما تبتسم للمرة المليون، كاد أن ينزل لأسفل ليهشم عظام ذلك الفتي، لينذكر أنه طبيب في الجامعة هنا وما سيفعله يعتبر جريمة، تنهد بقوة يحاول أن يهدي ترك الكوب مكانه يشاهد بدلا عنه ما سيحدث، ليحمل هو حقيبته، ينزل لأسفل، حيث يقفان رآهم أمامه مباشرة، لازالت تبتسم، تحركت ساقيه ناحيتها وقف بالقرب منهم يغمغم بابتسامة صفراء:.


- صباح الخير يا دكاترة ايه واقفين هنا ليه، المحاضرة هتبدأ بعد عشر دقايق

ابتسم الفتي ينظر لحسام يغمغم سريعا:

- ابدا يا دكتور هنلحق المحاضرة حالا يلا يا سارة

نظر حسام لسارة ساخرا خاصة مع كلمة الفتي، لتتوتر ابتسامتها تنظر للفتي تغمغم في ارتباك ظاهر:

- معلش روح أنت يا شهاب، أنا هكلم والدي قبل المحاضرة

حرك الفتي رأسه بالإيجاب يلوح لها ليتركهم ويغادر، التفت حسام لسارة ابتسم ابتسامة صفراء قاتمة يغمغم ساخرا:.


- لذيذ شهاب، بقالكوا الابتسامة هتاكل وشك خير كان بيقولك نكت، وبعدين شعرك السايح النايح، فين حجابك، انتي مش كبرتي بما فيه الكفاية عشان تمشي بشعرك كدة...

تبدلت نبرته الساخرة لاخري حادة متوعدة:

- أنا مش هسألك كنتوا بتتكلموا في إيه، بس اعتبريه أول وآخر تحذير على الله اشوفك واقفة مع ولد تاني، كلامي مفهوم يا سارة.


دون كلمة أخري تركها وغادر، وقفت هي ترتجف بعنف تنظر في اثره مصدومة، لما تغير بذلك الشكل ماذا فعلت هي خطاء، الفتي فقط كان يسألها عن محاضرة الأمس...

حسام متحكم تماما كعمها، تنهدت حائرة تتوجه ناحية غرفة المحاضرات بخطي ثقيلة، دخلت إلى الغرفة تجلس في اول مقعد فارغ رأته، لحظات ودخل حسام واجم الوجه مقطب الجبين وضح حقيبته على المكتب بحدة يغمغم بجفاء:.


- كله يشيل الكتي من قدامه أنا قايل من الاسبوع اللي فات أن فيه إمتحان، والمفروض تكونوا جاهزين.


توسعت عينيها في هلع الامتحان نسيت أمره تماما، حرفيا مذاكرتها لا تسمح لها بربع الدرجة، ابتلعت لعابها خائفة تدعو في قلبها أن يمر الأمر مرور الكرام، رفعت وجهها لحسام حين وضع الورقة امامها رأي في عينيها تلك النظرة الخائفة المرتعدة، ليشعر بوخزة عنيفة في قلبه حاول تجاهلها هو هنا المحاضر، الامتحان كان حقا صعب، حسام تعمد أن يأتي بكل كلمة شرحها حتى يعرف من منهم انتبه له، لا تعرف حتى بما أجابت، ما إن انتهي الوقت كانت اول من قام من مكانه يعطي وضعت الورقة على مكتب حسام دون أن تنظر إليه لتأخذ طريقها سريعا إلى الخارج بالكاد تحبس دموعها، توجهت إلى السيارة التي تنتظرها بالسائق ما أن دخلتها استندت برأسها إلى زجاج السيارة تترك لدموعها العنان، لما فعل ذلك فيما اخطئت هي، كانت تظن أن اليوم سيكون من أسعد أيام حياتها ولكن العكس تماما ما حدث، مسحت دموعها سريعا ما أن وقفت السيارة، نزلت منها صعدت إلى منزلها تدق الباب ليفتح لها عمر ابتسم ما أن رآها يغمغم مبتهجا:.


- اهلا بدكتورنا وعروستنا الحلوة، مالك يا حبيبتي انتي كويسة

ابتسمت ابتسامة شاحبة تحرك رأسها بالإيجاب، بالكاد خرج صوتها المرهق:

- ايوة تعبانة بس شوية، عن إذنك هدخل انام

دخلت إلى غرفتها مباشرة تصفع الباب عليها، ليقطب عمر جبنيه قلقا ما بها سارة، كاد أن يذهب إليها حين دق الباب من جديد توجه يفتحه لتتوسع عينيه فزعا حين رأي سارين تقف أمامه تحمل حقيبة ثيابها تبكي بلا توقف..


الفصل المائة ثلاث عشر والمائه واربع عشر من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات