رواية أسير عينيها الفصل الواحد والعشرون 21 والثاني والعشرون 22 الجزء الرابع بقلم دينا جمال


رواية أسير عينيها

الفصل الواحد والعشرون 21 والثاني والعشرون 22 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

خرج من منزلهم متجها إلى أسفل سيرا على الأقدام يتوجه إلى مطعمه الصغير حيث يشعر بروحه تعود لجسده من جديد أنه حي يتنفس بعيدا عن قيود والده، مشي على الرصيف الرملي الطويل ليصل قلبه قبل قدماه اللي ذلك المكان الذي يحفظه عن ظهر قلب، وقف أمام مطعم كبير ليس بفخم ولكنه أيضا ليس بصغير، مبني على شكل كوخ كبير كاللذي يظهر في الأفلام الأجنبية امامه بعض الطاولات الملتفة حول المطعم في شكل متناغم ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيه حين أبصر أمامه تلك السيدة العجوز بائعة القلائد المصنوعة من قواقع البحر، اقترب منها ليجثو على ركبتيه أمامها يبتسم لها ببشاشبة:.


- يا مساء الفل يا ست حورية، ايه البحر اداكي ايه النهاردة

ضحكت تلك السيدة العجوز ببشاشة تعكس روحها النقية الشفافة لتمد يدها تقرص خده برفق تقول ضاحكة:

- ايوووه على لمضتك يا ابن البحر

ضحك في صخب ليجلس على الرمال امامها يربع ساقيه امسك أحد الحيوط الثخينة وبعض القواقع ينظمهم في عقد ليقول مشاكسا:

- ايووووه دي قدمت من ايام ريا وسكينة، وبعدين ايه إبن البحر دي، شيفاني بديل وخياشيم.


ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي تلك السيدة العجوز لتمد كف يدها المعجد تنظر له بزرقه عينيها التي توازي زرقه البحر صفاء، وضعت كفها على خدها تتمتم مبتسمة:

- إنت عامل زي البحر يا جاسر، خيرك كتير، كريم، بتطبطب على المحتاج، بس يا ويل الصياد من قلبة موج البحر، الماية الهادية اللي بتطبطب تبقي موج يبلع، قلبة البحر يعني الموت، مش في مثل بيقولك اتقي شر الحليم إذا غضب.


علا ثغره ابتسامة صغيرة بائسة رفع وجهه ينظر لتلك السيدة العجوز يبتسم لها برفق ليميل مقبلا جبينها، قام ينفض الرمال عن ملابسه ودعها ليغادر فسمعها تهتف من خلفه:

- واد يا جاسر العيال اللي عندك بيعكوا ما حدش بيعرف يعمل طاجن الصيادية زيك

غزا شفتيه ابتسامة واسعة ليلتفت لها يشير بسبابته إلى عينيه يقول مشاكسا:

- بس كدة احلي طاجن صيادية لاحلي حورية بحر.


تركها وغادر، دخل إلى مطعمه ليحيه العاملين في سعادة جاسر لم يكن ذلك المدير المتعجرف القاسي الذي نقرأ عنه بين صفحات الروايات بل هو شخصية بشوشة يعامل الجميع على انهم جزء من كل كبير، مطعهم عائلتهم الكبيرة، شمر عن ساعديه يتجه إلى المطبخ مباشرة، ليضحك رئيس الطباخين اتجه إلى جاسر يربط على كتفه يقول باسما:

- طبعا الست حورية ما عجبهاش العك اللي بنطبخه وعايزة تاكل من إيدك.


نظر جاسر له بزهو يرفع تلابيب ملابسه في غرور يقول مزهوا بحاله:

- اتعلموا الطبيخ بقي عرتونا.


انفجر طاقم الطباخين في الضحك ليتركهم متجها ناحية ركن صغير خاص به جذب سكينه الحاد ينظر لانعاكس صورته في نصلها اللامع المصقول ليلتقط حبة بصل مقشرة ويبدأ في سرعة وسهولة ومهارة فائقة صناعة طاجن السمك لتلك السيدة العجوز، ينظر له رئيس الطباخين يبتسم في فخر ذلك الشاب خير من قابل في حياته يكفي أنه يراعي سيدة عجوز مسكينة لا تقرب له بأي صلة كانت استأجر لها مسكن يكلفه كل يوم أن يعد طعامهم من أفخر ما يقدم للزبائن ليس البقايا كما يفعل الآخرين والعجيب في الأمر أن مطعم الحورية كما اسماه جاسر انتشر صيته وزادت مبيعاته بسرعة تشق الريح.


بينما كان يقف جاسر بين ألحان اوتاره الخاصة يعشق الطبخ هوايته عشقه شغفه، كالفنان حين يرسم لوحة ويبدع فيها أخرجه من ألحانه المبدعة صوت صديقه بالقرب منه يقول ضاحكا:

- مساء الفل يا عم جاسر، ايه يا عم لا سلام ولا كلام وداخل على المطبخ على طول

التفت جاسر ينظر لصديقه المقرب يبتسم في شحوب، صديقه ذراعه الأيمن، مدير المطعم في غيابه التقط محرمة من القماش يجفف يديه من الماء تنهد يزفر باختناق:.


- ابدا يا مراد أنا بس كنت مخنوق ومش قادر اتكلم

اقترب مراد منه خطوة واحدة مد يده يربط على كتف جاسر يطالعه بنظرات قلقة متوترة خائف على صديقه:

- مالك يا ابني شكلك مهموم ليه كدة

انثني فقط جانب فم جاسر بابتسامة ساخرة، اشاح بوجهه بعيدا يمسح بعنف دمعة أرادت الفرار من أسر عينيه ليغمغم بصوت باهت حزين:

- هقولك يا مراد استني بس اروح أودي الطاجن دا للست حورية وجاي.


حرك مراد رأسه بالإيجاب ليخرج من المطبخ، بينما أخرج جاسر طاجن السمك من الفرن يضعه في علبة كبيرة ليأخذه متجها إلى خارج المطعم وصل بالقرب من تلك العجوز لينحني أمامها بحركة مسرحية يقول مبتسما:

- طاجن سمك من مطعم الحورية لاحلي حورية، الحساب يا افندم أربعين دعوة وعقد قواقع للبت لينا عشان بتحبهم.


ببشاشة تعالت ضحكات السيدة حورية لتربط على رأس جاسر برفق مدت يدها تختار عقده من القواقع البيضاء تتوسط صدفة زرقاء صغيرة تعطيه له تردف مبتسمة:

- اديها دا وقولها من خالتك حورية...


رفع العقد في كفه ينظر له مبتسما ليحرك رأسه إيجابا، ودعها مغادرا إلى مطعمه، اتجه إلى مكتب المدير، دخل يلقي بجسده على كرسي مكتبه بينما يجلس مراد شبه متمددا على الأريكة المجاورة لمكتب جاسر يقلب بين محطات التلفاز المختلفة، اطفئ جهاز التلفاز من أن رأي جاسر ليسأله قلقا:

- مالك يا إبني حصل.


استند بمرفقيه على سطح مكتبه يخفي وجهه بين كفيه تنهد يزفر أنفاسه الحارة المختنقة، ليبدأ في قص ما حدث على صديقه كاملا، يتكلم وهو يخفي وجهه بين كفيه لتتسع عيني مراد في صدمة يجز على أسنانه غاضبا يفكر بشر إن تزوج جاسر سيطلق شاهيناز وبالتالي سينقطع سيل المال الذي يغرق جاسر بها شاهيناز حتى تبقي صامتة والأكثر من ذلك كان يود ان يستغل شاهيناز في جعل جاسر يتنازل عن المطعم له، عمله في المطعم لا يتجاوز الإشراف، الحاسبات، الأرباح، النقود كلها بيد مدير الحسابات العجوز ذلك النزيه الذي لا يختلس ولو نصف جنية.


استبدل نظراته الحاقدة الحاسدة لاخري قلقة حين وجد جاسر يرفع يديه عن وجهه ينظر له في جزع، يآس ينهش ليل عينيه الحائر، ليقم مراد من مكانه متجها ناحية جاسر أخرج سيجار اسود ملتف غريب الشكل يمده لجاسر يقول في خبث مسموم:

- اشرب وانسي.


نظر جاسر لتلك السيجارة في حيرة يبلع لعابه متوترا يرغب فيها بشدة، شعور السعادة التي تعطيها له ينسي همومه بأكملها، ولكن يكفي المرة الأخيرة التي تناولها اخطأ واغتصب تلك الفتاة البريئة، لم يسامح نفسه إلى الآن حتى بعد أن تزوجها أبعد عينيه بصعوبة عن تلك السيجارة يحرك رأسه نفيا بعنف يغمغم متوترا:.


- لا يا عم مش عايز آخر مرة ضلمت واديك شوفت اللي حصل، اشرب واحدة تانية والاقي نفسي اغتصبت واحدة تانية وابقي جوز الاتنين ولا الثلاثة بقي

نظر مراد له في حقد عازما على تدميره بأي سبب مكان ليدفع السيجارة إليه مرة أخري يغمغم في خبث:

- يا عم خدلك نفسين ما تزدوش اهي حاجة تخفف عنك.


كان يرغب وبشدة في أن يزين له مراد ما سيفعل دون كلمة أخري التقط تلك السيجارة يدسها بين شفتيه ليجد مراد يشعل قداحته يقربها منها اشتعلت السيجار في لحظة، لتغزو بما فيها من مواد عقل جاسر المثقل التعب!


تجلس على طاولة الطعام بصحبة ابنتيها تتناولان كل منهن ما صنعت بيديها في تجربة قضوها معا، نظرت تالا لابنتها سارة تبتسم في حنو، سارة تتحسن شيئا فشئ حالتها النفسية تصبح أكثر استقرار فباتت أكثر مرحا وشقاوة، انتقلت بعينيها إلى ما يقلقها فعلا سارين، صامتة تشارك بكلمات قليلة في اي حديث تتصنع الابتسامات المجاملة دائما، مدت يدها تربط برفق على يد ابنتها تقول مبتسمة:.


- بقولك ايه يا سارين انتي بكرة ما عندكيش دروس، لا انتي ولا سارة روحوا النادي شوية غيروا جو، وتعالوا

تدخلت سارة في الحوار تقول مبتسمة في حماس:

- لاء أنا مش هروح المستر عامل امتحان شامل آخر الأسبوع وأنا عايزة اقفل فيه

رفعت سارين عينيها، زجاج بارد خاوي من المشاعر نظرت لسارة في صمت للحظات لتقول بعدها بلامبلاة:

- هروح لوحدي لو ينفع.


غص قلب تالا ألما على حالة ابنتها تنهد ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها تحرك رأسها إيجابا في هدوء لتعطيها سارين شبح ابتسامة شاحبة وتعود لتكمل طعامها من جديد، في بيدق الصمت قُرعت طبول الحرب، دقات عنيفة قوية قاسية دُقت على باب منزلهم، لتتسع أعينهن جميعا في فزع، قامت تالا تهرول ناحية باب المنزل، تنظر من الجزء الصغير في الباب لتتسع عينيها في صدمة حين أبصرت عمر واقفا بالخارج، لحظات وسمعت صوته يصيح محتدا:.


- افتحي يا تالا الباب.


وكانت تلك الشهقة الفزعة المرتعدة من نصيب سارة التي تحولت نظراتها السعيدة المتحسمة إلى فزعة مرتعبة حين سمعت صوت والدها، هرولت لغرفتها تختبئ غطاء فراشها كأنها طفلة صغيرة تختبئ من الوحش المختبئ أسفل الفراش، ترددت تالا في فتح الباب، لتقم سارين من مكانها في هدوء وبرود مدت يدها تفتح الباب ليدخل عمر مندفعا إلى الداخل ارتمي على ركبتيه ارضا يحتضن سارين بين ذراعيه يبكي كطفل صغير يقول متأوها من عنف ما يعصف بقلبه من ألم:.


- سامحيني يا بنتي أنا آسف، أنا آسف يا سارة حقك على بابا يا حبيبتي، سامحيني أنا اللي كنت هضيعك بإيدي

لم تبدي أي رد فعل سوي أنها ابتسمت في هدوء مردفة:

- أنا سارين يا بابا، سارة جوا في اوضتها

أبعد سارين عن ذراعيه ببطئ نظر لوجهه يبتسم، يبكي ليربط على وجهها برفق بكفه، يقبل جبينها، قام سريعا يبحث عن ابنته الاخري بلهفة بين الغرف..


وكانت الصدمة من نصيب تالا منظر المذري لم يخفي عليها ابداا، ماذا حدث له ليصل لتلك الحالة وما تلك الدماء التي تغطي قميصه وكفي يده، هرعت إلى هاتفها تطلب رقم شقيق زوجها الكبير لحظات وسمعت صوت خالد لتبادر قائلة بتلهف:

- في إيه يا خالد، عمر حصله إيه.


بين الغرف ابنته الصغيرة، أحدي نزواته المقززة كادت أن تودي بها إلى فوهة الضياع هو المسؤول هو الجاني يبحث هنا وهناك بين الغرف يشتم شقيقه في نفسه لما يجب أن تكون شقته كبيرة لتلك الدرجة، فتح أحد الابواب بعنف، يبصر ابنته مختبئة تحت الغطاء، تقدم فقط خطوة واحدة يهمس باسمها بلوعة:

- سارة يا حبيبتي.


انتفض قلبه يتجمد مكانه حين رآها تصرخ من الفزع هبت جالسة على الفراش تبتعد لاخره تحتمي بغطائه منه تحرك رأسها نفيا تبكي فزعة:

- والله العظيم ما عملت حاجة ما تجبش الدكتور تاني والنبي والله ما عملت حاجة غلط

يا ماااااماااا.


تفتت قلبه إلى شظايا تدمي روحه الحزينة ابنته مرتعبة منه حد الموت، خائفة من درع حمايتها الفطري الأول كور قبضته يشد عليها يغزر اظافره في كف يده يود خلع قلبه والقائه بعيدا، شعور بالذنب والألم كسيخ من نار يحرق روحه قبل جسده، اقترب فقط خطوة واحدة يحاول أن يهدئها ولو قليلا:

- سارة ما تخافيش يا حبيبتي أنا...


لم تدعه يكمل انتفضت من فراشها ترجع للخلف تختبئ في أحد أركان الغرفة البعيدة تبكي بانهيار وهستيريا فقط تحرك رأسها نفيا

جسدها ينتفض ذعرا كأن كهرباء صعقته، اندفعت تالا إلى الحجرة تلقي الهاتف من يدها اتجهت إلى ابنتها تتطوقها بذراعيها تخبئها بين أحضانها تشد عليها بقوة لتنظر لعمر بشراسة تصرخ فيه:

- إنت عايز مننا ايه يا عمر، جاي تموت بناتي أنا ما صدقت حالتها اتحسنت، امشي اطلع برة، ما تجيش هنا تاني.


معها كل الحق بما تقول وتفعل لو صفعته تخرج غيظها كله بما فعل لن يعترض يعرف أن جرحها غائر، نازف تحاول إخفائه، التفت ليغادر ليسمع صوت تالا تصيح باسم ابنتهم فزعة:

- سارة، سارة يا حبيبتي ردي عليا، عمر الحقني ساااارة يا سااارة.


انتفض يركض ناحية ابنته جذبها من بين ذراعي والدتها يحملها بين ذراعيها وضعها على الفراش بتروي، رفق، جلس جوارها ملامحه خائفة مفزوعة قلقة التقط زجاجة المياه المجاورة لفراشها يرشها على وجهها حين بدأت تحرك مقلتيها أسفل جفنيها المغلقين تنهد يزفر أنفاسه الخائفة، وجه انظاره لتالا التي تجلس جوار ابنتها من الناحية الأخير تبكي في صمت، للحظات تقابلت عينيها مع عينيه ليري في نظراتها عتاب وكره على ما حدث، فتحت سارة عينيها قليلا، لتري وجه والدها ينظر لها يبتسم في شحوب، لتنتفض تختبئ بين أحضان والدتها تبكي فزعة:.


- مشيه يا ماما عشان خاطري خليه يمشي

خبئت تالا رأس ابنتها داخل أحضانها لتنظر لعمر في حدة تتبعها قائلة:

- امشي يا عمر، ابعد عني وعن بناتي دي آخرة مرة تيجي هنا، امشي ارجع لحياتك وسيبنا في حالنا.


لم تكن لديه القدرة على قول اي شئ كان فقط يود احتضان ابنته ويعتذر لها عما حدث بسببه هو، لم يكن يتوقع في أسوء كوابيسه أنه اذاها لذلك الحد السئ من الألم والكره، بلع لعابه الجاف بصعوبة يحرك رأسه إيجابا، مد يده أراد فقط ان يربط على رأس ابنته ليجد يد تالا تمنعه من ذلك، تناظره بحدة غاضبة، ليتحرك من مكانه متجها لخارج المنزل، في الصالة وجد سارين تجلس على أحد المقاعد صامتة متجهمة لا تنطق بحرف، تنظر ارضا حتى هي لا ترغب في رؤيته أخذ طريقه للباب ليسمع صوت ابنته من خلفه تقول بهدوء:.


- على فكرة سارة بتحب حضرتك أوي، هي بس خايفة اصل سارة حساسة أوي

ابنته الصغيرة تخفف عنه مثقال ذرة ما به من هموم، نادم يكاد يعض انامله من الندم كيف ترك جنة أسرته الصغيرة ليركض وراء سراب من وهم صوره له عقله الساذج...

خرج من المنزل يغلق الباب خلفه بهدوء لا يعرف حتى أين سيذهب.


عاشق آخر سقط في دوامة العشق هذا حقا ما كان ينقصه، وصل إلى منزله ليجد سيارة زيدان تتوقف خلفه نزل منها كل من زيدان وحسام ينزلان ابتسم حزينا على حال زيدان يصر أغلب الوقت أن يسير خلفه إلى ان يصل إلى منزله بأمان، كطفل خائف من أن يفقد ابيه الثاني، اقترب زيدان منه يود اخباره بشئ حين دق هاتفه برقم تالا، في ذلك الوقت المتأخر من الليل الأمر حقا مقلق، فتح الخط سريعا قبل أن ينطق بحرف سمعها تقول في تلهف:.


- في إيه يا خالد، عمر حصله إيه

اذا أخيه ذهب لزوجته وابنته يحاول تصليح ما هشمه بيدها يتمني حقا أن يقدر على ذلك، تالا ليست لينا طيبة مسامحة دائما، يعرف تالا عنيدة لن تلين بسهولة تنهد يخبرها:

- عمر فاق يا تالا، فاق متأخر شوية صحيح، بس على قلم هيصحصحه عمره كله، عمر محتاجلكوا

لحظات صمت لم يتلقي منها اي رد على ما قال ليشق الصمت صوت صرخات سارة ابنه أخيه انتفض في وقفته يقبض على هاتفه يصيح في تالا:.


- تااالا في اايييه يا تالا ساارة بتصرخ ليه تالا ردي عليا

سارة بتصرخ، غمغم بها حسام بذعر لم يستطع إخفاءه توترت قسمات وجهه حين نظر خالد إليه يرفع حاجبه الأيسر مستهجنا ما فعل ليبتلع لعابه بارتباك، لحظات وسمع خالد صوت سارين على الجانب الآخر تقول في هدوء:

- ايوة يا عمو

سألها خالد سريعا قلقا خائفا من ان يكون أخيه قد جن وذهب ليؤذي ابنته:

- سارين، سارة بتصرخ ليه.


صوت سارين كأنه قادم من الثلاجة هادئ بارد فارغ لا حياة فيه:

- بابا عايز يعتذر لسارة، هي اول ما شافته صرخت وماما راحتلهم، بابا مش هيأذي سارة كان بيعيط عشان تسامحه

ابتلع خالد غصته يقبض على كفه يشد عليه بعنف أخيه الأحمق دمر أسرته بالكامل وحين استفاق، كان الأوان قد فات تنهد يحاول ان يهدئ ليقول برفق:

- طب يا حبيبتي لو حصل اي حاجة اتصلي بيا وأنا هكون عندكوا

وبهدوء وبرود أجابت:

- حاضر يا عمو.


أغلق معها الخط يمسح وجهه بكفه يحاول أن يبعد آثار الارهاق عن وجهه المتعب يرغب فقط في النوم، دس الهاتف في جيب بنطاله ينظر لحسام في حدة كأنه يحاول اختراق عقله بنظراته ليجفل على صوت زيدان يقول:

- طب يا خالي احنا هنروح وبكرة بإذن الله هاجي من بدري

حرك خالد رأسه إيجابا يوجه نظراته لذلك الحسام الذي يحاول التهرب من نظراته التفت زيدان ليغادر هو وحسام ما كاد يقترب من السيارة سمع صوت قوي خلفه يهتف في حزم:.


- صغيرة عليك يا دكتور، أنت مش قد زيدان بردوا يعني 32 سنة وهي 18 دي تقولك يا عمو

التفت لخالد يبلع لعابه مرتبكا يقبض بيده على باب السيارة من الخارج، ليدس خالد يديه في جيبي سرواله ابتسم ساخرا يقول في تهكم:

- لاء ومش كدة بس، دي كل ما تشوفك هتفتكر أنك الدكتور اللي كنت رايح تتأكد من شرفها، بينكوا سور مش هتعرف تكسره ما تعشمش نفسك على الفاضي.


ختم كلامه بابتسامة صفراء صغيرة التفت ليدخل إلى منزله حين سمع صوت ذلك الشاب يهتف من خلفه:

- غريبة مع أن حضرتك عشمت نفسك 12 سنة أن الدكتورة لينا هترجع وفعلا رجعت، ما فيش حاجة اسمها مستحيل وخصوصا في الحب وأنت سيد العارفين ولا إيه يا باشا

التفت فقط برأسه يوجه لحسام ابتسامة صغيرة معجبة بثقته ليدخل إلى منزله صافعا الباب خلفه، ليجذب زيدان ذراع حسام بحدة يهمس له:.


- خد هنا ياض إنت بتحب سارة بنت خالي عمر دي عيلة صغيرة يا اهبل

ما ذنبه هو أنه وقع في حب تلك الصغيرة التي تصغره باربعة عشر عاما، رسم ابتسامة مرحة زائفة على شفتيه يغمغم ضاحكا:

- يا عم أحب مين دي قد بنتي، بس خالك ضايقني بكلامه قولت اضايقه

رغم أن زيدان لم يقتنع تقريبا بما قال صديقه الا أنه ابتسم فئ ارهاق يغمغم ناعسا:

- طب يلا عشان هموت وأنام وهقوم بكرة بدري.


توجها إلى سيارة زيدان ليغادرا الفيلا بينما في الأعلي توجه اولا إلى غرفة ابنته ظنا منه أنها نائمة ليجدها تجلس على فراشها تشاهد أحد افلام الاكشن على الشاشة المسطحة في غرفتها ابتسم، يحمحم بصوت عالي لتجفل على صوت والدها جلست معتدلة تغلق صوت الفيلم، عادت سهيلة إلى منزلها منذ عدة ساعات وهي تجلس تلاعب جروها الصغير وتلك النعجة تركها تركض وتلعب في الحديقة الخلفية بعيدا عن حوض السباحة، لم تكن تظن يوما انها ستشعر بكل تلك السعادة في رحلة دائما ما تخشي الرحلات، تخشي الناس والزحام ولكن رحلة اليوم حقا اثلجت بعض نيران قلبها المتفتت ألما على ما فعله بها معاذ من غدر لن تنساه ابداا، لم يزر النوم عينيها من كثرة التفكير تحب أفلام الاكشن والرعب والهندية عكس سهيلة التي تعشق الأفلام الرومانسية، اجفلت من تركيزها الكبير مع الفيلم على صوت حمحمة والدها، لتطفئ صوت الفيلم سريعا تعتدل في جلستها احتراما له دخل خالد إلى الغرفة يجلس جوارها على الفراش يبتسم في رفق يقول:.


- حبيبة بابا صاحية لحد دلوقتي ليه

ابتسمت تحرك رأسها نفيا بخفة تهمس مرتبكة:

- ابدا يا بابا ما جاليش نوم فقولت اقعد اتفرج على الفيلم دا حلو اوي

مد يده يقرص خدها بحدة طفيفة لتنكمش ملامحها ألما بينما قال هو بحزم:.


- تعرفي أن أنا هاين عليا اولع فيكي ازاي تسيبيه يحضنك، قولتلك بدل المرة الف انتي اغلي من اغلي كنوز الدنيا، ما تسمحيش لحد ابدا انه يلمس ايدك حتى، بلاش عرق الطيبة الاهبل بتاع أمك ينقح عليكي انتي بنت خالد السويسي...

رفع سبابته يصدم رأسها بسابته بخفة يكمل في حزم:

- دا يشتغل، ما تمشيش ورا عواطفك بس، قبل ما تتعاملي مع اي من كان لازم تاخدي حرصك منه كويس، ما تأمنيش لأي جنس راجل الا أنا طبعا.


ابتسمت في خفة تحرك رأسها إيجابا تهمس بخفوت:

- حاضر يا بابا

ابتسم يعبث بشعرها برفق، صمت للحظات ليحمحم يقول في هدوء:

- بقولك إيه، ايه رأيك لو نعمل كتب كتابك انتي وزيدان بكرة بليل، كتب كتاب بس، لو موافقة ماشي مش موافقة وعايزة وقت اكتر ما فيش مشكلة

زوجة زيدان طرقت تلك الفكرة عقلها لتتسارع دقات قلبها بعنف شعور سعيد مؤلم، هي تريد.


ولا تريد، زيدان شخص رائع بكل المقاييس ولكن قلبها يأبي الاعتراف بذلك، تنهدت حائرة لا تعرف ماذا تقول لتسمع والدها يغمغم في مرح:

- ها السكوت علامة الرضا ولا بتفكري

حركت رأسها إيجابا حسنا ربما لو مشت وفق التيار الذي اختاره والدها ستكن سعيدة، تنهدت تهمس بتوتر:

- ماشي موافقة

اتسعت ابتسامة خالد ليميل يقبل جبينها يغمغم برفق:

- حبيبة بابا كبرت وبقت عروسة، دا أنا هطلعلك عين زيدان اصبري عليا.


ضحكت تنظر لوالدها لتري لمحة حزن عابرة عرفت طريقها لعينيه لتتسال في نفسها متعجبة لما يحزن والدها.


في صباح اليوم التالي...

حين بدأ يفتح عينيه على الدنيا من جديد يتأوه من شدة الصداع الذي يعصف برأسه لتمر أحداث البارحة امامه شريط سريع متلاحق، شجاره مع والده، سفره إلى الاسكندرية، شاهيناز، حورية، ميراد، السيجارة، انتفضت فزعا عند الكلمة الأخيرة لتشخص عينيه ذعرا حين وجد نفسه عاريا جوار فتاة ما، توقف عقله عن العمل يصرخ عقله فزعا مرة أخري يا جااااسر.


حين خرج من غرفة ابنته أخذ الممر الطويل إلى غرفته يفكر شارد عقله مثقل بالهموم، عمر وما حدث معه، ابنته الصغيرة ستتزوج الكلمة نفسها ارعبته طفلته الصغيرة ستخرج بين أحضان، من داخل عرينه الأمن إلى الخارج ستبتعد عنه، زيدان سيصبح أقرب لها منه شعور قاسي بالغيرة ينهش قلبه، تنهد يزفر أنفاسه الحائرة، مر في طريقه على غرفة بدور المغلقة ليبتسم في هدوء، طفلته الاخري عادت لزوجها قبل بضعة أيام كيف لم يتصل ليطمئن عليها في خضم تلك القيود التي تحيط به من جميع الجوانب، تنهد يقرر في نفسه أن يتصل بها صباحا يطمئن على سير حياتها الزوجية، امسك مقبض باب غرفته بالطبع لينا نائمة، الساعة اقتربت من الثالثة فجرا، دخل إلى الغرفة ينظر ناحية الفراش لا أثر لها، ما كاد يلتفت وجدها تخرج من باب المرحاض، تجفف وجهها بمنشفة صغيرة رفعت وجهها عن المنشفة تنظر ناحية لتهرع إليه ما أن رأته تضمه لها بقوة تهمس بصوت ملتاع:.


- حرام عليك رعبتني عليك، لولا رسالتك أنا هتأخر يا لينا كنت هموت من الخوف عليك

ابتسم تعبا يضمها بقوة يشبع رئتيه من عبق رائحتها الشدية، وضع ثقل رأسه على كتفها

زفر يهمس تعبا:

- الحمل بيتقل اوي يا لينا

رفعت يديها تمسد على شعره بترفق تربط على رأسه لتقول في ثقة:

- إنت قدها يا حبيبي أنا واثقة من دا

رسمت ابتسامة مرحة على شفتيها لتقول في مرح تحاول به التخفيف عنه:

- ايه يا لودي عجزت ولا ايه يا شيخ الشباب.


تراقصت ابتسامة خبيثة ثعلبية ماكرة على شفتيه، اخفاها سريعا ليتنهد يهمس بصوت ثقيل متعب:

- تعبان يا لينا، خليني في حضنك

تنهدت يكسي وجهها وجوم حزين على حالته المنهكة تلك لترفع يديها تطوق رقبته بهما تشد عليه بقوتها الواهية تهمس له برقة:

- إنت في قلبي مش بس في حضني يا حبيبي.


ابتسامة صغيرة طفت فوق سطح شفتيه يعشقها يكاد يقسم انها كلمة ضئيلة للغاية لا تعبر ولو حتى عن مثقال ذرة عشقها في قلبها لف ذراعيه حول خصرها ابتسم في شراسة ليغمغم بخبث:

- مش عارف ليه أنا بنسي كل شوية طريقة عمل البسوسة.


توسعت عينيها في ذهول تكاد تفقد النطق ذلك الرجل سنوات طوااال وهي تعيش بين ذراعيه تقرييا وإلي الآن لم تفهم كيف يصيح من حال لحال بتلك السرعة المدهشة، أبعدت ذراعيها عنه سريعا لتنتفض للخلف من بين ذراعيه تصيح في ذهول:

- اوعي يا خالد، إنت بتتحول يا ابني هتجبلي انفصام، أنا ما بقاش عندي صحة لتقلباتك دي

ضحك بشراسة مستمتعا ليقترب منها خطوة واحدة يدس يديه في جيبي بنطاله مال برأسه ناحيتها يهمس لها في عشق:.


- أنا مع الدنيا كلها حاجة ومعاكي انتي حاجة تانية خالص، برمي همومي بين ايديكي، بجدد شباب روحي في حضنك، إنت عشق هيفضل في دمي لحد ما تخرج روحي من جسمي.


لم ولن يشبع قلبها قط من كلامات التي تداعب اوتار قلبها في رفق، رقة يعزف الحان عشق لم ولن يموت ابد الدهر، ادمعت عينيها تنظر له بشغف عشقهما لتندفع ناحيته تعانقه بقوة بينما طوقها هو بقيود عشقهما الخاصة القلب قبل الذراع الروح قبل الجسد، روح واحدة انقسمت في جسدين، تهمس له بعشقها الجارف

مال قليلا يحملها بين ذراعيها لتتسع ابتسامته العابثة لاعب حاجبيه يغمغم مشاكسا:.


- ولو ولو بردوا هقولك ليه سموا البسبوسة بسبوسة يا بسبوسة

تعالت ضحكاتها الصاخبة يغزو احمرار قاني وجنتيها.تبع

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني والعشرون


في صباح اليوم التالي...


حين بدأ يفتح عينيه على الدنيا من جديد يتأوه من شدة الصداع الذي يعصف برأسه لتمر أحداث البارحة امامه شريط سريع متلاحق، شجاره مع والده، سفره إلى الاسكندرية، شاهيناز، حورية، ميراد، السيجارة، انتفضت فزعا عند الكلمة الأخيرة لتشخص عينيه ذعرا حين وجد نفسه عاريا جوار فتاة ما، توقف عقله عن العمل يصرخ عقله فزعا مرة أخري يا جااااسر، دقق النظر لقسمات وجه تلك الفتاة لتتسع عينيه في ذهول وشعور خفيف بالراحة يغزو قلبه، حتى لو حدث ذلك بينهما دون وعي منه ولكنها تبقي زوجته أولا واخرا لم يخطئ مرة أخري وهذا جيد حقا جيد وسئ في آن واحد، لم يرد أن يقترب منها والآن ماذا يفعل زفر حانقا يخلل يديه في خصلات شعره يشد عليه بعنف، يحاول تذكر أي شئ بعد ذلك النفس الطويل الذي أخذه من السيجارة التي اعطاها له مراد وبعد ذلك لا شئ، مال ناحيتها يهزها بضيق يناديها حانقا:.


- شاهي، شاهي اصحي يا شاهي انتي يا هانم

تململت في نومها تتنهد بنعومة ورقة اغاظته، هز ذراعها في عنف ليجدها تستيقظ فزعة ما أن وقعت عينيها عليه اتسعت في ذعر لتبتعد عنه ناحية الحافة تنظر له خائفة مرتعدة تهمس بارتجاف:

- لالالا حرام عليك يا جاسر ارحمني

قطب جبينه ينظر لها في صدمة لما تبدو خائفة منه لتلك الدرجة مسح وجهه بكف يده بعنف تنهد يزفر أنفاسه الحارة ليقول فئ حدة من بين أسنانه:

- هو ايه حصل إمبارح.


حركت رأسها إيجابا في ذعر تتساقط دمعات قليلة من عينيها، لتنكمش اكثر على نفسها تهمس مرتجفة:

- هقولك حاضر هقولك، صاحبك اللي اسمه مراد جابك بليل كان شكلك غريب، تقريبا شارب حاجة، حاولت اسندك عشان تنام شوية، روحت شادنني من شعري وحاولت تتهجم عليا، حاولت ازقك بس ضربتي بالقلم، واغتصبتني تاني يا جاسر حرام عليك أنت بتعمل فيا ليه كدة.


أشفق عليها تفتت قلبه حزنا نبرتها الحزينة المعذبة نظرات الذعر والارتجاف التي تقتحم مقلتيها نهشت فؤاده الحائر، حمحم يخفض رأسه يشعر بالخزي من نفسه، مد يده يود أن يربط على كتفها عله يواسيها ولو قليلا ليشعر بانتفاض جسدها تحت يديه ليهمس لها بخزي:

- أنا آسف يا شاهي، أنا، أنا حقيقي ما كنتش في وعيي، مش فاكر ولا عارف ازاي يوصل بيا الحال إني اعمل فيكي كدة سامحيني.


رفعت عينيها الباكية تنظر له بعتاب صامت للحظات قبل أن تندفع تلقي بنفسها بين ذراعيه تشد على جسده بأظافرها لتهجش في بكاء مرير تغمغم له بقهر:

- ما تعملش كدة تاني أنا بحبك حتى لو طلقتني هفضل أحبك، يارب بس ما اكونش حامل بعد اللي حصل.


نطقت جملتها الأخيرة بهمس خبيث لتتسع عينيه في صدمة حامل!، هذا حقا ما كان ينقصه، شهور وهو متزوج لم يقترب منها ولو لمرة واحدة خوفا من ان تحمل والآن حين قرر الانفصال عنها يغتصبها عظيم يا جاسر عظيم، أغلقت جميع المنافذ ابوابها أمام وجهك أذهب إلى البحر وانتحر في سلام

ابعدها عنه يبلع لعابه الجاف بصعوبة توترت قسماته يسألها في ارتباك:

- هو انتي تقدري تعرفي انتي حامل ولا لاء بعد قد إيه.


مسحت دموعها براحتي يديها لتضطرب حدقتيها بحيرة رائعة التمثيل قبضت على كفيها تغرز أسنانها في دفة شفتيها السفلي لتهمس بارتباك ظاهر:

- اااا، تقريبا بعد شهر مش عارفة بالظبط

زفر في حيرة ماذا يفعل أيبقيها زوجة له أم ينفصل عنها ماذا أن كانت تحمل طفله ولكن زواجه والتار مشتت ضائع حائر نظر لها يبتسم بلا حياة ليحرك رأسه إيجابا يميل مقبلا جبينها يغمغم في ندم:

- حقك عليا والله ما كنت وعيي.


ابتسمت له في شحوب لتضع رأسها على صدره تلف ذراعيها حول عنقه تهمس بخفوت:

- أنا بحبك أوي يا جاسر

اتسعت ابتسامتها الخبيثة الثعبانية لتكرر بهمس خافت متلذذ:

- اوي اوي يا جاسر.


على طاولة صغيرة تراقب بأعين زجاجية فارغة من الحياة ما يحدث حولها، ترغب بشدة في العزلة والانطواء باتت تكره كل شئ حياتها احلامها والديها، ألم شديد اعتصر قلبها مع تلك الكلمة الاخيرة والديها حياتها التعيسة قديما والآن ليست كشقيقتها تخرج ما يجيش بها بالصراخ والبكاء، الصمت هو ملاذها علاجات المهدئات والمنوم التي باتت تدمنهم تقريبا باتوا جزءا لا يتجزء من حياتها تحب والدها وتكرهه، تشفق على والدتها وتود لو تصرخ في والدتها أنها من فعلت بهم ذلك، الجميع يرحل وتبقي هي واقفة في نهاية طابور طويل وحيدة منبوذة، صوت قريب منها انتشلها من شرودها، نظرت لأحد رواد النادي لتجده يحاور صديقه وهما يتحركان بسرعة ناحية اسطبل الخيول:.


- عثمان بيتدرب عشان البطولة القريبة

ليرد صديقه في ثقة:

- دا الصياد يا جدع يعني هياخدها وش...


عثمااااان اسم لم ولن تنساه ابدااا عثمان حبيب الطفولة والمراهقة، الفتي المغرور الذي يتجنبه افراد العائلة أجمع وقعت هي في عشقه، يكفي قلبها الصغير البرئ بضع لمحات برؤيته ولو من بعيد، بلعت لعابها لتقف من مكانها متجهه ناحية اسطبل الخيول، ستراه من بعيد وتعود للبيت، ما إن دخلت إلى الاسطبل بدأ رأسها يتحرك كبرج المراقبة يمشط المكان بحثا عنه، ارتسمت ابتسامة عاشقة على شفتيها حين رأته عثمان دائما يتدرب بستره بلا أكمام سوداء تعرفها يملك تقريبا عشر قطع من نفس اللون، اتسعت ابتسامتها تنظر له بعشق برئ اقتربت تود الحديث هي حقا لا تعرف ما ستقول ولكنها فقط تريد محادثته، ما أن خطت خطوتين رأت فتاة أقل ما يقال عنها أنها شعلة متفجرة الجمال وقفت جواره ليلف ذراعه حول خصرها يقبل وجنتها، لتتلاشي الابتسامة البريئة من فوق شفتي سارين تجمعت الدموع في مقلتيها تنظر لصورتهم المتناغمة معا بقلب تفتت إلى شظايا، شقت صفوف الحاضرين لتركض لخارج المكان بأكمله إلى اقرب مرحاض قابلها وقفت أمام صنبور المياة تنظر لانعاكس صورتها في المرآه لتري تلك الطبقة الشفافة من الدموع التي غزت مقلتيها لحظة اثنتين ثلاثة مع هطول اول دمعة فقدت السيطرة، وضعت يدها على فمها تبكي بعنف تكتم صوت بكائها، حتى لا يسمعه أحدا بالخارج من الجيد أن المرحاض كان فارغا، اعتصرت يسراها بينما يمناها تكمم فمها بعنف حتى لا يخرج صوتها، اقتربت من صنبور المياة تفتحه تحمل بين كفيها حفنة كبيرة من الماء صفعت بها وجهها مرة واثنتين وثلاثة، رفعت وجهها تنظر لانعاكس صورتها في المرآة لتري خلفها تلك الفتاة التي كانت بين أحضان عثمان من دقائق، تحركت مقلتي سارين تقارن بينها وبين تلك الفتاة، طفلة سارين جوارها ما هي الا طفلة بائسة كثيرة البكاء تحكمت في دموعها بصعوبة لتجد تلك الفتاة تلتقط زجاجة عصير برتقال أخرجت من حقيبة يدها شريط أقراص تضع منه قرصين في الزجاجة اغلقتها ترجها جيدا، لتنظر لسارين تبتسم باصفرار:.


- دي فيتامينات الدكتور كاتبها ليه.


لم تبدي سارين اي ردة فعل فقط ابتسمت في اصفرار تحرك رأسها إيجابا بخفة لتتحرك ليلا لخارج المرحاض لحظات وخرجت سارين تقرر العودة إلى منزلها، ولكن قلبها القلق رفض، أرادت أن تراه ولو للحظة قبل أن تغادر دخلت إلى الاسطبل مرة أخري، وقفت تبحث عنه بين الحضور لتجد تلك الفتاة تمد له زجاجة البرتقال اتسعت عينيها خوفا عليه ماذا وضعت له فيها، لم تشعر سوي وهي تندفع بعنف ناحية عثمان تدفع الزجاجة من يده ليسقط بعضها على ملابسه وتقع ارضا وتنكسر، انتفض عثمان غاضبا يقبض على ذراعي سارين قبل أن يري الفاعل يزمجر غاضبا:.


- أنتي متخلفة، سااارين!

نطقها بذهول ليترك يديها، بينما وقف يناظرها متعجبا لما تفعل سارين ذلك، اتسعت عينيه في دهشة حين وجد سارين تنطلق ناحية ليلا تقبض على ملابسها من الأمام تجذبها بعنف تصرخ فيها بشراسة:

- انتي، انتي كنتي عايزة تأذيه مش كدة، حطتيله ايه في العصر

سريعا جذب عثمان ليلا من يد سارين يوقفها خلف ظهره نظر لسارين ساخطا ليصيح فيها بحدة:

- ايه يا سارين الجنان اللي بتقوليه دا.


اشتعلت قسمات وجه سارين غضبا تلك الحية تود إيذاء حبيبها عشقها الاول والأخير، رفعت سبابة يمناها تصرخ بشراسة:

- العقربة دي شوفتها بتحطلك حبوب غريبة في العصير

توسعت عينيه في ذهول، جزء بداخله مقتنع بكلام سارين ذلك الدوار الغير مبرر الذي بات يلازمه مؤخرا ما من سبب له، ولكن ليلا لن تفعل ذلك، انتفض كمن لدغه عقرب جين سمع ليلا تقول من خلفه في هدوء:

- ايوة فعلا هي شافتني وأنا بحلط حاجة في العصير.


التفت لها سريعا ينظر لها مصدوما مما تقول ليجدها تمد يدها في جيب حقيبتها تخرج شريط اقراص مدت يدها تضعه في يد عثمان ليرفعه أمام عينيه يقرأ اسم ذلك الدواء للتتوسع عينيه في ذهول يردد بدهشة:

- دا فيتامين

كسي حزن عميق وجه ليلا لتحرك رأسها إيجابا اخفضت رأسها أرضا تحركها إيجابا لتقول بصوت خفيض حزين يتألم:.


- ايوة يا عثمان فيتامين، أنت بقيت مهمل في اكلك الفترة اللي فاتت وعندك تدريبات كتير فسألت دكتور وهو قالي على الفيتامين دا

لف رأسه ينظر لسارين في حدة ليقترب من ليلا رفع كف يدها يلثمه بقبلة حانية يتمتم بامتنان:

- ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي.


ابتسمت خجلة تضع رأسها أرضا، بينما التفت عثمان لسارين التي تقف مدهوشة من قدرة تلك الحية على التمثيل بتلك البراعة اجفلت من شرودها على قبضة عثمان تقبض على رسغها يجرها خلفه لغرفة تبديل الثياب الخاصة به، دخل إلى الغرفة يدفعها داخلها مغلقا الباب عليهم، التفت لها يدس يديه في جيبي سرواله يقول في حدة:

- ممكن افهم إيه الجنان اللي عملتيه برا دا، احرجتي نفسك واحرجتي ليلا، ليييه يا سارين.


عشان بحبك!، صرخت بها بقهر تنظر له بجزع بينما توسعت عينيه هو في صدمة ارتخت قدميها لتسقط على المقعد الكبير خلفها تهمس مكملة بعذاب:

- بحبك غصب عني لقيت قلبي بيحبك، ما اقدرش اشوف حد عايز يأذيك واقف اتفرج، أنا بحبك يا عثمان بحبك اوي.


نطقت جملتها الأخيرة بهمس عاشق متيم، ليتنهد هو في حيرة تلك الصغيرة البريئة التي لا تعي من الدنيا شئ تحب زير النساء منحرف، بلع لعابه ليقترب منها يحاول أن يحدثها كأنها طفلة صغيرة:

- سارين حبيبتي انتي لسه عيلة صغيرة المشاعر دي مش حب حقيقي ابدااا

انتفضت من مكانها تقترب منه تدفعه في صدره تصيح بشراسة:

- ما تقولش صغيرة أنا مش صغيرة، فاهم.


ختمت جملتها بحركة غبية رعناء لا حساب لها سوي الانتقام لجرح انوثتها، شبت على أطراف أصابعها تقبله، لحظات تصنم جسد عثمان ليجئ دوره هو لم يبعدها بالعكس تلذذ بكل قطرة من نبيذ شفتيها الفاخر، لم يكن يعي بأي شئ لا قرابة، لا صلة دم، ولا حتى أنها طفلة صغيرة تصرفت برعونة، ليقبلها هو.


اقتحم دماء حرمة شفتيها العذراء، لحظات ساعات دقائق لا يهم كل منهما لا يصدق ما يفعل ولا يقدر على الابتعاد عثمان يقبل طفلة وسارين مستكينة بين يديي عثمان، فقط صوت دقات الباب أعاده إلى رشده دفعها بعيدا بعنف لتسقط على المقعد خلفها تنظر له مصدومة مذهول عقدت الصدمة لسانها لا تصدق أن عثمان قبلها، لتجده يقترب منها اسند ذراعيها على ذراعي الكرسي مال ناحيتها:.


- عاجبك اللي حصل دا أنا خونت ثقة ابوكي وابويا عشان خاطر الهانم اللي هي لسه عيلة صغيرة جاية تقولي أنا بحبك لاء وكمان جريئة وجاية تبوس، حقيقي أنا قرفان منك كنت فاكرك محترمة يا بنت عمي

رفع جسده عن الكرسي ينظر لها باشمئزاز ليتفتت قلبها المحطم عثمان يراها رخيصة لتلك الدرجة، وقف هو يدس في جيبي سرواله ينظر لها ساخرا يريد جرحها حتى يثبت لها ولنفسه أنها لا تعنيه في شئ:.


- وبعدين بصي لنفسك كويس، أنا يوم ما احب، احب طفلة فوقي يا سارين وركزي في مذاكرتك

قالها وخرج بعد أن حطم شظايا قلبه إلى زجاج قتل روحها النازفة ليرحل ما تبقي منها دون عودة.


في فيلا خالد السويسي التحضيرات لعقد القران الصغير تسير على خير ما يرام ابنته مع صديقتها بالاعلي يختاران ملابس خاصة للاحتفال، زوجته في المطبخ تشرف على نص هو وبعض الخدم يجهزون المكان للعرس

في عز انشغاله وجد الباب يطرق بعنف كأن زلزال في الخارج واحدهم يهرب منه، اتجه سريعا ناحية الباب يفتحه لتتسع عينيه فزعا حين رأي من يقف بالخارج.


توسعت عينيه فزعا حين فتح باب منزله وابصر بدور ابنته تقف امام بيته ترتدي جلباب اسود حجابها ملقي باهمال فوق شعرها عينيها حمراء باكية وجهها متورم تحمل ابنتها على احد ذراعيها، صرخت قسمات وجهه خوفا عليها ليجدها تندفع ناحيته ارتمت في صدره تبكي بعنف تنوح باكية:

- ضربني وخد ابني مش عايز يرجعهولي، رجعلي ابني يا بابا.


توحشت قسمات وجهه بغضب مخيف لف ذراعه حول جسد بدور يدخل معها لداخل الفيلا، اتجه معها إلى أحد المقاعد يجلسها عليها ليجلب لها كوب مياه، جذب مقعد يجلس امامها يعطيها الكوب ارتشفت منه رشفة صغيرة لتضعه جوارها، رفعت عينيها تنظر له تنساب دموعها قهرا ليغص قلبه ألما ينظر لكدمة زرقاء تعلو فكها، مد يده يربط على خدها برفق يتوعد بداخله لذلك الفتي بالموت بلع لعابه يهمس له في هدوء زائف لا يريد اخفاتها يكفي ما هي فيه:.


- حصل ايه يا حبيبتي، مش الزفت دا، جه من كام يوم وقال مراتي ووحشاني وانتي قولتي هروح معاه يا بابا حصل ايه

انكمشت قسمات وجهها ألما تبكي في قهر بعنف بدأت تمسح دموعها لتقص على أبيها كل ما حدث.


Flash back

يومين، مر يومين منذ مشادته مع أبيها حين أخبره بكل بساطة:

- خلوها عندكوا أنا مش عايزها.


بتلك البساطة تخلي عنها هو من أحبت منذ أيام الجامعة، رفضت أن تسافر مع والدتها حاربت كثيرا حتى تبقي هنا بالقرب منه بجانب قلبها النابض لتتزوج من حبيبها الأول والأخير، لتنتهي سعادتها المزيفة سريعا فقط شهر عسل قصير وعرفت شخصية لم تلاقيها من قبل عصبي، سريع الغضب، اناني لا يهتم سوي بنفسه ولكنها تبقي كالحمقاء تحبه

تنهدت تمسح دموعها الخائنة حين سمعت صوت دقات على باب الغرفة حمحمت تقول بهدوء:

- ادخل.


انفتح الباب جزء صغير ليطل خالد برأسه ابتسم يقول في مرح:

- بيرو حبيبة بابا زفت الطين اسامة تحت وبيقول أنه عايزك ترجعي ولا ارميه برة، أنا بقول ارميه برة

التفت ليغادر قبل أن يسمع ردها لتتوسع عينيها في ذهول قامت تركض خلفه تصيح بتلهف:

- بابا استني يا بابا، هرجع معاه

التفت خالد لها يضحك في صخب لتحمر وجنتيها خجلا على ما قالت، بينما حرك رأسه إيجابا يقول بترفق:

- البسي وجهزي نفسك على ما انزل اهزقه شوية.


ضحكت بخفوت تحرك رأسها ايجابا لتهرع إلى غرفتها يكفي فرحة صغيرها حين اخبرته أن والده بالأسفل ينتظرهم بدلت ملابسها سريعا الإبتسامة لا تفارق شفتيها، فهي حمقاء تحبه اولا واخيرا

نزلت لأسفل لتجد والدها يقبض تلابيب ملابسه من الأمام يزمجر فيه:

- عارف يا حيوان لو زعلتها تاني هسحلك هقلبك محمد ابو سويلم في فيلم الأرض.


أكتفي اسامة بتحريك رأسه إيجابا ينظر له في خوف ممتزج بكره، يكره ذلك الرجل جبروته وغروره وعجرفته، يكره شعوره بالعجز أمامه، ابتسم في اصفرار لينفضه خالد بعيدا عنه اتجه ناحية بدور مال يقبل جبينها يهمس لها:

- لو ضايقك ولو بكلمة اتصلي بيا، مفهوم.


ابتسمت تنظر لخالد بامتنان وسعادة تحرك رأسها إيجابا، لتتجه ناحية أسامة الذي ابتسم ابتسامة لم تعجبها اقلقتها، ابتسامة سوداء اكثر منها مشتاقة، سعيدة، بلعت لعابها تبتسم له خجلة، ودعت والدها لتجلس جواره في سيارته الصغيرة متجها إلى منزلهم عشهم السعيد، الصمت يغطي عليهم هو صامت متجهم وهي صامتة مرتبكة تشعر بالخوف الغير مبرر، لا تعرف لما سمعت صوته يقول في برود لم تحبه:

- عاملة ايه والولاد اخبارهم إيه.


حمحمت بخفوت تجلي صوتها لتقول بصوت هامس متوتر:

- الحمد لله كلنا كويسين

وحشتوني، البيت كان وحش اوي من غيركوا، همس بها بهدوء، لتتسع عينيها في ذهول التفتت برأسها ناحيته لتبتسم سعيدة تقول بعشق:

- وأنت كمان وحشتنا أوي...

ابتسم بلا حياة ليسود الصمت مرة أخري، يركز على الطريق أمامه بينما تختلس النظرات إليه تبتسم سعيدة بين حين وآخر، قطبت جبينها تنظر للطريق لتقول في دهشة:.


- دا مش طريق البيت يا أسامة احنا رايحين فين

انثني جانب فمه بابتسامة سوداء قاسية ليقول في هدوء:

- اشتريت شقة جديدة هنقعد فيها، ايه رأيك يا حبيبتي في المفاجأة.


لا تعرف حقا أتفرح أم تحزن ولكنها قلقة خائفة أسامة به شيئا غريب خبيث عما تعرف تنهدت تحتضن ابنتها بينما خالد الصغير على المقعد الخلفي يلهو بهاتف والده المحمول، بعد ساعة تقريبا وقفت السيارة أمام منزل والدته، نزلت من نافذة سيارتها للعمارة السكنية الصغيرة لتقطب جبينها متعجبة التفتت له تسأله متعجبة:

- مش دا بيت مامتك.


التفت برأسه ناحيتها ويا ليته لم يفعل رأت في حدقتيه نظرة سوداء قاسية متهكمة لتسمعه يقول متهكما:

- اه هو أنا اصلي اشتريت الشقة اللي فوق والدتي عشان نبقي قريبين منها، متضايقة وهتروحي تشتكي لابوكي اللي هو اصلا مش ابوكي ولا ندخل

ابتلعت إهانته وطريقته القاسية المتهكمة في الحديث لتحرك رأسها إيجابا تقول بخفوت:

- ندخل يا أسامة.


توسعت ابتسامته القاسية لينزل من السيارة نزلت لتفتح الباب لصغيرها، متجهين جميعا إلى شقتهم الجديدة في الطابق الثالث وقف يفتح باب المنزل لتخطو للداخل تنظر حولها جميع اغراضهم في الشقة القديمة نقلها لهنا، هذا جيدا حقا على الاقل ستشعر بالالفة في المكان، حضانة خالد يمكن أن تنتقل لحضانة قريبة من هنا، وقفت في منتصف الصالة تتأمل منزلها الجديد حين سمع صوت بغيض تكرهه يأتي من خلفها مباشرة:.


- انتي جيتي يا غندورة حمد لله على سلامة المحروسة

ابتلعت غيظها من طريقة والدته الساخرة لتلفت لها تبتسم في اصفرار:

- اهلا يا ماما عاملة إيه

تخصرت تلك السيدة البدينة ليدوي صدي اساور يدها الذهبية بشكل مزعج للآذان تقول في حدة:

- بخير يا حبيبتي طول ما حس ابني في الدنيا، انتي هتفضلي واقفة عندك، غيري هدومك وحصليني على تحت يلا.


بلعت لعابها تحرك رأسها ايجابا، وضعت سيلا على فراشها لتبدل ملابسها إلى جلباب منزلي بسيط بحثت عنه لتجده يجلس أمام التلفاز يدخن بشراهة بينما صغيرها يلعب على الأرض بالعابه اقتربت منه تقول سريعا بتلهف:

- أسامة اطفي السيجارة خالد عنده حساسية على صدره ما بيستحملش الدخان

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه ليلقي ما تبقي من سيجارته من النافذة الصغيرة جواره يتشدق ساخرا:.


- حاضر لازم اقول حاضر أحسن خالد باشا يزعل مننا واحنا مش قد زعله

تنهدت مغتاظة منه تتمني لو أنها لم تعد معه، التفت لتنزل لأسفل دخلت شقة والدته لتجد الأرضية عارية من اي فراش جميع مفارش الأرض ملتفة ومستندة على الحائط، لحظات من الصمت تتعجب مما تري لتسمع صوت والدته تقول متهكمة:

- ايه يا حبيبتي جاية سينما واقفة تتفرجي ما تشتغلي يلا عيزاكي تغسلي السجاد كله يلااااا

Back.


انتحبت بقوة ليرتعش جسدها يتنفض بعنف لتقول من بين شهقاتها العنيفة القاسية:

- ست ساعات يا بابا ست ساعات وأنا بغسل في سجاد البيت واللي متعجبهاش تخليني اعيدها جسمي بيترعش من التلج لما خلصت، طلعت هدومي مبلولة بترعش عايزة أنام بس هو.


Flash back

اخيرا انتهت جسدها كتلة من الثلج البارد يترعش بعنف ملابسها عبارة عن بحر من المياة اخذت طريقها لمنزلها تصطك أسنانها من البرد ما ان دخلت إلى رأته يجلس كما هو يشاهد التلفاز اقتربت ناحيته تهمس بارتعاش من البرد:

- انتي جايبني هنا عشان اخدم أمك

ارتسمت ابتسامة سوداء متهكمة على شفتيه ليتحرك من مكانه متجها ناحيتها، مد ذراعه يلفه حول خصرها يقول في سخرية:.


- معلش اعتبريها زي والدتك، ما كنتيش هتساعدي والدتك في البيت ولا ايه

احتقنت دماء الغيظ في حدقتيها لتبعد ذراعه عنها بعنف تصيح غاضبة:

- امي ما كنتش هتخليني اغسل سجاد البيت كله نص الليل في البرد، أنا مش خدامة عند أمك يا أسامة ودي آخر مرة هعمل لها حاجة بالشكل المهين دا.


اقترب منها حتى بات لا يفصلهم فاصلة ابتسم ساخرا للحظات ليمد يده يمسك أحد خصلات شعرها المبتل قبل أن تعي ما يفعل صرخت من الألم حين شعرت به يقبض على خصلات شعرها يصرخ فيها محتدا:

- هتخدميها ورجلك فوق رقبتك، وعلى فكرة أنا خدت موبايلك، لو فكرتي تشتكيني لبابا خالد بيه هاخد منك العيال يا بدور ومش هتشوفيهم تاني، فااااهمة

صرخ بها بقوة ليشد على شعرها في عنف اكبر لتصرخ تحرك رأسها ايجابا تصيح باكية:

- حاضر حاضر.


ابتسم ساخرا يترك خصلات شعرها يربط على وجهها باستفزاز تركته متجهة إلى غرفتها سريعا ارتمت على فراشها تبكي بملابسها المبتلة تشعر بالخوف، البرد، النعاس، ما كادت تغمض عينيها حتى شعرت به خلفها حاولت تجاهله فقط تريد الهروب من كابوس الواقع المخيف، لتفتح عينيها فزعة حين سمعته يهمس ببرود:

- أنا عايز حقي

حركت رأسها نفيا بعنف تحتضن جسدها ترتجف باكية:

- حرام عليك يا أسامة أنا تعبانة كفاية اللي ولدتك عملته فيا.


لم يهتم بما يقول من الأساس جل ما سمعته هو صوته وهو يقول في حدة:

- مش مشكلتي دا حقي وهاخده سواء برضاكي اوغصب عنك.


لتتوالي ايامها على ذلك النسق الحزين البائس تتمني الموت كل لحظة، والدته تفتت في تهشيم جسدها من كثرة ما تلقي عليها من أعمال أما هو فتفنن في تهشيم بقايا روحها إلى أن جاء ذلك اليوم، كانت تنظف منزل والدته كالعادة وسيلا الصغيرة تجلس على الأريكة تلعب بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز، انتفضت على صوت تهشم لتجد سيلا القت الجهاز من يدها ارضا لينكسر بينما تنظر له الصغيرة تضحك في براءة اتسعت عينيها ذعرا حين وجدت حماتها تندفع ناحية ابنتها صفعتها بعنف تصرخ فيها:.


- يا حيوانة يا بنت ال، كسرتي الريموت

اشتعلت عينيها غضبا خاصة مع صرخات صغيرتها لتقترب من حماتها دفعتها بعيدا عن ابنتها بعنف لتسقط ارضا أمامها بينما صرخت بدور فيها:

- اياكي تمدي ايدك على بنتي أنا مستحملة قرفك انتي وأبنك عشانهم

احتدت عيني سماح والدة اسامة بغيظ، كانت على وشك أن تسمعها وصلة سباب متواصلة حين وجدت أسامة يدخل من باب المنزل لتنظر له سريعا تصيح محتدة:.


- تعالا يا زينة الرجال شوف مراتك وهي بتتهجم على امك زقتني وضربتني ووقعتني على الأرض...

التفت لزوجها سريعا تود اخباره بما حدث ولكنه لم يعطيها الفرصة لذلك انقض عليها يوسعها ضربا يصرخ فيها:

- بتضربي امي يا، يا، يا...

تركها ملقاة ارضا لا تقدر حتى على القيام جالسة من عنف ضرباته ليبثق عليها يهتف متوعدا:

- ارجع من برة الاقيكي بتغسلي رجليها، فاهمة يا بنت الباشا.


تركها وغادر لتتحامل على جسدها رغما عنها قامت تحمل صغيرتها نظرت لوالدته في حدة تهمس متألمة:

- قسما بالله لهاخد حقي منك انتي وابنك هدفعكوا التمن غالي أوي

قالتها لتتحرك إلى شقتها سريعا وضعت جلباب اسود على ملابسها تلقي حجاب على شعرها لتتحرك لخارج المنزل تهرب إلى منزل خالد

Back.


أنهت ما حدث لها كاملا ليبتسم ارتسمت ابتسامة واسعة سوداء على شفتيه يفكر باستمتاع كيف سيهشم عظام ذلك الاسامة، هل يقتله دفعه واحدة أم يعذبه أولا...

اقترب من بدور يضمها لها يربط على رأسها برفق ارتسمت ابتسامة سوداء على شفتيه يغمغم متوعدا:

- يعز عليا يا بنتي اني ارملك وانتي لسه صغيرة

شهقت بدور فزعة لتبتعد للخلف تنظر لوالدها خائفة عليه لتمسك بذراعه تقول بتهلف:.


- لا يا بابا عشان خاطري هو ما يستحقش أنك تروح في داهية بسببه

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه ليربط على وجنتها برفق يقول ضاحكا:

- حبيبة بابا ابوكي بيودي ما بيروحش، اهدي انتي خالص وأنا هجيبهولك زاحف

وقف ينادي على زوجته بصوت عالي:

- لينا يا لينااا

لحظات وخرجت من المطبخ تجفف يدها بمنشفة صغيرة تقول مبتسمة:

- ايوة يا خالد معلش مش سمعاك من دوشة المطبخ.


اختفت ابتسامتها تشهق في خوف اتسعت عينيها ذعرا لتقترب من بدور تسألها قلقة مفزوعة:

- بدور ايه اللي عمل فيكي كدا يا بنتي حصل ايه خالد

دس يديه في جيبي سرواله ينظر للينا ومن ثم بدور ابتسم يقول بهدووووء تاااام:

- بعيد عنك اصل في كلب مسعور حاول يعضها وانتي عارفة كويس الكلب لما يتسعر علاجه الوحيد الموت، فانتي خلي بالك منها على ما اروح اجيب رقبته واجي على طول مش هتأخر.


قالها ليلتفت يغادر المكان بأكمله بينما احتضنت لينا بدور بحنو لتنفجر الأخيرة في البكاء.


هرولت من غرفة الملابس ومن اسطبل الخيل تركض في شوارع النادي تود فقط الهرب، إن تصل للسيارة تعود لبيتها تختبئ تحت غطاء فراشها لا تصدق أنها فعلت ذلك كيف، تقبله وهو فعل أيضا، كلماته السامة تطرق عقلها بلا توقف تبكي تتساقط دموعها رغما عنها، اقتربت من أن تصل لتصطدم في أحد ما وقف ما وقف أمامها فجاءة رفعت وجهها للفاعل لتنكمش قسماتها تبكي بعنف بينما نزل هو على ركبتيه قليلا يسألها قلقا:.


- مالك يا سارين بتعيطي ليه يا بنتي

نزلت له تعاتبه للحظات بنظراتها الصامتة لتخبئ وجهها في صدره تهمس باكية:

- بابا خرجني من هنا

حرك رأسه إيجابا بتلهف ليأخذ بيدها متجها لسيارته من الجيد أنه رآها مصادفة حين اتي لهنا ليفكر بهدوء قليلا، حالتها الباكية افزعته تري ماذا حدث لها، جلست جواره في السيارة تبكي في صمت، ليلتفت لها يضمها لذراعيه حاولت الابتعاد عنه ليشدد عليها بين يديه يهمس لها بصوت حزين باكي:.


- بالله عليكي يا سارين ما تحسسنيش انكوا بقيتوا بتكرهوني، أنا بموت وأنا حاسس انكوا كارهني، أنا آسف يا بنتي، آسف ليكي ولمامتك ولسارة نفسي تسامحوني، حاسس إني منبوذ من غيركوا

حركت رأسها نفيا بعنف كتمت صرخاتها الحزينة داخل صدره تهمس باكية:.


- ااانت اللي عملت فينا كدااا، لييه اذيتونا كدة، أنا ما قولنلكوش خلفونا، بتعذبونا بذنب مالناش دعوة بيه ليه، أنا تعبت كرهت نفسي وحياتي، حتى هو طلع ما بيحبنيش، نفسي اموت بقي عشان ارتاح.


بعد الشر عليكي، بعيد الشر: هتف بها سريعا بلوعة ليربط على رأسها بحنو يكاد يبكي على ما وصلت له ابنته بيديه، طفلته تكره حياتها تتمني الموت، مهلا مهلا من هو الذي لا يحبها قطب جبينه قلقا عليها لا شكا فيها، ان تكوت تلك الحية ناردين بعثت احدهم ليخدع ابنته الاخري لتؤذيها، ابعدها عنه سريعا يحتضن وجهها بين كفيه يسألها بتلهف:.


- مين دا يا سارين اللي ما بيحبكش، حبيبتي أنا مش شاكك فيكي أنا خايف لتكون العقربة اللي حاولت توقع أختك عايزة توقعك انتي كمان

ابتسمت ساخرة تحرك رأسها نفيا نظرت لعيني والدها للحظات لتقول متهكمة:

- عثمان، أنا بحب عثمان ابن عمو على بس هو قالي أن أنا عيلة صغيرة، طفلة واروح اشوف مذاكرتي احسن.


غص قلبه ألما على ابنته لم تجد الحب الامان في بيته فبحثت عنه خارجا وايضا لم تجده سيشكر عثمان لاحقا أنه لم يوهم ابنته بالحب ويخون ثقته، لا يصدق أنه احترم للتو عثمان الشاب المنحرف اللعوب

لم يجد ما يقوله فقط وضع رأسها على صدره يربط على رأسها بحنو لا يجد ما يقول وهي أيضا، تشعر لأول مرة بالأمان.


ازاي يا ماما تسيبيها تمشي، هتروح لابوها انتي ما تعرفهوش دا راجل مفتري

صاح بها أسامة مذعورا لتمص سماح شفتيها متهكمة:

- طب يبقي يفكر يجي هنا وأنا اقطع شبشي على دماغه هي سايبة ولا ايييييه، وبعدين احنا معانا الواد خالد يعني اكيد مش هتروحله هتخاف ناخده منها.


ما كادت تنهي جملتها ليعلو صوت دقات عنيفة قاسية على وشك تحطيم الباب، نظر أسامة لوالدته مذعورا يكاد يبكي من الخوف، اقترب من الباب بأرجل ترتعش من الخوف ما كاد يفتحه صرخت والدته حين وجدت والدها يسقط ارضا بفعل لكمة عنيفة أتت من ناحية الباب، دخل خالد من الباب وقف في منتصف الصالة ينظر لوالدة اسمة يبتسم ساخرا للحظات ليصيح بصوته الاجش:

- خالد، أنت فين يا خالد.


خرج الصغير من أحدي الغرف يركض ناحية جده امسك بساقه كما يفعل دائما يصيح في سعادة:

- تدوووو

نزل خالد يحمله بين ذراعيه، التفت يعطيه إلى أحد حراسه ابتسم يقول الصغير بمرح:

- حبيب تدو روح مع عمو استنوني في العربية عشان نروح لماما وسيلا.


صفق الصغير بسعادة ليحمله الحارس يتجه به إلى سيارة خالد، ليغلق خالد الباب عليهم وهو في الداخل معهم، اقترب من أسامة ينظر له من أعلي ابتسم متوعدا دون أن ينطق بحرف اقترب من والدة اسامة وقف امامها يبتسم متسليا رفع سبابته وابهامه يحركهما على ذقنه يقول ساخرا:

- سماح فتحي السيد، سابقة ضرب واحدة من الجيران واتراضت قبل ما تتحبسي، دا انتي قديمة بقي يا ست سماح، حمات بنتي بقي ولازم نحترمها.


نظر للبساط المفروش أسفل قدميه يبتسم متوعدا ليعاود النظر اليها يقول ساخرا:

- تؤتؤتؤ واضح أن ما ساعة ما بدور بطلت تغسل سجاد والسجاجيد اتوسخت خالص.

جلس على الأريكة يضع ساقا فوق اخري يغمغم ساخرا:

- ما تقوم تغسل السجاجيد يا أسامة وخلي ماما يا حبيب ماما تساعدك، يلاااا يالا دا أنا هطلع على جتت اللي خلفكوا كل اللي عملتوه في البت.


ستتزوجه بعد بضعة ساعات بقي فقط القليل لا تعرف أين ذهب والدها اختفي فجاءة، وسهيلة ذهبت لتتجهز ووالدتها تداوي جروح بدور المسكينة جسدها ملئ بالكدمات وقفت، حتى صغيرتها سيلا وجهها متورم، من تلك القسوة المتوحشة ليضرب طفلة صغيرة وقفت أمام المرآة تضع ثوبها الأزرق فوق ملابسها تنظر لانعاكسها، لتبتسم متوترة زوجة زيدان، زوجته، زوجته، كلمة واحدة تتردد داخل قلبها وعقلها كيف وصل بها الحال إلى أن تصبح بعد قليل زوجة زيدان، للحظات فكرت في التراجع كيف استطاع زيدان أن ينسيها ما حدث قديما بتلك السهولة كيف تنسي أنه حاول اغتصابها، كاد ان يغتصبها، مجرد تذكر الامر جعل جسدها يرتجف خوفا جلست على فراشها تضع يديها على أذنيها ترتجف بعنف اغمضت عينيها ليمر امامها المشاهد بالتفصيل كما حدث قديما لم تنساه يوما.


ممدة على فراش قديم في غرفة غريبة مخيفة تنظر حولها باستغراب طفلة في العاشرة لا تفهم ما يحدث، خائفة مذعورة التفتت ناحية باب الغرفة حين انفتح لتبتسم مطمئنة حين دخل من بابها، تشعر بثقل ودوار يمنعها من التحرك فقط نظرت له تبتسم لتهمس خائفة:

- زيدان احنا ايه جابنا هنا وبابا فين، يلا نمشي.


ظلت يتقدم ناحيتها ببطئ خطواته يعلو صداها في الغرفة الفارغة ابتسامة مخيفة تعلو شفتيه، لتصرخ خائفة حين شعرت به في لحظات ينفض عليها يمزق ملابسها حتى باتت شبه عارية يحاول يحاول يحاول، لم تستطع التذكر اكثر ارتجف جسدها تبكي ذعرا، لالالا لن تتزوجه يكفي ما فعله بها قديما كيف تسامحه بتلك السهولة، لن تتزوجه ابداا.


اجفلت على صوت دقات هاتفها لتجد رقمه هو يضئ شاشة هاتفها، ارتجفت ما أن رأت رقم هاتفه قربت الهاتف بخوف من اذنها تفتح الخط لتسمعه يهمس بعشق:

- وحشاني يا لينا أنا مش مصدق أن كلها كام ساعة وهتبقي مراتي، حاسس اني بحلم، بحبك بحبك اوي

حركت رأسها نفيا بعنف كأنه سيراها من الأساس انهمرت دموعها لتهمس باختناق:

- أنا عمري ما هتجوزك ابداا، أنا بكرهك...


الفصل الثالث والعشرون والرابع والعشرون من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات