رواية عقاب ابن الباديه الفصل الخامس والعشرون 25 والسادس والعشرون 26 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه
الفصل الخامس والعشرون 25 والسادس والعشرون 26
بقلم ريناد يوسف
 

سالم:
- بالهداوة شوي ياآدم السيارة صارت طيارة باقيلها شوي وتنقلب بينا.وتدمرنا ياخوي
آدم:
- هادا قلبي اللي طاير مو السيارة ياسالم،  هادول أمي وابوي واللقا اللي تأخر واااجد.وزاد عن الحد،تعرف انا لو نقدر اندير اجناحات كان درتها وطرت بكل كياني مو بقلبي بس
رابح:
-اي بس لا تموتنا يامهندس وتموت حالك وقتها حتي الشوق يلعنك لعن.ونقعدو في دايرة المشافي

لم يكترث آدم لأياً مما قالاه، فقط أكمل الطريق على نفس سرعته، فقلبه هو من يتحكم به الآن، وما علي القلب أحكام.
وصلوا المطار ودخلوا الى صالة الوصول، ولاحت جنته من بعيد وهى تحت جناح ابيه الذي يستند عليها، فهو برغم كل هذه المدة وكل هذا العلاج لازال يجد صعوبة فى الحركة ولا يستطيع مشي مسافات طويلة، ولكنه يمشي.
واخيراً تلاقت الارواح وتلامست الأبدان وتوحدت دقات القلوب في حضن ثلاثى وكأن الطيور المهاجرة عادت إلى اعشاشها ووجدوا صغيرهم الذي تركوه لازال فى عشه ينتظرهم.
اخذهم آدم بالسيارة وأكمل بهم إلى القاهرة كما خططوا، لم يعود إلي البادية أو لأي مكان.. فغداً هو اليوم الموعود، اليوم الذي ستحكم المحكمة وتقر بموت محمود وزوجته رسمياً وتعطى ليحيي حق التصرف كل شيئ، وليس هذا كل شيء، بل ستقر بموت آدم أيضاً، فيحيي ابلغ عن اختفاء الجميع في ظروف غامضة.
نزلوا جميعاً في فندق، آدم مع امه وأبيه وسالم ورابح سوياً.

اما عند سالم ورابح..
سالم:
- والله اني حاسس بقلبي بقلبي طاير من الفرحه برجوع اهل آدم يمكن بقدر فرحته واكتر انحس روحي منه وهو مني
رابح:
- والله وانا متلك، آدم خونا يستاهل الفرح كله، وربي عوضه هو واهله بالجمعة من بعد الفرقة.. وتنهد ثم اكمل بوجع وحسرة.. يارب ماتفرق حبيب عن حبيبه وجمع كل الحبايب سوا.
سالم:
- اااخ يارابح والله قصتك قصة وحكايتك وجيج قلب، يعني الكلب محراب صار له سنين وهو راكب راسه اليابس وقاعد قبالك انت ومعزوزه وواخدها عند وماراضي يتزوج الا تتزوج انت، وهادا كله مجاكره وبس.
- هاد كله غل وكره.. من ساعة اللي كنا صبيان صغار وكان عمي قصير يدربنا ويقول بس رابح وحيوا رابح ورابح متفوق عالكل وهو قلبه انملا عليا غيرة وكره وبغض..ووده ياخد مني اي شي ليقهرني، يريد ياخد مني اي شي ليحس انه اخيراً تغلب عليا،، والله لو نعرف هيك راح يصير مانازلته ولا غلبته وكنت فشلت حالي بكل الاختبارات وصرت الاخير.
- الا مايمل ويزهق ويتزوج.. انا بالاساس سامع ان ابوه وامه ماججين راسه زن وودهم يزوجوه بالغصب،، وحتى هو بدا يسأل عن بنات القبيلة ويفرز فيهن. ويوازي بينهن
- الله يسمع منك ياسالم.. والله انقيم لفراح شهر بحاله وكل يوم نذبح ذبيحة ونعمل ليلة سمر، ويوم اللي ينكتب كتابي على روح الروح والله لنركبها فرس ونمسك لجامه ونلف بيها القبيلة كلها ومع كل خطوة نرمى عليها الورود والحلوى لحتى تتلون رمال القبيلة كلها وتتحول لورود وحلوى ولو كلفني الأمر فدان ورد.

سالم:
-هاباااا هاباااا ياقيس القبايل ويش كل هادا.. شوي شوي علينا ياعمي.
رابح:
- اي نعرفك خايف رجوه تقولك انريد تسويلي متل رابح بس تتزوجني. وقتها ماعندك مفر ياسلوومتي
تنهد سالم واردف متحسراً:
- رجوه!.. وهي وين رجوه ووين طلبها وقربها.. وينها بنيتي مني.. مامدري ليش صايره بعيده عني بعد السما والأرض، حاسس انها اتغربت وبعدت عني.. بالأول قلت يمكن صارت تستحي لأنها كبرت وعرفت انها مرهونه الي، بس القصه طلعت ماقصت حيا.. في سد انبنى بيني وبينها وكل مانحاول انهده ومعبر لها متل قبل انشوفها تهروب مني.وتشرد لابعد مكان مانعثر عليها فيه
- والله ياسالم ماندري ويش انقولك، حتى انا سألت معزوزه وااجد عن سبب تغير رجوه مع الكل وسبب العداوة والقساوة اللي تمت  تتعامل بيها مع الكل مافادتني.. بس قالتلي انها انلبست بجنى وبدل اطباعها وسكتت.
صمت سالم وشرد بعيداً وهو يتذكر طفولتهم، قبلها احضانها العفوية، يداها الصغيرتين، احاديثها التي لا تنقطع معه، ملازمتها له.. وقارنه بما هي عليه الآن ووجد أن كل هذا اختفى، لم يستمر سوى شراءة الحلويات لها وشراء كل مايلزمها، وهذا هو الشيئ الوحيد الذي تقبله منه ولا تجادله فيه.

أما في البادية..
ابو محراب:
- ياقصير طال الأمر وباخ بعد، يعني ويش منتظر على بتك معزوزه، اللي بسنها ملت القبيلة صغار وهي راهبة جوار امها، ياخوب اعطيها لمحراب وخلينا نفرحو بيهم وبضناهم، الولد صارله سنين منتظرها.وما يريد غيرها
- ياابو محراب، ياخوي البت ماودها تتزوج، انا حابب اني انزوجها وواجد حاولت نغصبها، بس عمي الشيخ منصور واخد حماها بهادا الامر وبكل مره يقول اللي يغصب معزوزه عدوي.
- طيب اذا هيك انا راح انزوج ابني حتي لو بالغصب، وراح تشوف ان عندنا الأب حتي على اولاده الرجال بيحكم مو بس عالبنات، واللي مايحكم ضناه ماخرج يحكم قبايل ياقصير. 
صب كلماته كالرصاص فى آذان قصير وتركه وغادر، وهو على الفور توجه لخيمة مكاسب، وقام بتوبيخها والقصاص منها لكرامته التي جرحها ابو محراب، وكل هذا بسبب ابنتها التى خرجت عن طوعه وصغرته أمام شريكه، وبالطبع الآن ستتأثر شراكتهم واعمالهم، فالناقم لا يتعامل بعدل ابداً، وفي النهاية قد حدث مايخاف منه. 

اما معزوزه فكانت تسمع حديث امها وأبيها، أو شجارهم بالأحرى، وعلى الرغم من أن الشجار فى العادة يكون مرتبط بالإنزعاج.. إلا هذا الشجار إقترن بطبول أفراح قرعت في قلب معزوزه تخبرها بأن نصر الله قريب وسينتهي الصبر وتُجبر القلوب، فخرجت من الخيمة متوجهة إلي خيمة الشيخه عوالي وهي تشعر بأن قدماها لا تلامس الرمال من السعادة وحين دلفت للخيمة قالت بفرحة:
- خلاص ياشيختي خلص صبر المعاند وهيخلى الطريق لغيرا، محراب الكلب بوه راح يزوجه وراح نفتك منه والقلوب ترتاح والوليف يحظى بوليفه

عوالي:يهنالك يابنيتي
-يافرحة القلب،  والله وآن الآوان.. عقبال اللي فبالي يهديها الله وينصف وسخ عقلها ،والله دايرتلي وجيح براسي من يوم ماصرخت على هالدنيا 
- تقصدي قلبها ياعمه. 
- لا نقصد عقلها، القلب ماله ذنب  واللي يجرا معها ماهو راعيه.. اللي بيصير مع بلوه راعيه العقل والتفكير وفراغة العين، اما القلب فعارف حبيبه ومامخيب طريقه، بس مع سطوة التفكير ساكت. ومسلم

عادت معزوزه وانضمت لصفوف النساء لتجهيز الطعام وهي تنتظر بفارغ الصبر عودة رابح لتزف اليه البشرى، فاليوم قد نزل الغيث على القلوب التي كادت تموت عطشاً. 

وفى المساء كانت القبيلة كلها تتناقل خبر خطبة محراب لإحدى فتيات القبيلة، وصدق أباه حين قال أن الكلمة له ولا قرار إلا قراره وقد كان. 

ظلت معزوزه في هذا اليوم تغني وتضحك من لا شيئ، وسعادتها لم تخفى على الجميع، حتي محراب الذى اكل القهر قلبه وهو يرى رابح يفوز مجدداً ومعزوزه تحتفل طرباً بالتخلص منه، ولكنه قال لنفسه انه انتظر سنوات وهذا يكفي، وعليه الإعتراف بأن رابح تفوق عليه فى معركة الصبر ايضاً. 

ذهبت عوالي للشيخ منصور بعد أن تفرق الرجال وقالت له:
- هاه شايفه الصبر انتهى والغريم رفع راياته، خبر  رابح على النقال بتاع آدم يجي ليتزوج معزوزه. ونريحوهم ونتريحو احنا كمان ،ونفطنو لغيرهم
- هدي ياعوالي، مايصير رابح ومعزوزه يتزوجون الا يتزوج محراب ويعدي علي زواجه كام شهر والا راح تنكشف الألاعيب ويصير الزعل اللي قصير خايف منه ويكون رفضها لمحراب كره مو لجل الأسباب اللي ذكرناها. 
وانا ما نريد الخرايب بين الخوت وضنا خوتي يعادوني ويكرهوني

-والله ياشيخ من فرحتي ماعاد قادرة  نصبر. 
- الله يكون بعون الصغار اذا انت هيك.. صبريهم وهوني عليهم وقوليلهم هانت فات الكتير والفرح ان شاء الله قريب 

عادت معزوزه لخيمتها في اخر النهار وانضمت اليها رجوة ومسك وعنبر والتفوا اخواتها حولها بما فيهم هلال. 
رجوه:
- يابارد قوم من مجلس البنات واطلع اقعد عند الرجال ويش بخصك بينا. 
- ماحدا بارد وكالح الا انت،انا قاعد مع اخواتي انا مو معك انت
معزوزه:
- اتركيه يارجوه ليش كل ماتشوفي وجهه تقلعيه من جوارنا، اخونا هادا ومن حقه يجلس معنا.هادا هلالنا ياهبيله 
- والله اني انحبك يالحنونه. 
- وانا انحبك وااااجد ياسندي وراجلي من بعد بوي. 
- ورابح؟ 
- رابح بعدكم يانبض القلب. وكحل العيون
تبسم هلال واحتضن اخته معزوزه، ونظر لرجوه واخرج لها لسانه يجاكرها، فوقفت ولمت ملابسها ورفعت راسها وقالت:
- ياااولد.. هات العطر. 
فضحك الجميع وتجهم وجه هلال، فهذه جملة من فيلم سمعوه على كمبيوتر آدم جميعاً في ليلة سمر ، ومن يومها تقولها له دليلاً على أنه رقيق كالفتيات ومدلل بشكل كبير. 

كاد ان يقف ويتضارب معها ولكن معزوزه منعته واسكتت رجوه وحذرتها من ان تجاكره مرة أخرى، ومن بعدها كفت المجاكرة وبدأوا يتحدثون حول زواج معزوزه ورابح والكل اخذ يخطط ماذا سيرتدى وكيف سيحتفل. 

شردت رجوه ذات الثلاث عشر عاماً وهي تتخيل نفسها هى من ستتزوج، ولكن عريسها لم يكن سالم، الذي من وقت ان علمت العام الماضي بأنه رهنها، وهي لا تعرف ماذا حدث لها، فقد انهارت جميع احلامها.. احلامها التي نسجتها على غيره.. ومنذ عام مضى وبدأ كل شيئ، وتسلل شعور دافى لداخلها لا تعرف كيف، وأخذ يراودها كلما رأته.. إنه "عقاب" 
حلم جميع فتيات القبيلة وأصبح حلمها هي ايضاً معهم، فلا مجلس للفتيات إلا ويذكر إسمه ويقترن بكافة عبارات الغزل، وحتي مجالس الرجال لا يذكر فيها إسم عقاب إلا وإقترن بعبارات الثناء والمدح، وكأن القبيلة لا يوجد فيها إلا عقاب، وحتى الشيخ منصور الذي لم يثنى على احد يوماً إلا قصير أبيها، اصبح يتغني في جميع المجالس وبين القبائل بعقاب، وحتي قصير لا يذكر إبنه بالمدح مثلما يذكر عقاب، الذي أتاه فرخاً صغيراً وتربى على يديه واصبح عقاباً نقش إسمه بحروف من نار بين جميع القبائل. 
فالأسلحة كلها التي تغذى البلاد اصبح هو من يستوردها، وفتح لقصير والشيخ منصور باب رزق وخير لم يحلم به إحدهم، ومن بعد أن كانوا تحت رحمة المستوردين اصبح الجميع تحت رحمتهم. 
قبيلتهم اصبحت محمية حكومياً ولا يستطيع احد الإقتراب منها وكأنها خطاً احمر، وعلا مع هذا التميز إسم الشيخ منصور اكثر، فقبيلته اصبحت الملجأ الآمن للجميع. 

وفى مجالس فض النزاعات، رأي الشيخ منصور اولاً ثم رأي قصير ومن بعدهم رأي آدم، الذي في كثير من الاحيان يجعل الاثنين يتراجعون فى آرائهم حين يكتشفون ان رأيه هو الرأي الصائب. 
بإختصار عقاب أصبح نجم البادية، حتى ان البعض نسب القبيلة لإسمه ونحوا إسم الشيخ منصور، فأصبح السائل يقول:
-هون قبيلة عقاب؟ 
وهذا الأمر جعل شباب القبيلة كلهم له حاسدين، الا ثلاثه.. سالم ورابح وهلال. فهم يرون أن عقاب منهم وهم منه، ونجاحه نجاحهم وتفوقه فخر لهم.

اما فى القاهرة.. 
أتى الصباح والجميع مستعدون للقاء الذي سيقسم ظهر يحيي..
ذهبوا جميعاً بسيارة آدم ونزلوا أمام المحكمة واقتحموا القاعة، وكان القاضي يبت فى أمر قضيتهم، وقبل نطقه بالحكم..
القاضي:
- اليوم وبعد مرور المدة المحددة ولم يُستدل على اثر من المدعوا محمود عبد العزيز أبو عامر وزوجته عايده احمد مخيون وإبنهم آدم محمود عبد العزيز، حكمت المحكمه بأن ثلاثتهم...
- عايشين ياسيادة القاضي.. أحياء يرزقون.
هكذا قاطع محمود القاضي بصوت رج اركان قاعة المحكمة وزلزل كيان يحيي، الذي هب واقفاً واخذت الدنيا تدور به وهو يرى أخيه وزوجته وشاب يقف معهم، ثلاثتهم أحياء أمامه وسقط مغشياً عليه، أما فريال فوقفت متصنمة وهاجمتها على الفور نوبة قلبية عنيفة جعلت الهواء ينقطع من الوصول إليها، ولولا أيدي فاطمة اختها لكانت رقدت على الأرض فوق يحيي.

تقدم آدم وقدم جميع الأوراق للقاضي الذي نظر بهم وتداولهم مع المستشارين، وبعد التأكد رفعت الجلسة وأُغلقت القضية،وركب الجميع سيارة آدم وهم متوجهين لقصرهم.. ملكهم المسلوب وحقهم المنهوب.
وفور دخولهم القصر وكان آدم يتقدمهم إعترضه مدحت وهو يقول:
-هيي انت رايح فين وداخل كده ازاي هي وكاله؟
رفع آدم يده وازاحه من أمامه وواصل العبور لداخل القصر، ومن بعده رابح وسالم وهم متأهبان لدفع أي أذى عن آدم وعائلته والدفاع عنهم بأرواحهم إن لزم الأمر، وما إن انكشفت عايده ومحمود حتي صاح مدحت بفرحة:
- عمي.. مرات عمي.. انتوا عايشين؟
انهى هتافه ثم هرول ليرتمى فى احضان عمه ويضمه وهو غير مصدق لما رآه، أما عايده فكارمن كانت داخل احضانها بسرعة البرق وهي تشهق باكية وتقول:
-ماما عايده.. انا افتكرتك موتي بعد الشر انتي وعمي، انتوا كنتوا فين وليه ماما وبابا قالولنا انكم موتوا؟!
ضمتها عايده ومن بعدها اخذت مدحت في احضانها وسألت عن اخيهم فاخبرها بأنه فى جامعته، وإستغرب آدم من إستقبال الاولاد لها وإحتضانها لهم برغم كل شيئ.
ولكن العجب الحقيقي كان لمحمود و عايده حين رأو ثلاثة اولاد يقفون بعيداً، بنت وولدين، البنت فى سن كارمن أو اكبر قليلاً أما الولدين فهم اكبر من اولاد يحيي!
فسأل محمود:
- انتوا مين؟
كارمن:
- دول أولاد خالتي فاطمه اخت ماما  وعايشين معانا هنا.
نظر محمود لعايده ونظرا لآدم الذى اردف بسخريه:
- اي ماهو كان قصر امكم وقاعده تستضيف فيه  اهلها.اسمعو كلمه وحده وما نريد انكررها.  خدوا اولاد خالتكم وخالتكم وانقلعوا من هنا .ومع الف غارة مالها رجعة

نظر الجميع لآدم وفحصاه من رأسه لقدمه وتسائل الجميع تُرى من هذا الذي يلبس الذي البدوي هو ومن معه وماالذي يقوله، وماعلاقته بالقصر؟
فأتاهم الجواب من يحيي الذي دخل القصر ومعه فريال وفاطمه، وثلاثتهم سحبوا الأولاد ورائهم بخوف ونظر يحيي لمحمود وقال له:

- الولاد لأ يامحمود، إلا ولادي. 
تجمعت الدموع في عيني محمود وهو يرد عليه:
-غاليه الولاد يايحيي مش كده؟ غالي الضنا والخوف عليه بيحرق القلب.. أمال إبني انا كان رخيص ليه؟ معتبرتهوش ليه زي ولادك وحطيت نفسك مكاني؟ 
وانا يايحيي.. انا ازاي اهون عليك.. أنت ايه يااخي اللي فعروقك بيجري دا سم وغل مش دم ابداً؟ 
يحيي:
- انا معملتش حاجه يامحمود للكلام ده، ابنك مات لوحده والحادثه بتاعتك مديحه اختك هي اللي دبرتها، ومستعد احلف إني مليش يد فيها ولا اعرف عنها حاجه وانك ظالمني. 
نظر محمود إليه نظرة طويلة ولم يتحدث، فأخفض يحيي عيناه خجلاً، فأردف محمود:
- يحيي خد ولادك ومراتك واطلعوا بره بيتي. 
هي صحيح خطوه اتاخرت وقرار كان المفروض يتاخد من زمان والتأخير فيه كلفني كتير بس معلش، اديني اخدت درس وندمت ندم عمري. 
يحيي:
- همشي اروح فين يامحمود انا مليش مكان غير هنا، والولاد ميعرفوش يعيشوا غير هنا، الولاد اتعودوا عالقصر. 
أنهى كلامه لتصرخ به عايده هذه المرة:
- يتعودوا علي مكان غيره، اشمعنا انا ابني اتحرم من القصر والعيشه الهنيه واترمى فى الصحرا في البرد والحر ووسط التعابين والحشرات والوحوش.واتعود عليهم. كفايه بقي خلي كل واحد يرجع لحياته والحق يرجع لأصحابه.. خد ولادك واخرج بره قصري وخد ولاد اختك دول كمان معاك يلا. 
نظرت كارمن لزوجة عمها بعدم تصديق لما تراه منها، فكيف لها ان تطردهم من المكان الذى تربوا فيه، ومن أين اتت بكل هذه القسوة؟ 
فأشاحت عايده بوجهها بعيداً، فهي الآن تسترد حق إبنها المسلوب، ولا يوجد فى هذه اللحظه من هو أحق بالشفقة منه.
صمت يحيي وهنا تحدثت فريال وقالت بحزم:
- لا مش هنمشي ولا هنخرج، والقصر دا مش بتاعك ولا ليكي حق فيه، القصر دا بتاعنا إحنا وإحنا اصحابه، ولو ليكي كلام تاني المحاكم قدامك واثبتي. 

انهت كلماتها ونظرت للجميع بتحدي، وكأنها تخبرهم بأن حرباً جديدة قد بدأت، ولم تكن تعلم أن المحارب هذه المرة عظيم. 

يتتبع
عقاب ابن الباديه الفصل السادس والعشرون

نظر آدم لفريال وبدون مقدمات اختصر المسافة بينهم في خطوة، وهم أن يقبض على رقبتها ويعتصر أحبالها الصوتية التي تحدثت مع أمه وابيه بهذه النبرة، ولكن رجولته وماتربى عليه منعاه من ان يمد يده على إمرأة، فبحركة واحدة قبض على رقبة عمه بيد وعلى رقبة مدحت إبن عمه القريب منه باليد الأخرى، وكانت قبضته كالفولاذ الذى إنصب على رقابهم، ووجه نظراته وحديثه لفريال زوجة عمه قائلاً:
-الباين هادي عادتك مو اول مره تتكلمي مع امي بهالنبرة، بس هادي آخر مره نسمحلك تتعدي حدودك وتتكلمي بيها معاها،كلامي للكل مو انتي بس ،أي حدا يتكلم مع ام عقاب  بطريقه ماتليق ويقل من قدرها،والله نقطع لسانه ونوكله له وتو غير مرحب بيكم في،هيا كيف الخلق المحترمين لملمو عيالكم وكرامتكم،لو كان تعرفو ايش يعني كرامة وتغادرو القصر، وماتاخذو ولا شي معاكم الا الملابس اللي عليكم، خلوها تصير  باليسر بدال ماتصير بالعسر .
انهى آخر كلماته وكان عمه وإبن عمه يختنقان من قبضته وتحول لون وجهيهم للأحمر وهم يحاولان التملص من قبضته الفولاذية ولا يستطيعان، فتقدم نحوه ابيه وأمسك ذراعه القابض على رقبة عمه ونظر اليه وهمس:
-مش عايز ابني يكون مجرم ياآدم، سيبهم يابني متضيعش نفسك. 
فأرخى آدم قبضتيه على الفور، ونظر لعمه وأكمل أوامره:
- لو  ماتريدوني انصير مجرم وانسوي أول جريمة لي توا غادروا حالا. 
نظر يحيي الذي كان يفرك في رقبته متأملاً إلى زوجته يرجوا منها حلاً، واردفت هي بنفس الإصرار:
- مش هنمشي وهنبلغ البوليس يجي يثبت حاله واللي معاه الأوراق اللي تثبت ملكيته للقصر يطلعها. 
ولأن أوراق القصر كلها عرفية ولم تُسجل أدركت عايده أن فريال استولت عليهم، وتتحدث بكل هذا الثبات وهذه القوة من هذا المنطلق، فنظرت لآدم وقالت له:
-استنى ياآدم عشان الظاهر إن فريال عملت حاجات كتيره أوي في ال٣ سنين اللي فاتوا دول.
آدم:
- كل شي انعمل راح تتحاسب عليه، هي دارت طريق ومشت فيه وانا هنحاسبها على كل خطوه خطتها في هالطريق اللي اخره جحيم يسعرها.. انا هنا  تو،وهنخلي كل  واحد في مكانه اللي يحقله . 
ردت عليه فريال بقوة لا تتناسب مع الموقف نهائياً:
-اعمل اللي تعمله، القصر دا قصري وقصر ولادي ومش هنمشي منه، واللى تقدر تاخده ياآدم خده، الساحه قدامك ووريني شطارتك، مبقاش الا انت يابن إمبارح. 
ودلوقتي.. كارمن.. مدحت على أوضكم.. وانتي يافاطمه خدى أولادك ويلا على أوضكم، وأظن انتي كمان حان الوقت إنك تشوفيلك سكن بعيد عن قصري. 
اردفت فاطمه وهي غير مصدقة لما تسمعه من أختها:
-سكن بعيد عن قصرك؟ هي بقت كده يافريال؟ 
- ايوه بقت كده يافاطمه، واديكي شايفه إنها حرب وبدأت ومش هينفع تكون فيها اطراف كتيره. 

نظرت اليها فاطمه نظرة اخيرة قبل أن تأخذ اولادها وتذهب بهم تجاه غرفة مديحه، والتى اصبحت غرفة فاطمه، فزمجر آدم معترضاً:
-مافي حد هيبقى في القصر وقلتها كلمة انقلعو بالذوق. 
ليتحرك بعدها ويبدأ فى جذب مدحت من ذراعه للخارج ومعه عمه، ولحقتهم فريال وهي تجذب يحيي بإعتراض، وحينما لم تستطع منع آدم من سحبه هرولت على الهاتف وقامت بإبلاغ النجدة عن محاولة تهجم على بيتها من أخيه وإبنه، وإنتظرت قدوم المساعدة إليهم. 
وبعد القليل من الشد والجذب، ومحاولات كثيرة من يحيي لإستعطاف محمود وصلت عربة الشرطة، وقامت بأخذ الجميع، آدم وأبيه ورابح وسالم ويحيي ومدحت إبنه لقسم الشرطة. 
وهناك تم تحرير محضر بالواقعة، وكاد الامر ينتهي لصالح يحيي لولا أن عرف آدم عن نفسه وأظهر للضابط بطاقة بلون أسود لا تعطى الا لأشخاص يعدون على الاصابع فى البلد، وتعنى انهم محصنون من قوات عليا، فإنقلب الوضع رأساً على عقب على الفور، وتفاجأ الجميع بمعاملة الضابط لآدم بمنتهى الإحترام والتقدير، وهذه كانت الضربة الاولى ليحيي وإبنه، فقد علما جيداً لأى مكانة قد وصل آدم، واخذ السؤال يتخبط في عقولهم.. كيف ولماذا؟ 
وانتهى الأمر لأن المحضر يفض على الفور ويغلق، ولكن آدم قدم محضراً آخر مفاده أن عمه إستولى على قصره بالقوة ووضع اليد. 

وانتهى الأمر على يبقي الحال علي ماهو عليه ويتقاسم الجميع القصر لحين عرض المحضر على النيابة، وعاد الجميع للقصر. 

آدم:
- والله برفه من اصبعي الخنصر نقدر انوديك انت واولادك ورا الشمس واظن انك ريت العينه، ها تمشي ولا تجرب ويش نقدر أنسوي؟ 
وهنا كان يجب علي يحيى إستخدام ذكائه فهو بالفعل رأى مايمكن لآدم فعله، فأردف على الفور:
- هنمشي ياآدم بس ادينا فرصه يابن اخويا نرتب أمورنا، ادينا فرصه يامحمود نشوفلنا مكان وهنمشي. 
نظر محمود لآدم بعد ان نظر لكارمن ومدحت ووجدهم مطأطؤ الرأس بحزن وخزي فقال:
- خلاص ياآدم اديهم فرصه يدبروا نفسهم، حتي كرمال صلة الدم اللي عمرهم معملولها حساب. 

آدم:
- يبقى كام يوم بس، وجيب مفاتيح الشركه وماعاد تخطيها.بقدامك الوسخة
فأخرج يحيي من جيبه المفاتيح وأعطاهم له وقال:
- تمام المفاتيح اهي. 
أخذهم آدم منه ونظر حوله وقال لأمه:
- وين غرفتك يالغاليه؟ 
عايده:
- كانت فوق من ٣ سنين معرفش دلوقتي لها وجود ولا فريال إحتلتها. 

يحيي:
- لأ موجوده زي ماهي محدش احتلها، مفيش بس غير اوضة مديحه اخدتها فاطمه. 
تذكر هنا محمود أن أخته مديحه غائبة منذ وصولهم ولم تظهر، فسأل بغرابة:
-إلا صحيح فين مديحه مش ظاهرة؟ هي اتجوزت وسابت القصر ولا ايه؟ 
فريال:
-مديحه ماتت. 
ضحك محمود وبعدها اردف ساخراً:
- طبعاً والسبب مجهول والأعراض سكته قلبيه والوفاة طبيعية، نفس الطريقه بنفس التكتيك، بنفس السم. 

لم يتفوه احد منهم بحرف، وانفض الجميع لغرفهم، ونظر محمود إلى غرفة اخته مديحه التي برغم كل شيئ فعلته معه إلا إنه شعر بالحزن عليها، ولم يستغرب موتها أو الطريقة، فالأفاعى إن لم تجد ما تأكله تأكل ذيولها ولن تقف منظومتهم على صلة قرابه. 

صعدت عايده ومحمود لغرفتهم، وبدأت في تفقد اشيائها، وتاكدت من وجود كل شيئ إلا العقود والأوراق الخاصة بالأملاك كما توقعت. 

أما آدم فجلس في الحديقة مع رابح وسالم واخذ يتفقد المكان من حوله، نعم هو يتذكره، ولكن المواقف التى عاشها هنا بهتت وأوشكت على أن تتلاشى، والباقي منها لا يكون ذكرى كاملة، فكل ذكرياته الآن هناك، في الصحراء وسط الصخور والرمال. 

أما في القبيلة:
منصور:
- انا خايف على عقاب  والشباب واجد ياقصير، صوتهم بالنقال ماطمني، الوليد نبرته مقهوره. وعما ثعلب خبيث مايأتمن.
- لا تخاف ياشيخ، اولادنا رجال لا خوف عليهم، من ايش خايف عليهم، العمر في يد الله  إذا ماانتهى وسقطت ورقته من الشجرة ماراح يضرهم شي.. وبعدين عقاب يخوف ماينخاف عليه. وعمه صحيح تعلب لكن جاله السبع اللي هياكل مصارينه وكل
- دقلي عليهم وطمني ويش الاوضاع تو عندهم. 
- لسا من شوي داقين علي وقالولي كل شي زين والامور طيبه، وطلب مني انقول لعمتي عوالي انو وده حرمه تروح القصر تساعد امو وتدير بالها عليهم بغيابه وتراقب وكلهم وشربهم لحين يغادر عمه القصر. 
- قول للشيخه تشيعلهم مايزه، ماراح يسد غيرها، مايزه نويصحه وتعرف أمور الحناش وتعرف تتعامل معاهم. 

- هنعدي عليها ونعرفها حتى توي حالها وارد.. اي صحيح ياشيخ وانا بالوادي دقلي ولدك قياتي وقالي انه ماراح يقدر يجي هالعام كمان، عنده شغل واااجد والاولاد مدارسهم بيها نشاطات بالصيفيه. 
- اي ياقصير، بدأ الغياب يصير بالسنين من بعد الشهور، وشوي شوي بينقطع، بس لو دقلك مره تانيه قوله بوك يقولك الله معاك ودير بالك ع الصغار وسلملي على خيتك وصغارها.. الله يساعده يارب. 

غادر قصير الخيمة متوجهاً لخيمة عمته عوالي ليخبرها بطلب آدم وترك الشيخ منصور غارق فى أفكاره وحساباته، فقد حان وقت تسليم راية المشيخة لغيره، وبدأ حنينه لاحفاده يتعب قلبه، نعم جميع أولاد القبيلة أحفادة، ولكن أولاد قياتي واخته عريفة هم الأصل، هم الأقرب والأحب. 

قصير:
- هاه ويش قولك ياعمتي هتبعتي منْ من الصبايا لعقاب عشان هناخدها  وانتوكل انوصلها وانرد بيه، عندنا شغل ماينفع  يتم من دونه؟ 
عوالي:
- والله احترت ومانعرف ياقصير، مايزه ما نستغني عنها، وبذات الوقت ما نأمن حدا غيرها على ام آدم وبوه، ويش هالحيره ياربي؟ 
- اندزلهم مكاسب؟ 
- لا ما تنفع.. خلص ودى اندزلهم مايزه وانا اندبر حالي بهاليومين والله كريم. 
وتقرر ذهاب مايزه للقصر، ولكن بعد أن تلقت جميع التوجيهات من الشيخه عوالي وأعطتها بعض الأشياء اللازمة. وبعض الاعشاب البدويه التي يعرفون بها هل الماكل او المشرب به سم ام لا 

أما في خيمة مكاسب.. 
رجوه:
- امتي راجعين عالديرة الشباب والله مايصير يطولو  ويغيبو  كل هالوقت، طيب ليش مااخدوني معاهم؟ والله ودي انعديلهم بروحي
معزوزه:صدق اللي قال عليك فانص 
- اعقلي وصكري فمك ولا تخلي بوكي يختلي بيك ويكسر اعضامك وانت لحالك لا فيه سالم يحوش ولا يدافع. 
- اااخ الشوق صعيب يامعزوزه وانت مجربته اكيد. 
تنهدت الاخرى واردفت:
- الا مجربته ياخيتي، لكن مين اللي  يحرقه الشوق إذا ماكون انا.. الله يردك يارابح يانبض القلب ونضر العين، ويردك ياسالم لرهينتك ومرتك وام وليداتك. 
قالت كلماتها لتذكر اختها بإن سالم هو من يجب عليها الإشتياق له لا لغيره، فهي تعرف حق المعرفة أن سالم لم يعد يعني لرجوه اي شيئ، والشوق والتفكير كله لعقاب، وهذا ماسيدمرها ويدمر سالم معها، وبالتاكيد سيدمر العلاقة الجميلة التي تربطهم إذ لم تتراجع شقيقتها في الوقت المناسب. 
ولهذا ستظل تحاول لعلها تستطيع إعادة عقل رجوه إلى رشده.

غادر قصير بمايزه متوجهاً إلي قصر آدم، وهناك اخبره بأن هناك أمراً طارئاً ولا يحتمل تأجيل ولا بديل لوجوده هو بنفسه، فالأمر يتعلق بالأسلحة، وهذا هو إختصاص آدم، فترك آدم أبواه على مضض وهو خائف عليهم، بل قلبه يرتعد خوفاً، ففكرة أن يخسرهم بعد أن إجتمعا أخيراً لا يستطيع حتى مجرد التفكير فيها، ولكن قصير طمأنه بأن عمه ليس بهذا الغباء الذي يجعله يأذي اخاه وهو يعلم أن خلفه الآن إبناً قادراً على الانتقام بأبشع الطرق، وأيضاً وجود سالم ومايزه معاهم ساهم في طمأنته عليهم أكثر.. أما رابح ففر معهم فور أن سمع من قصير خبر خطبة محراب، لم يصدق في البداية واخذ قلبه يتخبط فى صدره وعقله يخبره بأنها قد تكون مزحة، ولكن ملامح عمه قصير الغاضبة اكدت له الخبر، فتمنى لو أن معزوزة أمامه الآن لأختطفها وهرب بها من بعد أن زالت القيود وتلاشت الاسباب التي تحول بينهم، وقرر الا يضيع المزيد من الوقت ويطلب من الشيخ والشيخة الرحمة وتعجيل زواجهم. 

وطوال الطريق كان قصير يشتشيط من رابح غضباً، فقد كان بين الفينة والفينة ينظر اليه ويمسكه من تلابيبه ويسأله بعدم تصديق:
- قول والله ياعمي محراب الكلب خطب.. احلف بربك الغمه انزاحت، وغلاة هلال ياعمي تحكي الصدق إنت ولا تمزح معي؟ 
ظل يكررها وقصير يجيبه بأن هذا هو الصدق إلى أن فاض به فصرخ به:
- الله يخبلك اكتر ماانت مخبول يارابح وجيت راسي، ويش فيك كل هادا الجنان لان محراب خطب.. انا طول عمري نسمع عن الفرحه اللي تطير العقل بس اول مره انشوفها بعيني... ياهبل العشق يقل قيمة الراجل ويضيع هيبته ويخلي الحرمة تستصغره ،وتو ياريت تعقل وتحط عقلك براسك ولا نحلف لا فيه زواج  ولا يحزنون
- لا بالله عليك ياعمي  انا بعرضك وطولك لا تحلف ولا تحكي شي، سكتنا سكتنا، وعقلنا

ثم صمت قليلاً ووجه كلامه لآدم:
- ياعقاب انا سمعت صح ان محراب خطب ولا عقلي خرف، طيب عمي قصير يحكي الصدق ولا يمزح معي؟ 

إنفجر آدم ضاحكاً وضرب قصير كفاً بكف وهو ينظر لرابح ويردف:
- والله انهبل الوليد.. الحمد لله ياربي ماحبينا ولا انهبلنا والا كنا صرنا مضحكة القبايل. 

وصلوا جميعاً وترجل رابح من السيارة أولهم وأخذ يجري نحوا خيمة معزوزه ووجدها تخرج من الخيمة فوقف أمامها يلتقط انفاسه بصعوبة وهو ينظر اليها وكأنه يقف على مشارف بلدته التي تحررت اخيراً بعد سنوات من الإحتلال، وأصبح يحق له سكنتها واللجوء اليها.
معزوزه:
-دريت يانضر عيني؟ 
- لكن ايش اللي جابني أنسابق  الريح لنشوفك وانشاركك الفرحه يانبض قلبي.
- فرحان؟ 
- والله الكلمه انحسها قليله  وماتوصف الفرحه اللي بقلبي ياحبيبة قلبي. 
وهنا سمعا صوت هلال آت من خلف معزوزه:
- والله لاقول لبوي انك تتغزل فأختي. 
أمسكته رجوه من الخلف كاللص المقبوض عليه وأخذت تهمس له وهي تهزه:
- قول لابوك حرف وانا بعرف ويش اسوي فيك ياهلال أمك. 
هلال:
-اتركيني يابلوه والا بخبر ابوي عنك واقوله كل شوي تمسكني وتضربني. 
- اي قول ويش ماسكك انا مانخاف من حدا، ومادامك كل شي تسمعه تروح تحكيه لبوك راح انسميك خباص القبيله، مو عندنا الفهد والنمر والاسد والعقاب، ويصير الخباص بعد..والله والله لنفضحك بين القبايل ياشيخ خباص. 
- بقطع راسك وارميها للذياب 
- تعال لنشوف مين بيقطع راس التاني قبل. 
انهت كلماتها وقامت بسحبه للخيمة وبدأ القتال بينهم وأخذت مكاسب تصرخ علي رجوه وهي تحاول إبعادها عن هلالها، ورجوة متمسكة بكل قوتها، واما رابح فأستغل المعركة وأنشغال الجميع وأخذ معزوزة وإبتعدا عن الخيمة وجلسا بعيداً عن منطقة الخيام وجلسا يخططان لعرسهم ولحياتهم القادمة، وحتى بدأوا في إختيار أسماء الأولاد ، وكل هذا على مرأى من محراب الذي تأججت النيران فيه اكثر وأكثر وهو يرى فرحة رابح التى لاتخفى على الأعمى. 

عند الشيخ منصور في خيمته.. 
قصير:
-ويش قلت ياشيخ منصور نعطي للرجل بضاعه ولا مانعطي؟ 
منصور:
- اسمعني ياقصير وإنت ياعقاب.. انا بالفترة الجايه مسافر لعند ولدي قياتي، راح نقضي مع صغارة شهر وبعدها راح نطلع على الحج.. القبيلة وأمورها والأسلحه وكل شي متعلق بيها صارت بيدك انت وآدم ياقصير.. الحين ياآدم لقروش اللي بحسابي اللي درته لي تحولهن لقياتي ولدي على حسابا بالبنك، والقروش  اللي هانا هي اللي راح انحج منها ونصرف منها طول قعدتي بليبيا.. حلالي وجمالي والخيول كلها برعايتك ياقصير وإذا مارديت يصيرن صدقه جاريه تصرف منها على فقرا القبيلة وتتصدق منهم على روحي، وعوالي راح انضيفلها كام شاة على حلالها من خوها، وملابسي وخيمتي وكل شي فيها ملكك ياقصير من بعدي، وهاد الشي راح انقوله لكل اهل القبيله. 
رد عليه قصير سريعاً:
-ويش كل هادا ياشيخي، وليش تحكي هكي متل ماتكون مودع؟ الله يعطيك العمر الطويل والصحه ومايغيبك عنا، القبيله والدنيا كلها بلاك ماتسوا ياشيخنا وتاج راسنا. 

- مهما طالت اللمه لابد من لفراق ياوليدي، خلينا بس نرتب أمورنا وبعدها اللي كاتبه الله بيصير..والحين عدي إجمعلى عمامك واكبار القبيلة انريد نحكيلهم هالقرارات. 

أومأ قصير له برأسه وخرج ينفذ أوامر شيخه. 
أما آدم فإقترب حتى وقف أمام الشيخ منصور ونظر له وهو يشعر بقبضة فى قلبه وخوف تسلل إليه وهو يتخيل القبيلة بدون الشيخ منصور وأردف له:
- ياشيخي وبوي وخلي وخليلي.. تعرف اني مافيا انتخيل الدنيا من دونك.. تعرف انك قوتي وسندي ودعمي.. تعرف انك الجناحات اللي يطير بيهم العقاب ويحلق بالسما؟ 
بالله عليك ماتتركني ولا حتى بالموت. 
تبسم منصور ومد يده المتجعدة لآدم وهمس له:
- اقترب مني ياوليدي واجلس جواري
اقترب منه آدم وجلس بجواره فحاوط منصور كتفيه بذراعه وقال له بحنو بالغ:
- تعرف انك اكتر حدا حبيتا متل عيالي.. مفتاح رحمة الله عليه وقياتي ربي يحفظه ، تعرف إن الضنا ماحد يوصل لغلاه بس انت وصلت لغلاهم.. وسبحان من يوزع الغلا بالقلوب..عمري ماافتخرت بحدا متل فخري بيك، وعمر ماحدا ضافلي متل ماانت ضفتلي وضفت لقبيلتي واهلها.. طول عمر الشيخ منصور هو اللي يضيف ويعلي، بس أنت ياعقاب طرت فوق الكللل..منيتك على راسي وعلى قدر التعب اللي تعبناه عليك ومداراتنا ليك عطيتنا وزدت واااجد.. وتو اسمعني زين ياوليدي..انت داخل حرب كبيييره، ودي كل تعاليمنا تكون حاضره بين عيونك، ماتخلي الشر اللي يباغتك يشل فكرك.. راوغ ولائم واتعشى بعدوك قبل لا يتغدا بيك.. اموالك كلها اصبحت بيد عمك. هاد الشي نعرفه من زمان بس مارضيت نقهرك وانزيد همك.. كل قرش مع عمك هو ملكك رجع املاكك وأقطع روس الأفاعي.. بس بعد ماتعلمهم درس ماينسوه. اذا حيين ويسوقهم بقهرهم علي قبورهم اذا أموات. 
إذا دارت ليام ومااتكتب لينا اللقا كون بخير لاجلي ولاتنسى علومي، وتذكرني بدعوة زينه وفاتحه ترطب القلب من حمو الذنوب.. وما تهجر القبيله ياوليدي، لا تهجر سماك ياعقاب. 
انت تميت ركن من اركان وطاتنا ولك خوت واهل هنا ماتنساهم
تأكد آدم أن الشيخ منصور يودعه بالفعل، فتجمعت دمعة على اهدابه ورد على منصور قائلاً:
- ماتخاف ياشيخ، العقاب انولد بسما القبيلة وماراح يعرف يطير بعيد عنها.. أما أنت ياأحن وأطيب القلوب لا تخاف، والله تنتسى الروح ولا انت تنتسى، الله يردك لينا بألف خير وسلامه ياشيخ القلوب. 
- المكتوب راح يتم ياوليدي، بس أمانه اذا نمت وغابت النون الدعاء وصية بينا...



تعليقات