
رواية عقاب ابن الباديه
الفصل السابع والعشرون 27 والثامن والعشرون 28
بقلم ريناد يوسف
مر يومان.. الشيخ منصور يتحضر للسفر وآدم وقصير يتابعان صفقة السلاح الجديدة، والتى وضع فيها قصير كل مايملك من نقود وكل مايحتكم عليه فى صفقة إفترض أنها صفقة العمر، ولكن لسوء حظه حدثت بعض العراقيل أجلت وصول الصفقة ولا يعلم الإثنان ما السبب، يراسل آدم الشركة كل ساعة تقريباً، وترد عليه الشركة نفس الرد بأنها أخلت مسؤليتها عن الصفقة منذ خروجها من المصانع.
وفي النهاية تبين أن الشحنة متوقفة من قِبل سماسرة الطرق ولن يتم الإفراج عنها سوى بمبلغ كبير من المال، ووقع قصير في حيرة من أين يأتي بهذا المبلغ وقد دفع كل مايملك، وخشى طلب المساعدة من عمه منصور كي لا يعتقد بأنه غير كفؤ لإدارة أموره، فطلب من آدم التصرف، فإقترح عليه آدم أن يأخذ من العملاء ثمن الأسلحة مقدماً ويدفع كي يُفرج عن الشحنة، وهذه مخاطرة أخرى لا يؤتمن عُقباها، ومجازفة كبيرة.. ولكنه لم يجد بُداً من المجازفة، وقرر العمل بفكرة آدم، وتم تحويل الأموال وإنتظر إلاثنات النتيجة التي قد تكون خسارة للشحنة والفدية معاً.
أما فى تجمع نساء البادية كانت تتم التجهيزات لعرس محراب، والجميع يساهم ويقترح وتقسمت المهام، ولازالت الشيخة عوالي تُملى علي النساء مايفعلن، فإستغلت معزوزه الإنشغال التام وأنسلت من بينهم وتوارت خلف الخيام بمجرد أن رأت إشارة رابح لها، ولحقها هو من طريق أخرى، والتقيا بعيداً عن العيون.. جلس وأجلسها بجواره وإستهل حديثه بتنهيدة وصفت مدى شوقه وعذابه وهمس لها:
-امرايف عليك ارياف ذاد عن حده لو قلت قد السما والارض مداهن مايوصل لقده ،هلكني الإنتظار يامعزوزة القلب وماعاد فيه ينتظر أكتر.. والله الساعة تمر كيف الدهر ناهيكِ عن اليوم.. والليل ماأطوله من دون ونيس.
معزوزه:
- هانت ياقليبي، هانت ياعزيز الروح، تقوى واستعين بربك على الصبر.
- انا هنبدأ تجهيز خيمتنا من توا، هنجهزها بأحسن التجهيزات وانجيب فيها اللي ماجابته الشيوخ بخيامها، هنجيبلك فراش متل اللي بقصر آدم، مرتبه هاللي ينرقد عليها و يغوص بقلبها والغطا حراير من الغالي ماتليق الا للغالي، والوسايد من ريش النعام حتى لا تتعب راسك، مع إن دراعي راح يكون وسادتك وصدري محط راسك.
- وانا مانريد غير ذراعك اوسادي وصدرك ودفو انفاسك فراشي ومانريد حراير ولا ريش نعام ولا اي شي، ما نريد ولا انتمنى غير قربك انت وبس حتى لو نرقد عالرمال وانتغطى بالخيش، او انقعد حتى منغير غطا صدقني مايفرق عندي
المهم انكون معاك
-. كافي يامعزوزه ولا تزيدي لهيب القلب وشوقه بكلامك المعسول، والله ماناقصه إشتياق والله.
- سلامة قلبك من اللهيب والشوق يانضر عيني ونورها.. والحين يلا نعاودو قبل ما عمتي عوالي تلاحظ غيابي وتدور عليك بين الرجال وتلاحظ غيابك ووقتها تصلبنا كل واحد على نخله.
خليكي شوي ماودي افارقك، اللي مايرحم العاشقين الله لا يرحمه.
- بس هي تريد شوية صبر وماراح يكون فيه فراق.
انهت حديثها وسمعت صوت رجوه من بعيد يصدح:
- حيه عليكم يا زرازير الحب كافي، الشيخه راح تيجي تعلقكم من لسانكم اللي تتحبحبو وتتمعشقو بيه ويشم خبركم اللي مابعينه نظركم وتفرج عليكم القبيله كلها.. ياعيني عليا ، رجوه التفتت يمين ولا يسار مايصدقو الفانص والفانص وانتي ماحدا يفتح فمه عليكي.
رابح:
- ومن يقدر، والله اللي يحكي مع معزوزتي حرف لابلعه لسانه..يلا هيا ارجعن عالخيام وأنا هنعدي لعقاب وهلال بالوادي.
رجوه:
- هنعدي معاك
-رجوة ماتختبري صبر صرتي طولي تو ماينفع تلحقينا ،انتي تبقى مع الصبايا اعمليلك شي من شغل العرس، صيري بنيه مره من نفسك.
انهي حديثه وتحرك مبتعداً، فذهبت رجوه نحوا مكان الخيول وأطلقت سراح احدهم وامتطته وسابقت الريح متخطية رابح دافنة كلامه تحت رمال الصحراء، وذهبت حيث عقاب الذى تحسدها الفتيات جميعاً على بقائها بجواره طوال الوقت وتحادثه ويحادثها، وهن اللاتي يختلسن النظرة إليه إختلاس.
وصلت حيث كان يقف هو وهلال يتنافسان على صيد غزالة بالسهام، كل منهم يقف فى مكان بعيد عن الآخر ويوجه سهمه عليها، فنزلت من فوق الحصان وأمسكت بقوس كان مُلقى بجوار أشيائهم وقامت بالتصويب نحوا الغزالة وسددت قبل منهم، فأصابت الغزالة واردتها على الفور، فإلتفت الإثنان نحوها، ولما رأوها أرخوا سهامهم واردف هلال بحنق:
- جات البومه وقنصت الصيدة.
آدم وهو يقترب منها:
- عاشت ايدج أحسنتي التصويب كالعادة.
- رباية يدك وتعاليمك ياعقاب، إذا ذراعى سددت وصابت الرمية الفضل يرجعلك
آدم:
-بس تعاليمي وربايتي؟ ووين رباية يد و تعاليم سالم يارجوه، وين اللي كان يشد الذراع ويعلم الصوابع من وهما صغار مايعرفوا يمسكوا شي؟
-أغمضت عينيها واشاحت بوجهها بعيداً ككل مرة يذكرها آدم بسالم، وهو يتعمد تذكيرها به مراراً وتكراراً حتى يقضى على نظرات الإعجاب الغريبة التي يراها تنظر له بها مؤخراً كلما إلتقت عيناه بخاصتها..نعم هو معتاد علي مثل هذه النظرات من كل فتيات القبيلة، لكن من رجوة لا يمكن ولا يجوز وغير مقبولة بالمرة.
وصل رابح اخيراً ونظر لتلك العنيدة وأردف بحنق:
-والله انا لو من سالم لنكسر راسك الف شقفة وشقفة ياام راس كلب إنت ياللي ماينحكم عليكي يافانص علي قول عمتي عوالي، لا وتزعل بعد من الكلمة، والله الكلمة ماانخلقت إلا لك ياسايبة.
تجاهلت رجوة كلامه وعادت للقنص والصيد، وكانت تنافسهم وتحاول البقاء فى الصدارة، ولكن العقاب كالعادة لا يتصدره احد مهما حاول.
وعلى آخر اليوم عادوا جميعاً بالصيد، وكانت عوالي فى إنتظار رجوه وتلقتها بكل أنواع الشتائم والمسبات، وعلى رأسهم لقبها المعروفة به لدى الجميع "فانص القبيلة"
وكالعادة رجوه لم تأخذ ايا من كلام الشيخة عوالي علي محمل الجد ولم تضع اياً من تحذيراتها المستمرة لها من ركوب الخيل فى حسبانها، ووقفت تستمع لها وهي صامتة مبتسمة حتى ملت عوالي من الحديث ومالت بجذعها على الأرض تأخذ حجراً لتضربها به عل الإحساس يعود لها، وما أن رأت رجوه ذلك حتى اطلقت قدماها للريح هرباً من امامها، وذهبت لخيمتهم تحتمى بمعزوزة من غارة عوالي، التي برغم محبتها لها إلا أنها لا تتهاون معها وقت إستحقاقها للتوبيخ.
معزوزه:
-ماراح تسمعي كلام حدا و تجيبينها البر يابت أمي الله لايوفقك .
- لا ماليها بر يامعزوزه، وماراح نسمع الا كلام مخي وبس، ويش يقولي سوي بسوي وماارد على حد. ولا يحكم عليا حد
-إلا مايجي اليوم اللي يتكسر فيه هادا المخ وينعجن ويتكون من أول وجديد، ووقتها راح يتغير كل شي، وأنا وأنت والزمان بيثبتلك صدق كلامي يارجوه.
-ماعليكي بيا اشقي بروحك وبرابحك وتو اتركيني انام شوي انتي والزمان ولا تفيقيني تعبت واااجد اليوم.
أما فى القصر
كانت عايده تجلس مع محمود في الحديقة، يتأملان الى أين وصل الحال بأشجارهم المهملة وأزهارهم الميتة التي لم يبقى من اشجارها غير جذور فى الأرض، وأغصان يابسة.، سمعا صوت فريال تصرخ، فقاما بفزع يتحرون ماذا هناك.
قبل هذا بقليل في مطبخ القصر، كانت مايزه تعد الطعام البدوي الذي طلبه منها محمود، وأثناء إلتهائها دلفت فريال للمطبخ وقامت بوضع السم فى الطعام سريعاً، وأخذت تتجول في المطبخ تتفحص الأواني وكأنها ستعد الطعام لأولادها، وفور أن تحركت مايزه نحوا طنجرة الطعام لتقلبه حتى قربت رأسها من الطنجرة ونظرت للطعام بتفحص، وأخذت ترفع فى قطع اللحم وتنظر اليها عن كثب، وبعدها اعادتهم في الطنجرة ونظرت لفريال بغضب، وبسرعة لا تتناسب مع عمرها إقتربت منها وقامت بالقبض على حنجرتها وبأسنان مصكوكة حدثتها:
- اخ منك ياحية بخيتك سمك بالطعام ياافعى؟ ماراح تبطلي هي العادة، مفكره روحك قباض الارواح.. تو راح انوكلك من سمك وانشربك من كاسك، كم روح تريدي تقبري ياكلبه، كم حياة بدك تنهيها وليش؟
افتحي فمك ياخبيثه افتحيي.
وهنا صرخت فريال بأعلى طبقة صوت لديها وهي ترى مايزه تسحبها نحو طنجرة الطعام وتخرج منها قطعة لحم وتقربها من فمها وعيونها تقدح إصرار على إطعامها.
دلف يحيي إلى المطبخ على صوت زوجته ووجدها بين ايدي مايزه تحاول إطعامها، فإقترب وحاول أن يخلصها من يديها وهو لا يفهم لماذا تفعل بها هذا!
وما أن حاول حتى تركتها مايزه وأمسكته هو وأمسكت مغرفة طعام قريبة عليها وبدأت في ضربه بها دون توقف حتى هرب خارج المطبخ وتحولت بعده على فريال فأمسكتها من شعرها وبدأت فى شده بعنف حتى بدأت خصلاته تتقطع في يديها، ومع كل خصلة يعلوا صراخ فريال اكثر حتى تجمع كل من فى القصر على صوتها، ودلف سالم يخلصها من ايدي مايزه وهو يسألها:
-ويش فيه ياعمة اتركي الحرمه راح تموت بيدك ايش عملتلك عشان تبهدليها وتشنحريها هيك؟
مايزه:
- خلتني غافلة وبخت من ريقها بالوكل وسمماته، ودها تموت ٤ ارواح وانت واحد منهم، وانا حبيت بالذوق اندوقها من سمها مارضت.. ماتعرف إن طباخ السم لازم يذوقه؟
نظر سالم إلى محمود وعايده اللذان إنسحبا من المطبخ بهدوء دون التفوه بكلمة، فقط نظرة من محمود نحو يحيي الذى لم يهتم له ولا لنظراته المشمئزة وكان همه الأكبر إنقاذ زوجته من يدي مايزه التي كانت تضرب فيها ضرباً سيفضي إلى الموت إن لم يتم إنقاذها.
أما كارمن ومدحت فذهبا خلف عمهم وزوجته، وجلست كارمن أمام زوجة عمها وأمسكت يديها وقالت لها بأسف:
- معلش حقك عليا أنا، حقكم عليا إنتوا الاتنين، أنا مش عارفه هما بيعملوا كده ليه، احنا بنحبكم والله انا ومدحت، وإمبارح قلنا لبابا وماما اننا عايزين نمشي من القصر ونسيبهولكم بس هما اللي مرضيوش وقالوا إن دا قصرهم ومش هيسيبوه.
سحبت عايده يديها من يدي كارمن وردت عليها وهي تنظر للفراغ أمامها:
- بس احنا عارفين هما بيعملوا كده ليه ياكارمن، بيعملوا كده عشان هما في الأساس آسفه مش بني آدمين وأُنتزعت من قلوبهم الرحمة ومعادش فيهم اي صفه من صفات البشر، ولا الحيوانات صدقيني، لأن حتى الحيوانات مبتعملش فبعضها كده.. امك وابوكي شياطين ياكارمن، شياطين على هيئة بنى آدمين، لعنه وانا وعيلتي اتصابنا بيها.
اخفضت كارمن عيناها للأرض وهي تشعر بالخزي الشديد، فلا ابويها هم الأبوان الذان كانت تتمتنى، ولا عمها وزوجته يستحقان مايحدث لهم.. وحتى مدحت لم يكن راضٍ عن تصرفات اباه وأمه..ولكنهم لا يملكون إلا الإعتراض، وإعتراضهم لا قيمة له.
اما ياسين فكان مع أمه وأبيه وخالته قلباً وقالباً، فهو الوحيد الذى تحققت فيه مقولة إن العرق دساس.
تركت مايزه فريال أخيرا بعد أن تطوع ياسين لإنقاذها، وسحبها من يدي مايزه بصعوبة وفر بها لبهو القصر هارباً.. وجلست مايزه على الأرض تلتقط انفاسها وهى تسب فريال بأبشع الشتائم.. وفي هذه اللحظات عادت فاطمه من الخارج ووقفت تتفحص فريال، ومن حالتها استنتجت إن أمرها قد كُشف وقبضوا عليها بالجرم المشهود.
وأكدت لها فريال شكوكها حين نظرت اليها نظرة ذات مغذى تخبرها بأنها فشلت فشلاً ذريعاً.. وتراجعت الاثنتين للوراء وهم يروا مايزه تخرج من المطبخ وتحمل طنجرة الطعام بين يديها ووضعتها على الأرض وبدأت في تناول الطعام أمامهم وهي تردف:
- الله لا يوفقك ياراس الحية، في حد يسمم النعمه هيك؟ خربتي طعمها تخرب بطنك وراسك ومايلقولك طب ولا دوا ياللي ماتخافي الله.
أما فاطمه فكانت تنظر الى مايزه وهي غير مصدقة لما تراه، فتركيبة السم هذه المرة كانت الأشد فتكاً وقوة، وهذا الكائن يأكل السم دون أن يتأثر!
طلبت عايده طعاماً من الخارج وتناولته هي ومحمود وسالم، أما مايزه فأكلت اللحم كله دون أن تترك منه شيئ، وكمية السم جعلتها تشعر بالنعاس، فأوت للفراش وغفت وطلبت ألا يوقظها أحد.
أما فى القبيلة
أخيراً تلقى آدم خبر يفيد بأن الشحنة قد تم الإفراج عنها وهي في طريقها للممر، وتأكد من ذلك من حارس الممر فى الجهة الأخرى، وخرج بعدها على عمه قصير يزف إليه البشرى، وما أن أخبره حتى اخذ قصير يهلل والجميع من خلفه، وتعالت الصيحات بإسم عقاب كالعادة، وعلى اثر الصيحات خرج الجميع من الخيام، ووقفت رجوه تراقب العقاب وهو باسط جناحيه فخراً ويحاوطه الجميع، وكم تمنت أن تدنوا منه وتختطفه من وسط الجميع وتبتعد، ويصير العقاب ملكها هى فقط ولا عين تنظر إليه سواها.
مرو ثلاثة ايام ووصلت الشحنة وإستلمها قصير وآدم، وتأكد آدم من أنها الشحنة المطلوبة والأسلحة الموصى عليها ودون اية نقصان، وسلمها لعمه قصير، وطلب منه إعطاء نصيبه للشيخ منصور لسداد جزء من المال الذي دفعه لأبيه في إيران كما يفعل فى كل شحنة، وبعد هذه الشحنة لن يتبقى للشيخ منصور في رقبة آدم إلا ديناً بسيط، وبهذا يكون قد أوفى دينه النقدي، أما دينه المعنوي لن يوفيه للشيخ منصور حتي وإن دفع سنوات عمره جميعها في المقابل.
عاد آدم إلى القاهرة، عاد لأبواه وارتمى بين احضانهم يتبادل بينهم في كل حضن سكنة، وبعد أن شبع منهما نظر إلى سالم الذي كان يستعد للرحيل وسأله بغرابة:
- على وين ياخل؟
-رادد لديرتي ياعقاب، ماانا اشتقت لديرتي متل ماإنت أشتقت.
فهم آدم بأنه يتحدث عن رجوه، فتبسم له وودعه بعد أن شكره، وعاد سالم إلى القبيلة وهو محمل بالحنين، ومحمل أيضاً بكل ماتحبه رجوه وتشتهيه.
وفور وصوله كان يفترض أنها تشعر بنفس الشوق، ولكنها لم تقابل شوقه ولهفته إلا بفتور جعل قلبه يشعر بخيبة أمل كالعادة.. إقترب منها بعد أن رأته من بعيد وانشغلت في حلب الماعز وكأنها لم تراه، فوقف خلفها وهمس لها معاتباً:
- ليش هيك يتقابل اللهيب بالجليد؟
- هلا ياسالم حمدالله على سلامتك.
-ماقولتي إشتقنا يعني!
- ماصارلك كم يوم غايب من وين يجي الشوق؟
- يارجوه فيكي تحكيلي ويش فيكي، ايش اللي مغيرك من تلا سالم، مو انا سالم رفيقك وحبيبك وصاحبك، ليش رجوه ماعادت قريبه من سالم، ووين كلمة سلومتي اشتقتلها وااجد؟!
- احنا كبرنا وتغير كل شي، واللي كان يفرح الصغار ماعاد يفرحهم.
ويش اللي يفرحك يارجوه وأنا نعمله، بس احكيلي ايش بدك لتعاودي متل قبل،ويش اسوي لتعود المحبه
نظرت إليه رجوه ورأت أنها فرصتها لتخبره بكل مافي قلبها فتحدثت إليه دون تردد كما تعودت:
اذا ودك انحبك وأنموت عليك صير بطل، صير حديث الناس في كل جلسات السمر، صير أمنية كل بنات القبيلة، صير صاحب إسم بس يتنطق الكل يقول والنعم منا، صير ذكى ومتعلم، البس متل أهل الحضر، أبنيلي قصر وخليني انصير أميرة القصر.. اذا ودك انحبك ياسالم صير عقاب.. فيك تعمل هكي؟
يتبع
رواية عقاب ابن البادية الفصل الثامن والعشرون
نظر اليها سالم ملياً يحاول أن يصنف ماسمعه منها، هل تقصد به المعنى الذى يفهمه اي شخص يسمعه، أم له معنى آخر، هل تقصد مثلاً انها تريده ذات صيت زائع وتفتخر به ونظراً لانها تعرف ان عقاب لديه كل ماهو غريب ومثير في نظرها تريد أن يمتلك مثله، أم ماذا؟
لأنها بالتأكيد لا تقصد المعنى الآخر، ومن سابع المستحيلات أن يخطر بخيالها، هي تعلم أنها فى عداد زوجته، تعلم أنها رهينة على إسمه، وتعلم أيضاً انه وآدم إخوة ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفكر، فألتمس لها عذراً، بل التمس لها الف عذر كي لا يسمح بالإحتمال الثاني أن يتسلل لعقله ولو لجزء من الثانية، فإقترب منها وجلس على حجر قريب منها وهمس لها بصوت حنون:
- رجوتي.. اذا ودك حياة الحضر، اذا ودك بيت حلو وحيطان وسقف، إنا نبنيلك احلا بيت.. أما مسألة اني انصير حديث الجميع فهادي تقدري تسويها إنت يارجوه.. اذا تشوفيني احسن واحد بالدنيا كيف ماانا شايفك، اذا عيونك مايعرفوا ينضروا غيري راح تفتخري بيا وتذكرى إسمي بكل جَمعة وتقاطعي بيه اي حديث، ووقت تنذكر الأبطال تذكريني.. القلب وقت يعشق العين تكتفي واللسان يجود بالأشعار ويتغنى بالغزل، بس إنت ماندري ليش سكرتي قلبك من ناحيتي هيك، ليش بدت عيونك تطير وتقارن؟ ليش ماعاد سالم معبي عيونك من بعد ماكان كل دنيتك وتعرفي إنك كل دنيته.. إنتِ ليش صايره نكاره محبة
-اني مانكاره ولا شي، ولا عندي فراغة عين إن كنت هيك ترمي علي بحكيك، كل القصة انك سألتني وأنا جاوبتك.. انا ماننكر إنك عملت عشاني حاجات واجده ماحدا من اهلي عملها، قدمتلي المحبه والرعاية اللي ماشفتها من حدا غيرك واذا قلت غير هيك وقتها يحقلك تقول عليا نكاره.. بس انا ياسالم ماشايفه إن يكون مقابل هالحاجات يكون زواج، ليش مانفضلو لآخر العمر رفقه ، ليش ماتضل اخي الكبير، ليش مانكفي العمر سوا بس رجوه وسالم، من دون زواج ولا يربطنا رباط يخرب محبتنا.
- تو الزواج اصبح يخرب المحبه بنظرك؟ مين فهمك هكي؟
- انا مو صغيره لنستنا حدا يفهمني، اني كبيره وواعيه وفاهمه كل شي من حالي. ولا انت مو شايف وواعيلي
- والله ولا كبيره ولا شي، وبعده عقلك ماتخطى مرحلة القماط، وعشان هيك انا ماراح انحاسبك على اقوالك كيف مانحاسبك ع افعالك، لأن الصغار مايتحاسبون يارجوه.. هاك جبتلك شي حلو.. كلي وحلي فمك يمكن لسانك اللي ينقط مُر ينقط حلا حتى مره
ترك بجوارها حقيبة الحلوى، وغادر وهو يتمنى أن تكون هذه فترة المراهقة التي تتخبط فيها المشاعر وتتشتت، ثم يأتى بعدها الإستقرار النفسى الذى يعيد كل شيئ إلى نصابه الصحيح.
ذهب إلى خيمة الشباب وجلس بجوار رابح بعد أن القى التحية على الجميع، فنظر إليه رابح وأردف:
- ايش فيك اللي يشوفك يقول عاود لقى الضباع كلت صيده كله بعد يوم قنص!
- مابيا شي، اشقى بحالك إنت وبعروستك اللي ماتبقالها واجد وتكون بخيمتك ويرتاح قلبك واترك المتعوب يقاسي.،ويعاني مع روحه
- أعوذ بالله من القر والحقد اللي ماقادره الناس تداريه، ايش فيك ياسعدان البوادي ماانت كمان كلها عامين تلاته وتصير مرتك بخيمتك انت مازال صغير وهي مازالت طفلة.
- لا ياخوي لا انا صغير ولا هي مازالت طفلة، اللي بسنها وسني يتزوجون ويعمرون خيام، السن مو مشكلتنا تو، مشكلتنا انا ورجوة كبيره واااجد.
- اي ويش هي مشكلتكم الكبيره واااجد؟
- رجوه الظاهر إن دلالي فسدها كيف مادوم تقولون انت وعقاب، وتو بديت انشوف ايش سوى فيها الدلال، صارت ما يشبع عينها اللي بيدها وصارت تريد كل شي، كيف وايش المقابل مادخلها، بس تريد اللي تريدة يتحقق بأي طريقة.
-اذا ودك انواسيك وانقولك انك. ماغلطت وقت دللتها للفانص هادي، فلا ماراح انقولك، وراح أنأكدلك انه إي انت السبب، وراح انذكرك بالمرات اللي لا تعد ولا تحصى اللي حكينالك فيها انا وعقاب انه كافي دلال ياسالم، الدلال وقت يزيد عن حده ينقلب ضده ياسالم، وأنت كنت تقول بنيتي هي كيف للأب مايدلل بنيته، يلا احصد ثمار دلالك وشوف كيف راح تداوي فساد الطبع اللي صار من وراه.
صمت سالم فهو لا يعلم بم يجيب، وأخذ يتسائل بينه وبين نفسه، هل الدلال فعلاً هو ما افسد عليه حبيبته، أم أن الدلال بريئ من هذه الاتهامات والسبب مختلف تماماً؟
بعدها تجمع الشباب وأخذوا يتسامرون فى أمور القبيلة، وعلم سالم منهم بأن الشيخ منصور ذاهب للحج من بعد زيارة إبنه وان غيابه سيطول، فغادر الخيمة قاصداً خيمته، وبعد الإستئذان دلف للداخل، فوجده متكئ على فراشه، ويبدو أنه يفكر في شيئ..فألقى عليه السلام وتحمد له الشيخ على سلامة الوصول ونظر إليه وبفطنته علم أنه مهموم فقال له:
- إقترب ياسالم وإجلس جواري هان.
إقترب آدم وجلس بجانبه وسأله:
- سمعت إنك مسافر ياشيخ وغيبتك راح تطول، قديش راح تطول، انت تعرف إن القبيله بلاك ماتسوى.
- الله العالم ياوليدي يمكن تطول اسابيع أو شهور، أو سنين طواال ماتنعد.
نظر إليه سالم بعيون إنعكس عليهم الخوف الذي بثته كلمات جده في قلبه، فتبسم منصور وأكمل..
- والقبيله لابد تتعود ويتعود كل هلها على غياب شيخهم، ماحدا يدوم ولا يخلد فيها ياوليدي وكلنا زوال.. المهم تو احكي ويش فيك، قليبك ليش مهموم والهم طافح على عويناتك؟
- مابيا شي ياشيخ سلامتك.
انهى كلماته وتبعهم بتنهيدة حارة جعلت الشيخ يعتدل في جلسته وتكلم بجدية وكأنه سيخبر سالم بأمر خطير:
- شوف ياسويلم راح انقولك شي، يمكن آخر شي راح نتركه لك قبل الرحيل.. اللي يتعب قلبك ويولد التناهيد من الروح افتح بيبان قلبك وطالعه منه، حتى ولو محبته متل شجرة جذورها جواك ومفرعه بروحك.. اقلع اللي يأذيك ياوليدي وطوحه بعيد وبعد شوي راح ييبس ويموت، وفيك تذرع مكانه زرع جديد، وإذا ماساع قلبك زرع ولا تحملت تربته اتركا خالي، ماأجمل القلب وهو خالى، صحيح راح يزوره الشوق من الحين للحين، لكن الزيارة أفضل من لما يسكنا الوجيج.
- عن ايش تتكلم انت ياشيخي؟
- انت تدري عن ايش نحكي ياسالم، يجوز ماتقتنع توا، بس خلي كلامي بمخك لانك راح تعوزه بعدين.. لاني نعرف ايش يسوي عشق الفوانص وقاري من توا ايش اللي راح يجرا بعدين.
- لا تخوفني ياشيخ.
- انا عم نعطي لقلبك دليل ياسالم راح تعوزا بعدين وقت تحتار بيك الطرق وتربد النصيحه وتدورها من الكل.. خدها من شيخك وخليها لوقتها،وبس تعتازها وتشوفها انها الأصح نفذها ولا تتردد.. هي كرامتك والكرامه مابيها تهاون.
نهض سالم وغادر خيمة الشيخ ليهيم بين الخيام وهو يفكر في حديث الشيخ منصور ويحاول أن يفهمه، وكأنه لغز ألقاه على مسامعه، لغز لم يفهم إلى ماذا يرمي، ولكنه يشعر بأن له علاقة بما يشعر به الآن من ضياع وإختناق.
رأته أمه من خلف الخيمة، فخرجت وذهبت إليه وسألته بقلق:
- ويش بيك ياسالم، حالك موعاجبني هاليومين، كيف ماتكون حامل صخور الصحرا كلها فوق كتافك والحمل ثقيل عليك، صارحني يايومه ايش اللي مثقل عليك وتاعبك،انا امك وماحد يحس ولا يخاف عليك قدي ؟
- ولا شي يالغاليه سلامتك، انا بس عم انفكر انديرلي مشروع بالحضر وانتقل هناك واعمرلي بيت كيف عمي قياتي وكيف كثير من اهل القبيلة،اللي ربي عمر بيهم الحضر
-ايواااا، هادا مو كلامك ياسالم ياللي تعشق الصحاري وتعرفها متل كف يدك وحافض كل حبة رمل فيها،ايش اتريد بالحضر لاهو منا ولا احنا منه ولا عندك ما تشتغل فيه فالحضر لكن هنا حالك ومالك يا وليدي ،لكن انا عارفه ان هادا اكيد رأي الفانص ورغبتها، هاي علوم بت مكاسب وقصير.
- رجوه مادخلها، انتي تعرفي إن روحي متعلقة بروح عقاب وعقاب غادر، وإن كان عم يروح ويرد عالقبيلة بهاليومين شوي شوي راح يخف حضوره وتنقطع رجله من هان وراح يبلعه الحضر، وأنا ودي انكون معاه وقريب عليه، من صوب مانقدر انفارقه، ومن صوب تاني ما نأمن عليه وهو لحاله بعيد عني وما نقدر نتطمن عليه بعيوني يوميه.
-لا والله وغلاتك عندي ماهاي الأسباب، السبب انا نعرفه زين.كيف ماني نعرفك ياضنا بطني، رجوه هي السبب وراح تكون السبب بكل شي راح يجرالك، رجوه بدت تفتح عيونها وتشتهي روحها اللي مابيدك، وانت كيف ماتعودت وعودتها ماتردلها طلب ولا تقدر ماتحققلها مطاليبها، بس دير بالك ياسالم إنت راح تضل طول عمرك تمشي هايم ببلاد الله بس لترضيها وتلحق كل اللي تتمناه.. ولا هي راح تبطل تتمنى المحال ولا انت راح تبطل تلحق مطاليبها وتحققها بأي شكل.. والحين تعا للخيمه وتعشى مع بوك اللي من ساعة رديت من الحضر ماسلمت عليه ولا جلست جواره.
عدي انتي عشيه يامي وانا بتمشى شوي وانرد، ضايق خلقي وماطايق نقعد بالخيام وشبعان لدرجة اني حاسس حالي واكل كبش بحاله.
-ع راحتك ياسالم، وقت تتعب من اللف والدوران بالقبيلة تعال للخيمة، راح انتظرك ماراح نرقد.
- أبشري يالغالية ماراح انغيب.
غادرت امه وهو أكمل جولته إلى أن وصل أمام خيمة الشيخة عوالي، ولاحظ أن ضوء القنديل لازال يضوي، ومعنى هذا أنها لازالت مستيقظة، فقصدها لعله يجد لديها مايريح قلبه وتخبره بالحل الذي يعيد إليه رجوته.
نادى عليها فأجابته بصوتها الحنون الهادئ:
- ادخل ياسالم.. ياهلا ومية هلا، لحمد لله على سلامة وليدي الغالي.
- كيفك ياشيختي وكيف احوالك، استحاشيتك واجد.
- استاحشتك العافيه وجاتك من كل صوب ياعيون شيختك.. كيفك وكيف اللي كنت عندهم وكيف مايزه، والله الخيمة والقبيله بلاها ماتسوا وحسها كان مهون عليا كل شي.
- الكل بخير اطمني، ومايزه صايره متل الذيبه تاكل اللي يرف بقشوره.
- اي والنعم من مايزه والنعم.. اقترب واجلس هان واحكيلي شو اللي ساق اقدامك لعندي وخلاك تقصد خيمتي بهالوقت؟
- والله ياعمتي ماندري ويش انقولك.
- الفانص اكيدا؟
- ياااعمتي كافي من هاللقب والله رجوه كبرت عليه ومايصير تضلوا تقولولها فانص وفانص، هي راح تكون أم اولادي شو راح تقولهم الناس؟
- ولاد الفانص.
- ياعممه!
- اهووو سكتنا.. شوف ياسالم إذا متل ماتوقعت جيتك لهان بسبب رجوه فانا راح انريح بالك وانفكرك..
رجوه بدت تكبر وماعادت رجوه الصغيره محرومة الحنان واللي تجوز عليها الشفقة، رجوه الحين ماعاد ينفع معها الدلال ياسالم، اذا ودك رجوه تصير متل ماتحب وتتمنى تعلم تقسى عليها، إمنع عنها الدلال اللي خلى الطمع وفراغة العين إستوطنوها.
- ياناس ياهووو كافي كل اللي نحكي معاه يقولي دلالك ودلالك، انا ويش سويت يعني، الكل يعرف إن رجوه كانت يتيمة إم وأب وماليها غيري.
- وانت كفيت ووفيت وماحكينا انك غلطت، بس ياسالم حتى الأم يجيها وقت وتفطم إبنها ورجوه ودها فطام من الدلال..انت ربيت وعلمت وكبرت ودللت وكافي لحد هان، صارت القسوة واجبه.
- كيف تريدوني نقسى عليها ويش نعمل دبريني؟
--أول شي ماتجيب وتحط بحجرها وتملالها كرشها ومو كل ماتمنت تلاقيه.. تاني شي لا تبينلها خوفك عليها ولا محبتك ليها، اجفى وبعد حتى لا تزهدك.. تالت شي حسسها بإن القبيله فيها صبايا غيرها، وان الحرمة مو بحلا وجهها ،الحرمة تنحب لحياها وطاعتها وهدو صوتها ،صبي واحكي مع بنيات عمامك واضحك معاهن، خلي كل وحده فيهن تتمناك وتحكي لرجوه يابختك بيه.وتحسدها عليك. فيه نوع ياسالم يحب بودنا ويعشق من الحكى ويشوف بعيون الناس، اللي الناس تشوفا زين هو يشوفا زين ولو حتى كانت عيوبا واصله للغيم.
صمت سالم بعد أن سمع كلمات عوالي التي لولا أن كان متأكداً بأن المكان لم يكن به احد اثناء حديثه مع رجوه لكان أقسم بأنها كانت بالجوار وسمعت كل شيئ.
- ياشيخه راح نسألك سؤال واحد بس وراح امشي بعده.. رجوه تحبني ولا لا؟
- سوي اللي قلتلك عليه وراح يبان مكنون القلوب لو بيه حب ولا مافيه.. وراقبها ياسالم.. راقب عيونها وراقب لسانها.. اقلع غمامة المحبه وشوف كل شي متل ماهو على حقيقته.
غادر سالم من خيمة عوالي وهو يحمل لغزاً جديداً، وكأنه يوم الالغاز العالمي، وكأن الجميع إجتمع اليوم كي يفجروا الحيرة في قلبه الذي أشعلت رجوه فتيله.
أما فى القصر..
الجميع مجتمعون على نفس طاولة الطعام يتناولون الطعام.. آدم وأمه وأبيه ومايزه معاً ياكلون من الطعام الذى اعدته مايزه، أما البقية فيأكلون من طعامهم الذي طهته فريال، ولأول مرة يجتمعون في ميعاد واحد.. وكان الصمت والنظرات المحملة بكافة أنواع البغض هي المتبادلة،وكاد آدم ينفجر غيظاً وهو مضطر أن يجلس مع هؤلاء الاوغاد على طاولة واحدة..
أما نظراتهم هم له فكانت كلها إستهزاء وسخرية خفية، كانت عيونهم تتجول على الزي البدوي الذي رفض أن يرتدي غيره مهما ألحت عليه والدته، فهو يستريح فيه، ونشأ على أن راحته هي الأهم، وأن الذي يأكل على مزاجه يلبس على مزاجه أيضاً وتباً للناس جميعاً.. هكذا أخبرها وبجملته هذه أحبط جميع محاولاتها الحاليه وحتى القادمة في إقناعه بالعدول عن قناعة تربى عليها.
والسخرية الأخرى كانت على طريقة تناوله الطعام بيديه دون الإستعانة بأدوات تناول الطعام، فكانت الإبتسامات المتبادلة كفيلة بأن تجعله يقلب الطاولة فوق رؤسهم، ولكنه تحمل وأكمل طعامه متجاهلاً لهم، فالطعام له آداب، هكذا تعلم.
وفي هذه الاثناء ورده أتصال من قصير فمسح يديه في محرمة وأمسك هاتفه وأجابه:
- هلا ياعمي.. اي أبشر تو انراسلهم.. لالا ماراح يجرا كيف المرة السابقة، راح نعدي البضاعة من غير طريق وناخد كامل احتياطنا..لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين.. ولو حصل هاد الشي على المؤمن هد الجحر وقطع راس الحية اللي تلدغ.
قال جملته الاخيرة وهو ينظر نحو عمه وزوجته وأختها وأولادهم، وينقل عيونه بينهم فرداً فرداً.. وبمجرد ان أنهى حديثه نهض من على الطاولة وتوجه للأريكة القريبة وأمسك حاسوبه الموضوع فوق المنضدة القريبة عليها، فتحه وبدأ مراسلة شركة الأسلحة الروسية، وبعد دقائق أتاه إتصال عبر الماسنجر من المسئول عن إبرام الصفقات فى الشركة، وماإن فتح آدم وتحدث حتى تدلت جميع الأفواه بصدمة إثر الطلاقة في اللغة الانجليزية التي سمع الجميع آدم يتحدث بها مع المتصل، وتبادلوا النظرات التى تبدلت كلياً من نظرات سخرية لنظرات إستهجان وسؤال إنبثق في عقول الجميع، كيف لهذا المتخلف الذي كان ياكل بطريقة بدائية منذ قليل ويرتدي مالايمت لمجتمعهم بصلة أن يتحدث الانجليزية هكذا؟
بل وأيضاً هناك بعض الجمل كان ينطقها بالروسية، وكأنه آتٍ من بلاد الغرب، وكأن امريكا وروسيا موطنه!
هذا كان كل مايشغل بال الجميع في هذة اللحظات، إلا شخص واحد هو الذي ركز فى شيئ آخر.. إنه ياسين الذي كان يستمع لما يقوله آدم بإنصات شديد، وليس لطريقة قولة او لبراعة لغته.. والذي تبسم بظفر وهو يسمع آدم يبرم صفقة أسلحة أمامهم، وكأنه يشترى شحنة العاب أطفال.. والغريبة أنه كان يتحدث بالمليارات! إذاً لماذا يهتم بعدة ملايين ليس لهم قيمة، ومصر على أن يسترجعهم منهم؟!
وأردف لنفسه أنه لا بأس، فالآن قد عرف كيف سيجعله يخسر كل شيئ، فبغبائه المتناهي لف حبل القانون حول رقبته، وسيجذبه ياسين بمنتهى البساطة ويخنقه به ويتخلص منه بمنتهى السهولة...