رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع والعشرون 29 الثلاثون 30 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه
الفصل التاسع والعشرون 29 الثلاثون 30
بقلم ريناد يوسف


أنهى آدم محادثته مع المندوب وأغلق اللابتوب ونظر للجميع وتبسم إبتسامة جانبية وهو يرى نظراتهم المفهومة، أما أمه وأبيه فكانت نظراتهم مختلفة كلياً، فخر وتفاخر وسعادة بثمار ماغرزه به الشيخ منصور، إقترب آدم من أمه ومال على رأسها وقبلها ثم قبل راس أبيه وقال له:
- بوي انا معدي  الشركة من غدوة، انريدك  تيجي معي وتفهمني كيف  كان يمشى الشغل.
تبسم ياسين وهو ينظر لأبيه وهم يتخيلان منظر آدم وأبيه حين يذهبون لمقر شركتهم ولا يجدوا منها شيئ، مجرد حوائط وسقف وارضية، لا شركة ولا عمال وموظفين، فقط الرياح تدور بداخلها وتخرج.
وكذلك المصنع الذى أضحى مهجوراً ولا يستحق ان يُطلق عليه لقب مصنع، وحتى المخازن مرهونة عرفياً.
أما فريال فكانت تنظر لآدم بغل وهو يقف خلف أمه وأبيه، رجل يحمل من   صفات الرجولة مايجعله محط الانظار، بل يحمل كل صفات الرجولة إن ذُكر الصدق، فعلى الرغم من أن اولادها لا ينقصهم شيئ، ولكنهم رقيقون كالفتيات بجانبه، من حيث بنية الجسم وخشونة الصوت وحتى في نظرة العين والثقة بالنفس التي تقطر منه. 
فهمت عايده نظراتها وإخذت تُعيذ آدم في سرها من عينيها، بل ومن عيون الجميع، وطلبت منه المغادرة للحديقة وستتبعه هى وأبيه، 
ومايزه اخبرتهم بأنها سوف ترفع الطعام وتلحقهم على الحديقة بالشاي، وبدأت فى إدخال الطعام لحجرتها التى تحمل مفاتيحها فى قلادتها دوماً وتجلس أمامها ليل نهار، فقد أدخلت المجمدة والموقد وكل مواد الطعام داخلها، وأصبحت غرفة ومطبخ في آن واحد.

جلس آدم بجوار أمه واخذها تحت جناحه، وهي أسندت رأسها على صدره العريض الذي يشبه حائط يشعر من يحتمي به بالأمان، ونظر آدم لأبيه الذي لاحظ نظراته القلقة له واردف:
- ماتخاف علي يابوي، وليدك مو هاداك الصغير صاحب الخمس سنوات اللي تركته بالقبيلة، وليدك صار عقاب كبير  ماينقدر عليه، ومايغلبونه كومة فيران كل سلاحهم حفنة سم،كون هاني وطمن قلبك
- دول تعابين يابني مش فيران.
-إي وانا اكبر قانص للثعابين،ومايحوق في سمهم،قلتلك سابق ماتخاف علي.

عايده:
- هتروح الشركة بكره فعلاً ياآدم؟
- اي ياأمي انا مانمزح بأمور الشغل بالذات.
- طيب ممكن اقول حاجه بس من غير زعل
-اوووف تستأذنين لتحكي ياامي، والله انت تحكي ايش ماتريدي وقت ماتريدي ومانزعل منك لو اللي نطقتيه حكم بموتي.
عايدة بفزع:
- بعد الشر عنك ياحبيبي الشر بره وبعيد، اوعا تجيب سيرة الموت ياآدم تاني على لسانك، السيرة دي بتخوفني وتقبض قلبي.
- سلامة قلبك يالغاليه.. هااا هيا احكي ويش كان بدك تحكي؟
- كنت حابه اقولك انك هتروح شركة، والشركة فيها عمال وموظفين، ومينفعش ياحبيبي تروح وسطهم وإنت لابس الزي البدوي والعقال كده.. هو انت قمر فى كل حالاتك وبأي لبس، بس ياقلب أمك لكل مكان اللبس اللي ينفع فيه، خلينى اخدك وننزل اشتريك شوية هدوم على ذوقي وشوف ذوق أمك، من زمان وانا نفسى ألبسك على ذوقي.
- شوفي ياغلا قلبي، تو انا معك انه مايصير انروح الشركة بهالملابس وأنا عارف زين ايش اللي بينلبس بكل مكان، بس معذرة منك انا معي وااجد ملابس تنفع للحضر، ماتنسي أني بجامعة والجامعة مايتعدالها بالزي البدوي، أما مسألة أنك تلبسيني ع ذوقك فهادي بسيطة.، خدي مايزه وانزلوا للسوق واختاريلي ملابس بيتي كيف ماتريدي وأنا ايش ماتختاري هنلبس..
 بس ماتختاريلي منامات عليها حيوانات وبدلة حمار وحشي وقرد بذيل قطعة وحدة كيف  زمان، انا كبرت الحين هااا.
ضحكت أمه وضحك ابيه أيضاً، واخذا يمليان عيونهم وقلوبهم منه، وقطعت تأملهم مايزه التى اتت بالشاي ووزعته على الجميع، فشرب منه محمود اولهم وإمتعضت ملامحه ونظر لمايزه وسألها:
- الشاي دا عامل كده ليه يامايزه، طعمه غريب أوي؟!
- إشرب ياأبو عقاب هادا شاي وعليه عشب من عشبنا ينضف الجسم ويحميه من السموم وينضف البطن ومايخلي بجوفك وصخ.
إرتشفت عايده من كوبها وكانت ردة فعلها شبيهة لردة فعل محمود، وأعادت الكوب لمكانه وهي تقول:
- لأ انا مقدرش أشرب الشيئ ده، دا طعمه مر أوي!
-مافي مجادله والله لتشربيه ورغم انفك تشربين، انا تعبت وسويتا وعمايل يدي ماتنكب.هادي وصفه نادرة وغاليه 
نظرت عايده لآدم فرد عليها وهو يرفع كوبه ويشرب منه:
-أنا مادخلني ولا نقدر انسوي شي، واللي مايزه تقوله الكل ينفذه من فم ساكت، لهيك اشربي شايك واتقي شرها.. انهى كلماته وقام بشرب كوبه على ثلاث مرات متتالية وكأنه يشرب ماء، لا أعشاب مذاقها يشبه مذاق العلقم!

أما ياسين فبمجرد أن رأي الحزب المعادي كله غادر الحديقة، ذهب لحاسوب آدم المحمول وفتحه، وحاول أن يكتب كلمة السر عشوائياً كي يفتحه، ولكن كانت محاولاته عبثاً، فأغلقه كما كان، وذهب لإرتداء ملابسه، وفور إنتهائه غادر القصر متجهاً لقسم الشرطة كى يعجل بالتخلص من ذلك الآدم.

فى الباديه..
رجوه:
- مسك.. يامسك تعالي  هانا، تعالي جدليلي جدايلي
- اي شوي  ونجيك بس انخلص اللي بيدي.
- لا اتركي اللي بيدك وتعالى انا أبدا وأهم.
سدينه:
- خدي عنبر تسويلك جدايلك واتركي مسك وراها شغل، عنبر فانص متلك ماتسويلنا شي ولا منها عازه.
- لا انا قلت مسك يعني مسك، اعملي انتي وبتك شغلكم ولا نحلف اجي اخرب كل شي اتعمل.
-اتركي اللي بيدك يامسك وروحي مع المكلوبه انا ماناقصة وجيج راس، جدليلها راس الجحشه وردي سريع.
- والله انك لو مازوجة ابي كنت حاسبتك وصلبتك على نخله، بس راح نسامحك كرمال القرابه.
سدينه:
- لا وعلى ايش  مشكوره.يابنت مكاسب
- اي بس لا تعيديها.
ذهبت مسك مع رجوه لخيمة مكاسب وبدأت تمشط لها شعرها وتجدله، وأثناء ذلك سألتها رجوه بفضول:
- مسك ودي نسألك عن شي وتجاوبيني وتعدمي سدينه أمك إذا ماحكيتي الصدق..
- راح  نحكي الصدق اكيد وليش لاكذب يعني؟
- انتِ ماتحبين، يعني قلبك مازاره العشق، عينك ماتشوف من شباب القبيلة شب وتتمنى يكون زوجك وتدعى ربك بسرك انه يكون نصيبك؟
تبسمت مسك بخجل وصمتت لبرهة، فإستدارت عليها رجوة وهي تتبسم ايضاً وضيقت عيناها بخبث وأردفت متسائلة:
- ياااا مبين عليكي عشقانه والعشق مالي القلب، هيا قولي من هو واني ماراح انخبر حد وعد.
ترددت مسك لثوانِ ولكنها نطقت أخيراً:
-ماراح اندس عنك يارجوه انتي اختي حبيبتي وراح انفضفض معاك، انا اي عشقانه وكتير كمان، وعلى قولتك كل ماتنضره عيني انتمناه وندعي ربي يكون من نصيبي وحقي، هو احسن واحد بكل القبيلة ومو بس أنا اللى انشوفا هكي وانتمناه زوجي، كل صبايا القبيلة متمنياته، هو مافي متله اتنين،  بطل مغوار مايهاب شي والكل يعمله حساب وصاير وسط مجالس الرجال القُمر والباقي كلا نجوم.

رجوه كانت تسمع بإنصات ومع كل جملة من أختها تظلم ملامحها وتحاول ان تفترض أن اختها لا تعني مافهمته ولكن جملة مسك الاخيرة قضت على كل الإفتراضات..
- هو عقاب القلوب يارجوه، حبيب القلب هو عقاب.
أنهت جملتها وألقت المشط من يدها وبدأت بالتراجع زحفاً للخلف بخوف من رجوه التي تحولت عيناها للون الأحمر وبرزت عروقهم، و إحتقن وجهها وبدأت تزوم وتزمجر وكأنها أسد غاضب، وسألتها بخوف:
- ويش فيك يارجوه ليش صرتي هيك خوفتيني؟
إنقضت عليها رجوة بحركة سريعة وأمسكتها من تلابيبها وبدأت تحدثها وهى تصك على أسنانها وتهز فيها بعنف:
-حيييه عليكي وعلى امك ياعشاقة ياقليلة الحيا ياكلبة البوادي، والله إنك طالعه على امك سدينه خطافة رجال، والله اليوم قتلك على يدي والله..
انهت جملتها وإقتربت من مسك لتغرز أسنانها فى كتفها لتصرخ الأخرى بأعلى طبقة صوت وهى تقول:
- بعدي عني يارجوه ايش انا ايش سووويت، يايمه تعي انجديني ياعنبر ياخاله مكاسب ياإهل القبيلة وااااك عليا انجدوني رجوه انكلبت يانااااس.
وعلى صراخها أتى الجميع، وصرخت أمها سدينه وهي تراها بين يدي رجوة كالدجاجة المذبوحة تتخبط والأخرى تضرب فيها بلا رحمة وتدخلت سدينه تخلصها من بين أيدي رجوه وهي تتسائل ماذا حدث؟
رجوه:
- اسألي بتك الفانص.. والله يامسك اذا سمعتك تتفوهي باللي حكيتيه قبل شوي ولا حتى تفكري فيه لأذبحك ونحطك بمي مغلي وانتفك وأشويكي عالسيخ متل الدجاجه.. مابقى إلا بت سدينه كمان والله هاد الناقص!
انهت جملتها ونفضت ثوبها بغضب وغادرت الخيمة تاركة الجميع يسألن مسك ماذا حدث، ومسك تبكي ولا تقوى على الإجابه، ولا تفهم السبب الذي فعلت لأجله رجوه فيها هكذا، فبرغم كل شيئ إلا أن رجوه كانت دائماً حنونة معها تسمعها وتنصحها!

أما رجوه فوقفت عند البير وأخذت تحاول تهدئة نفسها، فهي لم تعد تحتمل فكرة أن تذكر أخرى إسم عقابها، هو لها وستأخذه مهما كلفها الأمر، ومالها لايحق لأحد غيرها مجرد التفكير به،
وفي هذه الأثناء إقتربت منها معزوزه وقالت لها دون مقدمات:
- مسك قالتلي ليش سويتي فيها هيك، يوصل بيكي لهبال يارجوه انك تضربي أختك لجل شي ماراح تحصليه بعمرك لا انت ولا هي، تضربيها لجل حلم مستحيل، تنتفى اختك هي النتفه لجل شاركاتك بحلم؟
- لا مو حلم وراح يصير حقيقة، وعقاب ماراح انخليه يعبر لخيال فانص من فوانص القبيله من تو.
- يارجوه تتكلمين وكأنك جاهله بقوانين القبيله وقوانين كل القبايل، بناتنا مايزوجها غريب ولا يوطاها لو على قص الرقاب، ماتحمل بناتنا دم غريب فحشاها ولا تختلط الأنساب.

- لكن ليش الرجال تتزوج غريبه وتخلط الانساب؟
- لا الانساب ماتتخلط اذا الراجل دارها، لأن وليده ليه ولأسمه وللقبيلة، أما البنت ابنها يصير لأسم ابوه وقبيلة ابوه ونسب أبوه.. ماصارت قبل يارجوه وماراح تصير، وفوانص القبيله اللي تتكلمين عنهم عارفين زين إن عقابهم بالنسبه الهن حلم وبس، والوحده اذا جاها عريس بتوافق وتتزوج.. لانها تعرف قوانين القبيلة زين. 
-شوفي يامعزوزه انا مالي دخل بكل اللي قلتيه، عقاب لرجوه ورجوه لعقاب، ورجوه من يوم يومها ماتخضع لقوانين والكل يعرفني..انتي تعرفي انا فانص كيف ماتقولون والفانص مايوقفها شي، وراح افرجيكم الفوانص ايش تسوي.
- تلعبين بالنار وماراح يتحرق بيها غيرك.
- ولللك مرحب بالحرايق اذا لاجل عقابي.
- وسالم؟ مافكرتي فيه؟ ماسألتي حالك ايش راح يسوي بعد الكسره اللي ناويه تكسريهاله، مافكرتي ايش بيسوي بعد ماأبوكي يموتك ويقبرك وتبلعك رمال الصحرا.. ماقلتي لحالك كيف بيعيش وهو يحبني ومافيه بلاي؟
- سالم مالي دخل فيه، كلمنه يشقهو بروحا، انا ماقلتلا يرهني ولا قلتلا يحبني، ومو لأنه اهتم بيا شوي ياخذني، مو كل من اهتم بحد يتزوجه.
- صايره مكاره ونكاره وقليلة أصل.
- اي مو فانص.. هيك الفوانص تكون.

صمتت معزوزه فالصمت فى حرم العند والغباء راحة.. وتحركت رجوه مبتعدة ماإن رأت سالم آت من بعيد، أما هو فتوقف مكانه حين رآها تفر منه، وعاد ادراجه إلى مجلس الشباب كى يشاركهم الحديث عله يلتهى قليلاً عن التفكير فيها.
وعادت معزوزه إلى خيمتهم وهي لا تعرف ماذا تفعل مع اختها التي نوت على خلق حرب ضارية لن يُحمد عُقباها.

أما فى القاهرة..
بينما آدم جالس في غرفة مكتبه في القصر، والتى كانت لأبيه وأستولى عليها عمه، ولكنه أعادها وتخلص من جميع متعلقات عمه، سمع ضوضاء فى الخارج وصافرة سيارات شرطة، وقبل أن يفتح باب المكتب ويخرج فوجئ بالباب يُفتح بعنف وإثنان بالزي العسكري أمامه وأسلحتهم مصوبة عليه، وصوت أمه يتسائل ماذا هناك، فنظر للضابط من خلف رجال الشرطة وسأله بهدوء وثبات:
- ويش فيه ياحضرة الظابط، ليش مقتحمين القصر هكي، وليش أفواه أسلحتكم موجهه نحوي شو فيه؟
الضابط:
- إنت آدم محمود؟ 
- إي اني خير ياباشا؟ 
وبدون أن يجيبه أعطى اوامره للعسكر:
- أقبضوا عليه. 
آدم:
- بأي تهمة؟ 
-هتعرف كل حاجه في القسم..وهاتولي اللاب توب دا كمان. 

خرج معهم آدم بكل إستسلام ولم ينسى طمأنة أمه التي تكاد تموت رعباً، وأبيه الذي شحب لونه في التو، ومن نظرة واحدة لياسين ورؤية السعادة التي على وجهه، والشماتة التي تشع من عينيه فهم أنه فعل ماكان يتوقعه، أو مادفعه هو ليفعله ، فتبسم له وهو يطالعه بنظرة أربكت ياسين ولم يفهم معناها، فقد كانت نظرة قوة وثقة فى الوقت الذي يفترض به الموت رعباً! 

وغادر آدم مع الشرطة في سيارتهم وتبعه أبوه وامه، ويحيي وياسين أيضاً لم يريدا تفويت هذه اللحظة الفريدة، لحظة القبض على تاجر الأسلحة الصغير، أما مايزه فكانت تصرخ في جميع انحاء القصر فور رؤيتها لعقاب قبيلتهم تكبله أيدي رجال الشرطة ويسوقونه للقسم وأخذت تهرول خلف فريال وفاطمة اختها تريد الإمساك بهم، ولأنهم يعملون ماسيحدث إن وقعت إحداهن في يديها كانوا يهربون منها بكل قوتهم، أما كارمن وحياة فكل واحدة منهم إحتمت بغرفتها واغلقت بابها عليها، 

وكان لفريال الحظ الأتعس، فقد تمكنت مايزه من الإمساك بها وأعطتها من الضرب ماجعل نيران قلبها تهدأ قليلاً، أما فاطمه فأستغلت إنشغال مايزه بضرب أختها وهربت لغرفتها وأغلقت بابها عليها وهي تشعر بالرعب من تلك المتوحشة التى أعدمت أختها العافية للمرة الثانية.

في القسم..
دلف عقاب إلى غرفة الضابط، وظل واقفاً، وأمره الضابط بفتح قفل حاسوبه السري، ونفذ آدم وفتح الحاسوب، وبدأ الضابط في تفتيشه ولم يجد به شيئ!
لا رسالة ولا حساب تم التواصل من عليه من الأساس.. فنظر لآدم وسأله:
- فين يابني المراسلات اللي بينك وبين العميل الروسي؟
نظر له آدم واردف بدون ذرة خوف:
- حزفتهن.
رفع الضابط حاجباه بإستنكار، فكيف له ان يعترف أمامه بهذه البساطة! وقال له بنبرة تهديد:
-إنت يابني عارف نفسك بتقول إيه، طيب انت واعي للي بتقوله؟ أنت بتعترف أنك بتستورد أسلحة من روسيا فعلاً زي مالبلاغ بيقول!
-اي بعترف اني بستورد أسلحة من روسيا، وإذا بدك تعرف الراس الجبيره اللي عم تاخد مني الأسلحة اعطيني نقالي وانا اهاتفه امامك الحين.
نظر له الضابط ولازالت الحيرة تأكل عقله، فمن أين كل هذه الجراءة آتية، على من يستند هذا الشاب في الدولة ليتحدث هكذا؟
وأتاه الجواب سريعاً حين أنهى آدم مكالمته مع المدعوا الشيخ منصور، وبعدها بدقيقة واحدة أعلن هاتف الضابط عن إتصال جعله ينتفض واقفاً ويضرب التحية العسكرية وهو يجيب عليه:
- اهلاً وسهلاً معاليك التليفون نور، ياخبر ياباشا بس كده إنت تؤمر، إعتبره تم في الحال، حاضر سعادتك تؤمر، سلام يافندم، أمر جنابك، حاضر، حاضر، سلام، سلام، في رعاية الله وحفظه،، سلام.
اغلق هاتفه ونظر لآدم وهو يزدرد لعابه وسأله هامساً:
-إنت مين؟
فأجابه آدم:
-حيالله شخص.
- طيب اقعد اتفضل واقف ليه اقعد.
- قبل لا اجلس ولا شي ودي اطمن بال اهلي اللي نشف قلوبهم القلق.. اذا بتسمحلي يعني هم بالخارج.
- طبعاً طبعاً، إتفضل أقعد وهجيبهملك هنا، وأهو بالمره نتعرف على العيله الكريمة ويحصلنا الشرف.
انهى كلماته ونادى على الشرطي الواقف خلف الباب، ولما أتاه أمره الضابط:
-إطلع يابنى قول مين تبع آدم بيه ودخلهم هنا.
نفذ الشرطي الأمر وذهب وعاد بعد دقائق بمحمود وعايده ويحيي وياسين أيضاً، فالموقف لا يُفوت من وجهة نظرهم، والشماتة لا تقدر بثمن، ولكن كل هذه الأماني تبخرت وهم يدلفون خلف محمود وعايده ويرون أستقبال الضابط لهم، ولهم هم أيضاً، ولاثيما حينما أمر الضابط الشرطي بإحضار القهوة للجميع، وأجلسهم بعد ترحيب حار!
الضابط:
-أهلاً وسهلاً يابهوات، إهلاً ياهانم شرفتونا ونورتونا، إحنا آسفين على سوء التفاهم اللي حصل ده، وآسفين على إزعاجكم وإزعاج آدم بيه.
الظاهر إن البلاغ كان كيدي، وطبعاً زي ماحضراتكم عارفين اننا لازم نتحرى عن كل حاجه دا أمن بلدنا ومينفعش التهاون فيه. 
محمود:
- اه طبعاً طبعاً ياحضرة الظابط فاهمين. 
عايده:
-يعني ابني هيخرج من هنا؟ 
الظابط:
-إبن حضرتك ضيف عندنا لحد ماتشربوا قهوتكم وهيروح معاكم يافندم. 
تبسمت عايده وتنهدت براحة وهي تنظر لقرة عينها، وآدم نظر بطرف عينه على عمه وإبنه ويكاد يقسم أنه يشم رائحة الحريق الذي بداخلهم من مكانه، مد يده للضابط وأشار له على حاسوبه، فأغلقه الضابط وأعطاه له، فاخذه آدم ونظر للضابط واردف بتعالى مقصود:
- ياسيادة الضابط أرجوا بالمرة القادمة تتحرون زين قبل لا تتهجمون على بيوت الناس وتاخذوهم هكي. 
- وعد مش هتتكرر تاني ياآدم بيه. 
أحضر الشرطي القهوة وتناولها الجميع، ونهض آدم وأمه وابيه، وغادروا القسم، ومن بعدهم يحيي وإبنه الذان كانا يمشيان وهم يشعرون بأنهم في حلم غريب، فمن أين لآدم كل هذا.. من أين حصل على كل هذه السلطة في قلب الصحراء الجرداء..وهذا الدرس الثانى لهم من عقاب، بأن سلطة الحكومة ليس لها اي سطوة عليه، وسلاحها ذو نصل بارد. 
عادوا جميعاً إلى البيت، وقص يحيي على فريال ماحدث، ومازاد كلامه إلا البغض داخلها لآدم، وأخذت تفكر ماذا ستفعل من أجل أن تنتهي هذه المهزلة، وتتخلص من محمود وزوجته وتلقي بهم خارج قصرها، ويعود ذلك الهمجي من حيث أتى ويعيش وسط الجمال في الصحراء. 

فى اليوم التالي.. 
وعد مش هتتكرر تاني ياآدم بيه. 
أحضر الشرطي القهوة وتناولها الجميع، ونهض آدم وأمه وابيه، وغادروا القسم، ومن بعدهم يحيي وإبنه اللذان كانا يمشيان وهم يشعرون بأنهم في حلم غريب، فمن أين لآدم كل هذا.. من أين حصل على كل هذه السلطة في قلب الصحراء الجرداء. 
عادوا جميعاً إلى البيت، وقص يحيي على فريال ماحدث، ومازاد كلامه إلا البغض داخلها لآدم، وأخذت تفكر ماذا ستفعل من أجل أن تنتهي هذه المهزلة، وتتخلص من محمود وزوجته وتلقي بهم خارج قصرها، ويعود ذلك الهمجي من حيث أتى ويعيش وسط الجمال في الصحراء. 

فى اليوم التالي في القصر..

كان الجميع جالسون حول مائدة الطعام لتناول الإفطار، وفجأة نظر الجميع لباب غرفة آدم الذى فُتح وفاحت رائحة عطر جعلت حواس الجميع تنتبه، وشهقات كُتمت حين وقعت العيون على آدم وهو واقف ببدلته السوداء ورابطة عنقه وساعته التي يرتديها، وشعره الطويل المصفف بطريقة ساحرة، وهمست حياة:
- مين ده؟
أما كارمن فهمست هى الأخرى:
-What The Hell? 

والشباب الأربعة إكتفوا بالتصنم، أما عايده فكانت تسمى وتصلي عليه فى نفسها وتعيذه بكلمات الله التامة، ومايزه كانت تصدح بالصلوات، وفريال شعرت وهي تنظر إليه بأن مثله خُلق للموت لا للحياة وسط البشر. 

يتتبع
رواية عقاب إبن البادية الفصل والثلاثين.
تقدم آدم من والديه قبلهما وجلس بجانبهم، مرر عيونه على الجميع وإبتسامة جانبية لاحت على وجهه لتلك النظرات التي يرمقونه بها.. يعرف ذلك الخليط جيداً.. كره علي غيرة على حقد.. ولكن.. هناك نظرات إعجاب من بينهم.. عيون تتمنى وتشتهي وهذه النظرات هو خبير بها ولطالما رأها في عيون فتيات القبيلة.. فهتف في قرارة نفسه:
-وليش لا والله يامراحبا بابواب جديده تنفتح وتعطى فرص اكبر.
وجه حديثه لوالده قائلاً:
-ها يابوي تريد تيجي معاي عالشركة اليوم ولا مازال ماتقدر؟ بس وجودك بأول يوم لإبنك بالشغل ضروري لتفهما كيف تصير الأمور فيها وكيف التعامل.
ضحك ياسين ضحكة عالية لم يستطع كتمانها وهو يتخيل ردة فعل آدم وهو يدلف لشركته التى يظن أنها لازالت قائمة ويجدها خاوية من كل شيئ، وبعد أن تأنق ليراه الموظفون سيذهب لمبنى مهجور لن يسمع فيه إلا صدى صوته. 
نظر آدم إليه وتجاهلة ثم نظر لأبيه واكمل.. 
- ها ايش قولت يالغالي؟ 
تحدث محمود مع آدم وإفترض أنه لا يعلم الى ماذا آلت الأمور فقال بحسرة:
-شركة إيه بس يابني اللي هنروحها، هي فين الشركة دي، الشركة والمصنع والمخازن بقوا هجاج، بقوا خرايب مفهمش حد ولا فيهم حاجه. 

ليأتيه رد آدم الذي صدم الجميع:
-ومين جاب سيرة شركتك القديمة؟ 
انا نقصد شركة عمي، الشركة اللي انبنت على انقاض شركتنا وحيطانها قامت من هدد حياطينا.. احنا رايحين لشركة"كارمديا" للأستيراد والتصدير. 
توسعت أعين الجميع وهتف له ياسين ساخراً:
-إيه ياوسيم الصحراء الظاهر إن عقلك لسع من كتر الشمس اللي بتقور فيه ليل نهار.. شركة ايه ياحبيبي اللي عايز تروحها دي، هي وكالة من غير بواب ولا فاكرها سايبه؟ 
-اي سايبه ومالها رداد متلك انت وبوك.. واذا الشغل بشركات الغير سيابه ليش كان بوك يشتغل بشركة بوي، ليش كان ممسكه كل شي وحاطه فوق روس الخلايق؟.. اسمعني زين يا إبن فريال.. هادا وقت سداد الديون وإسترداد الحقوق، وكل اللي خد شي يرجعو لصحابه 
ياسين:
- والله اللي ليه حاجة يشاور عليها وياخدها بالقانون. 
- لا ياغالي.. ابن عمك اللي اتاخد منه بالذراع ما يرجع إلا بالذراع، مع اني بالقانون نقدر انوديك ورا عين الشمس إنت وبوك وخوك.. بس لا انا مانريد حدا يرجعلي حقي، العقاب مو ضعيف ولا قاصر.. وتوا انا معدي للشركة وراح نقعد خلف المكتب اللي يعجبني، واللي يفتح فمه منكم راح اصكره له بطريقتي، بمكالمة تليفونية بنفيه ورا عين الشمس ومايبقى منه غير ذكراه. 
نظر ياسين لأبيه وتبادلا نظرات القلق مع فريال، فبعد الذي رأوه في قسم الشرطة هو قادر على تنفيذ تهديده، ومن سيقف أمامه هو خاسر لا محاله. 
فصمتوا جميعاً، وكان هذا الدرس الذي قصدة آدم من وراء لعبة الأسلحة أمام ياسين والبقية، وهو أن يعرف الجميع لأي مرحلة قد وصلت سطوة آدم، وإن هدد فهو قادر. 

ونهض آدم وغادر وهو يعرف وجهته جيداً، دلف مقر الشركة بخطوات واثقة تخبر الجميع بأن له شأن كبير في الشركة حتي دون ان يعرف احد هويته، قرأ اللافتات المعلقة على أبواب المكاتب وتوقف عند لافتة مكتب المدير العام، أمسك مقبض الباب وأداره ودخل المكتب ووقف يتأمل الكرسي وإسم عمه يحيي المكتوب بماء الذهب علي لوحة فوق المكتب وهمس لنفسه بأن هذا المكتب بكل ماوراءه من سلطة من حق أبيه، هو إحدى مسروقات عمه التي سطى عليها، والآن عليه إستردادها.. تحرك نحو المكتب وامسك اللوحة وألقى بها بعيداً وجلس على المكتب، وما هي إلا ثوانِ ودلفت سكرتيرة حسناء للمكتب بإندفاع وصاحت به بغضب:
-حضرتك مين ودخلت المكتب هنا ازاي، إتفضل لو سمحت أخرج بره دا مكتب المدير ودخولك ليه هيعرضني لمشاكل. 
رد عليها آدم وهو يتفحصها:
- وين كنتى وقت دخلت المكتب؟ 
-كنت في الWC حضرتك. 
- انتِ مهمله بعملك وصار لازم تنفصلين، وتوا تفضلي بره وأنتظري مديرك القديم وقت يجي وقوليله مدير الشركة الجديد فصلني، وبالمرة قوليله يشوفله مكتب تاني غير هادا وتوا  إنقشعي من قدامي وابعتيلي المدير التنفيذي للشركة والمهندس المسؤول عن  المصنع ومدير الحسابات، ولا انقولك خبري الجميع ان فيه إجتماع طارئ من مدير الشركة الجديد لكل مسئولي الشركة وخليهم يتجمعو بقاعة الإجتماعات.. وهي آخر مهمه إلك بالشركة، نفذيها لجل تاخذين مكافئة نهاية الخدمة. 

نظرت اليه السكرتيرة وظلت صامتة تفكر ماذا تفعل، ومن هذا الذي إقتحم المكان وبدأ في إعطاء الأوامر، وخرجت بعد أن هدر بها آدم بغضب:
- ويش تنتظرين؟ 
وفور خروجها هاتفت يحيي واخبرته بما حدث، وهو اخبرها بأن تنتظر ولا تفعل شيئ لحين وصوله، وأنه سيكون بالشركة في غضون دقائف. 
وقد كان.. فبعد دقائق معدودة كان يحيي وياسين إبنه يدلفون للمكتب بغضب عارم.. 

اما في القبيلة.. 
في الوادى عند مرعى الاغنام.. 
رابح:
-ويش فيك ياسالم مهموم ومالك خُلق وتتعارك مع ذبان وجهك؟ زرعتها ورد طرحت شوك؟
- والله ياخوي ماطايق حالي، من صوب رجوه وافعالها معي،اي زرعت ورد طرح شوك، ومن صوب عقاب وخوفي عليه، قلبي قايد نار وخايف من أيادي الغدر تطاله والقاصد غالب ياخوي. 
- لا ياسالم لا تخاف عليه، هاد العقاااب. 
هم سالم ان يرد عليه ولكنهم سمعا صوت اقدام خيل تقترب، فنظرا صوب الصوت وكانت رجوة وهلال يتسابقان، وصلت رجوه الاولى وترجلت عن الحصان وإقتربت منهم ومن بعدها هلال، ألقوا التحية عليهم وردها رابح، اما سالم فلم يرد وأشاح بنظره بعيداً عنها، فقد داهمته جيوش من المشاعر المختلطة فور أن رأها، مشاعر حنين وإشتياق وغضب ورغبة عارمة فى العتاب كظمها كي لا ينتقص من قدر كرامته أكثر. 
جلست رجوه ولم تهتم لسالم ولا لغضبه ومشاعره، أما هلال فاخذ يتفحص المكان من حوله وأردف:
- والله الوادي والقبيلة كلها مالها عازه بلا عقاب، حاسس إن في شي ناقص، استاحشته واااجد واشتقت لكلامه وعلامه وحتى عراكه معي، مانعرف ليش الله وضع كل هي المحبة ليه بقلبي، والله اني انحبه اكتر من هلي.. والله انحسا هو بوي مو قصير. 
تنهدت رجوة وقد كتمت فى جوفها رداً لو ردته عليه لتصدع بدن سالم كلياً، كتمت حقيقة ان هلال باح بما في داخلها هي ايضاً وكانه نظر داخل روحها وعلم بماذا تشعر ونقله علي لسانه، نعم فهي مشتاقة وتشعر بالحنين والغربة بدونه، تشعر بان كل شيئ جميل فى القبيلة رحل معه وأصبح المكان خالِ من الحياة. 

نظر سالم لهلال ورد عليه بحسرة:
-ايش راح نسوي ياهلال حين يطول غيابه ونحن من كم يوم غياب بدا الشوق يلعب بينا والخوف ياكل بقلوبنا عليه.. ماانتوقع راح نعتاد الغياب. 
هلال:
-انا انقول ايش قولك ياسالم لو نسافر انا وانت نزوره ونطمنو عليه ونعرفو ايش اخباره، انا صحيح انكلمه من نقال بوي بس انحس كلام النقال مو كافي. 
وهنا إنتفضت رجوة وتحدثت بلهفة:
- انعدي معاكم  ارجولي قبل ارجولكم ،نفسي انغير جو القبيله.
نظر لها رابح وتحدث بغيظ:
- اي ماهي كمان الصحرا وراح تسرحي وتمرحي فيها بكيفك؟! 
رجوه:
- يارابح ويش فيها، انا انقول اذا رحتوا بتاخذوني معكم، والله اشتقت لمايزه وجاى ع بالي انزور أولياء الله الصالحين وانشوف قصر عقاب وهله وعيشته، متمنيه اني انشوف القاهرة اللي يحكون عليها. 

رابح:
-حضر متل الحضر اللي هانا  ماتزيد شي. 
- بعد انشوف بعيوني نحكم يارابح. 
هلال:
- صكري فمك يارجوه ومو كل من حكي كلمه انعدي معاكم خدوني  معاكم وحاسبه حالك راجل من ضمن الرجاجيل.. انقبري هانا وكوني متل صبايا القبيلة ثقيلة وبطلي خِف. 
نظرت إليه رجوه بغضب وتهديد ولكنها لم تتحدث، تركت مهمة الدفاع عنها لسالم كالعادة، ولكن كانت هذه المرة الاولي التى يسمع فيها شخص يتحدث معها بهذا الأسلوب ويسكت. 
نظرت له معاتبة فتجاهلها أكثر، فقامت هي بالرد علي هلال وتوبيخه، وما حدث ان رابح أيد كلامه، ووجدت نفسها وحيدة تحارب الكثرة، وتخلى عنها داعمها الوحيد فشعرت بأن درعها فُقد، فما كان منها إلا ان تحاول إستعادته.. فنظرت لسالم وأردفت بنبرة هي واثقة تمام الثقة أنها ستأتي بثمارها:
- عاجبك هكي ياسالم، يعني هلال يشتمني ووده يمشي كلمته على رقبتي وإنت موجود، وحتي رابح بعد، يعني هما مايعرفون إن الكلمه الولى والاخيرة بأمري لسلومتي ومن بعدها يموت كل الكلام.. مايعرفو رجوه لمن مرهونه حتى كل واحد يحكيلي حكي شكل، مايعرفو إن ماحد له كلمه من بعد كلمتك على رجوه؟ 
انتبهت جميع حواس سالم، فهاهي رجوه تعود لسابق عهدها معه، هاهي تلاطفه حتي لو بكلام غير مباشر، والأهم من كل هذا نادته بأحب لقب لقلبه"سلومتي" فبإضافتها لتاء الملكية تملك قلبه في كل مرة من أول وجديد. 

فرد على هلال وهو ينظر أليها:
- هلال مالك شغل برجوه، اذا بنروح للحضر رجوه تروح معنا ومافي قول بعد قولي. 
هلال:
-ياسالم هكي مايصير كون رجال اكتر من هيكي انحس رجوه تسوقك وإنت ماشي وراها كيف التيس. 

هم ان ينهض له ليلقنه درساً عقاباً له على ماتفوه به  ولكن رجوه كانت أسرع وسبقته إليه، وبدأت في ضرب هلال بكل ماتملك من قوة، فتقاعس سالم وجلس ينظر إليها بفخر وفرحة وهو يراها تدافع عنه كالنمرة وإرتوي قلبه اكثر وهو يسمعها تقول لهلال من بين الدفرات والضربات:
- والله ماتيس غيرك، سلومتي ينقال عليه تيس ياتيس التيوس انت، هاد سيدك وتاج راسك وراس القبيلة كلها. 
نظر رابح لرجوة ونظر لسالم وضرب كفاً بكف وأردف:
- وهي انكلبت وهادا فشخ ضبه وراح فيها المسكين هلال، فنهض يدافع عنه ويخلصه من بين مخالبها وهو يقول لسالم:
-  قوووم ياتيس رجوه جزها معاي راح يضيع الوليد بيد المكلوبه، هادا امانة قصير عندي الله لا يوفقك ولا يوفقها.
صدق من قال لو تفرط للصبايا الحبال يقيدو بيها الرجال

انتهى القتال واخد سالم رجوته وأبتعد عن هلال ورابح، وجلس بها على ربوة واخذا ينظران إلى البراح امامهم وبعد فترة من السكوت سألها بهمس مستغلاً هذه الفرصة النادرة:
- رجوه تحبيني؟ 
نظرت إليه واخذت تبحث في ملامحه عن عقاب فلم تجده، عادت للنظر بعيداً وأجابته بإقتضاب:
-اي انحبك ياسالم. 
- قديش تحبيني يارجوه؟ 
- واااجد انحبك ياسالم. 
- لكن ليش تعامليني هيك، ليش ماتحني على قلبي اللي ذايب فيك وترحمى شوقي وحنيني، ليش تغيرتي معي يارجوه ليش انحسك قاسية علي وماعدتي رجوة زمان، انحسك ماعاد تحبي سالم ولا عاد يعنيلك! 
-تتوهم.. ليش ماانحبك يعني، إنت اللي ربيتني ياسالم وانت اللي قدمتلي اللي مافي حدا يقدمه لحد، وعشان هيك انا انحبك. 
- ويش هادا يارجوه! معنى كلامك تحبيتي حب إمتنان، حب شكر ورد جميل، ومو هادا الحب اللي نقصده. 
- كله حب ياسالم مافي فرق، من طول الواحد غالى على قلبنا معناها نحبوه، ومايهم نوع المحبه. 
- لا لا يارجوه غالطه انتي.. هاداك الحب اللي نقصده حب المره للراجل، حب البنت للولد،الحب اللي يخليك اتحبي كل شي انا انحبه الحب اللي يخليك اتشوفيني بقلبك وتحسي بوجودي قبل عينك تلمحني ، حب الزواج اللي يتعمر بيه بيت وتنولد بعده أولاد على هي الدنيا.. معاكِ ان كل هادول عادي يتموا بدون محبه، لكن بالمحبة غير يارجوه، بالمحبه تصير الحياة أحلا..فهمتي علي يابنت هالقلب؟ 
- اي ياسالم فهمت عليك. 
- طيب ايش قولك؟ 
-في ايش؟ 
- بأنك تحبيني متل مانريد تحبيني، تحبيني حب مختلف عن حب البنت لبوها هاد اللي تحبيهولي. 

صمتت ولم تجبه ودفنت رأسها بين ساقيها، فكيف لها أن تعده بما لا تملك منه شيئ، فالقلب ليس باليد ولا يُعاهد بدوام مشاعرة، فهو بيد مقلب القلوب. 
إنتظر طويلاً أن ترفع رأسها وتنظر إليه وتعاهدة، ولكن طالت دفنت رأسها كالنعامة التي تهرب من الخطر، فغير دفة الحديث حينما إفترض خجلها منهو، أو افترض أن لسكوتها أسباب تود الإحتفاظ بها،، وألتمس لها الآف الأعذار وقال:
- هاه قوليلي ايش بنفسك تجيبيه من الحضر من بلد آدم؟ 
 وهنا رفعت رأسها أخيراً وأجابته بفرحة:
- والله مااريد شي، ولااا شي، بس خدني هناك وما تحمل هم ماراح انكلفك ولا راح اندفعك قرش زايد عن حق المواصلات والسفر لا تخاف
- ومن امتى انا نحمل هم القروش ولا انخاف تطلبين مني شي، الخزي عليك ياكلبة القبيلة انا غاية سعادتي وقت تطلبين مني شي وتتمنين علي وانا انحقق أمنياتك، وهو سالم لمن يجمع القروش هااا؟ مو عشانك وليكِ يانبض القلب. 

نظرت رجوه للفراغ وردت عليه:
- تعيش ياسالم والله إنك ابوا الكرم والجود كله وانا عارفتك ماتقصر معاي، بس انا والله غير السفر مانريد.. واذا ودك. تسعد هالقلب قولي امتي هنشدو الرحال  للقاهرة.. ينفع نسافرو غدوه؟ 
- لا مايصير، تعرفين الشيخ منصور مسافر بعد يومين ولازم نودعه قبل سفره ونسلم عليه، هو ماكد إن الكل يوم سفره يكون متواجد كبير وصغير، بده كل القبيلة تكون حاضره ومايغيب منها حدا. 

- نصبرو احنا ايش عندنا غير الصبر نصبرو.. الله يجيبك ياصبر وياطولة البال. 

وصمتت بعدها وهى تحدث نفسها بأنها تصل عنده فقط ولن تعود إلى هنا مجدداً، وستفعل معه المستحيل حتى ينتبه لها، فهذه فرصتها الأخيرة معه، فهو إبتعد ولن تراه إلا كل حين وحين، ومن الحين للحين لن تُفلح المحاولات، فالأمر يشبه الطرق على الحديد يجب أن يتم تِباعاً وأثناء سخونة الحديد، فإن توانت الضربة برد الحديد وصعُب تشكيله والتأثير فيه.. وكذلك الطرق على القلوب يجب أن يكون بلا توقف. 

أما عند آدم في الشركة.. 
وصل عمه يحيي إليه وإبنه ياسين أيضاً، دلفا للمكتب ورأوه جالس يقلب فى الأوراق على المكتب، نظر يحيي إلى إسمه الملقى على الأرض وبغضب قال لآدم:
-هي ايه قلة الذوق دي، وبعدين مالمكاتب كتيره إشمعنا مكتبي يعني؟ 
- هادا اللي عجبني.. خد ابنك واطلعو بره المكتب وبلغهم يسولي إجتماع طارئ ودي الكل هانا حالا،وما نريد مماطله لو انت حنش انا ذيلك ،يارب اتكون فاهم عليا . 
ياسين:
- يابني إنت مجنون ولا إيه حكايتك بالظبط، جاي وقاعد على المكتب وبتتأمر فاكرها شركة أبوك ولا إيه؟ 
أجابه آدم دون النظر إليه:
- لتكون شركة ابوك انت وانا ماندري؟ اي ياقلب هي شركة بوي، وانا جالس على مكتب آبوي، وكل هادا اللي حولك ملك لأبوي... وهااا جهز القروش اللي اخذتها من المزارعين يايحيي لتعطيهم أرضي لأني من غدوة راح نسترد الأرض ونعرف كيف انزعها من فم السبع، وبعدها راح يجولك ودهم اللي دفعوه.. تعرف هادول  الناس ياواكل اقروشهم ،مافي شي يحوشهم.ونصيحتي ماتتهاون بحقهم.. والمخازن كمان راح نستردها، وكل شي سرقته ياحرايمي هترجعه.سوا بالهداوة او بالقوه الامر يرجعلك وياريت تحكم عقلك وما تسترعن وتسوي امور العويل لانه كله يصب في في خزينتك السودا عندي

يحيي بسخرية:
- اعلى مافخيلك اركبه ياأبن محمود، الناس اللي واخده الارض وضع يد اللعب معاهم بالموت، والمخازن اللي مأجرينها بلطجيه ولو قدرت تطلعهم منها ابقي قابلني. 
- راح نقدر وبتشوف، واعلى خيلي إذا ركبته راح ندعك الكل دعك تحت أقدامه.. وتو اصحاب المخازن البلطجيه تبعك اعطيني بس كم ساعة وراح تسمع نواحهم وعويلهم كيف الصبايا على نقالك، بس بالأول راح انمر على المصنع وانشوف كيف شغلي ماشي. 

أنهى حديثه ثم غادر المكتب تحت أنظارهم ونظراتهم الساخطة، واخذ يتفقد كل شبر في الشركة والمصنع. 

أما ياسين فقال لأبيه وهو ينظر إلى آدم:
- يابابا اللي بيعمله الحيوان دا مش هينفع، إحنا لازم نتخلص منه بسرعه، انا سمعتك قبل كده بتتكلم إنت وماما وبتقولوا انكم سبتوه عايش عشان الوصية والفلوس، دلوقتي لا فيه فلوس ولا حاجه هتتأثر بموته، كام فدان أرض والشركة والمخازن ودول عملنا اكتر من تمنهم بكتير، والقصر اوراقه معانا وبقى بتاعنا ومحدش يقدر يقربله، يبقى إيه بقى؟ 
- لا مش دلوقتي ياغشيم.. الواد راجع مسنود ومنعرفش مين وراه ولانعرف لما يموت هيعملوا فينا إيه وكل أصابع الإتهام هتتوجه لينا، إحنا نستحمله وكل حاجه تمشى عالهادي وقضاء وقدر، ولما يتم المراد يختفى زي الاختفاء الاولاني ومحدش يعرف لجثته طريق، وبكده لا وصيه هتتنفذ ولا نخسر أي خسارة من أي نوع.. إنت عارف الكام فدان والمخازن اللي بتتكلم عليهم بإستخفاف دول يسووا كام دلوقتي؟ إنت غبي ياياسين ولا أيه؟ 
- مش غبي بس مابحبش وجع الدماغ.. واللي بيعمله الأخ دا معصبني. 
- معلش نستحمله فترة بس وأنا هخططله فحاجه متخرش الميه. 
- بس بالله عليك ياشيخ بلاش سم الموضوع بقي فاكس اوي، خليها طلقه فنافوخه ونخلص مش لسه هنسمم ونستنى، بلاش طرق الأبيض وأسود في الموت دي. 
- هسيبلك إنت المهمة وانهيها زي ماتحب، بس أهم حاجه مفيش شيئ يتم إلا لما اديك أنا إشارة البدء. 
- تمام. 

لم يلبث الإثنان إلا ساعتين بعدها يتباحثان في أمور العمل داخل مكتب ياسين وورد ليحيي إتصال من رقم مجهول، وحين رد عليه جاءة صوت مستأجر المخازن غاضب مستغيث:
- يحيي بيه فيه جيش هجم علي المخازن طلع كل اللي فيها رماها في الشارع وهددوني إني لو قربت ناحية المخازن تاني هيخلصوا عليا، هو فيه إيه؟ 
- مفيش ابقى تعالالي الشركة بكره خد فلوسك وشوفلك مخازن تانيه. 

انهى مكالمته ونظر لياسين وتحدث بنبرة ذات مغذى:
- مش قولتلك إبن الحرام دا مسنود سنده جامده وكلامه مش مجرد تهديد. 
صمت ياسين وهو يفكر فى الطريقة التي سيتخلص بها من هذا المزعج الذى أتى ليحتل كل شيئ ويعكر صفوا حياتهم. 

عاد آدم للقصر في نهاية اليوم، بعد عشرات المكالمات من أمه وأبيه للاطمئنان عليه، ومثلهم من عمه قصير ورابح وسالم، والشيخ منصور على رأسهم، وهو من تم الإستيلاء على المخازن بفضلة، فقد أسند هذه المهمة لمن يعلم جيداً أن لا أحد لها غيره.. وقد تمت كما أرادها هو وآدم.. وعاد أول حق مسلوب لأصحابه. 

والخطوة الثانية التي خطط لها آدم هى البدء فى تعمير المصنع وإعادته كما كان، وأقسم على أنه سيلتهم به السوق ويجعل أباه يتربع فوق عرش السوق مجدداً ويجعل عمه وأولاده يموتون حسرة وجوعاً وقهراً، قبل أن تاتي مرحلة القصاص الاخيرة، والتي ستكون كالسعير تحرق كل ماتبقى منهم.



تعليقات