
الفصل العشرون 20
بقلم صفاء حسني
طلبت ملك من فهد أن يستمع لها وأن يركن على جنب، وهو كان لا يريد وقال:
"اعقلي يا ملك، لازم تروحي علشان أنتِ تعبانة، وعمك جاي مع فارس عشان نجهّز للفرح، فياريت تسكتي شوية لحد ما نوصل."
اتقمصت ملك وقالت:
"أنا مش جايه معاك، ومش عاوزه اتجوز أصلاً، أنا لسه صغيرة." ثم بكت بالدموع وهي تتحدث:
"أكيد أنا عملت حاجة وحشة عشان كده ربنا عاقبني، حتى سني واسمي! مش متذكّرة طفولتي... تعليمي."
شعر فهد بحزن على حزنها وقال:
"طيب اهدي علشان خاطري، بلاش تعيطي، أنا بتلخبط حرفياً أول ما بشوف دموعك، من أول يوم شوفتك فيه وأنا حالي اتلخبط."
مسحت دموعها ملك بصوابع يديها، ونظرت له وقالت:
"كمل، وقفت ليه؟ احكيلي قابلتني فين، واشمعنا أنا عن كل البنات حبيتنّي، رغم أنك الله أكبر ظابط كبير، واضح ليك شأن."
اتنهد فهد، هو مش عايز يكذب عليها، لكن كمان عايز يحكي ليها أي حاجة، عشان هو عارف أن احساس أنك تحس إنك ضايع، صعب. وهي زي الطفل المولود، لا يرى أو يسمع غير من يمسك يده، ويشعر معه بالحنان. وهي الآن مثله... يتيم، وعمها لم يستطع أن يحميها. فسألها:
"أنتِ ليه بتفكري كتير ومحيرة نفسك؟ عاوزة تعرفي إيه؟"
اتنهدت ملك وقالت:
"عاوزة اعرف كل حاجة."
اتنهد فهد وقالها:
"طيب يا قلبي، ممكن نروح، وبعد كده أكملك كل حاجة."
اتنهدت ملك وقالت:
"هو أنت خايف من حاجة تقولها لي صح؟ وليه حاسة إن قصة الحب اللي بتظهرها لي، مجرد إنّي صعبت عليك، وكانك مجبر تتجوزني؟ هو مين جبرك؟"
في اللحظة دي وقف فهد السيارة مرة واحدة ورفع صوته وقال:
"حسبي على كلامك، أنا محدش يقدر يجبرني على حاجة، مفهوم؟ عاوزة تنزلي اتفضلي، واحنا مبعدنيش عن المستشفى كتير، ارجعي لاهلك وانسي موضوع الزواج."
شعرت ملك بضيق وحزن وقالت:
"عندك حق، وكتر خيرك." وفتحت الباب علشان تنزل ودموعها نزلت من عيونها.
شعر كأنها سكينة في قلبه، ومسك ايديها وطلب منها تنتظر:
"استني، اركن على جنب، متنزليش في وسط الطريق."
رفضت ملك وقالت:
"يحصل إيه؟ عربية هتشلني، ياريت ارتاح، وممكن لو ما ماتش، أفتكر أنا مين، وقتها أعرف أنت مين."
استغرب فهد وقال:
"أنا مين من جهة إيه بالضبط؟"
اتنهدت ملك:
"أنت دايما متناقض، مرة أحسّك إنسان طيب، ومرة أحس إنك شرير زي الوحش."
ابتسم فهد وقال:
"بذمتك أنا وحش، وأنتِ بقى الجميلة؟"
ردت ملك بغضب:
"طبعاً جميلة، وغصب عنك على فكرة، سيب إيدي."
بدأ يهديها وقال:
"طيب، احكي ليك، اهدي شوية، شوفي يا ستي: أنا كنت في عيد ميلاد، ومعزوم في بيت فيه سهر ومغني عشان شغلي، مينفعش نسهر في أماكن عامة. أنتِ كنتِ لبسة فستان أحمر طويل عليك، وشعرك ملموم كحك، كنتِ قاعدة على بار صغيرة وطلبتِ منه عصير."
سألته ملك بلهفة:
"كمل، إيه اللي حصل؟ والبيت يخص حد من أصدقائك؟ أنا ازاي روحت فيه؟"
بلع ريقيه ورد:
"أنتِ كنتِ مع بنت صحبتك، اسمها هدير، وكنتِ قاعدة عندها، وبعد كده قربت منك وطلبت مشروب أنا كمان، وأنتِ كنتِ حزينة وقعدتي تتكلمي معايا وتقولي لي أنت تقدر تشوف لي شغل، سألتك شغل إيه؟ رديت أي شغل، قلت ليكي ينفع تكوني خادمة."
فجأة صرخت ملك:
"......"
فاق فهد من شروده، وكانت ملك بتزعق وبتقوله:
"ممكن تسيب إيدي؟ أنت عندك حق، أنا مين وأنت مين؟"
بدأ يستوعب إنه كان بيتخيل إنه بيلفّ ليها قصة، لكن خاف من عواقبها، وبدأ يهدّي وقال:
"شوفي يا ستي، أنا عندي عرض ليكي يريحك."
اتنهدت ملك وقالت:
"مش عاوزة منك حاجة، سبني أرجع لأهلي اللي اختارتهم، وسبتهم علشان حسيت في لحظة إنك صادق."
اتنهد فهد وقال:
"الله ما يطولك يا روح، يا بنت الحلال، أنا عملت إيه طيب عشان كل ده؟ أنتِ عاوزة تمثلي قصة حب صح؟ طيب، أنا موافق، لكن أقول شرطي."
نظرت له ملك وقالت:
"شرط إيه؟ مش كفاية إنّي نسيت نفسي بسببك، والله أعلم عملت إيه فيا، وكمان عايز تتشرط؟"
زعق فهد ورفع إيده قدام وشها وقال:
"ياباى منك يا شيخة، حتى وأنتِ نسيتي الذاكرة، لسانك طويل."
شهقت ملك وقالت:
"أنا لساني طويل أوكي؟ أنا هوريك دلوقتي هعمل إيه." ونزلت من السيارة وبدأت تصرخ وتزعق:
"الحقوني يا ناس، حتى ينقذني الشاب ده، بيتحرش بيا، وفاكرني سهلة عشان ماشية لوحدي."
انصدم فهد من جنانها، وخصوصاً لما الناس بدأت تتلم وبدأوا يسألوها:
"خير يا بنتي؟ فين اللي مضايقك؟"
مدت إيديها وكانت بتحركها يمين ويسار.
خرج فهد من السيارة وهو منتظر هتعمل إيه المجنونة دي، وإزاي يتصرف، وجي يتكلم:
"......"
أشارت ملك بعيد على سيارة ماشية، من بعيد لسه خارجة من شارع جانبي، وقالت:
"الحمدلله، خاف وجري بالسيارة، لولا الأستاذ المحترم ده، كان ممكن يحصل لي حاجة." وغمزت ل فهد وهي تبتسم وشكرته وقالت:
"شكرا جداً يا فندم."
بدأ الناس تشكره:
"ربنا يكتر من أمثالك." ثم بدءوا يسالوها:
"أنتِ رايحة فين؟"
ردت ملك:
"في مكتب عمل هنا، كنت رايحة أسأل على شغل، وبسأل صاحب العربية، فاتحرش بيا وسحبني، لكن من حظي وقف الأستاذ، بيسأل في إيه جري."
انصدم فهد من الدراما اللي افتعلتها، وشكر ربنا إنه ما قالش ليها حاجة، وما بينه وبين نفسه:
"دي مجنونة عن جد، الحمدلله إنّي مقولتش حاجة، دي اللي كانت صعبانة عليا، وقالت الف لي قصة، لكن طلعت جنبها ولا حاجة."
قطع حديثه مع نفسه على صوت رجل يتحدث مع ملك:
"مين اللي ضحك عليكِ وقال لك إن في شركه هنا؟"
ردت ملك بحزن وقالت:
"يعني أخدت العنوان غلط؟ طيب، اروح فين وأشتغل فين؟"
اقترح شخص ل فهد وقال:
"حضرتك ينوبك فيها ثواب، شغلها عندك، حتى لو خادمة، واضح إنك مرتاح."
أيد شخص تاني وقال:
"فعلاً حضرتك، ربنا بعتك ليها عشان تنقذها من وحش الطريق وكلب السكك."
وقعت الكلمة على فهد وكأن الحكاية بتتعاد من أولها، لكن بطريقة تاني، ورد وقال:
"أكيد، اتفضلي يا شاطرة، اسمك إيه؟"
ابتسمت ملك وقالت:
"خادمتك ملك يا باشا، وبإذن الله مش هتندم."
اتنهد فهد، وما بينه وبين نفسه قال:
"أنا بضرب نفسي بالجزمة يا حبيبتي، مش ندمان."
ركبت ملك معه، والناس مشيت.
...
في الجهة الأخرى، كانت السيارة التي إشارة لها، توجد فيها هدير، وهي تردي حجاب، وفتاة أخرى، وسيدة كبيرة في السن، وشاب ملتحي يسوق السيارة. وكانت تنظر هدير من النافذة وهي تتذكر كيف الحال تغير في لحظة.
/عندما تركت هبة بعد ان حكت لها ما حدث معها وهى تتخيل صدمت هبه وقبلها نغم وهما مستعجبين
كانت تجلس باكية، دموعها تنهمر وهي تدعو الله أن يغفر لها، قائلةً بنبرةٍ ساخرةٍ: "يا الله، كم أخطأتُ! هل هذه هي سعادتي؟". في تلك اللحظة، كانت سيدة مسنة مصابة بالزهايمر تحاول الهرب من الممرضة، رافضةً العلاج.
صرخت السيدة المسنة في الممرضة: "ابعدي عني يا شريرة! والله لأخبر أباكي!"
أخذت تجري، وكادت أن تسقط لولا أن سندتها هدير، قائلةً: "خالي بالك يا أمي، ستقعين!".
نظرت إليها السيدة المسنة، وابتسمت قائلةً: "مين ياسمين بنتي؟ أنا لا أصدق نفسي! وحشتيني!".
انصدمت هدير، لكنها فهمت حالة السيدة، فردت قائلةً: "نعم يا أمي، أنا معكِ".
أمسكت يدها، وجلستا على كرسي الانتظار. غمزت هدير للممرضة، التي فهمت أنها ستعطي السيدة علاجها. كان كل هذا تحت مراقبة الممرضة وهدير، واندمجت هدير مع أمها.
ابتسمت الممرضة، وقالت: "لا أعرف كيف تصرفتُ، ساعدتني في إدخالها قبل أن يأتي ابنها!".
تنهدت هدير، وقالت: "أكيد ابنها رمى أمه في قسم المسنين بالمستشفى!".
قاطع حديثهما رجل، قائلاً: "عفواً، أنا ابنها. سمعتُ ما تقولانه".
نظرت إليه هدير، وقالت: "لا، أبداً حضرتك، عن اذنكم".
أمسكت السيدة يد هدير، قائلةً: "ياسمين، أين تذهبين؟ لا تتركيـني!".
ربّتت هدير على كتفها، وقالت: "لدي عمل يا أمي، سأعود".
لكن السيدة لم تتركها، قائلةً: "ستأتي معي! كل مرة تفعلين هذا، ولا أراكِ. كلميها يا محمود!".
هزّ الشاب رأسه، وسألها: "حضرتك ممرضة هنا يا آنسة؟".
قبل أن تجيب هدير، تدخلت الممرضة: "نعم، حضرتك تسأل لماذا؟".
هزّ الشاب رأسه، قائلاً: "أريدك أن تعتني بأمي مقابل عشرة آلاف جنيه شهرياً".
لمعت عيون الممرضة، وقالت: "طبعاً، موافقة حضرتك!".
هزّ الشاب رأسه نافياً: "ليس أنتِ، أريد الآنسة".
رفضت هدير، قائلةً: "هناك سوء فهم حضرتك، أنا...".
مسكت الممرضة يد هدير، وقالت: "حضرتك صديقتي من عائلة محافظة، ولا يسمحون لها بالعمل ممرضة في المنازل، أنا يمكن أن أكون بديلةً لها".
انفعل الشاب، قائلاً: "حضرتك، أنا أتكلم معها، وليس معكِ! ولو المبلغ لم يعجبكِ، يمكن أن أجعله خمسة وعشرين ألف دولار، وإقامتك، وطعامك، وملابسك، وكل ما تحتاجينه سيكون متوفراً لكِ، مقابل أن تعتني بأمي. لقد تعلقت بها، وهذا نادر الحدوث!".
انصدمت الممرضة، وهي تحسب قبل أن تعترض هدير، التي قالت: "يا حضرتك، هناك سوء فهم، أنا...".
سحبتها الممرضة، وقالت: "حضرتك دقيقة، وسنعود".
وتحدثت مع هدير، قائلةً: "أعلم أنكِ لستِ ممرضة، لكن المبلغ مغرٍ. هذا الشاب رجل أعمال في الأردن، وقد جاء إلى مصر منذ فترة قصيرة، وهو شريك في شركة، ورفض الزواج لكي يبقى مع أمه دائماً. وللأسف، منذ شهور، لم تستجب أمه لأحد، أول مرة تستجيب معكِ. أرجوكِ، وافقي على العرض، وسأكون معكِ.
أعلم أن خمسة وعشرين ألف دولار يعني ماذا! سنقسمها بالتساوي، مال حلال، وستحصلين على ثواب. كل ما عليكِ فعله هو التحدث معها، وأنا سأعطيها العلاج، وسأساعدكِ في الاهتمام بها".
ردّت هدير: "لكنني أول مرة أعمل هذا العمل، وكما يبدو أننا نكذب عليه".
قاطعتها الممرضة: "كذبة بيضاء، صدقيني، سترتاحين. هذا رجل متدين ومحترم، وأنا، معذرة، كنتُ قد سمعتُ قصة حياتكِ وأنتِ تتحدثين مع السيدة هناك. يعني ربنا يعطيكِ إشارة أن تخدمي السيدة هذه لكي يُطهركِ من ذنوبكِ، وستحصلين على ثواب، وأنا أستطيع تسديد ديوني".
تنهدت هدير وهي محتارة.
قاطعهم الشاب، قائلاً: "هل تريدين زيادة؟ أمامي راحة أمي، سأدفع كل ما أملك، الله أوصاني بها".
ردّت الممرضة: "ربنا يخليكِ لها. الموضوع أنها جديدة معنا، وكانت تحتاج مساعدتي في الفترة الأولى، لو أمكن".
رحّب الشاب، قائلاً: "لم أعترض على كل ما يخصّ صالح أمي، موافق عليه، لكن لدي شرط".
نظرت إليه هدير، وقالت: "شرط أيّها حضرتك؟".
ردّ الشاب: "أن ترتدي الحجاب يا أختي، لأن هذا ما أمرنا الله به إذا كنتِ مسلمة. أعلم أن ربنا أمرنا بغضّ البصر، ولكن أمركم أن تستترن بالحجاب، والتعامل
قال الشاب: "أن ترتدي الحجاب يا أختي، لأن هذا ما أمرنا الله به إذا كنتِ مسلمة. أعلم أن الله أمرنا بغضّ البصر، ولكن أمركم أن تستترن بالحجاب، والتعامل سيكون بيننا كثيراً، فلا أريد أن أغضب الله. ما رأيكِ يا أختي؟".
أمر إلهيٌّ دفعها للموافقة، فقالت: "موافقة، لكن ممكن تعطيني فرصة لأجهّز نفسي وأشتري ملابس المحجبات".
ردّ عليها الشاب: "للأسف يا أختي، موعد الطائرة إلى الغردقة بعد ساعة لعملي هناك، فأخبري أهلكِ في الطريق، أما الملابس فسنمرّ على محلٍّ ونأتي بكل ما تحتاجين".
هزّت رأسها دون أن تتحدث، لا تعلم إلى أين يذهبون. عادت إلى الواقع وهو يقول: "البطاقة يا أختي!". انصدمت هدير، وهي خائفة، وخاصةً عندما نظر إليها ظابطٌ في المطار موجّهاً سؤاله: "حضرتك اسمك هدير محروس السيد؟".
قالت هدير، وهي خائفة من أن يكون اسمها مسجّلاً في السجلات: "نعم، في حاجة يا حضرتك؟".
وفجأة، سمعت صوت والدها من الخلف يقول: "هذا اسم ابنتي!"....