
الفصل الثاني والعشرون 22
بقلم صفاء حسني
عندما طلبت سهير منهم أن يبتعدوا من أمامها، طلب فهد منها أن تهدأ، وقال:
"حاضر يا أمي، اهدئي بس، وكل حاجة هتتصلح".
ومسك يد أسماء واتجه بها إلى الحديقة الخلفية، وقال:
"كان لازم تكسري طقم الكاسات من أول يوم لك، أنتِ ليه عنيدة؟".
لفت يدها على رقبته، وقالت:
"غصب عني، وحشتني جداً، وكنت هجنن وأتكلم معاك، وأنت ناسي وواقف مع أصدقائك".
وكشرت بطفولة.
ضمها فهد إلى حضنه، مش أكثر من كده.
وضمها وفضل يدور بها بشوق وحنين.
وهي سعيدة وهي ما بين يديه، وقالت:
"أنا خلاص اتخرجت، وكمان اتعينت هنا، يعني مفيش سفر تاني، وهطلب إيدك من عمي إبراهيم، وهأقول لأمي".
كشرت أسماء وقالت:
"عمرها ما حبتني يا فهد، معتبراني خادمة، وبس حبي ليك مكتوب عليه الإعدام".
قرب شفيفه من شفتيها لكي يسكتها، ودابوا مع بعض للحظات، وقال:
"مش عايز تقولي كده، أنتِ زوجتي، على سنة الله ورسوله. من يوم ما كتبت كتابي عليكِ، في آخر سفريتي، كنت مستني أثبت نفسي في شغلي، وبعد كده أعرف أمي".
هزت رأسها أسماء وقالت:
"عشان كده سمعت كلامك وجيت، لأن بجد أنا من غيرك بأضيع، عقلي بيقف ما بعرفش أعمل حاجة، غير المشاكل بس".
حملها فهد ودخل بها غرفة صغيرة في الحديقة، وهو يقبلها، وقال:
"أنا بعشقك وبعشق مشاكلك، وكل حاجة فيك، ومش هنبعد عن بعض تاني. وعد".
ودخلوا الغرفة واندمجوا مع بعض، روح وجسد واحد.
شعرت سهير بغياب فهد، فذهبت تبحث عنه. وهي تبحث في الحديقة، سمعت صوتهم، فاتجهت نحو الغرفة، وانصدمت عندما وجدتهم معاً، وهو يقول:
"دلوقتي بقيتي ملكي، أنا وبس مراتِ وعشقِتي، وكل حاجة لي".
ضمته أسماء بكل حب، وقالت:
"أنا كلي ليك يا فهد، ولو أقدر أعيش خادمة الفهد، وعُمري ما أبعد عنك لحظة، موافقة، لكن ما أبعدش من حضنك ده".
شهقت سهير وقالت:
"يا بنت الحرام، إمتى لحقتِ توقعّي ابني، وكمان متجوزك! لا، أنا لازم أعمل حاجة. أنا لو ما رجعتكش مطرح ما جئت، ما أكونش أنا. هترجعي وأنتِ مكسورة".
عادت إلى مكانها وانتظرت فهد ليأتي إلى ضيوفه، ثم اتجهت إلى المطبخ.
قام فهد من حضن أسماء وقال:
"المرة دي ما تتحسبش، بس أنا سايب الضيوف، أخرج أاخد شاور وأرجع ليهم، وأنتِ جهزي نفسك، عشان النهاردة هأقولهم إننا اتجوزنا، مفهوم؟".
ابتسمت أسماء بكل فرحة، وقالت:
"حاضر".
خرجت أسماء وهي متجهة إلى المطبخ.
كانت سهير اتجهت لعمي إبراهيم وقالت:
"أنت اتحايلت تجي، لكن أسماء ما تنفعش تكون هي وفهد مع بعض في مكان واحد، أنت فاهمني؟ يا عم إبراهيم، شخصيتها مختلفة، وأنا خايفة على ابني منها. أنا ممكن أتصور منها أي حاجة".
تنهد إبراهيم وقال:
"ما تتصوريش إنها تطلع نسخة منها يا هانم. حاولت، لكن معرفتش، العرق غالب".
سألت سهير:
"تقصد مين؟".
فلاش باك
فاق فهد من شروده على وصلة على الفيلا، وركن، واقترب من ملك وهو يجعلها تستيقظ، لكنها لم تستيقظ، كانت في نوم عميق. حملها مثل ما حدث في الماضي، ودخل بها إلى المنزل. عندما رأتها أسماء، كانت تشعر بضيق وما بينها وبين نفسها، فقالت:
"هي رجعت تاني، أنا قولت إن أهلها ها ياخدوها، وخصوصاً لما عرفت من مرات عمها إنها فقدت الذاكرة. إيه اللي رجعها ده، وفين أهلها؟".
كان فهد نايم على أول أريكة أمامه في هذا الوقت.
اقتربت أسماء ومثلت الدموع، وقالت:
"حمد الله على سلامتها، هي بخير يا فهد، عنك أنا أضبطها".
خادمة في قصر الفهد – الحلقة 22
الكاتبة صفاء حسني
نظر إليها فهد ولم يُعرها أي اهتمام، وأزال يدها، ونادى على إبراهيم قائلاً:
"عمي إبراهيم! عمي إبراهيم!"
جاء إبراهيم جرياً وهو يرد:
"حمد الله على سلامتها، نورت البيت".
هزّ فهد رأسه بالامتنان، ثم قال:
"عملت اللي قولت لك عليه يا عم إبراهيم".
هزّ إبراهيم رأسه بحزن، وقال:
"تم يا بيه، ومن بكرة كل اللي أنت عايزه يتنفذ".
سأله فهد:
"طيب، جهزت غرفتي زي ما قولت لك؟".
ردّ إبراهيم:
"أيوة يا بيه، هو إمتى الفرح بإذن الله؟".
وقعت كلمة "الفرح" على أذن أسماء كالصاعقة، جعلتها تتجمد مكانها، لسانها يريد أن يسأل، وهي خائفة من السؤال.
في ذلك الوقت، بدأت ملك تستيقظ وهي تسأل:
"أنا فين؟".
اقترب منها فهد وقال:
"احنا وصلنا البيت يا ملك".
نظرت إليه، ثم نظرت للمكان وهي تستوعب ما حدث معها، وقالت:
"حضرتك مش الباشا اللي أنقذني من الشاب اللي كان راكب العربية وبيتحرش بيا، صح؟".
اعتقد فهد أنها تكمل التمثيل، وقال:
"أه، أنا. أنتِ بخير؟".
نظرت ملك بتوهان، وقالت:
"طيب، أنت جبتني ليه هنا؟ أنا كل اللي فاكراه إن الناس لما اتلمّوا، وبعد كده مش فاكرة حاجة".
انصدم فهد وبدأ يشك: هل هي تمثل أم تتحدث بجد؟ ثم سألها:
"أنتِ متذكرة إيه بالضبط؟".
ردّت:
"أنا كنت في الشارع بدور على مكتب تشغيل عشان أشتغل، وبسأل شاب، اتحرش بيا، وصرخت، وحضرتك جيت وأنقدتني".
بدأ فهد يشعر بالقلق، وقال:
"طيب، تعالي معايا". ومسك يدها وسحبها وطلع بها إلى الغرفة وأغلق الباب.
شعرت هي بالرعب والخوف، وكانت تتراجع للخلف وهو يتقدم نحوها، حتى وقعت على السرير، وهو اقترب. كانت هي تحته وهو فوقها، ونظر في عينيها لبعض الوقت، ثم سألها:
"هو أنتِ هتفضلي تمثلي عليا لحد إمتى؟ علشان أنا بدأت أشك إنك فقدتي ذاكرتك وبتعملي كل ده عشان تهربي من اتفاق الزواج، لكن الموضوع ما بقاش بمزاجك، وهنتجوز يوم الخميس، مفهوم؟".
نظرت إليه ملك وقالت:
"تمثيل إيه؟ أنا بتكلم بجد، وأنت إزاي أول مرة تشوفني وعايز تتجوزني؟ مش غريبة؟".
ضحك فهد بسخرية، وقال:
"ملعوبة، والدراما الجديدة هي إيه؟ فهميني".
كانت تعدل نفسها ملك من على السرير، وقالت:
"أنت بتتكلم كده معايا ليه؟". ونظرت للغرفة وصرخت:
"أنت كمان عايز تتحرش بيا؟ حد ينقذني!".
كتم فمها بيده وهي تصرخ، وقال:
"مش عايز أسمع لكِ صوت، مفهوم؟ أنتِ مراتي، هنسافر أنا وأنتِ، وهنقضي شهر عسل، وهيكون من حقي، إن عجبك أو مش عجبك، وفي عقد ما بينا. تمثيلي إنك فقدتي الذاكرة، تأليف مليون قصة ما بقاكلش معايا، مفهوم؟".
كانت ملك تتخبط من تحته، ونفسها مكتوم، حتى أغمي عليها.
خرجت هدير ووجدت الشاب واقفاً ينتظرها، ولم يذهب. كانت مستغربة، وسألته:
"حضرتك سايب الحاجة مع مين؟ وليه منتظر هنا؟".
ما كانش عارف يقول إيه ولا عنده مبرر. تنهد وقال:
"مع صديقتك في الطائرة، وطلبت أن تنتظر الطائرة حتى تنتهي، وسوف نتأخر".
اعتذرت هدير بخجل، وقالت:
"أنا آسفة جداً إني أخرتكم". خرجت وهي تبحث بعينيها عن أبيها، ولكن لم تجده. كان الفضول يمتلكها. إنها تعلم ما حدث، وهي قلقة أن يحصل مع أختها زي ما حصل معها، وتقع ضحية لشاب وغد يلعب بها وبمشاعرها. نزلت دموعها. رأى الشاب دموعها، فسألها:
"ما الذي جعلك تبكين؟ هل أنتِ جئتِ معنا عنوة؟".
استغربت هدير لهجته، وقالت:
"يعني إيه عنوة؟".
ابتسم الشاب وقال:
"أقصد غصب عنك".
تنهدت هدير، وقالت:
"لا، بالعكس، أنا فعلاً محتاجة أهرب من كل حاجة، ونفسي أزور بيت الله، عمرة أو حج".
نظر إليها بامتنان، وقال:
"بإذن الله سوف يُقبل دعاءك بالصلاة".
تنهدت هدير وقالت:
"ممكن تعلمني الصلاة لما أسافر معاك، عشان محدش علمني الصلاة. نفسي أتعلم الصلاة والصوم وأحج. نفسي ربنا يغفر كل خطأ، ونفسي الرجل الغلبان يلاقي بنته، عشان بعيد عنك ضياع البنت مصيبة".
شعر الشاب بحزنها وكسرتها
ابتسمت السيدة واستمرت تتحدث عن ذكريات قديمة، وهي تسمع لها، ثم جاء الطعام. وضعت لها قطعة قماش وبدأت تأكلها وتمسح فمها، كل هذا تحت أنظار الشاب.
انصدم فهد، كان يحاول أن يوقظ ملك، وزعل من نفسه لأن الغضب خلاه عنيفاً معها. اتصل بفارس ليطلب منه الدكتور أن يأتي.
"ألو، فارس؟"
كان فارس في السيارة مع هبة ومحمد، متجهين إلى البيت، وقال:
"أخذت هبة ومحمد زي ما طلبت مني، ورايح على بيتي".
زعق فهد وقال:
"لا، تعالي هنا بسرعة! ملك أغمى عليها، ومش عارف أتصرّف ولا فاهم حاجة".
انصدم فارس، وقال:
"إيه اللي حصل؟"
بدأ فهد يتحدث، وقال بالمختصر اللي حصل، وفجأة هي أغمى عليها. تنهد فارس وقال:
"يبقى كده شك الدكتور عماد كان في محله، أنا جاي وآجيبه معايا".
انصدم فهد، وقال:
"شك إيه؟ طمّني، هي بخير؟"
تنهد فارس وقال:
"ملك كل ما هتنام وتصحي من النوم، مش هتتذكر إلا آخر حديث فقط، أي كان الحديث ومع أي حد. عشان الأشعة أثبتت إنها عندها ورم على المخ، ضغط على الذاكرة، وأول ما بتنام أو يغمى عليها، بيقف عقلها عند آخر موقف عاشته، ولن تتذكر ما قبله".
انصدم فهد وقال:
"إيه الكلام الفارغ ده؟ أنا أول مرة أسمع الكلام ده! أوعي تكون أنت وهي بتعملوا ملعوب عليا!".
ضحك فارس، وقال:
"ملعوب إيه بس؟ أنا هجيب لك الدكتور والأشعة. فاكر لما طردت الكل بعد ما سبب شوية؟ ولما رجعنا عملت إيه؟ صدقت إنك مكتوب كتابكم، ووقتها الدكتور طلب تلعب لعبة ويشوف خيالها يوديها لفين. ولما تنام وتقوم، إيه اللي هتفتكره؟".
وده اللي حصل. أول ما نامت وصحيت، افتكرت إن كل القصة اللي عملتها افتكرتها حقيقة.
شهق فهد، وقال:
"طيب دلوقتي لما تصحي أو تفوق، إيه الدراما الجديدة؟".
ضحك فارس وسأله:
"كان آخر كلمة قولتها إيه؟".
تنهد فهد وصرخ فيه:
"هات الدكتور، مش وقت رغي، وأنا هحاول أفوقها". أغلق الهاتف.
وبدأ يتحدث معها:
"ملك، ردّي عليا، فوقي بالله عليك!".
أحضر زجاجة برفان وبدأ يشمّمها لها، وبعد قليل بدأت تفوق. نظرت إليه بحب وهيام، وقالت:
"صباح الخير يا حبيبي". ثم حاوطت رقبته بيدها، وهي تقول:
"أنت وحشتني أوي، كل ده سفر".
وقعت كلماتها عليه مثل الماء البارد، وهو لا يستطيع أن يقاوم قربها منها. بدأ يزيح يده، وقال:
"صباح الخير، ممكن تدخلي تأخذي شاور عشان تفوقي، وبعد كده نتكلم".
ابتسمت ملك، وقالت:
"عيوني". ورمت قبله في الهواء. دخلت بالفعل، أخذت شاور وضبطت نفسها، ولفت البشكير على نصف جسمها، وخرجت. كانت جميلة لا تُقاوم، وزاحت الفوطة من على شعرها، ونزلت على ظهره، واقتربت منه وضمته، وقالت:
"بذمتك، حد يسيب عروسته في شهر العسل ويروح شغل؟ يلا تعال". وسحبته من قميصه فوقها.
كان فهد في وضع لا يحسد عليه، وهي ما بين يديه، ومستسلم بكل جوارحه، ومعترف بزواجهم في هذه اللحظة. فقد السيطرة، ...
فجأة، شعر فهد بدفء لمسه قلبه، واحتضنت ملكه بكل حب. كانت الأجواء حولهما مليئة بالشغف، وكأن الزمن توقف للحظة، كل شيء حولهما اختفى، ولم يبقَ سوى نبض قلبيهما.
اقترب فهد منها أكثر، ونظر في عينيها العميقتين، وكأنهما بحيرتان عميقتان تكشفان أسرار الحب. قال بهمس: "ملك، أنتِ زينتي حياتي، كل لحظة معك تجعلني أشعر بأنني على قمة العالم".
ابتسمت ملك، وبدأت تسحب أصابعه برفق، وكأنها تحاول أن تكتب قصتهما معًا. قالت: "وأنتَ نجم في سمائي، أحتاجك بجواري، كل لحظة، وكل ثانية".
شعرت ملك بشعور غريب يملأ قلبها، وكأنها قادرة على الطيران. وضعت يدها على صدره، حيث كان قلبه ينبض بسرعة، وقالت: "هل تشعر بذلك؟ كل هذا الحب الذي يحيط بنا؟".
أجاب فهد وهو يميل برأسه نحوها: "أشعر به، وكأنه عاصفة من المشاعر. أريد أن نتشارك كل لحظة، كل حلم، وكل ذكرى".
ثم، اقترب منها أكثر، حتى كادت أن تلمس شفتيه. كان هناك توتر جميل في الهواء، وكأنهما على وشك كتابة فصل جديد من قصتهما. قال فهد: "هل يمكنني أن أخذ بيدك إلى عالم جديد، حيث يكون الحب هو القاعدة، والسعادة هي الهدف؟".
أومأت ملك برأسها، وهي تشعر بقلبها ينبض بشدة. "أريد ذلك، فهد. أريد أن أكون معك، في كل حكاية، وكل لحظة".
ثم، في لحظة من الرومانسية الخالصة، تقاربت شفتاهما، ولمست بعضهما برقة. كانت القبلة تحمل كل المشاعر التي لم يعبرا عنها بالكلمات. كانت قبلة مليئة بالشغف، بالحنان، وبوعد بأنهما سيتجاوزان كل الصعوبات معًا.
بعد أن ابتعدا عن بعضهما قليلاً، نظر فهد في عينيها، وقال: "لا شيء يمكنه أن يفرقنا. سنكون معًا، مهما حدث".
ابتسمت ملك، وكأنها وجدت ضالتها. "معك، أشعر أنني أستطيع مواجهة العالم بأسره".
وبدأت تضحك، بينما كان فهد يضمها إليه مرة أخرى، واحتضنا بعضهما في ذلك العالم الخاص بهما، حيث كانت السعادة تملأ الهواء، والحب يحيط بهما كدائرة من النور.وفجاة..