رواية بك أحيا/الحصان والبيدق الفصل الخامس 5 ج1 الجزء الثاني بقلم ناهد خالد


رواية بك أحيا/الحصان والبيدق

الفصل الخامس 5 ج1 الجزء الثاني 

بقلم ناهد خالد

 "الى وكر الثعلب"

"تسوقنا الاقدار لعكس طرقنا المرغوبة، ولكن لربما نكتشف لاحقًا انها كانت افضل الطرق واصلحها" 


فتحت عيناها بعد نوم هادئ استمر لساعات، هكذا ظنت، حين بدأت تتحرك وتفتح عيناها ظنت انها تستيقظ من نومها كما معتاد، لكن ما إن رأت عيناها سقف الغرفة واشتمت انفها لروائح غريبة تعود لمستحضرات طبية، مالت برأسها للجانب لتبصر حامل معدني مُعلق عليهِ محلول متصل بكفها، وحينها أدركت انها في مستشفى ما، وقذف لذهنها المشاهد الأخيرة قبل الإغماء.. 


_مصطفى! 


كان الاثنان يقفا أمام باب الغرفة من الداخل، و"مراد" يحادثه في أمر ما! لكنه التف فورًا حين سمع همسها، فالتفت فورًا ناحيتها ليجدها قد استفاقت فاوقف حديثه مع شقيقها وخطى نحوها بخطوات واسعة متلهفة، و"مصطفى" الذي لم يسمعها لكنه انتبه لحركة "مراد" تحرك على الفور هو الآخر ما إن ابصرها تحرك رأسها بوهن. 


_ خديجة أنتِ سمعاني؟ 


هتف بها "مراد" وهو ينحني قليلاً وعيناه تتفحص ملامحها بلهفة، كانت قد اغمضت عيناها حين شعرت بقربه، والآن ربما حُبس نفسها وهي تشم رائحته وتشعر بهِ بهذا القرب، وبالفعل لم تخطئ، فحين فتحت عيناها مجبرة ابصرته يطل عليها من علو، لتشيح برأسها للجهة الأخرى فوجدت شقيقها يناظرها بابتسامة سعيدة لاستفاقتها، فغمغمت بضيق:


_ هو ايه الي حصل يا مصطفى؟ 


اختفت ابتسامته رويدًا ونظر لمراد بتوتر فليس لديهِ القدرة على اخبارها بما تعانيه، أشار له "مراد" بعينيهِ بحركة فهمها على الفور، فاخبرها بعدما انحنى يقبل جبهتها بحنو:


_ معلش يا حبيبتي هروح بس اجيب حاجه اكلها اصل ماكلتش من وقت ماجينا هنا،وأبيه مراد هيحكلك الي حصل، مش هتأخر.


_ مصطفى! 


نادته وهي ترى هرولته للخارج لكنه لم يجيبها، ولم يلتفت لها حتى! قطبت ما بين حاجبيها غاضبة، وقررت عدم السؤال، لا تريد أن تعرف، او ربما يأتي الطبيب الآن وتعرف ما تجهله منه، لا داعي للتواصل مع هذا الكائن الذي لا تتقبل وجوده من الأساس. 


ظل ينظر لها بضع ثواني فاستشعر قرارها في عدم الحديث، خاصًة وهي لم تعود برأسها تجاهه، ولكنه ماكر.. يعرف كيف يجعلها هي من تحثه على الحديث. 


اعتدل واقفًا واصطنع الضيق والجدية وهو يسألها بصوت بهِ نبرة حادة:


_ ازاي ما تصارحنيش بحاجة زي دي؟ مش شايفه ان كان من حقي اعرف؟ مش معقول بعد ما ابقى جوزك تفاجئيني كده. 


رمشت باهدابها عدة مرات بعدم فهم، علام يتحدث هو؟ أي شيء هذا الذي لم تخبره بهِ! ظلت صامته لثواني لكنها لم تستطع بعد أن آكلها فضولها، فسألت وهي على نفس الوضعية:


_ تقصد ايه؟ اي الي خبيته؟ محدش هنا خبى حاجه غيرك. 


رفع رأسه معتزًا بنفسه وقد نجح في لفت انتباهها، وأجابها بوضوح وجدية خالية من أي مكر او دهاء:


_ أنتِ متعرفيش موضوع تعبك؟ 


لفت رأسها له هذه المرة وهي تخبره بتقطيبة حاجب:


_ اتكلم بوضوح. 


تردد قليلاً في القاء الخبر عليها، فقد شعر أنها ليست على دراية بالأمر، نظر لها قليلاً بصمت، يحاول انتقاء كلماته، واخيرًا لفظ انفاسه وهو يخبرها:


_ بصي هو.. أنتِ وقعتِ واحنا بنتكلم وجبتك هنا، الدكتور كشف عليكِ وقال إن دي كانت غيبوبة. 


وصمت.. علها تدرك ما يريد ايصاله من كلمته الأخيرة، وان لم تفعل سيضطر اسفًا للتوضيح، والغريب كان رد فعلها، حين تنهدت تنهيدة عميقة قبل أن تقول براحة:


_ فكرت حاجة تانية. 


رفع حاجبه الأيسر بدهشة يسألها:


_أنتِ كنتِ عارفة بجد؟ 


اغمضت عيناها بسأمٍ تجيبه باقتضاب:


_ ايوة. 


_ من امتى!؟ 


_ من كذا سنة، بعد موت ماما على طول. 


_ازاي بجد مقولتليش؟ 


رددها بتساؤل مستنكر، غير مصدقًا انها لم تخبره بأمر كهذا، امر بالغ الأهمية، فتحت عيناها ونظرت له بسخرية مريرة مردفة:


_مابلاش أنتَ. 


أدرك مغزى جملتها، فقلب عيناه بضيق وهو يخبرها:


_ الموضوع مختلف، أنتِ كان لازم تبلغيني، لأن ببساطة من حقي كجوزك اعرف، عشان ابقى دايمًا ملاحظك والحقك لو حصل حاجة، النهاردة لما وقعتِ كده لو كنت اعرف كنت فهمت انها لها علاقة بيه، بعدين ازاي مقولتيش طول فترة الخطوبة، يعني كنتِ ناوية تخبي لامتى وتخبي ليه اصلاً؟ 


احتدت ملامحها وهي تجيبه:


_ انا مخبتش قاصده، انا بس الموضوع عندي مش لدرجة تخوف، تقريبًا ممكن يحصل مرة كل شهرين او اكتر، غير كده سكري منتظم على الاغلب، وعمري ما دخلت في غيبوبة، كنت بلحق نفسي على طول، عشان كده مشوفتش الموضوع مهم للدرجة، بعدين انتَ اخر واحد تلومني اني خبيت حاجة، على الاقل يوم ما خبيت، خبيت حاجة تخصني لوحدي، عدم معرفتك بيها مش هتأذيك في حاجة. 


هز رأسه موافقًا حديثها وقال:


_ انا فاهمك على فكرة،  بس الي أنتِ خبيتِ عليه زين مش مراد، زين الي كان طبيعي جدًا يعرف ان خطيبته عندها مرض زي ده، يعني متبرريش لنفسك، فاكره لما خرجنا وجبتلك مولتن كيك، وقتها كلتي معلقة واحدة ورفضتي تكملي، وقولتيلي انك مبتحبيش الحلويات، رغم اني عارف انك من صغرك كنتِ بتعشقيها، بس وقتها قولت يمكن اتغيرتِ، لكن دلوقتي فهمت.. وفهمت برضو الكميات القليلة الي كنتِ بتاكليها من اي نشويات، كان ممكن في اي مره من دول تقوليلي الحقيقة.. عرفتي بقى ان مفيش حاجة اسمها مجاتش فرصة. 


وقبل ان تتحدث قطع حديثها فتح الباب ودلوف شقيقها ومعه الطبيب، الذي القى نظرة أخيرة عليها ليخبرهم بعدها:


_ لا تمام كده، هكتبلك على خروج فورًا، مستوى السكر بقى عال وثابت بقاله شوية كويسين. 


_ دكتور ياريت متنساش طلبي.


اومئ موافقًا يخبره:


- بالفعل كلمتهم، وهيتشحن من بكره، خلال يومين هيكون عندك، وده أحدث نوع نزل وكل الدكاترة بيشكروا فيه جدًا، بس هو له مدة وبعدها لازم تجدده، يعني غالبًا هتحتاج واحد كل شهرين. ودي مدة طويلة بالنسبة لصالحية باقي الاجهزه المشابهه عشان كده غالي شويتين. 


هز رأسه بلامبالة وعقب:


_ اطلبلي ١٠ واول ما يوصلوا بلغني.


اتسعت أعين الطبيب بذهول الجمه لثواني، ثم حرك راسه باستنكار يقول:


- ١٠ ايه! لا حضرتك مش متخيل سعره، ا... 


_ جرا ايه يا دكتور! انا عارف انا بقولك ايه؟ 


هتف بحدة وقد ضاق صدره، لتمرر "خديجة" انظارها بينهما وقد ادركت ان الحديث الدائر حول شيء يخصها، فنظرت للطبيب تسأله:


_ هو ايه ده؟ 


نظر لها الطبيب ومازالت ملامحه مدهوشة، مستنكرة:


- جهاز لقياس السكر، عشان يعرفك اذا كان عالي ولا واطي، وكمان بيدي تحذير قبل ما تتعبي بوقت كافي عشان تلحقي نفسك، بس الاستاذ مش عاوز حتى يسمع السعر مني، لانه اكيد مش هيطلب العدد ده بعدها. 


_ بكام؟ 


سألته بفضول، ليقاطعها "مراد" قائلاً:


_ مفيش داعي نعرف. 


_لا في... 


حولت انطارها له وهي تخبره بتحدي وكبرياء:


_ فيه اني مش هسمح انك تجبهولي، انا هجيبه لنفسي، شكرًا لخدماتك بس مستغنيين عنها. 


اعادت ببصرها للطبيب تسأله بالحاح:


_ بكام يا دكتور؟ 


رأى الطبيب الاصرار يلمع في حدقتيها فاضطر لاخبارها وقال:


_ الجهاز الواحد ب ٤٥٠ دولار لانه لسه حديث. 


ابتعلت ريقها بتوتر وهي تسأله بأعين زائغة:


- هو الدولار بكام دلوقتي؟ 


ابتسم لمظهرها وهو يجيبها:


_ ب ١٦ ج، بصي الجهاز تكلفته ٧٢٠٠ج، عشان كده بقول ان ال ١٠ اجهزه هيكون مبلغ، يعني هيكون ٧٢ الف جنية، فده الي كنت عاوز اوضحه. 


بُهتت وهي تستمع لتلك الارقام الخيالية، يا للسخرية سعر الجهاز الواحد يكفي معيشتها لثلاثة اشهر كاملة! ( افتكروا اننا في عام ٢٠٢٠)، ان حاولت التدبير لشرائه ستحتاج لستة اشهر ربما! وستدبرهم بعناء، ابتلعت ريقها لتُذهب تلك الغصة التي انتابتها وهي تقول:


_ شكرًا يا دكتور متطلبش حاجة. 


رفع الطبيب نظره ل "مراد" الذي اشار له بعينيهِ بألا يهتم لحديثها، وهي فهمت ملامح الطبيب حين هز رأسه بلا معنى وذهب، ليتأجج غضبها وتطيح بهِ وهي تقول:


_ على فكره فهمت انك غمزتله.. 


قاطعها مشيرًا لنفسه بذهول، مرددًا باستنكار انهاه بنبرة عبثية:


_ انا اغمز لده؟ انا مغمزش لحد غيرك يا جميل. 


شهقت بتفاجئ من جملته الأخيرة، والتي اتبعها بغمزة حقًا من عينه اليسرى! هل هذا وقته! وكيف يتعامل باريحية هكذا! 


_ على فكره لو جبته مش هاخده، فوفر فلوسك. 


ابتسم ببساطة يخبرها بصدق واضح:


_ فلوس ايه بس، هي دي فلوس! على فكره لو كان قالي الواحد بمليون كنت هجيب ١٠ برضو ومش ببالغ ولا بفتح صدري على الفاضي، بس انا عمومًا مبهتمش للفلوس ولا بركز معاها، هركز بقى وهي مصروفة في حاجة تخصك! المهم متخضنيش عليكِ تاني كده. 


قال جملته الأخيرة وقد تغضن جبينه بالحزن، كما ظهر التأثر جليًا على وجهه، لتشيح برأسها وهي ترى صدق شعوره، وتوقن مصدقية حديثه. 


_ يلا عشان نخرج ولا ايه؟ 


قالها "مصطفى" منهيًا الحديث في ذلك الموضوع الشائك، فليكفي قبل أن يتحول النقاش لشجار وتتعنت شقيقته أكثر. 


_ اه يلا انا اتخنقت. 


رددتها وهي تعتدل محاولة الاستناد على ذراعيها للنهوض بعد ان ازال الطبيب الابره من كفها، واسرع شقيقها يساندها، بينما وقف "مراد" مانعًا ذاته بالكاد من الاقتراب، فقط كي لا يخلق مشكله، وهو يعلم رفضها، ويعلم انها لن يتقبل الرفض صراحًة هكذا. 


استندت على ذراع شقيقها وسارت معه وأمامهما "مراد" حتى وصلا لسيارته، فاستقلت المقعد بالخلف بصمت، ولم يعقب أحد، واستقل "مصطفى" المقعد المجاور" لمراد". 


__________________


ترجلت من سيارتها ودلفت للمستشفى على الفور، اخذت تشق طريقها الذي تعلمه جيدًا حتى تصل لمكتبه، ولكن حين وصلت لم تجده، ظلت تلتفت حولها حتى وجدت ممرضة تمر من جانبها فاوقفتها تسألها بعجالة:


_ لو سمحتِ دكتور باهر فين؟ 


_ الدكتور بيمر على مريض، خمس دقايق وهتلاقيه هنا تقدري تنتظريه. 


وانسحبت لتجلس "جاسمين" أمام باب غرفة مكتبه، تنتظر مجيئة، واحنت رأسها بارهاق جلي، تشعر بالأرض تدور بها من فرط مجهودها ربما منذ ان علمت الخبر. 


دقائق قليلة وكان يقف أمامها، لتنتبه له، فرفعت رأسها تواجهه، ونهضت بعدها تقف أمامه، طالت النظرات الصامتة بينهما، وكلاهما يتفحص الآخر، هو يبدو مرهقًا، شاحبًا، تائهًا! وهي تبدو مُتعبة، حزينة، يائسة، الأعين خلت من العتاب من جهتها، لكنها شعرت أن أعينه تعاتبها هي، فعضت شفتها السفلى بتوتر وبعدها هتفت بارتعاش:


_ انا.. انا مكنتش اعرف.. لسه عارفه، البقاء لله. 


منذُ رآها وادرك انها علمت بالخبر، لا يهم من أين، لكنها علمت وأتت لتواسيه، هز رأسه قليلاً وهو يقول بجمود:


_ الدوام لله وحده. 


اصابها التوتر اكثر لتفرك كفيها ببعضهما باحثة عن حديث مناسب، حتى قالت:


_ اا.. يعني مكانش المفروض تنزل الشغل، كان المفروض ترتاح. 


هز رأسه نافيًا وقال:


- مفيش داعي. 


حركت رأسها باتجاهه مكتبه لتهتف بنفس التوتر:


_ ينفع ندخل بدل وقفتنا دي؟ 


وبدون ان يجيبها تقدم يفتح الباب لتتبعه واغلقت الباب خلفها، بينما اتجه هو للأريكة وجلس فوقها بارهاق واضح، وثبت نظره على الأرضية اللامعة، اقتربت وجلست على المقعد المجاور له تنظر له تارة وتتنهد تارة أخرى، ظلت هكذا لدقيقتان على الاغلب حتى قررت الحديث:


_ باهر.. أنتَ كويس؟ 


اومئ برأسه والتزم الصمت، لكن تأكيده لم يفرق معها فهي تدرك كذبه، لذا اصرت على الضغط عليهِ، فقالت بكلمات تبدو سخيفة:


_ كويس ازاي! أنتَ والدك لسه متوفي امبارح! طبيعي تكون كويس يعني!؟ 


رأته يغمض عيناه وتهتز جفناها بشكل مبالغ، لا تعلم هل من العصبية ام يحاول التحكم في نفسه، وسمعته يقول بنبرة ارتعشت في اخرها:


_ اعمل ايه يعني؟ اقعد انوح زي النسوان؟ ولا اروح ادفن نفسي جنبه!؟ 


_ مقولتش كده بس... 


قاطعها حين فتح عيناه وهو يردف بصوتٍ مرتفع قليلاً:


_ هو مدنيش فرصة لأي حاجة اصلاً راح فجأة من غير حتى ما اودعه.. راح من غير ما.. 


صمت وأخذ يتنفس بسرعة، وقد علىَ صوت تنفسه وكأنه يلهث، لتنهض على الفور وجلست بجواره تشاركه الاريكة، ودون تردد وضعت كفها فوق ذراعه تمسد فوقه بمؤازرة وتقول:


_ خرج الي جواك يا باهر.. كتمانك ده وحش وه.. 


قاطعها حين تشنج جسده فجأة اسفل كفها، ورفع كفيهِ يغطي وجهه، لتسمعه ينخرط في نحيبٍ حارٍ، لتتساقط دموعها فورًا بتألم، وهي تجذبه لحضنها تحيطه بذراعيها بقوة وهي تقبل رأسه تارة، وتمسد بكفيها على ظهره تارة أخرى علّه يهدأ. 


فقدان الأب شعور لا يوصف مدى بشاعته، وهذا في العموم، أما بالخصوص إن كان رجلاً صالحًا، حنونًا، متفهمًا، رحيمًا باولاده، يكن غيابه جرح غائر لا يلتئم مهما مر الزمن، ولحظة فقدانه تكن كسره حقيقية لظهر اولاده، كسرة لن تعالجها العمليات الجراحية ولا امهر الاطباء، وتشعر أنك قفزت بسنوات عمرك لتصل لسنوات مضاعفة من المسؤولية، والهم، والحزن، والتشتت، وتقذفك الحياة لحيثما تشاء، فلا تجد من يواجه تخبطها بدلاً منك، وتحتمي أنتَ بظهره.. بظله. 


_____________


توقفت السيارة ففتحت عيناها وقد ظنت انها وصلت لحارتها المألوفة، لكنها قابلت مكان غريب لا تعرفه،  مبنى معماري غريب عليها، جميل وانيق، بشكل آثار قلقها، حتى المنطقة السكنية جميعها على نفس السياق، تلتفت حولها وهي بالسيارة ليزداد ذعرها وهي تدرك أنها في أحد الأحياء الراقية المنتمية للطبقة المخملية، عادت برأسها له في حدة تسأله بنظرات تطلق شرارًا:


_ أنتَ جبتنا فين؟ 


نظر لها عبر المرآة الوسطى، واجابها بهدوء:


_ بيتك يا حبيبتي. 


استشاطت اكثر لتضرب جانب مقعده بكفها بعنف وهي تصرخ بهِ:


_بيت مين أنتَ شارب حاجة، انا لايمكن اقعد هنا، رجعني بيتي فورًا، انتَ سامع. 


_ صوتك عالي اوي يا حبيبتي ومزعج بصراحة. 


قالها ببرود تام، فتعالت انفاسها الغاضبة، وما كادت تطيح بهِ مرة أخرى حتى اوقفها حديث شقيقها:


_ خديجة، مش هتفرق كتير دلوقتي من اخر الاسبوع، مش كنتوا هتيجوا هنا اخر الاسبوع؟ 


ارتفع صوتها أكثر وهي تجيبه:


_ ده كان قدام باهر الكلام ده، لكن عمري ما كنت هسمحله يحصل، انا بس سكت عشان مش وقته وباهر فيه الي مكفيه، لكن كنت ناوية اكلمه وافهمه كل حاجه قبل الاسبوع ما يخلص. 


رفع مراد أصبعه وهو يردد بمرح زائف:


_ شوفي عشان نيتك دي، حصل موضوع تعبك ومينفعش اسيبك تكوني في البيت لوحدك. 


_ليه نوغة! رجعنا قولتلك.


صرخت بالأخيرة ليضع كفه فوق أذنه بتأفأف زائف، وعقب "مصطفى" :


- معاه حق، انا نفسي هبقى خايف عليكِ وانا رايح الدروس او المدرسة، وجودك هنا أأمن، ده كمان في خدم يعني حتى لو انا وابيه مش موجودين في عشرة غيرنا موجودين هياخده بالهم منك، ويلحقوكي لو حصل حاجة. 


_ انا بقالي سنين عايشة لوحدي وعارفة وضعي كويس مش محتاجة حد ياخد باله مني متعصبنيش أنتَ كمان، دي مش حاجة جديدة عليَّ! 


رفع منكبيهِ بعدم اهتمام بحديثها:


_ انا مش هبقى مرتاح بعد ما عرفت، وهفضل قلقان عليكِ... 


وقبل أن تتحدث كان يسأل "مراد" مبتسمًا:


_ قولي يا أبيه في pool جوه؟ 


حرك رأسه ببساطة:


_ طبعًا. 


_انا بقول انزل اشوفه لاحسن هموت واشوفه على الحقيقة، مش في الصور وبس. 


انهى حديثه وفتح باب السيارة مترجلاً منها، تحت نظرات الدهشة من "خديجة" التي صرخت باسمه بعصبية بالغة والحقته بسبة بذيئة لحد ما، قبل أن تحاول فتح بابها للنزول خلفه، لكن لم يُفتح.. 


_ افتح الزفت ده احسنلك.


قالتها وهي تشرب على الباب بعصبية وقد أدركت انه من اغلقه، ليلتفت بنصف جسده لها وهو يخبرها بنظرات ثابتة:


_ مش قبل ما نتفق.


- نتفق! 


           الفصل الخامس ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات