رواية أبو الرجالة الفصل الثاني عشر 12والثالث عشر 13والرابع عشر 14والخامس عشر 15السادس عشر 16بقلم شيماء سعيد


رواية أبو الرجالة 

الفصل الثاني عشر 12 والثالث عشر 13

والرابع عشر 14 والخامس عشر 15 

السادس عشر 16

بقلم شيماء سعيد

12🩶

بمنزل فريد.

أخذت هالة تتابع أحد البرامج على التلفاز بملل شديد وبين كل دقيقة والأخرى تنظر لهاتفها المحمول، الساعة العاشرة صباحاً وفريد من ليلة أمس خارج المنزل، تنهدت بتعب وجملة والدها تعود برأسها من جديد :


_ ده مش حب ده قلة قيمة، شخصيتك اختفت من يوم ما حبيتي البني آدم ده..


ابتسمت على حالها يا ليت والدها يعلم الحقيقة كاملة، دق قلبها مع سماع صوت خطواته تقترب من الغرفة فقامت سريعاً لتفتح الباب مردفة بلهفة :


_ كنت فين كل ده يا حبيبي وحشتني أوي وقلقت عليك أوي أوي..


جذبها بحنان ليضمها لصدره ثم وضع أعلى رأسها عدة قبلات حنونة، أخذت هي نفسا عميقا ثم رفعت نفسها قليلاً ليصل إليها أكبر قدر من رائحة عنقه المميزة، بعد دقيقة كاملة أبعدها عنه مردفا :


_ أنا خطبت..


أتسعت عيناها بذهول، فتاة ثالثة بحياته؟!. تشوش عقلها بعدم فهم وقالت :


_أنت لحقت تزهق من فيروز عشان تخطب بعدها..


ألقى بجسده على الفراش بتعب مشيراً إليها لتاتي بين أحضانه نفذت أمره ونامت على صدره ليقول بنبرة هادئة :


_ أنا متجوزتش فيروز، لكن خطبت هادية أختها النهاردة الصبح..


صدمة جديد حلت على رأسها ما السحر المميز بفتيات تلك العائلة؟!.. أبتعدت عنه وعينيها تبحث عن الإجابة بداخل عينيه هامسة :


_ وهي موافقة تتجوزك بعد اللي أنت عملته في أختها..


أومأ إليها ببساطة وابتسامة حنونة :


_ موافقة وفرحي عليها هيبقى أخر الشهر، بس سيبك من كل ده أنتِ مالك حلوة النهاردة كدة ليه؟!..


نسيت كل شيء وابتسمت إبتسامة بلهاء تدل على مدى سعادتها قائلة :


_ بجد يا فريد أنت شايفني حلوة؟!..


تحرك قليلاً لتسقط من فوق صدره على الفراش وضم خصرها لتبقى مقيدة بين يديه هامسا :


_ أنتِ متأكدة إنك ست حلوة أوي ومش محتاجة رأيي عشان تتأكدي من ده..


نفت بحركة بسيطة من رأسها بحزن ثم قالت :


_ المهم إني أبقى في عينك حلوة مش فارق معايا حاجة تانية..


طبع قبلة خفيفة على جفن عينها مجيبا عليها بقوة :

_ لو مش حلوة في عيني مش هقرب منك، أنا راجل بحب الستات ومش أي ستات لازم تكون حلوة وأوي كمان..


ضمت نفسها إليه برجفة بجسدها من كم المشاعر التي تشعر بها على يده مردفا بذوبان :


_بعشقك يا فريد..


____ شيماء سعيد _____


بمنزل خاطر دلفت إليه نوسة زوجته السرية السابقة لتجده يضرب بأي شيء أمامه بالحائط ابتلعت لعابها بتوتر وعقلها حثها على الرحيل من أمامه قبل أن يتحول عليها، وقبل أن تخطو بساقها خطوة واحدة للخارج جذبها من خصلاتها لتسقط على الفراش صارخا بغضب :


_ اترزعي هنا هو أنا طلبت منك تروحي في حتة..


حركت رأسها سريعاً نافية قالت بنبرة صوت متقطعة :


_ قولي بس مالك يا سيد الناس إيه اللي مزعلك؟!..


ماذا يقول، يقول أنه أخذ أول صفعة بحياته من امرأة؟!.. كيف يقولها؟!.. يغلي يشعر بغليان بأعماق قلبه يحثه على حرق الأخضر واليابس، ابنة ثريا لعبت به والآن وافقت على الزواج من شقيقه..


مع اشتعال جسده خلع قميصه وألقى به على الأرض قائلا :


_ قومي هاتي ورقتين عرفي من جوا ونادى البواب..


أتسعت ابتسامتها من جملته، سيعود زوجا لها من جديد وهذا يوم عيدها، قامت سريعاً لتفعل ما طلبه منها وخلال دقائق كانت بين أحضانه، مررت يدها على صدره هامسة :


_ شكلك مش مبسوط اننا رجعنا يا سي خاطر..


_ لا مبسوط ولا طايقك بس جوايا طاقة مكبوتة لازم تخرج..


رغم غيظها من رده الا إنها صمتت وذهبت معه بأرض ممتعة لا يستطيع رجل أخذها إليها من وسط كل علاقاتها إلا خاطر أبو الدهب، بعد وقت طويل انتهى وكأنه بداخل حرب ولكن نيران قلبه لم تنتهي، زاد الأمر سوءا مع وصول رسالة واتساب على هاتفه أخذ الهاتف ليراها ويا ليته لم يفعل " أكيد أنت حاليا بطلع همك في واحدة من ****** اللي تعرفهم، تعيش وتأخد غيرها يا إبن أبو الدهب"..


اللعنة هذه الفتاة تقوده للجنون، قام من على الفراش مردفا :


_ ماشي يا بنت ثريا أقسم بالله ما حد جايب عينك الأرض غيري عشان تعرفي أنتِ بتلعبي مع مين كويس..


_____ شيماء سعيد _____


بمنزل كمال..


بغرفة فيروز وهادية، ظلت فيروز صامتة منذ ما حدث، أخذت تضع ملابسها بخزانة الملابس الجديدة وبعدما إنتهت ألقت نظرة سريعة على هادية التي تفرك بيدها بتوتر وقالت بهدوء :


_ أحط هدومك في الدولاب معايا وإلا هتعمليها أنتِ؟!..


هذا الصمت قاسي على قلبها، قامت من على الفراش بخطوات بطيئة وعينيها بالأرض لا تعرف ماذا تقول أو كيف تشرح، وقفت أمام فيروز وقالت بحزن :


_ هتفضلي ساكتة كتير؟!.. أكيد في كلام بنا لازم يتقال مش كدة؟!..


فتحت فيروز ذراعيها لتتعجب هادية من هذا التصرف الا أنها ألقت نفسها بين أحضان شقيقتها وكأنها وجدت أخيراً طوق النجاة، قدرة فيروز على ما يحدث حولها إنتهت، تلك الحرب خاسرة وكل من حولها يخوضها بلا وعي، مررت كفها على ظهر هادية مردفة :


_ اية رأيك يا هادية لو نحجز كلنا عند دكتور نفسي، حاسة إن بعدها هنرتاح كلنا..


أبتعدت عنها هادية بذهول قائلة :


_ أنتِ بتقولي إيه إحنا مش مجانين عشان نوصل للمرحلة دي، لو فعلاً عايزة ترتاحي يبقى لما نأخد حقنا الأول..


فلتت ضحكة ساخرة من فيروز قبل أن تردف :


_ حقنا من مين؟!.. المثل بيقولك اللي ميخافش ربنا خافي منه، عيلة أبو الدهب كلها ماشين غلط من غير ما يحسوا بلحظة ندم واحدة، هادية حبيبتي أنتِ الوحيدة فينا دلوقتي اللي لسة على الشط، أبعدي عن الطريق ده أنا مش عايزة أخسرك..


_ أنا نزلت البحر فعلاً وحالياً يا أما أغرق أو أطلع سليمة..


جذبت فيروز خصلاتها بجنون وقالت :


_ فريد وخدك كوبري وممكن عادي يقعد معاكي يومين ده واطي لكن بعد كدة هيكون مصيرك إيه؟!..


أقتربت هادية من شرفة المنزل ونظرت لخاطر الذي يهبط من سيارته وعلى معالم وجهه حالة من الغضب، رفعت كفها إليه وأرسلت له قبلة بالهواء مردفة لفيروز :


_متخافيش في واحد تاني عايزني ومش هيخلي فريد يقرب مني، المرة دي مش هنخسر يا فيروز ولاد أبو الدهب هما اللي هيخسروا بعض..


جلست فيروز على الفراش قائلة بتعب أعصاب :


_ محدش فينا هيطلع كسبان يا هادية....


_أنا هطلع كسبانة متخافيش..


أنهت جملتها وخرجت من الغرفة، تعلم أن المواجهة صعبة خصوصا مع شخصية مجنونة مثل خاطر ولكنها ستكون أكثر من متحمسة لرؤية رد فعله، بخطوات سريعة وصلت لباب المنزل حتى تفتحه له قبل أن يفتحه هو، رفع رأسه ليراها أمامه تبتسم إليه إبتسامة مستفزة، قائلة :


_ شوفتك وأنت جاي قولت لازم افتح لك الباب بنفسي عشان تحس إن بقى عندك أخوات بنات في البيت.. 


جاءت إليه بنفسها دون أن يبذل معها أي مجهود، وهو أكثر من مرحب بذلك، لون شعرها البني الغامق لفت نظره ليمد يده مرة واحدة وياخذه بكل قوة ويسير بها لغرفة نومه، وضعت يدها على يده قائلة بألم :


_ شيل أيدك يا حيوان أنت بتوجعني.. 


أغلق باب غرفته بساقه ثم تركها مردفا ببرود :


_ أدخلي حضري الحمام.. 


جزت على أسنانها بغيظ قائلة :


_ حمام إيه ما تفوق بدل ما أمسح بيك بلاط الحمام.. 


_ تؤ تؤ كدة أزعل منك يا هادية، مش الأخوات برضو بيحضروا لبعض الحمام خصوصاً لو الأخ ده تعبان وشقيان.. 


مستفز ولكنها هي الأخرى تأخذ لقب مستفزة عن استحقاق، أومأت إليه ودلفت للمرحاض ليدلف خلفها مبتسما فقالت :


_ مش كان أولى تستحمى في المكان اللي كنت شقيان فيه؟!.. 


حرك رأسه بمكر ووضع أصبعه تحت الماء ليقيس درجة الحرارة قائلا :


_ كتر خيرهم عملوا معايا الواجب كمان هطلب منهم يحضروا الحمام هبقي قليل الذوق أوي.. 


إنتهت من وضع الماء وقالت وهي بطريقها للخارج :


_ طول عمرك بتعرف الأصول، همشي بقى عشان أرن على خطيبي.. 


قالتها لتخرجه عن بروده هذا إلا أنه جذبها لتسقط معه بحوض الاستحمام مردفا :


_ طول عمرنا أبويا معلمنا لما يكون معانا حاجة نقسمها سوا، وفريد عمره ما عز عليا حاجة نفسي فيها.. 


______ شيماء سعيد ______


بغرفة كمال..


كان الحال عجيب، الغرفة بأكملها شموع غارقة ببحر من الورد الأحمر، نظرت إليه ثريا بذهول وقبل إن تخطو خطوة واحدة للداخل حملها بين ذراعيه مردفا بحنان :


_ مفيش عروسة تدخل بيتها على رجليها أبداً هشيلك بين أيديا عشان أفضل العمر كله شايلك..


لمس قلبها بجملة بسيطة جعلها ترتجف من حلاوة تلك المشاعر، وضعت كفها على صدره لتحاول النزول إلا إنه تمسك بها أكثر مردفا :


_ بطلي فرك دي ليلة مفترجة...


_ وايه المناسبة إن شاء الله؟!..


وضعها علي الفراش المزين بقلب من الورود قائلا بمكر :


_ مهي الليلة دخلتنا يا عروسة، مش الناس كلها عرفت إنك مراتي يبقى لازم أدخل..


بحركة مفاجأة ضربته على صدره ليفقد توازنه ويسقط أرضا، أصابته حالة من الذهول بسببها جرئتها تلك في التعامل معه، فهي منذ أول ليلة لهما معا هادئة مطيعة رغم قوتها تأتي أمامه وتبقى صامتة، قال :


_ في إيه يا بت مالك جبتي الصحة دي كلها منين..


أجابته وهي تسند ظهرها على الفراش وتضع كفها على بطنها تمرر اياه على طفلها بحنان مردفة ببرود :


_ اتجوزتك عشان الواطي اللي كان قبلك صورني وباع الفيديو ليك، كنت مذلولة طول السنين اللي فاتت دي عشان خايفة من الفضيحة من شكلي أدام بناتي أما دلوقتي بقي معنديش حاجة أخاف عليها أو منها يا أبن أبو الدهب..


اللعنة يبدو أنه فقد سيطرته بالتحكم بها، جذبها من خصرها لتبقى بين أحضانه هامسا بنبرة لعوب :


_ بلاش نبوظ الدخلة ونبقى نحل المشاكل العائلية دي بعدين، تعالي في حضني خليني أحس بطعم السمنة البلدي..


حركت رأسها بنفي وهمست وهي تلعب بزر قميصه :


_أنت دخلت من زمان، تبعد بالأدب والا أصوت وألم عليك البنات والرجالة يا أبو الرجالة؟!..


أبتعد عنها مثل الطفل الصغير الذي حرم من وجبة الايس كريم المفضلة لديه وأردف بحسرة :


_ بس ده ظلم يا ثريا..


أجابته بسخرية قبل أن تفتح حقيبة ملابسها وتأخذ منها منامة النوم خاصتها وتدلف بها للمرحاض :


_أهو مرة من نفسك تبقى مظلوم بدل ما أنت أبو لهب طول الوقت..


أغلقت الباب بوجهه ليحرك رأسه برفض لما يحدث أمامه، هو قتيل تلك الليلة ولن يتركها مهما فعلت، إذا كانت تريد أخذ حقها فهو موافق ولكن إلا الليلة، خلع قميصه بهمجية وخلفه بنطلونه ثم بحركة جنونية ضرب باب المرحاض ليسقط أرضا قائلا :


_تصوتي تلمي عليا الحي كله مش كمال أبو الدهب اللي يتعمل فيه حركة زي دي، الليلة دي بالنسبة ليا يا قاتل يا مقتول يا ثريا..


_______ شيماء سعيد ______


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️


عايزين تفاعل جامد وننزل بالجديد 


الفصل الثالث عشر.

#أبو_الرجالة

#الفراشة_شيماء_سعيد


بعد مرور أربعة أشهر..


بالمشفى الخاص بفريد، انتهت فيروز من الكشف على المريض وهي تحاول بشتى الطرق فتح عينيها من شدة الإرهاق، حملت الطفل بحنان وقدمت الصغير لوالدته المنهارة بالبكاء مردفة بهدوء :


_ إهدي يا مدام هو الحمد لله بقى بخير بس لأزم يطاهر لأن كدة غلط عليه..


ردت عليها المرأة بنبرة مرتجفة :


_أنا جوزي سافر من أسبوع ومش عارفة أعمل إيه دلوقتي حتى المستشفيات الحكومية رفضت تقرب من الولد، أرجوكي اعملي أي حاجة وأنا معايا الدبلة هديها للحسابات تحت لحد ما أجيب الفلوس..


أشفقت على حالها وتذكرت موقف شبيه بهذا بعدما انفصل والدها عن والدتها، وقتها كانت عطر تحتاج لعملية الزايدة ولم يفعلها أحد إلا فريد ومن ماله الخاص..


حركت رأسها سريعا تنفض تلك الذكريات من داخلها ثم قالت بهدوء :


_ الموضوع محتاج دكتور جراح، إرتاحي هنا خمس دقايق وأنا هتصرف..


ضمت السيدة ولدها لها أكثر ووضعت عدة قبلات خفيفة على رأسه لتبتسم فيروز وتذهب لمكتب فريد، دقت على الباب مرة والثانية حتى وصل إليها صوته الهاديء يأذن لها بالدخول، فتحت الباب وأقتربت من المكتب بخطوات سريعة قائلة :


_ دكتور فريد في ولد لازم يطاهر حالا بس والدته مش معاها الفلوس، اعملها وأنا هدفع حساب المستشفى..


أزال نظارته الطبية عن عينيه وأغلق الملف الموضوع أمامه، نظر لعينيها وجد بداخلهما لهفة وخوف، قام من مقعده واقترب منها مردفا بهدوء :


_ اهدي مال وشك أصفر كدة ليه؟!..


وصل إليه رجفة كفها ليضغط عليها بحنان قائلا :


_ في إيه يا فيروز متخافيش هدخل أعمل للولد اللازم وعلى حسابي كمان بس اهدي أنتِ..


أومأت إليه عدة مرات وجلست على أقرب مقعد، كيف تقول إن مشكلتها أكبر بكثير من هذا الصغير، أعصابها أصبحت منهارة مع أي شعور بالتوتر يبدأ جسدها بالإرتجاف، رفعت عينيها بتعب لتجد صورة شقيقتها موضوعة على مكتبه، هنا فقط زاد عليها التعب، همس إليها بقلق :


_ أنتِ كويسة والا لأ ؟!.. تعالي أكشف عليكي..


نفت بحركة سريعة من رأسها ثم أجابت عليه بنبرة منخفضة :


_ أنا كويسة روح شوف الولد..


رفض وهو يقول :


_ ولد إيه دلوقتي أنتِ عندي أهم..


نظرت إليه بلمعة عين دامعة واضحة أمامه مثل الشمس، مازال لديها سحر خاص يجعله ينجذب إليها بلا مجهود، جلس بجوارها وأخذها بلطف أذاب قلبها بين أحضانه وبكل أسف هدأ جسدها وبدأ يدلف إليها شعور الأرتياح رويداً رويداً، وضع قبلة حنونة على خصلاتها مردفا :


_ نامي يا فيروز أنتِ تعبانة ومحتاجة ترتاحي..


كما هي تضع رأسها على صدره وعينها على صورة شقيقتها الموضوعة على سطح المكتب، مر خمس دقائق وذهبت للنوم سريعة، شعر بإنتظام أنفاسها ليقوم بحرص شديد ويفتح لها الكنبة لتتحول لفراش، وضع قبلة حانية على رأسها وذهب ليري الطفل مردفا لنفسه :


_ فيروز تعبانة قوي ومفيش ليها دوا غيري..


____ شيماء سعيد ______


بمنزل أبو الدهب.. 


خرجت هادية من غرفتها بخطوات بطيئة حتى لا يسمعها أحد ثم اقتربت من خزانة الأحذية وأخذت حذاء من اللون الأبيض، وضعت الحقيبة بحذر ونظرت حولها تتأكد من خلو المكان من أي شخص وخصوصاً خاطر وبدأت في ارتداء الحذاء، شهقت بفزع وهي ترى باب المنزل يُفتح ويدلف منه خاطر.. 


قامت من مكانها سريعا متذكرة تهديده لها بحوض الإستحمام عندما قالت برعب :


_إيه اللي أنت بتقوله ده أنا هبقي عرض أخوك وحرمة بيته مش تلاجة عشان تتقاسم فيها معاه سبني يا خاطر سبني.. 


جملتها جعلته يفوق من جنونه بفكرة وضع صك ملكيته عليها لمجرد ضمانها إليه، تركها فقامت سريعا وهي تحاول أخذ أنفاسها وآخر ما سمعته قبل أن تفر من الغرفة :


_ مش عايز أشوفك تاني ولو صدفة يا هادية ده لو عايزة فعلاً تبقى مرات فريد وتفلتي من تحت أيدي لكن لو شوفتك هتبقى أنتِ الخسرانة ومش هيفرق معايا.. 


نفذت أوامره بالحرف وطوال مدة الأربعة أشهر ترفض حتى التواجد معه على نفس السفرة، حاولت الفرار من أمامه إلا أنه قال بابتسامة باردة :


_ اهدي يا هادية أنا مش هعملك حاجة.. 


إبتلعت لعابها بتوتر من هذا الإستسلام ثم رفعت عينيها إليه ونظرات الشك واضحة بعينيها مردفة :


_ وده من إيه؟!.. 


حرك كتفه ببرود قائلا :


_ ولا حاجة كل الموضوع إنك الأسبوع الجاي هتبقى مرات أخويا يبقى لازم نحل المشاكل اللي بنا هيكون أفضل بكتير خصوصاً عشان شكل علاقتنا الفترة الجاية.. 


صُدمت من حديثه وصدمتها الأكبر أنه سوف يتركها لفريد، حاولت التحامل على قدميها التي أعطت إليها إشارة بالسقوط، هل بالفعل ستصبح زوجة فريد؟!.. قالت بتردد :


_ ناوي على ايه يا خاطر؟!.. 


_ مش ناوي على أي حاجة زي ما قولتلك الأفضل إننا نحل المشاكل اللي بنا وكأننا بنتعرف لأول مرة، أنتِ كانت أمنية حياتك تاخدي بتار أخواتك البنات من أولاد أبو الدهب فأظن حاليا تقدري تاخدي بتارك من فريد اللي طلق أختك وإن شاء الله تولعوا أنتوا الاتنين في بعض.. 


اه يا ملعون وضعها في فك الأسد والآن يفر، شعرت أن العالم يدور من حولها باقي ثانية واحدة متبقية وتفقد وعيها، أخذت دقيقة كاملة ظلت بها صامتة قبل أن تأتي إليها القوة لتكمل ارتداء حذائها مردفة :


_ ماشي يا خاطر كويس إنك طلعتني من دماغك.. 


أرسل لها قبلة بالهواء مردفا وهو يشاهدها تذهب بخطوات غاضبة :


_ أمانة عليكي أول عيل يبقى إسمه خاطر يا أم خاطر.. 


عادت إليها روح العناد، لتلتف بوجهها إليه وأقتربت منه بدلال رسمته على معالمها بطريقة محترفة مردفة:


_ هو أنا أطول أسمي إبني على أسمك يا خاطر، بس مش هتبقي حلوة في حقك خالص، إن اسمك إللي بقي علامة لأي بني آدم قليل التربية، يشيله إبني إللي هيبقي متربي أحسن تربية..


رفع حاجبه بسخرية قبل أن يطلق العنان لضحكته الرنانة مردفا:


_ لأ متخافيش ده هيبقى شايل جينات أبو الدهب مهما حاولتي تربي فيه هتبقى النسوان وقلة الأدب بيجروا في دمه..


_ هتشيلي الشمعة يا خاطر وأنا دخلة على أغنية طلي بالأبيض طلي..


أومأ إليها بحماس شديد مردفا:


_ ده إحنا عنينا ليكي هشيلك أنتِ شخصيا لحد أوضة النوم..


______ شيماء سعيد _____


بمنزل نوح.. 


إنتهت عطر من وضع الطعام على السفرة وهي تبتسم لنفسها بفخر على هذا الإنجاز، أخذت نفسا عميقا وأصابعها تسير على قميص نومها الوردي هامسة بخجل :


_ نوح بيحب اللون ده قوي وأنا لازم أبقى دايماً زي ما هو عايز.. 


دق قلبها مع رجفة لذيذة أصابت عمودها الفقري مع سماعها لفتح باب المنزل، زادت إبتسامتها إتساعا وقبل أن تقترب منه أو تنطق بكلمة واحدة دلف دون أن يعيرها أي إهتمام لغرفة النوم.. 


رفعت حاجبها بتعجب وذهبت خلفه، فتحت باب الغرفة لتجده يزيل قميصه عن جسده بعصبية فقالت بتردد :


_ مالك يا حبيبي في حاجة حصلت في الشغل مزعلاك؟!.. 


ماذا يقول إنه عقيم؟!.. يقول كما قال الطبيب إليه أنه يصعب عليه الإنجاب تحت أي ظرف؟!.. صمت وأكمل تبديل ملابسه لتقول بقلق :


_ نوح أنا بكلمك قولي مالك؟!.. 


انتفض جسدها على أثر ضربه للمقعد الموضوع أمام الفراش، عادت خطوة للخلف بخوف لأول مرة ترى نوح بتلك الطريقة، حاولت التحدث إلا أنه سبقها صارخا :


_ اخرسي بقى مش عايز أسمع صوتك، غوري يلا اطلعي برة.. 


أتسعت عيناها بذهول، ترقرقت الدموع بداخل مقلتيها بحزن، جرت خيبتها خلفها بقلة حيلة وتحركت للخارج لتعود على صوته الذي تحول للبرود :


_ مينفعش تفضلي قدامي باللبس ده.. 


خرج صوتها الباكي :


_ ليه؟!.. 


مد يده بجيب البنطلون الخاص به وأخرج منه ورقة وقدمها لها، أخذتها منه بكف مترجف وفتحتها وألم قلبها يزيد، تشعر وكأن بداخل تلك الورقة كارثة ستأخذ قلبها الصغير إلى الجحيم، اهتز جدران قلبها وتوقف عقلها عن الإستيعاب، صدمة، خوف، رفض، أشياء كثيرة تحثها على غلق عينيها والهروب من ما هي مقبلة عليه.. 


طلقها؟!... تخلى عنها؟!.. هل هي الآن تحمل هذا اللقب؟!.. أصحبت إمرأة مطلقة بعد أربعة أشهر فقط من زواجها منه؟!..  لا لا، يستحيل نوح يفعل بها ذلك.. 


نظرت إليه بنظرات مبهمة ، ذكريات سنوات طويلة تمر أمام عينيها وأولها نصائح والدتها وأخواتها إليها بالبعد عن رجل مزواج مثل نوح أبو الدهب ، عادت خطوة للخلف وشعورها بالاختناق يزداد من رائحة عطره القريبة منها ، أخيراً وجدت الفراش خلفها لتلقي بجسدها على أقرب جهة مردفة:


_ إيه الورقة دي يا نوح ؟!..


رفضت عيناه النظر إلي عينيها ، ربما حان وقت الرحيل ولكن المواجهة أبشع بكثير ، رسم على وجهه إبتسامة باردة قبل أن يقول:


_ ورقة طلاقك ، أنتِ طالق يا عطر..


أهو قالها بلسانه ليثبت الأمر ؟!. سقطت دمعة خائنة من عينيها مسحتها سريعاً وهمست إليه بتردد:


_ طيب ليه إحنا بقى لنا أربع شهور متجوزين..


رده الساخر قتلها ونظرته الوقحة جعلتها تغرق ببحر من الإهانة:


_ كتير عليكي الأربع شهور دول ، زهقت ومحتاج أغير..


برودة غريبة مرت بجميع أطرافها ، بلعت مرارة ما قاله بحلقها ثم أشارت على نفسها بذهول:


_ زهقت مني أنا ؟!..


أن يظهر أمامها بأسوء الصور أفضل بكثير من شعورها بالشفقة عليه مع معرفتها بأنه رجل عقيم ، أومأ إليها بقوة قائلاً:


_ أيوة ومن حسن أخلاقي كتبت البيت ده بإسمك تقدري تقولي مكافأة نهاية الخدمة..


بحركة مجنونة جذبت يده ووضعتها على معدتها مردفة بآخر طوق نجاة بالنسبة لها:


: أنا حامل يا نوح


جملة تخيل غبائها أنها ستربط بينها وبينه، جملة كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، أخذ عقله يرددها أكثر من مرة، زوجته تحمل ببطنها جنين وهو لا يقدر على الإنجاب،، كارثة جعلت الدماء تفور برأسه لم يشعر بنفسه إلا وهو يضم عنقها بيديه الإثنين مرددا بحالة جنونية :


_ حامل يعني إيه حامل، أنا متخنش يا بت ثريا نوح أبو الدهب مفيش ست تقدر تعمل فيه كدة.. 


شعورها بالهلع والاخنتاق جعلها تصمت وترفض المقاومة، قالها عقلها بكل صراحة " الموت على يده سيكون أفضل الحلول له ولها ولتنتهي تلك القصة إلى الأبد".. 


______ شيماء سعيد ______


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️

أدعوا ليا يا عيال أنا تعبانة.


الفصل الرابع عشر

#أبو_الرجالة

#الفراشة_شيماء_سعيد


بمنزل بمكان شبه خالي بمدنية القاهرة، ظل نوح ثابتا أمامها يتابعها وهي نائمة بصمت، ربما أنفذ حياتها من بين يديه بآخر لحظة إلا أنه مازال يريد أخذ روحها، جلس على أقرب مقعد وهو بحالة معقدة، ملامح وجه شاحبة وعيون يخرج منها شرارات حمراء، أنفاسه ثقيلة ورأسه بداخلها ضجة وصراخات مكتوبة، أغلق عينيها وتاه بعيدا يتذكر زيجاته السابقة وطلاقه المتكرر عندما تأتي لأي منهن فكرة الإنجاب..


كان يهرب دائماً بحجة الملل خائفا من كشف الحقيقة، حاول العلاج سنوات والفشل حليفه بكل مرة، مؤلم الشعور بالعجز والألم الأكبر من شعور الحرمان، ربما يكون مثل الطير لا يحبذ الجلوس بمكان واحد ولا يعترف بالمسؤولية والأطفال مسؤولية كبيرة هو غير قادر عليها، عندما اكتشف الكارثة أصبح شغله الشاغل مشاهدة أي طفل وضمه لصدره.. 


سقطت دمعة ساخنة من عينه وهو يؤكد لنفسه أن هذا الحلم مستحيل، حاول أن تعتاد يا نوح إنك لن تسمع كلمة أبي أو تحمل بين يديك قطعة منك أبداً، تعالت شهقاته مثل الطفل الرضيع الخائف بمفرده، رجفة ضعيفة أصابت جسده بالكامل مع نبرة صوتها المختنقة وهي تهمس بأسمه :


_ نوح.. 


يا ليته قادر على تلك المواجهة يا ليته شجاع حتى ينظر إليها، ضغط على عينيه أكثر يمنعها من خوض تجربة أكثر ألما وهي النظر لعطر، ابتلعت لعابها بصعوبة من وجودها بمكان غير منزلها معه، جسدها بالكامل يؤلمها رغم أنه لم يمد يده عليها، آخر ما تذكرته نعته لها بالخيانة، ضغطه على عنقها حتى فقدت وعيها وفقدت معه الأمل بالحياة، تحاملت على جسدها وقامت من على الفراش مقتربة منه مردفة :


_ نوح.. 


أخذ الأمر منه عدة ثواني قبل أن يرفع وجهه إليها بإبتسامة حنونة قائلا :


_ يا قلب نوح.. 


ذهلت من هذا التغيير العجيب وعادت للفراش مرة أخرى بخوف مرددة :


_ إنت طلقتني والا أنا كنت بحلم؟!.. 


جلس بجوارها على الفراش وقال :


_ أنتِ بجد حامل يا عطر؟!.. 


إذا فهو طلقها بالفعل، كيف تقول أنها قالت هذا فقط حتى تظل زوجته؟!.. عضت على شفتيها وأكملت كذبتها قائلة :


_ أيوة حامل.. 


حامل... كلمة بسيطة من أربعة أحرف تمنى سماعها لسنوات طويلة وعندما أتت إليه طعنته، هل تلك الصغيرة بالفعل تخونه؟!.. هل كان أمامها مغفل لتلك الدرجة؟!.. قدر شيطانه على اللعب برأسه ليقول ببرود :


_ مبروك.. 


_ أنتِ طلقتني يا نوح صح؟!.. 


للمرة الثانية تعيد الجملة وتتمنى لو كذب عليها وقال ما تود سماعه إلا أنه قال بقوة :


_ طلقتك يا عطر خلينا هنا كام يوم لحد ما فرح فريد وهادية يعدي مش عايزين نبوظ فرحتهم.. 


جذبته من خلف ملابسه صارخة بعصبية :


_ فرحة إيه فيروز كان عندها حق إنتم عيلة قذرة، أنا لازم أروح أقول لهادية الحقيقة قبل ما تقع فيكم هي كمان.. 


ضحك ساخرا وأردف :


_ إحنا عيلة قذرة يا زبالة أحمدي ربك إني سايبك لحد دلوقتي عايشة، عارفة أنا ليا مزاج إبنك ييجي للدنيا عشان أخد روحه قصاد عينك.. 


قالت بتقطع :


_ إنت بتقول إيه عايز تموت إبنك عشان مني؟!.. 


لا لم يتحمل أكثر من ذلك، سقط بكل قوته على وجهها لتسقط بعدها على الأرض، حاولت أخذ أنفاسها بألم وهي تراه يضغط بساقه محل بطنها مردفا :


_ لو مات دلوقتي هبقي برحمك وبرحمه وأنا مفيش حاجة هتشفي ناري إلا لما أحرق قلبك عليه.. 


ما تمر به الآن على يده مرعب، ابتعد عنها وهو يشعر بالاشمئزاز لتتكور حول نفسها بنظرات نادمة على هذا الحب، يا ليتها قادرة على العودة بالزمن للخلف أو حتى على الهروب من بين براثنه الآن.. 


______ شيماء سعيد _____


عند هادية.. 


خرجت من المطبخ وهي تحمل فنجانا من القهوة ثم دلفت به لغرفة المعيشة لتجد فريد يجلس أمام التلفاز بانتظارها، تنهدت بعمق قبل أن تضع الفنجان أمامه على الطاولة بصمت، أرتشف منه عدة مرات قبل أن يقول بهدوء :


_ طلبتي أننا نتقابل ضروري ومن أول ما دخلت وأنتِ قاعدة ساكتة إسمه إيه ده؟!.. 


كان التردد على ملامحها واضحا جداً لذلك ابتسم إليها بهدوء يحثها على التحدث لتقول :


_فريد أنا عمري ما طقتك في حياتي كلها وقبل ما فيروز تتجوزك قولتلها إنك هتبقى غلطة عمرها.. 


صدم من جرائتها أو ليكون أصدق وقاحتها، ومثل العادة لو للوقاحة عنوان سيكون أبو الدهب ورجاله، أومأ إليها ببساطة قائلا :


_ إحلويت في عينك بعد تجربة فيروز والا إيه؟!.. 


رسمت على وجهها إبتسامة باردة فهي تعلم أخلاقهم جميعا ثم قالت :


_ لأ كنت بعاند في خاطر بصراحة وبحاول أحرق دمه بس مادام الموضوع دخل في الجد فأحب أقولك أنا مش لعبة خلينا نفضها سيرة أحسن.. 


رفع حاجبه بسخرية واضحة وأخذ كوب القهوة ليكمله بهدوء، كانت تتابعه بتعجب من هذا الرد، تعتبر هي مجنونة ووقعت بداخل عائلة تربوا جميعا بإحدى المستشفيات النفسية، زفرت بملل قائلة :


_ ها يا فريد رأيك إيه عايزين نخلص بقى.. 


أخيراً انتهى فنجان القهوة، قام من محله بخطوات بطيئة أغلق التلفاز وبعدها عاد إليها بنفس البطء، مريب هذا الرجل وقدر على إرعاب قلبها، خرجت منها شهقة خفيفة وعادت للخلف وهي تشعر بشفتيه تضع قبلة أعلى رأسها هامسا وهو يأخذ أكبر قدر من رائحة عطرها :


_ من أول مرة شوفتك حبيت عنادك قوي وكنت أتمنى أروضك إلا إني وقتها كنت جوز أختك، دلوقتي الفرصة دي جات ليا على طبق من ذهب يا هادية ومش ناوي أحلك إلا لما أحس إني عايز كدة، عايزك باقي الأسبوع ده تهتمي بصحتك كويس جداً وتفكري إزاي تكوني زوجة مطيعة للدكتور فريد أبو الدهب.. 


هذا الرجل مريض نفسي.. تعترف أنه قدر بكل بساطة بث الخوف بأعماق قلبها، أبتعد عنها وبداخله شعور بالانتشاء رهيب، يعترف أنها أول فتاة تقف أمامه وهذا ما جذبه ليخوض تلك التجربة معها، غمز لها بطرف عينه مردفا :


_ هي القطة أكلت لسانك والا إيه؟!.. عايز أسمع صوتك.. 


_ أنت طبيعي؟!.. 


خرجت نبرة صوتها مهزوزة، أومأ إليها وهو ينظر إلى ساعته قائلا :


_ تعرفي يا هادية لو كنتي بتخافي كان هيبقى أفضل لك بكتير، أنا عايزك تفضلي على نفس القوة اللي أنتِ فيها دي لحد ما تعيشي في حضني وقتها بس هتعرفي فايدة الخوف في حياة أي بني أدم.. 


أستطاع إحياء روح الاستفزاز بداخلها لتقف أمامه بقوة مردفة :


_ روح أتعالج يا فريد هيبقى أفضل لك كتير من الحالة اللي أنت فيها دي، وعايزك تأخد بالك كويس أوي أنا مش فيروز اللي رسمت عليها الحب لحد ما دابت فيك،، أنا هادية.. 


_ ما أنا عارف إنك هادية ويمكن متحمس جداً للموضوع عشان أنتِ هادية.. 


عادت للصمت من جديد وهي تجد نفسها بالفعل تائهة بعالم بعيدا عنها كل البعد، ربما الأفضل لها الآن هو إعلان الاستسلام والفرار، همست بتردد :


_ فكرة إن خاطر عايزني مش فارقة معاك للدرجة دي؟!.. 


ألقى عليها نظرة سريعة ثم أرسل لها قبلة بالهواء وهو يأخذ أشياءه الموضوعة على الطاولة بعجل مردفا :


_ أنتِ اللي مش فارقة مع خاطر يا هادية.. 


______ شيماء سعيد _____


بمشفى فريد انتهت فيروز من يومها أخذت نفسا أخرجته بإرهاق من أعماق قلبها قبل أن تخلع زيها الطبي وترتدي حذائها الرياضي، أنتفض جسدها وهي ترى باب الغرفة يُفتح وتدلف منه المساعدة الخاصة بها ويبدو عليها الهلع، رفعت حاجبها بتعجب قائلة :


_ في إيه يا مريم وشك بيقول إنك عاملة مصيبة أو حد بيجري وراكي.. 


ابتلعت مريم لعابها بصعوبة ونظرت للخارج قبل أن تقول وهي تضع كفها على صدرها بمحاولة يائسة منها لأخذ أنفاسها بطريقة صحيحة :


_ موسى الراوي هنا والمستشفى مقلوبة.. 


سمعت هذا الإسم من قبل ولما لا فهو أكبر رجل أعمال على مستوى عالمي ولكن سبب شهرته الحقيقة زواجه من الفنانات الأكثر أنوثة وجمالا وهذا يجعله دائماً محطا للأحاديث، وما يزيد الأمر جماله الخاطف للقلوب، لديه أكثر من ثلاثين مليون متابع عبر حسابه الخاص على تطبيق الانستقرام، تحمست كثيرا وقامت من محلها بطفولية شديدة تود أن تراه على الحقيقة فقالت :


_ طيب ومالك مرعوبة كدة ليه وسعي عايزة أشوفه على الحقيقة.. 


أجابتها مريم :


_ مفيش داعي تطلعي من مكانك هو هييجي لحد مكتبك ده جاي عشانك مخصوص.. 


تجمدت ساقيها بالأرض وقالت بتردد :


_ جاي عشاني أنا مخصوص إزاي هو يعرفي منين أصلاً؟!.. 


_ إمبارح إبنه كان هنا مع أخته وأنتِ كشفتي عليه مش عارفة حصل إيه عشان ييجي هو بنفسه النهاردة ومعاه جيش حراسة وبيسأل عنك.. 


ارتعبت من الفكرة، هل حدث للصغير شيء وأتى هنا حتى ينتقم منها؟!.. اللعنة عليكِ فيروز ما هذا الهراء يبدو أن الروايات خربت عقلها، تعلقت بذراع مريم مردفة بتوتر :


_ هو دكتور فريد هنا وإلا لأ؟!.. 


_ لأ يا دكتور مشي من نص ساعة كدة.. 


من سينقذها إذن؟!.. للمرة الثانية يتم فتح باب المكتب بلا إذن ولكن تلك المرة دلف خمسة من الرجال يبدو أن لعبتهم المفضلة الملاكمة، عدت خطوة للخلف بخوف لتجد ساقيها تجبرها على الجلوس على أقرب مقعد،يا الله ما هذا؟!.. 


نعم هو يا سادة " موسى الراوي " دلف لغرفتها بطلة مهيبة، وقور، ضخم، وسيم، قوي، مرعب، جذاب، رجل ساحر بالمعنى الحرفي للكلمة، لديه قوة خارقة تجبر من أمامه على الخضوع إليه، أشار للرجاله بالخروج مردفا ببحة رجولية مميزة :


_ خدوا الآنسة معاكم واستنوا على الباب برة.. 


نظرت لمريم حتى تظل معها ولكن الأخرى خذلتها وخرجت مع الرجال كما أمر، تعلقت عيناها بالباب متوترة ليمد يده إليها قائلا بوقار :


_ موسى الراوي.. 


مدت كفها المرتجف بين يده ثم قالت ببعض السكينة :


_ اتشرفت بحضرتك أنا دكتورة فيروز، لو في حاجة أقدر أساعدك فيها مش هتأخر أبداً.. 


أومأ بحركة بسيطة من رأسه ثم جلس على المقعد المقابل لها مردفا :


_ سادة. 


_ نعم؟!.. 


_ قهوتي سادة.. 


_ اه تمام طبعاً يا فندم ثواني.. 


جذبت سماعة الهاتف من المكتب وقالت :


_ واحد قهوة سادة .. 


ليجذب منها الهاتف قبل أن تكمل حديثها قائلا بنفسه :


_ واحد قهوة سادة وواحد عصير ليمون.. 


أغلق الخط وعاد بنظره لها لتردف بتعجب :


_ لمين عصير الليمون ده؟! 


أجابها بإبتسامة جذابة جعلتها تتأمل ملامحه رغما عنها :


_ليكي شكلك متوترة جداً الليمون هيهدي أعصابك وهتقدري تتحكمي في جسمك اللي بيترعش ده.. 


زاد توترها مع حديثه يا ليته لم يبرر، وضعت كفها على وجهها وفركته لعدة ثواني قبل أن ترفع نظرها إليه مردفة :


_ بيقولوا إن حضرتك طلبت تشوفني مخصوص خير؟!.. 


_هيبقى خير لو فكرتي كويس يا دكتورة.. 


_يعني إيه ؟!.. 


_ إياد إبني حضرتك شوفتي حالته بنفسك وأنه للأسف البرد تاعبه جامد، كل اللي محتاجة منك تبقي معاه طول الشهر الجاي تاخدي بالك منه طول فترة سفري.. 


نظرت إليه مردفة بذهول :


_ هي دي مشاكل الأغنياء اللي بيقولوا عليها، إبنك عنده شوية برد هتحجز له دكتورة شهر؟!.. 


أجابها بنبرة غريبة لم تفهمها :


_ والله أنتِ اللي عملتي كدة الواد عجبته الحقنة من أيدك هنعمل إيه قدرك تقعي في سكتنا.. 


_____ شيماء سعيد _____


للأسف أنا قلبي حنين ومش بقدر أخد موقف بس يا ريت يبقي فيه تقدير.


الحلقة الجاية هتبقي الفرح وهيبقي فرح جامد كمان.


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️


الفصل الخامس عشر

#الفراشة_شيماء_سعيد

#أبو_الرجالة


بالمحل الخاص بكمال، كان يجلس وبيده فنجانا من القهوة يرتشف منه بغيظ، أربعة أشهر مروا على زواجه من ثريا أمام الجميع ومن يومها ترفض قربه، جز على أسنانه وهو يتذكر ليلة أمس التي صممت بها على نومه بمرحاض الغرفة لأن صغيره يرفض رائحته بالمكان..


هز رأسه مردفا :


_ ماشي يا ثريا ادلعي أنتِ وإبنك براحتك خالص لحد ما أجيب آخرى وأعمل زي الشباب المراهق واتهجم عليكي، شكلك مش هتيجي غير بالعنف..


رسمت إبتسامة سعيدة على وجهه متذكرا اليوم الذي قرر به إخبار بناتها بالحمل بعد زواجه منها بشهر واحد..


فلاش باااااك..


بغرفة السفرة كانوا جميعا.، كل شخص على مقعده، مالت فيروز على هادية مردفة بسخرية :


_ كل ما الحاج جوزك أمك يجمعنا في قعدة واحدة يبقى وراه مصيبة..


وصل همسها لفريد الذي كان كل تركيزه عليها ليضرب ساقها من أسفل السفرة حتي تنتبه إليه، رفعت رأسها له بنظرة متعجبة ليزيح خاطر الجالس بينهما مقتربا منها هامسا :


_ المرة دي مش مصيبة دي حاجة هترفع رأس عيلة أبو الدهب كلها..


صمتت فيروز بضيق لترد عليه هادية بنبرة ساخرة :


_ هو أنتوا عمركم عملتوا حاجة تشرف عشان ترفعوا رأسكم..


قهقة فريد بمرح وألقى لها غمزة سريعة، لم يتحمل خاطر الصمت أكثر ليبعد كف فريد عنه بغل وأعتدل بجلسته مردفا :


_ يا سلام على تاريخ عيلتكم أنتوا المشرف..


ضرب كمال على السفرة بقوة لينهي تلك المناقشات الحادة، إنتبه إليه الجميع وقالت عطر بحماس :


_ ها يا عمو يا ترا إيه الخبر الحلو اللي قالي عليه نوح، أنا متحمسة جداً..


بعث لها قبلة بالهواء فتلك الفتاة خسارة كبيرة بنوح، رغم أنه قطعه منه إلا أنها مثل البسكوتة الناعمة بأقل ضغطة تنقسم وهذا الشبل مثل اللوح، نفض تلك الأفكار من رأسه ثم ضم يد ثريا الصامتة بين يديه وقال بفخر :


_ أصغر راجل في عيلة أبو الدهب في الطريق..


فتحت فيروز عينيها من الصدمة وحدقت بوالدتها منتظرة منها أي تعقيب أما عطر قامت من مقعدها بفرحة غريبة وضمت ثريا وكمال مردفة :


_ الله هيبقى عندنا بيبي ألف مبروك يا ماما..


هنا أطلقت هادية ضحكتها الرنانة لتغطي على الجميع، هذا كثير جداً عليها، هل سيبقى لها أخ من نسل أبو الدهب؟!.. نظر إليها خاطر قائلا :


_ مالك يا مرات أخويا بنقول نكت؟!..


_ لأ أبوك دايماً بيعمل مفاجأت تقصر العمر..


ساد الصمت بعدها لتنظر الثلاث فتيات لوالدتهن صاحبة الأعين الدامعة، خرجت منهن تنهيدة طويلة وقامت فيروز وجذبت معها هادية ليضممن ثريا إليهن بحب مردفات بجملة واحدة :


_ ألف مبروك يا ماما..


قبلت هادية رأسها مردفة :


_ حقك عليا من الصدمة رد فعلي كان وحش، بس أنتِ عارفة إني بحبك صح؟!..


أومأت ثريا بابتسامة باهتة مردفة :


_ وأنا كمان بحبكم ومعنديش في الدنيا أغلى منكم..


انتهى الفلاش بااااااك..


أخذ آخر رشفة من الفنجان وقام من محله بغضب، يكفي هذا العناد لهنا، الآن فيروز وهادية بالتسوق وهي بالمنزل بمفردها فرصة جيدة جداً له.. 


أردف بقوة :


_ خد بالك من المكان يا حسن وأنا نص ساعة وجاي.. 


أومأ إليه الآخر ليذهب بخطوات سريعة للمنزل، اشتاق وأحرقته نيران الإشتياق، فتح الباب ليجدها تضع يدها على بطنها المنتفخة وتبكي بصمت، اقترب منها بلهفة مردفا ويده تمر على صغيره :


_ مالك يا ثريا حاسة بأيه؟!.. 


زاد نحيبها مثل الطفلة الصغيرة ليضع رأسها على صدره بحنان وأخذ يمسح على خصلاتها بيد والأخرى يمررها على بطنها لعلها تشعر بالقليل من الراحة، مر عشر دقائق على هذا الحال حتى قالت بنبرة مرتجفة :


_ لو ربنا ياخدك أنا هرتاح يا كمال.. 


صدمته من جملتها تلك، أبعد رأسها عنه قليلاً وسألها بهدوء وهو مازال يمرر يده على بطنها بحنان :


_ للدرجة دي؟!.. 


أومأت إليه بتعب وعادت لتضع رأسها على صدره، تشعر بثقل رهيب بجسدها، ابتسم بقلة حيلة على هذا الجنون مردفا :


_ نايمة في حضني ليه طالما أنا تقيل على قلبك أوي كدة؟!.. 


أخذت نفسا طويلا من رائحة عطره وكتمتها بصدرها بمتعة رهيبة، بداخلها شعور باللذة وكأنه أصبح لها إدمان، ثواني معدودة وانهارت بالبكاء مبتعدة عنه وهي تقول بغل :


_ عيانة وأنت عايش حياتك عادي وبصحتك، فخور بنفسك قوي في كل حتة كأنك عملت إنجاز بس أنا حاسة إني مش هقوم منها يا كمال وهسيب بناتي مع عيالك الزبالة.. 


مسح على خصلاتها مردفا بلهفة :


_ ثريا إياكي تجيبي سيرة الموت على لسانك أبداً ومتخافيش على البنات من يوم ما دخلوا بيتي وهما بناتي وتحت حمايتي.. 


ردت عليه بقلة حيلة :


_ لو اللي بتقوله ده فعلاً حقيقي وقف جواز فريد وهادية يا كمال، من وقت ما اتجوزتك مبقاش ليا كلمة ولا وجود بقيت بخاف أرفع عيني في عين بناتي وأقول لهم الغلط من الصح، لأني متأكدة إن أول رد هيبقى ما أنتِ أتجوزتي أبوهم وحامل في إبنه، هتبقى الحقيقة بس صدقني أنا مش هقدر أسمعها.. 


تنهد بتعب، لأول مرة يشعر بضغطه الدائم عليها، لأول مرة يري نفسه بعينيها هي، وضع قبلة حانية على رأسها مردفا :


_ أنتِ تعبانة يا ثريا أرتاحي شوية وأنا هقوم أعمل لك أحلى صنية بطاطس من أيدي وخديها مني وعد كل حاجة هتتصلح وهتبقى أحسن من الأول.. 


أومأت إليه بخمول وبعد أقل من دقيقة ذهبت لنوم عميق ليقوم هو ينفذ ما قاله لها، يعلم أنه عبارة عن أخطاء متحركة ولكنه ليس شيطان مازال بيده الفرصة حتى يبث بداخلها الأمان ويصلح ما أفسده قبل قدوم صغيره منها ويجد والدته تكره والده أو تكره وجودها معه.. 


_____ شيماء سعيد _____


بمنزل نوح بالقاهرة، تركها بغرفة النوم ودلف لغرفة أخرى مغلقا على نفسه الباب، لو بقي معها ثانية واحدة سيأخذ روحها بيده، ألقى بجسده على الفراش وأغلق عينيه، يحترق ولا يشعر به أحد، بدأ يعيد كل ذكرياته معها منذ أول مرة رآها بها وهي مع والدها إلى لحظة طلاقه لها، سأل نفسه بتعجب :


_ أنت زعلان ليه ما كدة كدة هي مش فارقة معاك، موجوع لأنها خانتك ومفيش ست تخونك والا إيه اللي واجعك يا إبن أبو الدهب.. 


لم يتحمل أكثر قام من فوق الفراش وهو يكسر بأي شيء يقع تحت يده وعاد بذاكرته لمرة حاول بها التقرب منها.. 


فلاش بااااااك.. 


صعد لسطح منزلها بتلك الغرفة السرية التي يقابلها بها، أغلق باب الغرفة خلفه ليجدها تجلس على الأرض تدفن وجهها بين يديها وتنتحب بنبرة مرتفعة، جلس بجوارها قائلا بلهفة :


_ بتعيطي ليه يا عطر قلبي؟... 


رفعت وجهها البريء إليه مردفة :


_ أنا معرفتش أكذب زي ما أنت قولتلي يا نوح وقولت لماما على حبنا بس هي رفضت وقالت عليك بتاع ستات و وحش وبتلعب بيا عشان أنا عيلة صغيرة وعبيطة.. 


جز على أسنانه بغيظ من زوجة والده اللعينة، هو يريد تلك الفتاة بأي ثمن والست ثريا تخرب خطته، همس لنفسه :


_اهدى عشان البنت متخافش منك ويبقى كلام أمها صح وقتها مش هطول منها حاجة.. 


غصب نفسه على رسم إبتسامة بسيطة على وجهه ثم قال بحنان :


_ يمكن عشان اتجوزت مرتين قبل كدة وهي زي أي أم هتخاف على بنتها، بس متخافيش أنا مش هسيبك أبداً مهما عملت.. 


بكلمات بسيطة قدر على أن يؤثر عليها، أزالت دموعها بطرف كم فستانها ثم قالت بنبرة طفولية :


_بجد يا نوح ممكن تخلي ماما توافق على جوازنا.. 


_ طبعاً بس أنتِ أسمعي كلامي وهي هتقبل.. 


_كلام إيه؟!.. 


وضع يده بداخل جيبه وأخرج منه عقد زواج عرفي وفتح حقيبتها وأخذ منها قلما أزرقا مردفا بهدوء :


_ تمضي هنا يا حياتي ووقتها هتبقى مراتي والكل هيقبل جوازنا إجباري.. 


صدم من زيادة بكائها وصدمته الأكبر عندما قامت من مكانها وقالت قبل أن تتركه بالغرفة بمفرده :


_ اه يا نوح يا وحش، أنا متربية مش عيلة قليلة الأدب، ابقى اتفرج على مسلسلات وشوف اللي بتتجوز عرفي من ورا أهلها بيحصل فيها إيه في الآخر.. 


اتنهي الفلاش بااااااك... 


عطر نقية يستحيل أن تجعل رجل يقترب منها، عطر قطعة من البراءة وشعلة من الحب، يعلمها ويثق بها أكثر من نفسه، ولكن كيف تحمل وهو بنفس اليوم سأل طبيبه الذي قال مازال يريد علاج طويل المدى، سيفقد عقله، خرج من الغرفة وذهب لغرفتها ليجدها كما تركها، حملها بقلب مرتجف ووضعها على الفراش قائلا برجاء :


_ بتحبيني يا عطر صح؟!.. 


خائفة من بطشه، عاجزة أمام سيطرته ونفوذه، تشعر باليتم وقلة الحيلة، سقطت دمعة أخرى من عينيها مردفة :


_ يا ريتني ما حبيتك يا نوح، أنت غلطتي الوحيدة واللي هدفع تمنها الباقي من عمري.. 


جعلها تعدل بجلستها ثم وضع كل ثقل رأسه على ساقيها مردفا بتعب :


_ مينفعش تكوني حامل يا عطر ما ينفعش.. 


صرخت به بقوة وجسدها بالكامل يؤلمها :


_ ليه مينفعش، مش عايز تخلف مني عشان تطلق براحتك ما أنت خلاص شبعت من العيلة الهبلة اللي بتحبك مش كدة، عايز لعبة جديدة لأن الستات والخيانة بيجروا في دمك.. 


شعر بصداع فظيع يسيطر عليه ليبتعد عنها صارخا :


_ لأني مش بخلف مستحيل أخلف.. 


تخشب جسدها من أثر هذا الإعتراف، جبل سقط بكل حمله على رأسها ليقسمها نصفين، نظرت إليه ثم إلى بطنها وتذكرت جملتها الغبية قبل أن تسقط بين يديه فاقدة الوعي " أنا حامل يا نوح".. 


_______ شيماء سعيد _______


مرت الأيام سريعا وأتى اليوم الموعود يوم زواج فريد من هادية، لم تتحمل فيروز تلك الفكرة ولم تتوقع أن تصبح حقيقة ملموسة، أستيقظت في السادسة صباحاً ومازالت الشمس مختفية ارتدت ملابسها سريعاً وخرجت من منزل أبو الدهب.. 


ظلت أكثر من ثلاث ساعات تجلس بالشارع أسفل شركة موسى الراوي، اقترب منها أحد أفراد الأمن مردفا بشك :


_ أنتِ حكايتك إيه بالظبط وقاعدة هنا من الصبح ليه لو يلزمك خدمة أو تايهة قولي لكن قعدتك دي هتجيب ليا المشاكل خصوصاً إن باقي على ميعاد صاحب الشركة عشر دقايق.. 


بللت شفتيها بحرج شديد قبل أن تقول بنبرة صوت خرجت رغما عنها متوترة :


_ مهو أنا مستنية أستاذ موسى.. 


تعجب الحارس من ردها وقال :


_ لو مفيش ميعاد سابق مش هتقدرى تقابليه لو فضلتي قاعدة عندك لحد تاني يوم الصبح الأفضل إنك تمشي.. 


محق لماذا هي هنا من الأساس، وهو طلب منها أن تبقى مع صغيره ورفضت لما أتت إليه مجدداً؟!.. أومأت إليه وقامت من مكانها تجر خيبة أملها ورائها، كانت تود الهروب من منزل أبو الذهب وهذا أيضاً خطأ، حركت ساقيها مستعدة للعودة الا أن أصبح الطريق فجأة مغلقا من كم السيارات التي دلفت للمكان خلف بعضها.. 


ذهب الحارس للبوابة بسرعة البرق وخرج موسى من سيارته بعدما فتح له السائق، أغلق زر بذلته ووضع نظارته الشمسية متجها للداخل إلا أنه رآها تحاول الرحيل، غير مساره وذهب إليها مردفا :


_ أهلاً يا دكتورة فيروز كان ليكي حد هنا والا إيه؟!.. 


مدت كفها لتسلم عليه ولثاني مرة تشعر بالارتجاف أمامه، حاولت أخذ أنفاسها مردفة :


_ لأ بصراحة أنا كنت جاية أقابل حضرتك.. 


أومأ إليها وأشار للداخل مردفا بجدية :


_ طيب تعالي نتكلم جوا الوقفة دي على الباب مش حلوة خالص.. 


رفضت مردفة :


_ لأ مفيش داعي أكيد حضرتك مشغول أنا بس كنت جاية أقولك إني موافقة أبقى مع إبن حضرتك طول الشهر ده.. 


حرك عينيه بأسف قائلا :


_ هو إياد مبقاش محتاج دكتور بصراحة أنا اللي هبقي محتاج كمان دقيقة بالظبط.. 


نظرت إليه بتعجب وعدم فهم لكلماته إلا إنه أشار إليها بعينه على إحدى البنايات المقابلة له وقبل أن ترى ما يحدث كان ساقطا أمامها بعدما أخذ طلقة نارية.. 


______ شيماء سعيد ______


مساء بغرفة العروس بأحد الفنادق الراقية بمدينة الإسكندرية. 


جلست هادية أمام الميكب أرتست بحزن، حتى الهروب جربته وكشفها فريد وعاد بها للمنزل، اللعنة عليه وعلى شقيقه وعلى ذكر شقيقه فتح باب الغرفة وهو يرتدي بذلة من اللون الأبيض جعلته أكثر جاذبية، رآها بثوب الزفاف ليأخذ نفسا عميقا براحة شديدة قبل أن يقول للفتاة بهدوء :


_ معلش اطلعي أنتِ يا أنسة هقول كلمتين للعروسة وبعدين أدخلي كملي شغلك.. 


أومأت إليه بهدوء وذهبت ليقترب من هادية بابتسامة قائلا :


_ شكلك حلو أوي في الفستان الأبيض يا هادية.. 


نظرته واضحة وهو وضعها بفك الأسد ويقف أمامها الآن بكل برود يشمت بها، ردت عليه بقوة ترفض إظهار ضعفها أمامه أكثر من ذلك مردفة :


_ أنت جاي تعمل إيه هنا؟!.. 


حرك كتفه ببراءة مجيبا :


_ مش أمك مرات أبويا يبقى أنتِ في مقام أختي الصغيرة وعليا ندر بصراحة أوصلك لحد سرير الزوجية بأيدي.. 


آخر ما تريده الآن حديثه الساخر ونظراته الباردة، أشارت إلى باب الغرفة مردفة من بين أسنانها :


_ أطلع برة يا خاطر فريد لو دخل وشافك هنا هيبقى شكلك وحش أوي قدامه، عينك من مراته حاجة وحشة أوي في حقك.. 


رفع حاجبه بسخرية ثم ضربها على رأسها ضربة خفيفة مردفا :


_ يعني أنا هيبقى شكلي وحش قدام فريد وأنتِ هيبقى شكلك إيه قدام أختك وأنتِ بتتجوزي الراجل اللي كانت مراته ونايمة في حضنه في يوم، عقلك كان فين وأنتِ بتقبلي بجوازك من فريد وبتحطي نفسك في صورة زي دي، للدرجة دي غبية والانتقام اللي مالوش أي لازمة واكل عقلك.. تقدري تقوليلي قربتي مننا ليه ودخلتي جوا دايرتنا برجلك لما احنا زبالة زي ما بتقولي، وفقتي على فريد عشان تأخدي حق أختك منه والا عشان تقعدي جنبها بعد كام شهر، أنطقي اتخرستي ليه دلوقتي.. 


أنتفض جسدها بذعر على أثر جملته الأخيرة، هو معه كل الحق هي حمقاء وخسرت كل شي بانتقام أحمق، هربت بعينيها بعيدا عن مرمى نظره مردفة :


_ كنت فاكرة إنك هتقف قصاده عشاني وتقعوا في بعض بس طلعت غبية يا ريت بقى تسبني في المصيبة اللي أنا فيها وتخرج برة أنت كسبت يا سيدي وأنا الخسرانة.. 


جذبها من خصرها لتبقى بين أحضانه قائلا بنبرة صوت مهزومة :


_ للأسف أنا اللي خسرت وأنتِ اللي كسبتي يا بنت ثريا.. 


_ يعني إيه مش فاهمة؟!.. 


_ مش كان نفسك أحبك وتشوفي العذاب في عيني ارفعي عينك ليا وشوفيه يا هادية، مش كان نفسك أخسر أخويا عشانك، أنا خطفت أخويا عشان أبقى العريس.. 


______ شيماء سعيد ______


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️


نتفاعل بضمير بقي عشان مزعلش ونعمل شغل حلو 


الفصل السادس عشر..

#الفراشة_شيماء_سعيد

#أبو_الرجالة


سارت ويدها بيده بأحد العيادات الخاصة بالنساء، دقات قلبه وصلت للسماء وهو يراها كيف تنظر إليه، لما أتت به إلى هنا لا يعلم ولما وافق على القدوم أيضاً لا يعلم، نظر إليها بطرف عينيه ليجدها جامدة، ضغط على كفها بيده بقوة قبل أن يقول :


_ احنا بنعمل إيه هنا يا عطر؟!.. أنا مصدقك أنتِ مستحيل تبقى وحشة هغير الدكتور بتاعي وهعيد التحليل من أول وجديد أنا متأكد من إن اللي في بطنك يبقى إبني..


خرجت شهقة قوية من بين شفتيها دون ارادتها وهو تقول :


_ ولما أنت واثق قوي كدة مديت أيدك عليا ليه؟!.


ندم والندم يحرقه، كيف يشرح لها شعوره وقتها، يثق بها ويحبها لأبعد الحدود ولكن وقتها عجز عقله عن التفكير، توقفت الكرة الأرضية عن الدوران به، تنهد بقلب يحترق مردفا :


_ كنت مصدوم، حطي نفسك مكاني راجع من عند الدكتور بيقولي علاجك ممكن يأخد سنين، من عجزي قررت أطلقك عشان تشوفي حياتك بس صدمتيني بخبر حملك، معرفتش أنا بعمل إيه حقك عليا يا عطر..


أرتجفت شفتيها لتعطي إشارة له إنها على مشارف البكاء، ضمها لصدره سريعا ووضع أكثر من قبلة حانية على خصلاتها، زاد نحيبها لينظر لهم باقي المتواجدين بالعيادة، لم يعطي انتباه لأحد وهمس لها بحنان مردفا :


_ دموعك غالية كفاية دموع، يلا نمشي من هنا وبعدين نبقى نطمن على البيبي في أي وقت..


خبت وجهها بصدره أكثر ولفت ذراعيها حول عنقه مردفة بندم :


_ مفيش بيبي يا نوح..


صدمة جديدة انتفض جسده على أثرها، ابتعدت عنه مكملة حديثها :


_ لما طلقتني مكنتش هقدر أرجع لماما أقول لها اللي فضلت أحارب عشانه سنين طلقني بعد أربع شهور أصله زهق، كذبت وقولت إني حامل عشان تفضل معايا حتى لو عشان خاطر إبنك مش أكتر، مكنتش أعرف أنك عندك مشكلة وممكن الموضوع يوصل بنا لهنا أبداً..


توقعت ثورة من العصبية، توقعت أي رد حاد إلا انها خاب ظنها عندما حملها بين يديه مثل الطفلة الصغيرة وخرج بها من العيادة بلا كلمة واحدة، وضعها على المقعد المجاور إليه بالسيارة وذهب ليجلس محل السائق، بللت شفتيها بطرف لسانها مردفة بتردد :


_ نوح أنت ساكت ليه؟!..


_ المفروض أقول إيه؟!..


_ قول أي حاجة على كلامي..


نظر للطريق أمامه بتركيز شديد، ثم رد عليها بجمود :


_ مفيش كلام أنا طلقتك والقصة خلصت ولو على كلام ثريا أعتبري البيت بيتك لحد ما تقرري حابة تقولي أمتي للكل أننا انفصلنا ومتخافيش أنا هروح أعيش في شقة خاطر..


_ يعني يعني أنت هتسبني يا نوح..


_ قبل ما أنتِ تسبيني يا عطر، أكيد في يوم هيبقى نفسك تبقى أم وأنا حل مشكلتي في علم الغيب كدة أفضل بكتير ليكي وليا..


_ بس..


قاطعها بقوة رغم وجع قلبه إلا أن عقله كان يشجعه على تحريرها برغبته قبل أن يتعلق بها ويعلق حياته على وجودها معه وبالنهاية تطلبها هي :


_ مفيش بس إحنا هنا قصتنا خلصت..


_______ شيماء سعيد _______


بنفس التوقيت بحفل الزفاف..


دلف كمال لغرفة هادية ومعه ثريا التي كانت تتحرك بصعوبة غريبة ثقل جسدها يقيد حركتها، اتسعت إبتسامتها وهي ترى صغيرتها تقف أمام عينيها عروسا بفستان الزفاف..


أقتربت منها بخطوات بطيئة فقامت هادية من مكانها مقتربة من والدتها لتفتح لها ثريا ذراعيها، ألقت نفسها بصدر والدتها تأخذ منها القوة والكثير والكثير من الدعم، همهمت بحب :


_ أنا بقيت عروسة يا ماما..


ضغطت ثريا على ظهرها مردفة بسعادة يشوبها القلق :


_ كان نفسي ليكي في جوازة أحسن من عيال كمال وتربيتهم الزبالة بس أقول إيه عاملين ليا زي العمل الردي..


نظر إليها كمال بذهول على سبها الصريح له ولأولاده أمام عينه ثم قهقه بمرح مردفا وهو يضع يده على شعرها :


_ هسيب لك الصغير اعملي فيه اللي أنتِ عايزاه يمكن يطلع من أيدك حاجة عدلة، بس عايز أقولك من الأول عشان تبقي على نور دي للأسف جينات مهما حاولتي تعملي..


نظرت إليه بطرف عينيها مجيبة بنبرة ساخرة :


_ اهدى على نفسك مش يمكن تبقى بنت.


رغم كونها بشهرها السادس إلا أنها ترفض معرفة نوع الجنين، أبتلع ريقه من تلك الصدمة وهو يتخيل أن ينجب فتاة تحمل جيناته الوراثية،، أتسعت عيناه وهو يقول برفض :


_ لأ لأ مستحيل تبقى بنت، دي هتبقى مصيبة يا ثريا تخيلي لو طلعت زي أخواتها هما بتوع ستات وهي بتاعت رجالة أنا أقتلها قبل ما أشوف اليوم ده..


لم تقدر هادية على الصمت أكثر وأفلتت منها ضحكة بقلة حيلة على هذا الجنون، بهتت مع تذكرها لحديث خاطر عن خطفه لفريد وكونه هو العريس المنتظر لتنظر إلى والدتها بتوتر مردفة :


_ ماما خاطر خطف فريد وبقى هو العريس..


أومأت إليها ثريا وقالت :


_ عارفة يمكن خاطر مش أحسن حاجة بس على الأقل باين في عينه إنه بيحبك..


اقترب منها كمال أكثر وسحبها من كفها لتبقى أمامه ثم طبع قبلة أعلى رأسها بحب قائلا :


_ غلاوتك أنتِ وأخواتك عندي بقت من غلاوة ثريا، صدقيني من البداية كنت شايف لهفة في عين خاطر ناحيتك وكنت متأكد إنه مستحيل يسيبك لغيره أبداً، لو مكنش الموضوع كدة كنت وقفته، فريد مش مناسب ليكي ادعي له ربنا يهديه على مراته..


ابتسمت بشعور لطيف، لأول مرة منذ ذهاب والدها يأتي إليها هذا الشعور، قدر على بث الاطمئنان والقوة بداخلها، قالها مبطنة أصبح لها ظهر الآن، قالت بتوتر :


_ شكراً يا عمو..


مد يده إليها لتضع يدها بين ذراعه مردفا :


_ يلا عشان أسلمك بنفسي للكلب اللي تحت ده..


_____ شيماء سعيد ______


بمنزل فريد..


أخذت هالة نفسا عميقا وهي تراه ينام بجوارها على الفراش بكل أريحية، فريد بالفترة الأخيرة أصبح غريب الأطوار، ملت من حالة الصمت تلك لتقوم بتوتر :


_ هو مش النهاردة كان فرحك حسب كلامك ولكن الميعاد اتأجل..


ظل كما هو يلعب على هاتفه وقال :


_ لأ هو فعلاً النهاردة بس العريس اتغير..


شهقت بتعجب ثم وضعت كفها على فمها مردفة :


_ يعني إيه الكلام ده، هو عادي العريس يتغير يوم الفرح؟!..


أومأ إليها ببساطة :


_ كل حاجة عندنا عادي، الواد خاطر طلع نفسه فيها، الغبي بدل ما ييجي يقولي حط لي منوم وحبسني في شقته، نسي تقريبا إن معايا المفتاح صحيت طلعت من الشقة وجيت على هنا، كان نفسي أحضر فرح الغبي ده بس يلا المهم إنه مبسوط..


جنون حبها له جعلها تصل لأعلى درجة من الجنون، ابتعدت عنه متوترة وخائفة من ردة فعله ليضحك بهدوء مردفا :


_ اهدي يا حبيبي متخافيش أنا مش مجنون أنا بس كنت زهقان قولت أسلي نفسي شوية..


_ طيب وفيروز ناوي ترجع لها والا الموضوع باظ بعد ما خطبت أختها؟!..


أخذ نفسا عميقا ثم سألها بهدوء :


_ تفتكري حبك ليا زيادة عن اللزوم عشان كدة متحملة اللي بيحصل والا قليل لدرجة إني مش فارق معاكي؟!..


لأول مرة يسألها مثل هذا، تنهدت بتعب وألقت بجسدها تضم وسادتها إليها مردفة بشرود :


_ تصدق معرفش ده حب زيادة فيك والا قلة قيمة زيادة مني.. بس بتسأل ليه؟!..


قام من فوق الفراش وهو يشعر بالضجر، كيف يقول لها أنه يود ان تغار عليه، فيروز كانت عاشقة له وغيرتها كانت مثل النيران تحرقه، لما هالة هكذا؟!ربما هو السبب، ظل ثواني صامتا قبل أن يقترب منها مردفا بهدوء وهو يضم كفها إليه :


_ يعني عادي أقرب من غيرك؟!..


صمم على جرحها، صرخت بوجهه مردفة :


_ فريد أنا عارفة مكانتي عندك كويس مجرد واحدة أتجوزتها عشان تبقى صاحب المستشفى، يبقى أكيد مش من حقي أعترض ولا أغير..


أعتدل بوقفته وألقى عليها نظرة أخيرة قبل أن يخرج من الغرفة قائلا :


_ ده كان زمان أنا دلوقتي جوزك وحقك يا ريت تعرفي كدة..


_____ شيماء سعيد _____


بأحد أكبر المستشفيات كانت تقف فيروز على باب غرفة العمليات بتوتر، لا تعلم ما حدث فجأة سقط موسى الراوي بين يديها وبعد أقل من عشر دقائق أتت سيارة الإسعاف، لما أتت معه ولم تذهب لا تعرف، نظرت حولها وهي تائهة أمامها امرأة بمنتصف الخمسينات أنيقة، قوية، تجلس على المقعد باكية وبجوارها فتاة بنفس الأناقة والجمال يبدو أنها ببداية العقد الثالث، بنفس اللحظة دلف للمكان شاب يشبة موسى إلى حد ما ولكنه صغير ربما مازال بالثانوية سأل والدته بلهفة :


_ ماما موسى حصل له إيه؟!..


حركت رأسها بتعب ثم بكت وهي تلقي برأسها على كتف ابنتها :


_ مش عارفة يا سيف مش عارفة إيه اللي حصل لابني..


دلف إليها شعور بالشفقة على تلك المرأة وبتأنيب الضمير من نفسها، لو لم يقف معها ما كان حدث معه ذلك، اقتربت منهم بخطوات سريعة ثم قالت :


_ ألف سلامة عليه أنا دكتورة وكنت معاه وقت ما حصل له كدة متخافيش الرصاصة مش في مكان خطر..


جذبتها المرأة إليها وكأنها وضعت طوق النجاة قائلة :


_ إيه اللي حصل له يا بنتي بالظبط..


ترددت قليلاً بقول الحقيقة ولكن بالنهاية قصت لهم ما حدث بكل صدق لتقول شقيقته بغضب :


_ وأنتِ مين وكنتي عايزة منه إيه عشان ينزل بنفسه من العربية ويتكلم معاكي؟!..


أبتلعت ريقها بتوتر من هذا الهجوم لتقول المرأة :


_ اهدي شوية يا مايا..


تحدث سيف تلك المرة وهو يقول بشك واتهام واضح :


_ تهدى ازاي يا ماما، البنت دي وقفت قدامه في الوقت ده عشان ينضرب بالنار كل حاجة كانت مخططة..


أتسعت عيناها برعب وحركت رأسها بنفي لهذا الاتهام مردفة :


_ ايه اللي أنت بتقوله ده مستحيل طبعاً أعمل حاجة زي دي..


حتى المرأة التي كانت تدافع عنها تحولت ملامحها، لحظة والثانية أتى ضابط الشرطة لسوء حظها، نظر للسيدة باحترام مردفا :


_ألف سلامة على موسى باشا يا كاميليا هانم، لو حالته تسمح عايزين ناخد أقواله..


نظرت إليها شقيقته بقوة وقالت :


_ حالته للأسف متسمحش لأنه لسة جوا العمليات، بس الأستاذة كانت معاه وكلنا شاكين فيها، يا ريت يا حضرة الظابط يتم التحفظ عليها لحد ما موسى يفوق بدل ما تهرب...


______ شيماء سعيد ______


بحفل الزفاف أخذ خاطر هادية من يد أبيه وهو مسحور من جمالها، يضمها اليه وكأنه فاز بجائزة لم يحصل عليها أحد من قبل، قبل أن يخطو بها خطوة واحدة أردف كمال بقوة :


_ أخدتها من ايدي يا خاطر، لو رجعت في يوم معيطة منك هقطع الإيد اللي أخدتها مني أتفقنا يا إبن كمال..


رفع خاطر حاجبه بغيظ من حديث أبيه، ثم رد عليه بابتسامة سمجة :


_ متخافش يا حاج ده أنا تربية أيدك والمفروض يبقى في بنا ثقة أكتر من كدة شوية..


حرك كمال شفتيه بقلة حيلة مردفا :


_ مهو المصيبة السودة انك تربية ايدي يلا خدها وأخفي من وشي..


أخذ خاطر هادية لساحة الرقص ليجدها تتحرك بين يديه ببرود، وضع رأسه على رأسها هامسا :


_ مالك بوزك عشرة متر كدة ليه افردي وشك..


نظرت إليه وهي بالفعل تائهة لا تعلم ما إذا الذي يحدث صحيح أم كارثة ستدفع ثمنها الباقي من عمرها، تنهدت بتعب واضح على ملامحها ثم قالت :


_ تعرف أنا كنت راسمة في خيالي صورة حلوة أوي لفرحي، فستان فرح منفوش وأخواتي حواليا راجل بحبه ويكون هو كمان بيحبني بيت صغير يبقى بسيط بس في عنيا جنة، كل ده راح على الأرض من يوم ما دخلت نفسي في اللعبة دي..


ضمها إليه أكثر ليقدر على التحكم بها والتحرك بحرية أكبر، شعر بأرتجاف جسدها بين يديه لينزل برأسه على عنقها أخذ نفسا عميقا من رائحة عطرها مردفا :


_ النهاردة يوم فرحنا يا هادية، أرمي كل حاجة ورا ضهرك وأفرحي وبس ممكن..


أثر عليها بكلمات بسيطة لينتفض قلبها بين ضلوعها يطلب منها هو الاخر السعادة بتلك اللحظات المميزة فقط لا غير، بدأت تتمايل معه مثل الفراشة ليقول :


_ مبسوطة؟!..


_ كعروسة مبسوطة بس كل ما أفتكر إنك العريس اتقفل..


على تربيزة العائلة قالت ثريا بقلق :


_ عطر شكلها مش مبسوطة وفيروز مختفية من الصبح اتصلت بيها قالت مش هتقدر تحضر وهتقضي اليوم في المستشفى..


أجابها بهدوء :


_ ليا قاعدة مع نوح وعطر بعد الفرح أما فيروز فأكيد مش هتحضر وهي فاكرة فريد العريس..


مرت الساعات سريعاً وانتهى حفل الزفاف، بعد نصف ساعة وصل خاطر بهادية لعش الزوجية، شهقت فجأة وهو يحملها بين يديه فتح باب المنزل باليد الأخرى ودلف بها للداخل، وضعت يديها على صدره مردفة بغضب :


_ نزلي أنت هتعيش الدور والا إيه؟!..


_ هنزلك يا حياتي بس على السرير زي ما وعدتك قبل كدة مش أنا قولتلك هوصلك لحد سرير جوزك عشان تعرفي إني قد كلمتي..


صمتت وتركته يكمل بها الطريق حتى وصل بها للفراش، وضعها وعيونه الماكرة تأكلها أكلا، أخيراً وصل معها لتلك المرحلة، أبتعد عنها قليلاً وعقله يرسم لتلك الليلة أحلام ربما لم تكون المرأة الأولى بحياته ولكنه على يقين من تميز هذا اللقاء بينهما، بدأت عيناه تتحرك على ملامح وجهها بلهفة، يدرس جمالها المميز فتاة رائعة بشعر أسود وعيون سوداء واسعة، تعبيرات وجهها مصرية تعطي إليها حلاوة خاصة..


توقف عند شفتيها وأصبح غير قادر على البعد أكثر، لذيذة بشكل يجبره على الاقتراب وهو يسير مع الطوفان دائماً، يعلم رفضها من البداية لذلك وضع كفه خلف عنقها ثم ضم شفتيها بين شفتيه بقبلة خارقة للطبيعة من وجهة نظره..


بالبداية صدمت حاولت المقاومة إلا إنه رجل يعلم كيف يشعر المرأة باللذة من مجرد قبلة، ذابت معه وذاب معها حتى أوشك رصيدها من الأكسجين على الانتهاء شعر بها وأبتعد لتظل مغلقة العينين هامسة :


_ أنا دلوقتي بس عرفت ليه الستات بتكمل معاك رغم كل عيوبك..


أتسعت عيناه من وقاحتها إلا أنه ابتسم وأجابها بوقاحة أكبر :


_ جربي الباقي وقولي رأيك في النهاية..


_عارف الله يرحمها أمك يا خاطر..


أومأ إليها بترقب لتقول :


_ عندها بقى يا عنيا، يلا أخفي من هنا..


توقعت رفضه إلا أنه انصاغ إلى أمرها مردفا ببراءة وهو يخرج من الغرفة :


_ ماشي يا حبيبتي هسيبك لحد ما تيجي بنفسك..


_____ شيماء سعيد _______


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ...



  الفصل السابع عشر والثامن عشر من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات