رواية الماسة المكسورة
الفصل الواحد والخمسون 51 ج1
بقلم ليله عادل
{''~ لم أكن أعلم إنها ستكون بهذه الصعوبة ! لم يعد هناك خيار آخر غير المواجهة أو ... 💔''~}
[ بعنوان: المواجهة ]
سلوى بتساؤل: أيوه يعني هتعملي إيه؟
رفعت ماسة عينيها نحوها، وتذكرت فلاشات من الذكريات السريعة لها مع سليم، وهو يقوم بتعليمها أمور العمل في المجموعة، وأخذه لها لزيارة المصانع والشركات والورش التي تملكها العائلة. عادت بذكرياتها للحظات محددة.
ماسة بتوضيح: فاكرة الفترة اللي أنا كنت بنزل فيها مع سليم المصانع والشركات؟ حتى إنك سألتيني لو كان هيشغلني معاه ولا لأ؟
هزت سلوى رأسها بالإيجاب. أكملت ماسة: في الفترة الصغيرة دي، قدرت أفهم حاجات كتير. منها إن الموضوع مش فرد عضلات، قد ما هو ذكاء واختيار التوقيت المناسب لأي قرار. في مرة كنت مع سليم في مكتبه بالمجموعة بعد رجوعنا من المصنع الجديد...
وأخذت تروي لهم ما حدث دون أن نعرف تفاصيله. بعد الانتهاء:
سعدية بسعادة: أيوة كده! بنت سعدية بصحيح. كده إنتي هتجلطيهم. أنا بقى هاقولك إمتى تقولي الكلمتين دول، عشان ما ينفعش كل ورقك يبقى مكشوف ليهم. يمكن ما تحتاجيش تقولي حاجة بكرة أصلاً.
سلوى بقلق: أنا خايفة يعملولك حاجة.
هزت ماسة رأسها بثقة: لا يا سوسكا، مستحيل. اللي شوفتيه ده آخرهم.
سعدية بتحذير:ما تأمنيش أوي كده، دول عقارب. إحنا ما ينفعش نيجي معاكي؟
ماسة: طبعاً ينفع، بس مش هتحضروا الاجتماع. هتستنوني في مكتب سليم.
سعدية بثقة ودعم، وهي تربت على صدرها:
أنا واثقة في بنتي، ما يتخفش عليها. تعالي بقى أفطمك تعملي إيه.
اقترب مكي وهو يسلم الهاتف لماسة قائلاً: مازن معاكي يا ماسة.
أمسكت ماسة الهاتف توقف وتحركت بعض الخطوات بابتسامة، وكلماتها كانت قوية تعكس شخصيتها الجديدة التي أصبحت عليها: ألو، مستر مازن، ازي حضرتك.
صوت مازن جاء من الطرف الآخر: بخير مدام ماسة. وأنتِ عاملة إيه؟ وسليم بيه عامل إيه؟
ماسة بنبرة جادة: الحمد لله، بخير..
ثم تابعت بنظرات جادة جداً عكس ماسة إلتي نعرفها:
مستر مازن، سليم كان قال لي إن معاك التوكيلات الخاصة بيه اللي عملها لي... لو حصل له حاجة، التوكيلات دي هتكون عندي بكرة. وأنت، اعمل حسابك إنك هتحضر معايا اليوم كله، الاجتماعات كلها. وعايزاك تجيب لي تفاصيل عن المشروع الأخير اللي سليم كان شغال عليه قبل الحادثة، ولسه ما كملوش... طبعاً الكلام ده هيفضل سر بيننا، زي ما سليم كان منبه عليك تماماً. لو السر انكشف...
ابتسمت على شفتيها ابتسامة بها نوع من القوة والتهديد، وأضافت:
سليم مش موجود، لكن مكي موجود، وأنا كمان موجودة. أنا مش عارفة اللي قاله سليم، بس متوقعة. حضرتك بكره هتيجي معاك التوكيلات. الرسالة واضحة، لسانك ما ينطقش بحرف غير لما أقول لك عليه، ماشي؟
أتاها صوت مازن جاء من الطرف الآخر: تمام يا هانم.
ماسة بقتضاب: ممكن تقابلني بكره الساعة 9 في المجموعة... سلام.
ثم أغلقت الهاتف، وابتسامة طويلة رسمت على شفتيها.
أقترب مكي سألها: أنت شايفه إن ده الوقت المناسب؟
ماسة أجابت بنبرة حازمة: طبعاً، القلم اللي أخدته والإهانة اللي حصلت لي ولأمي والاخواتي، ببقى هو ده الوقت المناسب. وأنا متأكدة إني أتعامل أنا أفضل لو سليم هو اللي يتعامل، وأنت عارف سليم، ممكن يعمل إيه لو عرف اللي حصل.
مكي: عموماً، أنا هكون معاكي بكره ومش هسيبك لحظة واحدة.
بقلمـيـﮯ ليـﮯلهہ عآدل (◕ᴗ◕✿)♥️
_قصر الراوي٦م
نشاهد فايزة تجلس مع صافيناز وطه ومنى، كان يبدو على ملامح الجميع الضيق.
فايزة وهي تستشيط غضباً: حاسة إن هايجرالي حاجة، بقى عزت يعمل فيا كده!! بينصر الجرابيع دول عليا!..
تحدثت بين أسنانها باستفزاز:
طيب، طيب يا عزت، زودتها، والله العظيم لولا إن سليم في الحالة اللي هو فيها دي، كنت عرفته مين هي فايزة رستم آغا!
وجهت نظراتها لصافيناز وهي ترفع أحد حاجبيها، مررت عينيها عليها من أعلى لأسفل وقالت بتعجب:
وإنتِ يا أستاذة صافي، ماسمعتلكيش حس هناك يعني! إيه يا صافيناز، عايزة تفهميني إن إنتِ كمان بقيتي في صف عزت بعد القلم اللي نزل على وشك بسببها؟!
صافيناز بسخرية ونظرت لها بتوضيح: مش معقول يا مامي، إنتِ أذكى من كده بكتير. أنا قلت أكيد فهمتي، إن ما ينفعش كلنا نكون ضدها، ولا كلنا نوضح كرهنا ليها بالشكل ده. لازم نكون أذكياء في التعامل علشان نعرف نلعب صح، وبعدين الجبهة الأقوى دلوقتي مع ماسة دي معاها 14%، يعني أكتر مني! فأنا عايزة أكسب صفها علشان المصلحة.
فايزة متعجبة: مصلحة إيه!! ما خلاص اللي كان بيحصل زمان وقفنا، وهي فاهمة إننا رافضينها ومش بنطيقها. أنا مش قادرة أفهمك يا صافيناز.
صافيناز بذكاء: أنا مفهومة يا مامي، أنا ما بحبش أخسر، وما ينفعش أخسر إنسان مهما كان هو مين، مادام فيه مكسب منه.
طه بتعجب: إيه بقى المكسب من ورا ماسة؟
صافيناز بذكاء: الـ 14% يا طه، وسليم كمان. الوقوف ضد ماسة دلوقتي مش في مصلحتنا أبداً، ما كانش وقته خالص اللي حصل ده، لإنه ضد مصلحتنا. بالرغم إني مبسوطة بالقلم عشان أخدت حق القلم اللي أخدته بسببها من الباشا.
فايزة باستغراب: أنا ما أعرفش ضربتها إزاي؟ استفزتني، ما حسيتش بنفسي غير وأنا بضربها بالقلم...
بدأت الدموع تملأ عينيها، تحدثت بقهر وحقد من بين أسنانها:
أنا كل ما أشوفها قصاد عيني بتتحرك! بأحس إن جسمي كله بيستفز ويتشنج. كان لازم هي اللي تموت، هي اللي كان لازم تكون مكان سليم، وقلب سعدية هو اللي بيتقطع عليها، ودموعها تفضل تنزل من عينيها وتتحسر على بنتها...
أكملت بحقد وغل: ماسة خرجت من الحادثة ما فيهاش غير كام خدشة، وسليم بين الحياة والموت. كان لازم هي اللي تكون مكانه، كان لازم.
منى: بصراحة يا طنط، إنتِ باين عليكي اوي إن فيه حاجة من نظراتك. حاولي تمسكي أعصابك شوية وملامحك، عزت باشا ذكي، وما تنسيش إنه قبل كده سألك إنتِ اللي دبرتي الحادثة ولا لا؟ معنى كده إنه شاكك! فإحنا لازم نحذر، وإلا هنروح كلنا في 60 داهية.
صافيناز: منى بتتكلم صح، حضرتك باين عليكي اوي من تغيُّرك في التعامل معانا.
فايزة باختناق: وقالهالي تاني النهاردة.
مدت يدها وأخذت علبة السجائر من على الطاولة، أخرجت منها سيجارة وأشعلتها. أخذت نفسًا عميقًا بتوتر وقالت:
أنا تعبانة، مخنوقة، ومستحيل أهدى غير لما سليم يفوق.
طه بتوتر، بنوع من التانيب: المهم تكوني عرفتي تقنعي الباشا وتكوني حسيتي بالندم وانكم غلطتوا في حق ماسة.
نظرت له فايزة بضجر، فهي تفهمه جيدًا:
أنا مش عايزة أسمع صوت حد في الموضوع ده!
مررت عينيها عليهم بتهديد وقالت:
أوعوا تكونوا فاهمين إني هعدي اللي حصل ده! خصوصًا مع رشدي، أنا هاعرف أربي كل واحد فيكم إزاي.
طه باعتراض: أنا عايز أفهم حاجة واحدة، إنتي بتدخليني معاهم ليه؟ أنا الوحيد اللي قلت لك بلاش، وأه، أنا ما يهمنيش إلا نفسي ورقبتي وحياتي أنا وأولادي. واللي عمل كده هو اللي يتحاسب، إنتي بتحاسبينا ليه؟ حاسبيه رشدي.
صافيناز بتأييد: بالظبط إحنا مالنا؟ رشدي هو اللي عملها، هو اللي المفروض يتحاسب. (واصلت بذكاء)
وأنا فاهمة هاتعملي إيه؟ بس اللي حضرتك بتفكري تعمليه هايشكك الكل فينا. عارفة بقى تعملي إيه؟ علشان تربي رشدي؟ اكتبي أرض الهرم ومزرعة المنصورية لسليم.
طه بتعجب: إنتي عايزة تعملي من رشدي سليم تاني؟ كفاية واحد.
صافيناز بخبث: هو ده اللي هايربيه، الأرض والمزرعة دول غاليين عنده جدًا.
مررت فايزة عينيها على صافيناز، فهي تفهم نواياها الخبيثة، وقالت بذكاء: ولما أعمل كده في رشدي، مش كل العيون هاتروح على رشدي؟ وهيدوروا وراه؟ ورشدي بياع، مع أول قلم هيقول كل حاجة، واللي عند رشدي كتير يا صافي. رشدي يتخاف منه، ويتخاف أوي كمان.
(بشدة أكملت) ماحدش ليه علاقة أنا هاعمل إيه؟ بس هاتتحاسبوا. عزت فين يا صافيناز؟
صافيناز: قال إنه مش هايرجع القصر علشان مايحصلش مشكلة.
جزت فايزة على أسنانها بضجر: ماشي يا عزت، حسابك تقل.
بقلمـيـﮯليـﮯلهہ عآدل (◕ᴗ◕✿)♥️
سيارة مكي٧م
نشاهد مكي وهو يقود السيارة، وكانت بجانبه سلوى. أثناء القيادة، بدأ الحديث معها.
نظر مكي لها باعتذار موضحًا: سلوى، أتمنى ما تكونيش زعلانة، والله لو كان ينفع أتدخل كنت اتدخلت، بس دي فايزة هانم وعزت باشا، ما أقدرش. أنا آسف، فيه حاجات أكبر مني ما أقدرش أعملها.
هزت سلوى رأسها بتفهم: أنا فاهمة والله، أنا بس لما قولتلك كده كان من زعلي على ماسة..
بحزن خنق صوتها قالت بعين تترقرق بالدموع:
-عارف، بالرغم إن اللي قالته فايزة حقيقي، وأه إحنا فقراء وفلاحين وكنا خدامين عندهم، ودي حاجة مش عيب، هما اللي ناس مريضة في دماغهم، ومن كتر التكبر عملوا زي إبليس لما اتكبر يسجد لآدم.
توقفت قليلًا ثم واصلت بوجع يعصف قلبها:
-بس عارف إيه اللي زعلني؟
هز مكي رأسه بإيجاب ليستمع، فأكملت:
-طريقتها تحسسك إنك بتعمل حاجة حرام ومخلة للشرف! وكأن المفروض ندفن راسنا في الرمل ونتكسف...
بقهر قالت، ودموعها تتساقط على وجنتيها:
-واللي مضايقني أكتر وأكتر، إني مش قادرة أتكلم ولا أدافع عن أختي وأخواتي وأبويا وأمي. سامعة وشايفة إهانتهم ومش قادرة أتكلم ولا أنطق. كنت فاكرة إننا اتحررنا من العبودية والبهدلة! بس اكتشفت إننا لسة عبيد عند الباشاوات، خايفين لاحسن يرمونا ونتبهدل من تاني.
برفض وهي تهز رأسها، أضافت بدموع:
-بس لا والله، ده أنا أكلها حاف بس ما حدش يهينّا ويقلل مننا تاني. والله العظيم ما رضيتش أتكلم علشان ماسة بيتها ما يتخربش بسببي، بس في الآخر لما لقيت كل اللي عنده كلمة بيقولها، ما قدرتش أفضل ساكتة.
كان مكي يستمع لها بقلب يعتصر من الحزن والغضب على حبيبته بسبب ما تشعر به، وهو لا يستطيع على أخذ حقها. فجأة أوقف السيارة بجانب الطريق ووجه جسده نحوها قائلاً.
مكي بعقلانية ممزوجة بضيق: هما اللي من المفروض يدفنوا راسهم مش إنتو. إنتو غاليين يا سلوى. هما اللي عبيد لأفكارهم المريضة، ولغرورهم وتكبرهم. قلوبهم سودا من جوة، ما يعرفوش يحبوا ولا يحسوا ببعض! كلهم بيكرهوا بعض. هما اللي المفروض ينكسفوا، علشان كل واحد له تاريخ أسود لو أتعرف هتكون فضيحة بحق، وهيتذلوا. أنا شغال معاهم من زمان أوي، وعارف كل واحد فيهم كويس. صدقيني أقل شغال عندهم أنضف منهم.
نظرت له سلوى وهي تعقد حاجبيها باستغراب، كيف يقول هذا ويشعر بكل هذا الحقد عليهم؟ مسحت دموعها متسائلة: مش فاهمة إزاي بتتكلم عنهم كده؟ ومادام هما كده ليه ما مشيتش؟
رد مكي بتوضيح ممزوج بأسف: بقول كده لأن دي حقيقتهم. بس علشان أكون حقاني، فريدة وياسين حاجة تانية و...
قاطعته سلوى متسائلة: وسليم؟
ارتسمت على شفتي مكي ابتسامة جميلة بحب، وقال موضحًا: لااا، سليم ده حاجة تانية خالص. شخصية معقدة ما تفهميهاش! مزيج من الشر والخير في بعض. بيعرف إمتى ومع مين يكون طيب، ومع مين يكون شرير! بصي، سليم عموماً شخص جدع طيب جدًا، ومستحيل يخون أو يغدر بحد، خصوصاً إخواته. بالرغم إنهم ما عندهمش مشكلة يغدروا بيه، سليم ما يتخافش منه أبدًا.
توقف لوهلة وأكمل بابتسامة خفيفة:
-سألتيني ليه مكمل؟ أولاً علشان سليم. سليم بالنسبة لي أخ وصديق، ما ينفعش أسيبه لوحده. أنا وهو من وإحنا صغيرين أقسمنا ما نتفرقش عن بعض ونكون إخوات في ظهر بعض.
أخذ نفسًا عميقًا وأضاف:
وثانياً علشان من وقت ما اتولدت وأنا جزء منهم، ما أعرفش أشتغل غير شغلي ده. خلاص، بقيت جزء من كيانهم، بقوا عيلتي. وما ينفعش أخرج برّاهم، لأنها هتكون خيانة... وأكيد هتقتل.
فتحت سلوى عينيها باتساع بصدمة: إيه!!!
هز مكي رأسه بإيجاب موضحًا: أمم، لإني غدرت بيهم. بعدين أنا عندي قوة وسلطة مش عند وزارة.
سلوى تبسمت بإستغراب: حاسة إني قاعدة مع عضو في المافيا زي الأفلام الأجنبية.
هز مكي رأسه بتأكيد: ما هي كده بس مش بالشكل الكبير اللي بتشوفيه. المهم، ماتزعليش من كلامها، خدي بالك إن دمها محروق علشان لحد دلوقتي ما نجحتش إنها تطلق ماسة من سليم.(بمزاح) وبعدين ما شاء الله ماما أخدتها غسيل ومكواة.
سلوى بشماتة: تستاهل، أحسن.(بقلق) بس ممكن سليم يعمل حاجة ويزعل مننا على اللي عملناه؟
تبسم مكي موضحًا: سليم لو عرف اللي اتعمل فيكم هايولع الدنيا. نصيحة، بلاش يعرف.
سلوى: ماسة قالت كده برضو.
مكي: أمم، طب ممكن تضحكي علشان أحس إنك فعلاً مش زعلانة؟
تبسمت سلوى برقة ممزوجة بخجل، ثم تبسم لها بحب وقال: كده ارتاح قلبي.
تنهد ونظر أمامه، ثم حرك المحرك وقاد السيارة.
المستشفى٧م
غرفة الرعاية المركزة من الداخل.
نرى ماسة تقف أمام الفراش، وتمرر عينيها على سليم بدموع واختناق ووجع يعصف في قلبها. كانت تجلس في الخارج سعدية تشاهدها من النافذة الزجاجية. اقتربت منها أكثر وقالت بنبرة تعكس مدى حزنها وتأثرها بما حدث في الخارج.
ماسة بحزن: أنا آسفة يا سليم، أنا بجد آسفة، بس والدتك زودتها أوي، ماقدرتش أتحمل إهانتها ليا ولأهلي. أنا مش عارفة أنا عملت إيه علشان كل ده؟ للدرجة دي شغل أهلي وفقرهم وصمة عار؟ يعني لو بابا كان تاجر مخدرات مثلاً بس غني، كانت هتحترمني وتحبني وهاتبصلي بصة تانية؟! زي بابا.
ارتسمت على شفتها نصف ابتسامة وجع، أكملت:
-ده أكيد كان هايحصل، كان زمنها بتعاملني زي منى وهبة. أنا ماكنتش نفسي يحصل كل ده! بس كان لازم أوقفها عند حدها.
بضجر وهي تجز على أسنانها:
-كفاية! هتفضل لحد إمتى تتعامل كده؟
مسحت دموعها: إحنا لو خلفنا أكيد هاتكلمني كده قدام ولادنا وهتقلل مني. وساعتها لما أولادي يسألوني: "تيتا بتعمل كده ليه معاكي يا ماما؟"، مش هاعرف أجاوبهم!
تحدثت من بين أسنانها بغيظ:
-هي عمرها ماهتتغير، ودي حقيقة لازم أنا كمان أعترف بيها بصوت عالي. وأقولها بأعلى صوت إن فايزة هانم رستم آغا يستحيل تقبل ماسة مجاهد المسيري، بنت الراجل الشريف والست الأصيلة، إنها تكون مرات ابنهم.
(بضيق من نفسها) أنا حاسة إن أنا بدأت أتحول لشخصية أنا مش حباها، بس مضطرة، بالأخص بكرة. أنا خايفة أوي يا سليم،(بثقة وقوة قالت) بس أنا لازم أتشجع، لازم أبقى قوية، وأعرفها، البنت الصغيرة الفلاحة بنت الخدامين بقت إيه؟ وإنهم لازم يعملولها حساب زي ما إنت دايماً كنت بتقول لي. وأنا كنت ما بسمعش كلامك. البراءة والطيبة أحياناً ما بتكونش صح في أوقات معينة.
وبكرة ماينفعش أكون ماسة الطفلة الصغيرة البريئة إللي بتلبس فساتين بورد وفراشات...
اعتدلت من وقفتها، تبدلت نظرة عينيها ووجهها بقوة، تحدثت بأرستقراطية، بخناقة من طرف أنفها وقالت:
بكرة لازم أكون ماسة سليم الراوي وأعرفهم أنا إيه.
بقلمـيـﮯليـﮯلهہ عآدل(◕ᴗ◕✿)♥️
على اتجاه آخر، عند الاستراحة 8 م.
نشاهد عشري يتوقف أمام باب الرعاية المركزة وبجانبه الحراس. اقترب مكي وهو يعقد حاجبيه باستغراب حتى توقف أمامه.
مكي متسائلًا: إنت واقف هنا إزاي وسايب سليم؟
عشري بتوضيح: ماسة ووالدتها جوة وهي طلبت مني أسيبها لوحدها.
مكي: إنت عرفت اللي حصل؟
هز عشري رأسه بنعم: آه، معصوم حكالي. الصراحة، اتضايقت.
مكي: أنا عايزك تزود الحراسة على أهل ماسة، خصوصًا مامتها، وتخليهم يفتحوا عينيهم كويس.
عشري: أنا عملت كده فعلاً، زودت الحراسة في الفيلا.
مكي: وهانخصص كمان لكل واحد فيهم حارس خصوصي أو اثنين.
هز عشري رأسه بإيجاب: خلاص تمام كده أفضل. معصوم قالي إن والدة ماسة ما سكتتش ليها، بصراحة بيتعاملوا معاهم معاملة وحشة اوي، خصوصًا مع ماسة. حصل كم موقف قدامي. أنا ببقى نفسي أتدخل بس مش هينفع، وماسة ما بتردش حقيقي، قمة في الأخلاق وده ما ينفعش معاهم.
مكي بشدة: بكرة سليم يصحى ويخرسهم تاني. هما شامين نفسهم علشان سليم تعبان.
عشري تبسم بمكر: بس أنا شايف أمورك رجعت تتظبط مع سلوى.
مكي وهو يقلب وجهه: مش زي ما أنت فاكر، لسه أنا مستني سليم يفوق وها أتكلم معاها. بقولك إيه، أدخل ولا استنى لما تطلع؟
عشري بمزاح لطيف: مامتها قاعدة جوة في الأوضة الخارجية. أدخل أقعد مع حماتك المستقبلية، وأنا ها أروح أشرب لي كوباية شاي وأشرب لي سيجارة علشان خرمان.
تحرك عشري ودخل مكي إلى الداخل وجلس بجانب سعدية.
منزل نانا، 10 م.
غرفة النوم.
نشاهد عزت مستلقيًا على الفراش ويرتدي بيجاما، ونانا تتمدد بجانبه على أحد جانبيها المقابل له وترتدي قميص نوم. أخذًا يتحدثان.
نانا باستغراب وهي تعقد حاجبيها بضيق: إيه اللي فايزة بتعمله ده؟ اتجننت رسمي! جنون العظمة قتلها، ماتقولها العظمة لله وحده. على فكرة بقى البنت كويسة جدًا، مفيهاش حاجة لكل اللي هي بتعمله ده.
عزت بتعب وزهق: هتقولي لمين بس! ده لو حيطة كانت فهمت، بس هي واخداها عند. وأنا تعبت منها، مابقَيتش قادر أتحمل تصرفاتها أكتر من كده. هاتخليني بسبب تصرفاتها آخد قرارات هي مش هتتخيلها. أنا بفكر جدياً أسحب منها حق التصرف في أي حاجة تخص المجموعة، بس اللي مخليني متردد في أخذ القرار ده، عشان ما تتجننش أكتر على ماسة.
نانا وهي تضحك: لا، أوعى تعمل كده، دي ممكن تقتل البنت فيها... وهي تتلاعب في خصلات شعرها المنسدلة على صدرها قالت:
هو إنت إيه اللي مصبرك على فايزة؟ ليه ماتطلقهاش! أو حتى بلاش تطلقها عشان المصالح اللي بينكم، خليكم مع بعض كده عايشين في بيت واحد، بس كل واحد يعمل اللي هو عايزه. فيه رجال أعمال كتير عاملين كده.
عزت بعقلانية ممزوجة باعتراض: أنا ماينفعش أعمل مع فايزة كده! مش علشان خايف منها، علشان في مصالح كتير مشتركة بينا أكبر بكثير مما تتخيلي تخص شغلنا غير الشغل الثاني طبعًا. حاجة زي كده مع واحدة بعقلية فايزة! هاتخلق مشاكل كبيرة، أنا مش عايز أتحط فيها دلوقتي. بعدين فايزة ما تغيرتش كده واتجننت غير بعد جوازة سليم. هي طول عمرها عايشة في برج عالي بس الموضوع زاد بعد ماسة... بتعب (تنهد) تعبتني يا نانا، مش قادرة أتعامل مع الوضع واسايسها زي صافي. صافيناز بتكره ماسة وعايشة في نفس البرج مع فايزة، بس هي ذكية، عارفة إن القرب من ماسة في مصلحتها علشان خاطر ترضي سليم، طه غبي ضعيف وسلبي، وده بسبب خوفه من مراته. وفايزة خسرت سليم، أما رشدي مش فارق معاه إن كانت ماسة خدامة أو بنت ملك! هو اللي فارق معاه حاجة واحدة: إنه يشيل سليم من على الكرسي ويقعد عليه هو. وإن أخيرًا بقى عند سليم الراوي نقطة الضعف اللي يتمسك منها. هو بيلعب على الحتة دي كويس، وأنا واقف في النص بحاول أحميها من كل دول لحد ما فاض بيا.
نانا بخبث وهي تضيق عينيها متسائلة: وإنت بقى إيه؟
نظر لها عزت بابتسامة وأجابها بوضوح، فلأول مرة يبوح عزت بحقيقة مشاعره تجاه ماسة: أنا يمكن في الأول كنت رافض مش بس لإنها خدامة، كانت صغيرة أوي، وطريقة سليم كانت مستفزة أجبرتني أعاند وأتعصب وأخذت قرار إبعاده عن كل شيء وطرده، لاني للأسف مالقيتش اللي يهديني ويقولي سيبه يختار حياته مهما حصل، ده إبنك ماينفعش تعمل مع إبنك كده، ده إنت بتسامح رشدي على بلاوي تنهي اسم العيلة لو اتعرفت. بس أديكي شايفة عايش وسط مين! حتى فريدة وياسين كانوا ضد الجوازة مش لإنها خدامة، علشان الفروق الاجتماعية وسنها. ولما رجعوا في البداية كنت فعلاً متقبلها مصلحة، بس مع العشرة والتغيرات اللي شوفتها ومدى تعلق سليم وتغيره معاها، غيرت كل قناعاتي، لإن فعلاً موضوع بنت مين مش بيفرق لي زيهم (بتأثير وندم). وهفضل ندمان لإنني سمحت لهم زمان يحاولوا يفرقوهم ويقتلوا الطفل اللي في بطن ماسة. لحد دلوقتي لسة شايف نظرات ودموع سليم، يستحيل أنساها. كان نفسي اللي حصل يغير فايزة زي ما غيرني، بس محصلش.
نانا بعطف: أنا فعلاً حاسة إن اللي حصل لسليم غيرك كتير خصوصًا ناحية ماسة...
أخذت تربت على صدره بأنثوية: أنا حاسة بيك يا عزت، حقيقي، اللي يعيش مع ولادك دول ومراتك يتجنن. المهم نصيحتي، خليك دايمًا مع سليم وماسة، عشان طول ما إنت مع سليم إمبراطورية الراوي هتفضل مستمرة، لإن ولادك دول أغبية، وغرورهم عاميهم لدرجة الغباء ومعاهم فايزة.
عزت وهز رأسه بإيجاب: وهو ده اللي أنا بعمله. المهم عندي سليم وبس.
نانا: مظبوط.
عزت بنظرات راغبة: بقولك إيه! أنا مش جاي أرغي في اللي هربت منه، أنا محتاج أنسى، قومي ارقصيلي.
نظرت له بنظرة أنثوية وهي تداعب بأصابع يديها صدره وتقول: بس كده! عينيا.
نهضت وهي تتمايل ثم قامت بتشغيل إحدى الأغنيات وأخذت ترقص له.
في اليوم التالي
المستشفى، 9صباحًا
الغرفة التي تمكث فيها ماسة.
كانت ماسة تجلس أمام المرآة، تضع الماسكارا والروج، وتهندم نفسها بابتسامة واثقة تجمع بين القوة والشراسة. اليوم ستواجه تلك العائلة التي لطالما أهانتها وقللت من شأنها، وهي مستعدة تمامًا لذلك.
كانت ترتدي طقمًا فورمال من اللون الأبيض، يتكون من بنطال وقميص يعلوه جاكيت بأكمام مفتوحة، مزين بأزرار أنيقة. انتعلت حذاءً أسود بكعب عالٍ، تركت شعرها منسدلا خلف ظهرها. بدت في غاية الجمال والأناقة، كأنها واحدة من أرقى سيدات الأعمال.
تخلت عن ملامحها الطفولية وبراءتها التي كانت تميزها، لتتماشى مع العالم الذي هي على وشك دخوله.
كانت سلوى وسعدية تجلسان على السرير، تشاهدانها بابتسامة فخر وسعادة.
سلوى بإعجاب: بقيتي شبه صافيناز وفريدة.
ماسة بابتسامة واثقة: مع كامل حبي الكبير لفريدة، بس أنا مش عايزة أبقى شبه حد فيهم. عايزة أبقى ماسة ببصمتها الخاصة.
سعدية: كنتِ خلتيني أروح معاكي.
ماسة بتوضيح: هي مش خناقة يا ماما. لازم أثبت لهم إني عادي، مش جايبة معايا أمي علشان تحميني. مرات سليم الراوي ماينفعش تخاف.
طرق الباب، ودخل مكي.
مكي باحترام: ماسة هانم، السواق وصل.
هزت ماسة رأسها إيجابًا، ونظرت مرة أخرى للمرآة. تأكدت من أن كل شيء على أكمل وجه، رشّت العطر، حملت حقيبة يدها، وتحركت للخارج بثقة.
تحرك مكي خلفها، وركضت سلوى وراءه وهي تنادي:
سلوى بنداء: مكي! مكي!
توقف مكي والتفت إليها.
سلوى برجاء: خد بالك منها لو سمحت، ما تخليش حد يقولها أي كلمة تزعلها.
مكي بابتسامة لطيفة: ما تقلقيش، أنا هاكون معاها.
هزت سلوى رأسها إيجابًا، وتحرك مكي خلف ماسة.
وأثناء سيرهم، توقفت ماسة أمام غرفة الرعاية المركزة.
ماسة: استنى يا مكي، أنا هادخل أسلم على سليم ونخرج على طول، ماشي؟
هز مكي رأسه إيجابًا. دخلت ماسة الغرفة، ووقفت أمام النافذة الزجاجية تنظر إلى سليم بحب.
ماسة بثقة ممزوجة بابتسامة مشرقة: إيه رأيك في مراتك دلوقتي؟ تعجبك؟
تحولت الابتسامة إلى حيرة ممزوجة بوجع خنق صوتها، أكملت
ماسة بصوت خافت ومليء بالألم: برغم إني لما بصيت في المرايا ما عرفتش نفسي، بس حاسة إن الوقت جه إني أتخلى عن الفساتين اللي فيها ورد وفراشات وألبس كده.
تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تتابع بنبرة مليئة بالعاطفة:
بس عايزة أقولك على حاجة! حتى لو إللي بره اتغير، ونظرة العين اتغيرت، مستحيل إللي جوه يتغير. وحتى لو حصل واتغير هو كمان... تأكد إني مستحيل أتغير معاك.
تبتسم ابتسامة صغيرة، وكأنها تخاطب نفسها أكثر منه: أنا عملت كده علشان لما تصحى تفتخر بيا. تعرف إنك سبت وراك ست بميت راجل، تقدر تعتمد عليها، وإنها قدّ الثقة الكبيرة اللي إديتها لي.
تقف لدقائق تنظر إليه بحب، ثم تضيف وهي تخفي دموعها: أنا بحبك أوي... ومش هاتأخر عليك.
تطبع قبلة في الهواء تجاهه، ثم تستدير بثقة وتخرج من الغرفة. تنظر لمكي وهي تهز رأسها علامة على أنها مستعدة. ينطلق الاثنان إلى الخارج، وملامح القوة تغطي وجهها، رغم العاصفة التي تجتاح قلبها من الداخل كانت حلقاتها مليئه بالثقه والقوه فتح لها احد الحراس باب السياره الخلفي دخلت اليه لتبدا تلك المعركه.
بقلمـيـﮯ ليـﮯلهہ عآدل (◕ᴗ◕✿)♥️
مجموعة الراوي العاشرة صباحاً
وصلت ماسة أمام المجموعة. فتح مكي لها الباب، هبطت السيارة بقوة وتوقفت لحظة، وهي تمرر عينيها على المبنى. كان لا بد أن تكون ماسة سليم الراوي على حق"، وليس ماسة مجاهد الفتاة الريفية البسيطة. يجب أن تتغير بالكامل. رفعت ظهرها لأعلى، عدلت شعرها، وتغيرت نظرات عينيها،أخذت نفسًا عميقًا وبدأت تتحرك بحزم وكأنها أصبحت شبه سليم، وأثناء سيرها...
نظرت لمكي من طرف عينيها وقالت بطريقة عملية: مكي، شوف لي مازن فين وخليه ييجي لي على مكتب سليم. لازم أتكلم معاه قبل ما أدخل الاجتماع.
مكي بنصح: لو هتتكلمي عن التوكيل، اصبري شوية. ما تخليش القلم اللي أخدتيه امبارح والكلام اللي سمعتيه هو اللي يسيطر عليكي ويتحكم في رد فعلك.
ماسة ابتسمت: ما تقلقش، أنا عارفة إمتى أستخدمه. انا بس لازم أتكلم مع مازن الأول قبل مدخل الاجتماع.
دخلوا المصعد معًا، وكملت ماسة: محتاجة أبص على المشاريع. مش عايزة حد يضحك عليا، لازم أكون قد الثقة اللي سابها سليم.
هز مكي رأسه، خرجوا من المصعد وتوجهوا إلى مكتب سليم.
مكتب سليم.
دخلت ماسة المكتب وجلست على مقعد سليم، في هدوء وهي تفكر. بعد دقائق، دق الباب.
ماسة: ماسة هانم مستر مازن بره.
ماسة هزت رأسها بإيجاب: خليه يدخل، وهاتلي ملخص اللي طلبته منك.
نور: حاضر.
خرجت نور، ودخل مازن، فتوقفت ماسة لتستقبله.
ماسة: أهلاً، مستر مازن، اتفضل.
مازن جلس: أنا جبت حضرتك كل الأوراق معايا.
ماسة تساءلت: تمام، هتحضر الاجتماع مظبوط؟
مازن بتأكيد: أه طبعًا، لازم أكون موجود.
ماسة بجدية: تمام، بس مش هتجيب سيره التوكيل، خليه معاك في حال احتجته..اتفضل دلوقتي، روح على الاجتماع، وأنا هكون موجودة بعد 10 دقائق.
مازن هز رأسه بإيجاب: تمام.
خرج مازن، ودخلت نور وأحضرت الأوراق التي طلبتها. بدأت ماسة في قراءتها.
بعد دقائق، خرجت، وكان مكي بانتظارها.
مكي: جاهزة؟
تبسمت ماسة بثقة: جاهزة، يلا بينا.
غرفة الاجتماعات الحادية عشر صباحاً
كان جميع أفراد عائلة الراوي ورؤساء الأقسام يجلسون على المقاعد، ما عدا ماسة ومن بينهما مازن.
فايزة باستخفاف: هو إحنا هنفضل مستنيين الهانم كتير؟
عزت: أنا كلمت مكي هي موجوده من نص ساعه وخلاص جاية.
وأثناء حديثهم، طرق الباب ودخلت ماسة بابتسامة مشرقة تعكس ثقتها، وخلفها مكي.
توقفت ماسة عند الباب، تمرر عينيها على الجميع، وقالت بثبات: صباح الخير.
رد الجميع: صباح النور.
ما عدا فايزة التي أشاحت بوجهها في اتجاه آخر.
مررت ماسة عينيها على المقاعد المتاحة وقالت بتساؤل: أنا بقى هاقعد فين؟
ياسين وهو يشير بيده: ده كرسي سليم، ممكن تقعدي عليه.
نظرت له ماسة بابتسامة مهذبة وقالت برفض: لا، مكان سليم ملك لسليم وبس، حتى لو أنا اللي هاقعد عليه. مررت عينيها مرة أخرى على المقاعد ووجدت بعض المقاعد الفارغة. أشارت بأصابع يديها وقالت: أنا هاروح أقعد في الكراسي الفاضية اللي هناك دي، علشان أبقى شايفاكوا كلكم.
تحركت ماسة بثقة وجلست على أحد المقاعد، تفرد ظهرها بكل قوة وثبات.
مالت منى برأسها قليلاً نحو صافيناز وهمست بصوت منخفض: لابسة اللي على الحبل.
ضحكت الاثنتان باستخفاف، لكن ماسة تجاهلتهما تمامًا، مركزة على ما سيأتي.
عزت بصوت عملي: يلا خلينا نبدأ الاجتماع بتاعنا. نانا، وزعي الملفات.
بدأت نانا بتوزيع الملفات على الحاضرين، تضعها أمامهم واحدًا تلو الآخر. بعد أن انتهت، أكمل عزت بنبرة عملية: هنبدأ الأول بالمشاريع اللي شغالين فيها، وبعد كده نتكلم عن المشروع الجديد.
بدأ عزت في الحديث، وشارك معه رؤساء الأقسام وأبناؤه في النقاش. كانت ماسة منصتة لهم جيدًا، تتابع التفاصيل بتركيز عالٍ.
وأثناء ذلك، انتبهت ماسة لحديثهم عن مشروع خاص بسليم، وأن عماد سيظهر في أحد البرامج للحديث عنه.
ماسة بنبرة عملية: هو المشروع اللي بتتكلموا عليه ده، مش المشروع الخاص بسليم بتاع ارض الساحل والمدينه الجديده اللي هتبنوها في الساحل وسليم ليه نسبه 85% والباقي للباشا؟
عزت متعجباً: مظبوط.
صافيناز باستخفاف: ويا ترى عرفتي منين بقى كل المعلومات دي؟
نظرت لها ماسة بثقة وهي تهز المقعد مثلها اجابت: سليم بيحكي لي عن كل مشروع بيدخل فيها، وبيتناقش معايا وبياخد رأيي. وباليل كلمت نور، خليتها تبعت لي على الإيميل المشاريع الأخيرة للمجموعة، وبالأخص المشاريع الخاصة بسليم، وقعدت أذاكرها. عموماً، أعتقد لو سليم موجود كان هو اللي هيطلع في البرنامج، مش عماد، وبما إن سليم مش موجود، أنا هكون مكانه. وممكن كمان يبقى معايا عماد، مفيش مشكلة مادام هو خلاص اتفق.
فايزة بسخرية: وإنتِ بقى هتعرفي تتكلمي؟
ماسة بثبات: أكيد هعرف أتكلم. واعتقد إن البرنامج مسجل، وحضرتك برضه هتبصي عليه قبل ما يتمنتچ ولا إيه؟
نظرت ماسة إلى نانا قائلة: نانا، من فضلك، بلّغي الإعلامية إن ماسة سليم الراوي هي اللي هتظهر في البرنامج بجانب مستر عماد. يا ريت تبلغيها وتخلي برنامج بكره في المستشفى لاني مش فاضيه النهارده.
نظر عزت إلى ماسة نظرة سريعة بمعنى تمام، موافق، وأكمل الاجتماع بنبرة جدية
بعد أن انتهى النقاش حول المشاريع الحالية، قال عزت: اللي موافق يرفع إيده.
رفع الجميع أيديهم، بما فيهم ماسة، التي أظهرت ثقتها وهي تشاركهم القرار.
عزت: تمام. نبدأ بقى نتكلم عن المشروع الجديد بتاع أرض الفيوم. ها، إيه الجديد؟
أجاب أحد الموظفين: الناس لسه معاندين على الآخر.
عزت بشدة: يعني إيه مش عايزين يخرجوا من الأرض؟ الأرض دي بقالها شهر ونص ما عملناش فيها أي حاجة! أنا جايبها علشان أتفرج عليها ولا إيه؟
تدخلت فريدة محاولة التهدئة: يا بابي، الناس دول موجودين في الأرض دي من زمان. ورافضين إنهم يخرجوا ده طبيعي، هايروحوا فين؟ دي بيوتهم.
فايزة بغضب: بس هما خدوها من غير أي حق، بوضع اليد! يبقوا يتربوا عشان يكونوا عبرة لغيرهم.
منى بنبرة حادة مليئة بالتهديد: ممكن نديهم آخر فرصة. يومين بالظبط. لو مانفعش معاهم، نكلم إسماعيل وياخد قوة من البوليس ونهد البيوت على شوية الحشرات الأوباش دول.
لكن استوقف ماسة حديث منى عندما وصفتهم بالحشرات والأوباش، فرسمت ماسة على شفتيها نصف ابتسامة مبطنة، ثم قالت بتساؤل هادئ:
ماسة بأرستقراطية: Pardon... عفوًا، يا جماعة، بس أنا محتاجة أفهم، شوية الأوباش اللي بتتكلموا عنهم دول عملوا إيه علشان بيوتهم تتهد فوق دماغهم بالبساطة دي؟
رفعت منى عينيها بقوة ممزوجة باستخفاف: حطوا رجليهم في أرض مش بتاعتهم ورافضين إنهم يخرجوا منها. اتكلمنا معاهم كتير، شهرين ونص ومافيش فايدة! عايزانا نعمل إيه؟ نبوس الأيادي علشان يخرجوا؟
ماسة بعقلانية وهدوء: أكيد لا، مدام الأرض ملكنا وهما أخدوها بطرق غير مشروعة. بس أكيد في حلول تانية غير إننا نهد البيوت فوق دماغهم، دول بني آدمين، مش تماثيل! لكن، برضو، ماحدش جاوبني... إيه الموضوع من البداية؟
كانت فايزة تمسك نفسها بقوة كي لا تفقد أعصابها، فمن هي ماسة حتى تدخل في نقاش كهذا؟ لكنها ظلت صامتة، فقد قام عزت بتحذيرها بشدة قبل الاجتماع بألا تتصرف بأي شكل ضدها مهما حدث.
فور انتهاء ماسة من كلامها، ضحكت فايزة ضحكة مبطنة تحمل سخرية واضحة، لكن ماسة، التي انتبهت جيدًا لهذه الضحكة، لم تُظهر أي ردة فعل، وكأنها لم ترَ أو تسمع شيئًا.
بينما أجابها عزت بتوضيح: في مجموعة أراضي كانت الحكومة عارضة للبيع في مناقصة، وإحنا أخدنا الأرض دي ضمن الأراضي اللي فزنا بيها. الأرض دي في الفيوم، وعايش عليها ناس استولوا عليها من حوالي 30 سنة تقريبًا. بنوا عليها بيوت وعاشوا فيها، ولما طلبنا منهم يخرجوا رفضوا.
كانت ماسة تصغي لحديثهم بدهشة وهي تعقد حاجبيها، ثم قالت بعقلانية:
ماسة: طبيعي يا باشا الناس ترفض! إنت عايز بعد 30 سنة تيجي تقولي أطلع من بيتي وأقولك أمرك؟
طه بتوضيح: بس الأرض دي مش من حقهم والبيوت مش مرخصة، دي أرض حكومية، وبقت ملكنا دلوقتي. إحنا حاولنا نتفاهم معاهم، بس رافضين، فمفيش حل غير إننا نهد البيوت، وساعتها هيخافوا ويهربوا.
ماسة بعملية واعتراض ممزوج بعطف: بس أنا رافضة إن الناس دي تتهجر من بيوتها وتترمي في الشارع بالطريقة دي، حرام. هايروحوا فين؟ أكيد الناس دي غلابة ملهمش إلا بيتهم. الحكومة كانت غافلة ونايمه ولما افتكرو قررت تبيع الأرض علشان تستفاد، من غير ما تفكر في الغلابة اللي عايشين فيها من سنين؟!
ما فيش مشكله ناخد الارض لانها ملكنا، بس لازم نوفر لهم بيوت بديلة، لكن كده بطرق اللي انتم عايزين تستخدموها؟ بعتذر. أنا مستحيل أوافق على الجريمة دي.
نظرت لها فايزة ببرود مستفز وقالت: بأي حق ترفضي يا ماسة هانم؟
رفعت ماسة عينيها نحوها، وردت بنفس البرود: بإني عضو في مجلس الإدارة، وبملك 14% في الشركة.
فايزة بحدة:ال 14% دول مالهمش أي تأثير طول ما باقي الرؤساء موافقين.
فريدة بتأييد: بس أنا زي ماسة، رافضة نطرد الناس من بيوتها.
فايزة بعناد: بردو النسبة الأكبر لينا.
ياسين: و طبعاً هتفضل الأكبر حتى لو أنا كمان رفضت.
عزت بحسم: بالظبط، إحنا النسبة الأكبر، ومن غير ما ألجأ حتى لنسبة سليم في
عزت: بالظبط، إحنا الأكتر ومن غير ما ألجأ لنسبة سليم في حسم التصويت لان النسبه الاكبر للباشا وليا.
هنا تأكدت ماسة أنه حتى لو ذكرت امتلاكها لتلك النسبة، لن تتمكن من فعل شيء، لأنهم الأقوى والأكبر حتى الآن، لذا كان من الأفضل أن تحتفظ بهذا السر لوقت لاحق.
ماسة بهدوء: على فكرة الموضوع بسيط، ممكن يتحل ببساطة.
منى بسخرية: ببساطة إزاي بقى؟
ماسة بعقلانية وهدوء: إحنا ممكن نديهم فلوس كتعويض علشان ما نشيلش ذنب الناس اللي هاتترمي في الشارع.
فور ما قالت ماسة الكلام ده، ضحكت فايزة بسخرية، بينما ضحك رشدي وصافيناز ومنى بابتسامة مبطنة.
رشدي رد بتوضيح ساخر: لا يا ست الحسن، مش لايق على إللي إنتي لابساه الكلام ده.. ده تقولييه لما تبقي لابسة الفستان أبو فراشات، لكن مع الطقم ده! الأفكار دي تتدفن برة باب المجموعة. الناس دي مابتفكرش كده. القلب الطيب ده يترمي بره باب المجموعة قبل ما تخشي، ماشي؟
رفع عينه لعزت وقال بعملية وشر:
باشا، إنت بس قول آه، وأنا عندي إللي يخليهم يترموا بره الأرض. إحنا حاولنا معاهم كتير وهما رافضين.
وجه نظراته لماسة وقال:
وعلى فكرة إحنا عرضنا عليهم فلوس ومش عاجبهم، يعني حرامية وكمان وطماعين. يلا يا جماعة، مين موافق على الفكرة؟
وبالطبع، الجميع رفع أصابعه إلا ماسة وياسين وفريدة.
ياسين بضيق: أنا حقيقي رافض فكرة اللجوء لهدم بيوتهم، وسليم لو كان موجود كان وقفلكم فيها.
عزت بشدة: ياسين، إنت هتعارضني؟
ياسين بتأدب: لا طبعاً، ما أقدرش يا باشا.
ماسة حاولت أن تهدأ الوضع: ممكن تسيبوني أقول فكرتي؟
فايزة بضجر: خلاص، إحنا أخدنا القرار.
نظرت لها ماسة وهي تمرر عينيها بتعجب وقالت: إزاي تاخدوا قرار وفي أعضاء رافضين؟
أكملت بهدوء متسائلة: باشا، هو إنت ليه ميال لفكرة عنيفة؟ ممكن بسببها تخسر سمعتك! بالرغم من إنك ممكن تستفاد كتير.
عزت بهدوء: إزاي بقى؟
عادت ماسة بظهرها للخلف وتحدثت كأنها سيدة أعمال مخضرمة وقالت بذكاء وحيادية: أنا شايفة إن الناس دي إصرار رفضهم بسبب إنهم مالهمش أماكن تانية يعيشوا فيها، فهيترموا في الشارع، لكن لو أديناهم بيوت يعيشوا فيها! هيوافقوا، ووقتها حضرتك هتجيب مصورين والتلفزيون يصور معهم، ويتكلموا عليك، إن قد إيه حضرتك راجل طيب ومحترم وما حبيتش تخرج الناس دي من بيوتها، بعد ما الحكومة اتخلت عنهم، إلا بعد ما وفرت لهم بديل! بالرغم من إن عندك كل الصلاحيات اللي تخليك تخرجهم بره الأرض، وتهدم البيوت بأمر قضائي! بس إنت رفضت، إنسانيتك رفضت إنك تعمل كده في الناس الغلابة دي. (تبسمت) شوف بقى الكلمتين دول هيعملولك دعاية بكام؟ أكيد بملايين! وسمعتك هتكون في العلالي، ويا سلام لو كل واحد ياخد له مبلغ بسيط مثلا ٢٥ الف مع البيوت وتشغلهم كمان! كده تبقى ضربت أربع عصافير برصاصة واحدة... وهي تقلب في الملف الذي أمامها:
أنا شايفة إن الأرباح المبدئية للمشروع فيها أصفار كتير أوي، يعني مفيهاش مشكلة لو دفعت ١٠٠ مليون ويمكن أقل! وأحب أأكدلك، بعد الدعاية دي، الأصفار دي هتكتر مع حب الناس مش كرههم. ليه تبني عداوة؟ مع إن عندك مقدرة تبني محبة! على الأقل هتبقى في أمان. أصلك ماتقوليش إنهم هايسكتوا لما تهدم البيوت فوق راسهم ويموت واحد أو اتنين منهم! دول هايفضلوا يتكلموا في الجرايد والتلفزيون وهتكون فضيحة! ووقتها الأصفار دي هتطير، ومش بس كده! ده ممكن واحد قلبه حرقه يتجنن وبرصاصة ياخد حقه منك، يوقع لك واحد من عيالك، أو حضرتك! زي ما حصل مع سليم! أوعى تستبعد ده، أصل إنت هتاخد أغلى ما يملك مش هيبقى باقي على حاجة خالص.
كان يستمع لها الجميع بإندهاش ممزوج بإنبهار على ما تقوله، فلم يخطر ببالهم للحظة واحدة مثل ماسة ستتحدث بتلك الطريقة التي توحي بالقوة والابتكار، وتأتي بتلك الأفكار وتقدمها بتلك السلاسة. كانت فايزة ومنى وصافيناز نيران الحقد والكراهية تأكل كبدهم، بينما بدأ عماد يشعر بمؤشر الخطر نحوها! فتلك الفتاة الريفية التي لم تكن يومًا محل خطر أو في الحسبان، أصبحت قوية وذكية وتفهم ما يدور حولها. بالطبع، معلمها هو وريث العرش ومنقذها، والذي يعمل له ألف حساب.
فكر عماد أنه لابد أن يعيد حساباته بالنسبة لماسة مرة أخرى، فيبدو أن ذكاء تلك الفتاة سيوقعها في مشاكل أكبر منها بكثير بعد ما كانت بعيدة عن مخططاتهم الشيطانية.
وبعد انتهاء حديثها الذي يبدو أنه طاب لهم ووجد استحسانًا من الجميع إلا فايزة بسبب كرهها الشديد، حتى لو كان حديثها صحيحًا فلن ترضى به أبدًا، تحدث إبراهيم.
ابراهيم بعملية: والله أنا قولت الفكرة دي قبل كده، إننا نديهم مبلغ كبير أو شقق، بس الهانم رفضت.
ياسين بتأييد: ماسة صح في الجزء الخاص بالأعداء، ومش علشان الناس غلابة مانعملهمش حساب! ممكن حد يشتريهم.
فريدة بلطف: بابي، حضرتك ليك علاقة بالوزير، ممكن تكلمه يديك شقق في عمارات مشروع الإسكان، وأكيد هيدها لك بنص الثمن.
فايزة بضجر: وندفع ليه فلوس في حاجة ملكنا؟ وممكن تخلص بأمر إزالة من القضاء؟ وكل ده ينتهي وإحنا قاعدين حاطين رجل على رجل، من غير ما نغرم جنيه. ويوم ما يتكلموا، هنقول، وإحنا مالنا؟ الشرطة هي اللي هدمت بيوتكم...
وجهت نظراتها لعزت بحدة وقالت:
عزت، ماتسمعش كلامهم وتخسر فلوسك، الصعاليك إللي زي دول ما يستاهلوش جنيه.
ردت ماسة عليها بحكمة: يخسر فلوس النهاردة علشان يحافظ على حياته وحياة ولاده بكرة.
عماد بتأييد، الذي اتخذ قراره بأن يأخذ جبهة ماسة مثل زوجته: فايزة هانم، صراحة ماسة عندها حق، وأنا كنت مع إبراهيم وفريدة وياسين، إننا ماينفعش نلجأ للعنف، لإننا لو استخدمناه خصوصًا في الوقت الحالي مش في مصلحتنا. مش بس علشان ما نضرش بسمعة المجموعة! لكن كمان الناس دي مش هيبقى عندها إللي يتخاف عليه. وحضرتك ماتنسيش إن إحنا ما وصلناش للي دبر الحادثه لسليم لحد اللحظة دي؟ فممكن اللي عمل كده يستغل الموضوع ده ويهيج الرأي العام علينا، ويلعب في دماغ حد ويقتل حد فينا.
هز عزت راسه باقتناع وموافقة: أنا اقتنعت خلاص، موافق على الاقتراح ده. إبراهيم وعماد خلصوا الموضوع ده، وأنا هاكلم وزير الإسكان يوفر لهم شقق. فريدة، شوفي لو محتاجين عمال في مصانع بتاعنا او لأراضي زراعيه ووظفي منهم. وطه عايز لكل أسرة ٣٠ ألف جنيه. صافيناز، موضوع التصوير ده عليكي إنتي. وحهه نظرات لرشدي بلطجي العيلة رشدي باشا، تنزل ومعاك شاكر، تهدي الناس وتقولهم إننا هانجبلهم شقق بديلة. ياسين مع رشدي. ها، الكلام مفهوم للكل؟
الجميع: أمرك يا بوص.
فايزة وهي تجز على أسنانها: يعني خلاص، موافق وهتنفذ كل اقتراحات... وهي تحاول نطق اسمها باختناق... ماسة كمان!!
عزت بحسم: آه، عجبتني.
نظر إلى الجميع وقال: كده الاجتماع انتهى. الكل على مكتبه. بدأ الجميع ينهض ويتوجه للخارج...
أكمل عزت قائلاً: ماسة ماتمشيش، هتمضي على شوية أوراق.
هزت ماسة رأسها بإيجاب وخرجت للخارج، وخلفها مكي. وأثناء سيرهم، فى الممر بجانب بعضهما تحدثت.
ماسة بضيق: كان نفسي أقولهم بس ما جتش فرصة خالص.
مكي: ما تستعجليش، هايجي وقتها.
ماسة: بقولك إيه، هما بيطولوا، مش عايزة أتأخر على سليم.
مكي: لا، ساعة بالكتير.
ماسة: طب تعالى نقعد في مكتب سليم.
مكي: اسبقيني إنتي، هاعمل حاجة وجاي وراكي.
ماسة: أوكيه، بقولك أنا كنت كويسة جوة!! يعني نجحت؟
مكي: جداً جداً، لو سليم موجود كان هايكون منبهر وفخور بيكي.
تبسمت ماسة بسعادة: ميرسي يا مكي.
تحركت نحو مكتب سليم ودخلت.
******************
مكتب صافيناز
نشاهد صافيناز تجلس على الأريكة في مكتبها، بينما عماد يجلس على مقعد أمامها، يتبادلان الحديث.
صافيناز متعجبة وهي ترفع حاجبها: شفت النهاردة ماسة عملت إيه في الاجتماع؟ دي أول مرة تحضر فيها اجتماع في حياتها، لكن كأنها مش أول مرة، كانت فاهمة وعارفة كل حاجة.
عماد بإنبهار متعجباً: أنا مش متخيل، البنت دي كانت فلاحة والا كانت جاهلة؟ لأول مرة أشوف واحدة ذكية بالفطرة كده. فعلاً معجزة. البنت دي لو اتعلمت شوية، ممكن تاخد جائزة نوبل ذكائها فظيع حقيقي.
صافيناز باستهجان: لا إنت أكيد بتهزر يا عماد؟
عماد موضحاً: لا، ما بهزرش والله. أنا بس مندهش من ذكائها وسرعة فهمها.
صافيناز بتفكير عميق: وده بقى مش مؤشر يخوف؟ يعني ممكن نلاقيها نسخة جديدة من مامي، بس بشكل أكبر وأقوى وأذكى. ومع واحد زي سليم هتسحق فايزة، وهتبقى أقوى كمان من تيتة عفت الراوي، أصلك ما تعرفش تيته دي كانت عاملة إزاي. كانت ترعب في ذكائها.
عماد بتأييد: دي حقيقة. ماسة ما طلعتش بسيطة زي ما إحنا متخيلين. البنت دي لو فهمت وعرفت وطمعت، هتبقى نهايتنا عشان كدة لازم ناخد بالنا منها.
صافيناز: بس كويس إنك أخدتِ صفها رغم إنك كنت معترض إن الناس ياخدوا فلوس.
عماد بمكر: لازم أخد صفها يا صافي. لأنها دلوقتي بتمتلك قوة كبيرة. 14% دول نسبة مش صغيرة. برغم إني حاسس إنهم مش 14% بس.
صافيناز بقلق وعدلت جلستها: تقصد إيه؟
عماد بدهاء: حاسس إن سليم إدّاها نسبته.
صافيناز باعتراض: مستحيل! كنا عرفنا.
عماد: هو ما إدّهاش، بس ممكن يكون عمل لها توكيل بالإدارة، وبعد نسبة الزيادة اللي خدهم كمكافأة من الباشا. أصبح هو النسبة الأعلى والأكبر، حتى أكبر من الهانم. بقت 26%.
صافيناز بغيظ وحقد: كلنا معانا 3% وهو الوحيد اللي معاه نسبة بتعادلنا كلنا واكتر؟ طول عمره مميز وبيسالونا: 'أنتوا لية بتكرهوه.
أكملت وهي تهز رأسها برفض الفكرة: بس مستحيل، مستحيل يكون كتب لها، دي تبقى مصيبة.
عماد: ولا مصيبة ولا حاجة؟ ده إحنا هنقدر نلعب معاها حلو أوي. بس دلوقتي لازم نبقى معاها وندعمها، وأنتِ بالأخص.
صافيناز:أمبارح لما مامي ضربتها، أنا كنت معاها. بص أنا بكرهها لأن بسببها بابي كان هيطردني وضربني، بس أنا غير مامي، أنا بعرف أسايس أموري عشان أوصل لأهدافي.
زمت شفتيها وهي تتحدث بين أسنانها:
بس البنت دي لو فهمت أكتر من كده هتبقى مصيبة. لأنها ممكن تلعب في دماغ سليم وتقول له: 'بطلوا الشغل غير قانوني، و دي هتبقى مصيبة، ماتستبعدش إنها ممكن تكون دخلت في دماغ سليم عشان يبعد.
عماد متردد: لا، لا، مش كده. هي ما تعرفش حاجة. هو بعد عشان ما تعرفش.(أكمل بدهاء) عموماً، إحنا دلوقتي فهمنا ماسة قد إيه ذكية وقد إيه خطر علينا. ولو فعلاً إدّها حق التوكيل، لأن نظرة عينيها وطريقة كلامها، مستحيل تكون تمتلك بس الـ 14%. لأنها فاهمة كويس. الـ 14% دول ما لهمش لازمة...أنا كنت باصص على عينيها وطريقتها ونظرتها. كل شوية لمازن ومكي، وهم كمان كانوا بيقولوا:، أوعي تقولي دلوقتي..عموماً، الموضوع ده مش هيطول وهيتعرف لأن لسه في مشاريع جديدة، وساعتها الباشا هيلاقي نفسه ملوش حق إنه يقولي أه أو لأ.
صافيناز بابتسامة: عموماً أنا اخترت كفة ماسة لحد ما نخلص منها لو فعلاً احساسك طلع صح.
ابتسم عماد قائلا بانبهاى: بس البنت دي ذكية قوي بجد.
صافيناز بغيرة وعصبية: ما تهدى في أيه؟؟
عماد متعجباً هتغيري من ماسة!
صافيناز بغيرة: ما انت مش شايف نظرة عينيك؟ وانت عمال تقول 'ذكية' ومنبهر اوي. على فكرة، هتطلع معاك في البرنامج بكرة. إنت عرفت؟"
عماد بتأييد: أيوه عرفت. وهيعملوه في المستشفى عشان مش عايزة تسيب سليم. مش عارف هتقول إيه بس تمام. أنا جاهز أشوفها، لازم تقربي منها عشان نفهم مدى ذكائها وهنلعب معاها منين.
*******************
مكتب طه ومنى
نشاهد طه يجلس خلف مكتبه بتركيز، بينما منى جالسة على المقعد الأمامي تحتسي قهوتها في صمت ثقيل.
طه، معبرًا عن استغرابه، ينظر إليها بعينيه الثابتتين:
مش قادر أفهم، مالك؟ بقالك ساعة بتتكلمي عن ماسة وكلامها في الاجتماع، وبتقولي إنها خطر. خطر إيه؟ عشان قالت فكرة كلنا قولناها قبل كده؟ هي بس كانت بترشح مبلغ أكبر!!.حتى لو...هي فعلاً بنت شاطرة، مالك بيها؟
منى، وبصوت مشحون بالعصبية، تكاد تخرج الكلمات من بين أسنانها:لأ، هي مش بس شاطرة. هي طلعت زي ما كنا متوقعين، عايزة تاخد مكان فايزة!
طه، بنبرة ثابتة وساخرة: ما تاخد مكان فايزة؟ مدام تستحق.
منى، بغضب شديد وملامح وجهها تتوتر: لا! هي متستحقش لما تبقى بالطريقة دي، وعاملة نفسها طيبة وفي الحقيقة هي خبيثة تبقى متستحقش يا طه ولازم نركز معاها.
طه، يطلق ضحكة ساخرة وهو يهز رأسه:أنتم اللي خبيثين مش هي! خليكي فاهمة، يا منى. هفضل رافض اللي بتعملوه ومستحيل أقبله. لو أنا ساكت، ده لحماية أولادي. لكن لو حسيت إن اللحظة جت، آسف، هدمّر رشدي، وهحاسبكم واحد واحد على اللي عملتوه مع سليم.
صدمت منى من كلماته، ولاح في عينيها شبح الخوف:إيه اللي أنت بتقوله ده؟
طه، بحزم وقوة وهو يرفع رأسه للنظر إليها مباشرة:
أنا بقولك الحقيقة. مش هاسمح إنكم تِعملوا زي ما عملتوا مع سليم مرة تانية، أنا صحيلكم دي آخر فرصة ليكم معايا. احذري، أنا مش نايم.
نظر لها من أعلى لأسفل بملل قال:
القعدة معاكي بقت تجيب اكتئاب ومملة، هقوم أعمل أي حاجة بدل حواراتك اللي ما بخلصشي.
نهض طه فجأة، وترك المكان وهو يغلق الباب خلفه بقوة، تاركًا منى في صمت ثقيل. نظرت إليه بعيون مشوشة، مشاعرها متناقضة بين الغضب والضيق. كان كل جزء في قلبها يصرخ بأنه لن يسهل عليها تحقيق طموحاتها الخبيثة في ظل هذا الوضع.
*******************
((بعد وقت))
مكتب سليم
تجلس ماسة على المكتب وتمضي بعض الأوراق، بينما تقف نور بجانبها ممسكة بملف وتُخرج منه أوراقًا لتعطيها لها.
ماسة بزهق: خلاص ولا لسة؟ أنا تعبت، مابيخلصوش ليه؟
نور بابتسامة: دي آخر ورقة.
ماسة: تمام.
أثناء ذلك، طُرق الباب ودخلت فريدة بابتسامة واسعة وهي تقول:
فريدة: ماسة، كويس إنك لسة موجودة.
رفعت ماسة عينيها نحوها بابتسامة ترحيب: فريدة، تعالي.
اقتربت فريدة وجلست على المقعد الأمامي للمكتب: كنت جاية وأنا بتمنى ألحقك ونشرب قهوة مع بعض وندردش شوية. عارفة إنك مش عايزة تتأخري على سليم.
أنهت ماسة توقيع الأوراق، رفعت جسدها ونظرت إليها بابتسامة: أيوة فعلًا، خايفة يفتح عينيه أي لحظة وأنا مش جنبه، بس مافيش مشكلة، نشرب قهوة مع بعض وأمشي. بصراحة، وحشتيني ووحشني كلامنا سوا.
نظرت للسكرتيرة وقالت بتهذب: نور، ممكن واحد قهوة مضبوط وأنا عصير ليمون؟
أخذت نور تجمع الأوراق: حاضر... عن إذنكم.
خرجت نور وأغلقت الباب خلفها.
فريدة بتفخيم: كنتِ هايلة النهارده يا ماسة. حقيقي، طريقة كلامك وقعدتك حسستني إنك سيدة أعمال من سنين، وإن ده مش أول اجتماع كبير تحضريه. لمسات سليم كانت واضحة بشكل كبير عليكِ. اتعلمتِ إمتى كل ده؟ مش معقول في المرتين تلاتة إللي جيتي فيهم المجموعة.
ابتسمت ماسة برقة على حديث فريدة وقالت بتوضيح: ميرسي على ذوقك يا فريدة. اتعلمت في البيت، سليم علّمني وفهّمني حاجات كتير. وبعدين أنا ماعملتش حاجة، الفكرة عادية يعني، أعتقد أي حد ممكن يقولها، مش محتاجة فزلكة.
فريدة وهي تهز رأسها بتأييد: بس كون إنك تفكري فيها بالسرعة دي تتحسب لكِ. غير إن اقتراحاتك كانت رائعة ونتائجها مضبوطة. بالرغم إننا عرضنا قبل كده حاجة شبهها للباشا، لكنه رفض. بس ربطك للفكرة مع اللي حصلك إنتِ وسليم كانت وسيلة ضغط ذكية منك مع الباشا.
ماسة بعقلانية: أنا أصلاً كنت مستغربة إزاي مجموعة كبيرة مكوّنة من أهم رجال الأعمال وسيدات الأعمال، أصحاب مجموعة كبيرة زي مجموعة الراوي، مايجيش في دماغهم الفكرة دي! زي ماقولتلك، أنا شايفاها بسيطة جدًا، مافيهاش أي افتكاسات. بس مادام إنتم عرضتوا نفس الفكرة قبل كده، ليه الباشا ماقبلهاش؟
فريدة بتوضيح: لإن مامي ورشدي كانوا رافضين تمامًا. شايفين، ياستي، إن الناس دي ما تستحقش إنهم ياخدوا فلوس مادام الأرض ملكنا، وهما استولوا عليها زمان بالسرقة. فإحنا بكده بنكافئ الحرامية على سرقتهم، وممكن غيرهم يعمل كده كتير! إحنا فعلاً عرضنا على الناس مبلغ، بس كان مبلغ بسيط جدًا، ودي كانت فرصة لمامي ولرشدي يقنعوا بابي إنه يعند ويرفض يديهم مبلغ أكبر.
ماسة باستغراب وهي تعقد حاجبيها: بس إزاي يعني واحد زي الباشا بعبقريته وقوته، رشدي وفايزة هانم يقدروا يلعبوا في دماغه؟ مش غريبة!
فريدة بتوضيح: بابي مابيعرفش يرفض لمامي أي حاجة، وبعدين دي مش أول مرة يستخدموا طرق من النوع ده. خلي في معلومك، بابي وافق مش علشان فكرتك عظيمة!! هو وافق عشان الكلمة إللي إنتِ قولتيها إن إللي عمل فيكم كده لسة حر طليق وماحدش يعرف عنه أي حاجة! وممكن فعلاً يئذي أي حد فينا. التوقيت كان مناسب جدًا، وعشان كده مامي ماقدرتش تتكلم لإنها عرفت إن بعد الكلمتين دول، عزت الراوي خلاص يستحيل يتراجع.
ماسة وهي تهز رأسها بفهم: فهمت، الحمدلله إني قدرت أقنعه، والناس الغلابة دي مايترموش في الشارع.
طُرق الباب ودخل الساعي، وضع القهوة والعصير على المكتب وخرج.
أمسكت فريدة بفنجان القهوة واحتست القليل منه، بينما بدأت ماسة تحتسي العصير. بدا أن فريدة تريد قول شيء، لكنها ترددت قليلًا.
فريدة: ماسة...
رفعت ماسة عينيها بابتسامة، وواصلت فريدة بنبرة مرتبكة قليلًا: أنا كنت عايزة أتكلم معاكي في موضوع مهم وإنتي الوحيدة إللي ممكن تخلصيه. مش بس لإنك بتمتلكي النسبة الأكبر فيه، لكن كمان لإنك مرات سليم، وبابا مستحيل يقدر يعملك حاجة.
نظرت لها ماسة بتعجب شديد وهي تعقد حاجبيها: موضوع إيه ده؟
وضعت ماسة كوب العصير على المكتب، ووضعت فريدة فنجانها على الطاولة أمامها، ثم أكملت بتوضيح.
فريدة بتفسير: إحنا عندنا منجم دهب، سليم اشتراه بعد ما رجعتوا من السفر وقت مشاكل المجموعة. المنجم ده كان لقطة، سعره بسيط جدًا مقارنة بنسبة الربح إللي هتيجي منه! بس أكيد فيه مقابل مادام سعره قليل كده، وهو إن المنجم ده كان آيل للسقوط، وإنه لو اشتغل مرة تانية فيه مجازفة كبيرة جدًا.
ماسة باستغراب: وإنتوا ليه أصلاً تشتروا حاجة آيلة للسقوط؟ سليم إزاي يعمل كده؟
نظرت فريدة إليها وهي تزم شفتيها، مترددة في الرد، لكنها حاولت توضيح الأمر بطريقة لا تشوه صورة سليم أمامها:
فريدة بتوضيح: سليم كان لازم يعمل كده علشان يجيب فلوس بأي طريقة. كنا محتاجين رأس مال كبير نسدد بيه الديون إللي علينا. أنا كنت رافضة، بس سليم قال هما 3 أو 6 شهور بالكثير، نسدد الديون ونوقف المجموعة على رجلها ونقفل المنجم.
ماسة بتساؤل: طب وليه ماتقفلش لحد دلوقتي؟ مش خلصتوا ديونكم؟
فريدة بابتسامة: هو في حد يقفل حاجة بتدخل له ملايين ودافع فيها ملاليم؟! المنجم ماعملش أي مشاكل زي ماكنا فاكرين، ولما حصلت كانت حاجة بسيطة وسليم قدر يلحقها.
ماسة مقاطعة بتساؤل: إيه اللي حصل؟
فريدة: كام عامل اتصابوا، ودفعنا لهم تعويضات. بس ده كان مؤشر خطر بيقول إن المنجم خلاص مش هينفع يشتغل تاني. للأسف الكل رفض يقفله. الطمع وحش يا ماسة، حتى سليم رفض بشكل نهائي وقالي ما تدخليش في الموضوع، لأنه شايف إن الإصابات الطبيعية بتحصل في كل المناجم حتى المؤمنة.
بتنهيدةوعي تزم شفتيها استرسلت: لكن من حوالي أسبوعين حصل سقوط جزئي في المنجم، والنتيجة كانت إن أكتر من ٢٠ عمال اتصابوا، و٥ ماتوا.
ماسة بصدمة وهي تفتح عينيها على اتساعهما: ماتوا؟
فريدة تهز رأسها بإيجاب ممزوج بأسف: أيوة ماتوا، والمنجم اتقفل لمدة يومين، بس رجعوا فتحوه تاني. وأنا مش قادرة أخد قرار بقفله، لأنه مش من سلطتي. هما اثنين بس إللي يقدروا يقفلوا المنجم ده: سليم وبابا. وبما إنك بتملكي حق إدارة أملاك سليم، فإنتي الوحيدة إللي ممكن ترفعي السماعة وتدي أمر بقفله.
ماسة بضعف وتردد: بس أنا ما أملكش غير 14% يا فريدة، وبعدين أنا أصغر من إني أخد قرار كبير زي ده.
فريدة بابتسامة مطمئنة: ماسة، أنا عارفة إن سليم عملك توكيل 12% من حصته في المجموعة، غير إنه عملك توكيل بحق إدارة كل أملاكه في غيابه بعد ما لغى التوكيل من الباشا يعني أنتي دلوقتي معاكي ٢٦٪
شعرت ماسة بالتوتر، وكان ذلك واضحًا على ملامحها ونظرات عينيها. حاولت فريدة تهدئتها بابتسامة وربتت على كفيها.
فريدة بنبرة مطمئنة: ماتقلقيش يا ماسة. أنا لسة عارفة الموضوع ده من أسبوع تقريبًا. مازن هو اللي قالي لأنه مش راضي عن اللي بيحصل. إحنا دفعنا فلوس للعمال اللي اتصابوا، ولأهالي العمال اللي ماتوا عشان يسكتوا. لكن المنجم اتفتح تاني، وكأن ما حصلش حاجة. الباشا بيبرر ده بإنه طبيعي في أي منجم في العالم، وإن مادام بيقدر يشتري سكوت الأهالي بالفلوس، يبقى مافيش مشكلة، خصوصًا إن فيه ملايين بتدخل من غير تعب.
ماسة بعدم فهم: طب أنا برده مش فاهمة، أنا ممكن أعمل إيه؟ أكيد الباشا هيرفض، والكل معاه. حتى لو جمعنا نسبتي ونسبتك ومعانا ياسين، نسبتنا هتكون أقل، وبكده إحنا لسة واقفين في نقطة الصفر!
فريدة باستغراب وهي تعقد حاجبيها: هو سليم مافهمكيش ولا إيه؟
نظرت ماسة إليها باستغراب وكأنها تسأل: تقصدي إيه؟
فريدة بتوضيح عملي: سليم كتبلك كل حاجة باسمه، وأي شراكة ما بينه وبين حد مننا مكتوبة باسمك. وعملك توكيل عام بحق الإدارة في غيابه.
ماسة وهي تهز رأسها بإيجاب: مظبوط.
أكملت فريدة بتفسير: المنجم ده بابي ليه نسبة 45% والـ55 الباقيين ملك لسليم، يعني النسبة الأكبر معاكي، فأنتي بكدة أصبح ليكي السلطة الكاملة بإنك تقفليه، وماحدش هيعرف يتكلم معاكي، هما أكيد هيتعصبوا، وممكن تحصل مشكلة زي اللي حصلت إمبارح معاكي، بس أنا جنبك، ولو قلقانة علشان سليم! لما سليم يفوق ويعرف إنك اللي عملتي كده! مش هيعملك حاجة تأكدي من ده، على فكرة مازن مقاليش غير بعد ما حس إن المنجم ده مش هيجي من وراه غير المصايب، ولإني أكتر حد ما بحبش الظلم حكالي، لأن الباقيين كلهم ماعندهمش مشكلة إن المنجم يفضل موجود، ولما تبقى تحصل حاجة كبيرة بقى ساعتها يتقفل، فهمتي.
ماسة باستغراب وتأثر: هي حياة الناس رخيصة أوي كده عندهم.
فريدة: علشان كده أنا بطلب منك تقفليه، أنا عارفة إني هافتحلك جبهة ومشكلة كبيرة خصوصاً مع مامي، بس أنا هابقى معاكي وياسين هيكون معاكي، وممكن نتفاهم مع صافي.
تبسمت ماسة بلطف وقالت بثقة: أنا مش محتاجة حد معايا بس إنتي فهميني مطلوب مني أعمل إيه بالظبط؟ لأن سليم ما وصلش معايا للنقطة دي، هو فهمني حاجات كتير وعلمني حاجات أكتر، بس الإجراءات اللي من النوع دي لا.
فريدة: الموضوع بسيط، إنتي هتجيبي ورقة وقلم وتمضي قرار بأمر إغلاق المنجم وهتبعتيه لنور وهي هتبعته للباشا يمضي عليه، بعدين نبعته بالإيميل للمهندسين المسؤولين هناك، بصي أنا ممكن أكتبلك القرار وأظبطلك كل الإجراءات وإنتي أمضي بس.
ماسة بموافقة: ماشي بس برده لازم تفهميني كل حاجة.
فريدة بامتنان: ميرسي يا ماسة، أنا كنت مترددة بصراحة أتكلم معاكي، بقالي كم يوم بفكر، خصوصاً بعد ما عرفت إنك ممكن تنهي الكابوس ده، بس اللي شجعني كلامك مع الباشا وإنك بتقفي في وش الظلم، وكمان واضح إن الباشا مش بيحب يفتح جبهات مظلمة معاكي،. حقيقة أحسن حاجة عملها سليم إنه قدر يعملك شخصية وحدود! هالة محدش يقدر يعديها، حتى في غيابه عاملين حسابه، مأمنك، ودي أعظم حاجة ممكن يعملها زوج لزوجته، إنها تشعر بالأمان حتى في عدم وجوده جنبها، بس ماعرفش ليه ما زلتي مستخبية.
ماسة تبسمت بحب: دي حقيقة، ماعرفتش معنى كلمة أمان إلا بعد ما سليم دخل حياتي، حتى وأنا لسة حتة بنت خدامة عند منصور.
واصلت بتوضيح: وأنا بطلت أخاف يا فريدة، يمكن زمان كنت بخاف وأنا لسة عيلة صغيرة، بس سليم غيرني وعلمني كتير، وهو صاحب الفضل بتغيراتي دي، مش هأنكر إني فاردة جناحاتي ومقوية ضلوعي على حسه، بس كل الحكاية إني ما بحبش المشاكل، بحب أكون في حالي، علشان كده أنا طول عمري بعيدة من وقت جوازي، مش عايزة أتحط في أي موقف يستدعي إني أرد أو أتكلم وأعمل مشكلة بين سليم وأهله! وعلى فكرة أنا لسة مقتنعة إن ده الأفضل، بس مادام الموضوع فيه أرواح ناس مرتبطة بكلمة واحدة مني، فمابدهاش بقى، ندخل المعركة ونستغل الحدود اللي سليم بانيها والكل قبل الباشا بيعملوا حسابها، وزي ما تيجي بقى ولا إيه!
غمزت لها بابتسامة. أخرجت ماسة من أمامها ورقة وقلم، وضعتهم بوضع الكتابة وهي تقول: يلا بقى مليني أكتب إيه؟ علشان تبقى بخط إيدي أنا.
تبسمت فريدة وهي تقول: هأقول لك.
وبالفعل، بدأت ماسة بكتابة ما تمليه لها فريدة، ثم وقعت على الورقة. نظرت إليها ماسة...
ماسة بابتسامة مطمئنة: خلاص؟ كده تمام؟
فريدة بامتنان واضح وهي تأخذ الورقة وتنظر لها: أيوة تمام، شكرًا يا ماسة. إنتي مش عارفة قد إيه الخطوة دي هتغير حاجات كتير.
ماسة بهدوء وثقة: أنا اللي بشكرك يا فريدة، إنك صدقتي فيا وفهمتيني الموضوع بالشكل ده. وأحب أقولك حاجة، لو إحنا مش قادرين نوقف ظلم أو نمنع ضرر بحاجات بسيطة زي دي، يبقى إحنا مش بنستحق المكان اللي إحنا فيه.
فريدة بابتسامة مطمئنة، القرار ده أكبر من مجرد ورقة. ده دليل على إن في حد هنا لسه بيفكر في الناس، ودي حاجة نادرة أوي في عالمنا.
ماسة: لو قبلت بالظلم ده مش هسامح نفسي حتى لو في المقابل ان زي ما قلتى يتفتح عليا جبهات ومشاكل اكبر ..(بتساؤل) طيب كده المفروض نكلم نور علشان تروح تاخد التوقيع من الباشا علشان نبعتها بالإيميل للمهندسين اللي في المنجم؟
فريدة: بالظبط. إنتي ممكن تبعتيها من غير ما تاخدي توقيع الباشا، بس كده أفضل. خلينا نبين حسن النية، وإننا مش متآمرين عليه.
ماسة: أوكيه.
ضغطت على الزر الذي أمامها، وبعد ثوانٍ دخلت نور.
نور: أمرك يا فندم؟
ماسة وهي تعطيها الأوراق قالت: اكتبيهم على الكمبيوتر وبعدين وديهم لعزت باشا وخليه يمضي عليها، وابعتها بالإيميل للمهندسين في منجم موريتانيا.
نور وهي تقرأ ما في الأوراق باستغراب، فكيف لها أن تقوم باتخاذ ذلك القرار؟ ثم هزت رأسها بإيجاب: حاضر.
عادت ماسة إلى الوراء على المقعد ونظرت إليها بثقة كبيرة وعملية: ساعة بالضبط والفاكس ده يكون مبعوت، وأكدي على المهندسين إنهم يبدأوا في قفل المنجم بشكل نهائي من الليلة. مفهوم يا نور؟
نور: أمرك يا فندم.
ماسة: وسالي نانا عملت إيه في البرنامج عشان عايزه احضر نفسي ووقتي وهيكون فين بالضبط؟!
نور: حاضر يا فندم عرفتك التفاصيل وهجيبها لحضرتك بعد اذنك.
خرجت نور إلى الخارج.
نظرت فريدة لماسة وهي تمرر عينيها عليها باستغراب: تعرفي إنك بتشبهي سليم أوي في حركاته أحيانًا؟
ماسة بتساؤل متعجبة: ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة؟
فريدة: هي حلوة ووحشة! جميل إنك تاخدي من سليم الجانب ده من شخصيته، القوة والثقة بالنفس حاجة حلوة، ونظرة العين الشرسة، بس أوعي تاخدي الجانب التاني منه.
تبسمت ماسة لها بلطف وقالت بعقلانية ممزوجة ببراءة: بصي، أنا مش عارفة الجانب اللي بتتكلمي عليه ده، تقصدي منه الغيرة والعصبية ولا في حاجة تانية أنا مش عارفاها؟ بس أيا كان إيه هي؟ وعاملة إزاي؟ تأكدي لولا الشخصية دي، ماكنش سليم قدر يكون بالقوة دي، ويتعمل له ألف حساب في غيابه زي وجوده.
فريدة هزت رأسها بتأكيد: عندك حق. (نهضت) أنا ها أمشي بقى ماتقلقيش، هتلاقيني عند الباشا، مش هبيعك ولا هحطك قصاد المدفع وأهرب.
ماسة بثقة: أنا بثق فيكي يا فريدة.
فريدة: وأنا قد ثقتك.
خرجت فريدة إلى الخارج وأغلقت الباب خلفها. فور خروجها، عادت ماسة بظهرها على المقعد وتلف بيه يمين ويسار وهي تفكر وتقول بصوت داخلي بحيرة كبيرة: أنا مش عارفة اللي أنا بعمله ده صح ولا غلط؟ والشخصية اللي أنا بحاول أمثلها هاتنقذني ولا هاتوقعني في مشاكل اكبر مني؟ أنا مش عارفة أنا بعمل إيه!!
بعتاب أكملت وضجر وهي تزم شفتيها: أنا كان مالي ومال كل ده بس! أنا طول عمري في حالي..
باعتراض شدة: س لا، برده حرام، أنا لو طلع بإيدي أنقذ أرواح ناس أبرياء ماينفعش أتخلى عنهم، هاروح فين من ربنا؟! أنا ما أعرفش إزاي سليم يعمل كده؟ بس لا، سليم لو كان موجود كان عمل زي بالضبط وقفل المنجم، هو بس أكيد افتكر إنها مش هتوصل للموت (بشدة)، بعدين لازم أنشف شوية وأكمل في اللي أنا بفكر فيه وعايزة أعمله. أنا لازم أخد حقي منهم خصوصًا فايزة، لازم تفهم إني قوية، ويتعمل لي حساب، ويبطلوا بقى يهينوا فيا أنا وأهلي، ويبصولي بنظرات التقليل والاستحقار دي، لازم أفضل لابسة وش القوة ده، لحد ما سليم يقوم بالسلامة، ويوقف كل واحد عند حده ويجيب حقي....
الفصل الواحد والخمسون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا