رواية الماسة المكسورة الفصل الخمسون 50 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الخمسون 50 ج1

بقلم ليله عادل


{''~الحب ليس مجرد شعور؛ بل هو حياة تُزرع في القلوب، ينبض بها كل شيء حولنا. هو السحر الذي يعيد نبض القلوب الباردة، ويمنحها دفئًا لا يُطفأ. هو الرابط الذي لا ينكسر مهما حاول الزمن تفكيكه. في حضرة الحب، يتحول الموت إلى حياة، واليأس إلى أمل، لتصبح القلوب كحدائق ممتلئة بالزهور، تنتعش مع كل لمسة حب جديدة.~ }


                  [ بعنوان: شمس لا تغيب ]


نظرت له نانا بحزن وهي تمسح بكفيها على وجهه، ثم عانقته بشدة وهي تربت على ظهره بكفيها.


وهنا، نشاهد سعدية تقف عند الباب، تشاهد ما يحدث بصدمة واتساع عينيها...رفعت نانا عينيها ونظرت إليها وهي تضع رأسها على كتف عزت بإبتسامة ارتسمت على شفتيها بشيطانية، كأنها فرحة من أجل هذا الأمر.. ركضت سعدية للخارج قبل أن يراها أحد، فهي لم تعرف أن نانا رأتها.


في الخارج عند الاستراحة الساعة ٣م


كانت ماسة ما زالت تجلس، تسند يدها على ذراع الأريكة وتضع خدها على كفها، تفكر بقلب حائر وحزين فيما حدث معها، وكيف ستواجهه بمفردها. تشعر وكأنها تصارع في بحر هائج بأمواج عالية، بينما لا تجيد السباحة. يغمرها شعور بالضعف والشتات، فهي لأول مرة تواجه كل هذا وحدها. كان سليم قد أغلق عليها كل شيء، محافظًا عليها من خوفه الشديد على براءتها من أن تخدش، وعلى طفولتها من أن تُغتال في عالم كاذب ومنافق. وها هي الآن، مضطرة لمواجهة ذلك العالم المخيف وحدها.


بعد دقائق، اقتربت سعدية وهي تقلب شفتيها يميناً ويساراً وتضرب على خدها بأحد كفيها من الصدمة. فما رأته بالنسبة لها شيء لا يصدقه عقل؛ فكيف لعزت باشا أن يقوم بخيانة زوجته مع السكرتيرة!اقتربت من ماسة قائلة:


سعدية: بت يا ماسة، أما عرفت حتة خبر يالهوي يالهوي!


نظرت ماسة لها وهي تعقد حاجبيها بقلق واستغراب: خبر إيه؟! سليم حصل له حاجة؟


سعدية: لا يا بت، ما تخافيش... هافهمك.


جلست بجانبها حد الالتصاق، وقربت وجهها من وجه ماسة وقالت بصوت خافت، وهي تقلب شفتيها يمينًا ويسارًا بتعجب: شوفت عزت بيه وهو واخد السكرتيرة في حضنه.


ضحكت ماسة على ما تقوله بغلبة: هو ده اللي مخليكي تعملي كدة؟"

قلبت شفتيها مقلدة لها باستغراب اكملت بجدية: ما عادي يا ماما، الحاجات دي عندهم عادي. إيه يا سعدية! نسيتي الباشاوات بيتعاملوا إزاي مع بعض وبيسلموا إزاي! ما سليم كان كدة وأنا منعته.


ابتعدت سعدية برأسها قليلًا وقالت بتهكم ممزوج باستخفاف: لا يا شملولة، ما نسيتش.


أكملت بعقلانية: أنا عشت وسطهم وأنا يدوب عشر سنين... عشرة عمر. أعرف اللي إنتِ ما تعرفيهوش ولا شوفتيه ولا عشتيه. ده مش حضن عادي بتاع السلامات ولا بتاع جبر الخواطر! ده حاجة تانية، حاجة لو اتعرفت هتبقى مصيبة. والموضوع اللي بينهم أكبر من سكرتيرة ومديرها، بالأخص بعد ما سمعت كلامهم. وهي بتقوله: هاستناك في الشقة النهاردة، لازم تيجي، إنت وحشتني أوي يا عزت.


نظرت لها ماسة باتساع عينيها بصدمة: أوعي يكونوا شافوكي!


سعدية: لا طبعًا، هو أنا هبلة! (أكملت بمكر): بس الموضوع ده لازم تاخديه لصالحك يا بت. دي ورقة خطيرة ليكي. على رأي مرتضى منصور: سي دي عندك، عشان وقت اللزوم يطلع.


ماسة عقدت بين حاجبيها بعدم رضا: إيه اللي بتقوليه ده!! مستحيل أمسكها عليه، أنا مالي أصلاً؟ بعدين الباشا كويس معايا، مش هأخسره.


نظرت لها سعدية بضيق واختناق على سذاجتها التي لا تستطيع تغييرها حتى الآن، فتلك المعلومة ورقة خطيرة في يدهم، من الممكن أن تكون ورقة إنقاذ لهم في يوم، ولابد أن يستغلوها بشكل صحيح.


سعدية باستهجان ممزوج بحكمة:

يا بنت بطلي عبط وطيبة بقى! إنتِ عايشة وسط وحوش بأنياب ما عندهمش رحمة ولا أخلاق ولا أصل، واللي كان حاميكي منهم مرمي جوة، ويا عالم هيفوق إمتى منها، والله أعلم لما يفوق هيبقى زي الأول ولا لأ. إنتِ دلوقتي بطولك، لو دلوقتي سايبينك في حالك، بكرة لا. الزعل دلوقتي هو اللي منتصر ومخليهم ساكتين، بس بكرة هيتعودوا، ولما يتعودوا!!! ساعتها هتشوفي هيعملوا فيكِ إيه. هيستغلوا رقدة سليم ويعملوا أي حاجة علشان يطفشوكي. أوعي يا بت تكوني فاكرة إنهم بيحبوكي! اصحي وفوقي، إنتِ هتفضلي خدامة في نظرهم مهما السنين عدت. هتفضلي البت الخدامة اللي لعبت على عقل ابنهم وخدته منهم، .. ولو الشفايف بتضحك قصادك، العين فضّاحة يا بنتي، وأنا شايفة عين كل واحد فيهم شايلة إيه. احذري منهم، حتى فريدة وياسين.


دارت ماسة بحسرة بعين تترقرق بالدموع قالت:

أنا عارفة كل ده، وإني هافضل بالنسبة لهم البت ماسة الخدامة الجاهلة. وسكوتهم كان خوف من خسارة سليم. بس فريدة وياسين بجد بيحبوني، مش تمثيل، أنا عارفة. هو مش حب كبير، بس في حب واحترام ليا كإنسانة، ومش علشان عيون سليم، لا، عشاني أنا. حتى الباشا بيتعامل معايا كويس جداً، وبأحس إنه متقبلني شوية.


سعدية بعقلانية وتحذير: أهو الباشا ده بقى بالذات اللي يتخاف منه أوي!! ولازم تعملي له ألف حساب. عينه وشفايفه كذابين، الراجل ده قادر يضحك بشفايفه وعينه مصلحة. ووقفته معاكي مصلحة. لو مصلحته مكنتش في وجود سليم في القصر والشركة! ما كانش رجعكم من أصله، أصلك ما تعرفيش يا بنتي اللي حصلهم وإنتِم مسافرين السنة دي. اتبهدلوا آخر بهدلة، وسيرتهم بقت على كل لسان، وسليم كان طوق النجاة ليهم، وشكله لسة طوق النجاة، وغيابه يعني غرقهم. خوف عزت بيه ده عشان الثورة الكبيرة ما تضيعش، علشان ما فيش بديل. بس لو كان فيه بديل!! والله ما كنتوا شوفتوا وشه ولا سافر لكم آخر بلاد العالم علشان يصالح سليم، وقبل بيكي تبقي مرات ابنه اللي على الحجر. دول بيحسبوها بالفلوس، اللي هيكسبني هيبقى حبيبي وأنصره. أمال إيه!! إنما الباقي دول عبط، كرههم وحقدهم باين جوة عينهم. إنما عزت ده!! خافي منه، وأوعي تأمني له. عينه كذابة وخداعة، وأوعي تكوني نسيتي كلامه معاكي يوم صباحيتك.


نظرت ماسة لها بنصف ابتسامة حزينة، ثم نظرت أمامها وقالت بوجع بأنفاس ثقيلة: يااااه، لسة فاكرة؟ ده أنا كنت نسيت. فات سنين يا ماما.


سعدية بحزن ممزوج بحكمة: فيه كلام عمره ما يتنسي، بيتحفر جوة القلب يا بنتي.


نظرت لها ماسة وهي تزم شفتيها بحزن ثم قالت بوجع: عارفة... أنا فعلاً كنت ناسية لفترة كبيرة، بس رجعت افتكرت لما كبرت شوية، وتعلمت وفهمت معنى كلامه كان إيه وقتها.

(بقهر):

"طلع كلامه كان وحش أوي، وحش بجد أوي..

بدأت الدموع تتساقط على وجنتيها بحسرة وهي تشير على نفسها:

وصفني بطريقة وحشة أوي يا أمي. وقتها ما كنتش فاهمة!! وكان كل زعلي وحزني إني خسرت سليم وأهله وفلوسه وحياته، ما فكرتش فيا وفي إهانته ليا، وإنه بيوصفني بالعاهرات. لدرجة إني قلت لو كنت بأفهم وقتها، ما كنتش سكت وكنت طلبت الطلاق على كلامه ده.


هونت سعدية عليها: بس سليم نصرك يا بنتي، وجابلك حقك وما سكتش.


هزت ماسة رأسها بإيجاب ممزوج بحزن: بالظبط. ما أنا رجعت وقلت سليم ما سكتش، وكان فعلاً ممكن يقتله بمسدسه لولا إنه أبوه. كنت سامعة صوته وقتها، ومع العشرة قدرت أتخيل سليم شكله كان إيه وقتها، وحارب نفسه إزاي علشان ما يتهورش معاه.


مسحت دموعها وأكملت برفض:

بس أرجع وأقولك مستحيل أمسكها عليه. إحنا مش قدهم، وهو بصراحة كويس معايا، حتى لو مصلحة، مش عايزة أخسره، خصوصاً في عدم وجود سليم.


سعدية بلؤم وبتوضيح: أنا ما قلتش تدخلي تبتزيه ولا ترمي كلام والشغل ده!! بس حطيها في دماغك، ولو عرفتي تمسكي دليل ياريت. ومش بس عليه، على الكل، خصوصاً العقربة الكبيرة فايزة. وخليهم جوه عبّك، وقت ما تحتاجيهم تلاقيهم. هما بيفكروا كده، ابقي زيهم. وهأفضل أقولها لك: أوعي تنسي إنك هتفضلي الخدامة بنت الخدامين اللي قاسمتهم سفرتهم وقصرهم وفلوسهم وشغلهم.


ماسة بتعب: والله ما نسيت، خلاص بقى.


سعدية باعتراض وقوة: لا، بتنسي يا بنت بطني، ولازم كل فترة أفكرك، إنتي إيه... الزمن غدار.


نظرت لها ماسة بتعجب شديد: لسه مش واثقة في سليم وفي حبه ليا بعد كل ده؟ وحاسة إنه ممكن يطلقني؟


سعدية بتفسير: في الأول آه، بس بعد ما شوفته بيحبك وشبطان فيكي قد إيه، أمنت وصدقت حبه. بس خوفي من اللي حواليكم... الراجل والست إللي بيحبوا بغض كدة، مش بيتفرقوا غير بسبب اللي حواليهم. احذري منهم يا بنتي.


هزت ماسة رأسها بنعم: حاضر. (بحزن واصلت) ما تقلقيش عليا، أنا مستعدة نفسيًا أرجع في أي لحظة ماسة الخدامة. عمري ما عرفت أشيل الفكرة دي من دماغي.


سعدية بتأكيد: وما تشيليهاش.


هزت ماسة رأسها بإيجاب وحسرة وهي تزم شفتيها. فردت سعدية ذراعها وأحاطت به حول ظهرها من الخلف وهي تربت على كتفها بحنان. أسندت ماسة رأسها على صدر والدتها بابتسامة بسيطة حزينة تعكس مدى حزنها وضعفها.


سعدية بحنان: ربنا يحفظك يا بنتي ويبعد عنك شرهم ويقوملك جوزك بالسلامة.


فيلا سليم وماسة، الساعة 3م


- مكتب سليم


نشاهد سلوى تبحث عن بعض الكتب المتواجدة في مكتبة سليم وهي تمسك بورقة بين يديها بتركيز. بعد دقائق، دخل مكي المكتب ونظر لها باستغراب وهو يعقد حاجبيه، ثم ابتسم ابتسامة حالمة مشتاقًا. أخذ يتأملها بكل حب واشتياق أذاب قلبه المتيم بها. تذكر الليالي التي جمعتهما في الماضي والأيام التي كان وحيدًا بعيدًا عنها. ذلك الماضي الذي ضاع وفرقهما بسبب تلك الأفكار التي ما زال يراها صحيحة.


أخذ يتأملها بشغف وعطش لتلك الأميرة التي ما زال قلبه يزداد خفقانًا عند رؤيتها. ذلك الوجه العابس دائمًا، الذي يضحك فقط عند رؤيتها، كان يهزمه كل مرة تقابله فيها.


بينما كانت سلوى ما زالت تبحث عن الكتب داخل المكتبة بتركيز شديد، لم تشعر بوجود مكي حتى الآن.


اقترب مكي بضع خطوات وقال باستغراب مصطنع: سلوى؟


انتفضت سلوى على صوته، استدارت له بعيون متسعة وبتهكم قالت: حرام عليك يا شيخ، خضتني! هو في كده؟


تبسم مكي وتوقف عند المكتب من الأمام مازحًا: إنتي اللي بتركبي الهوا.


رفعت سلوى أحد حاجبيها مستنكرة، مستخفة: لا والله؟ معلش.


ارتسمت على شفتي مكي ابتسامة جميلة على طريقتها التي اشتاق لها. ابتلع ريقه وحاول الثبات قبل أن تخونه دقات قلبه المتزايدة كلما زاد الوقت وهو يراها: إنتي هنا ليه؟


سلوى بسخرية: إيه؟ العصافير اللي برة مقالولكش إني هنا؟


مكي بثقة: قالولي طبعًا... أقصد مكتب سليم.


سلوى بتوضيح:  ماسة عايزة شوية كتب كنت بجيبها. وإنت بقى هنا ليه؟ سايب المستشفى وسليم؟


مكي: الباشا عايز شوية أوراق من الخزنة، ومحدش معاه المفتاح غيري.


تقدم حتى وصل خلف المكتب حيث الخزنة، وفتحها، وأخذ منها بعض الأوراق ودفتر الشيكات الخاص بسليم، ثم أغلقها مرة أخرى. كانت سلوى تتابعه بصمت حتى انتهى.


استدار لها مكي وقال بجدية: خلصتي ولا لسه؟


سلوى وهي تهز رأسها وتعقد حاجبيها بشك: امممم تقريبًا...

عدلت الورقة التي بين يديها وقرأت منها بهمس، ثم نظرت له وقالت: آه، أنا كده جبت كل حاجة خلاص.


وضعت الكتب التي كانت على المكتب في الشنطة وأغلقتها.


مكي بتساؤل: إنتي راجعة على المستشفى؟


سلوى: آه.


مكي: طب كويس إحنا طريقنا واحد، أنا هعدي على القصر أدي الحاجة للباشا، وبعدين هطلع على المستشفى. تعالي أوصلك.


نظرت له سلوى وأجابته بعملية، كأنها ترد الألم الذي شعرت به في الماضي. فعلى الرغم من مرور السنوات، لم تنسَ كلماته التي جرحتها حينها.


سلوى بطريقة غير مباشرة، تقصد بها أنهم لم يعودوا كالسابق: بس إحنا طريقنا مش واحد يا مكي.


خفقت دقات قلب مكي بشدة، وشعر بقشعريرة تجتاحه. لم يتوقع أن ترد عليه بهذه الإجابة التي هزت مشاعره، فهو فهم ما تلمح إليه.


مكي بثبات، محاولًا تغيير مفهومها: بس هو واحد يا سلوى، طريقنا واحد.


تبسمت سلوى. وصل لها مدى تأثير تلك الجملة عليه، وبالرغم من محاولته إخفاء مشاعره، إلا أن اهتزاز صوته ونظراته فضحته.


سلوى بعناد، وهي تهز رأسها برفض: لا يا مكي، مش واحد، ولا عمره كان واحد.

(تبسمت بلؤم) أقصد يعني... إنت رايح القصر الأول، وأنا رايحة المستشفى، يبقى مش واحد.


اقترب مكي منها حتى وقف أمامها مباشرة، ونظر داخل عينيها بتركيز وقال بمكر: وليه ما نخليهوش واحد يا سلوى؟


أكمل بإصرار وابتسم بمكر أكبر وهو يناور بنفس أسلوبها:

مافيهاش مشكلة لو جيتي معايا. أودي الأوراق دي، وبعدين نطلع على المستشفى.


لم تعد سلوى قادرة على إخفاء ما وراء كلماتها، فتحدثت بجدية متسائلة باستغراب وحدة: ومش خايف إن حد يشوفنا مع بعض، ويتكلموا ويفتكرونا بنعمل حاجة غلط؟


نظر لها مكي متعجبًا، بنبرة مكتومة: لسه ما نسيتيش؟


نظرت له سلوى بوجه عابس وقالت بجدية: يستحيل أنسى. علشان ما أرجعش أغلط، لازم الإنسان يتعلم من أخطائه... ولا إيه رأيك؟


أخرج مكي أنفاسًا ثقيلة، وقلب عينيه ونظر إلى الأعلى بتعب، ثم وجه نظراته لها مرة أخرى. لم يعد يستطيع الكتمان أكثر، فقرر أن يتحدث معها بوضوح.


مكي بتوضيح ممزوج بحب: بصي يا سلوى، في حاجات كتير إنتي مش فاهماها وظلماني فيها. وأنا مش زعلان منك، بالعكس... إنتي حقك تعملي كده وأكتر كمان، وما ينفعش إني أضايق.

(بتنهيدة عميقة) المشكلة الأكبر إني مش عارف أتكلم دلوقتي، والظرف اللي إحنا فيه صعب... مش وقته.

(بضعف ورجاء) بس كل اللي بطلبه منك تهدي عليا شوية. بالراحة يا سوسكا... والله إنتي ظلماني، ومكي ما يستحقش المعاملة دي. لسه ما أخدتيش تارك؟! ده فات ايجي ٤ سنين... مش خلاص؟

عارف إن دمك حامي وكرامتك فوق كل شيء، لكن صدقيني الموضوع مش زي ما وصلك... والله العظيم.

(بتأكيد) أوعدك... لما سليم يقوم بالسلامة، هفهمك كل حاجة.

(بهدوء وإصرار) وبرضه... أنا مش هاغصبك تعملي حاجة إنتي مش عايزاها.

اعملي اللي قلبك يقولك عليه يا سلوى. اسمعي قلبك.


نظرت له سلوى بنبرة ضعيفة مستعجبة، وقلبها منفطر: قلبي؟! لا، بلاش قلبي... سمعته مرة، ومش ناوية أسمعه تاني.


ارتسمت على شفتي مكي نصف ابتسامة حزينة، فقد فهم ما ترمي إليه جيدًا. نظر لها لثوانٍ بصمت، فالوقت غير مناسب لتخبره الحقيقة وراء ابتعاده عنها. قرر أن يصمت الآن، ثم قال بتساؤل: طب هتعملي إيه؟


نظرت له سلوى بتردد وهي تعض أسفل شفتيها، وعيناها ذائغتان في الأركان. لم تكن تعرف ماذا تقول أو تفعل... هل تذهب معه أم تتشبث برأيها؟!

لكن عيناه كانتا تتوسلان إليها أن توافق، أن تتراجع عن موقفها، وألا تضيع هذه الفرصة.


كانت تشعر بداخها أن هناك شيئًا كبيرًا يجعله يتصرف هكذا...

وبعد دقائق من التفكير العميق، غلبها الفضول وجعلها توافق على عرضه.


هزت سلوى رأسها بإيجاب: خلاص، هاجي معاك، بس ماتاخدش على كده.


مكي متبسمًا: طب لو أخدت؟


نظرت سلوى داخل عينيه بثقة وقوة: إنت اللي هتزعل لما أجي مرة وأرفض.


مكي بثقة، وهو يركز النظر داخل عينيها: لا، ما أنا مش ههون عليكي ترفضي أصلاً.


سلوى: واثق إنت من نفسك زيادة عن اللزوم.


مكي بنظرات عاشقة: تقصدي واثق فيكي.


سلوى بعناد: وأنا بقولك ماتثقش، عشان ماتتفاجئش بأي رد فعل.


مكي: يا ستي سيبيني براحتي.


سلوى وهي تحمل الحقيبة: طب خلينا نمشي عشان مانتأخرش على ماسة.


مكي متبسمًا: يلا.


تقدمت سلوى أمامه، وتحرك خلفها بابتسامة واسعة ترتسم على قلبه قبل شفتيه. شعر أخيرًا أن سلوى فتحت له الباب بعد أكثر من اربع سنوات من الغياب واكثر من أشهر في المحاولاته الفاشلة.


أخيرًا، أعطته أملًا بالعودة مرة أخرى.


♥️______💞بقلمي_ليلةعادل💞______♥️


المستشفى – ٤ م


الكافتيريا


كانت تجلس سعدية وماسة تحتسيان الشاي على إحدى الطاولات، وعلى الطاولة علب طعام. اقتربت سلوى ومعها مكي.


سلوى بمرح: مسا مسا.


نظرت لها ماسة: اتأخرتي كده ليه؟


مكي بإحترام: أنا اللي أخرتها.


توقفت ماسة بتساؤل: المهم، جبتي كل حاجة؟


سلوى: اممم، أمسكي... وأعطتها الحقيبة.


أخذت ماسة منها الحقيبة وقالت: طب، أنا هاروح لسليم، وأبقي كلي هاا.


سلوى باستغراب: ما أعرفش بيرضوا يدخلوا الأكل ده إزاي؟


ماسة بمزاح: اسم الراوي يدخل أي حاجة لو حتى حاجة ممنوعة.


سلوى بتأكيد وهي تضحك: عندك حق.


نظرت ماسة لمكي متسائلة: جاي معايا؟


سعدية: ما تخليه يقعد ياكل.


مكي بإحترام: لا الحمد لله، شكرا.


سعدية بحنان الأم: اقعد يا حبيبي، كل لك لقمة، أكيد على لحم بطنك من الصبح.


ماسة: أقعد يا مكي، عشري فوق خلص وتعالى.


سلوى بشدة: ما تقعد هنفضل نتحايل كتير.


تبسم مكي وحرك رأسه بنعم، وجلس. جلست سلوى وبدأت بفتح العلب ليتناولوا الطعام. تحركت ماسة للخارج.


المرحاض


نشاهد ماسة تتوقف أمام المرحاض بعد تبديل ملابسها وارتداء فستانها الأسود بورد أحمر الذي يميزها. أخذت تضع القليل من مستحضرات التجميل بابتسامة واسعة وحماس، ثم رشّت عطرها الخاص المصنع خصيصًا لها، والذي يعشقه سليم عليها. ثم قامت بتصفيف شعرها وجعلته ينسدل على ظهرها، فعادت تلك الأميرة الصغيرة كما كانت قبل الحادثة، جميلة فاتنة بشدة. فتلك المستحضرات غطت على جميع العيوب التي أثرت عليها بعد انهيارها العصبي. وبعد الانتهاء، أخذت تركز في ملامحها وقالت: رجعت زي آخر مرة سليم شافني فيها، إن شاء الله هانجح وهيرجعلي تاني.


تبسمت بحماس أكبر وثقة وتوجهت للخارج حيث غرفة الرعاية المركزة.


غرفة الرعاية المركزة


دخلت ماسة الغرفة بعد ارتدائها الملابس الخاصة بالرعاية فوق ملابسها. تقدمت وهي تمسك الحقيبة بين يديها، وتتمنى أن تلك الفكرة تأتي بأي نتيجة. بدأت بإخراج بعض الأشياء كالكتاب وزجاجة البرفان واللاب توب على الطاولة. كانت تنظر لها فايزة التي تجلس على الأريكة خلفها بتعجب شديد.


فايزة بتساؤل ممزوج بتعجب: إنتي إيه اللي بتعمليه ده؟


التفتت ماسة بابتسامة بتفسير وحماس: هاعيش سليم لحظات زي ما كان موجود وسطنا، هاشغل الموسيقى اللي بيحبها وريحة البرفان اللي بتميزني عنده، وها أقرأ له كتب يمكن يسمعني ويقوم.


فايزة بتعجب: يسمعك!!  أكملت مستخفة... وياترى سألتي الدكتور على الهبل ده في خطورة عليه ولا لا؟


هزت ماسة رأسها بإيجاب ممزوج بأسف بعين تترقرق بالدموع: آهاا، سألته، مافيش ضرر، بس للأسف هو قال لي مش هايجيب أي نتيجة، لإن سليم في عالم تاني، وإني أبطل شغل الأفلام، بس أنا قلبي عايزني أعمل كده مادام مش مضر، ليه لا؟ بعدين انا قرأت كتاب ان في دراسات اثبتت ان ممكن تجيب نتيجه على حسب شدة الغيبوبه ونوعها.


قلبت فايزة عينيها بعدم رضا فهي لا تستطيع تحمل مثل هذه الأفعال السخيفة والمراهقة والتافهة بالنسبة لها. تنهدت وقالت بأرستقراطية (بخنافة من طرف أنفها) بسخرية: "المهم يا جولييت من غير ضرر علشان المكان معقم فاهمة ولا مش فاهمة!


نظرت لها ماسة بحزن مبطن فهي لا تستطيع الرد عليها الآن ولابد أن تتحمل طريقتها المستهزئة السخيفة من أجل سليم. قالت بتوضيح: ما تقلقيش يا هانم، أنا عاملة كل احتياطاتي، واستأذنت الدكتور، وعقمت كل حاجة قبل ما أدخل، أنا أموت قبل ما أعمل حاجة تضر سليم.


توقفت فايزة ونظرت لها من أعلى لأسفل من طرف عينيها بتمني وحقد: والله ياريتك كنتي موتي مع بنتك، وهو اللي فضل معايا، بس حظك بقى...


رفعت ماسة عينيها بصدمه وهي تقبض بين حاجبيها بإستغراب فلم تتوقع أن تقول لها مثل هذا الحديث.


واصلت فايزة بحقد أكبر وهي تقول: تعرفي يا ماسة، إن حظك حلو أوي، بشكل يرعب، كل حاجة حصلت لك كنتي بتخرجي منها زي الشعرة من العجينة. حقيقي أتمنى أملك نص حظك... والمصيبه مش هنا!؟ انتِ عارفه فين؟! ان هي بتقلب علينا إحنا، وأحنا اللي بندفع الثمن مش أنتِ وانتِ بتعيشي حياتك عادي.


كانت تنظر لها ماسة بتعجب شديد على ما تقوله بعدم فهم!! ففايزة لم تستطيع كتمان ما تشعر به نحوها من كره وحقد، وأنها تتمنى لها الموت. وقالت في وجهها دون تردد أو خجل للحظة... لكن في نفس الوقت شعرت ماسة بالشفقة عليها! فهي كانت على وشك أن تصبح أم وتفهم جيدًا طبيعة مشاعرها تلك. تبسمت لها ماسة بصمت دون حديث، فماذا تقول على تلك الكلمات التي تكسر القلب والروح....


نظرت لها فايزة مرة أخرى من أعلى لأسفل بضيق أكبر وهي تجز على أسنانها، فلم ترد عليها ماسة ولم يصدر منها أي شيء، ولم تعطيها الفرصة لفعل أي شيء. وهذا جعلها تحترق أكثر. تحركت وخرجت والنيران تشتعل في داخلها كالبركان الذي يلتهم أي شيء يأتي أمامه حتى يصبح رمادًا...


خرجت إلى الاستراحة وهي تخلع الملابس الخاصة بالرعاية بغضب شديد، انتبه لها عزت بتعجب الذي كان جالسًا على الأريكة.


توقف عزت وهو يعقد حاجبيه باستغراب: مالك يا فايزة؟


توقفت أمامه فايزة وهي تستشيط غضبًا وتتحدث من بين أسنانها: في إني ما بقيتش قادرة أتحمل أكتر من كده، خلاص تعبت...


زاد غضبها أكثر وهي تقول باستخفاف: 

-جاية وحاطة مكياج على وشها وريحتها ماليا المكان، ولا كأن جوزها في غيبوبة! وبنتها لسة ميته، وقال إيه؟ ها أعيش سليم كأنه وسطنا (بإشمئزاز) إيه فيلم المراهقات ده!!


بتقليل وتعالٍ وهي تجز على أسنانها، واصلت:

 الحشرة بنت الفلاحين، الخدامة، فاكرة نفسها في زريبة...


وهي تشير بيدها نحو باب الرعاية قالت بتهديد:

عزت، أدخل خرجها بدل ما أجيبها من شعرها. شكلنا إيه قدام الناس دلوقتي، لما يشوفوها بتعمل العبط ده؟!


كان يستمع عزت لها بهدوء قاتل وبرود مستفز بعدم رضا وعدم فهم لماذا كل تلك الثورة.


عزت: طب ممكن تهدي عشان أفهم.


فايزة باتساع عينيها بغضب: تفهم بعدين، بقولك أدخل خرجها.


رد عزت بضيق ورفض فقد سئم من تلك الطريقة التي لا داعي لها، خاصة في ذلك الوقت: مش هدخل، في إيه يا فايزة؟ حاطة راسك في رأسها ليه؟ (بإستغراب مستخف) حاطة ماسة بنت الخدامين في راسك ليه يا ياهانم يا بنت الباشاوات؟


فايزة بغرور نظرت له وهي ترفع أحد حاجبيها بتكبر وتعالٍ: أنا أحط راسي في رأس الصعلوكة دي، إنت اتجننت يا عزت.


عزت بهدوء وهو يشير بيده: طب سميها إنتِ أي تسمية تانية.


نظرت له فايزة وهي تجز على أسنانها بشدة. فبماذا تجيبه؟ هل تقول إن كل ذلك الغضب لأنها ما زالت تراها تقف أمام عينيها بكامل صحتها وكل يوم يمر تستعيد ماسة قوتها أكثر!! وتلك الحفرة التي حفرتها بيدها مع أبنائها لكي تتخلص منها هي وهم من وقعوا فيها؟ كما انها أصبحت على وشك خسارة سليم.


قالت فايزة بجبروت ووحدة برفض: مش ها أسميها يا عزت.


تنهد عزت وهو يقلب عينيه، فلم يعد يعرف كيف يُهدئها ويسيطر على ذلك الغضب العارم الذي لا وقت له. حاول امتلاك زمام الأمور وتهدئتها بعقلانية.


اقترب عزت منها وربت على كتفها بلطف، أكمل بعقلانية ولطف: فايزة، مش وقت العرق التركي، والتكبر، والبرج العالي اللي بتقف عليه وتبصّي منه على الناس!! معلش، انزلي معانا شوية...


وهو يشير بأصابع يده نحو الباب قال بعقلانية:

البنت اللي جوة دي ومش عاجباكي، روح ابنك متعلقة فيها، هي طوق نجاته، وأيًا كان اللي عملته وخلّاك متعصبة أوي ومتضايقة كده!! معلش، بالراحة نفهمها ونوعيها، ماسة بنت مطيعة وبتسمع الكلام، ها قوليلي هي عملت إيه؟


فايزة بضيق ممزوج باستخفاف تتحدث بين أسنانها بتفسير: الحشرة دي جايبة شوية حاجات، لاب توب وكتب، قال إيه!! هتشغل لسليم الموسيقى بتاعته وهتقرا كتاب علشان يحس ويفوق، ولبست له زي الاراجوزات، فاكرة بشوية الحاجات المتخلفة دي هيفوق! بعد ما أكبر الدكاترة أجمعت إن مسألة إنه يفوق دي في علم الغيب.


أخرج عزت ضحكة متعجبة على حديثها، فهل هذا الفعل البسيط يستحق كل تلك العصبية والثورة؟


أجابها عزت معلقًا وهو يضحك: طب والله دمها خفيف، هو ده اللي معصبك أوي كده يا فايزة!!


فايزة وهي ترفع أحد حاجبيها بتعجب قالت باستهجان:

 هي ماتعصبش يا عزت!!! وتفور الدم!!! عايز تفهمني إن شغل فيلم المراهقات ده ما يعصبش! ويخرج الواحد عن شعوره؟ الناس هتقول إيه علينا؟ الدكاترة والممرضات لما يشوفوها بتعمل التخلف ده، هيقولوا علينا عالم جاهلة، متخلفين، ما اسمها بقى على اسمنا وأي حاجة هتعملها هتبقى في وشنا...


واصلت بتحقير شديد وهي تتحدث بين أسنانها بأرستقراطية:

 الفلاحة الحشرة مش قادرة تنسى أصلها الحقير ولا الزريبة اللي جت منها، مش عارفة تتعامل زي أولاد الأصول والهوانم المثقفين المحترمين، فعلاً أصل واطي يعر.


كان يستمع لها عزت بضيق وهو غير راضٍ على ما تقوله، يهز رأسه بملل.. فهي مازالت تتحدث نفس الأحاديث المملة منذ زواج سليم بماسة، فلم تسأم في يوم.


قلب عزت عينيه بملل واستنكار: على فكرة بقى مافيهاش أي حاجة لكل إللي إنتي عاملاه ده!!!


نظرت له فايزة بتعجب ونظرة غضب حارقة. أجابها عزت بعقلانية وهدوء:

-أيوة مافيهاش حاجة، بالعكس دول هايتعطفوا معاها أكتر وهايقولوا بتحاول تعمل أي حاجة عشان ترجع جوزها ليها، وشكلها رومانسية أوي وبتتفرج على مسلسلات رومانسية كتير... 


واصل بحدة وهو ينظر داخل عينيها دفاعًا عن نفسه فقد طفح الكيل منها ومن عنتظها التي لا تنتهي، ولا بد أن يصارحها بالحقيقة التي تهرب منها:

ماسة إللي مش عجباكي دي ماسبتش إبنك للحظة واحدة، لازقة فيه، وبتحاول تعمل أو تلاقي أي حاجة علشان ترجعه، حتى لو بتجري ورا وهم، بس اسمها بتحاول، وواقفة جنبه، قلبها بيفكر قبل عقلها فعملت كده. زعلانة ليه؟ علشان بتعمل حاجات ضد مبادئك وتفكيرك!!! معلش إنتي ست عملية بتحسبيها بالورقة والقلم، إنما هي عاطفية بتجري ورا قلبها، وإللي يهمني في كل الموضوع ده، إن إللي بتعمله مايئذيش سليم يا فايزة. المفروض تخافي على سليم، مش يبقى كل همك هو شكلك قدام الناس وبس! بعدين ماسة إللي مش عاجباكي دي!! أحسن مني ومنك، وبتحب إبنك بجد، وإبنك ماعرفش معنى السعادة إلا معاها، وماتغيرش وعقل وبطل إللي كان بيعمله زمان إلا لما عرفها. أوعى تنكري إنه اتغير، من وقت ماعرفها.

(واصل متسائلًا مستخفًا) قوليلي كده يا فايزة فين ولادك؟ أولاد الباشاوات وسلسال الملوك، أولاد الأصول المثقفين فين؟! ما بشوفش حد فيهم يعني!! بقالهم فترة مش بيجوا، إلا مرة كل كام يوم؟! ورشدي بقاله أسبوع ماجاش؟ زهقوا طبعًا! أما ماسة وأهلها الرعاع زي ما بتوصفيهم، كل يوم هنا، أظن عرفتي مين بقى أولاد الأصول!! ومين اللي لسه عايشة في برجك العالي في وهم محتاج منك اعادة نظر.


كانت تستمع له فايزة وهي تلعب في أظافر يدها بعدم اهتمام وأكتراث لما يقوله. فمهما قال عزت ومهما فعلت ماسة وعائلتها فلن يعجبها ولن تراهم، فما هم إلا خدم حشرات تدوس عليهم بحذائها ولن تتقبلهم مهما مرت السنوات...


وبعد انتهاء حديثه، رفعت فايزة عينيها له بنصف ابتسامة مستخفة بما يقول بحق مكتسب، وقالت:


فايزة بجبروت: طبعًا لازم هي وأهلها يقعدوا تحت رجله ويبوسوا رجله كمان لحد ما يفوق، هما نسيوا هو جابهم منين؟ وخلاهم إيه؟ ده أقل حاجة ممكن يعملوها. بعدين هما ما بيعملوش حاجة كبيرة، ده طبيعي، خدامين لازم يقعدوا تحت رجل سيدهم لحد ما يقف على رجله... وأولادك مشغولين في المجموعة إيه، إنت عايزنا نقعد كلنا في المستشفى مستنيين يفوق ونسيب المنافسين يلعبوا من ورا ظهرنا؟ هما مشغولين ووجودهم من عدمه مش مهم، مالهوش لازمة في حاجات مهمة تانية مشغولين فيها، ولما سليم يفوق هاجوا بإستمرار.


عزت بيأس: إنتي بقيتي حالة ميؤوس منها.


نظرت له فايزة باختناق وغضب شديد، أغمضت عينيها وهي تجز على أسنانها تحاول تمالك غضبها، ثم فتحت عينيها وهي تشير بإصبع يدها في صدره بإصرار وحسم: ماسة مستحيل تفضل جزء مننا، مش هقبل بيها، وهفضل أقولها مش هزهق ولا أمل، ولا حتى هيأس إني أحاول أرجعها زي ما كانت وأصففها التراب، بس سليم يرجع ويقوم بالسلامة، وهأفوقلها: يا أنا يا هي.


عزت بتعجب وهو يشير بيده: إيه كل الغل ده؟ عايزة تفهميني كل ده عشان جابت شوية حاجات إنتي رافضاها؟! علشان شكلك قدام الناس؟! ولا فيه حاجة تانية؟! أنا شايف كرهك ليها زاد بعد الحادثة. نظرة عينك فضحتك، قولي في إيه؟


فايزة بمراوغة تصنعت الغيرة: طبيعي لإن إبني متعلق  على الأجهزة بين حياة والموت، وهي واقفة مفيهاش حاجة.


عزت بتعجب وهو يعقد حاجبيه باستغراب: مش معقول إنتي بتفكري كده؟ سيبتي إيه للناس الجاهلة؟ ده نصيب، بعدين ما هي خسرت حفيدتك وجالها انهيار.


فايزة برفض واشمئزاز: متقولش حفيدتك بس، أنا يستحيل أوافق أكون جدة أولاد الصعلوكة دي، وجدتهم وجدهم يكونوا سعدية ومجاهد خدامينا. فاهم يعني إيه خدامينا?!


أكملت باختناق أذاب صوتها وبعينين اغرورقت بالدموع بحدة: وبعدين هي مش زي سليم، إللي كان المفروض يحصل ليها حصل في إبني! ومش عايزني أتجنن؟ هي إللي كان لازم تكون مكانه مش هو.


دقق عزت النظر في ملامحها بتركيز شديد على آخر حديثها الذي استوقفه لثوانٍ متعجبًا، ماذا تعني "هي التي لابد أن تكون مكانه"!! تسرب الشك في قلبه فتسائل باستغراب: أنا حاسس إن في حاجة تانية!!


نظرت له فايزة بثبات، ابتلعت ريقها فلابد أن تكون ثابتة من أجل أن لا ينكشف أمرها... واصل عزت قائلاً: 

بقولك إيه يا فايزة، لآخر مرة بأسألك، لو كنتي ورا الحادثة علشان تتخلصي من ماسة قوليلي؟


نظرت له فايزة بقوة: بطل جنان، ها أقتل إبني؟


عزت بذكاء: سليم ماكنش رايح معاها، ماسة كانت لوحدها.


فايزة وهي تقلب شفتيها مستنكرة: لو نفترض إن كلامك صح، وبعد ما عرفت، كملت ليه؟!


نظر لها عزت بصمت، فهي محقة، إذا كانت من فعلها لما أكملت بعد ما علمت إن سليم في السيارة!!! فتلك النقطة التي استغلتها، كانت المنجية لها ولهم.

أكملت بغضب وشدة...


واصلت فايزة وهي تستخدم أسلوب قلب الترابيزة... ماترد طبعًا مش لاقي إجابة..


 واصلت بتحذير وقوة تعكس شخصيتها القوية:

عزت، أوعى تقول الكلام ده تاني، عشان هتتحاسب عليه فاهم؟ أنا تحت لحد ماتخلص القرف بتاعها ده


 اقتربت منه وهي تنظر داخل عينيه وقالت بسخرية: بلاش تدافع عنها أوي كده، ما حدش معانا ولا سامعنا!! وإللي بتمثل علشانه الحب، في غيبوبة، عن إذنك.


تركته وتوجهت حتى المصعد. كان يتوقف عزت وهو يشاهد آثارها باختناق من أفعالها وحديثها الذي لا يتغير... رفع هاتفه وقام بعمل مكالمة.


عزت: ألو نانا، أنا جاي... بقولك أنا مخنوق وقرفان... ظبطي الدنيا... سلام.


أشار بإصبع يده لأحد الحراس، ركض الحارس صوبه.


عزت متسائلًا: مكي وصل؟


الحارس: من ساعة إلا ربع.


عزت: كويس، أنا ماشي ومش راجع، لو حاجة حصلت بلغوني، فتحوا عينيكم.


الحراس: أمرك.


تحرك عزت حتى المصعد والحارس خلفه.

ضغط الحارس على الزر، توقف لانتظار هبوط المصعد. بعد ثوانٍ، فتح باب المصعد، دخل عزت وهبط للأسفل.


💕____________________بقلمي_ليلة عادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


على اتجاه آخر


داخل غرفة الرعاية المركزة


لم تهتم ماسة للحظة بما قالته لها فايزة، ولا بتلك الإهانة التي حملت في طياتها أسلوبًا يضغط على الأعصاب ويجعلك تشعر بضيق في صدرك. لم تسمح لمشاعر الغضب أو الضيق أن تتحكم فيها لحظة واحدة. بل على العكس، ركزت في فعلها وفي ما تفكر فيه، دون اكتراث لأي شيء آخر. كان كل ما يشغل بالها هو سليم وعودته إليها، حتى وإن تكررت الإهانات من فايزة كل يوم. لن تهتم، فقد اعتادت على تلك الكلمات الجارحة، وتلك النظرات المتعالية، وتلك التلميحات السخيفة منهم. هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة.


أخذت ماسة في تشغيل الموسيقى، وضبطت الصوت بعناية لتجنب أي ضجيج قد يُزعج الهدوء في الغرفة. ثم أمسكت بأحد الكتب، وسحبت المقعد لتقريبه من الفراش، لتكون المسافة بينها وبين سليم قصيرة جدًا. جلست على المقعد، ممسكة بالكتاب بين يديها، عيونها تتنقل بين سطوره بحب وسعادة، مبتسمة ابتسامة خفيفة تعكس إشراقًا في عينيها، التي كانت الوحيدة التي تظهر من وراء الماسك الذي يغطي فمها وغطاء الرأس الذي يخبئ شعرها.


تحدثت ماسة بعشق وكأن سليم يجلس أمامها حقًا، قالت بإشتياق: أنا جيتلك يا حبيبي، وحشتني موت. يلا قوم بقى، كفاية!  (مزحت بلطف) ولا إنت عجبتك النومة؟! إيه، ناوي تعوض السنين اللي فاتوا وإنت تعبان في شغل المجموعة؟

ثم بتذمر عبست بوجهها بطفولة:

 طب ماسة حبيبتك، قطعة السكر بتاعتك يا كراميل، إيه؟ ماشتقتشلهاش؟"


أكملت بعشق، وشوق خنق صوتها بعين ملأتها الدموع: طب لو أنا ما وحشتكش، إنت بقى وحشتني أوي، وأشتقتلك أوي. اشتقت لكلامنا، وأيامنا، وضحكنا، وكل حاجة حلوة بينا. والله حتى غيرتك المجنونة وعصبيتك وحشوني. حاسة بفراغ كبير في غيابك. نفسي أغمض عيني وأفتحها ألاقيك جنبي وتخف وتاخدني جوه حضنك وتخبيني جوه قلبك. الدنيا وحشة من غيرك أوي يا سليم، مالهاش طعم...


بوجع أذاب قلبها وروحها، وضعت يدها على قلبها وخبطت عليه وهي تقول:

 آه يا سليم، الصداع بقى جوه القلب مش في الدماغ. تعرف صداع الدماغ أهون بكتير منه...


أخرجت أنفاسًا ثقيلة ومتعبة وهي تغمض عينيها، تحاول تمالك شتات وجعها. ثم فتحت عينيها ومسحت دموعها التي أغرقت وجنتيها وقالت بحماس: 

سامع الموسيقى دي؟! أنا عارفة إنك بتحبها أوي. كنت دايمًا بتحب تسمعها لما بتبقى متعصب ودماغك مدووشة بالشغل ومشاكله علشان تهدى وتروق وتفصل. أنا كان نفسي أشغلك قرآن، بس المرة الجاية. (وهي تشير له بتحذير بنبرة مزحه) ويكون في علمك، مش كل مرة موسيقى، آه. ماهو مينفعش أصلاً، بس في استثناء المرة دي، ومرتين كمان تاني وبس. اتفقنا؟ أنا جبتلك كمان آخر كتاب كنت بتقرأه وما كملتهوش، أنا هاكمله ليك من آخر مرة وقفت فيها. (بطفولة) بس معلش بقى، جبت كل الكتب اللي بالعربي، ما إنت عارف يا حبيبي، لسة ما أعرفش أقرأ إنجليزي كويس. بتهته، (بمزاح): مش وقته تهتهة خالص.


ضحكت بخفة وأكملت: شامم البرفان! أنا كان نفسي أرش تاني بس علشان مش هاينفع هنا. بقولك إيه؟" (بتوتر) "أنا... أنا عملت حاجة كده، بس وحياة ماسة، أوعى تتعصب. أنا رشيت البرفان ده في التواليت، فيعني وأنا جاية ممكن يكون حد شمني. أنا آسفة، ماتزعلش علشان خاطري.


تبسمت وتوقفت وأخذت تدور حول نفسها تنظر لما ترتديه وتقول: شوفت أنا لابسة الفستان الحلو اللي إنت بتحبه؟ أيوه هو أبو ورد أحمر، بس مش باين أوي علشان خاطر الجوان اللي أنا لابساه. اتكلمنا كتير، يلا بقى نبدأ نقرأ.


جلست ماسة وفتحت الكتاب على إحدى الصفحات، وبدأت تروي له ما بها من كلمات كأنها تطلب منه أن يستمع لها، وإن كان غارقًا في صمته. استمرت في القراءة بصوت منخفض، والموسيقى تعزف خلفها في هدوء تام. مرت أكثر من ثلاث ساعات دون أن تشعر بأي تعب أو ملل، بل على العكس، كانت مستمتعة بكل لحظة، وكأنها تشعر أن كل كلمة تقرأها تصل إلى سليم. إذا لم يشعر بها الآن، فربما في الغد أو بعد غد. هي على يقين بأنها ستستمر في ما بدأت به، ولن تتراجع.


{ هذا هو العشق الحقيقي يا سادة، حيث لا مجال للمنطق، فقط القلب هو الذي يقود. }


وخلال شهر:


كانت ماسة تقوم بتلك الأفعال يوميًا، تغيّر فساتينها وتعدّل طريقة وضعها لمستحضرات التجميل، وتستمع إلى الموسيقى أو القرآن أو تقرأ الكتب. لم تيأس في يوم، رغم أن كل ما تفعله يذهب أدراج الرياح، وتستمر في الركض وراء سرابٍ كبير، لكن مازالت تتشبث بتلك القشة، وتؤمن بها بكل ما تحمله الكلمة من معنى بأنها ستنقذها.


من ناحية أخرى، نرى عائلة الراوي وهم يعملون جاهدين في المجموعة، يحاولون سد الفراغ الكبير الذي تركه سليم. نلاحظ أيضًا تراجع زيارات أشقائه له في الأسابيع الأخيرة بشكل ملحوظ، باستثناء فريدة وياسين بالطبع. أما فايزة فكانت تمكث في المشفى مع ماسة بشكل مستمر، ولا تذهب إلى منزلها إلا في أيام قليلة. كانت ماسة تحاول تجنبها قدر المستطاع، فهي لا تتحمل أي كلمة أو تلميح يُقال عنها وعن عائلتها. وكان عزت مثلها أيضًا، لكنه كان يذهب في المساء ويستغل الوضع ليمكث عند نانا. نلاحظ أيضًا أن عائلة ماسة كانت دائمًا حاضرة لزيارة سليم ومساندة ابنتها. أما مكي وسلوى، فكانت الأحاديث بينهما قليلة بسبب تواجد مكي المستمر في المشفى.


بقلمي ليلة_عادل⁦(⁠ʘ⁠ᴗ⁠ʘ⁠✿⁠)⁩♥️


((بعد مرور شهر ))


الإمارات تحديداً دبي 


في إحدى الشقق المجهولة، الراسبشن الرابعة مساءً 


المكان هادئ يكسوه طابع الأناقة الفاخرة. سارة تجلس على الأريكة بملابس مريحة، تقرأ في إحدى المجلات عن آخر أخبار سليم وحالته. بطنها المنتفخ يكشف بوضوح أنها في شهرها السابع، وعيناها تحملان مزيجًا من التركيز والشرود.


بعد لحظات، تدخل رغد، امرأة خمسينية ترتدي ملابس راقية تعكس انتماءها لطبقة مخملية. تحمل فنجان قهوة وتجلس بثقة على الأريكة المقابلة لسارة، تضع قدمًا فوق الأخرى وتنظر لابنتها بنظرة تحمل مزيجًا من الاستنكار والتقييم.


رغد: بتنهيدة خفيفة ونبرة نقدية: إيه؟ لسه حالته زي ما هي؟


سارة: من دون أن ترفع عينيها عن المجلة: أمممم...


رغد: تضع فنجان القهوة على الطاولة وتميل للأمام

أنا مش فاهمة... هتفضلي لحد إمتى مستخبية بالشكل ده؟! كأنك عاملة مصيبة. مش متجوزة ولا حاجة، والكل عارف.


 تغلق سارة المجلة بعصبية وتضعها جانبًا.


سارة تحدق في رغد بغضب مكتوم:

إيه؟! إنتي مش اللي أقنعتيني أوافق على الوضع ده؟ نسيتي إنك اتفقتي مع عماد تاخدي 10٪ من الأسهم وتسكتي؟! وتوافقي ان احنا نفضل مخبيين جوازنا عن كل الناس.


رغد بتعبير بارد وبرود واضح: أيوة، ما أنا عملت كده عشان مصلحتك. بس الوضع طول بزيادة، ومكنش في الخطة، الناس بتسأل!


سارة ترد بحدة، تلقي المجلة على الطاولة بقوة

مصلحتي؟ دايمًا بتستخدمي  كلمة مصلحتي دي كحماية، لأنها في حقيقة مصالحك إنتي!


رغد: تتظاهر باللامبالاة، ترتشف قهوتها بهدوء: إنتي شايفة كده؟ خليكي فاكرة إن اللي بعمله كله عشانك.


سارة برفعت حاجب قالت بستهجان وقوه: عشانك إنتي! كل حاجة عملتوها كان لمصلحتكم، وعماد مش بيفكر غير في نفسه. بس خليني أقولك حاجة... أنا دلوقتي عندي هدف واحد، كل ده هيبقى ليا، أنا اتنازلت كتير جدًا ولازم آخد حقي، ومش هتنازل عن أي حاجة بعد كده.


رغد: تبتسم بخبث: بلاش تتكلم في الموضوع ده؟ عموماً اللي حصل مع سليم كله في صالحنا.


سارة بطمع توقفت: اللي في صالحنا ده قرب يخلص، واللي هحصل عليه هيبقى أكتر مما حد متخيل.


رغد: وهتفضلي مستخبية هنا كتير؟


سارة: لا، مجرد كام شهر بعد الولادة وهارجع مصر.


رغد: تضحك بسخرية: وصافيناز؟ هتصدق إنك تطلقت تاني بسرعة كده؟


سارة: أيوة، هتصدق. أنا اتكلمت معاها وقلت لها إني تعرفت على واحد واتجوزته بسرعة. كانت بتقول لي إني مجنونة، فسكتها وقلت لها إني كنت شاربة زيادة وحصلت علاقة وحملت، فاضطريت أتجوز بسرعة.


رغد: تبتسم برضا: عموماً أنا مش هقدر أفضّل معاكي هنا كتير. هانزل مصر أخلص شغل شوية وأرجعلك.

ها. وعماد مش هييجي؟


سارة:

مش هيعرف. هو اللي ماسك الشغل دلوقتي، ولازم يثبت نفسه. ده أصلاً كان هدفنا. بس قال هيحاول يجي كأنه جاي يعمل اتفاق شغل أو مشروع، يقضي يومين معايا. وطبعاً، وقت الولادة هيكون موجود. ولو ما جاش... هقلب الترابيزه عليه ومش هسمي على.


رغد اقترب منها ووضعت يدها على  كتفها بفخر: برافو عليكِ.


مصر 


المشفى.


_غرفة الرعاية المركزة من الداخل ٢م


نرى ماسة تجلس على المقعد، تضع إحدى السماعات في أذن سليم، والأخرى في أذنها. الدموع تتسلل على وجنتيها وهي تمسك يده بحزن، وتضع رأسها على صدره، تنظر إليه بصمت. حين اقتربنا، سمعنا دقات قلب، وكأنها دقات قلب جنين، فهي دقات قلب حور ابنتهما التي انحرما منها... "كانت عيناها تتحدث بكم من القهر والحزن، الذي يتفجر من قلبها ويعتصر داخلها، كما لو كانت أشواك الألم تغرز في قلبها، تقطع كل جزء منه بصمت مؤلم بدأت تهمس بألم، صوتها يكاد يختنق:

سامع؟ صوت بنتنا، حلوة ازاي. بنتنا اللي اتحرمنا منها، قبل ما نشوفها ونعيش معها ذكريات حلوه سامع يا كراميل؟ سامع يا روح قلبي؟ صوتها حلو إزاي؟!


تنهدت بوجع، ثم قالت: كفاية بقى، حياتي واقفة من غيرك..

رفعت عينيها ونظرت له وقالت بصوت متعب: تعبت. الأيام مش بتمر، وقفة. وقفة في اللحظة اللي أنت سبتني فيها. إمتى بقى هتصحى؟ كفاية، أنا تعبت. الوجع بيأكل قلبي.. بيقولوا إن ألم  فراق الموت، أصعب ألم بيحس بيه الإنسان... بس والله لا، 

هما محسوش بالألم والعذاب اللي بتحسه في فراق إنسان قدام عينيك، ألم الانتظار، أنك تعيش على أمل إنه يمكن يصحى، يمكن يرجع، كلمة يمكن لوحدها تقدر تدمرك.... ألم الفراق أصعب مليون مرة من ألم الموت، لأنك في الموت عارف إن الشخص ده مش هيرجع. لكن في الفراق، عندك أمل، أمل بيقتلك كل لحظة...

اللي بيحصل ده فوق طاقتي. فجأة الدنيا خبطتني على راسي، وأنا مش قادرة أواجهها. كنت دايمًا معايا، كنت جنبي. لكن دلوقتي أنا لوحدي. انت معودتنيش أكون لوحدي. معودتنيش أواجه الحياة من غيرك يا سليم. الدنيا مش حابة تفرحني. أخدتك مني، وأخدت بنتي، كانها حلفت توجعني ومتفرحنيش، (تبسمت بامل بس أنت هترجع). 

أنا عارفة إنك هترجع، تعالى نسمع صوت حور اغمضت عينيها..


مدت يدها على خده، ابتسمت مع دمعة على خدها، وأصابع يديها المرتعشة كانت دليل على الألم. لكن مهما كان، كان أجمل ما يمكن أن تستمع إليه هي وسليم.


💕___________________بقلمي_ليلة عادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


مجموعة الراوي


غرفة الاجتماعات الحادية عشر ظهراً 


نرى لجميع أفراد عائلة الراوي وأكبر مديري الأقسام يجلسون حول الطاولة ويتحدثون في أمور العمل.


عزت بسعادة: أنا بصراحة فخور بيكم، قدرتوا تسيطروا على الوضع من غير ما تحصل أي مشاكل الفترة دي.


رشدي بثقه: طبعاً يا باشا، إحنا اتعلمنا كويس وكبرنا وفهمنا اللعبة، واللي جاي هيخليكم دايمًا سعداء بينا، وتثقوا فينا.


عزت: أتمنى، يا رشدي، دي حاجة تسعدني جدًا.


صافيناز: ومش بس كده، هتبقى محتار مين فينا هيبقى الملك الجديد.


تبسم عزت وقال: دلوقتي في مشكلة. المشروع الجديد محتاج توقيع ماسة. لان طبعًا ليها نسبة، وبعد ما سليم، نقلها لجز من نسبتة


احد المديرين: فعلا يا باشا احنا محتاجين  ماسة تحضر بعض الاجتماعات القادمه عشان طبعا تقول رايها وناخذ موافقتها على المشاريع القادمه عشان ما نقابلش اي عراقيل قانونيه.


عزت: أنا هروح لها في المستشفى وأخد حق الإدارة، نسبة ماسة لحد ما سليم يفوق ويقوم بالسلامة. زي ما بعمل معاكم كلكم، موافقين؟


جميع الحضور رفعوا أيديهم بالموافقة.


طه بعملية: في ثلاث طيارات، أنا عينتهم، كويسين جدًا وحالتهم ممتازة. إيه رأيك نشتريهم يا باشا ونفتح مجال جديد في شحن البضائع؟ ما يبقاش الشحن بحري فقط، يبقى شحن جوي، خاصة للشحن الجوي. أفضل بكثير. صحيح هو مش بياخد كميات كبيرة، لكن أسهل وأسرع.


عزت: عملت لي تقرير؟


طه بتأكيد: آه طبعًا يا باشا، اتفضل. مد يديه بالأوراق.


عزت وهو يقلب في الأوراق: تمام يا طه. أنا هدرس الأوراق وهدرس الموضوع. الفكرة عجبتني مبدئيًا. وأهم حاجة لازم أكلم المهندسين، لازم يفحصوا الطيارات دي، كويس.


طه: أنا كلمت المهندسين، وممكن حضرتك تبدأ تعمل معهم اجتماع وتتناقش معاهم.


عزت: تمام. في حد عنده أي سؤال أو حاجة تانية؟


سكت الجميع ولم يتحدثوا.


عزت: تمام، إن شاء الله نتقابل السبت الجاي في اجتماعنا الجديد. اتفضلوا.


بدأ الجميع في التحرك. اقترب منه ياسين وقال:

ياسين: بابا، حضرتك رايح عند سليم؟


عزت: هروح دلوقتي أطمن عليه، وكمان خلي ماسة تمضي على الأوراق.


ياسين: طب أنا هاجي معاك.


عزت وهو ينظر لأبنائه: يا ريت كلكم تيجوا. بقيتوا كتير ما شفتوش أخوكم، ولا إيه يا رشدي؟


رشدي: آه طبعًا، بس أنا دلوقتي عندي مشوار مهم. ممكن أجي بعد ما أخلص.


نظر عزت إليه دون أن يتحدث، وبدأ الجميع في التحرك.


المشفى


غرفة الرعاية المركزة الثالثه مساء 


_نشاهد ماسة وهي تجلس كالمعتاد وتقوم بقراءة أحد الكتب مع الإستماع لصوت القرآن الكريم وبعد دقائق طرق أحدهم على النافذة الزجاجية التي خلفها، عقدت ماسة حاجبيها بإستغراب واستدارت برأسها للخلف وجدت عزت الراوي هو من يطرق ويشير بيده ويطلب منها أن تخرج ... هزت ماسة رأسها بإيجاب، أغلقت الكتاب ووضعته على الطاولة وخرجت لخارج الغرفة حين شاهدها عزت تقترب.. 


قال عزت: أزيك يا ماسة؟


ماسة وهي تخلع الماسك من على فمها قالت: الحمد لله، في حاجة؟


عزت وهو يهز رأسه بنعم: اممم، محتاجين نتكلم شوية برة، مش هاينفع هنا. كمان ياسين عايز يدخل.


نظرت له ماسة بتعجب متسائلة في داخلها: ماذا يريد منها وبماذا سيتحدث معها؟ هزت رأسها بإيجاب: حاضر.


خلعت ملابس غرفة الرعاية المركزة وخرجت معه إلى الخارج حتى الاستراحة. كان يجلس كل من فايزة وصافيناز وهبة وياسين ومنى وطه وسلوى وسعدية. مرت ماسة عينيها عليهم بابتسامة مستغربة مبطنة، فلأول مرة منذ عدة أسابيع يأتون جميعهم لرؤية شقيقهم.


ماسة بلطف: عاملين إيه؟


هز الجميع رأسه.


نهضت هبة وعانقتها: بخير، إنتي كويسة؟ وحشتيني يا حبيبتي!


ماسة وهي تضمها: الحمد لله، وإنتي كمان.


هبة: أوعي تزعلِ علشان بقالي فترة ما بجِيش، أصلي حامل.


اتسعت عينا ماسة بابتسامة مشرقة: بجد؟ ألف مبروك يا حبيبتي!" وضمتها أكثر.


سعدية: مبروك يا بنتي، مبروك يا ياسين بيه.


هبة بأدب: الله يبارك فيكِ يا طنط.


ياسين: الله يبارك فيكِ...

ثم وجه نظراته لماسة متسائلًا: "في حد عند سليم جوة؟


ماسة: لا، مافيش.


ياسين بلطف:تمام، يلا يا حبيبتي.


أحاط ياسين بذراعيه حول خصر هبة وتوجها إلى داخل الغرفة.


عزت بنبرة عملية نظر إلى ماسة: عايزين نتكلم معاكي شوية.


هزت ماسة رأسها بإيجاب، مبطنة بالقلق. جلست على الأريكة، وجلس عزت على المقعد المجاور لها.


عزت بنبرة عملية: دلوقتي يا ماسة، إحنا عندنا مشكلة!

عقدت ماسة حاجبيها باستغراب.د، واصل عزت حديثه موضحًا: يعني دلوقتي، سليم عامل لك توكيل بنسبة في إدارة المجموعة، وطبعًا هو كان عامل توكيل لنفسه بحق الإدارة دي.


هزت ماسة رأسها بنعم: أيوة، ولحور كمان.


عزت بتوضيح: نسبة حور اتنقلتلك أوتوماتيك بمجرد ما ماتت وأصبحت كلها ملك ليكي، وأنا محتاج تعمليلي توكيل عام بحق الإدارة لحد ما سليم يفوق.


رفرفت ماسة برموشها بإرتباك، وظهر القلق على أصابع يديها التي كانت تفرك أطراف فستانها، كما نظرت لها سعدية منتظرة منها إجابة، وهي تتمنى أن ترفض.


صمتت ماسة لثواني، يبدو أنها تتذكر شيئًا.


_فلاش بااااك قبل كام شهر...


مجموعة الراوي 10 ص


نشاهد ماسة متأبطة ذراع سليم وهي في شهرها السابع، دخلا من بوابة المجموعة. كانت تنظر ماسة من حولها على ذلك المبنى الضخم الفاخر بانبهار، أخذت تنظر في الأركان بابتسامة مندهشة.


انتبه سليم لها وقال معلقًا بابتسامة جذابة: إيه، عجبتك أوي كدة؟


ماسة بحماس: جداً... كبيرة أوي وتحسها كدة فخمة.


تحركا حتى توقفا أمام المصعد في انتظار هبوطه.


سليم: لما تولدي وتقومي بالسلامة هبقى أفرجك عليها كلها، بس النهاردة هنكتفي بالمكتب بتاعي بس.


ماسة نظرت له وهي ترفع أحد حاجبيها باحتجاج:  تهكمت: أنا أصلاً مش مصدقة إن لحد اللحظة دي ما جتش الشركة ولا مرة، رغم إننا متجوزين اكتر من خمس سنين.


سليم بمرح: هو إنتي طلبتي وأنا قولتلك لا.


ماسة بدلع: طب هو أنت عزمت عليا وأنا قولتلك لا.


ضحك سليم ضحكة جذابة بلطف: أنا آسف يا ماسة هانم إني ما قولتلكيش تعالي أفرجك على المجموعة. جل من لا يسهو.


ماسة مازحته بغرور: تقبلت اعتذارك. عفونا عنك.


ضحك الاثنان بمرح ودخلا المصعد ثم توجها إلى مكتب سليم.


مكتب سليم


فور دخول ماسة المكتب أخذت تنظر في الأركان بعينيها لتفاصيله التي تشبه شخصية سليم كثيرًا. ثم أخرجت ضحكة عالية. نظر لها سليم وهو يعقد حاجبيه متعجبًا لتلك الضحكة وقال معلقًا:


سليم باستغراب: إيه الضحكة دي؟ فيه حد بيزغزغك؟


ماسة باستغراب وهي تبتسم: حتى مكتبك اللي في الشركة شبهك... يا خرااابي عليك!


سليم باستغراب مازحًا: المفروض أعمله شبه مين يعني! بطوط؟


ضحكت ماسة: ههه، ما أقصدش بس يبقى مكتب حلو فاخر، بس مش أول ما أدخل أقول ده مكتب سليم (اكملت بنبرة ساخرة بمزاح) طبعا هترد عليا جملتك المفضله كل ما كان اكثر بساطه كلما كان اكثر اناقه


استدار سليم بجسده في زاويتها بلطف: "ما هو لازم مكتبي يعبر عن شخصيتي، ده طبيعي، إيه مشكلتك؟


ضربت ماسة على أنفه مداعبة وهي تضحك: مفيش يا غلس.


تقدمت وجلست على المقعد الأمامي للمكتب، تقدم سليم وهو يبتسم وجلس أمامها.


ماسة بمزاح لطيف: هتخليني أحضر الاجتماع معاك وأقعد بقى حاطة رجل على رجل، أرفض وأقبل براحتِك وبنسبتي وأتأمر عليكم؟


هز سليم رأسه بابتسامة جذابة: أممم، بس المرة الجاية. النهاردة هافهمك شوية حاجات الأول تساعدك. يعني المشاريع المناسبة والمربحة للمجموعة، وهاعرفك المجموعة بتستثمر في إيه. لما تقعدي في الاجتماع وتقرئي الملف، تعرفي المشروع ده هيفيد الشركة ولا لا، كل حاجة.


ماسة بحماس بابتسامة رائعة: متحمسة أوي، إنت عارف أنا شطورة وبفهم بسرعة.


سليم بلطف:  عارف يا عشقي...

(واصل حديثه بطلب) ماسة، كنت عايز أطلب منك حاجة! 

نظرت له ماسة باستغراب، أكمل... النسبة بتاعتك في المجموعة مش عايزك تعملي توكيل لحد بحق الإدارة، حتى لو اللي طلب منك ده بابا بنفسه.


ماسة بتعجب وهي تقبض بين حاجبيها بإستغراب: هو هيطلب مني ليه؟ مش إنت إللي بتديرهم؟


سليم بتوضيح: يعني أوقات بيحصل بعض المواقف بتستدعي إن بابا يكون ليه الأحقية في الإدارة. أنا عامل توكيل ليه، وكلنا عاملين. يعني لما نكون مسافرين أو لو حد حصل حاجة، مانواجهش أي مشاكل، علشان المشاريع تمشي من غير عراقيل.


ماسة بتأثر: بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا يحفظك ليا.

سليم بتحذير: بس المهم تفهميني كويس، أوعي تعملي كده لو طلبوا منك ده. أوعي تقبلي يا ماسة، أرفضي، وصممي فاهمة؟ ولو حد سألك، قولي سليم إللي طلب مني أرفض، وعرفيهم إنك مستعدة تنزلي بنفسك للمجموعة وتعملي اللي عايزينه، لكن توكيل لا. (بتحذير أكبر) ... أوعي يا ماسة تعملي لأي حد توكيل بإدارة نسبتك فاهمة؟


ماسة هزت رأسها بإيجاب: حاضر، يا سليم، والله مش هاعمل، وإن شاء الله مش هايحصل أي حاجة تخلينا نعمل كده أصلاً.


سليم: خليني بقى أفهمك بعض الحاجات المهمة، بعدين ناخد جولة.


أخذ سماعة الهاتف التي على المكتب وقام بعمل مكالمة للسكرتيرة.


سليم: ألو نور، هاتي الملف بتاع أرض العلمين... تمام. أغلق الهاتف، نظر لماسة وقال: ده مشروع جديد، مدينة سياحية  هاندرسه سوا وأفهمك. في بعض المشاريع إللي تقبليها وإنتي مغمضة، زي المقاولات، والذهب والألماس، والبترول ومشتقاته، لإن مكسبهم كبير، لإنهم من الصناعات الأساسية بالأخص لمجموعتنا.


ماسة: "إنتوا في المجموعة بتشتغلوا في الذهب وبتنقلوا بترول صح؟ ومؤخرًا المقاولات؟"


سليم: أممم، إحنا بنشتغل في حاجات كتير، بس أساس شغلنا الذهب والألماس وشركة الشحن. إحنا بننقل أي بضائع مش بس بترول تغيير مصانع الحديد والصلب وطبعا بعض المحاصيل الزراعيه، بس في مشكلة بسيطة بتقابلك في الذهب، لإنه طالع نازل في السعر، فلازم تكوني ذكية وإنتي بتتعاملي معاه، وتعرفي إمتى تشتري وإمتى تبيعي وتحتكري السوق.


دخلت نور وهي ممسكة بأحد الملفات وقدمتها لسليم.


نور: اتفضل يا سليم بيه.


أخذهم منها سليم وقال: نور لو سمحتي، اعملي لنا ليمون بالنعناع وما تدخليش حد علينا خالص. وأي حد يسألك، سليم بيه في اجتماع مهم، تمام؟


نور: "تمام. نظرت لماسة: ماسة هانم، حضرتك منورانا.


ماسة بتهذب: ميرسي.


خرجت نور وأخذ سليم يشرح لماسة ما في الملف وكل شيء يخص الإدارة.


        الفصل الخمسون ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات