رواية الماسة المكسورة الفصل التاسع والاربعون 49 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل التاسع والاربعون 49 ج1

بقلم ليله عادل


{~''بينما أنني لا أستطيع قضاء يوم واحد بعيدة عنك🥀 هل تجهزني أنت للغياب  '' ~}


           [ بعنوان نزيف القلب ]


قصر الراوي.


غرفة هبة وياسين.


المرحاض العاشرة صباحاً 


نشاهد هبة تقف أمام المرآة، تحمل بيدها اختبار حمل، ودموع السعادة تملأ عينيها. أخيرًا تحقق حلمها، وهي تحمل جنينًا في أحشائها. تمرر يدها على بطنها بخجل وتبتسم. يسمع صوت حركة بالخارج، فتسرع إلى غرفة النوم لتجد ياسين يرتدي معطفه ويحضر حقيبته للسفر.


هبة: هتسافر؟


ياسين هز راسه بإيجاب: آه، خلاص. طيارتي كمان ساعتين.


تنظر له بتردد، وكأنها تريد أن تخبره شيئًا، لكنه منشغل بحزم أغراضه.


هبة تسالت بترقب: هتتأخر؟


ياسين: لا... يعني يومين، تلاتة، أسبوع بالكثير.


تدقق النظر في ملامحه، شعر بشيء من التردد. يلاحظ ارتباكها.


ياسين دقق النظر بها: إنتِ كويسة يا حبيبتي؟


هبة: أممم... طيب... أنا كنت بفكر أروح عند ماما لحد ما ترجع.


ياسين:، معلش خليكي هنا، عشان لو حصل أي حاجة.


تصمت للحظة ثم تومئ برأسها، وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها.


هبة: طيب.


يغادر ياسين الغرفة، بعد أن وضع قبله على جبينها 

بينما تقف هبة وحيدة، تنظر إلى بطنها بيدها المرتعشة، وكأنها تحمل سرًا كبيرًا ينتظر اللحظة المناسبة للبوح به.


المستشفى، الساعة 12م


الاستراحة


كان يجلس عزت، الذي بدا عليه الحزن والضيق والإرهاق، وطه وفريدة وابراهيم ورشدي وفايزة، يجلسون من حوله.


رشدي ينهض: أنا هقوم أجيب قهوة. حد عايز حاجة معايا؟


فريدة: هات ليّا لاتيه.


ابراهيم: وأنا قهوة سادة.


رشدي: بابا، ماما، عايزين حاجة؟


فايزة: لا.


هز عزت رأسه بصمت. فور تحرك رشدي، اقترب طه مسرعًا من عزت.


طه: بابا، كنت عايز أحكيلك حاجة مهمة عن الحادثة.


فور نطق طه تلك الكلمة، اتسعت عينا فايزة وشعرت بالتوتر. نظرت إليه وكأنها تطلب منه التوقف عن الحديث.


نظر عزت إلى طه وضيق عينيه قبل أن يبدأ طه بالكلام. في تلك اللحظة، دخل رشدي الذي استمع إلى جزء من الحديث.


رشدي: طه، تعال شيل معايا.


عزت: اصبر يا رشدي. كنت عايز تقول إيه يا طه؟


توتر طه الذي كانت عيناه على رشدي وقال: الحادثة إللي حصلت لسليم... يعني ممكن تكون ماسة هي المقصودة. أصل سليم كان مفروض عنده اجتماع وقتها.


فريدة بتعجب: هيقتلوا ماسة ليه؟


عزت بضيق: أنا مش عايز اقتراحات. لما سليم يفوق، وقتها نتكلم.


طه يبتلع ريقه ويفكر في التحدث : بابا... رشدي... أنا...


تقاطعه فايزة بسرعة بهدوء وكذب: رشدي أكيد كان متعصب، يا طه.


عزت بعدم فهم: في إيه؟


فايزة محاولة للتبرير: طه كان عايز يقولك إن رشدي عايز يجيب سالي اولاد الصياد والشعرواي في المخزن ويفضل يضرب فيهم لحد ما يعترفوا. بس طه مش موافق على الفكرة خالص.


فريدة باعتراض: طبعًا صح. إحنا مش متأكدين إنهم هما.


رشدي: هنتأكد لما نجيبهم ونجبرهم يعترفوا.


عزت بجدية: أنا مش عايز حد يتصرف من دماغه. أنا اللي هتصرف بطريقتي، وإنتم تمشوا على كلامي وأوامري دلوقتي يسافر عشان يشوف ماركو، وريمون جاي بكره انا هتصرف انا عايزكم بس اليومين الجايين دول تبقوا معصفي ناس وعماد في المجموعه ما تسيبهمش لوحدهم بيكي خليكي معاهم يا فريده وانت يا ابراهيم.


رشدي بهدوء: أمرك يا باشا. معايا يا طه، عشان مش هعرف أشيل لوحدي.


توقف طه ثم تحرك مع رشدي، وكان يبدو عليه الارتباك قليلاً. أثناء سيرهم، قال رشدي بابتسامة شريرة:


رشدي: كنت ناوي تقول للباشا؟


طه: ده الأحسن.


توقف رشدي في زاوية وسأله بحدة: لمين بالظبط؟ ليك؟


طه: لينا ولسليم. أنت قتلت سواق التاكسي، وسواق اللي شاف الحادثة، وصاحب الكشك، وأي حد شاف اللي حصل! أنتم كده بتموتوا أي خيط يوصلنا للفاعل الأصلي.


وضع رشدي يده على كتف طه وقال بجمود ممزوج بتجبر: بص يا طه، أي حاجة ممكن توصل للباشا إن أنا حاولت أقتل سليم لازم أدمرها.


طه: لو سليم كان مات، الهانم مكنتش هتسكت.


رشدي يهز رأسه نفيًا: لا، هتسكت. واحد يموت أهون من ٣ يموتوا من ولادها، وهي كمان هتبقى معانا. أصلها كانت عارفة كل حاجة، وهي اللي حددت الميعاد بعد ما كلمه الدكتور وسالتها عن اخبارها وان هي بتفكر تخلي صافيناز تجيب بيبي والدكتوره بغبائها وقعت في الكلام وقالت لها خلي صافي تيجي مع ماسه كمان يومين الساعه 3:00. وطبعا احنا مسحنا المكالمه اصلا.


اقترب رشدي أكثر وقال: بص يا طه انت لو فكرت تفتح بوق الجميل ده تاني هندمك انا كنت هقتل الأمير الصغير بمراته الحامل عادي من غير احساس وشوفت بعيني وهما نزلين طعن ف ماسه وبيضربه سليم بالرصاصة ومافكرتش حتى اخرج مسدسى بدافع الانسانيه، مش هقولك الاخوه،  تفتكر انا هيبقى صعب عليا ادبحلك ولادك الاتنين و؟


اتسعت عينا طه بحدة: أنت اتجننت؟ بتقول إيه؟ بتهددني يا رشدي


رشدي ببرود: انا سبق وحذرتك بس انت مفهمتش،  اه  بهددك ويوم ما لسانك ينطق بحرف، هي مكالمه صغيره للحراس، وهيدبوح ولادك، اصلي أنا مش هموت لوحدى، وساعتها خلى ضميرك ينفعك.


طه بضجر: انت حقير.


رشدي: انا بحافظ على حياتي بعدين مراتك كانت معانا عليها شر ولا ابليس، المفروض كنت اتجوزتها أنا ، هنبقى مكس شر محصلش.


طه: بكره سليم يفوق ويعرف كل حاجه ووقتها هقف اتفرج عليك وهو بيقتلك.


رشدى بشر نظر داخل عينه: ووقتها بردو اهقف اموت وبتفرج عليك وهو معلقك على سكوتك، اصل  سليم مش طيب اوى كدة مش هيشفعلك انك كنت عارف وسكت حتى الباشا، 

بس انت تموت لوحدك،  ولا ولادك !!! وبعدين يعرف ليه ؟ إحنا كلنا لازم نتعاون عشان ميعرفش انت عشان تحافظ على حياه ولادك وانا وكلنا على حياتنا, تمام مش هفكرك تاني لسانك لو نطق ولادك هيدفعوا  التمن،

خليك زى ما انت طول عمرك طه  الساكت اللى بيتفرج وبس اللى بينفذ الاوامر وحاضر  وطيب وبس مفهوم.


نظر له طه بأفكار مضطره وهو خائفه على اولاده يشعر بصراع داخلي بان يقول ما يعرفه او يصمت كما كان يصمت في السابق.


غرفة ماسة


كانت سعدية وسلوى ومجاهد يجلسون أمام الفراش، والطبيب يتوقف أمام حامل المحلول وهو يضع حقنة داخل المحلول. كانت ماسة في سبات عميق نتيجة كمية المهدئات التي تأخذها.


لم يمضِ سوى دقائق، وبدأت ماسة تحرك عينيها ثم فتحتهما ببطء، وسط ترقب من الجميع، فهم كانوا يخشون عند استيقاظها أن تنهار مرة أخرى.


الطبيب بابتسامة: ها عاملة إيه النهاردة؟


ابتسمت ماسة بصمت وتعب شديد، أخذت تغلق وتفتح عينيها، فيبدو أنها هذه المرة أفضل من ذي قبل.


ماسة بهدوء وبنبرة متعبة وهي تبتلع ريقها: الحمد لله، أحسن.


هرولت سعدية نحوها بسعادة حتى توقفت أمام الفراش مباشرة، فأخيرًا رأت ابنتها في وضع أفضل: حمدلله على السلامة يا بنتي.


مجاهد بسعادة: عاملة إيه يا بنتي دلوقتي؟


اقتربت سلوى منها وضمتها بسعادة غامرة:  وحشتيني أوي، قبلتها من رأسها، كنت ها أموت من القلق عليكي.


كانت ماسة تحدق فيهم بصمت، لا تزال غير قادرة على النطق. حاولت أن ترفع نفسها لتجلس، فساعدتها سلوى بوضع الوسادة خلف ظهرها بلطف. جلست، ومدّت قدميها، وجهها شاحب للغاية، وعيناها محاطتان بهالات سوداء، وشفاهها مشققة، وكأنها صارت امرأة مسنّة. الحزن والألم كانا قد سلبا قوتها، حتى بدت كورد ذابل، وما زالت بعض الخدوش ظاهرة على وجهها وأسفل شفتيها نتيجة الحادثة.


الطبيب بلطف: أتمنى تكوني أحسن.


ماسة بنبرة مكتومة: عايزة أشرب لو سمحت.


الطبيب: حاضر.


جلب لها الطبيب كوبًا من الماء من على الكومودينة وأعطاه لها. احتست القليل ثم وضعته على الكومودينة.


ارتسمت على شفتي ماسة نصف ابتسامة مليئة بالألم، وكأنها تحاول إخفاء كل شيء بداخلها. جالت عيناها على أفراد عائلتها، والشعور بالعجز يتسلل إلى قلبها، فهي لا تعرف ماذا تقول. كل شيء بداخلها كان يحترق، وكأنها تغرق في بحر من الحزن.


كل ما كانت تريده وتتمنى هو أن لا يتم تنويمها مجددًا. حاولت التماسك أمامهم، متجاهلة انهيارها الذي كان يذوبها من الداخل، شعور بالفقد والوهن يعتصر قلبها، لعلها تجد مخرجًا مما هي فيه.


ابتسمت ماسة ابتسامة مزيفة مبطنة بحزن: عاملين إيه؟ وحشتوني أوي ممرت عينيها عليهم فين سليم.


جلست سلوى بجانبها ونظرت لها بعينين اغرورقتا بدموع الفرح والحزن. أحاطت بذراعيها حول رقبتها، قبلتها من خدها، وهي تمسح على خديها بحنان وتعود بشعرها للخلف، وقالت:


سلوى: إنتي اللي وحشتينا أوي والله، كنت هاتجنن عليكي. أوعي تعملي كده في نفسك تاني.


مجاهد بحنان: بس يا سلوى، متتعبيش أختك.


رفعت ماسة عينيها إلى الطبيب بدموع وضعف، ابتلعت ريقها متوسلة إياه: أرجوك، ماتنيمنيش تاني، مش عايزة أنام تاني لو سمحت.


الطبيب بعملية: طول ما إنتي هادية وقوية، مستحيل نديكي مهدئ.


ماسة بضعف وهي تحاول السيطرة على دموعها بأقصى قوة: مش ها أضعف تاني، كان غصب عني، لكن أوعدك إني ها أحاول على قد ما أقدر إني أقاوم وما أضعفش تاني.


الطبيب: إنتي فعلاً أحسن النهاردة، وطول ما إنتي قوية وبتقاومي، مستحيل نقربلك.


سعدية وهي تربت على قدميها بحنان: أنا بنتي قوية، وأنا متأكدة إنها يستحيل تخلي الحزن يتغلب عليها تاني.


مجاهد بحنان: كنا قلقانين عليكي يا قلب أبوكي، ومش عارفين نعملك إيه؟


ماسة: أسفة والله، قلقتكم عليا، بس غصب عني.


مجاهد بسعادة: الحمد لله إنك خرجتي بخير منها يا بنتي.


سعدية: والله لولا الملامة كنت زغرطت. كنا هنتجنن عليكي وإحنا شايفينك منهارة وبتضيعي مننا، مش عارفين نعملك حاجة.


كانت ماسة تنظر إليهم بصمت، والوجع يفتك بها. نيران تشتعل داخلها، وكأنها تخوض معركة عنيفة مع نفسها، تحاول بكل قوتها أن تظل هادئة وتصمد، لكي لا يضطر الطبيب لإعطائها مهدئًا مرة أخرى. كانت تحاول أن تسيطر على تلك النيران التي تأكل كل خلية فيها، لكن الألم كان أقوى من كل محاولاتها.


نهضت سلوى بسعادة: ،هكلم عمار ويوسف هيفرحوا أوي.


ماسة: هما فين صحيح؟ وسليم فين ليه مش بترده عليا هو لسه تعبان محتاجه اشوف واطمن قلبي عليه لو سمحت.


سلوى: عمار ويوسف، قاعدين في الجنينة.


الطبيب: بنسبة لسليم، حاضر هتشوفي بس ممكن  تردي على الأسئلة.


هزت ماسة راسها بنصف إبتسامة حزينة لم تصل الى عينيها.


الطبيب: حاسة بحاجة؟


ماسة بتعب: دوخة، وجسمي وجعني، وصداع.


الطبيب بعملية: ده طبيعي جدًا شوية، وكل الأعراض دي هاتروح. أخيرًا سمعت صوتك من غير انفعال وتكسير وصريخ. مش كده أجمل؟ هنعرف نتكلم بعقل.


نظرت له بنصف ابتسامة مليئة بالألم، وتنهدت بعمق. كانت على وشك التحدث، لكنها شعرت أنها لا تستطيع الصمود أكثر أو كتمان مشاعرها. حاولت أن تعبر عما بداخلها من أحزان بالكلام، لعلّها تجد في ذلك ما يهدئ نياط قلبها الذي كان يصرخ بألف آه، ويصر على أن يُسمع ألمه.


تنهدت ماسة بوجع ودموع تملأ عينيها، قالت بقهر: غصب عني والله العظيم، ماكنش بكيفي، ولا أنا كنت حابة يعني أبقى كده، أنا فجأة لقيتكم بتقولوا لي بنتك ماتت، بنتي إللي فضلت شهور وليالي مستنياها بفارغ الصبر. خلاص راحت، خلاص بح. مش هأخدها في حضني زي أي أم، وأحس بالرعشة اللي ياما حلمت بيها وتخيلت إحساسها... يعني ولا كأني حملت فيها من الأساس، زي ما جت، زي ما راحت!!


بدأت دموعها تهطل بشدة وبوجع يفتك بها، وبابتسامة حزينة ارتسمت على شفتيها، واصلت حديثها بشغف يفتك وِتِين قلبها...


أصلك ماتعرفش أنا كنت بتمناها قد إيه! أنا من أول ما اتجوزت سليم وأنا نفسي فيها، بس سليم كان خايف عليا عشان صغيرة في السن. وأول ما قال لي خلينا نجيب بيبي، فرحت أوي كأني كنت أسيرة في سجن من سنين وخلاص هاتحرر. جبتها بعد خمس سنين  الاشتياق...

وعشان اجيبها اخذت حقن وادويه وتعب اعصاب سنه كامله وبعدين ربنا رزقني بيها، بس عشت شهور وهي بتكبر جوايا، كلها عذاب. كنت بصحى وأنام على وجع. تخيل كده حضرتك معايا؟ إنك تعيش شهور مش قادر ولا تأكل ولا تشرب، حتى بوق الماية مش طايقاه. وتقوم من أحلى نومة على غثيان وترجيع. أنا فضلت ٣ شهور برجع أول ما أصحى من النوم ودوخة. كنت با أكره أصحى، وكل ما كانت بتكبر جوايا، كل ما ألمي وتعبي بيزيد. حتى النفس الطبيعي، والله ما كنت بقدر أخده بالشكل الطبيعي. ده حتى انحرمت من أبسط حقوقي، إني أنام بالطريقة اللي تريحني... بس قولت مش مهم.


ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة بدموع...

كله يهون عشانها، بكرة بس تيجي وبضحكتها الحلوة هاتنسيني كل حاجة قاسيتها. فعلاً الأمومة مش بالساهل...


عبثت بوجهها بصدمة، واتسعت عينيها بقهر وهى تضع يدها على قلبها، وواصلت:

بس هي راحت، وما لحقتش أشوفها ولا أسمع ضحكتها، ولا أفرح بيها. وبدل ما أسمع كلمة مبروك، هسمع كلمة البقاء لله، اتحملي معلش، بكرة تجيبي غيرها. فالمطلوب مني دلوقت إني أتعامل مع خبر موتها بشكل عادي!! وإني انحرمت من غير ما أعرف شكل بنتي اللي كانت عاملة فيا كل ده كان إيه؟! بنتي اللي كبرت جوايا واتقاسمنا سوا كل حاجة: ضحكتنا، وأحزاننا، وأحلامنا، وإحساسنا. صعب، والله صعب.

ده أنا خايفة يا دكتور أشوفها في الحلم وسط مجموعة أطفال وما أعرفهاش، ها أعرفها إزاي!! ما أنا ماشوفتهاش...


مسحت دموعها التي أغرقت وجهها، أكملت مستغربة بشتات: 

وفي عز كل ده، فجأة لقيتني مطلوب مني كمان أتقبل إن جوزي حبيبي، روح قلبي تعبان وممكن يروح مني وأتحرم منه هو كمان في أي لحظة، ما أقدرتش، قلبي انكسر والله، وعقلي كأن كهربته ضربت في بعض وخلته يوقف عن التفكير، روحي اتحرقت. عقلي وقلبي وروحي ما قدروش يتحملوا كل ده. ومش عارفة هيقدروا يتحملوا ويعيشوا اللي جاي إزاي. كان غصب عني، مش بإيدي والله. أنا تعبانة أوي، جوايا حزين أوي، موجوع أوي. مهما حاولت أخبي، مستحيل هقدر أخبي مراسم العزا اللي بيتم جوة قلبي دلوقتي.


كانت عائلتها تستمع لها بحزن شديد، بعين تذرف الدموع على ابنتها التي تعيش أصعب لحظات حياتها في هذا العمر الصغير، ولا يعرفون ماذا يفعلون غير الدعاء لها. فماسة في أصعب اختبار يمر به إنسان الآن، لابد أن تكون قوية لكي تمر منه بسلام.


نظر إليها الطبيب وتحدث بعقلانية ممزوجة بعطف: أنا مقدر حجم المعاناة والجرح اللي بتمري بيه، بس لازم تكوني قوية. الحياة كده، مش كل حاجة فيها فرح وسعادة، لازم يكون فيها شوية أشواك ووجع وضربات عشان تعلّمنا وتقوينا. الحياة مش سهلة زي ما إنتي متصورة، وكلنا بلا استثناء عندنا ابتلاءات ومشاكل مختلفة، بس ربنا بيمنح كل واحد على قدر استطاعته، صدقيني، إنتي هتتخطي كل اللي إنتي فيه ده، بس محتاجة شوية صبر وشوية قوة وأكيد رضا بقضاء الله. أنا مش طالب منك أبداً إنك تبطلي عياط وتكتمي جواكي، بالعكس، أنا عايزك تصرخي وتطلعي كل الألم والحزن اللي حاسة بيه. فرّغي طاقتك عشان ترتاحي، لأن طول ما عقلك حاسس بالشتات والوجع، مش هترتاحي. بس أنا عايزك تشوفي كل الأحداث اللي مريتي بيها من منظور إيجابي يا ماسة.


نظرت له ماسة بتعجب شديد وهي تعقد حاجبيها على ما يقوله! كيف يطلب منها أن ترى كل ذلك بإيجابية؟! رد الطبيب على تلك النظرة بتأكيد وهو يهز رأسه بإيجاب وعقلانية وعملية.


أيوة، منظور إيجابي. مستغربة ليه؟ لازم تقولي الحمد لله إني خرجت أنا وجوزي سالمين، حتى لو هو تعبان، بس مع الوقت هنكون كويسين وعايشين. وكويس إن بنتي ماتت قبل ما أشوفها، قبل ما أتعود على صوتها وضحكتها وأخذها في حضني وأضمها لقلبي، وأبني معاها ذكريات حلوة. ووجعك دلوقتي أهون بكتير لو كانت حور بين إيديك في الحادثة وماتت، وسليم كمان. عايزك دايماً تشوفيها كده. هي صعبة، بس مع الوقت هتلاقيها سهلة والأيام بتنسي.


مسحت ماسة دموعها وقالت بتأييد بنبرة موجعة، يبدو أنها اقتنعت قليلاً بحديثه: إنت عندك حق، أكيد ده الأفضل. إن سليم خرج من الحادثة بخير حتى لو تعبان شوية دلوقتي، بس لسة عايش. حتى لو فقدت بنتي قبل ما أشوفها، برغم شغفي وشوقي الكبير إني أشوفها لو ثانية، بس أهون بكتير لو شفتها وتعودت على حضنها وفي الآخر أتحرم منها. مرة جدتي قالت لي: كل حاجة بتتولد صغيرة وتكبر، إلا الحزن اللي بيتولد كبير ومع الوقت بيصغر، حتى لو آثاره موجودة منها ندبات، بس هنكمل ونعيش. هي الحياة كده. تنهدت بتعب ثم قالت: "أنا عايزة أشوف سليم، ممكن؟


الطبيب: هتقدري تقومي؟


ماسة بتأكيد: أيوة، هقدر.


سعدية: طب استني شوية، تاكلي لقمة والدكتور يطمن عليكي وعلى جرحك، وابقي روحي له يا بنتي، مش هاطير.


حاولت ماسة أن تنهض بتعب وتنزع الكانولا، وقالت باعتراض: أنا كويسة يا ماما، مش هينفع أسيب سليم أكتر من كده. سليم وحشني أوي، وبقالي ثلاث أيام بعيدة عنه. عايزة أبقى جنبه ويحس بيا.


الطبيب بتحذير: طيب، هاخليكي تشوفيه، بس أوعديني تبقي هادية عشان ما ناخدش مهدئ تاني.


نظرت له ماسة بضعف وهي تهز رأسها بنعم: وعد.


  💞______♥️بقلمي_ليلة عادل♥️_______💞


غرفة العناية المركزة1م


في وسط الصمت المطبق، كان سليم مُعلَّقًا على الأجهزة، غارقًا في سبات عميق، في حالة لا توصف، كما لو كان الروح قد فرت منه، في انتظار معجزة.


وبعد لحظات، دخلت ماسة على المقعد المتحرك، يدفعها الطبيب النفسي بصمت. كانت ملابسها الخاصة بالعناية المركزة (الماسك، غطاء الرأس، الجاون) لا تكفي لإخفاء شحوب وجهها الذي بدا وكأن الحياة قد غادرت منه، وعيناها محمرتان، تغطيهما دموع تتناثر بلا توقف.


توقف الطبيب بجانب سرير سليم. عيون ماسة جالت عليه، وبداخلها ألم رهيب، كأن قلبها نفسه كان يئن في كل لحظة، كل نبضة فيه تتقطع من هول المنظر، بينما هو على حافة الموت. شعرت ببرودة شديدة تغزو عروقها، وكأنها سقطت في بحر من الجليد، أطرافها تتجمد، لا تستطيع الحراك، لا تشعر إلا بالعجز والضعف. كان الألم يطوقها من كل جانب، والانهيار يهدد أن يبتلعها. لم يخطر على بالها للحظة أن حالته وصلت لهذه الدرجة من الخطورة.


بنبرة ارتجفت منها الكلمات، صوتها الحزين يكاد يختنق، وعيناها اتسعتا أكثر من أي وقت مضى، كأنهما ستنزلقان من محجريهما من شدة الصدمة، أشارت بيدها نحو سليم، وصوتها خرج متقطعًا: هو، هو إزاي بقى كده!!


استدارت برأسها له بدموع: هو ليه مركب كل الأجهزة دي؟ هو في إيه؟ أرجوك ماتخبيش عليا.


نظر إليها الطبيب لثوانٍ بتفكير عميق. هي في وضع لا يسمح لها بمعرفة الحقيقة، لكن لابد أن تعرفها، لأن في عدم معرفتها للحقيقة هناك خطورة على صحتها النفسية. بعد تفكير عميق، أخذ قراره.


مسح الطبيب وجهه وقال بتوتر وهو يستنبط مدى تأثير الحديث عليها: للأسف، سليم بيه دخل في غيبوبة كاملة.


جحظت عينيها بشدة من هول الصدمة، قالت بتلعثم: "غغغيي... غيبوبة ليه؟ طب هيفوق منها إمتى؟


الطبيب بأسف وهو يزم شفتيه: للأسف، النوع ده مانقدرش نحدده.


وجهت ماسة نظراتها لسليم بقهر ودموع وهي تحرك رأسها: يعني ممكن مايصحاش تاني!


الطبيب وهو يهز رأسه بأسف: للأسف.


وضعت ماسة يدها على فمها في محاولة يائسة لوقف الزفير المدمّر، بينما رأسها يهتز برفض وقهر وحزن لا ينتهي، وعينيها مليئتان بالدموع التي تكاد تغرق وجهها. هي لا تعرف ماذا تقول، ولا ماذا تفعل،فهي في وضع لا تحسد عليه، في لحظة من الضياع الكامل. شعرت وكأنها محاصرة في مكان ضيق مظلم، كما لو أنها تقف على أشواك حادة تغرز في لحمها، يشتد ألمها مع كل خطوة، وهي تحاول أن تصرخ بصوت مكتوم، بصوت يأمل أن يصل لأحد، حتى لو كان مجرد صدى...


هل يوجد من يراها، يسمع أنينها، يمد لها يد العون؟ لكن لا، لا أحد يجيب، لا أحد يلتفت إليها. لا مفر من هذا الكابوس الذي يحيط بها، ولا مفر من هذه الغرفة التي تدور بها في دوائر مظلمة، وكأنها محكوم عليها بالبقاء هنا إلى الأبد. ولكن، هل يمكنها أن تتحمل هذا العبء الثقيل؟ إلى متى ستظل قادرة على الصمود أمام هذا الألم الذي لا ينتهي؟


 

تتوقف وعيناها مشدوهتين على قطعة من قلبها، توأم روحها، ملقى على فراش الموت، وكأنها تراه يغادرها في أي لحظة. وكل ثانية تمر تزيد من شعورها بالخراب. لا تستطيع حتى تخيل احتمال فقدانه، فالموت نفسه يبدو أقل قسوة من مواجهة هذا الواقع. قلبها يصرخ، لكن صوتها مكبوت. بدأت تهز جسدها بشكل يائس، تتنقل من الأمام للخلف بسرعة، في حركة مضطربة، وعينان غارقتان بالدموع التي تنهمر على وجنتيها بلا توقف، ترفض ما تراه، ترفض الواقع الذي يعصر قلبها، فقدان كل ما تحب، حتى نفسه.


كانت يدها تمسح على قدميها بحركة متسارعة، غير متماسكة، محاولاتها اليائسة للتماسك في مواجهة كل هذا الألم. هي لا تريد أن تُعطى المهدئات الملعونة مرة أخرى، تريد أن تظل واعية، رغم أن كل شيء حولها يشدها نحو الظلام. كان الطبيب يراقبها بتركيز حذر، مستعدًا لأي طارئ قد يحدث، في انتظار نوبة قد تهاجمها من جديد.


وبعد لحظات، بدأ إيقاع حركتها يهدأ. يبدو أنها أفرغت كل شحنات الألم المضطربة التي كانت تجتاحها. أبطأت من حركتها، وكأنها فقدت آخر قطرة من قوتها.


تنهدت ماسة ومسحت دموعها، وبنبرة مكتومة مبحوحة رفعت عينيها نحو الطبيب وقالت:

ممكن تسيبني لوحدي معاه؟ ما تقلقش، مش هاعمل حاجة، محتاجة بس أكون معاه لوحدي.


نظر لها الطبيب وهو يفكر، هل يتركها وهي في هذه الحالة الصعبة أم يرفض؟ لكن حالة ماسة تلك لا ينفع معها أي رفض، فمن الممكن أن يأتي بنتائج عكسية. هز الطبيب رأسه بالموافقة، لأنه مضطر لذلك. تركها وخرج من الغرفة، وقف يراقبها من النافذة الزجاجية، ومعه عشري الذي كان يتوقف في البداية ليشاهد الأمر، فهو لا يترك سليم بمفرده للحظة.


تنهدت ماسة وحركت المقعد بالقرب من الفراش، وتوقفت بالقرب من نصف سليم الأعلى.


أخذت ماسة تمرر عينيها في كل تفصيلة فيه، بقلب يعصف وينفطر. لا توجد كلمات لوصف ما تشعر به الآن، فكم تمنت أن تكون ميتة ولا ترى قطعة من روحها في هذه الحالة شبه الميتة.


ابتلعت ماسة ريقها بنبرة مقهورة، ونزيف في قلبها، ودموع تهطل بلا توقف من الوجع والقهر الذي أذاب نياط قلبها. قالت:

سليم يا قلبي، إنت وحشتني، وحشتني أوي، حاسة إني بقالي كتير ما شفتكش. ماكنتش عارفة إنك هنا وفي غيبوبة. أصلي بقالي 3 أيام نايمة من يوم الحادثة، كل ما كنت أصحى، ينيموني تاني! بيقولولي إن جالي انهيار عصبي وخافوا أعمل حاجة وأأذي نفسي، فكانوا بيضطروا ينيموني. أنا مش قادرة أشوفك وإنت كده، يا سليم، ولا أتخيل إنك ممكن ما تقومش تاني! لا، سليم، إنت هاتقوم ومش هاتسيبني. إنت وعدتني وسليم قد وعده. قلبي وجعني وأنا شايفاك كده، ومش عارفة أعمل لك حاجة. كأني متكتفة بحزام ناري بيحرق كل حتة فيا. قلبي وجعني عليك أوي،. محتاجة مسكن يمكن يخفف ألمه، بس متأكدة إن مسكنات الدنيا كلها مش هاتعمل حاجة ولا هتخففه. إنت دوايا ومأوايا، إنت روحي وكل ماليا. إنت الوحيد إللي هاتقدر تطفي النار إللي ماسكة فيا. روحي بتتحرق، يا سليم. حاسة إن كل خلية جوايا فيها نار عمالة تحرق وتاكل فيها...

إنت لازم تقاوم وتقوم عشاني يا سليم. ماسة محتجالك أوي جنبها، عشان ترجع تضحك تاني، وتلاقي نفسها. العذاب إللي أنا فيه أكبر مني. أنا ضعيفة أوي من غيرك. تايهة ووحيدة. غريبة من غيرك. أنا مش هاعرف أواجه كل ده من غير وجودك جنبي. عايزك جنبي عشان أقوى بيك، وأرجع أضحك تاني، وتهون عليا كل ده. أنا هأموت من غيرك ..

ماسة هي كمان ما تقدرش تعيش من غير سليم. (برجاء وإنهيار) وحياتي، يا سليم، قوم. وحيات ربنا لتقوم. كفاية، أنا متأكدة إنها أيام وهاترجع تاني ليا يا حبيبي...


عادت بشعرها للخلف، بشعور من الضياع والقهر، وهي تمسح دموعها التي أغرقت وجهها. بنبرة مبحوحة مخنوقة أكملت:

أنا مش فاهمة حاجة! ومش فاكرة حاجة من إللي حصلت. كل إللي فاكراه إننا عملنا حادثة، وإن حور ماتت، وإنت هنا. كل حاجة تانية حصلت نسياها ومش فهماها. بس عارف إللي قادرة أفتكره وفهماه كويس! إني كل مرة كنت أصحى فيها كنت بدور عليك إنت. بدور وأقول: فين سليم؟ فين حبيب قلبي؟ إزاي سايبني لوحدي كده! كنت مرعوبة. يقولولي جرالك حاجة؟ كفاية خبر إن بنتنا إللي كنا بنستناها أنا وإنت ماتت، (بتعجب من أمرها) بس لما صحيت النهاردة، ماعرفش كنت هادية ليه؟ وإزاي؟ ولما سألت عنك تاني قالولي إنك تعبان. كل إللي اتمنيته وقتها من كل قلبي، إنهم يرضوا يخلوني أشوفك. بس ما توقعتش إني أشوفك بأسوأ حالة لدرجة إني اتمنيت لو فضلت نايمة ولا أشوفك بالمنظر ده يا قطعة من روحي، صعب عليا أتحمل الشعور إللي حساه دقائق كمان. أنا حاسة إني مخنوقة ونفسي مكتوم. عايزة أصرخ وأصرخ وأقول ألف آه يمكن أرتاح، وأكتر حاجة معذباني، إن إزاي تبقى كده وأنا بعيدة عنك ومش جنبك! أنا آسفة يا قلبي والله ما هسيبك تاني لحد ما تفوق. إنت هاتفوق أنا متأكدة وواثقة في ربنا إنه مش هايوجعني فيك. سليم، أنا مش عارفة أعمل إيه؟ أنا موجوعة أوي والله، موجوعة أوي وتعبانة...


بدأت تبكي بشدة بشهقات وهي تتحدث بقهر بنبرة مكتومة مهزوزة...

كنت جاية أتسند عليك وأقوى بيك، وأقول لك: حور ماتت، حور ماتت يا سليم، بنتنا ماتت، ومالحقناش نشوفها ولا نعرف شكلها وملامحها كانت إزاي؟ تصور إنهم دفنوها من غير حتى ما أخدها في حضني وأشم ريحتها لثانية واحدة! ما عرفتش ريحتها إيه؟ ده أنا حتى ما أعرفش اتولدت صاحية ولا ميتة. ما لمستش جسمها! شلتها جوايا تسع شهور واتحملت كل حاجة علشانها، وفي الآخر تروح كده وما نعرفش حتى شكلها! (تبسمت بوجع) تفتكر كانت شبهي؟ ولا شبهك؟ عينيها زرقا ليا ولا خضرة ليك؟ لا بلاش خضرة! ماتزعلش عسلي يا سيدي، إنت مقتنع إنك عينك عسلي..


(تبسمت بقهر وأكملت) "... يمكن كانت شبهنا، واخدة مني ومنك! كان نفسي أشوفها أووووي لو دقيقة أو ثانية! تعرف إني حتى ما لحقش أشوفها في كفنها وأودعها وأديها قبلة الوداع؟ تصور! حرموني من أبسط حقوقي، بس أكيد كده أحسن. مستحيل كنت ها أتحمل ده، يعني بعد كل الهدوم الحلوة إللي عملتها بإيدي، وكنت بتخيلها بيهم، أشوفها في كفنها! (برفض، أشارت بيدها بلا) لا، لا، لا، حرام. كده أحسن فعلاً، حتى لو كنت بتمنى أعرف شكلها وأحفظ ملامحها عشان أقعد أقول بنتي كانت قد إيه حلوة، وزي القمر، وأحلم بيها، بس الحمد لله أنا راضية والله راضية باللي ربنا كتبهولي.. الحمد لله 


(مسحت دموعها) بس أنا موجوعة أوي على فراقها، وعلى إللي حصلك. قلبي وجعني أوي، روحي بتتحرق، حاسة إن فيه حد ماسك قلبي عمال يفعص فيه من غير شفقة، لحد ما داب، وبردو مكمل من غير رحمة. أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده والله، تعبت وجع... غصب عني، كتير عليا إللي حصل لي، عقلي مش قادر يستوعب كل ده. أنا مش عارفة حتى أعيط على مين فيكم! واتوجع على مين فيكم! أنتم الاثنين قطعة من روحي ومني. أنا مش قادرة أشوفك كده، ولا قادرة أصدق إن حور سابتنا بعد كل ده. بس إنت لازم تعيش وتقوم يا سليم، والله ما هقدر أعيش من غيرك. أنا نفسي أترمي في حضنك وأفضل أصرخ وأصرخ لحد ما يغمى عليا، وأصحى على عيونك وإنت بتقول لي: أنا جنبك، ما تخفيش يا عشقي، كل حاجة هتبقى تمام...


مدت يدها وأمسكت بيده وأكملت بشغف ودعم:

-إنت لازم تقوم، لازم تقاوم، أنامتأكدة إنك سامعني وحاسس بيا وهاتقوم عشاني ومش هاتسيبني لوحدي أواجه كل ده، أنا بحبك أوي والله العظيم، أوعى تزعل مني ! والله العظيم أنا زعلانة وموجوعة علشانك أوي ، أوعى تفتكر وجعى على بنتنا أكبر من وجعي عليك والله أبداً، وجعي عليك أكبر من إنى أقوله، أنا لو لسة با أتنفس وواقفة على رجلي وبا أقاوم، فده علشانك إنت والله ..


مسحت دموعها وأخذت نفسها بتعب وهى ترفع عينيها لأعلى وهي تقول ...

اااه يارب يارب قومهولي بالسلامة وقويني على كل ده ... نظرت له مرة أخرى وقالت .. 

أنا واثقة إنك هاترجعلي تاني وهتنتقم من إللي عمل فينا كدة هاستناك ومش ها أبطل استناك بحبك أوي وما أقدرش أعيش من غيرك يا أغلى من حياتي .


ضمت يده بكفيها وقربتها من قلبها وأخذت تنظر له لدقائق بعين لا ترمش بقلب يعصف من الألم وعين تهبط منها دموع الحزن، بعد دقائق من الصمت الثقيل الذي كان يملأ الغرفة.


دخل الطبيب باحترام وقال: ماسة هانم، إحنا محتاجين نغير على جرح سليم بيه ونطمن عليكي.


هزت رأسها بإيجاب وقالت: حاضر.


ثم نظرت إلى سليم وأضافت: أنا هاجيلك تاني، مش هأتأخر عليك، أوعدك إني هاقاوم وهبقى قوية على قد ما أقدر علشانك.


اقتربت أكثر بالمقعد وتوقفت بتعب، انحنت قليلاً وقبلته في جبينه، ومسحت على وجهه بأصابع يدها وقالت: بحبك أوي، قاوم على قد ما تقدر، إنت قوي.


جلست مرة أخرى على المقعد، واقترب الطبيب وأخذها للخارج.


بقلمي_ليلةعادل ⁦(⁠◕⁠ᴗ⁠◕⁠✿⁠)⁩✍️ 


~

عادت ماسة إلى غرفتها، حيث كانت عائلتها في انتظارها. وبعد دقائق، دخل بعض الأطباء وقاموا بفحصها للاطمئنان على صحتها النفسية والجسدية.


_ كافتيريا المستشفى٢م


كان يجلس عزت وفايزة وفريدة يحتسون الشاي. اقترب مكي.


مكي: عزت باشا، ماسة هانم فاقت وبقت أحسن ودخلت لسليم.


رفع عزت عينه له: يعني الدكتور قالك إن ممكن نتكلم معاها؟


مكي: أيوة، بس مش كتير.


توقف عزت بتنبيه: مش عايزين حد يعرف لحد ما أتكلم معاها، بالأخص المباحث. لو حد سأل، هتقول ماسة هانم لسة مش مستعدة نفسياً، ونبه على الدكاترة. سامع؟


مكي هز رأسه بنعم: أمرك يا باشا.


_ غرفة ماسة.


_ المرحاض


كانت تقف ماسة أمام الحوض وهي تغسل وجهها، تحاول إخماد القليل من تلك النيران التي تشتعل بداخلها. رفعت وجهها إلى المرآة وأخذت تنظر إلى ملامحها الباهتة والهالات السوداء أسفل عينيها. لمست وجهها بأطراف أصابعها باستهجان، فهى لم تتوقع أن حالتها مزرية لهذا الحد. كانت على وشك البكاء والضعف، لكنها أخذت تغسل وجهها عدة مرات بسرعة. رفعت رأسها، حاولت أن تهدأ وتصمد، فسليم يحتاج لها الآن أكثر من أي وقت مضى. أخرجت أنفاسًا ثقيلة متعبة، ثم جففت وجهها وخرجت إلى الخارج. كان في انتظارها الطبيب، مكي، عزت، فايزة، فريدة وعائلتها. مررت ماسة عينيها عليهم وهي تعقد حاجبيها باستغراب، فهي لا تعرف لماذا الجميع هنا.


عزت بلطف: حمد لله على السلامة يا ماسة.


فريدة بإبتسامة: إنتي النهاردة أحسن كتير.


ماسة بلطف وهي تهز رأسها: الحمد لله.


مكي: حمد لله على سلامتك يا ماسة.


الطبيب بعملية: ماسة، عزت بيه محتاج يتكلم معاكي شوية، هاتقدري؟


ماسة وهي تجلس على الفراش في زاويتهما: آه، ها أقدر.


الطبيب وهو ينظر لهم بعملية: ياريت ماتخلوهاش تتكلم كتير عن إذنكم.


خرج الطبيب، اقترب عزت حتى توقف أمامها.


عزت: ماسة، أنا محتاج أفهم إيه إللي حصل معاكم بالضبط.


ماسة وهي تعود بخصلات شعرها خلف أذنها: تقصد على يوم الحادثة؟


هز عزت رأسه بنعم، أكملت ماسة بهدوء وهي تتنهد: كل إللي قادرة أفتكره إننا كنا راجعين أنا وسليم من عند الدكتورة، وإحنا مبسوطين أوي. فجأة، وإحنا ماشيين، جت عربية نقل خبطت العربية بتاعتنا.


قاطعتها فايزة بإهتمام ممزوج بلهفة، فهي تريد أن تسمع وتعرف ماذا حدث بعد تلك الحادثة التي لها يد في إتمامها: وإيه إللي حصل بعد كده؟


أكملت ماسة: العربية فضلت تلف حوالين نفسها. أنا بعدها أغمى عليا، بعدين سليم خرجني من العربية. ما أعرفش إزاي، بس لقيتني قاعدة وسليم بيفوقني برة العربية. لما بدأت أرجع للوعي، سبني وراح يتكلم في التليفون و...


قاطعها عزت قائلاً وهو يرفع أحد حاجبيه: يعني سليم خرج من الحادثة وبخير؟


ماسة بوجع ودموع تسقط من عينيها: كل إللي قادرة أفتكره إن أنا وسليم طلعنا بنتنفس، وسليم واقف على رجليه، وفجأة فيه واحد مسكني من شعري، وواحد تاني حط أيده على بوقي ومسكني من إيديَّ الاتنين وحطهم ورا ظهري، ووقفني. وفجأة، المكان كله بقى متحاوط برجالة شبه عصابات المافيا اللي بتظهر في الأفلام الأجنبية، ماسكين رشاشات وحاطين قناع على وشهم. كل ده في ثانية. بعدين، إللي ماسكني من شعري صرخ على سليم، سليم لف له وفجأة فيه اتنين مسكوا سليم من كتفه من ورا وكتفوه..

واللي ماسك شعري ده طلع سكينة، ما أعرفش جابها منين، وطعني في بطني. وقتها، سليم صرخ بإسمي، بس كنت أخدت الطعنة التانية واترميت على الأرض. آخر حاجة سمعتها كان صوت سليم بينادي عليَّ وصوت الرصاص. بعدها ما عرفش حصل إيه، وصحيت لقيت نفسي هنا.


مكي: طب مش فاكرة أي حاجة تانية؟


ماسة وهي تمسح دموعها باستغراب: حاجة زي إيه؟


مكي بتوضيح: يعني خرجوا منين؟ حاجة حصلت وإنتوا في الطريق كانت غريبة عن كل مرة، حاجة من النوع ده.


ماسة وهي تهز رأسها بلا: الطريق كان عادي زي كل مرة بنروح عند الدكتورة وبنرجع، ولما خرجت من العربية ماكنتش في كامل الوعي، ما أعرفش العصابة دي خرجت منين كأن الأرض انشقت وخرجتهم.


فايزة وهي تنظر لهم بعقلانية وتحاول إبعاد تفكيرهم عن الحادثة إنها مدبرة بأي شكل: كده بانت الحادثة كانت عادية ودول كانوا مستنيينهم.


عزت برفض: استحالة! الحادثة دي مدبرة وكانت هي الخطة الأولى، ولما فشلت لجؤوا للخطة الثانية، بس إللي مش قادر أفهمه هو إزاي عرفوا إن سليم مع ماسة وما رحش الاجتماع؟


سعدية بدهاء: ما يمكن كانوا عاملين خطتين: حبة في الطريق بتاع الاجتماع وحبة في الطريق بتاع الدكتورة عشان لو سليم غير رأيه وراح مع ماسة للدكتورة، خطتهم ما تبوظش.


نظر لها الجميع، ويبدو أن الحديث طاب لهم، فردت عليها فريدة بتأييد.


فريدة: فعلاً ده الصح، وإللي يؤكد ده إن عددهم كان كبير، عاملين حسابهم إن الحراس ممكن يكونوا مع سليم، بس ليه خبطوا عربيته مادام كده كده ناوين يهاجموهم؟


عزت بعقلانية وذكاء: الخطة الأولى كانت مرسومة إنها حادثة تصادم عشان تبقى حادثة عادية بتحصل كل يوم، بس لما خرجوا بسلام لجأوا للخطة الثانية زي ما قولت. السؤال الأهم دلوقتي: مين دول؟ وعرفوا إزاي خط سير سليم؟ ومين إللي اتصل بالإسعاف؟ هو ده الخيط إللي هنمشي وراه.


وجه عزت نظراته لماسة قائلاً بلطف: ماسة، بكرة فيه ضابط هيجي يتكلم معاكي. اتكلمي معاه وقولي كل حاجة زي ما حكيتلي كده بالضبط.


فايزة بتعجب وهي تعقد حاجبيها: ومن إمتى بندخل الشرطة في أي حاجة تخصنا؟


عزت: عادي، ماسة عقدتها أكتر. طلعيلي معلومة، أو خط واحد ممكن نمشي وراه بعد كلامها! هي أكدت كل اللي أنا قولته: تعرضوا لحادثة مدبرة، ولما طلعوا أحياء حاولوا يقتلوهم.


مكي بجدية: أنا وإسماعيل بنحاول نوصل لأي حاجة بس مش قادرين. كل ما نمسك خيط يتقفل، محترفين وعارفين بيعملوا إيه. بس أنا شاكك إن الحريقة بتاعت الكشك كانت مرتبطة بالحادثة، إللي اتصل بالإسعاف كان من عنده أكيد، مش صدفة.


عزت وهو يهز رأسه ييأس: طبعاً مش صدفة. ده دليل عليهم لازم يتخلصوا منه. أنا حاسس إننا مش هنوصل لحاجة، والقضية هتتقيد ضد مجهول. هما لعبوها صح واتنفذت بحرفنة. (أكمل بإختناق) بقولكم إيه، أنا مش عايز أفكر في أي حاجة دلوقتي. إللي أنا مركز فيه دلوقتي وأتمناه إن سليم يفوق من الغيبوبة دي ويرجع يقف على رجليه مرة تانية. وساعتها هاقلب الدنيا عشان أعرف مين إللي عمل كده وأخليه يتمنى الموت علشان يترحم من إللي هاعمله فيه.


فريدة: بابي، بلاش الكلام ده هنا قدام ماسة هي لسة تعبانة.


توقفت ماسة بنبرة قوية تعكس مدى شعورها بنقمة الانتقام، وتحدثت باعتراض: لا يا فريدة، أنا عايزة أكون معاكم وإنتوا بتدوروا على إللي عمل فيا وفي سليم وفي بنتي كده. لازم أنتقم منهم ومن كل واحد حرمني من بنتي وخلى سليم بين الحياة والموت. لكن عزت باشا عنده حق، لازم نستنى لما سليم يفوق، هو ده الأهم. هو ده إللي لازم يهمنا الأول. بعدين هننتقم براحتنا علشان نعرف نفكر صح. سليم دايماً كان بيقول لي: المتعصب والغضبان والحزين دايماً أفكاره وقراراته بتكون غلط، لأنها نتيجة اضطراب وتشتت. بس لما بتهدي بتفكري صح وكل السكك المقفلة بتتفتح من غير تعب، وإحنا هنعمل كده.


نظر إليها عزت بدهشة، فهي تتحدث مثل سليم وبنفس طريقته، حتى في نظراته. ولما لا؟! فهو من رباها منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها، لا تعرف شيئًا عن هذه الحياة، فـسليم هو من أخذها خارج حدود القصر وواجهت هذا العالم المخيف، لكن تحت مراقبته وعينه. وقد كان لتأثير شخصية سليم عليها بالغ الأثر، وظهر هذا بوضوح شديد.


عزت معلقًا: بقيتي بتتكلمي زي سليم بالظبط، حاسس إن سليم واقف قصادي، حتى نظراته.


ماسة بثقة رفعت عينيها نحوه: ما أنا تربية سليم الراوي يا باشا، فطبيعي أكون شبهه.


عزت وهو يربت على كتفها بجبروت قال: وأنا أوعدك إني هاجيب إللي عمل فيكم كده وهارميه تحت رجلك يطلب الرحمة ودموع الندم مغرقاه.


كل هذا وفايزة تستمع إلى حديثهم، غارقة في أفكارها التي تعصف بخلايا عقلها باضطراب، والصداع الذي أصبح رفيقها الدائم منذ يوم الحادثة يزيدها إنهاكًا. كانت مرتعبة، تخشى أن يُكشف السر الذي يثقل كاهلها. لا تدري ما عليها فعله! هل تبوح بما حدث، علّ تلك المعلومة تقودهم إلى الفاعل الحقيقي؟ أم تلتزم الصمت، حفاظًا على نفسها وأولادها؟ فهي تدرك جيدًا أنهم سيكونون هالكين لا محالة إذا انكشف الأمر! وإن سامح عزت يومًا، فلن يغفر سليم أبدًا...


كانت في وضع شديد الصعوبة؛ بقبولها لهذه الجريمة، اختارت أن تغرس نفسها في الوحل، وعلمت أن الخروج منه لن يكون بلا خسائر. لكنها تدرك في أعماق قلبها أن هذا هو عقابها لموافقتها على قتل ماسة وترك رشدي ينفذ خطته، وهي على يقين من كم الكراهية والحقد المتأجج في قلبه تجاه سليم.


فايزة: طب أعتقد كفاية كده، أنا هاروح لسليم.


تركتهم وخرجت للخارج.


       الفصل التاسع والاربعون ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات