رواية حصونه المهلكة الفصل التاسع عشر 19 والعشرون 20 والواحد والعشرون 21 بقلم شيماء الجندي

رواية حصونه المهلكة

الفصل التاسع عشر 19 والعشرون 20 والواحد والعشرون 21

بقلم شيماء الجندي


بدأ الصداع يداهمها بقوة شديدة لتغلق الحاسوب و تنزع تلك الكارثه التي حولت يومها الجيد إلى أتعس يوم بحياتها أحكمت إغلاق العلبه و خبأتها بالكومود بجانبها و كأنها تخفيها عن أعينها المتورمه من فرط البكاء انتفضت بمحلها حين استمعت إلى تلك الطرقات أعلي الباب و أمسكت رأسها التي خذلتها و بدأت بالدوار زاغت عينيها و بدأت أنفاسها بالاضطراب و تلك السحابه السوداء تدور بقوه من حولها و تسحبها داخلها ليكون آخر ماتراه وجه أخيها المذعور الصارخ باسمها قبل أن تفقد وعيها


فتحت عينيها رويداً رويداً و هي ترمش تحاول استيعاب ما يحدث من حركه خفيفه حولها صوت وقع الأقدام المتعدده جعلها تفتح عينيها بذعر ومشاهد ذاك الفيديو تتكرر بمخيلتها عده مرات انتفضت للخلف و هي تقاوم دوارها تحاول النظر جيداً بالوجوه حولها وقد تنفست الصعداء حين لم تر وجهه بين الحاضرين هى لا تقوى على مقابلته أبدا بتلك اللحظات استجابت لأحضان أخيها و اندست داخلها بصمت و عقلها يعبث و يدور بتلك الكلمات التي نطق بها هل كان يرى امه بالواقع كما رأتها هى هكذا جسدها ينزف الدماء و تتعرض لتلك الضربات الوحشيه من أب انعدمت منه الرحمه ؟!!


كيف تخطى ذلك بعقله الطفولي الصغير ؟!! ليته كذب عليها تلك المره لكنه صادق ، تلك الدموع التي غسلت لحيته الكثيفة لا تكذب لكن ماذا يريد ، لما يطالبها بما يفوق طاقتها الآن ؟!! دست وجهها بأحضان أخيها و هي تشعر أنها بعالم آخر لا تستمع سوي إلي همهمات صادره عنهم و خاصه أخيها الذي يربت علي ظهرها و خصلاتها برفق و هدوء و في الغالب يسألها عن حالها لكنها بأسوأ حال ، تلك القبضه تشتد علي صدرها تكاد تخنقها لم تتخيل يوما أن يتحول عالمها الوردي لعالم بتلك القسوه ، تشوشت أفكارها الآن لتفيق علي يد أخيها يرفع ذقنها بلطف هامسا لها :


أسيف حبيبتي يزيد بيكلمك


رفعت عينيها إليه ثم نظرت إلى يزيد بصمت قاتل اقلقه و وتره لحظات قبل أن يتقدم يجلس أعلي الفراش قائلاً بصوته الهادئ :


أسيف أنت عارفه إنك مش مجبره على الارتباط بيا لو هيوصلك لكده ؟!!


تجمعت الدموع بعينيها الجميله وقد ضلت سبيلها تماماً لتوضيح ما حدث و أنه لا علاقه له بالأمر ، عضت علي شفتيها و هي تعتدل بجسدها لتستقيم أعلى الفراش ثم نظرت إلي عمتها التي تجاورها بصمت و اقتربت من أذنها تهمس لها بكلمات مقتضبه لتقف العمه متجه إلى غرفه الملابس بهدوء و تنظر "أسيف" أرضاً مطلقه تنهیده بارهاق و هي تهمس بخجل :


اسفه یا یزید مكنتش عاوزه ابوظ عليك اليوم ده بس أنا سهرت للصبح علي شغل و .. و غالبا حصلي ارق او حاجه كده .. بس أنا مش عاوزاك تفكر إنك السبب


عادت العمه و هى تعطيها تلك العلبه المخملية بهدوء لتفتحها "أسيف" و تتناول منها خواتم الخطبه بهدوء تمد يدها إلي "يزيد" بهما مكمله أمام نظرات الجميع المشدوهه


انا بوظت الحفله عليك لكن أكيد مش هبوط الخطوبه


دعوه صريحه منها بالموافقه عليه بكامل إرادتها نظرت إلي شقيقها بتساؤل حين شعرت بذلك الصمت الذي غلف الأجواء

ليتنهد مبتسماً لها بهدوء و يتولي "يزيد" وضع الخاتم بإصبعها بلطف بالغ لتفعل مثله بهدوء و هي تعود إلى أحضان أخيها تسمع همس ابن عمها لعمتها :


عليا النعمه دي أغرب خطوبه حصلت في العالم دى لو اتصورت و نزلت سوشيال تخرب الدنيا


كبتت العمه ابتسامتها و هي تلكزه هامسه :


اخرس يا نائل مش وقتك


عادت إلى شرودها و لكنها أغمضت عينيها بارهاق و إعلان أنها مريضه تحتاج إلي الراحه ، كاد "تيم" أن يتركها لكنها تشبثت به بقوة رافضه تركه عله يُهدئ من روعها و يخفي شتاتها ، عقد حاجبيه و هو يهمس لها :


- أسيف حبيبتي أنت بخير ؟!!


هزت رأسها بالإيجاب و هي تهمهم ثم دست رأسها بجسده بصمت تام لتغفو تلك المره بإرادتها


أحياناً يكون الهروب من الواقع أفضل الحلول بأعيننا لكنه يظل واقعنا مهما فعلنا ، و حين نعود نكون ذات أرواح مرهقه تبحث عن السلام بعالم الضباب


*


يصول ويجول بالغرفه و هو يحاول ضبط أنفاسه المضطربه منتظراً ابن عمه الذي طالت جلسته معهم ، لما تستغرق افاقتها تلك الفتره ؟!! زفر بارهاق و كاد أن ينصرف إليهم لكن دخول ابن عمه عليه بهدوء جعله يتجه إليه بلهفه قائلاً بقلق واضح :فاقت ؟!! بقيت تمام ؟!!


اندهش "نائل" من أسلوبه الغريب عليه إن اقسم أحدهم أنه سوف يرى ابن العم بتلك اللهفه على امرأه لكذبه في الحال ، هو لا يصدق أنه ابن العم الصارم أبدا ، هز رأسه بالإيجاب حين قرأ القلق يأكل مقلتيه و حمحم قائلاً :


اه فاقت و اتخطبت ...


ثم اتسعت عينيه من تسرعه الاهوج و رفع يديه أمام وجه ابن عمه المصدوم يهمس له باضطراب و توتر :


مكنش لازم اقولها كده صح .. بس أنا نفسى مش مصدق دي فتحت عينيها طلبت الدبلتين ولبسوهم أنت كنت حاطط ايه في الفلاشه كنت بتشجعها علي الخطوبه و لا ايه ؟!


انهي كلماته ابتسامه سخيفه استقبلها الآخر بصمت و غامت عينيه بوجع ابتعد عنه و هو يتجه إلي شرفته قائلاً بصوت اجش :


تمام ! سيبني لوحدي يانائل


احتل الحزن وجه ابن عمه على حالته لكنه فضل الانصياع له و ترکه بمفرده و انسحب من الغرفه تاركاً اياه بمفرده


وقف "فهد" يطالع شرفتها بصمت لا يشعر بالغضب حيال فعلتها شعور الوجع بداخله مؤلم هو لأول مره يقص ما يجيش بصدره لأحدهم لأول مره يفصح عن أوجاع الماضي و ندباته بدموع عينيه ، ليتها كانت معه ، ليته عرفها منذ زمن ؛ لاختلف الأمر بالتأكيد ليتها لم تكن ابنه العم ابدااا ، تلك المراره التى يتجرعها الآن مؤلمه موحشه ، هو يريد غفرانها اكثر من اى شيئ بالحياه يريد النظرات البريئه التي كانت تندلع من مقلتيها الجميله و لم يقدرها حق قدرها ، عله يمتلك ذاكرتها بيديه ، عله يستطيع محو ماضيها و ماضيه !!!


جفف تلك الدمعات التي لمعت علي صدغيه ثم تنهد و هو يرى الطبيب المعالج ذو القدر الذي لم يستطع أخذه بقلبها يقلع بسيارته الآن ، ضيق عينيه لحظات قبل أن ينصرف إلي غرفته و منها إلى غرفه الملابس يخرج ذلك الصندوق المخملي المتوسط الحجم متجهاً به إلى فراشه ثم جلس فوق الأرضية البارده بجانب الفراش يضعه جانباً و هو يعبث بأصابعه بالأرقام ليفتح الصندوق الذي يحمل عبق الذكريات ، يحمل طيات الماضى المؤلم ، الذي لم يترك له سوى ذكرى تنبش بجراحه و تعبث بها لتؤلمه ، فتح إحدى الأوراق المطويه و التي كانت ذا رقم محدد من الخارج اختاره بعنايه و بدأ بقرأتها بصوت متحشرج باك كالأطفال يتأمل خطها الرقيق الذي رسم الحروف ببراعه :


حبيبي فهد ، ابني الجميل العاقل ، تعرف أنا مكنتش حابه الاسم ده فى الأول باباك اللى اختاره ، لأن قالولي كل واحد ليه نصيب من اسمه خوفت تاخد طباع الفهد و هفضل خايفه عليك ، بس كل ما بتكبر قصادى و بحبك حبيت الاسم معاك و مبقتش قلقانه عليك منه ، بصراحه اطمنت عليك لما شوفت الرحمه في تصرفاتك ، مش عارفه لما هتشوف كلامي ده هتبقى قد ايه بس لو ماشي على الورق اللى معاك هتبقي أكيد كبرت و قربت تتجوز ، و أنا عندي كلام كتير اقولهولك و أنت متجوز مش عارفه بكتب ليه بس احساسي إنى مش هبقي معاك خوفني و لو هبقي معاك مش مشكله أنا بتسلي و بضيع وقتي معاك و مفيش احلى من كلامي معاك ، تعرف أنت قاعد قدامي دلوقت بتبصلى بعيونك الجميله و تبتسم و أنا بتخيلك كبير و هكلمك علي إنك راجل عاقل مش عارفه ليه بس ده شعوري و همشي وراه زي ما اتعودت ، نفسي ابقي معاك و اشوف البنت اللي هتاخد أجمل راجل في الدنيا شكلها ايه ، هتكبر و هتبقي راجل جميل أنا متأكدة ، هتحب مراتك و تخاف عليها يا ابني مش هتأذيها و لا تيجي عليها أنا واثقه في رحمتك ، واثقه فيك يافهد و أوعى تخذل ثقتي ، و متأكده إنك هتختار شريكتك صح ، و هيبقي عندك أطفال حلوين هتحبهم و تخاف عليهم زي ما بتحب امهم و زي مانا بحبك أوي كده ، و أنت قاعد قدامي دلوقت حاسه إن الدنيا كلها بين ايديا يا حبيبي ، و أنت هتشوف الاحساس ده أنا متأكده ، و لو أنت بتقرأ الورقه دي يبقي أنا أكيد ربنا افتكرني ، بس أنا معاك بروحي يا حبيبي معاك و قلبي معاك بيحس بيك لما بتخاف أو تفرح أو تزعل ، امبارح كنت نايم في حضنى و بتقولي هما الكبار كلهم زي بابا ؟! و أنا معرفتش ارد معرفتش اقولك ايه ، بس أنت مش زي أبوك أبدا ياحبيبي أنت ملاكي و هتفضل جميل كده هتفضل حنين و بتخاف على قلوب اللي حواليك ، أنا خايفه تتغير عشان كده هقولك نصیحتى يمكن تحتاجها فى الوقت ده ، مفيش حاجه اسمها الوقت عدي و الغلط خلاص مش هيتغير لا ياحبيبي طول ما فيك نفس حاول و حاول علي قد ما تقدر ما تظلمش يا بنى الظلم ظلمات و أنا خايفه عليك تقع فيه ، يمكن كلامي ليك ملغبط ، بس أنا خايفه و مش عارفه أنت حالتك ايه دلوقت و أنت بتقرأ كلامى لكن اللى عارفاه و متأكده منه إني معاك بروحي و هتفضل روحي ملازماك يا حبيبي


أغلق الورقه و هو يجهش ببكاء مرير واضعاً يده أعلى قلبه و هو يضغط بقوه عليه و قد عجز عن إيقاف تلك الدموع اللعينه التي تأكل من روحه كان بحاجه إلي النصح و لجأ إلى صندوقه الخاص لكنه الآن بحاجه إلى أحضان ؛ أحضان تحتويه كأمه الجميله الحنون ليته لم يفتح الصندوق ليته لم يفعل ، ليته لم يدنس روحه قبل روحها ليته ظل ذاك الملاك الذي تحدثت عنه الأم

لم أعد ذلك الملاك يا أمى قد دنستنى الدنيا بخطاياها و التهمت روحى الأوجاع ، لقد هشمت بين رحايا الحياه لأصبح ما أنا عليه الآن ، لأصبح القاسى بروايتهم و الظالم بحياتهم و المدنس لروحها تلك الجميله التي أحببتها


افترش الأرض الصلبه بجسده و هو يحتضن تلك الورقة مغمضاً عينيه و دموعه تزين وجهه كالطفل الذي هشمت لعبته و احتضنها خالداً إلى نومه


_*_


استيقظت "أسيف" صباحاً و هي تشعر بالارهاق بجميع أنحاء جسدها نظرت إلى أخيها المستغرق بنومه لتقبل رأسه بهدوء و هى تستقيم معتدله خارج الفراش وقعت عينيها على ذاك الخاتم الذي زين إصبعها لتغمض عينيها تحاول ضبط أنفاسها و هي تنفض رأسها عن تلك المشاهد التي تتكرر بعقلها متجهه إلى المرحاض لتنعم بجلسه استحمام دافئه ترحم عظامها المتألمه


خرجت من جناحها واتجهت إلى الأسفل و هي تعبث بمحتويات حقيبتها الصغيره باحثه عن مفتاح سيارتها ، كادت تصرخ بفزع حين وجدته أمامها يحدق بها بأعينه الرمادية المرهقه ، بللت شفتيها و هي تتذكر هيئته المماثله قليلاً لذلك بمشاهد أمس عضت على شفتيها و تلفتت حولها لتجد الخدم بكل الارجاء يباشرون أعمالهم ، حاولت ضبط أنفاسها و هي تعتدل بوقفتها لتنصرف من جهه أخرى قبل أن يحاصرها بكلماته لكن قد فات الأوان قد فعل !!!! استمعت إلى تنهيدته ثم صوته المتألم بوضوح يهمس لها مشيراً بعينيه إلي إصبع يدها اليمنى :


- مبروك !!!

لم تجيبه إنما حدقت بعينيه لحظات و هي تحاول الفرار و الابتعاد ليكمل و هو يسد عليها طريقها بجسده قائلاً :


- شوفتي الفيديو أكيد ، أسيف أنا حقيقي مش عايز غير انك تسامحيني ، أنا عارف انه صعب لكن دي شهور عدت و أنا خوفت أقرب منك في فتره علاجك ، أنا عمري ما اترجيت حد كده ، أنا مكنتش في وعيي كنت مريض و اتعالجت .. عمري ما عملت كده مع حد و...


قاطعته بغضب والدموع تلتمع بعينيها الجميله قائله بقهر :


بس عملته معايا ، أنا عمري ما هسامحك و لا هنسي اللى عملته فيااا


حدق بها بحزن ثم قال متسائلاً بغضب طفيف :


اومال اتعالجتي ازاي يا اسيف ، هتكملي ازاي مع راجل تاني وانت مش قادره تنسي اللي حصل هاا ؟!!


ارتفع صدرها و هبط بتوتر بالغ و أوشكت علي البكاء أمام سیل اصراره لتهمس بارهاق :


دي حاجه تخصني ، سيبني في حالي بقااا ، مانا سيبتك عاوز مني ايه


اقترب منها يهمس بوجع مماثل و هي تقطع نياط قلبه بنبرتها المرهقه .. لتبتعد عنه في الحال قائلاً :


- عاوزك تسامحيني يا أسيف ، أنت لفيتي سلاسل حوالين رقبتي و بتتحكمي فيها ، عاوزك تغفري يا أسيف

وقفت "أسيف" تحدق باندهاش بتلك الشقه التي لأول مره تراها مفتوحه منذ أن بدأت عملها هنا ، ابتلعت رمقها بتوتر طفيف ثم اتجهت إلى مرسمها تدلف إليه و مقلتيها تحاول تفقد الحركه بالداخل


علت وجهه بسمه صغيره حين راقب وصولها من الزجاج مستمعاً إلى صوت ابن عمه الحاسد :


ياسا اتر على الحظ ماشيه معاك عنب تشوف شقه قريبه من المرسم تقوم تلاقى اللي في وشه على طول فاضيه ، صحيح دنیا حظوظ


اعتدل "فهد" و هو يرمقه بنظرات مستحقره ثم جذبه إليه من قميصه يقول بغضب :


حظوظ إيه يلااا أنت مش شايف المرار اللي أنا فيه بتحسدني علي إيه هاا ؟!!


ابتسم بسماجه و هو يردد :


و مين جبرك علي المرار ده روح شوفلك واحده تاني و ريح دماغك


خرجت الكلمات تلقائياً منه :


ياريت اقدر ...


ثم أمسك تلابيب ابن عمه وقربه إليه يقول بغضب :


- أنا لو أسيف ما سامحتنيش هقتلك و اقتلها و اقتل نفسی

اتسعت عيني "نائل" من جديه ابن عمه و قال بخوف :


طيب دي مشكله بينك وبينها تقتلوا بعض عادي أنا ممكن افهم هموت ليه في النص ؟!!


قربه إليه أكثر صارخاً به :


- عشان كنت معايااااا و فشلت في مساعدتييييي !!!!


انتفض ابن عمه و هز رأسه بالسلب و هو يقول بتوتر :


- ربنا ما يجيب فشل ياكبير أنا معاك و هننجح كلنا إن شاء الله و أسيف ربنا هيهديها علينا كلنا ممكن تسيب القميص بقي عشان اروح لها أعرفها بجيرانها الجداد ؟!!


تركه لينصرف من أمامه مسرعاً وتعتلي البسمه وجهه فور خروجه ثم اخرج هاتفه يطمئن على حال شقيقته قبل ان يبدأ يومه معهاااا.....

🫂🫂🫂🫂🫂

 أغلقت الباب بإحكام خلفها ثم اتجهت إلى مكتبها تعبث بهاتفها لحظات قبل أن تضع سماعات أذنيها الخاصه و تفتح هاتفها على تلك المشاهد المخزيه لذلك الطفل البريء وتلك سيده الوقور التي احطت من شأنها بلا داع .. و دون أن تشعر سالت دموعها و هي لا تصدق إلى الآن أن ذلك الطفل الصغير الواقف بزاويه ما يبكي بعنف و قهر هو ذلك الفهد المفترس الذي نهش برائتها و افترسها بعنف ضاری متوحش


أغمضت عينيها و هي تتذكر ذلك الكابوس بالأمس الذي لم يتركها و شأنها حيث ذلك الطفل الصغير المقيد بالأغلال يبكي و يصرخ مستغيثاً بها و هي تطالعه بأعين باكيه عاجزه تحاول فك قيدها لتتجه إليه لكنها فشلت مرة ومرة و هى تشعر بتلك القيود تشتد عليها كلما حاولت ؛ ليزحف الطفل إليها و نهر دموعه يغرق وجنتيه الجميله فور تدفقه من رماديتيه يحاول مد يديه إليها والاستغاثه بها مره أخرى و لكنها كما هي عاجزه تماما تبكي بقهر لحاله ذاك البرئ


مؤلم ذلك الشعور حين مددت يديك لأنتشلك من أوجاعك و لكن كيف و أنا المكلومه ذات القلب الجريح هل لي أن اعاونك ؟!!


أنا لا أميل للعزله والإنطواء بل أميل لإرضاء ذاتي الجائعه للهدوء و استعاده سلامها ... أميل إلى الإكتفاء بها تجنباً للخيبات ليس إلا


حاولت تنظيم أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط بقوه إثر تلك الشقهات التي تندلع من شفتيها الجميله انتشرت الحمره لتكسو وجنتيها و أنفها الصغير ، بدت كطفلة صغيره حائره لا تعلم ما السبيل لإرضاء ذاتها كيف لها أن تتصرف الآن ؟!! هي لا تستطيع العفو عن الفهد القاسي و لن تفعلها لكن ماذا عن ذاك الصغير داخله الذي يناجيها منذ أمس ، كيف له أن يتحمل ما رآه وهو لازال طفل صغير يفتقر المحبه والتآلف ، لقد نشأ نشأه خاطئه ليست سويه بالمره و ذاك كله نتيجه أب مريض اعتبر نفسه من الآلهه يُحيي هذا و يقتل هذه شن محكمته على الجميع وكان القاضي و الجلاد


انتفضت بمحلها حين وصلت إليها طرقات أعلي الباب الزجاجي

الخاص بالمكان لتمسح عينيها بسرعه و هى تغلق هاتفها تحاول هندمه ثيابها والاعتدال لتتسع عينيها حين وجدت أخاها يطالعها باندهاش من خلف الزجاج ابتلعت تلك الغصه بحلقها واتجهت إلي الباب تدير المفتاح بهدوء وهي تنظر له اثناء عبثها بخصلاتها لتغطي بها إحدي عينيها المنتفخة إثر نحيبها و هطول دموعها


فتحت الباب ليدلف "تيم" ناظراً إليها بدهشه و هو يقول بصدمه جليه علي ملامح وجهه المستاء :


ايه ده يا أسيف ؟!! مالك ؟!! و قافله على نفسك ليه حصل ايه ؟!!


حمحمت و هي تحاول السيطره علي حروفها و نبرتها و قالت بهدوء :


فيه ايه ياتيم أنا لسه واصله من شويه و حبيت بس اعمل شويه حاجات قبل دوشه الشغل و قبل ما تيجي فرح ...


عقد حاجبيه وهو يُمسك يدها بهدوء متجهاً بها إلى الأريكة يجلس و هي بجانبها دست نفسها بأحضانه هاربه من نظراته التي تحاول استنباط حالتها ليقول بتساؤل :


فرح اللي كانت ساكنه في العماره اللي قعدنا فيها ؟!!


هزت رأسها بالإيجاب و هي تهمهم بهدوء تمسح تلك الدمعات العالقه بأهدابها بأطراف أصابعها لتجد يده ارتفعت إلى خصلاتها يربت عليها بلطف و هو يتساءل بحزن :


- مالك يا حبيبتي من امبارح مش عاوز اتكلم عشان يزيد كان موجود و العيله كلها كانت حوالينا ، مش هتحيكلي و احنا لوحدنا برضه ؟!! أنت عاوزه يزيد يا أسيف متأكده ؟!


تنهدت بضيق شديد هى لا تريد أسئلة ألا يكفي عقلها الذي لا يرحمها منذ أن دفع إليها بتلك المشاهد الداميه التي شنت حرب بعقلها تعيد عليها ذكرياتها معه .. كيف لها أن تشارك أخاها ما رأته

هو رغم كل شيئ ائتمنها على سره و الذي أوضح كم هو نفيس لديه هل لها أن تفشى عنه وتفضح أمره ؟!! لكنها حائره مرهقه للغايه اعتدلت بجسدها و هي تحدق لحظات بشقيقيها المنتظر إجابتها ثم بللت شفتيها و هي تهمس بصوت مبحوح متوتر :


تيم هو انا بقيت وحشه ؟! يعني .. | .. يعني لو في حاجه كنت بعملها بسهوله زمان و دلوقت مش عارفه اعملها .. ده معناه إني اتغيرت للأوحش ؟!! يعني لو مش قادره اعمل ده .. أنت فا اهمنی ؟!!


اعتدل بجسده ليقابلها بجلسته فور أن رأي تلك الدموع تلمع بمقلتيها الحائره ليمسك كتفيها بقبضتيه يضغط عليهما برفق و هو يقول بهدوء :


- ممكن تهدي حبيبتي أنا بحاول افهمك .. تحبي اكلم يزيد ...


ارتفعت رأسها تهتف بسرعه و أعين متسعه :


لا بلاش يزيد ...


ضيق "تيم" عينيه يطالعها باندهاش يصرخ من مقلتيه لتضع خصلاتها خلف أذنيها وهى تدحرج رماديتيها بالأرجاء بتوتر طفيف تهمس موضحه بخجل :


- أصل انا اتعالجت خلاص يعني مش حابه المعامله بینی و بینه تبقي .. دكتور ومريض .. يعني .. خلاص يا تيم اعتبرني مقولتش حاجه


نکست رأسها بهدوء و كادت أن تستقيم بوقفتها لكنه أمسك يديها بلطف و هو يقول بهدوء يمد أنامله ليضع تلك الخصلات الشارده خلف أذنيها :


- أنت عاوزه تسامحيه يا أسيف ؟!!

ارتفعت مقلتيها علي الفور وتحولت إلى الغضب و هي تردف بتشنج واضح و اقتضاب :


- قصدك مين ؟!!!


تنهد و هو يهز رأسه بالسلب موضحاً بنبره صارمه طفيفه :


- أنت عارفه قصدي مين !!! عاوزه تسامحي فهد يا أسيف و ده اللي موترك من امبارح طيب و يزيد ايه دوره في حياتك قبلتي الخطوبه ليبيه ؟!!


دمعت عينيها حين وجدته يحدثها بما تخشاه هكذا بوضوح بل ويريد إجابات أيضاً لم يكن عليها أن تثير جدل بتلك النقطه تحديداً معه الآن رق قلبه حين رأي تلك الحيره مره أخرى تندلع من مقلتيها ليقربها إليه محتضناً إياها يقول بهدوء :


أسيف حبيبتي أنت عارفه أنا بحبك قد إيه و خايف عليك ازاي مش عايزك تفضلي حيرانه كده أنا حاسس بيك من امبارح و جايلك هنا مخصوص عشان نبقي لوحدنا وتبقي براحتك مش عشان اضغط عليك يا حبيبتي ، أنا واثق فيك و في اختياراتك وخليك متأكده مهما كان اختيارك عمرى ما هتخلي عنك فمتخافيش أنا في ضهرك دايما


أحاطت خصره بقوه و دفنت وجهها بعنقه تستمد قوتها و طاقتها من ذلك الرجل الذي برع بأداء دور الأب لها فكان نعم العوض و خير سند لم يكن يوماً ثقل عليها أو على روحها ، دست جسدها به بقوة ليبتسم رابتاً علي خصلاتها بلطف و هو يشعر بتلك الراحه التي تسللت لقلبها الصغير هى ليست بحاجه إلى نصحه الآن هي بحاجه لدعمه و هو بارع بذلك قبل خصلاتها لتهمس له بنبره خافته :


- أنا بحبك أوي ياتيم


همس لها و هو يشدد من ذراعيه حولها :

و انا بحبك اكثر يا قلب اخوك


84


للرجال شيم رأيتها حين غلفني أبى بأحضانه يهمس لي أن كل شيئ علي مايرام و تأكدت منها حين حاوطني أخي بذراعيه يعلمني كيف يكون السند و أحبتتها حين رأيتك تراقب ما أنقصني منهما لتجرعني كأس المحبه بيديك


أنا تلك الطفله التائهه الشاردة التي تلاعب بها القدر لتسقط و تقف علي أرض صلبه أقوي من ذي قبل ، أنا تلك التي تأملتم ضعفها ذات يوماً بابتسامه ساخرة ؛ اشتد عودی و صنعت قوتى من بقايا ضعفي لأتأملكم الآن بابتسامه انتصارى علي ضعف نفوسكم الباليه !


*


عاد "نائل" على الفور إلى ذاك الفهد الذي وقف مندهشاً من سرعه عودته و أردف بصدمه :


ايه ده لحقت تعرفها ؟!!


نظر "نائل" حوله بتوتر وأغلق الباب جيداً خلفه و هو يسرع إلى زر الستائر الإلكتروني يغلقه و هو يردف بابتسامه سمجه :


لا في الحقيقه ، احم احم مروحتش اصلااا


رفع "فهد" إحدى حاجبيه و هو يحدق به بغضب شديد لتندلع النظرات القاسيه من عينيه فاتسعت أعين "نائل" و هو يتقهقر عنه صارخاً به بغضب :


ياعم أنت بتبصلي كده ليبيه حرام عليك الرعب اللى معيشني فيه ده ... كان يوم أسود يوم ماشوفتكمم


انقض عليه "فهد" يقيد حركته و هو ينظر إليه بغضب هامسا بصرامه :


!!!!!مروحتش

ابتلع رمقه و هو ينظر بخوف للباب قائلاً بارهاق :


- هي موته و لا أكثر ؟!! لو أنت سيبتني تيم هيقتلني علي اللي بهببه منكم لله يا ولاد البراري واحد واحد إلا سوفى الغلبانه


اعتدل "فهد" و هو يعدله مضيقاً عينيه يردف بدهشه :


هو تيم هنا ؟!! هي كلمته ؟!!


وقف "نائل" يعدل من هندامه وهو يردف بغيظ واضح :


84


و أنا اعرف منين كلمته و لا لا مش متلقح معاك هناا .. و بعدين شكل كلامهم مهم اصل الصوت واطى و معرفتش اسمع


لم يستطع "فهد" كبح ضحكاته التي انطلقت تملأ الارجاء و هو يردف من بينها :


أنت زعلان عشان معرفتش تتصنت عليهم ؟!!!


ابتسم "نائل" و هو يحمحم قائلاً :


احم احم لا يعني كنت حابب اساعدك اكيد


نظر إليه "فهد" رافعاً إحدي حاجبيه بسخرية واضحه ثم أردف ببرود و هو يمسكه من تلابيبه :


- و أنت بقي جاي فاكرنا هنستخبي لحد ما البيه يمشى ؟!!


أمسك "نائل" يديه و هو يردف بنفاذ صبر و قلق :


ياااعم ارحمني بقااا أنت بتتحول مش كنت لسه بتضحك ، أنت یعنی مش عارف أن تيم مش بيطيق يشوف وشك ؟!!


نظر بخوف إلى نظراته الثاقبة الصارمه و أردف مصححاً :اقصد يعني مفيش بينكم توافق ... ايه ده صوت عربيه تیم اهوه ده


مشي ، بعد أذنك بقال أشوف سوفي


أمسك "فهد" فكيه بغضب و هو يردف من بين أسنانه بعنف :


اسمها أسيف


هز رأسه بالإيجاب علي الفور و هو يعتدل مبتعدا عنه بخطوات غاضبه يهمس لنفسه بغضب :


الله يلعنكم عيله معفنه


*


على الجانب الآخر


وقفت "أسيف" و هي تتجه مع أخيها إلى الباب لتودعه إلى عمله دلفت حينها "فرح" و هي تلتقط أنفاسها واضعه يدها أعلي صدرها تنظر أرضاً تتفقد حذائها تقول بحماس لطيف و هي : ترفع بوجههم تلك الحقيبه التي تحوي علب الطعام داخلها :


- أسفه اتأخرت عليك أكيد جعانه


اتسعت عينيها بخجل حين دفعت الكيس إلى صدره الصلب و هي تعتقد أن "أسيف" من تقف أمامها لتصيح بصدمه :


ايه ده تیم والله ما اخدتش بالي أنا أسفه جدااا


ابتسم بهدوء لها و هو يتناوله منها واضعاً اياه أعلى المنضده المجاورة و هو يقول بلطف حاسم :


- و لا يهمك مفيش مشكله


ابتسمت له بخجل و هي تعتذر مره أخري :لا ازاي ده الحمد لله أنه جوا الكيس كان زمانك بتدعى عليا أسفه ليك جداا


احتفظ بابتسامته اللطيفه هو يردف بعقلانية و لطف :


- متقلقيش مفيش حاجه حصلت لكل ده هسيبكم مع بعض بقااا


ثم مال على شقيقته يُقبل وجنتيها و اعتدل واقفاً يعدل من سترته و قد ولى خارجاً ينصرف إلى أعماله ، تبعته أعين "فرح" لتقول فور ابتعاده بحزن :


دلوقت يقول عليا هبله


نظرت لها "أسيف" بهدوء و هي تقول :


فرح أنت عارفه تجربه تيم كان شكلها إيه ليه تعلقى نفسك بيه ؟!! متزعليش منى أنتِ صحبتي وعشان بحبك بقولك تيم مشواره صعب شويه عليك


نکست رأسها بحزن و هي تزيح خصلاتها خلف أذنها تقول لها بخجل :


و هو بمزاجي يا أسيف ، أنا عارفه إنها تجربه صعبه و بصراحه كنت خايفه أعرفك مشاعري عشان ماتحسيش إني بكرر عليك زعلك بس بجد مش بإيديا


تنهدت "أسيف" و هي تبتسم بسخرية من تلك الصديقه التي وثقت بها يوماً و ما كانت بالنسبه لها سوي سلم ترتقى درجاته لتنال رغباتها فقط .. شتان بينها و بين تلك الجميله التي دعمتها بأسوأ وقت لها و أصبحت صديقه لها بوقت كانت تخشي به الجميع بل و ظلت تكتم مشاعرها بخجل إلى أن لاحظت ذلك هي و استدرجتها بالحديث .. على عكس الأخرى تماماً ...أفاقت على يد "فرح" الصغيره فوق كتفها تهزها بلطف و تعتذر بخجل :


أنا شكلي بوظت الدنيا أسفه


ابتسمت بلطف و هى تهز رأسها بالسلب قائله بهدوء :


- لا مفيش حاجه شوفي بقا هتفتحي العلب ولا إيه انا جعانه اوي ، هتتحاسبي علي تأخيرك ده


ضحكت "فرح" و انصرفت تلبي رغبه صديقتها تغيب داخل ذاك المطبخ تعد وجبه فطورهم


كادت أن تجلس ليرتفع صوت تعرفه جيداً صارخا بحماس


- سووووفي !!! حبيبه الكل أنا جيتتت


اتسعت مقلتيها تحدق به بصدمه تقول باندهاش :


هو ايه الحكايه النهارده تیم لسه ماشي


نظر إليها باندهاش مصطنع و هو يقول :


معقوله ايه ده تيم كان هنا أنا محدش قال ليه .


رفعت كتفيها و حدقت باندهاش تقول :


- محدش قالك ايه يا ابني أنت بتقول ايه ؟!! أنت كنت عايزه يعني ؟!!


نظر إليها بصمت لحظات لتهتف بسأم و إرهاق :


بقولك ايه يا نائل بتعمل ايه هنا خلص ، انا مش فاضيه


ابتسم بسماجه و برود و هو يقول بسخريه :اه طبعا بقيتي سيده اعمال و مش عارفه حتى تبصي على ابن عمك الغلبان اللى بيفتح قدامك جيم و أنت ولا معبراه


اندهشت ثم حدقت به بصدمه و أعين متسعه و هی تردف :


هو أنت اللي اخدت المكان ده ؟!! لا لحظه كده جيم !!! جيم إيه اللي فتحته أنت مقولتليش خالص إنك ناوي تعمل كده اصلا ؟!!


نظر إلى أظافره يتلاعب بها قائلاً بتوتر طفيف :


اه ما هو اصل كل حاجه جت فجأه يعني فكرت في الصبح وعملته من شويه


حدقت به بصدمه أشد من ذي قبل و هي تقول :


- أنت بتقول ايه يا نائل أنت كويس يا ابني ؟!!


نظر لها بحزن و هو يقول بغضب و ملامح مكفهره :


ايه يا أسيف ده بدل ما تقوليلي مبروك ؟!!


هزت رأسها بارهاق تقول بلهجه غاضبه :


نائل قول من الآخر عملت إيه عدل أنا مش فاهمه كلمه منك ؟!!


أردف مسرعاً بلهجه مقتضبه :


- بقولك ايه المكان اللي قدامك ده أنا اخذته الصبح هعمله جيم كده تمام واضح کلامی و لا مش واضح ؟!! الأجهزة هتوصلني على بكره الصبح كده ، يعني هتلاقيني على بكره بدير الجيم بتاعي قصادك


يا اسوفي يا اقمر ، كده تمام مفهوم الكلام ولا ايه ؟!!!


تساءلت بصدمه :


طيب وشغلك ؟!! هتسيب الشركات ؟! عمو مراد عارف الكلام ده و طيب وشغلك ؟!! هتسيب الشركات ؟! عمو مراد عارف الكلام ده و وافق عليه ؟!!


أردف مسرعاً و هو يصيح بوجهها :


- لاااا و اوعي تقوليله


عقدت حاجبيها و قالت بغضب :


مش هتبطل عمايلك دي ؟!! لازم تقوله دي مش خروجه هخبی عليك فيها


زفر بنفاذ صبر و هو يقول بحزن بعد أن القي بثقل جسده فوق الأريكة :


والله حرام اللي بيحصل فيا ده


رق قلبها له و جلست مقابله و هي تردف بتوتر ظناً منها أنه حزن من كلماتها :


طيب فهمني عاوز تخبي عليه ليه ...


هز رأسه بحزن وهو يردف بتلقائيه :


عشان ف..


اتسعت مقلتيه وتوتر حين أدرك أنه كاد يفشي أمرهم لهاا ليضيق عينيه ناظراً إليها ساخراً داخله من تلك النبره التي تملكها تلك الجميله التي تجعل الجميع ملك لهاا كيف لذلك الفهد أن يضيعها من يديه ! من حقه أن يعض أنامله من الندم .. ليقول متنهدا و هو يستنشق تلك الرائحه الشهيه :


- عشان في كذا ترتيب هعمله الأول ، هي ريحه الأكل دي هنا ؟!!!

ابتسمت "أسيف" لأسلوبه و قالت وهي تهز رأسها بيأس منه :


اه جعان ؟!!


هتف مسرعاً :


ده انا هموووت من الجوع


84


خرجت "فرح" بذاك التوقيت تحديداً لتتسع عينيه من تلك الفاتنه التي طلت عليهم بفستانها الأرزق القصير حيث يصل إلى ركبتيها مظهراً قوامها الممشوق ليرفع عينيه ببطء إلى تلك الخصلات التي لملمتها جانباً برقه ناسبت ملامحها الجميله البريئه ، تأوه حين تلقي لكزه من يد ابنه العم تردف بغضب ناظره إليه بتحذير :


نائل دي فرح صاحبتي ... و ده نائل ابن عمي مراد يا فرح


ابتسمت له تومئ بتحيه خفيفه من رأسها و هي تضع فطورهم علي المنضده الخشبيه هامسه بهدوء :


اهلا يا نائل


ابتسم و هو يعتدل قائلاً بصوت أجش :


يا مليون أهلا ، تعرفي يا فرح إني بحب الفرح اوووي


كتمت "أسيف" ضحكاتها علي حديثه وتلون وجه "فرح" بخجل شديد وهي تردف بتوتر ناظره لأسيف :


- أنا هعمل مكالمه مهمه و اجي يا أسيف


لتتسع أعين "أسيف" حين وجدت ابن عمها ينصرف خلفها يتشدق قائلاً :


طيب أنا افتكرت مشوار مهم هعمله و اجي .. سلااام ....

🫂🫂🫂🫂🫂

اتسعت عينيها حين وجدته واقفاً أمامها يطالعها بنظرات هادئه فور انصراف صديقتها يستند إلى مكتبها يعقد ذراعيه المفتولتين أمام صدره الذي برز بوضوح من قميصه الذي ناسب بنيته الرياضيه كثيرا ، اتسعت عينيها بتوتر و هي تقف تلقائياً تعود بجسدها إلي الخلف بوضع استعدادي للركض وقلبها يقرع كالطبول هل عليها الآن أن تصرخ ليأتي ابن عمها من عمله بالجهة المقابلة و ينقذها أم عليها أن تتحلي بالصمت و تراقب أفعاله بحرص كما تفعل دوماً ؟!!!


ارتفعت زاويه فمه بابتسامه لطيفه و هو يراقب توترها الواضح حيث بدا علي يقين أنها سوف تصيح به الآن متسائله عن سبب تواجده و ها هي تفعل :


أنت بتعمل ايه هنااا ؟!! و مين أصلا قالك مكاني .. امشي اطلع برااا


زفرت أنفاسها فور أن انتهت من طردها له و صدرها يعلو و يهبط بقوة تشعر بتلك الرجفه تسري بجسدها اتسعت عينيها من نظراته الوقحه التي شملتها من أخمص قدميها إلى خصلاتها يحدق بها بهدوء ثم اعتدل بوقفته مستقيماً بجسده و تلك البسمه الماكره لا تغادر محياه قائلاً بصوت أجش أثناء اقترابه منها بلطف :


بقاا دي طريقه استقبال برضه يا أسيف ؟!! بتطرديني قبل ما تعرفي جاي ليه حتي ؟!!


عادت للخلف و هي ترفع إصبعها أمام وجهه بتحذير و قد بدت علامات الرعب منه واضحه بمقلتيها و هي تدعي الثبات قائله بشفاه مرتجفه من فرط توترها :


اوعي تقرب مني والله هطلب الأمن واخليهم يسلموك .. عاااا


صرخت بخوف و عادت تلتصق بالحائط حين اتجه للباب أثناء حديثها يغلقه بهدوء لتصيح :


افتح الباب و امشي اطلع براااا ...وقفت اسيف تراقب تقدمه الهادئ منها باعين مذهوله مصدومه كيف وصل إلى هنا لا أحد يعلم تواجدها هنا سوى "نائل" الواشي كيف له أن يخبره محلها !!


رفعت إصبعها تشير إليه به بحركه تحذيريه و تقول بصوت شديد الغضب :


- إياك تقرب مني خطوه واحده يا فهد ، يزبد جاى و لو شافك هتحصل مشكله امشي حالااا .


رفع إحدي حاجبيه ثم ارتد للخلف لتظن أنها اردعته و سوف يذهب لكنه اتجه بخطواته الهادئه إلى الباب مره أخرى ثم اوصده بالمفتاح و افلته يدسه بجيبه ، أسرعت إلى هاتفها حين وجدت نفسها معه على إنفراد معه مجبره ، كان أسرع منها وكأنه على يقين بتحركاتها و بلمح البصر خطف الهاتف من يدها يدسه بجيبه لتتسع عينيها و تصرخ غاضبه به و هي تحدق برمادیتيه مستنكره أفعاله :


- أنت اتجننت !!


ابتسم ببرود و هو يلوح لها حين وقف بجانب الجهاز الصغير المعلق بالحائط و طرق عليه بقبضته مرتين بقوه ليسقط أرضاً مهشم إلى قطع صغيره ، و ذهولها يزداد وغضبها أيضا لقد دمر جميع وسائل خروجها من هنا عادت بجسدها للخلف و هو يقترب منها بابتسامته العابثه يهمس:


كده نقدر نتفاهم يابيبي !!!!!


ظل صدرها يعلو و يهبط بوتيره واحده و هي تحاول التحكم بانفاسها الغاضبه لتصرخ به بعنف :


- مفيش اي تفاااهم بينااا و احسنلك تفتح الباب ده و تمشي من وشي و


قاطع سيل كلماتها المهينه لشخصه يضرب بقوه علي المنضدة باحدى يديه ناظراً اليها بعينيه الباردة كالجليد و هو يهمس لها فور بإحدي يديه ناظرا إليها بعينيه البارده كالجليد و هو يهمس لها فور أن صمتت تتابعه باندهاش لفعلته أين الفهد الغاضب الذي من المفترض أن ينقض عليها و يهشمها الآن :


- مش همشي يا أسيف إلا لما تسمعيني المرة دي ... ليه مش عايزه ترضي ضميرك ناحيتي ؟!! انا مش عايز غير مسامحتك


تبدلت نظراته من الجمود إلى الحزن بلحظات و بدأت تلمع من فرط تأثره و همس و هو يحدق بعينيها الجميله الغاضبه للغايه تلقيه بنظرات تكذيب ليهز رأسه بالسلب فور أن طعنته كعادتها بسهام نظراتها الحارقه :


- أنا لو متغيرتش مش هتفرقي معايا يا أسيف مش هقف قصادك اترجاااك تسامحيني و لا كان هيفرق معايا ، أنا متأكد إنك مش بتحبي يزيد ده و بتعندي فيا مش أكثر ، بس أنا مش هسيبك ابداااا و .. و أنت مش مسمحاني كده ..


انطلقت نظرات الإصرار من رماديتيه لتستقبلها بأعين حزينه مرتبكه مشتته كعادتها بالاونه الأخيرة معه ليكمل :


قوليلي عاوزاني اثبتلك ازاي اني اتغيرت يا أسيف ؟!!!


نظرت إليه و اردفت بقوه و هي تنظر داخل عينيه :


- قولتهالك و هقولهالك مليون مره يافهد الثقه لما بتضيع مش بترجع ابداااا ، حتي لو سيبت يزيد هفضل عايشه في قلق محدش بيتغير اللي في طبع مش بيغيره يا ابن عمي


جلس أعلي الكرسي بارهاق ثم اخرج هاتفها يضعه بهدوء أمام أعينها و هو يقول بحزن :


- أنا مش جاي اجبرك على حاجه و اكرر غلطاتى تانى اللي توبت عنها ، ربنا بيسامح يا أسيف و سابلي فرصه اتعالج فيها أنت إزاى بقيتي بالقسوة دى ؟!! أنا مكنتش في وعيي .. ك ....

قاطعته صارخه بغضب و كأن ما حدث كان أمس :


84


بس اناااا كنت فى وعيي .. كنت حاسه و شايفه و سامعه تعذيبك ليااا بكل الطرق أنا مش عارفه انسي ، ليييييه مش عايز تفهم ، كنت أنت نسيت اللي حصل في أمك زمان ؟!!! أنت جيت تنتقم ليهاا بعد ۲۰ سنه و من حد ملهوش أي ذنبببب


صرخ بغضب و هو يزيح الطاوله بعيداً عن مرمي يديه بعد أن استفزته حين أتت ذكرت أمه لتتسع مقلتيها برعب منه اغضبه ذلك الرعب أكثر :


- و بعترف أنه كان غلططططط مستنيه إيه من واحد اتربي ليل نهار على كلمه واحده رجع حقناااا ، مستنيه مني ايييه و أنا كنت فااهم كل حاجه غلط ، أيوه أنا بعترف أنا ظلمتك و أنت أكبر ضحيه يا أسيف و مكنتيش تستاهلي ده و ندمت ، ندمت و عاوزك ترحميني و تغفري ، أنا كنت بشوف كوابيس من زمان إلا كابوسك أنت بقوم منه بعيط زى الطفل الصغير ، مبقتش مستحمل إني افتكر الوجع اللى وجعته ليك يا أسيف عارف أنه صعب عليك بس مش مستحيل حاولي و حياه تيم عندك ، أنا أول مره اترجي حد كده أنا عريت روحي قصادك و أنا واثق فيك و فى رحمتك أنت مش زينا يا أسيف متقارنيش نفسك بيا عشان أنت احسن مني مليون مرة ، سامحيني أرجوك


هزت رأسها بالسلب وقد نالت تلك الدموع من مقلتيها لترفع ذراعها تشير إلي الباب و هي تغمض عينيها هامسه بصوت مبحوح متحشرج :


اطلع برا !!!!


لم يقاومها بل لم يُبدِ أيه اعتراضات وقف علي الفور يتجه إلي الخارج و هو يزيل تلك الدمعات العالقه بأهدابه لكنه وقف لحظات و هو يعتدل بجسده ناظراً إليها بحزن يقول بصوت حازم قوي :


- متخليش اللي حصل مني يأثر عليك وتظلمي واحد ملهوش ذنب الجواز مش لعبه زى ما أنا كنت فاكر ، مفتكرش إنك عاوزه نسخه من فهد أو ندي يكونوا ولادك .


ثم تركها وانصرف ، بعد أن نزع صمام غضبها الذي بدأ يقل تدريجياً ناحيته بعد كل محادثه لقد رأت منذ لحظات ذلك الطفل بعينيه هي لا تتعمد تذكيره بأمه أو ماضيه لقد خرجت كلماتها بغضب تلقائي بشكل غير مبرر ، لكن ماذا عن تلك النظرات اللائمة التي انطلقت سهامها نحوها بلا هوادة لقد ندمت بالفعل على كلماتها الآن تلك لیست سماتها منذ متى و هى بتلك القسوة ماذا فعلت لها تلك السيدة الجميله الوقور لكن ما أثار حفيظتها حقا هدوءه و صمته أمام كلماتها


اتجهت إلى الخارج بخطوات غاضبه للغايه تتلفت حولها بذاك الرواق عله لازال هنا ، اتسعت عينيها حين لمحته من خلف الباب الزجاج يدلف إلي سيارته و ينصرف بها لتصيح بصوت مرتفع و هی تسرع بحذائها الأنيق ذو الكعب العالي إلي البوابه تفتحها قبل انصرافه و هي تهتف بصوت مرتفع أثناء رؤيتها للسيارة تتحرك بالفعل :


- استني ؟!!!


لم ينتبه إلى صوتها بالطبع حيث أنه لازال يغلق زجاج النافذة لكن ارتفعت عينيه إلى المرأة الاماميه ليفتح عينيه علي وسعها حين لمحها تتعرقل و تسقط أرضاً و هو مصدوم من تواجدها خارجاً عاد بالسيارة مسرعاً للخلف و هبط منها يهرع إليها و يجثو أرضاً أمامها و هو يتفقد وجهها المتألم ويدها التي وضعتها أعلي نهايه ساقها تتأوه بصمت أوقف افراد الامن باشاره صغيره ليعودا ادراجهم بطواعيه تامه و هو بحاله ذهول مفرط أخيراً خرجت الكلمات بلهفه وهو يتفقد ساقها بأنامله قائلاً :


وقعتي ازاي ؟!! ارفعي إيدك عنها يا أسيف عشان أشوفها ؟!!


لم تجيبه إنما ازالت دمعاتها بحزن شدید و حاولت الاعتدال و هي تتلفت حولها بقلق من ذاك الهدوء المغلف لأجواء المجمع السكني الراقى لكنها صرخت بوجع حين حاولت الوقوف ليتجه إليها بهدوء هامساً لها و هو يمسك بيدها :


- أسيف متحاوليش تقفي تعالى اساعدك ندخل جوا بدل قعده الشارع دي !!


اشتد ألم ساقها و بدأت تتعرق من فرط توترها و خوفها اتسعت عينيها بهلع حين وجدت نفسها طائره بالهواء يحملها بين ذراعيه متجهاً إلي الداخل و هو يقول بجديه :


- علبه الإسعافات فين بالظبط جوا و لا معندكيش ؟!!


تطلعت إليه بأعين متسعه مصدومه و كأن فعلته الجريئه أصابتها بشلل لجميع أطرافها حدقت به عن كتب محاولة تجميع كلماتها لكنها فشلت فقط تتطلع بخجل إلى أفراد الأمن المكنسين رؤوسهم و قلبها ينتفض بحاله غريبه مما يحدث إلى أن وصل بها إلى مرسمها وتقدم إلى أقرب أريكة يضعها برفق فوقها مقلبا أنظاره بالمكان لتهمس بتوتر أخيراً بعد أن أدركت غايته :


العلبه هناك في الرف ده


و أشارت إلى العبله في حين كانت تحاول نزع حذائها الذي يضغط على قدمها بقوه دفعت رأسها للخلف بوجع تجز على أسنانها بقوة ليصل إليها متأملاً حالتها بتوتر طفيف ثم جلس على ركبتيه أرضاً يفتح العلبه و يعبث بها ليحصل على تلك العلبه الصغيره و يقصي العلبه بعيداً ليتثني له رؤيه قدمها لكنها سحبتها للخلف و هي تتألم قائله بملامح مرهقه مشمئزه اوجعته أشد وجع :


- لا متجيش جنبي !!


رمقته بطرف عينيها بتوتر من تسرعها هكذا معه دوماً لتجده ينكس رأسه لحظات ثم رفعها يقول بعقلانيه وهدوء نبره ألم تغلف حروفه ليذكرها بكلماتها :أسيف أنا بعرف اتصرف في الحالات دي كويس من و أنا عندي ٧ سنين


رفعت رأسها إليه تحدق به بأعين دامعه حسنا لقد نجح بلفت انتباهها و جعلها تترك قدمها تدريجياً للمساته الخفيفه عليها و هو يواصل لفها لها ، لحظات مرت و هي تنظر إليه بحزن ثم همست في حين تنكس رأسها و تعبث بقماش فستانها بأطراف اصابعها :


!!!! أسفه


رفع عينيه الغائمه نحوها و هو يحدق بها بصدمه جليه لتبتلع رمقها بتوتر طفيف و هي تواصل همسها توضح له بخجل حيث تلون وجهها بتلك الحمره التي تشعل نيرانه :


- مكنش قصدي اتكلم عن مامتك .. ربنا يرحمها


رفزت أنفاسها بهدوء وكأنها أزاحت أشد الأحجار ثقلاً عن صدرها للتو ، أدمعت عينيه و هو يعض أصابعه ندماً على تلك الملاك المتجسد بصورة بشر أمامه .. أتعتذر له ؟!! اتعتذر عن كلمه واحده قالتها دون قصد ؟!!!


تلك الصورة الملائكية التي استحوذت عليها امتلكت قلبي لم يكن افتتاني بك ملامح جميله إنما تلك الروح التي اخترقت أضلعي تعبث بثنايا قلبى ، تلك النظرات البريئه التي اندلعت من عيناك لتشعل لهيب فؤادى لتكونى أنت فتنتى الوحيدة و ملاذى الأوحد و يكون ندمى قُربان لكِ علكِ تغفري ، علك ترأفي !!!

اضطربت أنفاسه و هو يحدق بها بنظرات حزينه لتظنه لم يقبل اعتذارها بالطبع هي أمه مهما بلغ حد غضبها لم يكن عليها أن تتحدث هكذا ، بللت شفتيها و هي تهمس بتوتر :اعتذارها بالطبع هي أمه مهما بلغ حد غضبها لم يكن عليها أن تتحدث هكذا ، بللت شفتيها و هي تهمس بتوتر :


أنا مش عارفه قولت كده ليه بس أصلها ... تشبهني ف .


هز رأسه بالسلب و كأنه ينفض افكاره لتقطع كلماتها تحدق به بتيه و قلق رفع رأسه إليها فور أن أنهى ربط قدمها يطالعها بحزن ؛ هو لا يريد أن يكون شبيه لأبيه بعينيها مما جعله يهمس بصوته الأجش :


بس أنا مش زي أبويا يا أسيف و لا أنت زيها صدقيني ...


اقترب منها مستغلاً سكونها لأول مره أمامه يهمس لها و دمعاته تسبق حروفه المبعثره و بوادر اختناق صوته تتضح إليها :


- عارفه معايا كام فيديو زي اللي شوفتيه ؟!! عارفه أنا شوفتهم كام مره من يوم ما أبويا مات و لقيت الفيديوهات دي ؟!! أسيف ليه مش عايزه ترحميني أنا بدور على أمي و نصايحها و كلامها في ورق كتبته بخطها ، أنت فاكرانى كنت فرحان اللي بعمله ؟!! أنت نفسك شوفتي شكل كوابيسي كان ايه ؟! مكنتش أعرف غير حاجه واحده أنك بنت الرجال اللي هان عرض أبويا و شرفه كنت عاوز أخد حقه بنفس الطريقة ، كان تفكير مريض يا أسيف و أنا اتعالجت


سكنت تماماً تراقبه بتوجس من تحوله بأي لحظه لكنه بدا منهك القوى ، مرهق ، حزين ، ذاك الطفل يتطلع إليها الآن من مقلتيه يصرخ برحمتها أن تفيق وتجرعه كأس لطفها ، تنهدت بحزن ثم بدأت تصرف رماديتيها عنه و تهمس بصوتها المرهق :


- أنا مش عارفه عاوز إيه أنا بعدت ، ابعد أنت كمان و اعمل حياه ليك بعيد عني ، طلبك صعب أوى


لم يكن الأمر مستحيلاً كما رأيناه ، إنما تلك الصفعات التي تلقيناها من أشباه البشر جعلت نفوسنا عاجزه عن الغفران ، جعلت من المحتمل محال فلا تلومنني بما اقترفته أيديكم يوماً ما

مسح عينيه جيداً ، ثم هيطت يده إلى مقدمه قميصه يمسك بنظارته الشمسيه اثناء وقوفه يضعها مسرعاً حين استمع إلى صوت "يزيد" يدلف إلي الداخل و هو يقول بحماس :


- أسيف أخرت مش كده ؟!!


اتسعت عينيه حين وجدها بتلك الهيئة و ذاك الرجل القاسي يقف أمامها بهدوء ليسرع إليها وعينيه تقدح بالغضب صارخاً به :


- أنت عملت ايييه ياا


صاحت مسرعه تحاول الوقوف علي قدمها قبل أن ينشب عراكاً حامي الوطيس أمامها :


- يزيد فهد كان بيعالجني أنا اتشنكلت و هو ساعدني


حدق بها بشرود ، لا يصدق أنها دافعت عنه لتوها .. لكنها نبته أمل لن يتخل عنها وجد ذاك الرجل يتقدم منها و يجثو على ركبتيه يعاين قدمها أمامه ليجز علي أسنانه بقوة و هو يضم قبضتيه معاً لكن لم يتحمل أكثر ليصيح به بصوت واضح يصرف انتباهه عنها :


هي ندي عامله ايه النهارده أنت داخل في شهرين اهوه


نجح بذلك حيث وقف "يزيد" يواجهه و هو يقول متذكرا :


كويس انك فكرتني أنا كلمت دكتورها عشان تخرج و ترجع القصر هي حاليا تقدر تمارس حياتها أفضل و هستمر معاها في الجلسات بس بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) و ده هينجح مع ندى جداا لأن ندي اصلا بتهتم بتجارب اللى حواليا و اللى عندهم و بتعمل مقارنه ده عندها أو لا .. و ده هينجح معاها جداا متقلقش ندى خلاص في مرحله ممتازه لكن حابب أكد أن تعاملكم معاها هيفرق كتير في علاجها خصوصاً أنت يا أسيف


نظرت له بصمت ثم هزت رأسها بارهاق تقول بهدوء :يزيد أنا مش هقدر اكمل اليوم محتاجه أروح ...


83


مر شهر سارت الأوضاع هادئه داخل القصر وعوده "ندى" لم تؤثر كثيراً حيث عادت إليهم هادئه لا تملك تلك النظرات المشتعله ، تتجنب الجميع بهدوء غريب ليصبح أمرها هكذا مريحاً للجميع


استيقظت "أسيف" صباحاً بنشاط زائد حيث دلفت إلى المطبخ و أعدت شطائر شهيه للإفطار وجهزت كوب الشيكولاته الساخن بالحليب ، كادت تنصرف إلى الحديقه لكن اتسعت أعينها حين وجدته يقف بجسده يسد عليها الطريق يبتسم بهدوء ثم قام بسحب شطيره من الطبق و قضمها وهو يقول بحماس أمام أعينها المذهوله من كم جراءته :


أووووف تجنن يا أسيف ، اااه سوري مبتحبيش اقول اسمك اقولك سوفي أحلى ؟!!


لم تستطع مجاراه حديثه أبدا و هى بتلك الحاله اشتعلت نيران الغضب داخلها من أسلوبه الغير مبالى حيث شعرت أنه يستخف بها و بفعلته الشنيعه معها و أنه قد ضمن مسامحتها و كأنه لم يفعل شيئ أبدا بها فتركت ما بيدها اعلي الرخام بغضب ليصدر الطبق صوت قوى من دفعتها إياه على الرخام البارد و هدرت بعنف :


- أنت عايز توصل لايه بالظبط ، أنت عارف و متأكد انى مش طيقاك و لا هطيقك مزهقتش من شهر كامل بأسلوبك ده معايا ماتسيبني في حااالي بقااا و ركز مع اختك


ابتسم ببرود و كأنها كانت تمدحه للتو و خرج صوته الرخيم الهادئ يتلاعب على أوتار صبرها و اضطرابها برغم من إظهار ذلك العنف دوماً معه إلا أنه يرى "أسيف" البريئه تلوح له دوماً و هو يحادثها ، أمسك طبق الشطائر الشهيه لتسرع ممسكه بالكوب الساخن حتى لا يسرقه هو الآخر واتجه إلى الخارج وقال غامزاً لها بإحدى عينيه :تو مش بزهق ... و ندي تمام جداا و مرتاحه فوق .. انا فاضيلك يابيبي


صححت له كلماته و هى تسير خلفه لتصعد غرفتها و تتركه :


- فاضى لنفسك مش ليااا ، و بعدين أنت واخد فطارى ليه انااا بكلمكككك


وقف فجأه لتصطدم به بكوب الشيكولاته الساخن لكن من حسن حظها و سوء حظه أنه كان يميل عليه و اندلعت محتوياته الساخنه فوق تيشيرته الخفيف تحرق ظهره صدرت منهما صرخه واحده هي من صدمتها القويه به و هو من شده آلم الحرق علي جلده و مفاجأته بفعلتها ليهدر متعمدا :


ازاي الغل يوصلك لكده ياااأسيف ؟!!!!


جحظت عينيها و هزت رأسها بالسلب تقول مسرعه رافعه يديها أمامه :


- والله ما اقصد اطلع بسرعه غير وشوف أثر الحرق ايه ؟!!


التفت لها يحاول رفع التيشيرت عن جسده صارخاً بها بعنف :


اشوف ازالي ظهري أنا هااا.. أنا متأكد إنك قاصده اااه !!


عضت علي شفتيها بتوتر و قالت بنبره قلقه و هي تشعر بالذنب حياله :


- أنا اسفه طيب


صاح بنبره متألمه حيث يحرك عضلات ظهره بوجع :


اسفه !!! حراام عليك بجد أشوف ازاااي اللى حصل في ضهري أنت شوهتيني !!!!اتسعت اعينها وجذبته من يده تركض بخفه نحو الجناح الخاص بها و هي تقول بخوف :


لا لا مفيش تشوه متخافش هنلحقه


فتحت باب الجناح و هي تجره خلفها ليسير معها بطواعيه و صمت مطلقاً انات وجعه وصلت به إلى مرحاض الغرفة تأمره مسرعه :


استني هنا هجيب المرهم


تركته و أسرعت إلي الداخل لينظر لأثرها بهدوء ثم اتجه إلى شرفتها يفتحها ويقف بها ناظراً إلى سياره الطبيب حيث استمع إلى صوتها المميز الذي يحفظه عن ظهر قلب


أتت إليه تمسك العلبه بيديها تعبث بها و هي تقول بصوت آمر :


ارفع التيشيرت بسرعه !!


نزعه تماما عن جسده بلمح البصر ليصبح عاري الصدر أمامها اغمضت عينيها بتوتر و هي تعنفه بغضب طفيف :


ايه ده أنت مصدقت !!؟


اجابها ببراءه و أعين متسعه :


- مش انت اللي طلبتي و بعدين انجزى ضهری هیموتنی !!!!


دارت حوله مسرعه و تطلعت إلي ظهره بقلق في حين تطوف بأناملها الرقيقه بلمسات طفيفه منها فوق جرحه تهمس و هی تزفر براحه :


متقلقش مفيش حاجه جامده

ابتسم بهدوء وهو يقول مشيرا بعينيه إلي "يزيد" الذي وقف ينظر


إليهم بالأسفل :


- أنا مش قلقان غالباً في ناس هي اللي قلقت .


🫂دمتم ساالمين 🫂..


  الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا 


تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة