
رواية حصونه المهلكة
الفصل السابع عشر 17 والثامن عشر 18
بقلم شيماء الجندي
من المتعارف عليه أن تدور عقارب الساعه ليمر الوقت و ينتهى اليوم و يبدأ يوم جديد مشحون بالأعمال والأشغال لدى البشرية ، و لكن ها هى عقارب ساعتها تدور وتصدر صوتها ولكن يومها ثقيل لم و لن ينته ابداً ، أصبحت عادتها هنا بتلك المشفى طوال اليوم أن تراقب ساعتها بصمت تنتظر انتهاء يومها ببرود و تعيد تلك الذكريات التي برعت بحفرها بعقلها الباطن وإعادتها علي نفسها كل يوم هي علي يقين أنها المتسببه الوحيدة بما حدث لها ، لم تكن "أسيف" صديقتها البريئه و ابنه العم وراء ما حدث لها كما زعمت ، هي طامعه تعلم .. رغبت بما ليس لها تعلم ذلك أيضاً .. لكنها أحبته و بشده !!!
ضمت ركبتيها إلى جسدها و احتضنت ساقيها بذراعيها و دموعها تهطل بصمت قاتل و هي تتذكر صوت ابنه العم الضعيف الهزيل المستنجد بها وبرحمتها و لكنها جردت نفسها من المشاعر الإنسانية حينها حيث تركتها تعاني الويلات و هي تنعم بأحضان أخيها ببرود ، لها كل الحق أسيف" بكراهيتها و كان عليها أن تتركها بلا مساعدات لكن كما أخبرها الطبيب أنها أتت خصيصاً لتوافيه بالمعلومات الخاصه بها علها تشفى ....
استمعت إلى طرقات الباب ثم دلوف أحدهم بالطبع لن يكن سوى ذاك الطبيب غريب الأطوار الذي يأتى إليها كل يوم يتطلع لها بصمت و يسأل اسئله يعرف إجابتها لذلك لا يتلقى منها سوى الصمت كما هي لكنه لا يمل أبداً ، رفعت رأسها حين وجدت أخيها يخطو خلفه و يتوجه إليها يقبل وجنتيها بلطف ثم همس لها بتساؤل :
اخبارك إيه النهارده يا حبيبتي ؟!!
لم تجيبه كالعاده بل هزت رأسها بهدوء لتستمع إلي صوت "يزيد" الهادئ يقول :
- أديك اطمنت عليها ممكن تتفضل عشان أبدأ جلستي معاها ؟!!
قلب "فهد" عينيه بملل ثم نظر إليه يرد عليه بنبره مماثله له بالهدوء و البرود :
- بقالك أسبوعين و مفيش نتيجه بس ماشي أنا فعلا هسيبك لما نشوف اخرتها
لم ينتظر إجابته بل مال عليها يهمس لها بأنه سوف يعاود المرور عليها بنهايه يومها كعادته ثم قبل خصلاتها يربت علي جسدها بلطف و اتجه إلى الخارج تاركاً إياهم معا
جلس "يزيد" أعلى الأريكة و هو ينظر إليها بهدوء ثم ابتسم و قال بنبره رخیمه :
- فهد مشي خلاص تقدري تتكلمى !!
تطلعت إليه بأعين هادئه و شعرت بتلك الرعشه الخفيفه تسري بجسدها جراء سقوط كلماته عليها كالدلو البارد ، اشاحت وجهها عنه و اضطربت أنفاسها تدعي عدم الفهم ، ابتسم لها بهدوء و اعتدل يستند بكوعيه إلى فخذيه و هو يُكمل بنبره تحذيرية فهمتها علي الفور :
- ماهو لو متكلمتيش معايا هضطر اقول لفهد إنك مش فاقده النطق و لا حاجه و إنك ساكته بمزاجك
عدلت وجهها تطالعه بأعينها الحمراوتين من شده البكاء و تهتف بغضب :
عايز ايه مني ما أنا بعدت عنكم كلكممم سيبني في حالى و امشى بقااا
ابتسم حين استفزها و استطاع أخيراً إخراج الكلمات منها ليردف بهدوء و هو يعود بجسده للخلف واضعاً ساق فوق الأخرى :
انا مش عايز ياندى أنت اللى عاوزه صمت لحظه يراقب ملامحها حيث بدأ الاندهاش يستحوذ عليها رويداً رويداً ليبتسم مكملا حديثه بهدوء و هو يستقيم متجهاً إلى الشباك يتطلع إلى الحديقه الخضراء البديعة :
- اه أنت اللى عاوزانى ياندى ، أنت اللى محتاجه تتعالجي و ترجعي لأهلك و لنفسك قبل أي حد ، محتاجه تعترفي إنك مريضه مش تمثلي إنك فاقده النطق زي أسيف اللى بتغيري منها
قاطعته و هي تقف صارخه به :
- أنا مش بغير من حد
لأول مره يصيح "يزيد" بأحد مرضاه و هو يتلتفت لها بنظرات حاده عنيفه :
لا بتغيري لدرجه إنك قلدتي حالتها ومثلتي فقدان النطق علي الكل عشان تبقي زيها
صرخت بغضب وقد بدأت دموعها تهطل من ذلك الرجل الذي يعريها أمام نفسها بجحود :
لا لا معملتش كده عشان غيرااانه .. محصللللش !
اتجه إليها يحدق بها ببرود شديد و أردف بعناد :
- لا عملتي كده من غيرتك عشان تاخدي اهتمام تيم ليك أنت عملتي كل ده قصد ....
بدأ جسدها بالارتعاش و هى تنظر إليه بحقد و غضب و قد عجزت عن إيقاف دموع ضعفها أمامه لتصرخ بعنف و هي تلقي بثقل جسدها أعلي الأريكة :
ايوه عملت كده عشااان يجي و أشوفه و مجااااش ، حتی هر جت و هو مجاش يشوفني حاولت اصعب عليه زيهااااا هي وخدااه
ليهااا بدموعها و أنا محتجااااه أكثر منهاااا عاوزه اترمي في حضنه عا اووزه اقوله إنى محتجااه بعد ابني ما راااح مني
بدأت تتنفس من فاهها و هي تضغط على خصلاتها بعنف و صوت بكائها ونحيبها يصدح بالأجواء غطت وجهها تتوارى عن أنظاره و تخفى ضعفها تبكى بعنف و شهقات مرتفعه و هي تهمس :
انا عارفه اني غلطت كتير بس أنا لسه بحبه و مش عارفه أخرج حبه من جوايااااا ، عارفه إنى غدرت بأسيف و أذيتها و اهوه حقهااا رجع و ابني مااات قبل ما اشوفه لييييه القسوه دي معقول مصعبتش عليه بعد موت ابننا ، أنا بحبه زعلانين كلكم علي أسيف و أنا الشريره اللي اذيتها ، ضعف أسيف كااان غلططط و رغم إنها اتأذت زمان من برائتها لكن برضه أصرت تفضل زي ما هي ، أنا مش بكره أسيف محدش فيكممم فاهمني كلكممم كنتوا القاضي و الجلاد عليااااا ، تخيل جدو مجاش ولا مره ليا هناا رغم إنه هو و تیته كانوا هيتجننوا على أسيف لما خدها و مشی ، اناا .. اناا مش بكر همممم
خارت قواها لأول مره و بدأت تتحدث بتشتت و عبث حيث شهقاتها تتعالی و انهيارها يزداد ... و تلك القبضه فوق قلبها تعصره بقوه شدیده و هی تتسأل داخلها هل يفنى عمر الإنسان من كم الأوجاع ؟!
للصمت ضريبه تدفعها تلك القلوب الساكنه وللكتمان وجع ينبش ببقايا أرواحنا المرهقه ، ومهما بلغ الشر داخلنا تحاربنا قوى الخير لتطفو على وجه الحياه مره أخري أيتها الجروح الغائرة للوحده ضريبه ادفعها الآن بضيق أنفاسي ، تحولت قواى للدفاع عن نفسي إلى نيران غيره و حقد احرقتني وحدي بالنهايه ، أنا الخاسره التي شنت حربها على بريئه حاقده علي محبه لم أملكها يوماً ، أنا تلك الصامته التي توارت خلف جدران القوه الواهيه و الحقد الدفين لأحتمى من بنى البشر و تدريجياً تحولت إلى فتاه الشر بحياه من حولی
تنهد "يزيد" و قد بدأ يستوعب حالتها حين بدأت بالأحاديث
المشتته و رغم تشتت نظراتها وشهقاتها المرتفعه و دموعها التي تهطل كالشلال ، إلا أنه اندهش من كم المشاعر التي تصل بالإنسان إلي تلك الحاله لم تتعرض "ندى" إلى ما تعرضت له "أسيف" لكنه اكتشف أنها أضعف من "أسيف" بمراحل و ما جدار القسوه سوى ستار تحتمی به من الجميع !!!
أمسك كوب المياه و هو يناولها إياه بلطف وقال محاولاً تهدئتها :
لو كنت أعرف إن استفزازك هيعمل كده مكنتش اتكلمت خالص و أنت ساكته كان ارحم
نظرت إليه بحزن و قد شحب وجهها وباتت أعينها ذابله ترى منهما روحها المهشمه ، لكنها أغمضت عينيها بسكون حين وجدته يبتسم لها بهدوء و ما كانت كلماته سوى مزاح هو لم يمل منها كما فعل الجميع بل يمازحها !!!!
*
وقفت "سمر" تحدق بتلك اللوحه الجميله التي أبدعت "أسيف" بها و قد ظهر بها كم هى ماهره ، فنانه مبدعه رقيقه انبهرت العمه و هي تمدح لوحاتها المختلفه بكلمات لطيفة ابتسمت لها "أسيف" برقه و هي تقف متجهه إلى مرحاض المرسم الراقي خاصتها تغسل يديها بهدوء و هي تقول بصوت رزين متسائلة :
و أنت عاوزه تروحي لتيم ليه يا عمتو ؟!!
تنهدت العمه بهدوء و هي تعبث باصابعها الرقيقه بفرشاة صغيره أمامها قائله :
و لا حاجه ياقلب عمتو أنا لقيت نفسى فاضيه قولت اعدي عليكم و ناكل برا سوا بقالنا فتره طويله مخرجناش سوا يا أسيف
عادت إليها و هي تبتسم بلطف قائله بهدوء :
فكره حلوه برضه خلينا نغير جو القصر ...ثم تنهدت و هي تهمس بحزن :
و تیم محتاج ده برضه
بدأت تجمع متعلقاتها و تستعد للمغادره ليرن هاتفها و تنير شاشته باسم "يزيد" بللت شفتيها و هى تنظر إليه بصمت دام لحظات ؛ ليأتيها صوت عمتها التي ربتت بلطف على كتفها ثم أمسكت ذراعها بلكف حازم تقول بهدوء :
قررتي إيه يا أسيف ؟!!!
توترت ملامحها و تصنعت عدم الفهم و هي تغلق شاشه هاتفها تهمس لها :
في ايه يا عمتو ؟!!
ابتسمت عمتها بهدوء و كورت وجهها الصغير تنظر داخل رماديتيها الجميله قائله بنبره رزینه :
- أنا مربياك يا أسيف أنت بنتي يعنى لما تبقي محتاره و متوترة أول واحده بتعرف ده أنا
لم تستطع أسيف مقاومه تلك الابتسامة الساخره فوق شفتيها و اردفت بحزن بالغ و هي تزيل كفها عن وجهها بهدوء :
فعلا ؟!! للأسف يا عمتو أنتِ مربياني بس ، لما كنت خايفه من كام شهر أتكلم عن اللي بيحصل فيا مكنتيش بتعرفيني ليه و أنا متوتره و محتاره ؟!! اشمعنا دلوقت !!
عقدت "سمر" حاجبيها و همست لها بصدمه واضحه :
- أنت مكنش واضح عليك حاجه ساعتها يابنتي تفتكري أنا ممكن اشوف كده أو ابقى عارفه اللي بيحصلك واسكت ؟!!
أغمضت "أسيف" عينيها و قالت بهدوء :
الله الله
27
- انا ما يهمنيش تسكتى أو لا لكن لو أنا فعلا بنتك و اتعمل فيها كده هتساعديني انسي و لا لا ؟!!
اتسعت أعينها وهي تهز رأسها بالإيجاب قائله باندهاش :
- و أنا مش بساعدك يا أسيف ؟!!! ده أنا كل أمنيتي دلوقت إنك تنسي و تعيشي حياتك عادي
بللت "أسيف" شفتيها تهمس لها :
أنا عمرى ما هنسي يا عمتو ، وجع جسمي بصحا عليه كل يوم كأنه كان امبارح ، كلامه في ودنى و همسه فى كوابيسي ، إني اشوفه كل يوم قصادي و اسمع صوته ده بيوجعني و مش هينسيني ابدااا ، انسى اهانته ليا ؟!! عايزاني أنسي ذله ؟!!! عايزاني انسي و انا بصرخ و بترجاه يرحمني و هو كأنه في عالم تاني مش سامع و لا حاسس ؟!! عايزاني أنسي إنه كان بيخطط شهور إزاي يهيني و يذلني و هو عارف إني مليش ذنب في كل ده ؟!! عاوزاني أنسي إني وثقت فيه وسافرت معاه زي الطفله بالظبط و فاكره ان خوفي منه كان وهم عشان مش متربي معايا زي نائل و كوابيسي کلام فارغ و اتفاجئ بوحش بينهش فياااا ؟!! عاوزاني أنسي اييييه ؟!!!! كنت أنت نسيتي طليقك ؟!! فاكره قولتي إيه لتيته لما قالتلك هيرجعك و لسه بيحبك ؟!! قولتلها عمري ما انسي كلامه وثقتي فيه راحت ارجعله ازاي ؟!! أنت مش ناسيه كلام و عاوزاني انسي كلامه و ضربه و اهاناته و ذله لياااا ؟!!!! هاااا ردي علياااااا كان مين بينسي ؟!!!! و اشمعنا انا اللي انسي فيكمممم ؟!!! عشان أنا أسيف ضعيفه الشخصيه مش كده ؟!!! مين قالك إني محاولتش انسي ؟!! انا حاولت أنسي خوفي من الرجاله بعد اللي شوفته ، قولت مش ممكن يكون زي السواق المقرف ده .. ده ابن عمي هيعاملني زي ندى ، مفيش حاجه تخوف ، عارفه لما كان بيتعصب كان بيعمل فيا ايه ؟!! هااا ؟!! عارفه كنت ببقى مرعوبه قد إيه ؟!! كنت بخاف انام و يهجم عليا يضربني ، كنت بترعب لما أحس أنه
كنت بخاف انام و يهجم عليا يضربني ، كنت بترعب لما أحس أنه صاحي قبلي ، كنت بموووت كل يوم و انتوا مش حااسين و لا عااارفين ، و في الآخر جاااي بمنتهي البساطه يقولي آسفففففف !!! آسف علي ايه هااا آسف على جسمي اللى استباحه و لا عضمی اللي كسره و لا الكلام اللي حفظهولى ؟؟!! آسفففف علي اااايه هااا ؟!! ازاي بعد كل ده عاوزاني انسي ؟!! لو كنت بنتك كنت هتقوليلها انسي ؟!!! انا عمري ما هنسي و لا هسامح ، عمررري
لهثت بعنف فور ذلك الانفجار اللعين بكلماتها المخزونه منذ أن رأت وجهه الكريه مره أخري منذ أن عادت وهي تريد الصراخ بتلك الكلمات علها تشفي جروحها الغائره و تطفئ نيران قلبها المشتعله ، علها تعود بريئه كما كانت ، كتمان الوجع أشد من الوجع ذاته يا ساده إنها نيران تكوى قلوبنا الصغيره تحرقها بلا شفقه !!!!
مسحت تلك القطرات الساخنه اللعينه التي ألهبت وجهها و أرهقت روحها واتجهت إلي الباب الزجاجي تفتحه لتخرج للهواء الطلق علها تزيح قليلاً من ثقل روحها ، ليرن هاتفها بجيب بنطالها مره أخرى بإلحاح واضح من المتصل ، اخرجته تحدق به لحظات ثم تنهدت بهدوء و هي ترفعه إلى أذنيها بعد لمسه خفيفه منها على شاشته تعلن ايجابها أخيراً على اتصالاته المتكرره هامسه له بهدوء و هي تغمض عينيها بارهاق :
ايوه يا يزيد ، أنا موافقه
وقفت "سمر" متسمره بمحلها شاحبه الوجه تحاول إيقاف تلك الدموع التي اغرقت وجهها فور أن استمعت إلى كلمات ابنه أخيها الرقيقه لاعنه ابن أخيها الغبى الذي أرهق تلك الجميله إلى تلك الدرجه لقد دنس روحها و عبث ببراءتها بجبروت و طغيان لا حدود له ، لن ينفع الندم صاحبه ابداااا ، استمعت إلى موافقتها و انتظرت إنهائها المكالمه ثم اتجهت إليها وهى تتطلع إلي رماديتيها المقهوره بوجع لتجذبها بقوه إلى أحضانها وتربت على خصلاتها و هي تبكى معها بصوت مرتفع هامسه باعتذارات متعدده لن تعيد ما ضاع
*وقف "تيم" أمام شرفه مكتبه الزحاجيه يحدق بحركه السيارات بشرود تام و قد غاب عقله بعده اتجاهات هو إلى حد ما اطمأن على شقيقته رغم صعوبة ذكرياتها و جراحها التي اكتشف مؤخرا أنه من الصعب مداواتها إلا أنها أفضل الآن لقد أصبحت أقوى عن ذي قبل تعتمد على ذاتها و تتخذ قراراتها بعقلانية و هدوء كان عليه أن يعلمها ذلك من قبل .. هو أكبر مشارك بما حدث لها لكنها على ما يرام الآن
ماذا عن طليقته ؟!! "يزيد" أخبره أنه من الصعب الكشف عن أسرار حالتها لكنه أقر أنها أفضل من حاله "أسيف" ، ما ذاك الشعور بالذنب نحوها هي أم مات جنينها لكنها من جهه كانت مقبله على قتل شقيقته !!! هل عليه أن يشفق عليها ، شعور غريب بالخواء يتملكه نحوها كيف كان يحبها ؟!! هل ذلك لم يكن شعور بالحب نحوها ؟!! هل كان يشفق عليها ؟!! و على وحدتها ؟!! زفر أنفاسه بارهاق شديد ليجفل حين استمع إلى صوتها الرقيق يشاركه عزلته قائله و هي تحتضن خصره من الخلف واضعه خدها على ظهره :
ياااه مين واخد عقلك ياتيموو ؟!!
ابتسم بهدوء و هو يعتدل بجسده يحتضنها بقوه هامساً لها فور تقبيل خصلاتها :
الشغل يا قلب أخوك ... خلصتى بدرى يعني مش قولتى هتكملي اليوم في المرسم ؟!
ابتلعت رمقها بتوتر ثم ابتسمت له بخجل و قد بدأت وجنتيها بالتورد اللطيف ليضيق عينيه ثم يردف بهدوء متسائلاً :
- وافقتى ؟!!
عضت على شفتيها و هزت رأسها بالإيجاب و هی تشیر بیدیها بحركات توضيحيه أثناء حديثها الهادئ :
اه بس مش هنعمل حفله خطوبه عشان تيته هي الدبل بس هنلبسها سوا في حفله صغيره ع قدنا كده لحد ما تعدى فتره
وضع يديه بجيبي بنطاله و هو يحدق بها بنظرات لائمه :
اتفقتوا على كل حاجه يعني و جايه تبغليني بس مش أكثر ...
أتسعت أعينها المذهوله تهز رأسها بالسلب مسرعه هامسه بحزن :
- أبدا والله ياتيم كل الحكايه أن يزيد لحوح جدا و أنا قولتله مش هينفع عشان تيته و هو وافق وقال إنها مش مشكله ، أنت مش موافق على يزيد صح ؟!!
حدقت به بتساؤل ليهز رأسه بارهاق ثم أحاط كتفيها و اتجه إلى الأريكة الجلديه الأنيقه يجلسا فوقها معا و هو يحتضنها رابتاً على خصلاتها هامساً لها بلطف :
شوفي يا أسيف أنا مش عاوز أى حاجه غير راحتك وسعادتك يا احبيبتي و لو راحتك معاه عمرى ما هرفض لكن ده ما يمنعش إني وراك دايما و معاك و أول ما احس إنك مش مرتاحه هبعده عنك تماماً ، مش هكرر غلطتي يا أسيف
قبل خصلاتها يهمس بلطف حازم :
اوعدك ياقلب أخوك محدش هيقربلك طول ما أنا بتنفس
أحاطت خصره بقوه تدس جسدها الصغير بأحضانه الدافئه و شعور الإمتنان بتعويض القدر لها بذلك الأخ الرائع الحنون لا يضاهيه شعور الآن كم تعشق ذاك الرجل الحنون و تتمنى أن يكون يزيد نسخه منه وضعت قبله صغيره أعلى وجنته و عادت مره أخرى لأحضانه بهدوء ليبتسم لها قائلاً :
متأكده من قرارك يا أسيف ، خليك فاكره إنك هتظلمي شخص معاك لو كملتي عشان ده يزيد الدكتور ، اظن فهماني ؟!!
هزت رأسها بالإيجاب و هي تهمس له بهدوء بعد أن أطلقت تلك
التنهيده ذات الأنفاس الساخنه من رئتيها :
متأكده ياتيم بس خليك جنبي دايما
أحاط خصرها بقوه و قبل خصلاتها يهمس بما جعل ابتسامتها الجميله تطفو على شفتيها :
أنا جنبك و معاك في كل لحظه ياقلب تيم و عمري ما هسيبك ما تخافيش ، و استعدى بس لمرحله جديده في حياتك أتمنى تعوضك عن اللي فات يا قلب أخوك.....
🫂🫂🫂🫂🫂🫂🫂
داخل تلك الغرفه الرياضيه المجهزة بأحدث الأجهزة والتقنيات الحديثة يجلس فوق الأرضيه و المياه تتقطر من جميع أنحاء جسده میاه عرقه و دموعه معااا ، ما هذا الشعور القاسي ؟!! منذ أن عرف من عمته بما تخفيه بقلبها وعقلها عن الجميع و هو بأسوأ حالاته على الإطلاق شعور الذنب و الندم قاتل يكاد يهلك بين رحاياهم فاقداً ما تبقي من أنفاس مقاومته أغمض عينيه و هو يستعيد هيئتها المتوسله له ، المستجديه رحمته حين كانت مدرجه بدمائها الطاهره ، لقد دنسها ، قتل براءتها والآن يبكى على ما اقترفته يداه ...
مسح دموعه عن وجهه بعنف ثم رفع يديه يجمع خصلاته جاذباً إياها للخلف بقوه عله يصل إلى حل بتلك الكارثه ، لقد وافقت على ذاك اللعين ليكون زوجاً لها ؟!! لقد أبت أن تمنحه عفوها و غفرانها ، و سوف تبدأ بحياه جديده مع رجل آخر ؟!!! هل عليه أن يقف الآن مكتوف الأيدى مختبئاً بتلك الغرفه ؟!!! هل يأخذ دور المشاهد الصامت ؟!! لقد رفضت جميع محاولات التفاوض معه عليها أن تسمعه فقط مره واحده لعلها تغفر !!!!! لعلها ترحم عقله المرهق و قلبه الثائر الآن
وقف وهو يزفر أنفاسه بقوه ثم اتجه إلى كابينه الاستحمام يمنح جسده حمام دافئ قبل أن يبدأ بما يمهده الآن بعقله ، حسناً إن كانت لا تريد أن تسمعه لتري بأم عينيها ؟!!!!!
مر الوقت به و هو يُعد جيداً ليصل إلى غرضه قبل أن تبدأ حفله خطبتها لرجل آخر اليوم لن يحدث ذلك لن يرى ذاك اللعين جواراها ، خرج من غرفه المكتب يراقب حاله الهرج السائدة بحركه الخادمات حيث يحاولن إنجاز ما تكلفه بهن العمه التي وقفت بعيداً نسبيا تحدق به بنظرات حزينه وكأنها تعتذر له ! ابتسم بسخرية داخله و هو يتسأل من عليه الاعتذار ؟!! هز رأسه بارهاق و كاد أن يتجه إلى الأعلى لتبديل ملابسه لكنه اصطدم ب "نائل" الذي كان يهبط مسرعا و هو يتحدث بالهاتف و من كلماته من الواضح أنه يتفق علي إحدى التنظيمات ، جز علي أسنانه بقوه و أمسك ذراعه يوقفه و رماديتيه ترسل النظرات المشتعله له ليعقد الأخير حاجبيه
و ينهى مكالمته مسرعا و هو يتجه معه إلى جناحه مندهشا مما يفعله ابن عمه ليقول فور أن أغلق الهاتف و بلحظتها أغلق "فهد" باب جناحه :
ايه يا اعم أنت بتعمل ايه أنا مش فاضى أسيف طالبه منى كذا حاجه
لكزه "فهد" بكتفه بقوه و هو يهتف بعنف :
- أنت معندكش دم يلااا ؟!!! أنت هتساعدها تتجوز الواد الملزق !ده ؟؟
ابتسم "نائل" ببرود و هو يدلك محل لكزته القويه التي جعلته يطلق تأوه خفیف و غمز بإحدى عينيه له يقول بتساؤل مزيف :
و أنت مش عايزنى اساعدها ليه هاا ؟! هي بنت عمي و هو صاحبي و بصراحه لايقين اووي علي بعض
اتسعت مقلتيه حين تلقي لكمه قويه و دفعه عنيفه بمنتصف صدره أدت إلى ارتطام قوي لجسده بالحائط خلفه أطلق صيحه قويه حين انقض عليه "فهد" بشراسه صارخاً به بعنف :
- مين دول اللي لايقين علي بعض أنت بتستعبط و لا عااامل مش فاااهم ، أنت بتساعد صاحبك ضد ابن عمككككك ؟!!!
لكمه "نائل" فى عضلات باطنه بعنف و هو يحاول تخليص جسده منه صارخاً به بغضب :
ايه يا فهد الغباوه دى تصدق ليها حق ترفض تكلمك انا راجل و مستحملتش .. و بعدين ايوه أساعد صاحبي طالما يستحقها لو اتحطيت أنت و هو في الكفتين طبيعي هو يكسبك كفايه إنه مش غبي كده
لا يعلم ماهية ذاك الشعور حين حدثه عن استغلال قوته الجسمانية معها ،،، ومعه الآن
عاد بجسده إلى الخلف و هو يفك اسره مبللاً شفتيه و قد زاغت عينيه بعده اتجاهات يحاول صرف هيئتها عن عقله حتى يتثني له استجماع شتات عقله و قلبه الذي ينبض بين ثنايا صدره بقوه شديدة منذ علم بأمرها هى والطبيب وكأنه مقبلاً علي حرب .. هي بالفعل حرب ؛ حرب خاضتها بمفردها نحوه تعثرت أمامه عده مرات ليبتسم ظناً منه أن تلك هي لحظه انتصاره لكنها كانت تخذله حين تقف بمواجهته مره أخرى ملطخه بدماء انتصارها هي عليه تلوح له بابتسامه صافيه عله يرفع رايته أمام براءتها لكنه أبي و اسكتبر ، ليكون مصيره جاثياً على ركبتيه أمام عرشها ينتظر أمرها بفك أغلال أسرها له .
وقف "نائل" يحدق به ببعض الندم حين رأى ذاك الحزن الطاغي على ملامحه الرجوليه ليتقدم منه رابتاً على كتفه بحزم يقول بهدوء :
سيبها فى حالها يافهد أنا نفسى خوفت منك دلوقت اللى بتعمله ده مش ممكن يخليها تفكر فيك لحظه واحده أو أنها تسامحك حتي ...
حدق به بأعين دامعه منهكه من فرط الوجع الذي قاساه و لازال يقاسيه بمفرده ثم همس بصوت متحشرج أجش :
مش قادر اسيبها يانائل ، حاولت و معرفتش نظراتها ليا مجرد ما بتشوفني صدفه بس بتفضل في عقلى طول يومى خنجر داخل طالع في قلبي كل مافتكر اللي عملته أنا عارف إنها جريمه و عارف إني دمرت أي أمل بينا بأيديا و عارف إنى أناني في طلبي أنها تسامحني بس أنا مش قادر .. حط نفسك مكاني ، لو حبيت واحده هتقدر تشوفها مع حد غيرك ؟!!!
اتسعت أعين "نائل" بمفاجأة لم يكن ينتظر اعتراف ابن العم ابداااا بتلك اللحظه ليهمس بذهول مستنكر :
- حبيتها ؟!!
و كأنه كان ينتظر كلمه ابن عمه ليصرخ بغضب و هو يصول و يجول حول نفسه يجذب خصلاته بعنف و يلوح بيديه :
- ايوه حبيتهااااا ، مين يقدر يشوف أسيف وما يحبهااااش انا حبيت أسيف و براءتها حبيت أصغر تفصيله فيهاا بقيت تجذبني ليها غصب عني و بقيت بحارب نفسي عشان ماخونش عهدی لواحد اكتشفت انه اصلاااا كان مريض عيشني في وهم انتقااام مش موجود ، عارف أنا رجعت بيها هنا ليه ؟!! عشان ماقدرش اجی جنبها عشان أخاف منكم لو عرفتوا باللي بعمله و مقربتش منها من ساعتها كوابيسي مكنتش بترحمني اصلاااا لحد ماجت الليله اللي حاولت أقرب منها بجد و رفضتني ، مشوفتش غير نظرات أمى و كلام ابويا بقي في وداني هاتلي راجل واحد يقبل إن مراته ترفضه مشوفتش قصادي و بعترف إنه أكبر ذنب عملته في حيااتي كانت هي ، أنا بتمني إني أموت عشان أنسى اللى عملته فيهاااا ، بتمني أني أموت كل لحظه بشوف بنظراتها لياااااا ، بتمني الموت و لا إن راجل تاااني يقرب من أسيف و أنا عااايش ، أنا ندمت إني طلقتها كان لااازم اخليها علي ذمتي غصب عنها وعنى ، بس قولت كفايه غصب عليها لما تهدي هحاول معاها مره و اتنين و تلااته لحد ما تسامحنى ، أيوه انا طمعت في رحمتها ، و لسه طمعان یا نائل ، قولي اعمل ايه غير أني اسيبها لراجل غيري أنا مش ملاك عشان اعمل كده
سلط أنظاره أخيراً عليه و هو يلتقط أنفاسه اللاهثه اثر صراخه الغاضب العنيف حيث صدره يعلو و يهبط بعنف ، نبضات قلبه يسمعها الآن ابن عمه المذهول مما يسمعه هل ذلك فهد ابن عمه الصامت الصارم ؟!! هل يحب "أسيف" بالفعل ؟!! لقد ظن أنه غار من علاقتها بيزيد فقط ، لكن مشاعر ابن العم حقا تحركت نحو المستحيل بذاته ، راقب "نائل" تلك الدموع التي تلمع علي لحيه ابن عمه و يراها لأول مره بذهول حقيقي نظرات الانكسار التي تصرخ بها مقلتيه حقا اوجعته ليزفر بارهاق و هو يهز رأسه بعدم تصديق لما تؤول إليه أمورهم لقد أصبحت الأمور أكثر تعقيداً الآن ليهمس بصوت واضح و بدا انه يتحاشى النظر إلي ذاك الفهد :
- مستحيل أنت بتحاول في حاجه مستحيله يافهد ، أنت متعرفش 1مشاعر أسيف ناحيتك شكلها إيه دي مش مستحمله تشوفك حتي ، أنا نفسي خوفت منك دلوقت تخيل بقي واحده زي أسيف عاشت معاك أيام وليالي بالرعب ده مش بس لحظاات زيي ...
اتجه إليه "فهد" يضغط على كتفيه بقوه و هو يهدر بصوت متحشرج :
- نائل مفيش غيرك يساعدني حتي عمتك من ساعه كلامها مع أسيف قالتلي انسي بس أنا فعلا مش قادر ، أنا مش طالب غير إن يبقي ليا حاجه فى كفتي عندها و ده مش ممكن يحصل لو يزيد ارتبط بيها هو فاهم مشاعرى ناحيتها عشان كده بيسرع من ارتباطه
عقد "نائل" حاجبيه بتوهان و أردف باندهاش :
مش فاهم يعني ايه كفتك تتساوى أنت هتعمل ايه ؟!! و أنا اساعدك ازاي بقولك مش طايقه تسمع اسمك
عقد "فهد" حاجبيه وهو يردف بغضب
- ما خلاص يابني آدم عرفت إنها مش طايقه تسمع زفتي ، الكفه تتساوي يعني أنا دلوقت الشيطان في نظرها و يزيد باشا طبعا الملاك الحارس و أنا مش عايز غير فرصه اقدر أوضح فيها إني اتغيرت و اخليها تسامحني
نطق كلماته الأخيرة بهزل و ضعف شديدين وبدأت الدموع تلتمع بعينيه بنظره يائسه للغايه حرکت غضب ابن عمه من ذاك الضعف الذي بدا عليه لأجل فرصه واحده ؟!! زفر "نائل" بارهاق و قال بهدوء نسبي :
- طيب و أنا اقدر اساعدك ازاي ؟!!! و غير كده خليك فاكر تيم هاا لو أسيف قبلت تسامحك مش تحبك واخد بالك أنت ... تيم ممكن يقتلك و يقتلها و يقتلني علي مساعدتي دي أنا عارف ان آخرتي على ايد حد منكم و بما إنك بقيت كيوت كده عشان خاطر سوفي
يبقي أكيد تيم هو اللى هيقتلني
الله الله
كشر "فهد" عن أنيابه بغضب و أمسك تلابيبه يجذبه إليه و هو يردف بغضب ينافي حالته منذ قليل تماماً :
26
- مين ده ياض اللى بقال كيوت و عشان ايه ؟!! اسمها ايه سمعني تااني ؟!!!
ضيق عينيه و قد لوحت أمارات عنفه وغضبه بالاجواء ليبتسم "نائل" و يردف ببرود و هو يربت على ظهر يدي "فهد" المتشبثه بتلابيب قميصه بعنف :
لاااا بقولك إيه أنت حالياً محتاج مسااعده هااا ، جو الغطرسه و قله الأدب دي هتطفش البت أكثر ما هي طفشااانه لم نفسك كده و افتكر أسيف بتكره العنفففف !!!
أغمض "فهد" عينيه يحاول استجماع هدوءه ثم انزل يديه عن قميص ابن عمه المستغل و ابتسم ببرود مماثل يقول بمكر :
حلو يعني قبلت تساعدني
نظر له "نائل" بطرف عينيه بقلق ثم اردف :
ايه ده أنت مبتسم كده ليه احنا هنقتل يزيد و لا ايه ؟!! بقولك إيه أنا من الاول قلقان منك و ...
لكزه "فهد" بغضب و هو يقطع سيل كلماته و أفكاره قائلاً بغضب :
- بقولك ايه يا زفت أنت متعصبنيش أنت شايفني قتال قتله قصادك ، خلاااص بطلت زفت عنف اومال أنا اتعالجت من ايه ، أنا هستخدم دماغی بسسس زي ما هو بيعمل
تنهد "نائل" و قال بعقلانيه :
تمام مساعدك بس أول ما احس بضرر ناحيه أسيف أنا هوقف على طول أنا معنديش استعداد اخسرها ده أنا لو ليا أخت مكنتش هتعمل معايا اللى هى بتعمله ، ده غير إن يزيد صاحبي و مش هضره برضه اعملك اي حاجه بعيد عنهم
زفر "فهد" و هو يهز رأسه الإيجاب رابتاً على كتفيه بقوه :
- أولاً أنا مش ممكن أأذيها يا اغبي و أنا بعمل كل ده عشان تكلمني ، ثانياً قولتلك إني مش قتال قتله مليش أي علاقه بيه كل محاولاتي هتبقي معاها ...
اتسعت عيني "نائل" يهتف مسرعاً :
لحظه لحظه هما محاولات مش محاوله ؟!! أنت مطول و لا ايييه لا ده أنت شكلك ناوي تشتري ليهم تذاكر شهر العسل
رفع يديه بحمايه أمام وجهه حين أغضب ابن عمه و كاد يلكمه بعنف علي كلماته الغير منتقاه بالمره ليسرع قائلاً :
- قولي عاوز تبدأ بايه يا كبير و أنا تحت أمرك .
تنهد زافراً أنفاسه و هو يحدق به لحظات قبل أن يبدأ بقص عليه ما يريد فعله بالتحديد ليقلب تلك الليله
*
جلست "ندي" شارده فوق ذاك المقعد فى الحديقه تحاول صرف تفكيرها عن ذاك الطبيب الذي استطاع كشف مكنون صدرها و لعبتها الحمقاء لقد تمكن من إشغال عقلها كما أراد و تحميلها ذنوب ما اقترفته أيديها مؤكداً عليها أنها المتسببه بما آلت إليه حالتها و أن الله قد اختار الأفضل لها حين فقدت جنينها حيث قال إنها فرصه عظیمه عليها اغتنامها و الإعتراف بمرضها لأجل التداوى منه ، زفرت بارهاق و قررت العوده إلى غرفتها مره أخرى علها تنعم ببعض ساعات النوم التى حُرمت منها طوال ليلتها الثقيله ، اتسعت عينيها جب وقعت انظارها على تلك الحقيبه المخصصه للهدايا اتجهت إليها تقف عاقده حاجبيها و بدأت أناملها تعبث بمحتوياتها لتجدها عباره عن علبه كبيره مغلفه و محكمة الإغلاق جيداً ، ابتسمت تلقائياً و هي تقرأ سطور الورقه المطويه بجانب العلبه ثم أعادت قرأتها بصوت واضح وكأنها تحاول تصديق ما تراه الآن :
- افتحي هديتك و حاولى تستغليها أنا مشغول النهارده و مش هقدر اقابلك لكن ميعادنا بكره عاوز اجي ألاقيك منفذه ده
ابتسمت و بدأت أناملها بفك الشريط الحريري و هي لأول مره منذ وقت طويل تبدي حماستها ناحيه شيئ ماا
*
وقفت "أسيف" تعقد ذراعيها أسفل صدرها بغضب و هي تحدق بذاك الفستان النبيذي الذي أرسله اليها "يزيد" مع بطاقه صغيره تحوى رساله مقتضبه أمسكت هاتفها و هي تطرق عليه بغضب مسرعه تتصل به منتظره لحظات قبل أن ترفعه إلى أذنها قائله بغضب :
ايه ده يا يزيد ، مين قالك إنى هلبس اللون ده اصلااا ، أنت عارف إني بكره اللون داااا
صمتت لحظات تستمع إلي حديث قبل أن تقول بغضب و هي تحاول التقاط أنفاسها وعمتها تحدق بها باندهاش :
ردما ادي ايه لا ده مش رمادي و الورقه قصادي مكتوبه بخط ايديك أنا عارفاه
لحظات مرت عليها و هي مره أخرى تحدق بالورقه ثم زفرت بغضب و قالت باعتذار :
انا هختار فستاني بنفسى أسفه ليك مش هقدر ألبس ده
بللت شفتيها ثم بدأت ثورتها بالخمود تدريجياً و هي تقول متنهده :- خلاص ماشي .. مش زعلانه لا ... سلام
اختفت ابتسامه ذاك المراقب للوضع من خلف الجدار و ابن عمه يلكزه بجانبه هامساً له :
- أنت مقولتليش ليه علي موضوع الفستان ده احنا مش اتفقنا مش هتتدخل بينهم ...
غرس "فهد" أصابعه بعنف فى ذراع ابن عمه و هو يسحبه بعيداً حتي لا يتصاعد صوتهم لها .. ثم هدر معنفاً إياه بغضب :
- ايه يابني ادم أنت و أنا عملت إيه ليهم كل الحكايه بحب اللون ده و كان نفسي تلبسه بس للأسف أسيف اتغيرت ۱۸۰ درجه بس بدایه حلوه برضه
حدق به نائل" باندهاش ثم قال و هو يضيق عينيه بسخرية :
بتحب اللون عليها ! فهد ياحبيبي فوووق أسيف بتتخطب لواحد تاني يعني هتلبس ليه هو مش ليك أنت صدقت ن...
قطع حديثه و هو يكمم فمه و يده الأخري خلف رأسه يهزه بعنف و غضب متشدقاً و هو يزيح جسده للحائط ليرتطم به :
لو حاولت تستفزني تااني و تجمعهم في جمله أنا هقتلك أنت و أروح السجن و ارتاح بقااا
اتسعت عيني "نائل" و هز رأسه بالإيجاب علي الفور ثم ازاح يد ابن عمه و هو يهمس له بلوم :
هو ده اللى مش هتستخدم العنف تااني ؟!! اعمل حسابك أسيف كل كلامها هيبقى على إنجازات يزيد معاها ده لو قبلت تكلمك انجز و قولي هعمل ايييه أسيف هتاكلنى لو عرفت أني معملتش اللي قالته
أخرج "فهد" فلاشه صغيره من جيبه ثم وضعها بيد ابن عمه يردف بنبره تحذیریه حازمه :
اظن فاكر هتعمل ايه .. متنساااش أنت مشوفتش اللي سابها الأمن هو اللى سلمها ليك ساامع
هز رأسه بقلق و هو يأخذها منه بتردد قائلاً بتأكيد :
- فهد أنا وثقت فيك اوعي تكون الفلاشه دى فيها حاجه عن اللي حصل بينكم
اندهش "فهد" من تفكير ابن عمه و أردف بغضب :
- أنت اتجننت يا نائل أنا لو أطول امسح الفتره دي من حياتنا هعمل ده الفلاشه فيها حاجه تاني خالص !!! ، اتمني أسيف تكون لسه محتفظه بجزء من براءتها ناحيتي وتسمعها المهم إنك تخرج عمتك من الاوضه مش عاوز حد معاها ساامع
*
غريبه أوى لو حد يعرفنى ليه الامن مدخلوش ؟!!
قالتها "أسيف" و هي تقلب تلك العلبه الصغيره الملفوفه بين يديها حيث وضع "نائل" الفلاشه داخلها كما أتفق مع ابن العم ، ليردف باندهاش مجيبا إياها :
- ايه يا أسيف اللي غريب بس ، ممكن واحده صاحبتك و حابه تفاجئك شوفيها و أنا هروح أشوف الاوردر بتاع الفستان وصل و لا ايه
ثم تركها و ولى خارجاً مصطحبا عمته و هو يحادثها معه
فتحت العلبه بقلق ثم قلبت محواها بين أصابعها لحظات قبل أن تنصرف إلى جهازها تبدأ بتشغيلها بأيدي مرتجفه متوتره للغايه ، و لا تدري ما تلك القبضه التي تشتد على صدرها الآن من فرط قلقها
لا تدري ما تلك القبضه التي تشتد علي صدرها الآن من فرط قلقها الغير مبرر أخيراً أدركت سبب ذاك الرعب حين ظهر وجهه الماكر أمامها يبتسم بهدوء و هو يردف من خلف تلك الشاشه الصغيره و كأنه على علم بتصرفاتها الآن :
ها اى يابيبي ، اوعي تقفلي ارجوك و أنا عمري ما اترجيت حد يا أسيف مش هتخسرى حاجه لو سمعتيني و أنا مش قصادك ، أنا عملت الفيديو ده عشان بقيت متأكد إنك كارهه أي مكان يجمعنا سوا ، لو تيم غالي عندك كملي الفيديو للآخر مش عايز أكثر من كده
اطلق تنهيده بارهاق واضح ثم دس يده بخصلاته بحركه تعرفها جيداً عنه يفعلها حين يفقد أعصابه ، بدأت الدموع تتجمع بمقلتيها و هي تحدق به بصمت و أصابعها تتراجع عن زر الإغلاق رويداً رويداً لتسمتع إليه يقول و هو يجلي حنجرته بصوت رخيم متعقل :
- أنا عارف شعورك ناحيتي شكله إيه كارهاني و مش مستحمله تشوفيني ، و لو تقدري تقتليني هتعمليها من غير ما تترددي لحظه واحده و أنا مش همعنك ساعتها يا أسيف و ربي ما همنعك هستقبل الموت منك و أنا مرتاح ومبسوط كمان ، أنت مكنتيش تستاهلي اللي حصل و أنا كنت مغيب في عالم تاني .. و ده مش مبرر ابدااا و لا عمري هيبقي ليا حق فى اللي عملته ، أنا هحكيلك حكايه صغيره و سايبلك فيديو تشوفيه بعد ده و مش عايز منك غير إنك تسمعيني و تعرفي إن طلبي الوحيد تسامحيني أتمنى ما شوفش نظرات خوف في عينك بعدها لأني معنديش جراءه اتعرضلك تانى يا أسيف
تنهد و هو يفرك ذقنه يحرك رأسه للجانبين و هي تتابعه بقلب وجل يرتجف و قد بدأ سيل الدموع يزحف لعينيها و شفتيها ترتجف من وقع كلماته و لأول مره تستشعر الصدق برماديتيه الماكره لا هي ليست ماكره تلك المره هى دامعه نادمه .. مرهقه للغايه ... استمعت إلى صوته الأجش يقول بنبره متألمه واضحه :
الحكايه دى لطفل صغير عمرى ما حكيتها لحد هتقولى بحاول اكسب عطفك أيوه انا محتاج عطفك يا أسيف و لأول مره بحتاجه من حد بعد .. أمي .
زحفت الدموع إلى عينيه هو تلك المرة و بدأ يسعل محاولاً الحفاظ على نبرته لتكون واضحه لها مكملاً :
الطفل ده كان عنده بالظبط ٦ سنين صحي في يوم على أصوات تکسیر و تخبيط جامده جدا .. طبعا اترعب و خاف يطلع من اوضته و عيط بس لما لقى الوقت عدي و الأصوات سكتت فضوله غلبه و عياطه وقف و حب يشوف إيه اللى حصل و ياريته ما خرج من اوضته .. عارفه شاف ايه
اغمض عينيه و و كأنه يستحضر مشهد . ما و أكمل بصوت غالبه
الدموع .. :
- شاف أمه غرقانه في دمها لدرجه معرفش ملامحها في الأول ، الدم مغطي وشها كله و هدومها شبه مش موجوده بتحاول تفتح عيونها و تبص عليه و هو في زاويه صغيره بيعيط من رعبه و المنظر حواليها ، خايف يقرب منها و خايف يسيبها و يمشي ، فضل واقف مكانه بيتنفض لحد ما شاف أبوه رايح عليها رفعت ايديها كأنها بتمنعه يقرب لكن هو كمل و نزل قعد جنبها يعيط ، و يترجاها بكلام مش مفهوم .. الموقف ده بقي يتكرر يوم و اتنین و تلاته و الطفل ده بيكبر و بيخاف يقرب منهم في الوقت اللي يحصل فيه كده لحد الأم في يوم جت و اتفقت معاه اتفاق ، إنه أول ما يسمع الأصوات دي هيقعد في اوضته و هيقرأ القرآن اللي حفظوه سوا بصوت عالي و الصوت هيسكت .. بس طلعت بتخدعه بقا يعمل كده فعلا و صوته يعلي و يعلي و أصوات الضرب و الصريخ بتعلي معاه ، بدأ يفهم أن أمه بتتعذب من أبوه لما دخل المدرسه و بدأ يفهم طرق المعامله بين الأهل شكلها الطبيعى إيه مع الوقت بقى یکره وجود ابوه و مجرد ما يختفي يجري علي أمه يساعدها و هو بينفذ كلامها اللي بيخرج بصوت واطي عشان تقوم و تقف تاني ، و في يوم وصل فيه ١٠ سنين و أخته كانت لسه طفله رضيعه وقف يشوفها و هي بتصرخ بكل قوتها كأنها اول مره يحصل معاها كده و راح عليها عشان يساعدها زي كل مره بس معرفش عارفه ليه ؟!!
تساقطت دموعه كالسيل وبدأ صوته يختل و يضعف و شهقات خفيفه تشق حديثه و هو يهمس مغمضا عينيه :
- لقاها يتتنفض و الدم خارج من كل حته في جسمها سخنه زي النار و دموعها بس هي اللي موضحه إنها حاسه بيه ، أبوه ضربها بالشكل ده و هى محمومه من الأساس بدل ما يعالجها قتلها ... حاولت .... ها حاولت اساعدها زي كل مره بس مقدرتششش ، أنفاسها الأخيرة خرجت و هی بین ایدیا عاجز إني اساعدها و مفهمتش ليه سكتت فجأه دموعها و جسمها بقي ساكن زيها .. غير لما أبويا قالى إنها ماتت يعني مش هنشوفها تاني و السبب أبوك
تنفس بارهاق من فمه و هو يحاول مسح دموعه بعنف قائلاً بصوت متحشرج من سيل الذكريات الذى قبض علي أنفاسه بشكل واضح أمامها .. :
و فضل سنين كل يوم يسمع حكايه عن عمه اللي كان عاوز أمه ليه و كان بيحاول معاها ، مع الوقت اقتنعت بأفكاره و وعدته إنى هرجع حقه أنا اعتقد إنك عارفه الباقي أتمنى قبل ما تحكمي عليا بكذبي او صدقي تشوفي الفيديو التاني ، الفيديو متصور بالكاميرات بتاعه الشقه اللي كنت فيها
ثم اختفي .... اختفي بعد أن تسبب ببكائها نتيجه تلك القصه القاسيه التي قصها عليها بدموع عينيه حيث تراها لثاني مره بحياتها هي علي يقين بمدي صدق أحاديثه و لم تتخيل ابداا أن تصل بشاعه عمها لذلك الحد لكن زحفت أناملها المرتعشة و هي تكتم شهقاتها لرؤيته الفيديو المزعوم وياليتها لم تفعل !!!!!!!
لقد كان اشبه بإحدي الأفلام المرعبه حيث الصرخات المروعه الصادرة عن تلك السيده التي تضم جسدها فوق الارضيه البارده تتلقي صفعات بالحزام الجلدي و ركلات قاسيه .. ربااااه لقد شعرت بكل ذلك ... لقد عادت إليها تلك اللحظات القاسيه و انطلقت الدموع من عينيها و هي تغطى فاهها بيديها الاثنتين تكتم شقهاتها المتتالية من هول ما ترى لقد كان أبوه متجبرا أكثر منه بمراحل لقد عانت تلك السيده الويلات لتكون حياتها ثمنااا لمريض نفسى لم يعالج
الحياه ليست عادله قد تندلع القسوه لتغرق لحظات حياتنا و نشعر بأنها النهايه .. نهايه عالمنا الوردي .. نهايه بهجتنا .. نهايه تلك الابتسامه أعلى شفاهنا ... لكنها تكون بداية .. بداية جديدة للحظات مختلفه و شعور مختلف قد يقودنا لعالمنا الأفضل ظنناه يوماً النهايه.....
الفصل التاسع عشر والعشرون والواحد والعشرون من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا