رواية وبالحب اهتديت الفصل الخامس 5 بقلم سلمى خالد


 رواية وبالحب اهتديت
الفصل الخامس 5
بقلم سلمى خالد


«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات

( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ذِكْرَيَات وَجَفَاءٍ!)

أن الزمن كفيل بتبخر تلك البسمة الناعمة العالقة بثغرك، تعطيك أخرى تعيسة يظهر عليها البؤس، فتنظر بالمرآة هل هذا أنا؟ هل هذه بسمتي التي أخبرني الجميع عنها أنها جميلة؟ ماذا حدث لها!

بذلك الوقت يتألم قلبك من ملامحك التي نهشها الحزن، وعينيك اللتان يطوف بهما تعاسة، ثم تبحث وسط كل ذكريات عن سبب ما أصيبت بهِ، فتجد أن أقرب ما لقلب أخلى بوفائه لك، وخذلك بوقتٍ انتظرت أنت به يده لتعاونك ولكنها كانت يد تضمرك أسفل خذلانٍ قاسي.

هبط من أعلى الفرسة الخاصة به، بعدما أخذ جولة بها، يعيده إلى الاسطبل الخاص بـ الأحصنة الخاصة به والذي ورثه عن والدته، فكل واحد من ابنائها ورث جزء الذي يفهم به، وجبران يعشق الأحصنة، أغلق الباب على فرسه باللون الأسود وبه غرة من اللون الأبيض، من ينظر لهذا الحصان يظنه مغرورًا كمالكه.

أمسك بالجزر واقترب من الحصان يطعمه إياه، يتذكر حديث يقين له وكلماتها الأخيرة، لا يحب طريقتها تلك في الابتعاد، يريدها دائمًا بحاجته، يريدها أن تظل له، يريد أن يخبرها عن كل شيء عنه وتصبح هي بئر أسراره.

تنهد من ذلك الفكر الغريب، وقرر المغادرة عائدًا إلى منزله ليرى ما ستفعله يقين، ولكن قرر السير على اقدامه كي يهدأ من نفسه ويخرج ما بقى له من انفعال، حتى وصل إلى المنزل شاردًا، صعد إلى غرفته ودلف إليها ينظر بها باحثًا عنها، ليجدها تقف في الشرفة، تعجب قليلًا من وقفتها تلك وذهب نحوها ليرى ما الذي يوقفها هكذا، ليجدها شاردة غير واعية لوجوده.

مد كفه يضعه على كتفها ليحركها بهدوءٍ ولكنها انتفضت من مكانها تنظر للفاعل، ما أن رأته حتى حاولت جمع شتات نفسها كي لا تبكي أمامه، فهو هددها بالطلاق ووالدتها اخبرتها أن طلقها لتطردها من المنزل، الآن هو قشة النجاة التي ستحميها.

تعجب جبران من اطالة نظرها له، ثم لاحظ احد وجنتيها التي عليها أثار صفعة قوية، وشفتيها السفلى المجروحة، تأمل ما حد ولكن تسارعت أنفاسه بقوةٍ، يقبض على يديه بعنفٍ لضبط انفعالاته ولكن هيهات وقد برزت عروق رقبته، وتحولت حدقتيه للونٍ مخيف لا ينم على خير، هتف متسائلًا يشير بيده نحو الصفعة:

_ مين عمل فيكي كده؟

أدمعت عينيها بصمتٍ ثم هبطت ببصرها إلى الأسفل، تخفي انكسارها الداخلي عنه، لا تريد أن يراها هكذا، ليردد جبران بعصبيةٍ مفرطة:

_ وعز وجلالة الله لو ما نطقتي لهكون قابل البيت عليه واطيه.. مين عمل كده؟!

صرخ بجملته الأخيرة مما جعلها تتفض بوقفتها تتراجع إلى الخلف بعيدًا عنه، نعم أنه كما قال عامر وحشًا مخيف، ولكن هل هذا الوحش كاملًا أم جزءًا صغير منه؟، حركت رأسها بنفيٍ قائلة بذعرٍ:

_ مفيش حد مفيش..

مسح جبران على وجهه بغضبٍ، يحاول السيطرة على انفعالاته، ثم تقدم نحو بهدوءٍ يمسك كف يدها المرتعش، يدخلها إلى الغرفة كي لا تبقى بالشرفة، يجلسها على الفراش وهو بجانبها متمتمًا بحنوٍ:

_ عرفيني بس مين عمل كده عشان اخدلك حقك.

أغمضت عينيها سريعًا تكبح دموعها من الهطول، ثم حاولت رسم بسمة صغيرة، قائلة بأعينٍ تمتلأ بالحزن:

_ أنا كويسة اهوه مفيش حاجة.. ممكن مقولش اسم ولا أي حاجة.

تعجب من اصرارها على عدم النطق، لحاول الحديث معها بلطفٍ قائلًا:

_ أنا جوزك يا يقين وواجبي احميكي.. فكرة إني اخرج وارجع ألقي مراتي مضروبة بالقلم دي كبيرة أوي في حقي.

التمعت حدقتيها بألمٍ جارح بقلبها، تبتسم ساخرة على جملته الأخيرة، لتعلق بسخطٍ:

_ مراتك وجوزك! هي مش برضو مراتك اللي هددتها بالطلاق عشان عفويتها.. سوري غبائها

نظر لها جبران بتدقيقٍ، ليبرر ببرودٍ:

_ دا على أساس متجوزين بعض عن حب مش مجبور في الجوازة دي!

اشتعلت عينيها بغضبٍ من حديثه، لتهتف بعصبية تنهض من مكانها تبتعد عنها:

_ طالما مجبور ومش طايقني يبقى الأحسن أننا نتعامل على أننا أغرب وياريت منتكلمش وصدقني لو هموت مش هطلب منك النجاة ابدًا.

تركته لتغادر الغرفة تاركة إياه يشعر بغليان الدماء في عروقه من حديثها الأبله، في حين سارت نحو الردهة بخطواتٍ غاضبة حتى وصلت إلى الردهة، وما أن رأت عامر حتى كادت أن تبتسم ولكن رأت ملك معه لتتحول بسمتها بأخرى حزينة، استدارت تغادر الردهة تقف بالحديقة المرفقة لهذا المنزل العريق، تذرف دموعها بصمتٍ، تخبئ جسدها بشجرة توتٍ كي لا يراها أحد ويسألها عما هي به.

***********

وقفت بترددٍ أمام غرفة ابنتها الثانية، تطرق بخفةٍ تنتظر أن يفتح الباب، وبالفعل كانت دقائق وفتح غفران الباب بهدوءٍ، ابتسمت له ناهد قائلة بحبورٍ:

_ صباح الخير يا حبيبي.

اومأ برأسه بإيجابية، يفسح لها المجال متمتمًا بهدوءٍ:

_ صباح النور.. اتفضلي.

دلفت ناهد ببعض الحرج، ليغلق غفران الباب يشير لها بأن فاطمة تجلس بالشرفة، تحركت ناهد باتجاه ابنتها تبتسم برضا عنها، تردد بحنو:

_ صباح الخير على أحلى عروسة.

ادركت فاطمة وجود والدتها لتمسح وجنتيها سريعًا قبل أن ترى والدتها دموعها، ثم نهضت تتقدم نحوها لتحتضنها سريعًا مخفية وجهها بها:

_ وحشتيني يا ماما.

تعجبت ناهد من فعلت ابنتها، لتزيحها عنها قليلًا تطلعت بوجهها في تدقيق لترى أثر دموعها، قلقت بشدة عليها لتهتف بقلقٍ واضح:

_ عملك حاجة! ضربك أو عمل حاجة غصب؟!

انتفضت بصدمة من حديثها تحرك رأسها بنفيٍ سريعًا، تجيبها:

_ لالالا يا ماما معملش حاجة من دي.. بس طبعه صعب شوية وأنا مش عارفة اخد عليه.. وعشان كده بعيط.

تنهدت ناهد براحة، ثم امسكت بيدها تتحرك بها نحو المقعد ليجلسان سويًا تردد بحنوٍ ظاهر:

_ أنا عارفة يا بنتي أن طبيعة جوازكم جت بسرعة، وأنها مكنش مترتب ليها، بس جوزك على قد كده غلبان وطيب، هو يمكن عصبي حبتين لكن دا بسبب اللي حصله زمان من الحادثة وأن خطيبته سابته

نظرت لها فاطمة بتعجبٍ، قائلة:

_ خطيبته سابته إزاي؟

عضت ناهد على شفتيها بضيقٍ من ذاتها أنها لم تكن ذات صلة بوالدها وشقيقها كي تعلم ما حدث لغفران، فأجابتها بقليلٍ من الحزن:

_ ماهو عشان بقالكم 15سنة مش بتيجوا البلد ولا عيال خالك بيجوا فعشان كده متعرفيش تفاصيل.. غفران كان خاطب بنت خاله وهي سبته بعد اعاقته ومن يومها حابس نفسه ومش عايز يكلم حد.

استمعت فاطمة لحديثها وفهمت سر الدائم لرغبته بالانتقام، لتسترسل ناهد بتأكيد:

_ بصي يا حبيبتي حطي جوزك جوا نن عينكِ عشان هو اللي هيكمل معاكي.. اعرفي طبعه وهحاولي تتماشي معاها.. حببيه فيكِ وعرفيه قيمتك.. الست الشاطرة اللي تكسب جوزها وهو بقى حلالك يعني تعملي اللي عايزاه.

خجلت فاطمة من حديثها، لتظل ناهد تعطيها نصائح عن اكمال حياتها مع غفران، لتختتم حديثها بتحذير:

_ أوعي اسمع أن في طلاق.. أنا بناتي ميطلقوش ابدًا فاهمة يا فاطمة اوعي في يوم ألقكي مطلقة أو عايزة طلاق صدقيني وقتها مش هبقى أمك ولا اعرفك.

تأملت فاطمة حديث والدتها بصمتٍ ثم تذكرت كلمة غفران لها أنه سيطلقها بعد وقت من زواجها، حاولت فاطمة الحديث بنبرة متلعثمة:

_طب افرضي يا ماما مش متفاهمين وآآ..

قاطعتها ناهد بحدةٍ قاسية:

_ إياك يا بنت بطني تطلقي.. لو في يوم هتطلقي يبقى اعتبريني موت.

انتفضت فاطمة بذعرٍ قائلة بخوف:

_ بعد الشر عنك يا ماما.

ربتت على يدها بحنوٍ ثم نهضت قائلة بنبرة هادئة:

_ أنا ماشية واسمعي اللي قولت عليه.. اكسبي جوزك.

غادرت ناهد الغرفة تاركة ابنتها أمام موجة عاتية لن تقدر عليها، دلف عليها غفران ليراها شاردة ولم تشعر به، نظر لها ببعض التعجب ثم قال بنبرة جامدة دون اهتمام:

_ يلا عشان ناكل.. أم عبده جابت الأكل.

تحرك بعكازه نحو الغرفة ولكن اوقفته فاطمة وهي تقف خلفه مباشرةً، تردد بألمٍ:

_ أنت ليه بتعمل كده!

توقف غفران يستشعر الألم الذي بها، يبتسم ساخرًا على حاله، فكان هذا سؤاله لخطيبته منذ اربعة سنوات، ليجيبها كما اجابته:

_ عشان شايفك متستحقيش إني اعاملك حلو.

تعترف الآن أن كلماته جارحة لحد الموت، لا يمكن بأن يصبح لإنسان أن يكون بتلك القسوة، استدار ينظر لوجهها المشع بحمرة، شفتيها اللتان ترتجفان من كلماته اللاذعة، دموعها التي تهطل دون توقف، علا ثغره بسمة ساخطة ثم استدار يغادر، هامسًا بمرارةٍ وصل لمسمعها تلك الكلمات:

_ كل حاجة بتتعاد باختلاف حاجة واحدة.. وهو أني بقيت مسخ بسبب مريضة نفسية.

***********

بقى واضعًا يده على عينيه، ينتظر ان تخبره ملك بأن يزيل يديه، حتى طال الوقت ليهتف بضجرٍ:

_ يلا يا ملك زهقت.

وقفت تتطلع للوحاتها بتأكيدٍ أن كلها موضوعة على الطاولة بطريقة منظمة وصحيحة، ثم قالت بنبرة ثابتة:

_ افتح خلاص.

ازاح عامر يديه سريعًا بسعادةٍ غمرته، ينظر للوحات الموضوعة بطريقة منظمة، ولكنه لاحظ أن بكل لوحة شيء يكمل الأخر، ليهتف بتعجب:

_ هي كل لوحة ليها معني صح! وبيكمل بعضه؟

اجابته وهي لم تحرك بصرها عن اللوحات:

_ آه صح.. كل لوحة بتدي معنى عشان في النهاية تدي جملة كاملة.

اومأ عامر بفهمٍ، ثم بدأ يتطلع للوحات مجددًا وحاول أن يتطلع للوحة فكانت بها طفل يبكي وسط اسرته، ثم الثانية اسرة تضرب ابنها بقسوةٍ، ثم الثالثة طفلًا يظهر عليه وكأنه يرتجف بخوفٍ، ثم الأخيرة كانت لشاب يقف وسط الناس يطلعهم بخوفٍ ويظهر عليه وكأنه يرتجف، ثم كهل أيضًا خائفًا من الناس، تعجب من كون تلك اللوحات تدل على معنى واحد، ليردد عامر بتعجبٍ:

_ هو المعنى للوحات دي خوف أو عدم أمان وسط الناس أو عيلة حاجة زي كده.

لم تتحرك ملك أو تستجب له، بل اجابته بتلك الجملة ولا تزال حدقتيها عالقة باللوحات:

_ من لم يجد الأمان وسط اسرته سيظل يرتجف إلى الأبد..!

لا يعلم هل ما اتته بتلك اللحظة صدمة أم دهشة أم ماذا؟ فهو ظن أن ناهد أكثر حنو على ملك دون اخواتها، لم قالت ملك تلك الجملة، نظر لها عامر قليلًا ثم قال بحيرة:

_ ليه ليه عملتي حاجة زي كده؟ هو أنتِ مش بتحسي بأمان وسط عيلتك؟

لأول مرة ترفع ملك بصرها عن اللوحات وتتطلع نحوه بشدة، ظلت لدقائق بتلك الحالة ثم حملت اللوحات في صمت تضعها فوق بعضها ثم صعدت لغرفتها تاركة إياه يتأمل ظلها الذي يختفي رويدًا رويدًا .

*************

وقفت تنظر إلى حقيبة سفرها التي أعدتها، تتذكر حديثها ليقين ونظراتها التي ألمت قلبها عندما شعرت بأنها خذلتها، تنهدت بحزنٍ ثم قالت برجاءٍ:

_ يارب حنن قلبهم عليا وقويني اقدر اسيبهم.

أغلقت مصابيح الغرفة وقررت أن تغفو مبكرًا كي تسافر سريعًا، لن تسلم عليهن فهي تكره لحظات الوداع مؤلمة لقلبها بشدة، باتت تنفرها بعد فراق زوجها.

***********

وقف اربعتهم أمام جدهم بعدما أخبرهم بأن يحضروا على الفور، والآن يقفون ينتظرون أن يخبرهم جدهم لِمَ اوقفهم هكذا بغرفة مكتبه، نظر لهم جدهم بتفحص تعجبوا لأثره، ثم قال وهو يخرج اربع حقائب لهم قائلًا:

_ دول هدوم خروج شيك تلبسوها وتخرجوا الليلة عشان تعرفوا بعض أكتر.

نظر غفران جده بضيقٍ، في حين شعرت فاطمة بألمٍ من نظراته لجده، ظلت تتأمل حركاته لعله يوجد شيء شفع له ويدفعها لأن تستمر بتلك الزيجة وخاصةً بعد تهديد والدتها، ولكن لم تجد، شعر بها غفران ونظر لها بطرف عينيه وشعر بدموعها التي تتمسك بها ألا تهبط أمامهم، تنهد غفران ببعض الضيق لا يريد أن يميل لها، مد يده يأخذ الحقائب الخاصة بهما، ثم نظر إلى فاطمة متمتمًا بهدوءٍ بعدما نكست رأسها:

_ يلا يا فاطمة عشان نلحق نروح.

تحركت معه في صمت، في حين بقت يقين تشعر بالضيق مما يفعله جدها، لتهتف باختناق:

_ أنا مبحبش الخروج اصلا لو هو عايز يخرج فهو حر.

تضايق جبران من كلماتها، فلم يستطع أحد أن يحدثه بتلك الطريقة من قبل، بينما تأمل الجد جبران ثم قال بهدوءٍ:

_ مينفعش يا يقين أنتِ دلوقتي بقيتي زوجة ولزما تكوني مع جوزك في أي مناسبة.

لا تعلم كيف تفر من ذلك المأزق لتردد بنبرة جامدة لا تشعر بمن جُرح جوارها:

_ خلاص خليه يعتبرني متوحدة لأني مش هخرج معاه ولا عايزة حاجة تجمعني بيه اساسًا.

ضرب الجد جبران على المكتب بعصبيةٍ مفرطة، ينظر لها بحدةٍ قائلًا:

_ اللي بتتكلمي عليه دا جوزك.. يعني تتكلمي بأدب أنتِ فاهمة.. وهتخرجي معاها وهتعملي كل اللي يقولك عليه ولو حصل إنك عصيته أمره وقتها بس هطلقك منه وابقى دوري بقى على حد يستحملك.

نظرت لجدها بصدمةٍ، لم تتخل بيومٍ أنه سيلقي بكلماته اللاذعة عليها، اغرورقت الدموع حدقتيها ثم قالت بصوتٍ مبحوح:

_ عن اذنكم.

:_ تطلعي تجهزي فاهمة.

قالها الجد بنبرة تحذيرية، تحركت يقين من أمامهم بقلبٍ منفطر، تشعر بأن هناك من يطعنها باستمرار، بينما داخل المكتب، ردد الجد بجدية متطلعًا نحو جبران الواقف بملامح ممتعضة يحاول السيطرة عليها:

_ اطلع اجهز يا جبران.

نظر له جبران قليلًا، ثم قال بهدوءٍ بعدما سيطر على انفعالاته :

_ بعد اذنك يا جدي.. مش حابب حد يدخل في علاقتي بـ يقين، سبونا احنا نتعامل مع بعض يكفي اتجوزنا واحنا مجبورين على بعض.. فـ في التعامل أنا هعرف اتعامل معاها.

نظر له جده قليلًا ثم اومأ برأسه وتركه يغادر الغرفة، وما أن صعد حتى سمع شهقاتها تعلو، شعر بحزنٍ عليها ومنها، ولكن لن يدخل بجدال معها، دلف للغرفة واخذ حقيبته وبدأ بإعداد نفسه، بينما جلست يقين أمام المرآة تلف حجابها تنتهي منه في عجلة، تنهض من مكانها وهي ترفض الحديث معه لذا منعت بكائها حتى تستعد قبل أن يحدثها.

خرج جبران من الحمام يتطلع لها في صمت وما أن رأها اعدت نفسها، ابتسم بسخطٍ عليها يعلم رغبتها الدائمة بالفرار منه، فما أصعب شعورًا أن ينفرك أحدهم بكل الطرق، أدار مقبض الباب ثم قال وهو يغادر الغرفة:

_ يلا.

*********

أغلق الباب بهدوءٍ دون تفوه بكلمة، ثم نظر بالحقائب ورفع أحدها يمدها لها قائلًا بهدوءٍ عكس طبيعته:

_ دي شنطتك روحي غيري في الحمام ولا تحبي هنا؟!

فركت كفيها بتوترٍ بعدما نظرت لسده الممدودة ثم قالت بتوترٍ:

_ لو مش حابب تخرج مفيش مشكلة أنا اصلا مش حابة اخرج.

تجمد جسده لدقائق، سمع تلك الجملة قبل اربع سنوات وهي تردد بقسوةٍ دون رحمة( وأنا لو تقبلتك كزوج مش هتقبل إني اخرج مع واحد اعرج)، بدأت عروقه بالظهور، حتى ألقى الحقيبة بوجهها، يردد بحدةٍ:

_ اخلصي البسي مش هفضل طول الليل بتحايل على سيادتك..

ثم اضاف بسخطٍ وهو يراها تهبط على الأرض تمسك بالحقيبة وتدخل محتواها بعدما وقع تعض على شفتيها لتكتم شهقتها المتألمة:

_ لحسن كمان جدك يقول بشدلك ضوافرك وأنتِ نايمة وبعذبك.

أدمعت عين فاطمة بشدة، لم تستطع الرد فقد تخشى أن تندفع منها كلمات فيطلقها فتصبح منبوذة من والدتها، لا تريد أن يحصل معها ذلك، حملت الحقيبة ودلفت إلى الحمام بصمتٍ في حين تعجب بل دُهش غفران من صمتها العجيب هذا فقد توقع ردها! ما الذي حدث إذا؟

نفض تلك الأفكار من رأسه واعد نفسه جيدًا وبالوقت الذي انتهى فيه كانت فاطمة قد خرجت بعدما اعدت نفسها، نظر لها بتقييم ثم غادر المكان في هدوءٍ، يسير معها بطريقٍ مظلم إلا من ضوء القمر، ليهتف غفران بكلماتٍ ثابتة:

_ هنروح اخر الشارع دا عند ارض زراعية خاصة بينا هنقعد فيها شوية ونمشي.

وبالفعل وصل إلى هناك وجلس على صخرة وضعها بها، بينما وقفت فاطمة تراقب طريقته بصمتٍ، ويتردد حديث والدتها كثيرًا بأذنها، ثم كلماته الدائمة عن ظلمٍ تلقاه من حواء، إلى هنا وبدأ عقلها التحليلي بالعمل حتى صدع صوتها في سؤالٍ مندفع:

_ هي بنت خالك عملت فيك ايه بظبط يخليك تعاملني كده!

تجمد جسده من سماع حديثها، فقط ذكر اسمها أو سيرتها يجعل من جسده متحفزًا للقتل، نهض من الصخرة يستدير نحو فاطمة التي تملكها الذعر من هيئته المخيفة وكأنه سيقتلها بالفعل!

**************

اوقف السيارة الخاصة به أمام الاسطبل الخاص به، يردد بكلماتٍ هادئة:

_ عايزة تروحي فين؟

:_ مش عايزة اروح معاك في حتة أنت فاهم.

قالتها بعصبيةٍ واضحة، في حين تأمل جبران عصبيتها ثم قال بنبرة غريبة هادئة مخيفة للغاية:

_ أنا هسكت المرة دي عشان طريقة جوزنا جت سريعة وملحقناش حتى نعرف بعض.. وهسكت برضو عشان 15 سنة دول كانوا كفيلين يغيروني وأنتِ متعرفنيش.. بس المرة الجاية لو لمحت طريقتك دي معايا صدقيني هنسى كل اخلاقي وهتعامل معاكي على انك راجل وقابلي مني واستحملي.

توترت يقين من طريقته وقررت الصمت، في حين أعاد جبران سؤاله مرة أخرى لتجيبه وهي تشيح بوجهها بعيدًا:

_ أي حتة.

صمت جبران قليلًا ولم تعجبه طريقتها ولكنه سيتحمل تلك المرة، هتف بجدية وهو يفتح باب السيارة:

_ طب أنزلي.

رضخت لأمره دون تفوه بكلمة، وهبطت من سيارته تسير معه في صمت، إلى أن دلفت إلى الاسطبل تعجبت من دلوفها إلى الاسطبل وظلت تنظر حولها حتى اختفى جبران من امامها، تملك منها الرعب تنظر حولها بخوفٍ، تحاول التحرك سريعًا لتلحق به وهي لا تعلم أين هي، لم تجده لتبدأ انفاسها بالخروج عن السيطرة، ولكن ما جعلها تصرخ بألمٍ عندما شعرت بشيءٍ يغرس اسنانه بقدمها فلم يكون سوى ثعبان صغير!..


               الفصل السادس من هنا 
تعليقات