
رواية وبالحب اهتديت
الفصل الثامن 8
بقلم سلمى خالد
وبالحُبِ اهتديت
»هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق «
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
)قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثامن
(وميض)
بضع مواقف صغيرة تصبح وميض لحقائق لم نراها، بل وتجعل من بصيرتنا أكثر وضوحًا، تلك الموقف ما هي إلا رسائل صغيرة ليصبح ما بعد العدوة محبة.
(طب أهدي وأنا موجود معاكِ يا فاطمة)
اندفع بتلك الكلمات لعلها تهدأ قليلًا، يمسك بكفها الموضوع على صدرها ليصبح على كفه يمسكها بقوةٍ ليثبتها بعدما ازدادت رعشتها بقوة، ظلت بتلك الحالة لـ اربع دقائق ثم هدأت تدريجيًا، كان لا يزال غفران يحاوطها بذراعه يبث لجسدها الدفء لعله يهدأ من رجفتها ويده تمسك بكفها، ملت برأسها على كتفه لتريح رأسها تغفو سريعًا بعد تلك الحالة الغريبة التي أصابتها فجأة دون سابق إنذار.
شعر بارتخاء جسدها عليه، فهبط ببصره قليلًا ليراها فلم يرَ سوى تلك الدمعة التي تجري على وجنتها، زفر غفران ببطءٍ ثم أبعدها قليلًا يضع يده أسفل قدميها ثم حملها بخفةٍ ليضعها على الفراش، يتحرك بحذرٍ كي لا يسقط بقدمه العرجاء، وضعها على الفراش ببطءٍ ثم نظر لملامحها الحزينة فلم يرَ سوى ملامحه عندما قتلته أحزانه من خطيبته، ابتسم بحزنٍ على هذا الوضع القاسي...
فهو ينتقم من نفسه بها وينتقم من ابنة خاله بها فأصبحت هي الضحية الوحيدة له، ولكن هناك صوت بداخله يرفض انتقامه بها، زفر ببطءٍ مُتعب ثم مد سبابته لوجهها ليزيل تلك الدمعة المتساقطة من عينيها والذي لا يزال يتساقط الدمع من عينيها، لم تعد تتحمل ما بداخلها فأخرج جسدها تلك الدموع لعلها تبرد من هذا الحريق المصنوع من الألم، رفع سبابته لتصبح امام مرمى بصره يتأمل تلك الدمعة ثم قال:
_ فيكي ايه يا فاطمة يخليني كل ما انتقم اوقف انتقامي؟
تحرك ليدلف إلى الشرفة ولكن قبل أن يخطو داخلها شعر بالقلق عليها فتأتي تلك الحالة مجددًا استدار يدلف للغرفة يمسك بأحد المقاعد الخفيفة يتقدم نحو الفراش يضع المقعد الخاص به، ثم جلس عليه فأصبح المقعد بالقرب من الفراش إلى جواره، يفكر بما هم فيه وما سيكونون عليه، لا يعلم لِمَ تسرب القلق لقلبه عليها، نفض كل تلك الأفكار فلم يعد برأسه شيء سوى أن يراها سليمة... ما السبب؟ كان يجهله!
********
تراجعت بذعرٍ إلى الخلف حتى اصطدمت بالشجرة خلفها، ترى جبران بملامحٍ مخيفة، يضرب ذلك الرجل بعنفٍ، أنه كما يقال عنه وحشًا، تحركت خلف تلك الشجرة خائفة من جبران، بينما ركل جبران هذا الرجل بقوةٍ في بطنه جعله يتأوه بقوةٍ محاولًا التقاط أنفاسه التي غابت بعد ما تلقاه من ضرب، ارتفع صوت جبران كزئير أسد مخيف:
_ أقل من دقيق لو مختفتش هعتبرها دعوة لموتك.
زحف الرجل على يديه، يحاول رؤية الطريق من عين واحدة بينما العين الأخر أصبحت الزُرقة حولها مخيفة، في حين استدار جبران ليرى يقين، ولكنها كانت تختبئ خلف الشجرة مثل الفئران تنظر بعينيها بعيدًا، أشار بيده بأن تأتي قائلًا:
_ تعالي.
حركت رأسها بنفيٍ سريع قائلة برعبٍ:
_ والله ما يحصل.
زمجرها بحدةٍ:
_ يقــــــــين تعالي حالًا.
ارتجف جسدها أكثر ترفض الذهاب إليه، تتذكر ما فعله معلميها عندما يعاقبونها على خطأ ارتكبته فكانت مطيعة وتذهب لهم ليعاقبوها بشدةٍ إلى تأتي لهم الرغبة في تركها، فكانت بنسبة لهم أقل من حيوانٍ له حقوق كل هذا أسفل تهديد بأن لا تخبر أحد بما يحدث معها، تشبثت بالشجرة أكثر تردد برفضٍ أكثر:
_ لالالا مش رايحة مش هرجع لكل د تاني!
زفر جبران بصوتٍ مسموع تزداد حدة نظراته، يتجه نحوها بخطواتٍ سريعة، لم يستطع تفسير ما تفعله، بينما انتفض جسد يقين من رؤيته يأتي نحوها لتسرع وتدور حول الشجرة كلما اقترب منها، نفذ صبر جبران منها ليتوقف لدقيقتين ثم تحرك فجأة نحوها يمسك ذراعها، قائلًا:
_ وقعتي أهوه.
اتسعت مقلتيها ذعرًا، تحاول افلات يده، بينما اختفى غضب جبران عندما نظرت له يقين برعبٍ حقيقي تحاول نزع يده عنها بكامل قوتها، قطب جبينه فأسرع بالحديث قائلًا:
_ اهدي يا يقين.
حركت رأسها برفضٍ تتساقط دموعها بعدما أغرقت عينيها، تردد بكلماتٍ متقاطعة:
_ لالا هتعاقبني.
اتسعت عيني جبران بدهشةٍ، ليمد يده الأخرى يمسكها من ذراعها الثاني ليثبتها أمامه، يحدق بعينيها قائلًا بجدية محاولًا السيطرة على حالة الذعر التي تملكتها:
_ يقين بصيلي كده.
نظرت لحدقتيه بدموع لا تزال تفيض، بينما أكمل جبران بنبرة حنونة للغاية:
_ شايفة ايه في عيني؟
تأملتهما بألمٍ ظاهر بحدقتيها، لتلاحظ نظراته الحنونة، همست بضعفٍ:
_ أنا خايفة أوي... هو أنت هتعاقبني!
انفلتت يداه عنها بعدما استكنت حركتها، يرفع أحدها لوجنتيها ليزيل دموعها قائلًا بحبٍ:
_ عمر الوحش اللي جوايا ما يخرج ليكِ.
توقفت دموعها عن الهطول، ليتلون انفها وشفتيها بالحُمرة، ترفع بصرها نحوه متسائلة بشهقات مستمرة أحبها جبران:
_ ليه؟
ابتسم لها يمسك كفها ليسيران من هذا الطريق، يردف بحنو:
_ عشان بتعرفي تروضيه يا وجه الأرنب.
ضحكت بخفةٍ بعد هذا اللقب، تزداد دقات قلبها بشدةٍ، تشعر بشيءٍ ما يداعب قلبها كلما احتوى الموقف بكلماته الحنونة، أصبح هذا الشعور بالأمان يأتيها معه بعدما اختفى منذ لقائهم الأول، ولكن هل يمكن أن يعود هذا الشهور مجددًا؟، ازدادت من امساك كفه لا تريد لهذا الشعور بالابتعاد، بينما ابتسم جبران بعدما شعر بيدها التي تشدد عليه.
*********
ظل يطرق عدة طرقات على الباب دون استجابتها، فشعر بغرابة من عدم وجودها بالغرفة فهي دائمًا تحب جلوسها بالغرفة، تنهد بتعبٍ يردد بنبرة متذمرة:
_ الله يسامحك يا جدو... هو أنا قادر أشيل مسؤولية نفسي لما أروح اشيل مسؤولية غيري.
تحرك للأسفل يتطلع حوله يبحث عنها إلى أن وجدها تقف على اعتاب المطبخ، تحرك اتجاهها يردد بدهشة:
_ إيه اللي موقفك كده يا ملك؟
لم تنظر له، بل ظلت تتطلع نحو الداخل، ليزفر ببطءٍ يعلم أنها لن تستجيب له، فردد بعبوس:
_ طب تعالي معايا نجيب الورق بتاع التقديم خلينا نروح بكرة نقدملك و...
قاطعته بصوتٍ جامد تضع يدها على بطنها:
_ جعانة.
رمش عامر بأهدابه عدة مرات، يشعر بالشفقة عليها، ثم قال بحنو:
_ طب استني أشوف أم عبده فين اختفت من الصبح مش عارف ليه!
تحرك يبحث عنها فلم يجدها بأي مكان في المنزل، حك رأسه بتعجبٍ من اختفائها ثم عاد إلى ملك التي لا تزال مكانها ثم قال ببعض الحرج:
_ بصي أنا دورت عليها مش لقيها... فاحتمال أنا اللي اعملك الأكل.
أشارت برأسه بإصرار متمتمة:
_ أنا جعانة.. جعانة.
اتسعت عيني عامر بقلقٍ من انفعالها، ليسرع إلى المطبخ قائلًا:
_ لحظة... لحظة هعملك دلوقتي.
اتجه نحو البراد يخرج منه ما يمكن صنعه، يتأمل ما به فوجود بعض صدور الدجاج(بانية) وبيض، نظر لهما قليلًا ثم أخرجهما وبدأ بتقطيع الصدور ثم وضع عليها البيض مع الملح والفلفل الأسود ثم بدأ بخلطهم جميعًا ووضعهم ب ما يسمى بـ ( طاسة) ساخنة وبدأ بتقلبيهم سويًا حتى انتهى ثم وضع ما طهاه بطبق متوسط الحجم ووضعه على طاولة مع خبز صغير ثم ألقى نظرة فخر عليها قائلًا:
_ الله عليك يا شيف يا عالمي.
ثم ارتفع صوته قليلًا يتمتم بغرورٍ:
_ هقعدك في البيت يا شربيـــــني.
تحرك نحو ملك يقف أمامها بكامل فخره، يضبط قميصه قائلًا:
_ يلا يا ملك عشان تاكلي من عمايل ايدي.
انطلقت بخطواتٍ ثابتة منتظمة معه، تجلس على المقعد ثم نظرت للطعام الموضوع على الطاولة وبدأت بتناوله ليتسأل عامر ببعض الأمل قائلًا:
_ ها طعمها عامل ايه؟
:_ وحشة.
وقعت تلك الكلمة على رأسه ببعض الصدمة، يشعر بالحرج والحزن من ردة فعلها السريعة، نهض من مكانه مانحًا إياها نظرة حزينة رأتها ثم سار ليغادر المطبخ قائلًا:
_ هطلبلك أكل من برة وآسف على العك دا.
ما كاد أن يخرج من المطبخ حتى اوقفته ملك مرددة بصوت عالي:
_ عــــامر.
تعجب عامر من طريقة مناداتها، ثم استدار يتطلع نحوها بحيرةٍ، ليجدها تقف تنظر للأرض، تمسك بكفيها الأثنان قائلة:
_ آسفة.
دُهش عامر من الاعتذار، فهو ظن أنها لن تعطيه ردة فعل ككل مرة، تحرك نحوها قائلًا بسعادة بلهاء:
_ ايه دا يا ملوكة... ملك هانم بتعتذر ليا... أكيد مش زعلان يا ملك عشان أنتِ غالية عند عامر.
رفعت رأسه تنظر نحوه ثم قامت بتكرر جملته:
_ ملك غالية عند عامر.
أومأ بإيجابية مبتسمًا لها بحب، ثم قال بصوتٍ هادئ حنون:
_ تعالي نرسم شوية على ما اطلب أكل ويجي.
تحركت معه دون أن تعطيه أي إشارة، في حين شعر عامر بالسعادة غريبة، ولكنها كانت كفيلة بأن ترسم بسمة لا ارادية على شفتيه.
***********
بسمةٌ ماكرة علّت ثغره بعدما رأى اسمها على هاتفه، أمسكه سريعًا يجيب بهدوءٍ:
_ ألو يا أم عبده.
: _ ايوة يا حج جبران أنا عملت زي ما حضرتك طلبت فضيت التلاجة وسبت فيها بس حاجات صغيرة وخدت بعضي ومشيت من البيت.
ابتسم ببعض الراحة ثم ردد بصوتٍ جاد:
_ خلاص يا أم عبده كويس كده... اختفي خالص من البيت ومرتبك هيوصل زي ما هو كل شهر.
أغلق معها سريعًا ثم نهض من مكانه يتطلع من النافذة إلى غروب الشمس، يهمس متناهدًا:
_ على الله يا أحفاد جبران تعرفوا تشيلوا المسؤولية.
*********
شعرت بثُقل شيء على كفها، لتفتح عينيها بنعاسٍ واضح تنظر ما الذي قبض على كفها هكذا فما كانت سوى يد غفران التي تتشبث بها بقوةٍ، حركات جسده أصبحت لا إرادية، فانجذب نحوها لتصبح هي مأواه، تعجبت فاطمة من طريقة غفران وما يفعله، تتأمل ملامحه بهدوءٍ، ليأتي إلى مسمعها صوت أم عبده تردد
"غفران كان حنين أوي"
تنهدت فاطمة بضيقٍ لا تعلم من أين تأتي بالحقيقة ثم تذكرت صديقتها بالقاهرة التي دائمًا ما تلجأ إليها حينما تقع بمشكلة ما، حاولت سحب يدها من كفه ببطءٍ، ولكن فشلت بالأمر وانتفض غفران من مكانه يتطلع لها قليلًا ببعض القلق، نظرت بحدقتيه قليلًا لتلاحظ قلقه الواضح لتتأكد من أنها تحتاج لأحد أن يساعدها.
مسح غفران على وجهه قليلًا ثم نهض من مكانه بعدما رأها جيدة، يحاول تحريك جسده بعدما تيبس بالمقعد، يعرج بقدمه ولكنها كانت تؤلمه لتتشنج معالمه بألمٍ دون أن يصدر صوت، توقف على صوت فاطمة تردد بهمسٍ:
_ شكرًا أنك مسبتنيش لوحدي.
استدار يتطلع لها ببسمة ساخرة، ثم عاد يتحرك نحو خزانة ملابسه يسحب منها ملابس خاصة للخروج ثم انطلق نحو المرحاض ولكن قبل أن يدلفه رأى الدهشة بملامحها فارتفع صوته ببرودٍ قاتل:
_ مسبتكيش عشاني... عشان انتقامي يكمل للنهاية!
اختفى من أمامها داخل المرحاض، بينما نظرت له فاطمة وحركت رأسها برفضٍ لن تصدق كلماته، لغة جسده تخبرها بأنه غير مؤذي بل يدعي ذلك، رأته يغادر من المرحاض مرتديًا ملابسه الجديدة، ثم تحرك إلى خارج الغرفة دون أن يتفوه بكلمة، بينما نهضت فاطمة من مكانها تبحث عن هاتفها، وما أن رأته حتى انتشلته من الطاولة تشعل الشاشة ولكن قبل أن تذهب إلى جهات الاتصال رأت تاريخ اليوم فكان يوافق عام 2024 م بدأ يداهمها صداع حاد، تشعر بأن الأرض تدور حولها، لتعود جالسة مكانها لتعيد ثباتها.
كيف تقدم التاريخ لعامين؟ عادت تنظر للشاشة مجددًا فعاد هذا الصداع كلما رأت التاريخ، أسرعت بالدخول لجهات الاتصال للبحث عن اسم صديقتها تتجاهل هذا التاريخ لعل هذا الصداع يختفي، رأت اسم صديقتها فأسرعت باتصال بها، تنتظر أن تجيب ثم ارتفع صوتها المتلهف قائلة:
_ ايوة يا سُهى عاملة ايه؟
:_ ايوة يا فاطمة... كده كل دا متسأليش! أنا بدور عليكي بقال كتير؟
قالتها سُهى بقلقٍ ممزوج بعتاب، فأخرجت فاطمة زفيرًا قويًا ثم قالت بصوتٍ حزين:
_ هحكيلك كل حاجة بس ساعديني عشان مش عارفة اتصرف.
ازداد قلق سُهى أكثر فأسرعت بقول:
_ مالك يا فاطمة؟
بدأت فاطمة بسرد ما حدث منذ أن أتوا لتلك البلدة حتى هذا الموقف لتهتف سُهى بتعجب:
_ أنتِ متأكدة أنه وِحش؟
زفرت باختناق ثم قالت بحيرة:
_ مش عارفة يا سُهى أنا معرفهوش ومكناش بنختلط بيهم واحنا صغيرين أصلًا ولما قابلته أول مرة هنا كان زي الزفت ولحد بس موقف إمبارح كان بيعملني وحش أوي.
صمتت سُهى قليلًا بتفكير، ثم عادت تردد بعدما خطر بعقلها فكرة:
_ طب ما تكلمي دكتور مروة... هتساعدك تعرفي بيعمل كده ليه؟
انتبهت فاطمة لفكرتها وابتسمت بسعادة تردف بحماسٍ:
_ صح إزاي نسيتها! خلاص ماشي يا سُهى شكرًا بجد.
ابتسمت سُهى لها، تردد بنبرة بمكر:
_ طب يلا كلميها بقى وعرفيني الحب هيولع في الدرة ولا لسه!
ضحكت فاطمة على دعابتها ثم أغلقت معها، لتراسل فاطمة دكتور مروة عبر تطبيق ( الواتس أب) تخبرها في رسالة صوتية ما حدث معها ثم انتظرت أن تجيبها، تتجاهل هذا التاريخ العجيب الذي يظهر أمامها.
***********
ابتسمت بسعادةٍ وهي تطعم الحصان بكفها بعض الجزر، ترى وجهه الأبيض، ثم رفعت كفها الأخر تمسح على وجهه بحبٍ قائلة:
_ متخيلتش أنك حلو كده.
:_ لالالا يا جبران بخاف أقربلهم.
قالها جبران بسخرية ضاحكًا على قربها الشديد من إحدى أحصنته، بينما رمقته يقين نظرة غاضبة ثم عادت تنظر للحصان بحبٍ قائلة بنبرة مغتاظة:
_ شوفت يا سكر جبران بيقول عليا إيه!
رفع جبران حاجبه باستنكار، ثم قال بنبرة مغتاظة:
_ نعم ياختي سكر ودا من امتى إن شاء الله!
نظرت له تخرج لسانها ثم عادت تمسح على وجه الحصان حتى قربها نحوه برأسه كي تحتضنه فقالت بسعادة:
_ يا حبيبي يا سكر... خد حضن كبير كمان... هتفضل أحسن صديق وكمان المفضل ليا... وهحكيلك كل اسراري.
احتضنته يقين بسعادةٍ بالغة، بينما اشتعل جبران بغضبٍ من كلماتها، فهي تقابل الجميع بتلك الكلمات وعندما تقف أمامه تصمت ولا تخبره عن شيء، تحرك بعيدًا عنها ولكن اوقفته يقين مرددة:
_ تاني يا جبران تاني هتسبني وتمشي.
استدار نحوه يحدثها بانفعالٍ:
_ ما تبصي على افعالك المستفزة!
تركت الحصان ونظرت له بضيقٍ متمتمة:
_ أنا افعالي مش مستفزة أنت اللي عصبي وبتضايق من أي حاجة.
تهجمت ملامحه بغضبٍ، يردف بعصبية:
_ وأنتِ باردة ومبتحسش ابدًا.
وكأن الغضب وباء انتقل لها غضبه لتردف بغضبٍ مماثل:
_ بطل تشتم وتتعصب عليا... أنت المفروض تحترمني أكتر من كده.
:_ وأنتِ المفروض تحسي باللي حوليكي أكتر من كده وتبطلي برودك!
قالها بحدةٍ واضحة، صرخت به يقين بعصبية دون شعور منها افزع باقي الأحصنة:
_ متطلبش حاجة أنت مشوفتش عيشته ايه قبلها عشان اتخلى عنها وابقى باردة كده!
كان منغمس بواحة غضبه ولكن فاق منها على حديثها المليء بالألغاز، نظر لها بتدقيق يردد بهدوءٍ:
_ وإيه اللي أنتِ عيشتيه؟
فاقت هي الأخر على سؤاله لتستدير تواليه ظهرها قائلة ببرودٍ مزيف:
_ مش مهم... أنا عايزة اروح.
اوقفها بسؤالٍ اخر:
_ أنتِ مش عايزة تحكيلي ليه؟
ابتسمت بحزنٍ تتطلع نحوه بألمٍ، تجيبه بصوتٍ مبحوح من تلك الغصة القابضة على صدرها:
_ عشان محتاجة أمان وأنت ضيعته من أول مرة اتقابلنا فيها.
لم يعد لديه إجابة، بينما استرسلت يقين بصوتٍ متناهد:
_ ممكن نروح.
اومأ برأسه ثم تحرك معها إلى أن غادروا الاسطبل، يسيران بطريقٍ طويل أسفل غروب الشمس في ظل الصمت، لم يجد كلاهما كلمة أخرى ليتحدثوا بها، فكلما حاولوا اصلاح الأمر يعودان لنقطة الصفر، ظل الأثنان شاردان حتى وصلا المنزل دون شعور منهما ثم دلفوا للداخل، يصعدان سويًا إلى غرفتهما، لم يروا أحد بهذا المنزل الذي امتلأ بالفوضى والفراق.
شعرت يقين ببعض الندم من اندفاعها بالحديث فهي أخفت النصف الأخر من حديثها وأنه أعاد جزءًا من هذا الأمان، زفرت بضيقٍ ثم خطرت فكرة برأسها لتنطلق باحثة عن ورقة وقلم لتكتب بعض الكلمات وما أن وجدتهما فخطت بالقلم فوق الورقة تكتب بعض الكلمات حتى انتهت ثم امسكت بالورقة وقامت بطيها وتخبئها في جيب سرواله، ثم أعدّت الطقم خروج كامل ليتناسب مع السروال وقررت أن تعطيه إياه، تبتسم بسعادةٍ وهي تتخيل ملامحه عندما يقرأ الورقة وتخبره بهذا الجزء الصغير بقلبها نحوه.
خرج جبران من مرحاض يرتدي ملابس مريحة للجلوس بالمنزل، لتتحرك يقين من أمامه تتجه نحو المرحاض، ولكن اوقفها جبران متمتمًا:
_ يقين.
استدارت تنظر نحوه باهتمام، بينما استرسل جبران بهدوءٍ:
_ أنا فكرت في كلامك اللي قولتيه... فبما انك مش حاسه بالأمان معايا وتقريبا رافضة وجودي في حياتك فـ شايف إن احنا ممكن نطلق!
**********
عبست ملامحها بضيقٍ عندما ظهر إشعار بنفاذ البطارية، لتنهض من مكانها تبحث عن الشاحن الخاص بهاتفها قبل أن يفقد شاحنها كاملًا وتنقطع محادثتها مع طبيبتها، ضربت على جبينها بغيظٍ لعدم تذكرها أين وضعته، ظلت لوقتٍ طويل تبحث عنه في اغراضها فلم تجد، فقررت فتح خزانة غفران لعلها تجد الشاحن الخاص بهاتفها وبالفعل انطلقت لفتحه ثم العبث به حتى وقع أسفل يدها كتاب بعنوان" ماجدولين" للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي، تعجبت من وجود كتاب رومانسي مثل هذا بخزانته، ولكنها حركت كتفيها بلا مبالاة رفعت الكتاب بعيدًا ليقع منه ورقة مطوية وصورة ممزقة قطبت جبينها بتعجب منها ثم هبطت تجثو على ركبتيها على الأرض، تمسك بها لتفتحها بعدما فشلت في الكشف عن معالم تلك الصورة فتجد كلمات مميتة مزقت قلبها، تحرك بصرها وسط تلك الكلمات التي كانت...
"متخيلتش خالص يا غفران أن في واحدة هتقبل بواحد أعرج مش عارف يقف من غير عجزه... دا لو وقعت ولا تعبت مش هتعرف حتى تروح بيها مستشفى... اعذرني إني بقول الحقيقة في وشك بس بصراحة باباك صدمني لما قالي إنك اتجوزت... بجد بشفق على اللي اتجوزتها دي أوي إنها هتتحمل بني آدم مش كامل زيك سلام يا غفران الأعرج"
بدأت تذرف الدموع دون أن تشعر، تحاول السيطرة على شهقاتها المتتالية، ولكن انفلتت تلك الورقة بعد تلك اللفحة من الهواء التي أتت لتقع الورقة أسفل قدمه، استدارت تنظر خلفها ترفع بصرها لتراه يقف أمامها بكامل كبريائه المجروح، ترى لمعة الألم بحدقتيه، ولكن اخفاها عندما ردد بهسيسٍ مخيف:
_ مبقاش ليكِ مبرر عشان ارحمك!