رواية وبالحب اهتديت الفصل التاسع 9 بقلم سلمى خالد


 رواية وبالحب اهتديت
الفصل التاسع 9
بقلم سلمى خالد


«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات

حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات

(قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع

(مُحاولةٌ فاشلة)

لم تعد ليّ رغبة في أن أشعر بالاهتمام لأحد أو بأحد... انطفأت رغبتي بكل شيء... صنعت هذا الجدار المخيف لكي لا يقترب مني شخص... أحببت عزلتي وأحببت حياتي وحيدًا دون دخيل يؤرق راحتي بكلماتٍ مسمومة، أنا لن أسمح بدخيلٍ يحاول اخرجي من ثوبي الجديد الذي اختارته... فهيا عودي أدراجك وغادري من كهفي ولا تقتربي من شيء!

لم ترتجف كعادتها من حديثه المسموم، كلماته الحادة ونظراته المخيف، لأول مرة تشعر بأن لغة العيون لغة عميقة لا يمكن لأحد فهمها بسهولة... فمن ينظر لحدقتيه يظنها قاسية، ولكن بالواقع هي مجروحها تلتمع بالألم، نهضت من مكانها ولايزال الدمع يفيض من حدقتيها، تقف أمامه حتى أصبحت قبلته، تتطلع لعينيه بشدة، بينما تأمل غفران حركاتها ينتظر منها أي ردة فعل فلم يجد سوى جسدها الساكن مكانه، علّت شفتيه بسمة ساخرة ثم قال وهو يعدل عكازه:

_ القطة رجعت كلت لسانك!

ظلت على حالها تتأمل سخريته وطريقته، لا تريد الحديث... تتذكر أفعالها وافعاله هي أيضًا كانت تجني عليه بكلماتٍ قاسية وكأنها أحضرت الملح لتزيد من شدة آلام جرحه، ازدادت دموعها أكثر بينما تعجب غفران من صمتها الزائد ثم قال بصوتٍ لا يزال ساخر، ولكن به أنين ألم:

_ تؤتؤتؤ اوعي تقوليلي أنك زعلانة من الكلمتين دول لا دا عادي عند الناس اللي زيها وزيك... أغلبهم يرموا كلام وسط الضحك على اساس هزار ويولع قلبك اللي بيتكسر من الكلام ده... ولو عاتبتي بحرف هيتقالك دا هزار هو أنت مبتحبش الهزار ويطلعوكِ دمك تقيل وسم مع إن السم دا دخلنا من كلامهم ويبعدوا عنك فتضطري زي أي انسان مسلوب الارادة يستحمل كل دا عشان ايه عشان متبقيش وحيدة... بس أنا بقى اختارت الوحدة بس حتى دي استخسرتُها عليا...

صمت قليلًا يتطلع لشهقاتها النادمة بسخطٍ، ثم عاد يسترسل ببرودٍ:

_ فَـ فكك من الحبتين دول عشان أنتِ زيك زيهم بترمي كلام من غير ما تشوفي الكواليس كان فيها إيه!

لم تشعر بذاتها إلا وهي تندفع نحوه تلقي بذاتها داخل أحضانه تلف ذراعيها حول ظهره تشدد من ضمه، في حين تفاجأ غفران من حركتها، يتراجع للخلف بذهولٍ ولكن تشبثها به جعله يثبت مكانه، كانت حالة الذهول تتلبسه حتى هتفت بصوتٍ مبحوح نادم:

_ أنا آسفة... آسفة يا غفران.

لا يعلم ما الذي داهمه، لم يتوقع تلك الحركة منها أبدًا، ازدرد لعابه بصعوبةٍ ينظر لرأسها الموضوع فوق صدره بالقرب من قلبه وشعر بأنه إن بقي لوقتٍ أكثر سوف تشعر بتوتره ودقاتها، نعم لقد هزت كيانه بهذه الضمة الدافئة، ازاحها عنه بقوةٍ، يدفعها بعيدًا، ينظر لها بجروحٍ أصبحت في العلن يردد بصوتٍ حاد مختنق:

_ مش اعتذار يا فاطمة هانم اللي بيعالج ماضي كامل.

استدار ليغادر الغرفة فقد أصبح مكشوف بوضوح، بينما اوقفته فاطمة بكلماتٍ حزينة:

_ بس الحضن بيعالج يا غفران بدليل هروبك.

صمت غفران ولم يجيب، فهو بالفعل قد اهتز هذا الجمود الذي بداخله وتحركت مشاعره، وأصبح غير قادر على الحديث حتى لا يكشف ما به، تحرك سريعًا يغلق الباب خلفه، بينما نظرت له فاطمة ثم مسحت دموعها تبتسم ببعض السعادة عندما لم يجيبها، تشعر بالسعادة أن لوجودها معه تأثير، وعلمت أن حديث طبيبتها صحيح، لتهتف بصوتٍ يحمل تصميم:

_ هعالج جروحك عشان أشوف الشخص الحنين اللي سجنته جواك وخايف تطلعه.

********

هناك صرخات مكتومة تؤلم أكثر مما هي بِـ صوت، تقتلنا من الداخل وتزيد من ارهاقنا، عينيها اللتان تلتمع بالدموع ولكن لم تشاء أن تظهرها، كانت تريد الحب وكان يريد الطلاق، هكذا فطن عقلها بعد جملته الأخير، حاولت ابتلع لعابها ولكن لم تجد بل جف أثر كلماته القاسية، زحفت بسمة شاحبة لمحياها، تردد بصوتٍ يحمل ثباتًا زائفًا:

_ اللي أنتَ شايفة يا جبران اعمله أنا تعبت من كل حاجة فشلت فيها.

تحركت من أمامه تواليه ظهرها، تتسرب دموعها حتى بدأت تسيل على وجنتها تتقطر على ملابسها، أغلقت باب الحمام سريعًا، تضع يدها على فمها تكبح تلك الشهقة المتألمة من الخروج، تضجع بضهرها على الباب، تهبط على الأرض جالسة، بينما ابتسم جبران ساخرًا يتطلع نحو الملابس الموضوعة على الأريكة، وكأنها تعلم أنه سيغادر الليلة دون الجلوس معها، تنهد بحزنٍ يشعر بأنها لا تهتم لأمره، ليبدأ بارتداء ملابسه يغادر المنزل، أصبح لا يطيق الجلوس بهذا المنزل المحزن.

خرجت يقين من الحمام تنظر للفراغ الذي يملأ الغرفة ثم عادت تبكي بحرقةٍ للرفض الذي تتعرض له منذ طفولتها.

**********

سار بطريقٍ مظلم بعيدًا عن الأسطبل، قرر الذهاب إلى أرض غفران بالقرب من البركة، حتى وصل لها، ولكنه وجد غفران يجلس على صخرة وإلى جواره هذا العكاز المقيد لحياته، تحرك نحوه ببسمة ساخرة متمتمًا:

_ ايه طفشت زي أخوك!

استدار غفران بانتباهٍ خلفه، يرى وجه اخيه الساخر، ثم علق الأخر بسخطٍ:

_ تقريبًا دا كان المفروض اسمه شهر عسل... بس طلعت مفتأة علينا.

أصدر ضحكة خافتة، ثم علّت بسمة حزينة لشفتيه لاحظها غفران، عاد بنظره إلى ضوء القمر المنعكس على البركة الماء، ثم قال بهدوءٍ:

_مالك؟

تنهد جبران بضيقٍ، يسقط بصره نحو البركة، يجيب بصوتٍ يحمل حزنًا يعلمه غفران جيدًا:

_ قررت أطلق يقين... بتآمن للكل وتحكي مع الكل عادي ولما تيجي عندي لسانها بيتشل ويوقف... ولما واجهتها قالت أنها مش بتحس بأمان معايا فقررت اطلقها.

أدار غفران رأسه يتطلع نحو أخيه بنظرةٍ حادة قاسية، يغمغم محتدًا:

_ أنت متخلف صح! ولا دماغك دي معشش فيها حمير! هو عشان أنت فشلت تحسسها بالأمان تقوم تطلق؟

تهجمت معالم جبران بضيقٍ من سخريته، يردف بغضبٍ طفيف:

_ ايه يا عم مالك داخل حامي عليا ليه؟ ما حاولت وهي اللي رافضة اعملها إيه؟

نهض غفران من مكانه يقف بمواجهته، ثم قال بصوتٍ حاد:

_ عشان أنت فاشل... وبتعلق غلطك على شمعتها... الأمان دا مسؤولية الراجل وهو اللي يحسس مراته بيه...

صمت قليلًا مكملًا بسخط:

_ مش لما تبص في جوز عيونك هتحس بيه! بالمواقف يا سي جبران تحسسها بالأمان تحتويها مش مع أول مرة تفشل فيها مع السلامة يلا غوري أنا مش لسه هحاول معاكِ... المفروض تحاول بدل المرة ألف ما هو لو كل شاب فكر بطريقتك دي يبقى الأرض هتخرب ولا عمرنا هنعمر وهنخالف السُنة اللي عايشين عليها وأننا نعمر الأرض.

تفاجأ جبران من حديث غفران، هل يُعقل كاره النساء يقول هذا؟، زحفت بسمة طفيفة لشفتيه متمتمًا:

_ أنت يا غفران اللي بتقول كده! اظاهر إن فاطمة طلع ليها سحر عليك.

علقت بثغره بسمة ساخرة، فلو رأى حياته لعلم أنه نصحه بما لا يفعله، ولكن رأى بعينيه لمعة علم أنه أحب يقين، وسمع صوته الحزين... نعم يعلم ما هذا النوع من الحزن، فإن تركها سينكسر شيء بداخله، استدار يجلس على الصخرة مجددًا دون حديث عنه، سيبقي حياته غامضة كما هي، فلن يفهمه أحد وهو لن يفهم ذاته، أهو يريد الانتقام من النساء أم ماذا يريد؟

احترم جبران رغبة غفران بالصمت، يكفي أنه تحدث معه فمنذ أيام ولم يجلسا سويًا، وقف جواره ثم قال بصوتٍ يحمل بعض الحنين:

_ وحشتني قعدتنا سوا يا غفران وهزارنا ولعبنا للكرة سوا.

غصةٌ قضبت على صدره من تذكر كل هذه الذكريات، نعم كان متفائلًا يبتسم، ولكن ضاع كل هذا، نظر لقدمه العرجاء ثم قال بمرارةٍ واضحة:

_ وهتفضل وحشاك يا جبران... لأن أخوك أعرج وعمره ما هيمشي طبيعي زي الناس وبقى expired ( منتهي الصلاحية) مينفعش حد تاني.

تجمد جسد جبران بصدمةٍ عندما شعر بمرارة حديثه، ثم استدار نحو شقيقه يقترب منه حتى جثا على ركبتيه إلى جوار قدمه العرجاء متمتمًا بحبٍ أخوي:

_ عارف يا غفران طول عمري لحد اللحظة دي وأنا شايفك زي الشعاع اللي بيمشي ومبيوقفش... أنت اخويا وضهري وقت ما هقع أنا متأكد إنك هتشلني وترفعني ومش هتخلي حد يكسرني... ولو شايف رجلك مشكلة فكلنا شايفين رجلك عادية...

صمت قليلًا يضع يده على قدمه العرجاء، يمسك بها بحنوٍ، ثم قال وهو يتطلع نحو شقيقه بقوةٍ ممزوجة بحنانٍ:

_ ولو على لعب الكرة فأنا أشيلك على اكتافي ونلعب... لأن زي ما اتعودنا سند لبعض يا غفران وعمر اللي يتكسر فينا نسيبه لزما نصلحه.

زحفت بسمة لشفتي غفران، ولكنها منكسرة، ثم مد يده يربت على كتفه، ثم قال بهدوءٍ:

_ عارف يا جبران... بس لسه محتاج وقت.

اومأ جبران له، ثم نهض من مكانه ليترك له مساحته، يغادر من الأرض تاركًا إياه تضارب أفكاره معًا لما فعلته معه فاطمة.

***********

صباحًا...

وقف كلًا من عامر وملك أمام المدرسة التي سيقدم لها، ليشير لها بأن تدلف معه دون الحديث معها بسبب السماعة التي تضعها على أذنها، انطلق إلى غرفة الإدارة ووقف عامر لينهي الإجراءات مع موظفة المدرسة، ولكن وجد ملك تشده من قميصه استدار لها فوجدها تحرك قدميها بطريقةٍ غريبة بعدما بدأت تشعر بالألم بهما، ليهتف سريعًا بحنو:

_ طب روحي اقعدي يا ملك.

أشار لها بأن تذهب وبالفعل تأكد من جلوسها ثم عاد يكمل باقي الاجراءات لإتمام دخولها المدرسة، ولكن طلبت الموظفة رؤيتها مجددًا مرددة:

_ هاتها تاني لو سمحت.

عبست ملامحه بضيقٍ، ثم قال ببعض السخط:

_ماهي كانت قدامك طول الوقت لحد ما رجليها وجعتها.

تطلعت نحوه ببرودٍ ثم قالت:

_ والله دا شغلي وانت مش هتفهم في شغلي أكتر مني فهات البنت خليني أقفل الملف بتاعها.

استدار عامر من أمامها بغضبٍ من طريقتها، يردد بسخطٍ:

_ اتصدقي أنك لا بتفهمي ولا حاجة ومقعدينك وسطى على الكرسي دا... اهي تلاكيك حريم وخلاص... ابو اللي عينكم في شغل حكومة.

وصل للمكان الذي أشار لملك بالجلوس به فلم يجدها، ولكن حشد كبير من الطلاب يقفون بالبهو، شعر بالقلق عليها، وبدأ يبحث ببهو المدرسة بالكامل فلم يجدها، ازداد دقات قلبه رعبًا عليها، ووقف وسط المدرسة لا يعلم إلى أين ذهبت بكل هذا المكان الضخم، ولكن الآن لابد أن يسيطر على قلقه ويجد حلًا سريع.

********

رفعت كفها تضعه على جبينها من شدة ألمها، تشعر بصداعٍ يكاد يفتك برأسها، فتحت عينيها المتورمتان تحاول الاعتدال على الأريكة التي اتخذتها فراش لها بدلًا عن السرير، ثم نظرت باتجاه الفراش لتجد جبران نائم بعمقٍ، تأملته قليلًا قبل أن تنهض وتتجه نحوه تنظر له بأعينٍ يملئها الخذلان، ثم جلست إلى جواره لترى معالم وجهه بوضوحٍ أكثر ثم أخذت تهتف بألمٍ:

_ ليه تعمل فيا كده! ليه تخليني أخد عليك وتبعد فجأة عني! أنا عارفة إني مش بعرف اعمل حاجة صح ومعنديش ثقة في نفسي بس كنت بدأت أثق فيك... ربنا يسامحك يا جبران.

نهضت من مكانها تدلف إلى الحمام لتغتسل جيدًا قبل أن يراها، تزيل أثر بكاء ليلة أمس، ثم انطلقت إلى خارج المرحاض بعدما اردت ملابس تناسب الجلوس بالمنزل، فكان فستان رمادي ذو ورود بيضاء، تمسك بحجابها الأبيض لتلفه بهدوءٍ بعدما رأته يتململ على الفراش.

:_ رايحة فين؟

قالها بعدما اعتدل بمكانه، بينما اجابته يقين بهدوءٍ مريب:

_ بلبس عشان انزل اقعد تحت.

أومأ جبران برأسه، ثم شعر برغبته بالحديث معها بشأن طلاقهما، ليحمحم بخشونة لتسمعه، وبالفعل انتبهت له يقين تنظر لانعكاسه بالمرآة ولا تزال تواليه ظهرها، ليرتفع صوت جبران بهدوءٍ:

_ بخصوص موضوع امبارح...طلاقنا... كنت عايز افتحه معاكِ.

لم تعطه أي جواب ظلت صامتة، تحدق به في ألم مكتوم، ليكمل جبران وهو يقترب منها إلى أن أصبح خلفها مباشرةً متمتمًا:

_ ايه رأيك ناخد فرصة كمان وأجرب اديكِ الأمان وأنتِ تديني الثقة؟

اتسعت عينيها ترفق شهقة قوية صدرت منها، تعجب جبران لفعلتها العجيبة، في حين استدارت يقين له متمتمة بشكٍ:

_ أنت كنت صاحي قبل ما أصحى؟

قطب جبينه بدهشةٍ، يجيبها:

_ لسه صاحي قدامك أهوه.

عادت تسأل بشكٍ أكثر:

_ أنت قلبت في جيوب بنطلون الخروج إمبارح؟

رفع حاجبيه بتعجبٍ من اسئلتها الغريبة، يجيب مجددًا، ولكن يقترب من سرواله ليرى ما به:

_ لاء... هو في إيه في البنطلون؟

فزعت يقين تقفز فوق جبران تحاول أخذ السروال، بينما شعر جبران بأن ما به كبيرًا للغاية، لذا ازدادت قوته واستطاع سحبه منها سريعًا يمسك بجيوب الموجودة به ليجد ورقة مطوية، أمسكها بين يديه، لتصرخ يقين بفزعٍ تحاول الحصول عليها، ولكن كان أطول منها يرفع كفه بعيدًا، فتح الورقة ليرى ما بها فكنت تحتوي...

"أنا آسفة إني مقولتلكش على كده وإحنا بنتكلم بس أنا بدأت أحس معاك بالأمان يا جبران... أنت أول انسان في حياتي أحس معه الإحساس دا وأحب أحسه ومكونش عايز أخسره... فأرجوك متخذلنيش ومضيعهوش مني "

قرأ ما بالورقة وشعر بأن حديثه بالأمس كان بمثابة النصل الذي مزق كل شيء، أنزل الورق ليقع بصره عليها يتأمل وجهها الذي تلون بحُمرة البكاء، عينيها اللتان تلتمعان بخذلانٍ منه... الآن خسر المعركة!

ضرب على جبينه بغيظٍ من نفسه، ثم نظر نحو يقين قائلًا سريعًا بلهفةٍ:

_ يقين اسمعيني بس...

حركت رأسها برفضٍ، تدمع عينيها بحزنٍ قائلة بصوتٍ مبحوح:

_ أنسى الكلام اللي في الورقة دا... أنتِ خلاص ضيعته... عن إذنك.

تحركت كي تغادر الغرفة سريعًا حان وقت الهروب، ولكن اوقفها جبران ناطقًا لها وهي لا تزال تواليه ظهرها:

_ مضعش يا يقين ومش هسيبك أنا من قبل ما اقرأ أي حاجة كنت عايز أحاول معاكِ وميأسش... عايز نوصل لنقطة أنا وأنتِ نتقبل بعض بعيوب بعض... وبعدها تحبيني يا يقين... عايز قلبك يبقى معايا وقلبي يكون معاكِ.

تعلم أنه على حق، ولكنها شعرت بالألم من حديثه بالأمس، لتهتف بحزنٍ قبل أن تخطو إلى خارج الغرفة:

_ أنا موجوعة منك أوي يا جبران.

غادرت الغرفة سريعًا، بينما تأمل جبران اختفائها ثم قال وهو يعيد جملتها:

_ موجوعة منك يا جبران... يعني مش خايفة مني... زعلانة بس وعايزة أصالحها.

نظر نحو الباب ثم أمسك بتلك الورقة ويبتسم لها ثم وضعها بخزانته يفكر بطريقةٍ لمصالحتها.

*********

طرقت باب الغرفة بهدوءٍ، وما أن سمحت لها بالدلوف حتى حركت مقبض الباب تدلف الغرفة مبتسمة، تردد بهدوءٍ:

_ بتعملي ايه يا سهى؟

نظرت إلى والدتها مبتسمة تجيبها سريعًا قبل أن تعيد بصرها مجددًا على شاشة الهاتف:

_ بقرأ مقالات نفسية يا ماما.

اومأت برأسه ثم تقدمت إليها تجلس جوارها على الفراش تمد يدها لتنزل الهاتف، تعجبت سهى من فعلة والدتها، ليعلو صوتها بنبرة حنونة سعيدة:

_ في عريس متقدملك يا حبيبتي شاب محترم وكويس جدًا و...

قاطعتها سُهى بحدةٍ تتمتم بنبرة حادة:

_ قولتلك مش هتجوز... مش عايزة اتجوز... هو في ايه في كلامي صعب.

انتفضت والدتها بعصبيةٍ تدمع عينيها حسرة مردفة:

_ في ايه بقى يا بنتي... تعبتني ومش عارفة اعمل ايه... أنسي أحمد بقى مكنش شايفك مكنش شايف غير فاطمة أصلًا واهو مات دلوقتي.. فكري في مستقبلك.

أدمعت عين سُهى بألمٍ من تذكيرها دائمًا بحبها الخفي لأحمد، تطلعت نحو والدتها قائلة بصوتٍ شاحب:

_ بعد اذنك عايزة ابقى لوحدي!

نظرت لها والدتها بحسرةٍ ثم غادرت الغرفة، بينما جلست سُهى تبكي على الفراش بشدةٍ تهمس بألمٍ حاد يعتصر قلبها:

_ قلبي وجعني أوي يا أحمد في بُعدك... امتى أجيلك يا حبيبي.

***********

نظرة رضا ملأت عينيها بعدما رأت شكلها بالمرآة، تتأمل وجهها الذي به لامسات صغيرة لمساحيق التجميل وخصلات شعرها المرفوعة على هيئة كعكة ولكن هناك بعض الخصلات المتساقطة بشكل عشوائي تعطيها ملامح أكثر جمالًا، ترتدي منامة من تي شيرت قطني باللون الابيض يختلط به حروف انجليزيه عشوائية وسروال أسود، تحركت من أمام المرآة تجلس على الأريكة تتذكر حديث طبيبتها والذي علق بذهنها

" فاطمة جوزك مش وحش فعلا وطريقتك معاه غلط جدًا... أنتِ قبل ما تكوني مراته فأنتِ أخصائية نفسية يعني عارفة تفرقي بين الشخص العادي وقاصد يعمل كده وبين شخص اتعرض لأزمة ومحتاج يخرج منها وملقاش اللي يساعده وعشان كده بقى بالشكل دا"

تنهدت قليلًا تعيد شريط ذكرياته معه، هو بالفعل لا يكمل انتقامه للنهاية، انتبهت لصوت الباب وهو يغلق لترى غفران يغلقه بهدوءٍ، يتحرك بعكازه نحو الفراش، ولكن لمعة المرآة انعكست عليه جعلته يتطلع لها سريعًا وسرعان ما تهجمت ملامحه، يتطلع نحو فاطمة بحدةٍ شرسة، يزمجرها محتدًا:

_ مين سمحلك تغيري في أوضتي؟

ابتسمت له ببرودٍ تجيبه وهي تنهض تتجه نحوه:

_ والله وأوضتي أنا كمان... نسيت إني مراتك!

ألقى عكازه بعنفٍ على الأرض، يتحرك بعرجته اتجاهها، يغمغم بسخرية حادة:

_ دا على اساس أنك مراتي بجد مش صوري وهنطلق... أنتِ اللي زيك عمرها ما تنفع زوجة.

لا تعلم لما نبض قلبها بالألم، هي لا تحبه، ولكن أيضًا تألمت من اهانته، نظرت اتجاهه بألمٍ لم تستطع اخفاؤه تجيب:

_ ولما أنا منفعش زوجة بتجبرني عليك ليه؟ عايزني اتجوزك ليه وأنت عارف إني مش هتجوزك ولا كنت هوافق؟

لن يخبرها بأنه يريد أن يصبح مقبول بإعاقته، نعم يريد أن يكون طبيعيًا كالباقي ويمكن له بالزواج، احتدت نظراته أكثر يتجاهل اجابة سؤالها مرددًا:

_ عقلك لو فكر يغير حاجة تاني في الأوضة ومتخصكيش هتزعلي مني... وهتزعلي أوي!

ابتسمت بسخطٍ عليه، تشير على نفسها قائلة:

_ هو أنت ليه محسسني إني عايشة هاني مون ودايبين في بعض ومبسوطة بحياتي ... مش من أول يوم جواز واحنا بنقطع في بعض زي الأعداء وأكتر.

رمقها بنظرة تقييمية سريعة، يرى هيئتها الجديدة، نعم هي بالفعل جميلة... ملامحها تروق له كثيرًا، لم يشعر بذاته التي لا تزال تتأملها في حين خجلت فاطمة من نظراته لتهتف بحدةٍ تبتعد عن مرمى بصره:

_ ما تحترم نفسك بقى.

رفع حاجبه باستنكار، ثم قال ببعض المكر:

_ أوضتي وأنا حر فيها أبص في اللي يعجبني.

شهقت بخجلٍ من حديثه، لتمسك بوسادة التي على الأريكة تلقيه عليه قائلة بغضبٍ بعدما تلون وجهها بالإحراج:

_ أنت.. أنت عايز تـ.. تتعلم الأدب من أول وجديد يا ضئيل الأدب.

ظل دقيقة يعيد على مسمعه ما قالته، ثم ضحك عليها بشدةٍ يرتفع صوته الرجولي الضاحك بالغرفة، بينما صُدِمت فاطمة من ضحكه لأول مرة تراها، رفعت ذراعها تشير بسبابتها نحوه قائلة:

_ أنت عادي كده بتضحك!

حاول السيطرة على ضحكه قليلًا، ينظر لها ببسمةٍ، ولكن تحولت ساخرة عند وقعت جملتها على مسمعه هاتفًا:

_ واضح قدامك إني بني آدم من الأرض مش كائن خرافي... دا أولًا ثانيًا بقى مفيش حاجة اسمها ضئيل الأدب قوليها علطول متجملهاش... أنا فعلًا قليل الأدب.

صمتت دون رد لا تعلم بماذا تخبره، بينما تحرك غفران من أمامها بعدما لاحظ صمتها وعينيها اللتان تتحركان بعشوائية بعيدًا عنه لترسل له حرجها، ولكنه أردف بصوتٍ واضح يحمل التهديد:

_ الأوضة متتغيرش يا فاطمة عشان هتكرهيني أكتر من اللحظة اللي قطعتلك فيها الكتاب.

تركها تضطرب انفاسها بألمٍ، تتذكر فعلته القاسية عندما كانت تقرأ، أغمضت عينيها تحاول السيطرة على دموعها، ولكن كان القلب يبكي بألمٍ، ينزف ما تجرعه من سموم الأحزان، تحركت نحو المرآة تزيل ما كان بوجهها ثم حلت شعرها وبدأت بارتداء ملابس أخرى تناسب نزولها، وما أن انتهت حتى جلست على الأريكة تنتظر خروجه من المرحاض كي تخبره بمغادرتها للأسفل.

بدأ عقلها يفكر بحياتها معه، لا تريد الاستمرار معه، ولكن والدتها تجبرها على ذلك، علّت ثغرها بسمةٍ ساخرة حزينة، فلم تتصل بهم والدتها منذ أن غادرت، رفعت بصرها تنظر نحوه قطرات الماء التي تسيل من شعره بعدما أخذ حمامًا، نهضت تتحدث بهدوءٍ:

_ عايزة أنزل تحت أشوف أم عبده فين عشان الفطار!

كان يجفف شعره دون أن ينظر لها يجيبها ببرودٍ:

_ انزلي.

احتقن وجهها بغضبٍ تتحرك بعيدًا عنه، تفتح الباب بعنفٍ ثم ألقت نظرة خاطفة عليه لتجده يواليها ظهره فأغلقت الباب بقوةٍ تهمهم ببعض الكلمات المتعصبة، بينما زحفت بسمة لشفتي غفران ما أن استمع لصوت الباب، ثم تحرك نحو المرآة ليصفف شعره ولكن وقف يتأمل شكله، تراجع للخلف قليلًا ليرى شكل قدمه العرجاء، ثم ابتسم بحزنٍ لها اتجه بنظره إلى خزانته وقام بفتحها واحضار الأوراق التي دوّنت عليها كلمات بترت روحه، لتعود ظُلمة قلبه من جديد، نفى برأسه يرفض طريقة فاطمة، التي تروق له بشدة ولكن لا يريد العودة لما حدث معه من جديد، يهمس بنفسه:

_ لا هتخدع تاني ولا هحبها مش هسمحلها ومش هستحملها المرة دي.

*********

انطلق بخطواتٍ سريعة إلى خارج المدرسة يبحث بكل مكان عنها، وبالأخص الأماكن الهادئة الخالية من الناس، توقف بنهجٍ ينظر حوله حتى وجد شارع نائي هادئ إلى جوار المدرسة، أسرع نحوه يسير به يتطلع حوله جيدًا، إلى أن وجدها تجلس على درج بالعمارة ضخمة، أسرع نحوها سريعًا يردد بزفيرٍ:

_ كده يا ملك... تخضي قلبي عليكي!

رفعت بصرها تنظر إلى اللاشيء، تدمع عينيها بخوفٍ قائلة:

_ أنا خوفت... خوفت أوي.

رأى رجفة يديها ودموعها، ليسرع بالحديث معها، يردد بلهفةٍ:

_ حقك عليا... أنا كنت مع الموظفة بقدملك في المدرسة عشان ملك شاطرة وهتدرس زي عامر وتبقى أشطر بنت في الدنيا.

بدأت دموعها بالوقوف، تزحف بسمة صغيرة لشفتيها تجيبه ولا تزال حدقتيها مثبتتان بنقطة واحدة:

_ ملك شاطرة زي عامر... ملك غالية عند عامر.

ابتسم لها بحنوٍ ثم قال بإماءة:

_ صح يا ملوكة... يلا بينا بقى نخلص باقي الورق.

نهضت معه تفرك يديها ببعضهما، تردف ببعض الخوف:

_ مش هتسبني!

نفي برأسه يردد بحبورٍ:

_ عمري ما هسيبك يا ملك.

ابتسمت بسعادةٍ بالغة، تتحرك معه نحو المدرسة ليكملا باقي اجراءات وتصبح ملك طالبة بالصف الثاني الثانوي، يستطيع عامر السيطرة عليها فقد اصبح جزءًا من قلبها خاص له.

*********

خرجت من المطبخ يتشكل التعجب على معالمها، تتجه نحو الردهة والحيرة على معالمها، إلى أن وقع بصرها على شقيقتها تهبط من الدرج، تحركت نحوها قائلة بحبٍ:

_ وحشتني يا فاطمة.

ابتسمت فاطمة بحبٍ تتحرك نحوها لتضمها إليها قائلة بصوتٍ حنون:

_ وأنتِ كمان يا وجه الأرنب، قوليلي بقى صحتك عاملة ايه دلوقتي؟

اومأت برأسها ببسمةٍ صغيرة، ثم قالت بتهرب من اجابتها:

_ هي أم عبده فين مش لقياها والتلاجة فاضية؟

قطبت فاطمة جبينها بتعجبٍ، تردف بدهشة:

_ نعم! إزاي يعني؟

حركت رأسها بعدم معرفتها، تجيبها:

_ مش عارفة دي مختفية من امبارح ورنيت عليها مبتردش... وأنا جعانة أوي يا فاطمة وجدو مش موجود كمان وشكله كده كله ساب البيت وأنا وأنتِ اللي قاعدين.

زفرت فاطمة بضيقٍ، تفكر قليلًا ثم انطلقت نحو الهاتف تحاول الاتصال بأحد ولكن لم يُجيبُها، تغيّرت معالمها لضيقٍ فيبدو أنهم قرروا أن يبتعدوا عنهم، عادت لشقيقتها التي تضع يدها على بطنها بتعبٍ من شدة جوعها ثم قالت بسخطٍ:

_ اظاهر كده قرروا يسيبوا البيت ومش هيرجعوا يا يقين... فلزما نعتمد على نفسنا الأيام الجاية.

شعورها بالضياع تحكم بها، تتطلع نحو شقيقتها بعجزٍ عن التفكير، ثم قالت بصوتٍ أشبه بباكي:

_ طب هنعمل إيه أنا جعانة؟

زفرت فاطمة بتعبٍ، ثم قالت وهي تتجه نحو الأعلى وتشير لها بأن تأتي معها:

_ تعالي كل واحدة فينا هتنادي على جوزها ونروح السوق نشوف هنشتري إيه بظبط.

لطمت يقين على رأسها قائلة بصدمةٍ:

_ يا مُرّي... طب ما نشتري جاهز لحد ما يرجعوا

نفت فاطمة برأسها تخبرها وهي تسير بالممر:

_ مش هينفع يا يقين... شكلهم مطولين ومش هنفضل كل يوم نشتري جاهز لا فلوس هتكفي ولا حياتنا هتمشي كده.

تنهدت يقين بضيقٍ، ثم تحركت نحو غرفتها هاتفه بسرها:

_ يارب يا جبران تكون بتعرف تروح السوق.

دلفت للغرفة، تتحرك نحو جبران إلى أن وقفت أمامه ينتبه للهاتف ولكن تشتت عند وقوع ظلها، ليزيحه عن بصره يتطلع لها بدهشةٍ، مردفًا:

_ في إيه؟

فركت كفيها ببعضهما ببعض الحرج مردفة:

_ أصل أم عبده مش موجودة في البيت واظاهر كده كلهم قرروا يسيبوا البيت... والتلاجة فاضية ومفيش أكل خالص في البيت!

دُهش مما تفوهت به، يردد بصوتٍ متعجب:

_ إزاي يعني! من غير ما حد يقولنا؟

مطت شفتيها بعدم معرفتها، تجيبه بتأكيد:

_ مش عارفة بس فاطمة هتنادي غفران وهنروح كلنا السوق نشتري الالتزامات.. لأن شكلهم بيقول مش هيردوا خالص علينا.

زفر مختنقًا مما يفعله، ونهض من مكانه ليبدل ملابسه لينطبق على يقين فعله.

*********

:_ غفران... أصحى يا غفران!

قالتها فاطمة بضيقٍ من نومه الثقيل، همهم بثُقل:

_ في إيه!

اجابته سريعًا قبل أن يغفو مجددًا:

_ مفيش أكل في البيت ولا جدو ولا أم عبده موجودين ولزمًا نروح السوق نشتري أكل.

زفر غفران محتنقًا، يردد وهو يضع الوسادة على وجهه:

_ فاطمة خدي فلوس من درج الكوميدنو وسبيني نايم.

تطلعت له بذهولٍ، تعود لتسحب الوسادة مجددًا قائلة:

_ أنت مش هتيجي معايا؟

سحب منها الوسادة مجددًا يرمقه بنظرةٍ باردة متألمة هذا الألم الذي يشعر به من تلك الغصة التي تقبض على قلبه بقوةٍ أكبر، أيسير معها فيصبح أُضحوكة للجميع، ويشفق البعض عليها أنها هي في رعونة شبابها بينما هو عاجز عن الحركة بشكل طبيعي وتزوجت به:

_ لاء.

اختنقت الدموع بعينيها من طريقته، ثم تحركت بعيدًا بعدما غطى وجهه بالوسادة ليعود للنوم، أخذت بعض المال ثم تحركت إلى الخارج فملابسها مناسبة للخروج، تصفع الباب تلك المرة بهدوءٍ، ليرفع غفران الوسادة وتظهر ملامحه المتألمة، عينيه حمراوتان من حدة آلامه، يردف ببحةٍ هزت صوته:

_ مش هقدر اتحمل شفقة منك يا فاطمة... مش هقدر أشوفها في عينكِ وأنا مش قادر اخطي فوق بركة ماية أو حاجة عالية... كفاية وجودك معايا اللي بالغصب وأنتِ بتكرهيني.

********

وصل ثلاثتهم إلى السوق يتطلعون بتوترٍ إلى هذا الشارع الطويل المليء بالحشد من الناس، البائعين الذين يهاتفون بصوتٍ عالي باسم الخضار وسعرها، ازدردت يقين لعابها ثم ما كادت أن تتحرك خطوة إلى داخل ذلك الشارع حتى طارت فرخة بهياجٍ عليها، تقف بقدمها على وجهها ورأسها ليعلو صراخ يقين بشدة...




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة