
رواية وبالحب اهتديت
الفصل العاشر 10
بقلم سلمى خالد
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر♥)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل العاشر
(تصحيح الرؤية)
سأقتحم ذلك الجدار المُخيف الذي تضعه حول قلبك المجروح، سأنزع عنك قناع قسوتك، سوف أحرر هذه الشخصية الحنونة التي قيدتها بأصفاد خوفك، سأعيد لك الثقة التي اهتزت بداخلك عبر الزمن....
انتفض من مكانه سريعًا عندما رأى تلك الدجاجة تقف على يقين التي أصابها الفزع، بينما ابتعدت فاطمة عنهما تنظر لما حدث بصدمةٍ ممزوجة بضحكٍ لم تستطع السيطرة عليه، أتى صبي يركض نحو يقين ليلتقط تلك الدجاجة مرددًا باعتذار:
_ لامؤاخذة يا مدام.
ألتقط الدجاجة سريعًا يسيطر على هيجانها، بينما بقيت يقين تبكي بشدة وشهقاتها تعلو كلما وضعت يدها على وجهها وشعرت بألم، لتسرع بالنظر إلى جبران الذي تماسك من الضحك قائلة:
_ وشي اتشوه.. عملت فيه حاجة الفرخة المتوحشة دي!
كبح ضحكته بصعوبةٍ يتطلع لوجهها الذي به بعض الخربشات الصغيرة لن تترك لها أثر، يحرك رأسه بنفيٍ قائلًا:
_ لالا متقلقيش مفيش الكلام ده.
عادت تشهق بألمٍ ولا تزال تبكي على ذلك الموقف المحرج، لتمر إحدى السيدات قائلة بسخطٍ:
_ ما تنشفي كده ياختي وبلاش مياصة... بنات اخر زمان صيصين على الأخر.
تركتها تعوج فمها يمينًا ويسارًا، بينما نظرت لها يقين بصدمةٍ مما قالته، ثم تحركت نحوه تردف بغيظٍ ممزوج ببكاء الحرج:
_ أنتِ ست غير متحضرة أبدًا... ما لو الفرخة كلت وشك بضوافيرها المخيفة دي مكنتش اتكلمتي!
أمسكها جبران سريعًا ولكن تلك المرة تعلو صوت ضحكته، حتى أدمعت عينيه، لتستدير نحوه يقين قائلة وهي تضرب على ذراعه:
_ بتضحك على إيه!
أشار لها بضحكٍ لم يستطع السيطرة عليه:
_ ما مش أنا بس اللي بضحك.
نظرت له بعدم فهم، ثم ادارت رأسها يقع بصرها على بعض الناس وإلى جوارهم شقيقتها يضحكون عليها، تلون وجهها بحُمرة الخجل لتتشبث بذراع جبران قائلة:
_ طب يلا نمشي من هنا.
عاد يسيطر على ضحكه، يتحرك إلى داخل السوق، بينما تحركت فاطمة ولا تزال تضحك ولكن بخفوتٍ كي لا تلفت الأنظار لها، يسيران نحو بائعين الخضراوات، انطلقت فاطمة لتشتري هي ما تحتاجه من خضروات ولكن اصطدم أحد المارة بجبران حاملًا كيس بلاستيكي أسود ولكن له رائحة كريهة، ليصبح سروال جبران متسخ من تلك الرائحة، اتسعت عينيه بصدمةٍ بعدما اشتم تلك الرائحة الكريهة التي تفوح من الكيس ومنه أيضًا، فـ تحولت تمامًا ليصبح كأنه وحشًا سينقض على عدوه، نظرت له يقين وعندما رأت معالم وجهه اسرعت نحوه تمسك بكفه سريعًا قائلة:
_ عشان خاطر أبوك بلاش فضايح الراجل اعمى وميقصدش امسحها فيا.
ازداد زفيره بشدةٍ يعلو صدره ويهبط بانفعالٍ واضح، بينما ربتت يقين على كفيه محاول تهدأته، تردد بتوتر:
_ أنت صدرك بيطلع وينزل ليه... اوعى تنفجر أنا مش ناقصة أخف منك أكتر.
حاول السيطرة على انفعاله بعد كلماتها الأخيرة، سيحاول أن يتوقف قليلًا، نظر للسروال باشمئزاز ثم ما كاد أن يقترب من زر سرواله حتى رفعت يقين حاجبه قائلة بحدة:
_ أنت هتعمل ايه!
نظر لها باختناقٍ يردف بصوتٍ يحمل الضيق:
_ مش طايق نفسي ولزما اشيله عني.
اتسعت عينيها بصدمةٍ، ثم قالت بعصبية وهي تشير بسبابتها:
_ شيل ايدك يالا قال عايز تشيل البنطلون قال... رجالة اخر زمن.
مسح جبران على وجهه بعصبيةٍ مفرطة يحاول السيطرة عليها، متمتمًا بتروي:
_ يقين أنا مريض وسوس قهري ولو مشلتش البنطلون دلوقتي مش هقدر اسيطر على نفسي.
ازدادت حدة ملامحها، تغمغم بصوتٍ متعصب:
_ ان شالله لو وسواس جن ازرق لو فكرت تعملها هتزعل أنا بقواك أهو.
شعر بحركة جسمه اللارادية للرفض هذا السروال، ينظر لها باختناقٍ شديد، يردف تاركًا المكان:
_ أنا لزمًا أمشي من هنا حالًا.
تحركت يقين خلفه، تردف بقلقٍ على شقيقتها:
_ طب وفاطمة هنسيبها لوحدها.
:_ خليكي معاها وأنا هروح واجي علطول.
قالها بخطواتٍ أشبه بركض قبل أن يفقد السيطرة على حركات جسده، في حين عادت يقين مرة أخرى لبائع الخضروات فوجدت فاطمة تحمل أكياس كثيرة بها ما يحتاجونه، تعجبت من عدم وجود جبران لتهتف بدهشة:
_ أمال جبران فين؟
مطت شفتيها بعبوسٍ:
_ راح يغيّر.
قطبت جبينها باستفهام، لتمسك يقين عنها بعض الحقائب تردد بزفيرٍ:
_ تعالي احكيلك ونشتري باقي الحاجة.
اومأت برأسها ثم تحركت معها تسرد لها يقين ما حدث وما أن انتهت حتى قالت فاطمة ببسمة تعلو ثغرها:
_ دا بيحبك يا يقين.. بيحبك أوي كمان.
دُهشت يقين من حديثها، تتسأل بدهشة:
_ بيحبني إزاي يعني!
اجابتها فاطمة بتعقل:
_ أنه يسيطر على انفعاله وهو مش بيسيطر عليه في العادة عشان خاطر حد يبقى بيحبه أوي... وجبران استحمل ومعملش اللي طلبتيه كله عشان متزعليش يبقى بيحبك أوي.
خجلت يقين بعض الشيء، ببنما ابتسمت لها فاطمة تتمتم بحبٍ:
_ ربنا يسعدكم يا حبيبتي ويهديكِ ومطلعيش عينه.
ضحكت يقين لحديث شقيقتها، ثم أكملا باقي شراء ما يحتاجونه، تثرثر كلتاهما بعدة أحاديث حتى توقفت عن حديث فاطمة تعلق على ما حدث معها قائلة:
_ صحيح هو ليه الفون ببجيب ليا أننا في سنة 2024 وأحنا في 2022 مستغربة أوي الموضوع دا.
ازدردت يقين لعابها بخوفٍ، تتمتم ببعض التوتر:
_ هو أنتِ سألتي حد قبلي؟
نفت فاطمة برأسها ببعض التعجب، لتزفر براحة قائلة:
_ عادي ممكن خرف... ماهو كل شوية يقدم الساعة ويأخرها لحد ما الفون بتاعي عطل ومبقاش بيجيب الساعة المظبوطة فاكرة.
اومأت فاطمة باقتناعٍ مردفة:
_ ممكن برضو هبقى اظبطه... المهم نسيت أقولك مش سُهى رنيت عليها وكلمتني.
اتسعت عيني يقين بخوفٍ تردد برجفة اصابة نبرتها:
_ و..وقولتوا ايه؟
تنهدت فاطمة بتعبٍ تجيبها:
_ كنت بكلمها عادي إنها وحشتني واننا نتقابل بس.
أومأت يقين بهدوءٍ، ولكن هناك عاصفة بداخلها تشتعل من الخوف لما سيحدث أن علمت الحقيقة، ثم أتى بعقلها غفران لتردف فجأة:
_ أنتِ علاقتك بغفران حلوة؟
تبدلت ملامح فاطمة سريعًا لحزنٍ، تجيبها بصوتٍ مبحوح:
_ الحمدلله يا يقين ادعيلي بس.
:_ مالك؟
قالتها بقلقٍ، لتجيب الأخرى ببسمة حزينة:
_ ممكن مجوبش وقت ما احتاج اتكلم هقولك.
زفرت يقين بيأسٍ من شقيقتها فهي أن قالت لا فهي تعنى لا بالمعنى الحرفي، أكمل كلتاهما الطريق ولكن عقل يقين يفكر بطريقة لحل مشكلة شقيقتها قبل أن تعود لها الذاكرة وتعلم بشأن أحمد حُبها الأول.
**********
وصل كلًا من ملك وعامر إلى المنزل بعدما انتهى من تقديم لها بالمدرسة، يصعد معها إلى الطابق العلوي حتى أوصلها إلى غرفتها دلفت بها ملك ثم أغلقت الباب، بينما تحرك عامر بالمنزل ينظر حولها بتعجبٍ من هدوء الذي يعم، تحرك بالمنزل بأكمله فلم يجد أحد، ليقف على اعتاب باب المنزل يولي ظهره للباب، يحك رأسه بتعجبٍ قائلًا:
_ هو مفيش حد ليه؟
لم تمر دقيقة وكان جبران يركض بسرعةٍ مخيفة نحو غرفته يدفع عامر بعيدًا عن طريقه، ليسقط عامر أرضًا يتأوه من شدة الدفع جبران، يصرخ قائلًا له بغضب:
_ آآه ايه التور الهايج دا.
لم ينتبه له جبران كل ما كان برأسه أن ينزع عنه تلك الملابس الملوثة، نهض من مكانه ببطءٍ بعدما تلقى أثر الدفعة على كتفه اليسرى، يمسكها برفقٍ ليرى ما بها، ولكن سرعان ما تحولت معالم وجهه إلى ألمٍ عندما ضغط بسبابته بمنتصف ذراعه، فمط شفتيه بعبوسٍ قائلًا:
_ شكلها كدمة محترمة... يارب هو أخويا آه بس فاضلي شوية وانسى المعلومة دي وانتقم منه على اللي بيعملوا فيا دا!
تحرك يجلس على الأريكة الموجودة بالردهة بينما هبط جبران بعدما بدل ملابسه بالكامل، تلين ملامحه بوضحٍ وكأنه كان بحربٍ وانتصر، رمقه عامر بنظرةٍ غاضبة ثم عاد يتحسس ذراعه مجددًا، نظر له جبران بدهشةٍ ثم قال:
_ كنت فين يلا دورنا عليك ملقنكش عشان نخرج؟
اجابه مقتضبًا:
_ خرجت اقدم لملك في مدرسة عشان الدراسة خلاص كلها اسبوع وتدخل.
أومأ جبران متفهمًا ثم كاد أن يغادر مجددًا ولكن اوقفه عامر متسائلًا:
_ هو أنت خارج تاني؟
أومأ برأسه سريعًا يجيبه واقفًا على اعتاب الباب:
_ آه هروح اجيب يقين وفاطمة من السوق.
قطب جبينه بدهشةٍ متمتمًا:
_ وهو غفران مش معاهم؟
نفى برأسه ناطقًا:
_ لاء مجاش... فاطمة قالتله وهو تقريبا رفض يخرج... أنت عارف موضوع الخروج حساس بنسبة لغفران.
رفع عامر حاجبيه مستنكرًا من فعلة أخيه، بينما غادر جبران من المنزل ليحلق بهما قبل أن تأتيا إلى هنا، زفر عامر بضيقٍ هامسًا:
_ ايه أصله دا... سايب مراته تخرج لأول مرة للسوق... أنا هخليك تجري وراها على السوق يا غفران أصبر عليا.
**********
وقفت كلتا الفتاتان بجوار الشارع السوق، ينتظران جبران أن يأتي، يحملان حقائب كثيرة، لتتذمر يقين قائلة:
_ هو جبران بيجي من المريخ... ايدي وجعتني!
نظرت لها فاطمة ببسمةٍ حزينة، تتذكر ترك غفران لها ورفضه للذهاب معها وهي لا تعلم أي شيء بهذا المكان، تنهدت بصوتٍ مسموع، ولكن انتبهت لسؤال يقين:
_ هو أنتِ ليه مش عايزة تتكلمي عن علاقتك بغفران؟
رمشت بأهدابها عدة مرات، تنظر لها بأعينٍ زائغة إلى أن ارتفع صوت جبران متمتمًا:
_ اتأخرت عليكم؟
استدارت له يقين تنظر له بضيقٍ قائلة وهي تلقي الحقائب له ليحملها:
_ خد بقالك3 ساعات عشان تيجي.
رفع جبران حاجبه مستنكرًا، يمسك بالحقائب عنها وعن فاطمة، ثم تحركوا سويًا يسيرون للمنزل على اقدامهم، تتحدث يقين عما رأته بالسوق إلى أن ردت فاطمة بسؤالٍ:
_ هو ممكن تقولي غفران بيحب ياكل ايه يا جبران؟
صمت جبران قليلًا، بينما نظرت له يقين بتعجب قائلة بقليلٍ من السخط:
_ أنت دماغك صدت يا جبران كل دا عشان سألتك اخوك بيطفح إيه!
اتسعت عين جبران بصدمةٍ، بينما كبحت فاطمة ضحكتها على طريقتهما، أسرع ناطقًا بغيظٍ:
_ دماغي أنا اللي صدت ماشي لينا اوضة تلمنا يا يقين...
ثم نظر إلى فاطمة يجيبها:
_اخويا بيحب يطفح كفتة وصدور الفراخ متشوحة مع خضار ومكرونة وعلى راسهم مكرونة بشاميل.
أومأت فاطمة برأسها تفكر بما ستصنعه لغفران، بينما حرك جبران رأسه بغيظٍ متطلعًا نحو يقين قائلًا:
_ ماشي.. ماشي يا يقين.
وصل ثلاثتهم إلى المنزل ليضع جبران ما اشتروه بالمطبخ، وترك يقين وفاطمة سويًا به، ثم انطلق إلى غرفته ليكمل باقي عمله الذي تركه لوقتٍ كبير.
وقفت فاطمة تضع الخضروات مكانها وكذلك اللحوم والدواجن، ثم بدأت بإعداد المكرونة بشاميل لغفران، بينما وقفت يقين تنظر لها ببعض الحيرة، لتهتف لها بحيرة:
_ هو أنا المفروض اعمل ايه؟
وضعت فاطمة معلقتين من الدقيق فوق مكعب صغير من الزبدة، تجيبها وهي منهمكة بتقليب:
_ روحي أسألي جبران بيحب ياكل ايه ليكون مبيحبش البشاميل عشان تعملي له أكل.
أومأت برأسها ولكن لا تزال تشعر ببعض الحرج من اعترافها أنها ليست بقدر الكافي من المهارة للطهي، فقط تصنع البعض من الطعام السريع، نظرت لها كي تخبرها بأن تساعدها ولكنها وجدتها تركز كامل حواسها على ما تفعله، زفرت بضيقٍ فلن تستطع اخبارها بما تريد، فقررت الصعود إلى الأعلى لتعلم ما يحبه جبران وستستعين بمقاطع الفيديو على الإنترنت.
تحركت إلى داخل الغرفة، تنظر نحوه وهو يركز عينيه على شاشة اللاب توب، لتهتف ببعض التوتر محاولة فتح مجرى للكلام:
_ بتعمل ايه يا جبران؟
اجابها سريعًا وهو يمسك بورقةٍ ليرى تطابق الأرقام معها ومع الشيت الموجود بالشاشة:
_ براجع حسابات المصنع اللي في دمياط... جدي بعت ليا الحسابات ابص عليها.
أومأت برأسها بتفهمٍ، لتتسأل مجددًا بتعجبٍ:
_ هو أنت أصلًا بتشتغل ايه بظبط؟
ابتسم بحبورٍ لسؤالها، يتلذذ عقله من فهم أنها تهتم لأمره، فأجابها بحبٍ:
_ من وأنا في كلية تجارة وجدي قرر يخليني اشتغل مع مدير الحسابات للمصنع الموبيلية اللي عندنا، وبقيت معاه وأخدتها من الألف للياء بقالي معاه 7 سنين بتعلم حسابات المصنع والشركة لحد ما بقيت أد ثقتهم فيا وأنا مكانه بعد ما توفى، وبقى جدي بيثق فيا لما يحس أن الحسابات فيها حاجة يبعتلي.
أومأت برأسها في ايجابية، تردد بفضولٍ:
_ طب وغفران؟
تنهد بحزنٍ عليه، يردد بصوتٍ مختنق:
_ بصي الأفضل منتكلمش عن غفران لأن حكايته تخصه وتخص فاطمة بس...
نظرت له يقين مردفة بسرعةٍ:
_ ما أنا عايزة أعرف لأن علاقته بفاطمة تقريبا بايظة.
صمت جبران قليلًا، ثم تنهد قائلًا بحزن:
_كل اللي هقوله أن هو دخل كلية زراعة لأنه بيحب الزرع جدًا وقرر يزرع الأرض اللي ورثها من أمي وكان بيعمل بحث على الأرض دي بسبب أن الزرع بيموت فجأة فيها، بس للأسف حصلتله حادثة يوم حفلة تخرجه وعملتله العرجة دي وخطيبته سابته بسببها ومن وقتها رفض يخرج أو يتعامل معانا.
شعرت يقين بالآسى على ما مر به غفران، في حين استرسل جبران بتحذير:
_ اوعى الكلام دا يطلع برة!
حركت رأسها بنفيٍ تضع يدها على فمها، ليبتسم لها جبران ثم عاد ليكمل ما يفعله ولكن حمحمت يقين ببعض الحرج، فنظر لها بتعجبٍ لتردف بحرجٍ:
_ هو أنت بتحب تاكل ايه؟
ازدادت ابتسامة جبران اتساعًا، يجيبها بسعادةٍ:
_ أي حاجة من ايدك حلوة.
شعرت يقين برغبتها بالبكاء وهي ترى سعادته بسؤالها، لتستدير كي تغادر الغرفة، تفكر بما ستفعله من طعام فإن أخذت طبق من فاطمة فسيعلم أنها لم تكلف نفسها بصنع طعام له، أغلقت الباب خلفها تزفر باختناق، ثم قررت الذهاب للمطبخ ورؤية ما يمكن صنعه.
***********
زفرت فاطمة بتوترٍ وهي تتأمل ما تحمله على تلك الصينية، تشعر بخجلٍ من أفعالها التي يظهر بها الاهتمام الزائد ولكنها تتذكر حديث طبيبتها بعدما اخبرتها بما هو مكتوب بالظرف...
" أيوة يا فاطمة اهتمي بيه جدًا وحسسيه بالثقة... جوزك فقد ثقته بنفسه بسبب عرجته وبالأخص الكلام اللي خده بعدها... وعايزة أفكرك بحاجة مهمة غفران لسه جواه حاجة مخبيها عن الكل ومش راضي يقول عليها "
تعجبت مما اسمعه عبر سماعة الأذن، ثم رددتُ عليها في هذه المكالمة:
_ حاجة إيه! ومش هيقول ليه؟
أجابتني بتوضيح:
_ غفران فقد ثقته بنفسه وباللي حوليه... ومحدش حاول يقرب منه..
قطعتُها بسخريةٍ عليه:
_ ومين هيقرب لواحد بيزعق وبيتحول لوحش لو بس اتنفس جنبه.
علقت على حديثي بهدوءٍ:
_ اديكِ قولتي اللي بيحصل... بصي يا فاطمة غفران في احتمال كبير من كلامك وطريقته إنه حط ثقته في حط وكسرها أوي وكسر معها مشاعره وكرمته وأهانه... وعلى الأرجح ست لأن عنده عدوة مع الستات... ولما فقد الثقة دي قرر يخلي أسلوبه زي ما بتقولي وحش مخيف اللي يقرب يهجم عليه علطول عشان ميرجعش يضعف ويتكلم ويثق تاني... أنتِ الشخص الوحيد اللي دخل كهفه بارادته يا فاطمة وهيجي وقت هيحاول يخرجك من حياته حاولي يا فاطمة بعد ما تواجيه... اخترعي أي حاجة بس متخرجيش لأن دي هتكون لحظة خروجه من الدايرة اللي حبس نفسه فيها وبيقوم يخرج منها.
لا أعلم لِمَ شعرت بتضخم الأمر معي، فأردفت بتوترٍ:
_ طب اساعده إزاي؟ ارجلع ثقته بنفسه إزاي؟
أجابتني بهدوءٍ:
_ زي أي زوجة بتكسب جوزها... بالمودة يا فاطمة... زعقلك متروحيش تنامي وتسبيه لاء حضرلي أكل حلو بيحبه وحطيه بشكل حلو... اهتمي بلبسه وخرجيه يلبسه... جوزك عنده عيب في رجله فالأكيد هيحتاج مساعدة لحاجات كتير لاحظيها وأعمليها... بس خلي بالك إن الحاجات الخاصة بالعرجة هيتعصب عليها عليكِ لأنها منطقة حساسه أوي عليه وعشان تكسبي ثقته هتاخدي وقت.
تنهدت بثُقل ثم حدثتُها بإماءة:
_ حاضر يا دكتور... في حاجة تاني اعملها؟
ردت بإيجابية عليّ:
_ أيوة... لما ياخد على اهتمامك غيري ديكور الأوضة أو دوري على حاجة بِعد عنها زمان كان بيحبها ورافض يرجعلها دلوقتي عشان الحاجة دي هترجعله شخصيته القديمة... بس دي آخر حاجة تعمليها عشان وقتها هيتحول تمامًا وممكن يتعصب لما تغيري الكهف اللي عايش فيه... قبل ما تغيريها قوليلي.
:_ حاضر يا دكتور.
عادت ذكراها لأرض الواقع تعود لتزفر مرة أخرى لعل توترها يختفي، تمد كفها لتفتح الباب ثم دلفت إلى الغرفة لتغلق الباب خلفها، فوجدته يقف بالشرفة، تقدمت له واضعة الطعام على طاولة صغيرة بها، انتبهى غفران لها واستدار ينظر لما تضعه، فصوت الأطباق أصدر ضجيج مزعج، وسرعان ما تفاجأ بالطعام المصنوع، ليهتف بدهشة واضحة:
_ مين عمل الأكل دا؟
ابتسمت فاطمة ببعض السعادة لاستجابته لها، تجيبه بحماسٍ:
_ أنا اللي عملته... مفيش حد في البيت وكده فقررت أشيل مسؤولية أكل والشرب بتوعنا.
نظر لها قليلًا، ثم تحرك نحوها دون عكازه بعرجة واضحة، حتى وقف أمامها لتخفض بصرها سريعًا تتجنب النظر له، فردد بهدوءٍ:
_ مين قالك على الأكل دا!
ازدردت لعابها بصعوبةٍ، يتخلل انفها عبقه، تجيبه ببعض الحرج:
_ سألت يعني إيه الأكل اللي بتحبه وعملته.
بقى مكانه لعدة دقائق يتطلع لها بصمتٍ فقط أنفاسه المنتظمة هي المسموعة، تعجبت فاطمة من صمته، فرفعت بصرها نحوه لتجده لايزال يسلطه عليها، وما كادت أن تتحرك حتى قال غفران:
_ ليه؟ بتعملي كده ليه معايا يا فاطمة؟
فركت كفيها بتوترٍ، ثم نظرت نحو الطعام قائلة ببسمة متوترة فهو بمنطقة محذورة قريب منها للغاية:
_ الأكل هيبرد وأنت...
:_ أنا سألت سؤال ليه بتعملي كده معايا!
قاطعها بنبرة حادة، لتنظر له ببعض الشجاعة تجيبه:
_ معتقدش لما أعملك أكل هيكون وراه سبب مريب للدرجة دي يا غفران باشا بطل تفخم الأمور في حق نفسك.
ابتسم بسخرية عليها، ثم تحرك ليدلف إلى الداخل، بينما اتسعت عين فاطمة وهي تراه يبتعد عن الشرفة بأكملها لتردف بعصبية:
_ أنت مش هتاكل؟
اجابها ببرودٍ:
_ لاء.
إلى تلك النقطة وانفجر بركان الغضب لدى فاطمة لتتحرك نحوه تمسكه من ذراعه بشدة كي يستدير لها، وبالفعل نجحت بذلك لتردف بعصبيةٍ مفرطة:
_ يعني ايه مش هتاكل! أنا روحت السوق لوحدي وجبت كل حاجة ووقفت عملتها بنفسي وطلع عيني عشان اجبلك الأكل لحد عندك وفي الأخر تقولي لاء! أنت مبتحسش؟
لا تعلم أن أخر ما قالته هو بمثابة مفتاح لإعادة جروحه مجددًا تُفتح، نظر لها بألمٍ لم يستطع اخفاؤه قائلًا:
_ بظبط مبحسش يا فاطمة وابعدي عن واحد مش بيحس... عشان اللي مش بيحس بيوجع اللي حوليه بسهولة.
نزع يدها عن ذراعه، ليكمل سيره نحو الفراش، بينما استمعت فاطمة لحديثه وشعرت بالضيق من نفسها واندفاعها بالحديث، لتسرع نحوه حتى وقفت أمامه قبل أن يجلس على الفراش قائلة باعتذار وهي تتطلع لحدقتيه:
_ أنا مقصدش المعنى اللي فهمته... بس عايزاك تاكل مش أكتر أنت بقالك يوم بحاله محطتش لقمة وكده غلط على صحتك.
ارتسمت السخط على ملامحه متمتمًا:
_ وأنتِ خايفة على صحتي فعلًا؟
ابتسمت بحبورٍ له، تجيبه بإماءة تمسك كفه ليتحرك معها نحو الشرفة:
_ أيوة طبعًا خايفة عليك... يمكن مش متفقين مع بعض بس عمري ما هتمنى ليكِ حاجة وحشة.
:_ طب ما أنا كده كده عندي العرجة مش محتاجة تشوفي فيا وحش وهو فيا من الأول.
قالها بسخرية عليه، ولكن قلبه كان ينبض بالخوف كي لا يرى جرحًا جديد، يكفي ما تجرعه بالماضي، ولكن لأول مرة سيفتح موضوع تلك العرجة، تجمد جسد فاطمة فجأة تتطلع نحوه بدهشةٍ، تترك ذراعه وهي تدير كامل جسدها لتصبح أمامه قائلة بدهشةٍ عالقة بها:
_ هو أنت شايفني إزاي يا غفران؟ أو شايفني بشوف عجرتك إزاي؟
***********
جلست على مقعد بالمطبخ لا تعلم ما الذي ستفعله، تشعر بالضياع من عدم معرفتها لصنع الطعام، أدمعت عينيها ببعض الخجل من نفسها لعدم قدرتها على صناع طعام سوى بيضة مسلوقة، وضعت وجهها بين راحتي يدها تجهش في البكاء بعدما نظرت للساعة لتجد أنها مر على خروجها من الغرفة أكثر من ساعة ونص، تشعر بالفشل الحقيقي من كونها لا تعلم حتى أبسط واجباتها وهي الطهي، ليأتي هذا الجرح ويزيد من شدة ألمه بداخلها، تتذكر والدتها والمعلمين عندما اجتمعوا سويًا في أنها فاشلة...
" يقين قومي... وهو أنتِ مفيش فايدة فيكِ أضربك مش نافع... أهزقك مش نافع معاكِ ودرجاتك زي الزفت كلها... هتفضلي فاشلة لحد أمتى"
نظرت لمعلمتي بأعينٍ باكية، ثم شعرتُ بتلك اللحظة بالحرج والانكسار وسط زملائي، تسيل دموعيّ على وجنتي لتحفر بداخليّ ألمًا لن انساه، استمعت لمعلمتها تكمل حديثها:
_ المرادي مش هعدي درجاتك اللي زي الزفت دي وهكلم والدتك يمكن تشوف صرفه معاكِ.
نفيتُ برأسي قرارها، ثم أسرعت بالحديث كي لا تفعل ما نوته:
_ لالا عشان خاطري يا ميس بلاش تقوليلها.
لم أرَ سوى بسمتها الشيطانية التي تعلو ثغرها، عندما علمت بخوفي من والدتي، فوجدتها تردف بشرٍ وكأنها تنتقم من فشلي الذي لا ذنب ليّ به:
_ يبقى هكلمها يا يقين... واتفضلي أطلعي قدام وارفعي أيدك الاتنين عشان تبقى عبرة لباقي زمايلك يا فاشلة.
وقفت كما طلبت مني معلمتي، تدفعني بكفها حتى اصطدمت بالحائط، تسيل دموعي من نظرات الشفقة وأخرى ساخرة الساقطة عليّ، ما ذنبي في فشلي!، أنا لم أكن فاشلة بيوم، ولكن عقلي لا يمكنه فهم ما تقوله؟ ما ذنب أنني احتاج لأن تُعيدوا الشرح مرتين حتى استطيع استيعاب ما تقوله.
مضى هذا الوقت بصعوبةٍ عليّ، استمع لسخرية الجميع عليّ وأنا أسير للداخل حتى أجلس بأخر مقعد بالفصل وحدي لأنني فاشلة كما يرون، أتى موعد عودتي وأتت معلمتي معي تتحدث مع والدتي وتخبرها بتفنن عن مدى فشلي الدراسي ولكن ما جعلني أفقد ثقتي بها وبحياتي كاملة أن والدتي استجابة لها تخبرها عن فشلي في إكمال أي مهمة منزلية بشكل سليم، ولكن سخرت معلمتي عليا ضاحكة وعلقت سخريتها بعقلي:
_ مش فاهمة ايه كمية الغباء اللي فيها دي... ياريت تعرضيها على دكتور يقيس ذكائها بدل ما تعدي صحابها بالغباء.
استمعت لانشطار قلبي بعدما وقع حديثها على مسمعي، تشد والدتي يدي لنغادر المدرسة ولكن أثناء الطريق لم أسلم من توبيخها القاسي ليّ، وحرمت من كل شيء حلو وقامت بحبسي في غرفتي دون أن تعلم ما سر فشلي، بقيت صامتة ولكن شقيقتي فاطمة كانت تساعدني بمنحي بعض الحلوى..
انتفضت من مكانها تستمع لصوت جبران الذي ينادي عليها وهو يقف على اعتاب الباب، رفعت بصرها بوجهٍ باكي، ليسرع نحوها بقلقٍ قائلًا:
_ مالك يا يقين ؟
نظرت له بخذلانٍ، ثم عادت تغرق الدموع عينيها دون هبوط، تجيبه بصوتٍ مبحوح:
_ أنا مش عارفة أعمل أكل خالص وقفت تايهة ومش عارفة أعمل حاجة!
قطب جبينه بتعجبٍ يردف بسؤالٍ:
_ طب ليه سألتني أكل إيه؟ افرضي قولت أكله صعبة!
هبطت دموعها بتلك اللحظة، تجيبه بصوتٍ مختنقة أثر دموع:
_ فاطمة قالتلي أطلع اسألك لحسن تكون مبتحبش تاكل البشاميل... وقولت لو هتقول أكل اجيب طريقتها من النت وأعملها بس معرفتش حتى أجيب حاجة... كلهم صح أنا فاشلة في كل حاجة وغبية.
مد يده يزيل دموعها سريعًا، يشعر بأنها تُعاني من شيء في تلك الكلمات، فليست المرة الأولى التي ترددها، أردف بحنوٍ:
_ طب اهدي خلاص متعيطيش يا يقين... تعالي نعمل أكل سوا ونثبت أن يقين شاطرة وعمرها ما كانت فاشلة زي ما بيقولوا.
ظلت تشهق بقوةٍ، تمسح دموعها بظهر يدها متسائلة:
_ إزاي! أنت بتعرف تعمل أكل؟
حرك رأسه بنفيٍ، يجيبها بحبورٍ ممسكًا كفها لتنهض معه يتجهان إلى الخارج:
_ لاء مليش فيه بس هنتفرج على فيديو لأكل سريع وناكل إيه رأيك!
منحته إماءة صغيرة تبتسم من بعض شهقاتها الخفيفة، تتحرك معه ليروا فيديو عن بعض الوجبات السريعة، فوجدوا فيديو لطريقة اعداد مكرومة مبقبقة، بدأوا بصنعها بعدما شاهدوا الفيديو ثم وضعوا ما قالته ولكن وجدت يقين بعض أصابع السجق لتأخذها وتقطعها واضعة إياها مع المعكرونة، وانتظروا حتى تطيب وتصبح كاملة الطهي، وبالفعل انتهوا ولكن كانت مليء بالنشا الزائد، وضع ما صنعوه بطبق واحد ثم احضروا معلقتان وجلسوا على الطاولة الموضوعة بالمطبخ، نظر جبران لها ثم إلى الطبق قائلًا:
_ ما تدوقي أنتِ الأول.
حركت رأسها بنفي، تمد له الطبق قائلة ببسمة متوترة:
_ لا كل أنت الأول أنت تعبت في التقليب.
حاول جبران الهروب من أن يتذوق ما فعله بقلقٍ مردفًا:
_ لا كده هنعد من 1 لـ 3 ونبدأ ناكل.
زفرت يقين بغيظٍ منه، كانت تريد أن ترى هل حلو المذاق لتأكل أم لا فتبتعد!، مدت معلقتها لتبدأ العد ثم تناول الأثنان سويًا الطعام، تحولت ملامحهما لرضا عما فعلاه، لتردف بسعادةٍ:
_ طلع طعمها حلو يا جبران طعمها حلو.
ابتسم للسعادة الظاهر بملامحها، تعود لتناول مجددًا بنهمٍ، ليردف جبران بحبٍ:
_ عارفة طلعت حلوة ليه؟
نظرت له لاهتمامٍ وهي تلوك المعكرونة بفمها، ليسترسل جبران بحنوٍ دافئ:
_ عشان أنتِ اللي عملتيه يا يقين.
ابتسمت بخجلٍ ممزوج بسعادةٍ، يكملان تناول طعامهما سويًا مع تبادل الحديث سويًا.
***********
نظر لها بسخطٍ، يتأمل ملامحها التي تنتظر الإجابة، ليردف بصوتٍ ساخر متألم:
_ هتكوني شيفاني إزاي! انسان أعرج... عاجز عن أنه يكون طبيعي... بالمعنى يعني ناقص وهتعبك في حياتك... خسارة فيا أي حاجة عشان عجزي مقرف وهيسبب احرج لأي حد هكون معاه.
مع كل كلمة تُقال كانت تتسع مقلتيها بصدمةٍ، تشعر بصفعة قوية، فهمت سر عدم مغادرته معها، تحركت حتى أصبحت أمامه مباشرة لا يفصلهما سوى إنش بسيط، تردف بقوةٍ:
_ أنت غبي أوي يا غفران عشان تفكر كده بجد.
تهجمت ملامحه بغضبٍ، في حين اسرعت فاطمة تسترسل حديثها ببسمةٍ حانية:
_ أنا عمري ما شوفتك كده يا غفران... لو كنت بقول خسارة فبقولها من عمايلك مش من عرجتك... مين قالك إني بصيت عليها!
تضاربت أفكاره كلها، يشعر تياه شديد، يجيبها بقوة زائفة:
_ كلكم تفكيركم كده.
عادت سؤالها مرة أخرى باصرار:
_ أنا بسألك عني أنا... أنا قولتلك كده ولا بصيت على عرجتك!
نظر لها باضطراب قوي، تعيد بصيرته للأمور مرة أخرى ليردف بدفاعٍ عن معتقداته، ولكن اهتزت نبراته:
_ أنتِ رفضتي الجواز واتكلمتي إني مستحقش شيء!
كان قد تراجع للخلف عدة خطوات مبتعدًا عنها، لتقترب منه فاطمة تمسك بوجهه بكلا كفيها حتى تقع عينيه على خاصتها، تجيبه بصوتٍ دافئ:
_ ودا ليه يا غفران؟ عملت كده ليه؟ رفضت جوازك أول مرة ليه؟ مش أنت خنقتني بالعكاز؟ مش أنت برضو اللي قطعت كتابي وقررت تحملني ذنب ناس أنا مليش علاقة بيهم... كل دا مفهوش عرجتك يا غفران...
ازاح يديها عنه، يتمتم بصوتٍ متعب:
_ أنتِ عايزة توصلي لإيه بظبط!
اجابته ببساطة:
_ عايزة تخرج من الدايرة دي يا غفران لا أنتَ كده ولا دي طريقتك.
نظر لها بألمٍ واضح، يبتعد عنها ليقترب من الشرفة، قائلًا بتجاهل لحديثها:
_ هاكل الأكل اللي عملتيه وتبعدي عني خالص.
ابتسمت بمكرٍ على نجاح خطتها، جلست على الأريكة لتترك له مساحته بالتفكير بينما بدأ بتناول الطعام الذي اعدته، تناول بنهمٍ من لذة طعمه ولكنه يفكر بحديثها، لتعيد رؤياه للموضوع مجددًا، انتهى من تناول الطعام حتى تحرك من مكانه ليقف بمنتصف الغرفة دون النظر لها قائلًا:
_ تسلم ايدك الأكل حلو.
تحرك من أمامها بعرجته سريعًا، في حين ابتسمت فاطمة بسعادةٍ من اطراقه لما صنعت، تحركت نحو الطاولة وحملت الصينية وقررت أن تهبط للأسفل لتصنع له مشروب يتناوله، فقد نجحت خطتها، وبالفعل وصلت للمطبخ لتجد جبران يحتسي الشاي مع يقين سويًا يضحكان على شيء ما، ابتسمت لهما تتقدم نحوهما برضا، قائلة بتسأل يحمل بعض الحرج:
_ معلش يا جبران متعرفش غفران بيحب يشرب إيه؟
ابتسم لها ببعض السعادة لاهتمامها بشقيقه، يجيبها سريعًا:
_بصي بيحب يشرب قهوة مظبوط بعد الغدا... ولما بيقعد لوحده بيحب يشرب عصير فريش... وكَـ حلويات عشان لو حبيتي تعملي له بيحب الحلويات الشرقي جدًا.
ردت شاكرة بامتنان واضح:
_ شكرًا بجد يا جبران.
بادلها الابتسامة قائلًا:
_ على ايه أنتِ اختي.
تحركت فاطمة لتعد القهوة، بينما تحرك كلًا من يقين وجبران إلى غرفتهما بعدما استقر الأمر بينهما قليلًا، ثم انتهت فاطمة من اعداد القهوة وصعدت بها إلى الأعلى تدلف إلى غرفة بخطواتٍ حذرة حتى استطاعت وضعها على الطاولة الشرفة، ثم دلفت للغرفة مجددًا تنظر إلى غفران القابع على الفراش لتردف ببسمة صغيرة:
_ القهوة بتاعتك جاهزة يا غفران... تعالى اشربها في البلكونة.
رفع حاجبه باستنكار، ينهض من مكانه يتحرك نحوها قائلًا ببعض المكر:
_ أنتِ فيكي إيه بظبط؟ من الصبح غدا حلو ودلوقتي قهوتي؟ ومتقوليش عايزة تخرجيني من الدايرة بتاعتي... أنا لو أذيتك أذى صغير هترجعي تقولي بكرهك ومبحبكش!
لاحظت المكر الدائر بحدقتيه، لتبادله المكر:
_ حتى لو أذتني يا غفران فأنا متأكدة أنك مش هتعمل كده...
توقفت عن الحديث ترفع كفها لتضعه على قلبه، مسترسلة بهمسٍ:
_ لأن قلبك دا عمره ما كان وحش يا غفران.
ازدادت دقاته اضطرابًا، يتحرك بعيدًا عنها، يبتسم بسخريةٍ قائلًا:
_ معاكِ حق هو عمره ما كان وحش... بس اتلوث من عالم الأذى وعشان كده ممكن أأذيكِ.
انقلبت الدفا وأصبحت هي من تشعر بالتوتر، ابتسم غفران بمكرٍ ما أن رأى اضطربها ثم تحرك نحو الشرفة يرتشف من قدح القهوة بتلذذ، وأخيرًا انتصر بمعركته معها بالحديث.
**********
أصبح الجوا هادئ بين الجميع، يرسل جبران فيديو للطعام الذي يريده وتبدأ يقين بصنعه تارة تنجح وتارة تفشل، بينما تقف فاطمة تعد الطعام لغفران الذي قرر تجنب الحديث معها منذ هذا اليوم فقد أصبح مكشوف للغاية وعلمت أن لحظة المواجهة القادمة سيحاول ابعادها عنه، في حين يجلس عامر مع ملك يذاكر دروسه بينما هي تكمل باقي لوحتها حتى تحين الدراسة.
********
قبضت على كف شقيقها بخوفٍ وهي تسير إلى جواره بالشركة، تتأمل المكان حولها والعاملين به، حتى همس خليل لها بحبٍ:
_ اهدي يا ناهد الموضوع بسيط بس أنتِ اهدي.
أومأت برأسها ولكن عينيها تقطر بالخوف، هي لم تتحمل مسؤولية كهذه مر يومين وهي تأتي لهنا ولكن لم تعتاد على الوضع، دلفت إلى مكتب الخاص بشقيقها، تجلس على الأريكة إلى جواره متمتمة بخوف:
_ بلاش يا خليل أنا مش هقدر خليني مع البنات.
نفى خليل رأسه، يجيبها بأسف:
_ أنتِ عارفة أن دي أوامر الحاج جبران ومينفعش نخالفها عشان خوفك... لو عرف أنك خايفة كده اصلا هيزيد اصراره أكتر انك تفضلي هنا.
أدمعت عينيها بحزنٍ تردف بنبرة مختنقة:
_ غضب عني يا خليل... نفسي اشوفهم ويكونوا جنبي... دا حتى مكالمة التلفون منع إني اعملها للبنات وأني اطمن عليهم.
اخرج تنهيدة مطولة، ثم قال بحنو:
_ معلش هيجي وقت وترجعي، يلا تعالي نشتغل وبصي على الملفات دي زي ما عودتك.
نهضت معه لتنظر إلى عملها ولكن قلبها منفطرًا على فراق بناتها.
**********
:_ تعرفي يا فاطمة إن غفران كان بيعمل بحث عشان يعالج أرض والدته لأنها كانت بتموت الزرع.
قالتها يقين بعفويةٍ دون شعور، بينما استدارت فاطمة بكامل جسدها تنظر بتعجبٍ لها قائلة بدهشة:
_ وعرفتي منين؟
ضربت يقين على جبينها فجأة تتذكر تحذير جبران لها، تنظر لشقيقتها بتوترٍ، في حين تقدمت منها فاطمة تردف بأملٍ:
_ لا متسكتيش يا يقين... دا أنتِ ممكن تساعديني عشان اخرج غفران من حالة الحزن اللي فيه.
شعرت يقين بالشفقة على شقيقتها، تتمتم بصوتٍ هامس:
_ هقولك بس متعرفيش حد... غفران خريج كلية زراعة وكان بيحضر بحث عشان يعالج أرض والدته لأنها بتموت الزرع، ولما اتخرج في الحفلة عمل حادثة وخطيبته بعدها سابته ومن وقتها هو ساب كل حاجة.
استمعت لحديث شقيقتها بتدقيق لكل كلمة، تتذكر امساكه للأوراق بكل مرة ووضعه لها بالخزانة بإهمال إذًا هي بحثه عن الأرض وذهابه الدائم لهناك ليس سوى حسر على ماضيه، أيقنت أن الأرض التي يذهب لها تحمل مكانة بقلبه كبيرة، ابتسمت بسعادةٍ فهي أن جعلته يعود لأبحاثه سوف يتغير به جزءًا كبير، عادت تعد الطعام مرة أخرى تنتهى منه سريعًا ثم صعدت إلى الغرفة لتجده يمسك ببعض الأوراق يضعها بحقيبة مهترئة قديمة، تحركت تضع له الطعام قائلة بفضولٍ مزيف كي تستطيع فتح الموضوع معه:
_ هو ورق إيه دا!
نظر للطعام متجاهلًا سؤالها، يردف ببرود:
_ تسلم ايدك.
رفعت فاطمة حاجبها بضيقٍ من طريقته، لتمسك كفه قبل أن يمسك الخبز قائلة:
_ رد على سؤالي!
:_ اعتقد دي حاجة تخصني!
قالها ببرودٍ قاتل، لتبتسم تبادله البرود قائلة:
_ وأنا مراتك فاللي يخصك يخصني.
نظر لها بتحدٍ قائلًا:
_ وأنا حالًا هخليكي مش مراتي!...