رواية أبو الرجالة الفصل الثاني والعشرون 22 ج2 والثالث والعشرون 23 بقلم شيماء سعيد


رواية أبو الرجالة 

الفصل الثاني والعشرون 22 ج2

والثالث والعشرون 23

بقلم شيماء سعيد


بمنزل فريد..

استيقظ من نومه وجد هالة تنام على المقعد المقابل للفراش جالسة، ليلة زواج فيروز من موسى الراوي أعلن بها خسارته بكل جدارة، ذهبت عروسته اللعبة اللذيذة لرجل غيره، لأول مرة يفكر بتأمل ملامح هالة، قام من محله وجلس على طرف الفراش بالقرب منها، جميلة لا ينكر، تحبه وهذا ظاهر بكل تصرفاتها معه، تبدو عليها البراءة وجد أصابعه تحثه على لمس وجهها الناعم هامسا :


_ إنتِ حلوة أوي يا هالة وخسارة فيا..


على عبثه بوجهها فتحت عينيها بضجر، أنتفض جسدها بلهفة مردفة بنبرة صوت رقيقة لأول مرة أو ربما هو الذي لم يأخذ باله منها من قبل :


_ فريد إنت كويس في حاجة بتوجعك..


أومأ إليها بتعب ظاهر على ملامحه ثم عاد بجسده ليلقي به على الفراش مردفا :


_ إيه اللي يخلي واحدة زيك في جمالك واسم عيلتك تتحمل كل اللي عيشتيه معايا طول السنين اللي فاتت دي يا هالة؟!..


سؤال ربما يكون بسيط وإجابته أبسط بكثير إلا أنها شعرت بالألم، حركت رأسها بخيبة أمل كبيرة وقالت :


_ نفس السبب اللي خلاك رغم كل اللي عملته معاك محبتنيش، هو هو السبب اللي مخليك تجري ورا فيروز وتنزل من نفسك ومني يا فريد..


فيروز على ذكر إسمها تذكر زواجها وسأل نفسه سؤالا صريحا قاله بصوت وصل لهالة :


_ تفتكر لو فعلاً بتحب فيروز يا فريد كنت هتقعد عادي كدة وأنت عارف ومتأكد إنها في حضن غيرك؟!..


كانت الإجابة رغم وضوحها بعيدة عنه كل البعد، يبدو أنه مرهق أغلق عينيه بقوة وفتح ذراعيه لهالة مردفا :


_ هالة ممكن تيجي في حضني عايز أنام وأنتِ بين أيدي..


يا الله على حلاوة طلبه، ألقت بجسدها سريعاً بين يديه وأغلقت عينيها هي الأخرى مستمتعة بتلك اللحظة من أعماق قلبها ربما لن تتكرر همهمت بمتعة مردفة :


_ فريد..


أبتسم :


_ اممم..


_ أنا بحبك..


كلمة سمعها بحياته كثيراً ولم يقلها إلا لفيروز والآن وبكل صراحة سألها :


_ هو الحب ده بيبقى عامل إزاي يا هالة؟!.


تعجبت من حالته الغريبة، لا تفهم ما يحدث معه أو بماذا يفكر، ابتعدت عنه قليلا ونظرت إليه وجدته مغلق العينين ومعالمه تبدو مرتاحة لأقصى درجة فهمست :


_ في البداية قلبك بيدق بسرعة ومشاعرك بتخليك تعمل حاجات مش شبهك، بتتنازل وأنت مبسوط وراضي، وبعدين تبقى مش شايف غير حبيبك نفسك تبقى معاه دايماً بتحس إنك ملكت الدنيا كلها وهو جانبك، لما تحب بجد لو انحطت قدامك ستات الأرض كلها مش هتشوف غير اللي بتحبها يا فريد..


تنهد بثقل وهو يفتح لها باب قلبه، جذبها لتنام على صدره مرة أخرى وقال :


_ يبقى أنا عمري ما حبيت قبل كدة يا هالة..


_ وعشان كدة أنا لسة في حضنك يا فريد..


______ شيماء سعيد _____


بشرم الشيخ..


دلفت ثريا لفيلا في غاية الجمال والرقي، بدأت تتفقد المكان حولها بتعبيرات منبهرة يبدو أن زوج ابنتها بمكانة مرموقة، أختارت غرفة بالدور الأرضي والقت بجسدها على الفراش بتعب، الآن تشعر بالكثير من الأمان وضعت يدها على معدتها المتتفخة :


_ متزعلوش بس بابا كمال ده راجل واطي وبتاع ستات الأحسن ليكم تبقوا بعيد عنه أصله معرفش يربي وأنا بصراحة خايفة على أخلاقكم يا قلب ماما....


ابتسمت إبتسامة حنونة وأكملت حديثها الهام مع أطفالها حتى دق باب الغرفة، رفعت حاجبها بتعجب هامسة :


_ هو في حد ساكن في البيت ده والا هو مسكون؟!..


عضت على شفتيها بالقليل من الخوف ثم قالت :


_ مين؟!..


_ أنا عايدة الشغالة يا مدام ثريا..


سمحت لنفسها بالخروج براحة وقالت :


_ أدخلي..


دلفت الخادمة وقالت باحترام :


_ موسى بيه بعتني عشان أقعد مع حضرتك وأشوف طلباتك تؤمري بأي حاجة..


ابتسمت بهدوء مع شعورها بأن هذا الغريب ربما سيكون الإختيار الأفضل بحياتها وحياة صغارها، حركت رأسها بنفي قائلة :


_ لأ شكراً روح ارتاحي لو احتاجت أي حاجة هقولك..


خرجت عايدة لتبقى ثريا بمفردها، حملت هاتفها الجديد وقامت بالاتصال على موسى الذي أجابها سريعاً مردفا بنبرة صوت متلهفة :


_ ازيك يا مدام ثريا المكان عاجبك ومرتاحة فيه؟!..


_ الحمد لله يا موسى المكان كويس جداً مش عارفة أشكرك إزاي ع...


قطع حديثها بصوته القوي :


_ كدة هزعل يا مدام ثريا حضرتك والدة فيروز يعني في مقام أمي واخواتها في حمايتي اهتمي بصحتك ولو احتاجتي أي حاجة رني عليا أو قولي للحرس اللي تحت..


_ حاضر يا ابني تسلم..


أغلقت معه الهاتف وذهبت في سحابة نوم عميق ربما اليوم هو أول يوم تشعر بوجود سند لها فلا يوجد أي داعي للقلق..


_____ شيما سعيد _____


بمحل نوح..


كان يتابع عمله بتوثيق بعض الفواتير الموضوعة أمامه، شعر بالملل والاشتياق لقطعة قلبه عطر، ترك الأوراق من يده مقررا الذهاب إليها وليذهب العمل للجحيم..


أشار لأحد رجاله مردفا :


_ واد يا حودة خليك مكاني لحد ما أروح مشوار في السريع وأرجع..


أومأ إليه حودة قائلا :


_ تمام يا ريس..


ذهب لمنزله بخطوات سريعة يغلب عليها حماس طفل صغير، انطفت تلك الابتسامة من على وجهه بعدما رآها تنزل من الشقة مرتدية نقاب يخفي ملامحها ورغم هذا عرفها من عينيها..


ارتفعت دقات قلبه بتعجب وابتعد سريعاً من مكانه ليخفي نفسه وراء العمارة، حاول تمالك حاله ورفع هاتفه وقام بالاتصال على رقمها رآها تفتح الخط بتوتر مردفة :


_ حبيبي وحشتني..


سألها بهدوء :


_ أنتِ أكتر يا روح قلبي، قوليلي حبيبي بيعمل ايه وأنا في الشغل..


أبتلعت ريقها وهذا وصل إليه انتظر أي إجابة تريح قلبه ولكن الأمر زاد سوء مع ردها :


_ خلصت الغدا ونايمة على السرير مستنية حبيبي لما يرجع من الشغل...


ماذا تقولي يا صغيرة وماذا تفعلي من وراء ظهري، عض على شفتيه حتى لا تخرج منه صرخة تحطم الأخضر واليابس ثم قال بهدوء :


_ ماشي هقفل أنا بقى عشان عندي شغل مهم واحتمال كبير أتأخر النهاردة..


أخذت نفسا مرتاحا وقالت :


_ مع إنى مش بحب أقعد من غيرك بس ربنا معاك..


أغلق الهاتف بوجهها فقد فقد قدرته على التحمل، لا يريد أي كلمة كذب أخرى صغيرته تفعل شيئا من وراء ظهره ومع ذلك سيعلم ما هو والآن، ترك سيارته وصعد بأقرب سيارة أجرة خلف سيارتها..


مرت نصف ساعة ووصل معها لعيادة خاصة بالعقم، ابتلع ريقه بعدما علم ما تفعله، تركها تنزل وتصعد وبعد خمس دقائق صعد خلفها، جلس على المقعد المقابل لها مردفا بقوة :


_ بتعملي ايه هنا يا عطر؟!..


انتفض جسدها بفزع ودارت بوجهها إليه، قبل أن تنطق بكلمة واحدة سألها بقوة أكبر :


_ عايز أسمع الحقيقة وشيلي النقاب ده من على وشك، نقاب ربنا مش لعبة...


خائفة من رفع عينيها لعينه ولكن لابد من المواجهة، بكف مرتجف أزاحت النقاب من فوق وجهها ثم قالت بهدوء :


_ جبت التحليل بتاعتك للدكتور وجاية أشوف رأيه الناس كلها قالت إنه ممتاز يبقى فين المشكلة لما نجرب..


جذب ذراعها إليه وضغط عليه بكل قوته قائلا بجنون نابع من شعوره المميت بالعجز :


_ أنا مش هخلف يا عطر جوزك راجل عقيم ليه مصممة طلقتك وقولتلك شوفي حياتك فضلتي ماسكة فيا دلوقتي مش من حقك تقلي مني أو تحسسيني بالعجز...


حركت رأسها بنفي لتلك الفكرة وسقطت دمعة ساخنة من عينيها مردفة :


_ أنا مش بقلل منك أنا بس بدور معاك على أمل، رفضت أقولك عشان لو مفيش أمل فعلاً موجعش قلبك زيادة..


مسح على وجهه وقام من محله مشيراً على غرفة الطبيب :


_ لو عايزة تكملي معايا يلا نمشي ولو عايزة تدوري على العيال وتبقي أم أدخلي للدكتور ولما توصلي لبيت أمك هبعت لك ورقتك..


صدمت من حديثه، لماذا دائماً يطلب منها التضحية من أجله وهو لا يفعل شيئا واحدا من أجلها، حركت رأسها بخيبة أمل كبيرة ثم قالت :


_ مش كل مرة أنا اللي هختار يا نوح المرة دي بقولك أهو يا إما تدخل معايا ونجرب مرة واتنين وعشرة لو في أمل يا إما تمشى وتبعت ورقتي عند أمي..


____ شيما سعيد _____

🩶🩶🩶🩶🩶🩶🩶🩶

الفصل الثالث والعشرون

بمنزل موسى.. 


ضمت فيروز هادية المنهارة بالبكاء لعلها تهدأ ولكن هذا زاد الأمر سوء، أرتفعت شهقاتها أكثر وأكثر، من البداية كانت حمقاء وها هي الآن تدفع ثمن غبائها، بكت فيروز هي الأخرى بحزن على شقيقتها، ما يحدث لجميع أفراد عائلتها هي سببه الرئيسي، مررت كفها على ظهر الأخرى مردفة بندم :


_ حقك عليا يا هادية حقكم كلكم عليا.. 


رفعت هادية رأسها وأزالت دموعها بطرف ملابسها مردفة :


_ وأنتِ كنتي عملتي إيه عشان تعتذري المفروض أنا اللي أعتذر منك، حذرتيني بدل المرة ألف ومع ذلك مشيت ورا دماغي لحد ما ضعت.. 


هذه المرة انهارت فيروز بالبكاء ونفت حديث هادية بحركة سريعة من رأسها مردفة بتقطع :


_ لأ أنا اللي دخلت عيلة أبو الدهب حياتنا وأهو كلنا ضعنا.. 


_ كفاية طيبة زيادة عن اللزوم بقى يا فيروز لحد امتا هتفضلي تحملي نفسك كل حاجة بالشكل ده، احنا كبار وفاهمين وأي واحدة فينا دخلت حياة راجل من عيلة أبو الدهب كانت عارفة هي بتعمل ايه كويس ومع ذلك كملت.. 


أومأت إليها فيروز ثم قالت :


_ طيب اهدي وكفاية عياط قوليلي حصل إيه أنا متأكدة إن خاطر بيحبك طلقك ليه؟!.. 


خاطر،، آه وألف آه من خاطر، بداخلها نيران تأكل بصدرها، أحبته وهذا أكبر خطأ فعلته بحياتها، ماذا كانت تنتظر منه أو كيف كانت تتمنى أن تعيش معه وهي تعلم ماضيه؟!.. ألف زواج عرفي ترغب بحياة سعيدة كيف؟!. أغلقت عينيها وهي تلعن نفسها بداخلها شعور بالحنين إليه بعد ساعات قليلة من الفراق وهذا لو دل على شيء سيدل أن القادم ليس بهين.. 


ألقت جسدها على الفراش هامسة :


_ روحي لجوزك يا فيروز أنا محتاجة أنام شوية.. 


تنهدت فيروز بتعب وقامت من فوق الفراش ثم وضعت الغطاء فوق جسد هادية التي أخرجت شهقة عنيفة جعلت الأخرى تضع قبلة عميقة على خصلاتها مردفة :


_ ماشي يا قلب أختك نامي، عايزاكي تتأكدي إني هبقي في ضهرك في أي قرار تخديه، أحنا هنبقى سند لبعض كفاية ضعف لحد كدة.. 


ابتسمت هادية مردفة :


_ قلبك قوي بابن الراوي يا فيروز.. 


_ لأنه راجل يا هادية.. 


خرجت من غرفة شقيقتها وذهبت لجناحها وجدته يخرج من المرحاض عضت على شفتيها بخجل من جمال عضلات جسده الظاهرة، ألقى المنشفة من يده ثم أشار إليها بالاقتراب لتجد نفسها تنفذ طلبه بلا أي اعتراض، جذبها سريعاً محاوطا جسدها بذراعه ثم همس :


_ أيه الطعامة دي كلها.. 


أخرجت عيناها قلوب وكأنها مراهقة تقع بغرام زميلها بالصف وتتابع تصرفاته عن بعد، لفت ذراعيها حول عنقه ثم قالت بابتسامة بمقابلها يدفع أبن الراوي الباقي من عمره :


_ شكراً يا موسى.. 


رفع حاجبه بسخرية قائلا :


_ الله يكرم أصلك واحد بيقول لمراته ايه الطعامة دي تقوله شكراً.. 


ضحكت مردفة :


_ لأ أنا عارفة إني طعمة مش ده سبب الشكر.. 


_ أمال سببه ايه يا عزيزة... 


_ إنك ساعدت ماما تبعد شوية عن عمو كمال من غير ما تحس بالضغط منه، وكمان فتحت النهاردة بيتك لهادية، بجد شكراً يا موسى على كل حاجة حلوة شوفتها على ايدك من يوم ما عرفتك، وبعدين مين عزيزة دي إن شاء الله.. 


قرص أنفها بخفة ثم قهقه بمرح على تعبيرات وجهها التي تمكن منها الضيق مردفا :


_ هنزعل من بعض لو سمعتك بتقولي شكراً على أي حاجة بعملها ليكي، من يوم ما دخلتي الجناح ده ووعدتيني إني هبقي مجنون فيروز وأنتِ جزء مني واللي يخصك يخصني وتحت أماني وحمايتي، بالنسبة بقى لعزيزة فدى نوع حلويات زيك كدة بالظبط، ناعمة وطرية وكلها حنية، طعمها حلو ريحتها حلوة بتدوم كدة بتدوم زيك يا عزيزة.. 


خرجت من بين شفتيها ضحكة مدللة، تشعر معه بأشياء غريبة تجعلها دائماً تخرج عن طبيعتها الخجولة وتفعل أشياء أغرب، عضت على شفتيها بمكر وبدأت بلعب يدها على عنقه هامسة :


_امممم إذا كان كدة فأنت لازم تأخد مكافأة كبيرة جداً جداً على الاسم الحلو ده.. 


أومأ إليها بحماس مردفا :


_ طيب يلا اديني المكافأة وأنا من أيدك دي لايدك دي يا عزيزة.. 


همست :


_ غمض عينك يا روح عزيزة وخلي احساسك بس اللي يعيش الموقف.. 


نفذ طلبها وقبل أن تقترب دق باب الغرفة فسب موسى بضيق صارخا بغضب :


_ مين؟!.. 


_ مامت حضرتك ومايا هنا وسيف بيه في انتظارك يا موسى بيه.. 


_ روحي وإحنا جايين.. 


تغيرت تعبيرات وجهه مائة وثمانون درجة، أبتعدت عنه فيروز خطوة للخلف قائلة بتوتر :


_ أنت كويس.. 


_ لحد دلوقتي اه بس لما نقابل الناس اللي تحت دي مش عارف هبقي كويس والا لأ، فيروز مهما قالوا أنا موجود وفي ضهرك اياكي تقلي من نفسك معاهم إتفقنا.. 


أومأت إليه مردفة :


_ ماشي وصدقني لو على موقف المستشفى أنا مش زعلانة منهم وعارفة إنهم كانوا وقتها خايفين عليك ومش عارفين بيعملوا ايه.. 


جذبها من يدها قائلا بجمود :


_ موقف المستشفى ده الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني ارحمهم لأن غبائهم خلاكي معايا دلوقتي، يلا ننزل.. 


_ يلا 


_____ شيما سعيد _____


بمنزل كمال.. 


قلب المنزل رأسا على عقب، كل ما به ينهار قلبه يلومه ويلقي عليه العتاب وعقله قالها صريحة أنت لا تستحق أمرأة مثل ثريا، وهذه هي الحقيقة، دق باب المنزل للمرة المليون ليصرخ بكل قوته :


_ مفيش حد هنا اللي بيخبط يروح في ستين داهية.. 


بالخارج نظر فريد لخاطر بتعجب قائلا :


_ إيه اللي بابا بيقوله ده؟!.. 


أجابه خاطر بسخرية :


_ أنا بقى لي ساعة كل ما أخبط يشتم من غير ما يعرف حتى مين اللي على الباب، عموما يا بخته يا عم الوحيد فينا اللي معاه حبيبته وكمان حامل.. 


ضحك فريد بقلة حيلة على غباء شقيقه وقام بدق باب المنزل من جديد مردفا :


_ كنت قوله إنك خاطر بدل ما التلج أكلك بالشكل ده يا غبي، افتح يا بابا أنا فريد.. 


ضرب كمال المرايا بالفازة حتى وقعت على الأرض ألف قطعة، لعله يرتاح ولكن كلما فعل هذا يزيد الأمر معه سوء، سمع صوت فريد ابتسم بغل أتى إليه بنفسه حتى يفرغ ما بداخله، ذهب سريعا وقام بفتح باب المنزل مردفا :


_ فريد بيه ومعاه خاطر باشا مرة واحدة ده يوم الهنا تعالوا.. 


جذبهما مثل اللصوص للداخل مغلقا الباب عليهم بساقه، ألقى الاثنين على الأرض بكل قوة صرخ خاطر بألم مردفا :


_ ايه يابا الأسلوب ده في حد يقابل عياله بالطريقة دي والا عشان جاي لك عيال تانية خلاص.. 


صرخ كمال بغل :


_ اخرس يا حيوان وهي فين العيال والا أمهم ما كله راح وكل ده ليه عشان الغبي ده.. 


رد فريد بسخرية :


_ ده بدل ما تطمن عليا تقول الكلام ده يا كمال مكنش العشم يا جدع.. 


_ أطمن عليك ليه كنت راجع من العمرة، البنت فضلت شهر مخطوبة لما ليك مزاج ترجع لها مستني يوم الفرح عشان تخطفها، بس تعرف العيب مش فيكم أنا اللي نسيت أربيكم.. 


_ بابا أنا طلقت هادية في ساعة شيطان وعايز أرجعها تاني.. 


آخر جملة خرجت من الأخين بعدها بدأ كمال بإخراج لهفته على ثريا بهما، لكمة هنا ولكمة هناك ومع ذلك لم يرتاح فألقى بكل ثقله فوق منهما وبدأت عملية الضرب عن قرب.. 


_____ شيما سعيد _____


بمنزل نوح.. 


أتى من الخارج وجدها تجلس أمام التلفاز تنهد بتعب فهي صامتة منذ عودتهما من عند الطبيب، جلس بجوارها وهو يحاول البحث عن أي جملة يفتح بها موضوع معها، يبدو أن صغيرته غاضبة للغاية منه ومعها كل الحق في ذلك، تصرفاته الطائشة ما جعلتها تحزن منه بتلك الطريقة.. 


أخذ نفسا عميقا ثم وضع يده على ظهرها مردفا :


_ غيري الفيلم ده أنا مش بحبه.. 


تابعت الشاشة أمامها ببرود وأخذت قطعة من الكيك داخل فمها بتلذذ، فقال بغيظ :


_مش بكلمك أنا.. 


_ امممم نعم خير. 


_ الفيلم ده مش حلو هاتي حاجة تانية.. 


خرجت منها ضحكة ساخرة قبل أن تأخذ قطعة أخرى من الكيك وبعدها رشفة من السحلب الساخن مجيبة ببرود :


_ غريبة مع إن بطل الفيلم ده زيك، كل ما يبقى في مصيبة يسيب البطلة لوحدها ويهرب ولما تطلع عنيها وتحلها يرجع يأخدها بالحضن.. 


صدم من ردها هذا، أهي بالفعل تراه بهذه الطريقة؟!.. حتى لو لابد أن يأخذ الأمر إلى صالحه حتى يكسب على الأقل عطفها على قلبه المحب إليها فقال :


_إنتِ كدابة يا بت، مين اللي أخدك من وسط كتب الكتاب عشان تبقي مراته وعلى اسمه.. 


رفعت عينيها إليه بعتاب جعله يلعن نفسه ألف مرة على تلك النظرة ثم أكملت عليه بحزن قائلة :


_ إنت فعلاً اللي عملت كدة، وأنت برضو اللي طلقتني عشان مشكلة هايفة ورجعت بعد ما قلبي بدأ ينسى تخيرني بالطلاق تاني.. 


جز على أسنانه بغيظ من نفسه، جذب كفها وقبله عدة قبلات عميقة معتذرة مردفا :


_ حقك عليا، عطر أنا يمكن أوقات بقول كلام أرجع أندم عليه بس صدقيني مفيش حد في الدنيا دي كلها فارق معايا غيرك.. 


أبعدت كفها عنه وأشاحت بوجهها بعيداً عن عينيه اللتان تترجاها بالغفران وهي أمام تلك النظرات ضعيفة، تنهد بتعب مردفا مثل الطفل الصغير الذي يحاول إرضاء والدته :


_ مش أنا طلعت شاطر ودخلت معاكي للدكتور وكشف عليا؟!.. يبقى سامحيني بقى.. 


_ كويس إنك عملت مرة واحدة في حياتك حاجة صح، وزي ما شوفت الدكتور قال في أمل بس هياخد كام سنة، نتعب إن شاء الله 10 سنين والا نفضل العمر كله من غير عيل ولا أمل واحد نعيش عليه.. 


أومأ إليها عدة مرات مصدقا على حديثها، حاول الاقتراب منها إلا أنها وضعت كفها على صدره سريعاً تمنعه فقال :


_ ايه يا حبيبتي مش قولتي إني عملت حاجة صح.. 


ابتسمت بسخرية وقالت :


_  مش معنى كلامي إني عديت اللي عملته يا نوح، لتاني مرة تقرر تطلقني من غير ما تعمل حساب إني بعت الكل عشانك، بس خلاص أنا شبعت من أسطوانة الحب اللي بتعملها بعد كل مصيبة دي.. 


_ يعني إيه إن شاء الله.. 


_ يعني لو عايزني أقعد معاك في نفس البيت اعمل نفسك متعرفنيش وتأخد هدومك وتروح أوضة تانية يا إما آخد أنا هدومي وأروح عند أمي... 


ما هذا يا صغيرة؟!.. من أين أتت إليكي القوة حتى تقفي أمامي وتقولي تلك الأشياء، رفع حاجبه ساخرا وقال :


_ ومين قالك بقى إن نوح أبو الدهب ممكن يعمل حاجة غصب عنه أو يتحط في إختيار مش عاجبه؟!.. 


_ محدش قالي وده قراري وأنا وأنت أختار مرة واحدة زي ما دايماً بتحطني قدام الاختبارات الصعبة وتقولي يا أنا يا إما تعمل اللي في دماغك، ناوي بقى تسمع كلامي والا أمشى.. 


حرك رأسه بقلة حيلة مردفا بضيق :


_ هسمع كلامك ومن النهاردة مفيش كلمة هتمشي في البيت ده إلا كلمتك ارتاحتي كدة.. 


_ شوية.. 


_____ شيما سعيد ______


بصالون منزل موسى... 


دلف للعائلة الكريمة وهو يدعم زوجته وضم كفها بين كفه بحماية، تعجبت من قيام من في الغرفة بمجرد دخوله المكان، جلس على المقعد المخصص إليه وأجلسها بجواره ثم أشار لسيف قائلا :


_ أقعد يا حبيب أخوك.. 


أومأ إليه سيف بابتسامة محبة ثم قال بمرح :


_ أول مرة الجلسة العائلية دي تبقى منورة كدة يا مرات أخويا.. 


ابتسمت إليه فيروز مردفة :


_ شكراً يا سيف ده من ذوقك.. 


حل الصمت على المكان عدة ثواني ظل بهم موسى يدرس تعبيرات وجه والدته وشقيقته ثم قال :


_ اممم سامع يا ترى ايه سبب الزيارة اللي أنتِ وبنتك متأكدين إنها غير مرحب بيها بالمرة. 


أبتلعت والدته تلك الغصة بحلقها ثم قالت :


_ مايا مرفوع عليها قضية من الضرايب يا موسى، أنا متأكدة إنك عارف وإنك تقدر تخرجها منها، خلي كل الخلافات اللي بنا على جنب وطلع أختك من الورطة دي.. 


نظر لمايا منتظرا حديثها هي، نظرت داخل عينيه بحقد واضح ثم قالت :


_ جوا عينك نظرة انتصار لأني وقعت وجيت لحد عندك، لحد أمتا هتفضل تكرهني كدة واحنا أخوات مش كفاية بقى.. 


ظل صامتا دقيقة كاملة، حمحمت فيروز بحرج وشعرت إنه لا يرغب بهذا الحديث الخاص أمامها، حاولت فك يدها منه مردفة :


_ طيب يا جماعة عن إذنكم هجيب حاجة نشربها وجاية.. 


منعها بضغطة خفيفة من كفه  ثم قال بنبرة قوية :


_ أقعدي يا فيروز أنتِ جزء مني مفيش حاجة تخصني تستخبى عنك، عصير الضيافة شغلة الخدم مش شغلتك أنتِ يا عزيزة.. 


قال لقبها الجديد بهمس لم يصل إلا لها، أخفضت بصرها بخجل ليكمل هو حديثه لمايا :


_ كفاية ايه!! مش عشان مشكلة الضرايب أجرتي ناس تخلص مني عشان تورثي.. 


صرخت بقوة :


_ أنت السبب في كل ده عشان غلطة قديمة رمتني لواحد أنت عارف إنه بتاع ستات وبيعشق الفلوس أكتر من نفسه، حرمتني من ورث بابا وبقيت بآخد منك حقي كأني باخد حسنة، يبقى من حقي لما أحس إني بغرق أعمل أي حاجة تنقذني من السجن... 


تخلى عن هدوءه وقام من مقعده جاذبا ذراعها لتقف أمامه بالألم صارخا بقهر :


_ اخرسي تعرفي تخرسي، الغلطة اللي أنتِ بتقولي عليها دي خلتني أحط ايد موسى الراوي في ايد الحقير جوزك، دلعتك وعملت لك قيمة لحد ما سلمتي نفسك لكلب سابك ورفضتي تقولي هو مين وفي النهاية بقيتي كدة، عايزك تعيشي في السجن اللي باقي من عمرك لأني مش ناوي أدفع لك ولا لجوزك قرش واحد من فلوسي.. 


حاولت أن تبعد نفسها عنه إلا أنه تحكم بها بقوة جعلتها تصرخ من الوجع، اقتربت فيروز منهما وقالت بقلق :


_ خلاص يا موسى اهدى هي موجوعة ابعد وبعدين أتكلموا براحتكم.. 


نظرت إليها مايا بكره واضح على معالم وجهها، دفعت فيروز بعيدا عنها بقوة على الأرض وقبل أن يصل جسدها للأرض ضمها موسى بقوة صارخا :


_ مايا، جبتي الجرأة منين عشان تحطي أيدك على مراتي.. 


ردت هي الصريخ بصريخ :


_ مراتك اللي بدافع عنها دي تبقي قريبة الراجل اللي كنت بتقول عليه من شوية ندل، خاطر جوز أختها هو زميلي في الكلية اللي اتجوزني عرفي... وسبني لما عرف إني حامل 


_____ شيما سعيد ______.



الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات