رواية الماسة المكسورة الفصل السابع والخمسون 57 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل السابع والخمسون 57 ج1

بقلم ليله عادل

{~أعلم أننا نختلف ونتجادل، لكن ثق بي، لا يوجد في هذا العالم من يعشقك أكثر مني، ولا من يشتاق إليك كما أشتاق، ولا من يخشى عليك كما أفعل. أنت أثمن ما لدي، وستبقى دائمًا أغلى ما في قلبي، وحبي لك لا يتغير مهما حدث~}

                [بعنوان: ما بين اللين والقسوة ]

كان رشدي يقف في الخارج أمام الباب يسترق السمع، جز على أسنانه بغيظ وقلب وجهه والغل يحرق قلبه، توجه إلى مكتب صافيناز 


-مكتب صافيناز


-كانت تجلس صافيناز خلف مكتبها تراجع بعض الأوراق، دخل رشدي دون أن يطرق الباب، رفعت عينيها نحوه باستغراب.


صافيناز بإستهجان: ايه يا رشدي الطريقة إللي إنت دخلت بيها دي، ماتبطل بقى أسلوبك البيئة ده.


رشدي بعصبية: إحنا في مصيبة يا صافيناز.


توقفت صافيناز بترقب وهي تنظر له: في أيه؟


رشدي: الهانم.


اتسعت عينا صافيناز برعب وهي تخرج الكلمات بصعوبة: أوعى تكون حكت للباشا حاجة.


هز رشدي رأسه بلا: ماحكتش بس عملت مصيبة أكبر.


صافيناز بغضب: ما تتكلم يارشدي إنت هتفضل تنقطني بالكلام بالقطارة؟


رشدي بتوضيح: طلبت من الباشا إنه ينقل حق الإدارة لكل الأسهم بتاعته وبتاعتها لسليم. 


جلست صافيناز باهتزاز وصدمة: بتقول ايه؟

ضربت بكفها على المكتب بغل جزت على أسنانها:

-احنا لازم نبلغهم، ونتجمع عشان نشوف هنعمل ايه في المصيبة دي (رفعت الهاتف)


رشدي: بتتصلي بمين


صافيناز: بعماد، وإنت كلم طه هنتقابل في الشقة بتاعتك.


رشدي: تمام

💕__________بقلمي_ليلةعادل__________💕

((بعد وقت))

-منزل رشدي الثالثة عصراً.


شقة فاخرة على الطراز الحديث، تتناسب مع شخصية رشدي المنحلة والمجنونة.

في الرسيبشن، يجلس كل من طه، منى، عماد، صافيناز، ورشدي، يتحدثون عن ذلك الخبر.


منى بدهشة وتوتر: ده كده إعلان كامل ونهائي إن سليم هو اللي هيبقى الوريث.


عماد يسأل بريبة: إنت متأكد يا رشدي من اللي إنت سمعته ده؟


رشدي، بحقد واضح: أيوه متأكد، مستنيين يوم ما 

يرجع سليم للمجموعة عشان يفاجئوه بالموضوع.


صافيناز، بضيق شديد: أنا عايزة أفهم... يعني كل اللي الباشا كان بيعمله معانا من سنين كان كذب؟ وإنه كان بيدينا فرصة نثبت نفسنا بس عشان يضحك علينا؟! يعني حتى لو كنا نجحنا، بردو مكنش هيفرق معاه؟ كأنه ماخلفش غير سليم بس!


رشدي، بتهكم وكراهية: عشان ماحدش تاني يسألني ليه حاولت أقتله... لأني كنت عارف! كنت عارف إن الباشا مش شايف غير سليم، وإننا ولا حاجة بالنسباله. عادي جدًا إنه ينفينا، يستغنى عننا، يخلص علينا كإننا مش ولاده أصلاً!


طه يعترض بغضب: يا جماعة، إيه اللي بتقولوه ده؟ بابا بيحبنا كلنا، واختياره لسليم لأنه فعلاً هو اللي يستحق، وإنتم كلكم عارفين إنه يستحق، بلاش بقى نضحك على نفسنا.


صافيناز تنظر له باستهجان: طه، لو سمحت ماتتكلمش. ولو كنت موجود هنا، فإنت موجود عشان إنت عارف الحكاية من أولها لآخرها وبس.


رشدي يؤيدها وهو ينظر لطه نظرة بحده: بالظبط كده، ياريت بقى تقعد ساكت.


طه ينظر لهم باستهجان،: أنا مش هستحملكم كتير، لإنكم بقيتوا حاجة لا تطاق.


رشدي يقترب منه قليلًا، ثم يهمس له بنبرة تهديد: وأنا مش عايزك تنسى اللي إنت عارفه.


نظر له طه بغل وكره، فهو يفهم جيدًا مايقصده رشدي... إنه يذكره بتهديده لأبنائه.


منى، محاولة تغيير الحديث: المهم دلوقتي، هنعمل إيه؟


رشدي يضحك بسخرية: خلاص، مافيش حل يا منى. إحنا بقينا كلنا موظفين، وهناخد شوية فتافيت من سليم، مصروف كل أول شهر. هيلعب بينا زي الشطرنج، ومش بعيد قريب أوي تلاقيه بيلعب معانا لعبة الصياد، عشان يخلص علينا واحد واحد.


صافيناز تنظر إلى عماد بحدة؛ ماتقول حاجة يا عماد، هو إنت هتفضل ساكت؟


عماد، بعد لحظة صمت: أنا بحاول أفكر. إنتوا عاملين تزعقوا وتتعصبوا ومش مديين فرصة إننا نهدى ونفكر بالراحة في المصيبة دي. هو إنتم فكرتوا بس في الفلوس؟ مافكرتوش إن ده ممكن يكون إنذار؟ الهانم ممكن تروح تقول للباشا كل حاجة، وساعتها الباشا هيحرقنا صاحيين! أو حتى يخليه ينقل الأسهم بتاعتكم باسمه.


صافيناز بقهر: دي تبقى مصيبة لو عملت كده وأخدت الأسهم بتاعتنا.


منى، بفحيح أفعى رقطاء: أنا عندي فكرة جهنمية، بس محتاجة منكم قلب جامد.


رشدي، بابتسامة ساخرة: تفتكري بعد اللي عملناه يبقى قلبنا مش جامد؟


منى، بثقة تتحدث بدهاء: اسمعوا اللي هيعمل التوكيل ده للباشا هو المحامي، إحنا بقى هنحضر توكيل صغير بحق الإدارة لحد فيكم، صافيناز أو رشدي، وده في حالة موت سليم. هنخبيه وسط الأوراق، هنحط من فوق ورقة عادية، وهنلزق من تحتها ورقة التوكيل بتاعنا بطريقة معينة، من فوق ظاهر له حاجة، لكن من تحت هو بيمضي على حاجة تانية. وبعد ما يمضي، هنفكهاونخليها معانا، وأكيد الأوراق دي الباشا هيخبيها يا في الخزنة بتاعته اللي في القصر، يا في خزنة المكتب. وأعتقد إن صافيناز عارفة الرقم السري.


عماد، بتفكير عميق: بس انتي نسيتي حاجة مهمة، إن المفروض الإدارة دي تتنقل للباشا بعد موت سليم.


منى، بحزم: لا طبعًا، لأن التوكيل هيبقى نقل نهائي بحق الإدارة، وبكده كمان الباشا مالوش لازمة، لا هو ولا الهانم.


طه، متعجبًا: إنتوا عايزين تعملوا إيه؟! إنتوا اتجننتوا؟ وبعدين، إنتوا عايزين تقتلوا سليم تاني؟!


منى، بجبروت: ممكن هو اللي يموت لوحده لو اقنعنا يعمل العمليه عشان يرجع زي زمان.


طه، بعصبية: أنا مش موافق على اللي إنتوا بتعملوه ده! كفاية بقى، إنتوا ما بتستكفوش! أنا همشي وما ليش دعوة بأي حاجة ممكن تحصل، إنتوا فاهمين؟! أنا بره ألعابكم القذرة دي.


حاول التحرك، لكن توقف حين استمع لصوت رشدي.


رشدي، بتهديد: بقول لك إيه يا طه، مش هقول لك تاني، ملكش دعوة، ولو لسانك ده نطق بحاجة... إنت عارف اللي هيحصل.


نظر له طه من أعلى لأسفل باختناق، ثم رحل.


منى، بغضب: رشدي، مش كل شوية هتهددنا بالأولاد!


رشدي، بمكر توقف امامها وهو يمثل الحنان: هو انتي بتصدقي؟! أنا بقول كده بس عشان أخوفه، عشان مايتكلمش. إنتي عارفة جوزك جبان، ممكن يروح يقول للباشا والهانم كل حاجة، وساعتها كلنا هننتهي. أنا ماقدرش أعمل في أطفال أبرياء أي حاجة، هو أنا للدرجة دي ما بحسش؟


منى، بتهديد: أوعى تكون بتضحك عليا، أنا مش سهلة يا رشدي.


رشدي، بضحكة ساخرة: إحنا عارفين كلنا إنك مش سهلة يا منى، وكل حاجة بتمشي من تحت إيديكي، ما تقلقيش. المهم دلوقتي، هنختار مين نعمله التوكيل ده... أنا عجباني الفكرة.


صافيناز، بابتسامة خبيثة: وأنا كمان عجباني الفكرة.


نظرًا لبعضهما بخبث، فهم يفهمان بعضهما جيدًا، فاختيارهما لطه لم يكن عشوائيًا، بل لأنه الطرف الطيب والأضعف بينهم، وسيعرفون جيدًا كيف يتلاعبون به.


صافيناز، ببرود: طه هو اللي هيبقى له حق التوكيل، مش منى، مع إنها صاحبة الفكرة.


منى، باستهجان: واشمعنا يعني؟ قلبكم فجأة بقى بيحب طه؟!


رشدي، بابتسامة ماكرة: إحنا بنثق في طه كويس جدًا، وعارفين إنه مستحيل ياكل حقنا.


عماد، محذرًا: بس الأهم طبعًا مايعرفش أي حاجة يا منى، الكلام ده سر ما بينا. ابقي قولي له إن صافيناز أخدت التوكيل، وروحي بقى الحقي المجنون ده قبل ما يعمل أي حاجة، ونبهي عليه ما يقولش حاجة للباشا.


منى، بثقة: خلاص، ماشي، ما تقلقوش، إنتوا بس جهزوا العقد، وأنا هخلي طه يمضي عليه بمعرفتي.


خرجت منى، تحمل حقيبتها، تغادر المكان وهي تشعر بالسعادة، معتقدة أن الإدارة أصبحت لزوجها، وبهذا أصبحت لها. طمعها أعماها، فهي لا تفكر إلا في الفلوس، ولم تستوعب أن رشدي وصافيناز يلعبان بها، وأنهما يخططان لجعلها هي وطه يتحملان مسؤولية التوكيل بالكامل. لم تخطر ببالها ولو للحظة أنهم يجهزونهما ليكونا كبش فداء لو حدث أي خطأ، لتقع هي وطه في الفخ ويدفعا الثمن وحدهما، بينما يظل الباقون بأمان.


فور خروجها، ضحك عماد بخبث، ثم قال وهو ينظر إليهما بمكر: ده أنتم الاثنين ديابة! لبستوها عشان لو اتقفش، يبقى طه هو اللي عملها، ومنى هي اللي لاعبة في دماغه.


صافيناز، بجدية: المهم دلوقتي إحنا لازم نكلم حد في مكتب المحامي، عشان نعرف وقت ما الأوراق تجهز، ناخد خبر ونحط التوكيل ده فيه.


رشدي، بحزم: سيبي الموضوع ده عليا، أنا هعرف أوصل بطريقتي. جهزي إنتي بس عقد التوكيل، وأهم حاجة يكون فيه بند ينقل حق التوكيل بشكل نهائي لطه بعد موت سليم.


عماد، مؤيدًا: اتفقنا.


رشدي: بس إنتوا نسيين حاجة مهمة دلوقتي، مشكلتنا إن سليم خد الإدارة، وأكيد الفترة اللي هيكون فيها ماسك كل حاجة هيبهدلنا.


عماد، مفكرًا: مضطرين نتحمل ونطاطي، ونقول حاضر وأمرك يا سليم، وإنت صح ونكبره، بس ما نزودهاش، يفضل شايفنا عادي، لكن طبعًا إنت يا رشدي مش هتقدر تستحمل، وهتتضايق وتعترض، وإنتِ كمان يا صافي لازم يكون ليكي رد فعل، بس بشكل طبيعي، عشان ما نكشفش نفسنا.


رشدي، بضيق: طب وبعد كده؟


عماد، بابتسامة خبيثة: وبعد فترة، لما الهانم تبطل تركز معانا، لأن الهانم شكة فينا وحاطة عينيها علينا، ومش بعيد تكون بتراقبنا، ساعتها نخليها تهدى من ناحيتنا، ونبدأ نشتغل عليها في ماسة. كل ما تركّز مع ماسة، كل ما عينيها تروح من علينا، زي زمان. وساعتها نشوف إزاي نتخلص من سليم، بس المرة دي لازم فعلاً زي ما قالت منى، تكون العملية متكاملة وما فيهاش ثغرات ونقنعه يعمل عملية.


رشدي: يبقى مافيش غير إننا نستغل إن سليم ناوي يعمل عملية، ونستغل ياسين أو فريدة في اقناعه يعملها بسرعه.


صافيناز: صح، لأنه لازم يرجع تاني يقف على رجله بدل ما يبقى أبو عكاز، ورجليه بتوجعه، وبيعرج، وما بيخلفش.


ضحكوا جميعًا بخبث، بينما تتضح معالم الخطة الشريرة أكثر فأكثر.


صافيناز، بحذر: بصوا، إحنا لازم نرتب لكل حاجة بالراحة، ما نستعجلش، بس لازم نخلص من موضوع التوكيل الأول، عشان وقت ما نخلص من سليم، تكون كل حاجة متحضرة، بامضته هو شخصيًا.


رشدي بتوتر: بس إحنا كده هنحارب الباشا والهانم؟


صافيناز، بثقة: هنحاربهم، وإحنا معانا كل حاجة. وساعتها رجال المافيا هيحمونا، لأنهم مش بيهتموا غير بحاجة واحدة... الفلوس.


عماد: صح.


فيلا ماسة وسليم السادسة مساءً.


كان سليم جالسًا على المقعد في الحديقة، محاطًا بالصمت، إلا من صوت أنفاسه العميقة ودخان سيجارته المتطاير في الهواء، عينيه غارقتان في التفكير، وأمامه فنجان قهوة لم يلمسه، صار باردًا ليس مثل مشاعره المحرقه في الفترة الأخيرة.


كان غارقًا في دوامة من الأفكار، يشعر بثقل الأيام التي مضت. عصبيته الزائدة مع ماسة، غضبه غير المسيطر عليه، شعوره بالعجز… كل شيء كان ينهشه من الداخل. كيف وصل إلى هذه الحالة؟ متى أصبح الرجل الذي يفقد أعصابه بسهولة؟ سليم الراوي لم يكن يومًا كذلك، لم يكن يومًا ضعيفًا أو مستسلمًا.


أخذ نفسًا عميقًا من سيجارته، عازمًا على شيء واحد… لا، لن يبقى هكذا أكثر. لا يمكن أن يظل كنيران تحرق كل من يأتي امامها، بينما من دمر حياته يسير حرًا. عليه أن يستعيد قوته، أن ينهض، أن ينتقم… لماسة، ولنفسه أيضًا.


اقترب مكي بهدوء، سحب كرسيًا وجلس بجانبه، ضرب على ساقه بخفة وقال بابتسامة جانبية: عامل إيه؟


رفع سليم عينيه إليه بصمت قبل أن يجيب بصوت منخفض: الحمد لله.


مكي وهو ينظر إلى يده: ما شاء الله، الهزة شبه اختفت.


نظر سليم إلى يده، حرك أصابعه ببطء قال بمرارة: آه، بس لما بمسك حاجة لفترة طويلة ساعات بترجع.


هز مكي رأسه بتفهم: معلش، فترة وهتعدي المهم إن رجلك دلوقتي بقت أحسن.


ظل سليم صامتًا للحظات، ينظر إلى قدمه، قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه يحمل داخله مرارة: أحسن!، رجلي أحسن… بس عمرها ماهترجع زي الأول، حتى لو العكاز ده بعد فترة مش هحتاجه، عمري ماهرجع حياتي زي ماكانت قبل الحادثة.


تنهد ببطء، ثم أضاف وهو ينظر أمامه بشرود:

عارف، حاسس إن حياتي بعد الحادثة حاجة، وقبلها حاجة تانية خالص… كأني شخص تاني. أنا نفسي حاسس إني اتغيرت، بحاول أرجع، بحاول أقاوم، بحاول أكون سليم بتاع زمان… حتى سليم اللي قبل ما يعرف ماسة بس مش عارف كاني واقع جوه بير ما لوش نهايه.


نظر له مكي بتركيز، ثم ابتسم نصف ابتسامة وقال بثقة: أنا متأكد إنك هترجع، بس محتاج تهدى… 

أشار إلى يده نحو جبينه:

ده كمان محتاج يهدى شوية.


ضحك سليم بسخرية خفيفة ثم نظر له: أنا بفكر أعمل حاجة لماسة… كاعتذار، وحاول أخرجها من المود اللي هي فيه النهارده.


هز مكي رأسه موافقًا: فكرة كويسة.


سليم وهو يعقد حاجبيه بتفكير جاد: كمان بكرة هرجع المجموعة، فحضّر الحراسة، وحضّر نفسك… هتكون معايا إنت وعشري. وجهّز لي كل الأوراق اللي محتاجها.


مكي بإيجابية: تمام، أعتبر كل حاجة جاهزة كدة خطوه كويسه جداً كدة نقدر نقولك الملك رجع.


نهض بثبات، وكأنه استعاد جزءًا من نفسه القديمة.


قبل أن يتحرك، قال بصوت هادئ لكنه يحمل قرارًا واضحًا: عايزك تعمل لي شوية أنوار بسيطة… وعلّق لي هنا مرجيحة بأحبال، حطّي عليها لمبات صغيرة… عايز جو لطيف، ساعة كفاية.


نظر إليه مكي بتمعن، ثم ابتسم بثقة: اعتبره حصل.


أومأ سليم برأسه بإيجابية، ثم خطا بعيدًا، تاركًا خلفه أثرًا من الحسم، وكأن داخله بدأ يستعيد توازنه من جديد.

💕________________بقلمي_ليلة عادل⁦◉⁠‿⁠◉⁩


قصر الراوي 


غرفة السفرة الفاخرة السابعة مساءً 


الطاولة ممتدة بأطباق مزينة بعناية،عزت يجلس على رأس الطاولة، وإلى جانبه فايزة، بينما يجلس باقي العائلة، غمزه عماد لصافيناز كي تبدا في التحدث عن ما حدث اليوم لنقل لسليم الاسهم قالت.


صافيناز تنظر نحو فايزة تتسال: ها يا مامي… إشمعنا دلوقتي؟ إيه اللي حصل الصبح ده؟


منى بفضول واضح: وإحنا إزاي مانعرفش؟ إزاي اتفاجئنا؟


ردت فايزة بصوت ثابت وواثق: أنا أعمل اللي أنا عايزاه، ومحدش ليه دعوة… وأختار الوقت اللي أنا عايزاه أقول فيه.


رشدي يرفع حاجبه بسخرية طفيفة: إنتِ هتعترضوا ولا إيه؟

يبتسم جانبيًا قبل أن يضيف: ده مش اعتراض

ده مجرد سؤال، ولا احنا كمان مش من حقنا نسال 


عزت بقوة وديكتاتورية: لا، من حقكم تسألوا، أنا وفايزة قررنا القرار ده، ومش عايز مناقشة. مفهوم؟ ولا عندكم أي مشكلة؟


صافيناز وهي تشرق من كاس: هو إحنا نقدر حتى لو عندنا.


ياسين: وينظر إلى عزت قائلاً؛ هو ده الصح اللي كان لازم يحصل من زمان يا باشا.


فريدة تومئ موافقة: فعلاً… أحسن حاجة حصلت.


يعود الجميع لتناول طعامهم كأن شيئًا لم يكن، بينما ينظر عزت إلى فايزة بصمت، مدركًا أنها لا تتصرف إلا بحساب.


- فيلا سليم وماسة التاسعة مساءً 


ـ الحديقة 


نرى الحديقة مضاءة بإضاءة هادئة، تمنح المكان لمسة دافئة دون تكلف. طاولة خشبية قصيرة تزينها أوراق ورد حمراء، وبجوارها مقعدان متقاربان. على الأرض، استقر سبت من الخوص، بينما على بُعد خطوات، تدلت أرجوحة خشبية مربوطة بحبال، ولفّ حولها حبل من اللمبات الصغيرة متعددة الألوان، تضيف للمشهد روحًا ناعمة.


وقف سليم في المنتصف، يتأمل التفاصيل من حوله، ممسكًا بعكازه. كان يرتدي بنطالًا منزليًا وتيشرت بسيطًا، ورغم بساطة مظهره، إلا أن وسامته المعتادة لم تخفت. للحظة، مرر نظره حوله، كأنه يتأكد أن كل شيء على ما يرام، قبل أن يرفع عينيه باتجاه باب الفيلا الزجاجي.


خرجت ماسة من الباب المطل على الحديقة، ترتدي بيجامة ستان باللون الموف، وقد رفعت شعرها في كعكة لأعلى، تاركة بعض الخصلات تتدلى على وجنتيها. اقتربت من سليم وهي تعقد حاجبيها متعجبة حتى توقفت أمامه.


ماسة بنبرة لطيفه: حبيبي، في إيه؟


رمقها سليم بابتسامة جذابة عاشقة، مد يده وأمسك كفها، وقربه إلى شفتيه، ثم وضع قبلة رقيقة عليه بوقار، وهو يسلط عينيه عليها، قبل أن يقول بهدوء:

مافيش، حبيت أقضي معاكي وقت لطيف... يعني عشاء رومانسي.


نظرت ماسة من حولها باستغراب قبل أن تعلق بمزاح لطيف: والكام لمبة دول هي دي الرومانسية؟ مع الوردتين اللي خطفتهم من مامتهم وحطيتهم على الترابيزة؟ مش حرام عليك؟


تبسم سليم: ماعرفتش أعمل حاجة أكتر من كده، وبعدين كل ما كان أكثر بساطة، كل ما كان أكثر جمالًا... (غمز لها مازحًا) خلاص، اتعودتي على الحاجات الكبيرة المبهرجة ياقطعة السكر؟


تبسمت ماسة بلطف، ثم قامت بقرص خده بمداعبة، وهي تقول بحب: أنا بنغشك يا كرملتي، أي حاجة بتعملها بتعجبني... بس ده بمناسبة إيه؟


سليم وهو يركز عينيه داخل عينيها الزرقاء التي يغرق في عشقهما، وضع يديها عند قلبه بحب، قال بصوت يملؤه الاعتذار والأسف:

ـ اعتذار من قلبي...


ثم  ووضع يده على قلبها، أكمل بوتيرة متأثرة:

لقلبك... اعتذار من قلب سليم لقلب ماسته الحلوة على كل اللي فات. أنا عارف إن الفترة اللي فاتت كنت سخيف بزيادة، عصبي، وبزعلك. وأكتر من مرة بوعدك إني هحاول أمسك نفسي وأتمالك غضبي، لكن كل وعودي كانت بتتبخر في الهوا. بس خليكي واثقة ومتأكدة إنه غصب عني، وإني معترف بغلطتي مش بنكرها، وإني أكيد هرجع زي ما كنت... سليم حبيبك، كراميل اللي متهونيش عليه يزعلك ثانية واحدة.


تبسمت ماسة بحب، وهزت رأسها برفض وهي تقول برقة: ماتعتذرش يا سليم، أنا فاهمة ومقدّرة مشاعرك، ولو مكنتش هتحملك دلوقتي هتحملك إمتى؟! الإنسان الحقيقي بيبان وقت الأزمات، وعايزة أقولك على حاجة، كل ده هيعدي، وكل ده هينتهي قريب، أنا واثقة في ربنا.


مسح سليم على يدها التي كانت على قلبه، وقال بثقة وهو يركز النظر داخل عينيها بعشق:

أنا عارف إنه هيعدي، لأني متأكد طول ما إحنا مع بعض، كل حاجة هنعديها سوا، هنعدي كل الصعوبات طول ما إحنا ماسكين في إيد بعض.


أمسك يدها التي كانت عند قلبه بانضمام، ثم رفعها إلى شفتيه ووضع قبلة دافئة في منتصف كفها، وهو يبتسم لها بعشق جامح.


اغرورقت عينا ماسة بالدموع، ومدّت وجهها نحوه بتأثر، وضعت يديها على خده وهمست:

هو ده اللي كنت بحاول أقنعك بيه طول الفترة اللي فاتت...


تقدّمت خطوة، تدقق النظر داخل عينيه بعشق، وقالت بنبرة متأثرة وعقلانية:

الحمد لله إحنا لسه مع بعض يا سليم، أنا وأنت خرجنا من الحادثة بخير، ولسه بنتنفس، مافيش حد فينا اتحرم من التاني، عايز إيه تاني؟! حتى لو خسرنا حور، وإني موجوعة عليها، وحاسة إن حتة من قلبي ومن روحي راحت معاها، بس... بس إنت لسه معايا، لسه جنبي. يمكن خسارتنا كبيرة أوي، بس خسارتك إنت بالنسبة لي هلاك، خسارتك هي موتي، أنا ماقدرش أعوضك، ماقدرش أعيش من غيرك.


تنفست بعمق، قبل أن تكمل بصوت يرتجف:

أنا عارفة إن اللي حصلنا يهد جبال، بس إحنا مع بعض... 

تبسمت بأمل، ثم أضافت بصوت دافئ:

ماحدش فينا اتحرم من التاني.


نظرت إليه بعينين ممتلئتين بالدموع، وقالت بصوت خافت لكنه واثق:

عارف إيه اللي خلاني أبقى قوية حتى لو شوية صغيرين؟ وصامدة لحد اللحظة دي؟ هو إنت... إنك عايش، إنت سر تمسكي بالحياة. بعد ماعرفت اللي حصلنا، وجودك هو اللي خلاني أستمر...


توقفت لحظة، قبل أن تسأل بحذر:

طب قول لي يا سليم... اللي إحنا فيه دلوقتي على قد ما هو صعب، بس لو كنت فوقت من الغيبوبة ولقيتني مش موجودة و—


فور نطقها بهذه الكلمة، وضع سليم يده على فمها مسرعًا، وقرب وجهه منها بشدة، اتسع بؤبؤ عينيه التي ترقرق الدمع بهما، وقال بتأثر شديد: 

هشّش... أوعي تنطقي بيها...


هزّ رأسه عدة مرات برفض، ثم واصل بصوت مرتجف:

أنا مستحيل أتخيل حاجة ممكن تبعدني وتحرمني منك، أوعي تقوليها تاني، أنا أضعف حتى من إني أسمعها... أنا كمان، اللي مخليني عايش ومستمر ولسه بقاوم هو وجودك يا ماسة.


وضعت ماسة يدها فوق يده، وقالت برجاء حنون:

أوعدني إنك تحاول تاني، مش عشاني والله، عشانك يا سليم. إنت لو فضلت تزعق وتتعصب سنين مش شهور، مش هيغيّر حاجة. أنا عارفة إن ده السبيل الوحيد اللي بتخرج بيه وجعك وغضبك، ومش هقول لك ماتتعصبش، لكن اتعصب على أي حاجة غير رفضك للي إنت فيه.


توقفت لحظة، ثم نظرت إليه بعينين مليئتين بالحب والحكمة، قبل أن تهمس:

إنت عارف يا سليم إيه اللي ناقصك؟


نظر لها سليم بعينين متسائلتين، كأنه يطلب منها الجواب بصمت. أكملت ماسة:

الرضا... إنك ترضى باللي ربنا كتبهولك، وتقول 

الحمد لله... الحمد لله إني صحيت بخير، وإني بقدر أقف على رجلي، حتى لو هفضل لفترة مؤقتة بمشي بعكاز. الحمد لله إني قادر أدخل الحمام لوحدي، الحمد لله إني بقدر آكل لوحدي حتى لو مراتي حبيبتي بتساعدني لفترة صغيرة. الحمد لله إني بقدر أنام من غير ألم، الحمد لله إن ماسة موجودة، الحمد لله على نعم كتير عندك، غيرك بيتمنى ربعها.


ضغطت على يده بلطف، وأكملت بعينين مليئتين بالأمل:

قول الحمد لله وارضى، وشوف الحياة واللي حصل لك من ناحية تانية. كله هيعدي، زي ما إنت قولت. طول ما إحنا مع بعض وماسكين في إيد بعض، هنقدر نعدي كل حاجة، عشان إحنا بنقوّي بعض، وبنكمل بعض... صح؟


هز سليم رأسه بنعم، قبل أن يسحبها إلى أحضانه، يضمها بقوة وكأنه يخشى أن تفلت من بين يديه. صوته خرج عميقًا، يحمل في طياته وجعه وغضبه:

عارفة... يمكن لو وصلت للي عمل فينا كده، هاهدَى شوية. وأنا أوعدك، الحتة اللي راحت من روحك وقلبك، هرجعهالك تاني. يوم ما أجيب لك اللي عمل في بنتنا كده، وفيكي كده، تحت رجلك... وتاخدي حقك بنفسك


ابتعدت ماسة قليلًا عنه، تنظر له برفض ودموع تلمع في عينيها: 

بس أنا قولتلك لو مقابل إنك تجيب حق حور، إني أخسرك... فأنا مش عايزاه! سليم، انتقامك مش هيرجع حور، وأنا هكسب إيه لما تنتقم وتسيبني لوحدي؟! وحياتي عندك، تاخد بالك من نفسك، أنا مش حمل خسارتك... والله هموت فيها!


تشبثت بوجهه، تضغط على وجنته بأنامل مرتعشة، وهمست بدموع متوسلة:

أوعى يا سليم... هعيش ليه ولمين؟! أوعى تضحي بنفسك، وحياتي، وحياة حبنا... ورحمة حور، توعدني إنك مش هتعرض نفسك لأي حاجة ممكن تأذيك! أوعى ياسليم... هعيش ليه ولمين؟! أوعى 


نظر لها سليم بعينين تلمعان بالدموع، ثم هزّ رأسه بإيجاب، وهمس بصوت مكتوم:

أوعدك... إني هاخد بالي من حياتي، عشانك.


شدها إليه، يضمها بقوة وكأنه يريد أن يزرعها داخله، يروي عطش قلبه الذي جف من الألم. كانت ماسة أيضًا تضمه بقوة ولهفة، تبحث عن دفئه، عن الأمان الذي يسكن بين ذراعيه.


أخذا يعانقان بعضهما بقوة، يهدئان أنين قلبيهما المتعبين، حتى ابتعدت ماسة قليلًا، مسحت دموعها، ثم قالت بابتسامة جميلة، تحاول كسر أجواء الحزن:


ماسة بمزاح محبب: بقول لك إيه... إنت عامل لي الأجواء دي كاعتذار؟ وعشان نخرج من مود الكآبة والحزن ده، صح؟


هزّ سليم رأسه بإيجاب، وتبسم بجاذبية ساحرة. أكملت ماسة بمرح، وهي تشير بيدها نحو السَبَت:

طيب يلا نحتفل... ها، البتاع ده فيه إيه؟


تقدّم سليم، وأحنى ظهره ليفتح السَبَت، لكن ماسة تحركت فورًا لمساعدته. نظر لها بنظرة حادة، وصوته خرج ببحة رجولية صارمة: ماسة... أنا هعمل كل حاجة لوحدي.


رفعت ماسة يديها باستسلام، وهي ترفع حاجبيها بمزاح:  بس بس... صلّي على النبي! إنت بتتحول على طول! خلاص، اعمل اللي إنت عايزه... وأنا هقف هانم!


ثم أخرجت له لسانها بمشاكسة، لتنتزع منه ضحكة خافتة، تخفف بها ثقل اللحظة.


سليم بمزاح وهو يشير إليها: بالظبط، خليكي كده واقفة هانم.


ثم أخرج زجاجتين من العصير، وغمز لها بمرح، قائلاً: عصير برتقال بالجزر اللي بتحبه قطعة السكر.


تبسمت ماسة له بابتسامة مشرقة، بينما وضعهما على الطاولة. أكمل سليم بإخراج سندوتشين، قائلاً بحماس:

ودول بقى سندوتشات جبنة براميلي باللانشون والزيتون، وعليهم شرايح شيبسي بالشطة والكاتشب.


زادت ماسة من ضحكتها بحماس، وقالت بمرح: الله الله، أنا جعانة!


مدّت يدها لتمسك بأحد السندوتشات، لكن سليم ضربها على يدها بلطف، وقال بالتركي وكأنه يتحدث مع طفلته: yuk, yuk، اصبري لحد ما أخلص.


ماسة تضحك وهي تتحسس ظهر يدها بألم مصطنع: آاه، إنت بتضرب بجد يا سليم!


سليم بصرامة مرحة: أيوه، بطلي طفولة لما أخلص.


ضيّقت ماسة عينيها وغمغمت بتذمر مشاكس: رُخم!


ابتسم سليم وهو يخرج سندوتشات أخرى، قبل أن يقول بنبرة محببة: ودول بقى برجر بالكاتشب والمايونيز وشوية مستردة، وعليهم خس زي ما قطعة السكر بتحب.


صفّقت ماسة بحماس، وابتسامتها العريضة زادت وجهها إشراقًا: الله يا حبيبي! بس اشمعنا ده لونه أحمر؟


سليم بلطف: عشان ده بتاعي، عليه فلفل، وإنتِ ما بتحبيش الحاجة الـ سبايسي.


ثم نظر لها متسائلًا بمزاح: تفتكري إيه اللي جاي؟


ماسة تنظر لأعلى وكأنها تفكر، ثم تبتسم بخبث: لايون بالكاتشب!


هز سليم رأسه بإيجاب وأخرج أكياس الشيبسي، ثم أكمل متسائلًا: طب واللي جاي؟


وضعت ماسة يدها أسفل ذقنها بتفكير، وقالت: غزل بنات؟


هز سليم رأسه نفيًا، فأكملت على ذات الوتيرة: مارشميلو؟


رفع سليم حاجبيه بنفي: تؤ.


ماسة بتحدٍ: شوكليت؟


سليم بابتسامة جانبية: برضو لا.


زمت ماسة شفتيها وهي تفكر بتركيز: اممممم... مصاصة بطعم الكولا!


سليم بغمزة: قربتي.


اتسعت عيناها كالطفلة، وصاحت بحماس وهي تصفق: يبقى جيري كولا!


تبسم سليم على ولدنتها، وأخرج كيسًا، لكن في لمح البصر، مدت ماسة يدها بسرعة، وخطفته من بين يديه وفتحته.


سليم متفاجئًا: ماسة، استني لما أ...


لكنها كانت قد فتحته بالفعل، وأكلت واحدة بتلذذ وهي تبتسم.


سليم بيأس من طفولتها: أنا مالحقتش أكمل الجملة.


مدت ماسة يدها ووضعت واحدة في فمه بحنان: كل كل، طعمه جامد أوي.


سليم وهو يتناولها مبتسمًا: مش هتبطلي طفولة.


اقتربت منه حتى توقفت أمامه مباشرة، ثم ضمته بدلال وهي تتمايل بين ذراعيه، وقالت بصوت ناعم: مش بتحب طفولتي؟


نظر لها سليم بابتسامة جذابة، وقال بصوت دافئ: بموت فيها يابنوتي الحلوة.


ثم وضع قبلة على خدها وهو يربت على كتفها، قبل أن يقول بحنان: يلا تعالي نقعد.


أمسك يدها وسحب لها مقعدًا برقي.


ماسة بتلقائية: استنى أساعدك الأول.


تنهد سليم بضجر، فهي باهتمامها به تجعله يشعر بالعجز، وهو لا يحتمل ذلك الإحساس.


رد ببحة رجولية وهو ينظر لها بعينيه العميقتين: احنا قولنا إيه؟ أنا لو محتاج مساعدة، هطلبها منك إنتي، مش من حد تاني، تمام؟


ماسة ببراءة: حاضر.


جلست وجلست بجانبه، تبسم لها متسائلًا وهو يتأمل ملامحها بحب: عشقي، مبسوطة؟


ماسة بسعادة: أوي.


سليم: يارب دايمًا أشوفك مبسوطة.


مد يده وأمسك يدها، ثم وضع قبلة داخل كفها، وتساءل باهتمام: تحبي تاكلي إيه عشان أفتح لك؟


نظرت ماسة للسندوتشات بحيرة: مش عارفة! محتارة آكل إيه الأول؟


نظر سليم للسندوتشات، وقال بحسم: كلي اللانشون بالجبنة، (بتذكر) أنا صح عامل شاي، عارفك بتحبي تاكليهم بالشاي.


مد يده للأسفل بجانبه، ووضع الترمس على الطاولة، ثم صب الشاي في الأكواب. كل هذا وما زالت ماسة تفكر بماذا تبدأ، فأكمل سليم: ها، وصلتي لقرار؟


ماسة بحماس: اممم، أنا هاكل اثنين سوا.


رفع سليم أحد حاجبيه بتعجب: ودي هتعمليها إزاي بقى؟


ماسة بمزاح بطريقتها القديمة قالت بثقة: هتشوف حالًا يا سليم بيه، ما تستصغرنيشي. وضحكت ببلاهة.


سليم وهو يضحك: وريني يا ماستي الحلوة.


فتحت ماسة أكياس الاسترتش من على السندوتشات، وأمسكت واحدًا في يدها اليمنى والآخر في يدها اليسرى، وأخذت تتناول قطعة من كل ساندوتش. ثم قالت: كراميلي، افتح لي كيس الشيبسي.


هز سليم رأسه بيأس من ولدنتها، وفتح لها الكيس، وقال: والله العظيم إنتي مجنونة، طب كلي واحد واحد.


ماسة بتذمر: سليم، إحنا لوحدنا، سيبني آكل بالطريقة اللي تريحني. سيبك بقى من جو الإتيكيت بتاعكم ده، مش بياكل معايا عيش يا بابا.


سليم تبسم موضحًا: مش إتيكيت، بس ماينفعش تاكلي اثنين سوا، مش حلو.


ماسة بمرح: أنا هخليه حلو. بقولك إيه، مالكش دعوة، كل أكلك.


بدأت ماسة تتناول قطعة من كل سندوتش بتلذذ وتشرب الشاي، بينما كان سليم يشاهدها وهو يضحك بخفة على ولدنتها التي يعشقها. ثم نظرت له وقالت: أنا هاكل الجبنة الأول، بعدين البرجر عشان أحلي. هو أنت جايب لي من كل ساندوتش واحد بس؟


سليم: لا، في ثاني في البوكس، خلصي دول بس.


ماسة: ماشي، أصلي جعانة أوي.


أكملت أكلها، وبعد دقائق وقعت عيناها على الأرجوحة، فوقفت متسعة العينين وقالت باندهاش: سليم، مين اللي جاب المرجيحة دي هنا؟


سليم: أنا طلبت يعملوها لك، عشان عارف إنك بتحبي المراجيح اللى  بالحبل.


توقف أمامها، ومد يده وقرص خدها بمداعبة: عارف إن مراتي طفلة صغننة.


ماسة بحماس: طب أنا هروح أتمرجح.


أمسكها سليم من يديها وقال بأمر: كملي أكلك الأول.


ماسة باعتراض: بقول لك إيه، مش وقت شخصية بابا خالص اللي بتتقمصها دي، وسع كده.


سحبت يديها وتوجهت إلى الأرجوحة، تبسم سليم بيأس وذهب خلفها، ووقف أمامها وقال معلقًا: صح، مش هتعقلي مهما كبرتي.


ماسة وهي تجلس: لف ومرجح من سكات.


تبسم سليم بطاعة: هلف وهمرجح، حاضر.


وبالفعل بدأ سليم في دفعها، لكن بهدوء.


ماسة باعتراض: متمرجح عدل.


دفعها سليم بقوة، لكن ليست كبيرة، فنظرت له ماسة بطرف عينيها وقالت: الله يا ابني، ما تمرجح عدل بقى! إنت بتحسس عليها؟


نظر لها سليم بتحدٍ: أهو يا لمضة.


دفعها بقوة أكبر قليلًا.


ماسة بتلقائية وبدون انتباه: ما تمرجح بمرجلة يا سليم.


فور نطقها تلك الكلمة، اتسعت عيناها، ووضعت يديها على فمها، وأخذت تحرك عينيها بسرعة بارتباك. لقد نطقتها بعفوية شديدة.


نظر لها سليم باستغراب وهو يرفع حاجبيه: إنتي قولتي إيه؟


ابتلعت ماسة لعابها بتوتر: قصدي بقولك زوق جامد.


تبسم سليم، ومال عليها بنصف جسده من الخلف للأمام، ونظر لها وأحاط صدرها بذراعيه وقال: قولتي إيه؟


تبسمت ماسة بخجل: بقولك زوق.


سليم: أيوه، أزوق بإيه بقى؟


ماسة وهي تضحك: زوق يا روح قلبي.


سليم وهو يضحك على طريقتها التي توضح مدى ارتباكها: إنتي بتضحكي ليه؟ قوليها، خايفة ليه؟


ماسة بضحك: أنا مش خايفة، بس بقول لك زوق جامد، مش بشويش.


سليم بلطف وهو يضحك معها: لا، قولتي زوق بإيه؟ قولي، متخفيش.


ضحكت ماسة محاولة قولها، همست بخجل: بمرجلة.


سليم بأمر: علي صوتك؟


انفجرت ضحكة ماسة وقالت بصوت أعلى: بمرجلة.


تعالت ضحكات سليم، ثم سألها بمكر: طب إنتي خايفة تقوليها ليه؟ ما تقوليها بصوت عالي، حاضر يا ماسة، هزقك بمرجلة. (ضحك عليها.)


عدل من وقفته، وقال: مستعدة؟


ماسة تشبثت في الحبال وفردت قدميها في الهواء بحماس: آهاا.


سليم وهو يحذرها بمزاح: هزوق بمرجلة، بس متعيطيش، هاا؟


ضحكت ماسة... وبالفعل قام سليم بدفعها بقوة.


ماسة وهي تضحك بصوت عالٍ: سليم، بالراحة!


سليم وهو يستمر في دفعها بقوة، قال بمزاح: مش إنتي اللي قولتي أزوق بمرجلة؟ أهو بزوق بمرجلة عشان تبطلي لماضة.


ماسة وهي تضحك وتحاول التمسك بالحبال جيدًا: مش بمرجلة أوي يعني، هههه، نص نص... سليم، بالراحة بجد، هقع!


ضحك عليها وأخذ يستمتع بدفعها وهما يضحكان. وبعد وقت، توقفت ماسة أمامه.


ماسة وهي تلتقط أنفاسها: يلا، تعالى أقعد.


سليم وهو يهز رأسه رفضًا: لا، أنا مش عايز أتمرجح.


ماسة بإصرار وهي تمسك يده: أنا مش باخد رأيك، هتتمرجح يعني هتتمرجح، يلا أقعد.


ساعدته على الجلوس، ثم أمسكت بالعكاز وبدأت بدفعه.


ماسة بحماس: بقالنا كتير ماتمرجحناش.


سليم وهو يتأملها: امممم، فعلاً.


ماسة وهي تدفعه بنشاط: ابقى تعال نروح الملاهي.


سليم بابتسامة هادئة: حاضر.


أخذت ماسة تدفعه وسط ضحكاتهما، وبعد وقت توقف سليم وتوقفت ماسة أمامه وأعطته العكاز.


ماسة وهي تنظر من حولها، ثم التفتت إليه بسعادة:

أنا مبسوطة أوي يا روحي ربنا يخليك ليا... أمال فين الحراس؟


سليم وهو يتلاعب في خصلات شعرها المبعثرة على وجنتيها، عاد بها خلف أذنها وقال بهدوء:

خليتهم يقفوا بعيد عشان نبقى قاعدين على راحتنا.


ماسة بحماس: بقولك إيه، تيجي نرقص؟


سليم بابتسامة وهو يراقب حماسها الطفولي:

أنا كنت مستني ناكل ونرقص، بس إنتي شقية ما بتستنيش.


ماسة بمرح: ده حماس يا كراميلتي.


ابتسم سليم بحب، ثم أخرج هاتفه من جيبه، وقام بتشغيل إحدى الأغنيات الأجنبية، وأخذ يمد يده نحوها.


أحاط سليم خصرها بأحد ذراعيه، بينما مدت هي إحدى ذراعيها لتضعها على كتفه، ثم مدت يدها الأخرى وفتحت كفها أمامه لينقل يده الأخرى التي تمسك بالعكاز إليها. نظرت له بعينين تلمعان بحب وسألته بهمس: حياتي، بتثق فيا؟


تبسم سليم وهز رأسه بإيجاب، ناظراً لعينيها بعمق:

ــ أنا مش بثق إلا فيكي، أنا بثق فيكي أكتر مني.


ابتسمت له ماسة بابتسامة دافئة، وضعت العكاز بجانب الطاولة، وأمسكت بكفه بقوة، ليبدآ الرقص معًا... كانا يتمايلان بهدوء على أنغام الأغنية، كعصافير الكناري، بحركات تتناسب مع حالة سليم. كان الشعور بالسعادة يغمرهما، فهما لم يذوقا هذا الإحساس منذ أشهر، حيث كان الحزن والألم حليفهما الدائم.


لم يحتاجا إلى الكلمات، فقد كانت أعينهما تتحدث، تحكي كل شيء، تبوح بالمشاعر التي تخطت حاجز الحروف.


بعد وقت، بدأ سليم يشعر بألم خفيف، حاول التماسك قدر استطاعته، لكن بعد فترة أصبح الوضع خارج نطاق تحمله.


سليم بلطف وهو يمسح على كتفها باعتذار: عشقي، معلش... ممكن نقعد شوية؟


ماسة بحب واهتمام: أها طبعاً.


أمسكته من معصمه وتحركا معًا حتى المقاعد، ساعدته ليجلس براحة. نظرت إليه بحنان ومسحت على خده، تشعر بقلق عليه: حبيبي، هروح أجيب لك المسكن على طول.


لكنه أمسك يديها ليوقفها، رفع عينيه إليها قائلاً بنبرة دافئة: معايا.


أخرج العلبة من جيبه، تناول حبة، وبينما كانت ماسة تصب الماء في الكوب، قدمتها له باهتمام: اتفضل يا روحي.


أخذها منها وشربها، ثم نظر إليها بحب وقال بصوت دافئ: شكراً يا عشقي.


ابتسمت له ماسة، ووضعت قبلة على جبينه قبل أن تجلس بجانبه، تطمئنه: هتبقى أحسن.


سليم بابتسامة ترتسم في عينيه، كأن الألم تلاشى بوجودها: هبقى أحسن طول ما إنتي جنبي.


عدل من جلسته في زاويتها، مد يده وأمسك يدها بحنان، يركز النظر في ملامحها بعين تلمع بعشق صادق، ثم قال بصوت تغلفه المشاعر:

أنا مبسوط أوي... أول مرة من بعد الحادثة نقضي وقت جميل زي ده مع بعض. أنا حاسس إن الفترة الجاية هتكون أحسن، كل فترة بحس إني بتخطى شوية من اللي حصل وبأستوعبه.


نظر لها نظرة عميقة، ثم تابع بصوت خرج من أعماق قلبه: أنا بحبك أوي يا ماسة... تؤ، اللي جوايا أكبر من الحب، عشق كبير مالوش نهاية، أنا غرقان في عشقك. وزي ماقلت لك قبل كده، أنا قلبي ممتلئ بحبك... محتاج قلب تاني عشان يسع عشقي ليكي، لا مش قلب واحد، ألف قلب، لأن اللي جوايا ليكي أكبر من الحب، لسه مخترعوش له كلام في قاموس المعاني...


أمسك يدها ووضعها على قلبه، يركز النظر في ملامحها بعشق يفيض من عينيه، ثم همس بنبرة تخترق قلبها: خليكي دايمًا جانبي هنا يا ماسة... هنا جنب قلبي، عشان يفضل يدق، يفضل هادي ومبسوط... أنا هموت من غيرك، مش بلاقي نفسي غير معاكي، طول ما إنتي بعيدة ببقى مشتت، غير سوي نفسيًا، لكن وجودك جنبي هو اللي بيخليني متوازن...


ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يضغط على يدها بحنان:

صدقيني، لو بعدتي عني، أنا ممكن أحرق العالم...


نظر إليها نظرة طويلة قبل أن يضيف بصدق يلامس روحها:

أنا بحبك أوي يا ماسة، وطول ما أنا شايفك كده سعيدة وبتضحكي، ببقى سعيد... أوعي تبطلي تضحكي، وأنا أوعدك هعمل كل اللي عليا عشان أفضل شايفك بتضحكي.


كانت ماسة تستمع إليه بتأثر، عيناها تترقرقان بدموع الفرح والسعادة، كلماته تهز أقوى القلوب، ونظراته تشعل فيها مشاعر لا توصف...


ماسة بعشق، صوتها يخرج من أعماق قلبها:

ــ وأنا كمان بحبك يا سليم، إنت أجمل حاجة في حياتي، إنت فرحة عمري، إنت عمري كله، أنا كمان مش بلاقي نفسي غير جنبك، جوه حضنك بلاقي مسكني، وأماني، ودفايا، مش بتنفس غير وأنا جنبك... طول ما إنت بعيد عني بحس إني مخنوقة ومش قادرة آخد نفسي.


وضعت يديها على خده بسعادة تخرج من عينيها، وتابعت بابتسامة تغلفها دموع الفرحة:

ــ أنا كمان مبسوطة... مبسوطة أوي يا سليم، ومتأكدة إنك هترجع أقوى من زمان وهتتخطى كل ده... أنا كمان كنت محتاجة اليوم ده، محتاجة نسرق ولو كم ساعة بعيد عن أي حاجة توجعنا، كنت محتاجة شوية فرحة من بتوع زمان.


نظر لها سليم بحب، ضم وجهها بكفيه بحنان وقال بصوت دافئ:

ــ كل اللي جاي هيبقى سعادة يا ماسة، هننسى كل اللي فات عشان إحنا لسه مع بعض، هو ده الأهم... أنا كل اللي طالبه منك حاجة واحدة.


ماسة بحب وصدق: إنت تؤمرني أمر.


سليم بعقلانية ونبرة هادئة، وكأنه استوعب أمرًا مهمًا: بصي، أنا اكتشفت إيه اللي بيخليني أتعصب وأتنرفز... إنك بتهتمي بيا بزيادة بشكل بيحسسني إني مكسور، إني ضعيف، إني عاجز...


كادت أن تنطق باعتراض، لكنه وضع إصبعه على شفتيها ليمنعها برقة، ثم قال بعشق وحنان:

عشقي، أم أجمل عيون في الكون، اللي مش بلاقي دفايا غير لما ببص لهم... أنا عارف وفاهم إنه مش قصدك، وإنك بتعملي كده من قلبك، وإنك عايزة تساعديني، أنا فاهم كل ده... بس أنا للأسف دلوقتي في وضع مخليني مشتت، مخليني مش قادر أترجم ده بشكل صحيح...


تنهد بعمق ثم أكمل بنبرة هادئة لكن حاسمة:

ــ فعشان نتجنب إني أعمل معاكي مشكلة وأتعصب وأزعلك مني، ماتعمليش كده... سيبيني أعمل كل حاجة بنفسي، ومش هشوفك زوجة وحشة، ولا إنك مابقيتيش تهتمي بيا وزهقتي مني، مش هشوفك كده صدقيني... أنا لما أحس إني محتاج مساعدة منك هطلبها، اتفقنا ياعشقي؟


ماسة نظرت له بذهول، عيناها اتسعت وهي تقول باعتراض واضح: إزاي يا سليم؟ عايزني أسيبك كده؟ لا طبعاً، مش موافقة!


اقتربت أكثر، صوتها يفيض بإصرار وحب: يا سيدي زعق لي وزعلني، أنا هتحملك، بس ماتطلبش مني أبعد عنك أو ما اهتمش بيك... إنت عارف إني مش هقدر.


تنهد سليم بلطف، صوته يفيض بالحنان وهو ينظر لها بعينين عاشقتين: اسمعي الكلام يا ماستي الحلوة، مش متفقين من أول يوم جوازنا نقول حاضر؟ ليه بقيتي عندية كده، ومش بتسمعي الكلام؟ عشان خاطري قولي حاضر.


تنهدت ماسة باستسلام، لكنها لم تستطع منع الابتسامة الصغيرة التي تسللت إلى شفتيها: حاضر... مادام ده اللي هيرضيك.


تبادلا الابتسامات، اقترب منها سليم وطبع قبلة صغيرة على شفتيها، ثم قبل خدها بحب، واحتضنها بشوق كبير، كأنهما لم يلتقيا منذ دهر، وكأن العناق وحده قادر على تضميد جراحهما.


ابتعدت ماسة قليلًا، نظرت له بعينيها اللامعتين وقالت بحماس طفولي: تعالَ بقى نكمل أكل، لأني جعانة أوي... ونسمع أغاني، ونرغي شوية! على فكرة، سوسكا جالها عريس! تعالَ أحكيلك.


ضحك سليم وهو ينهض: ماشي، صبّي لنا إنتي الشاي لحد ما أطلع سندوتشات.


ماسة بدلال وهي تلوح له بيدها: ماشي يا كراملتي القمر، روحي إنت.


أرسلت له قبلة على الهواء بمرح، فضحك سليم وهز رأسه باستسلام.


وقضيا أمسية شاعرية، دافئة، سعيدة، على ضوء القمر، حيث لا وجود للألم، ولا أثر للحزن... فقط ماسة وسليم، وحبهما الذي يتحدى كل شيء.


♥️ــــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل ــــــــــــــــــ ♥️


غرفة النوم


نشاهد سليم وماسة مستلقيين بجانب بعضهما على الفراش، الجو هادئ ودافئ، والضوء الخافت ينعكس على ملامحهما. ماسة تبتسم لسليم بسحر وهي تحرك أصابعها على يده برقة.


ماسة بابتسامة ساحرة: ميرسي ياروحي على الليلة الجميلة دي.


سليم وهو ينظر إليها بعشق، يقبّل يدها بحنان:

ــ أنا اللي بشكرك لأنك قضيتيها معايا، ربنا ما يحرمني منك يا روح روحي.


ركز نظره في ملامحها بشوق وشغف، عيناه لا ترمشان كأنهما تخشيان أن تفقدا هذه اللحظة. كان اشتياقه لها موجعًا، ينهش روحه بصمت،. فقد مضت شهور طويلة جدًا منذ حملها، شهور لم يقتربا فيها، لم يصبحا جسدًا واحدًا، روحًا واحدة، نبضًا واحدًا… ببطء، وكأنما يخشى أن يبدد سحر اللحظة، مرّر أصابع يده على خدها بنعومة، يلامسها بشوق رجل أضناه الحرمان.


ماسة تبتسم بنعومة، نظراتها تحمل أنوثة مشتعلة، همست بخفوت: وحشتك؟


سليم بنبرة حالمة، صوته مفعم بالشوق: أوي... أوي.


اقترب منها أكثر، عينيه تتعلقان بشفتيها، كاد أن يقبّلها، لكنها وضعت كفها على فمه برفق، مما جعله ينظر إليها مستغربًا، حاجباه معقودان في تساؤل.


اجاب ماسة بابتسامة آسفة، بصوت منخفض: الدكتور قال مش قبل شهر.


سليم وهو يحاول التملص ليقبلها، بنبرة ماكرة: سيبك من كلام الدكاترة… أنا كويس.


ماسة تضحك بخفة وهي تبعد وجهها عنه، ثم تهز رأسها بحزم ومرح: متستعجلش، خلينا نسمع الكلام.


سليم يزفر بضجر، يعتدل قليلًا في نومته، يتمتم بتأفف: أوووف… والله الدكتور ده ماعندوش إحساس، أكيد مش متجوز.


ماسة تبتسم له بحنان، تقرّب وجهها منه، تطبع قبلة على خده برقة وهمست بمواساة:

معلش ياقلبي، نصبر شوية كمان… يلا ننام، تصبح على خير يا روحي.


سليم يتنهد، يبتسم رغم ضيقه، ويغمغم بصوت دافئ: وانتي بخير… يا عشق سليم.


وضعت رأسها على صدره، أحاط خصرها بذراعه بقوة وكأنه يخشى أن تضيع منه، مرّرت شفتيها على جانب جبينه في قبلة طويلة، قبل أن يغرقا معًا في سبات عميق…


اليوم التالي


غرفة النوم – السابعة صباحًا


نشاهد ماسة مستغرقة في نومها على الفراش، وحدها. أنفاسها هادئة، كأنها لا تزال غارقة في عالم الأحلام. بعد لحظات، يخرج سليم من المرحاض مرتديًا برنصًا، يجفف شعره بالمنشفة، بينما يتكئ على العكاز في يده الأخرى. خطواته هادئة، مدروسة، كأنه لا يريد إيقاظها.


يتجه إلى غرفة الملابس الملحقة بالغرفة، ثم يبدأ في تبديل ملابسه بحرص، يحاول ألا يُصدر أي ضجيج. بعد الانتهاء، يقف أمام مرآة التسريحة، يأخذ وقته في تصفيف شعره، ثم يضع عطره المميز بحركة تلقائية. الصوت الخفيف للعطر وهو يُرش في الهواء يتسلل إلى وعي ماسة، فتبدأ في التحرك قليلًا، ثم تفتح عينيها ببطء، تتثاءب قليلًا قبل أن تتحدث بصوت ناعس.


ماسة بنبرة ناعسة: إيه الصوت ده… سليم؟


يلتفت لها سليم بابتسامة جميلة، عيناه تلمعان وهو يهمس بحنان: aşkım.


يتحرك نحوها حتى يجلس أمامها على السرير، ابتسامته مشرقة وهو يمرر أصابعه على خدها بنعومة


سليم: أزعجتك؟


تهز ماسة رأسها نافية، عيناها لا تزالان نصف مغمضتين من أثر النوم: تؤ، صباح الفل عليك.


يبتسم سليم بحرارة، يمد يده ويداعب خصلة من شعرها: هو كده فعلًا صباحي بقى فل… بعد ما تصبحت بالعيون الجميلة دي، صباح الخير والسعادة يا عشقي.


ينحني ليطبع قبلة على عينها بحنان، ثم يتحرك متجهًا نحو التسريحة ليكمل ضبط ملابسه وارتداء ساعته.


ماسة تنهض ببطء، تتثاءب قبل أن تتحرك نحوه بابتسامة، تقف بجانبه وتبدأ في تأمله بنظرات ممزوجة بالإعجاب والمغازلة: تعال هنا بس وقولي رايح فين على الصبح وإنت قمر كده.


سليم: المجموعة.


تنظر له ماسة باتساع عينيها بانبهار من ذلك التغيير، تصفق له بفرحة وهي تقول بحماس: أووووو لا، تغيير جامد أوي بجد، برافوووو يا كراميلتي


يبتسم سليم وهو ينظر إليها بحب: أنا وعدتك امبارح إني هحاول أتغير واتعافى من حزني والمشكلة اللي عندي وأتكيف مع الوضع الجديد.


ماسة تبتسم له بدعم، تضع يدها على كتفه وتقول بثقة: أنا متأكدة إنك هتنجح، طيب بقول لك إيه يا كراميل، إنت كده خلصت؟


يهز سليم رأسه بإيجاب، ينظر في المرآة وهو يهندم نفسه: امممم


ماسة: طيب ممكن تستناني 10دقائق أغير هدومي بسرعة وتوديني عند ماما في طريقك؟


ينظر لها سليم قليلًا قبل أن يجيب: لا، خلي ماما تجيلك هنا، قولي لها خلاص سليم بطل جنان، وممكن تيجوا لي في أي وقت حتى لو عايزين يباتوا كمان، خليهم يجوا يقضوا معانا اليوم كله وأنا هحاول ما أتأخرش، ماشي يا حلوة؟


يمد سليم يده ويمسك خدها بدلع ثم يطبع قبلة على إحدى عينيها: أنا هروح أفطر.


تنظر له ماسة برفض: استنى بس، أنا عايزة أروح عند ماما، زهقت ياسليم، بقالي كتير أوي مارحتلهاش من قبل الحادثة.


يتنهد سليم، ينظر لها بتركيز: بس إنتي مش هينفع تروحي عند ماما.


تنظر له ماسة بتعجب، تعقد حاجبيها بعدم فهم:

اشمعنا يعني؟


سليم زم شفتيه: لا، إشمعنا دي ردها حوار طويل، وأنا لازم أنزل أفطر وأمشي عشان ألحق الاجتماع الساعة 9.


وضع قبلة على جبينها وحاول التحرك، لكنها أمسكته من كفه لتوقفه، قائلة بجدية: لا، استنى بجد، فهمني... هو أنت فعلًا هتمنعني أروح عند ماما؟


سليم بتوضيح: مش همنعك، بس هنأجل موضوع خروجك ده لفترة، وهفهمك لما أرجع... ماشي؟


تحرك من أمامها، توقفت لحظة محاولةً استيعاب ما استمعت إليه من حديث، عقدت حاجبيها في ارتباك قبل أن تحك في شعرها بتوتر. لم تشعر بخطواتها وهي تتحرك خلفه حتى السفرة، حيث جلس سليم على مقعده، بينما جلست بجانبه، تحاول السيطرة على أفكارها المشتتة.


ماسة بتساؤل: ممكن بقى تفهمني وإنت بتاكل؟


سليم تنهد بتعب، وهو يفرك جبهته كأن الحديث وحده يرهقه: هو انتي ليه مش عايزة تستني لما أرجع؟


ماسة برجاء، عيناها تبحثان عن أي بارقة تفهُّم في ملامحه: طب إيه المشكلة لما تفهمني وانت بتاكل؟


اقتربت الخادمة سحر، وصبت الشاي في كوب سليم قبل أن تلتفت نحو ماسة بابتسامة خفيفة: ماسة هانم، تحبي أجيب لك طبق تفطري مع البيه؟


ماسة، بصوت منخفض شارد: لا.


سليم بحدة، وهو يضع الشوكة على الطبق بإيقاع حاد: إيه هو اللي "لا"؟ هتفطري معايا، هاتي لها طبق يا سحر.


ماسة بتنهيدة مستسلمة، عابثةً بأطراف المفرش: طيب هفطر، بس فهمني بقى.


سليم، أثناء تناوله الطعام، تحدث بنبرة عقلانية لكنها ثقيلة على أذنها: دلوقتي احنا عملنا حادثة كبيرة، مظبوط؟


هزت ماسة رأسها بإيجاب. تابع سليم وهو ينظر في عينيها مباشرة، كأنه يريد أن يحفر كلماته في عقلها: طيب، ولحد دلوقتي ماوصلناش للي عمل فينا كده، مظبوط؟!


عادت تهز رأسها، بينما قلبها بدأ ينبض بوتيرة أسرع. أضاف سليم وهو يميل للأمام قليلاً، صوته يحمل نبرة خطيرة: وهو لحد دلوقتي شايفنا وعارف خطواتنا، وإحنا مانعرفش عنه أي حاجة، مظبوط؟!


ماسة بضجر، عيناها تلمعان بانفعال مكبوت: ياسليم، مظبوط كل الكلام ده، ماشي، أنا فاهمة كل ده. إنت بقى إيه مشكلتك إني أروح عند ماما؟


سليم، وعيناه تضيقان قليلاً، كأنه لا يفهم كيف لا تستوعب: مشكلتي إني خايف عليكي، أنا إيش ضمني إنه شال عينه من علينا؟ مش يمكن يكون عارف تحركاتنا ومراقبنا؟ مش هينفع أخاطر بيكي، انتي هتفضلي هنا لحد ما أوصله، وبعدين هنرجع زي زمان.


ماسة تشير بيديها، وكأنها الاستيعاب، صوتها يعلو بانفعال لا إرادي: هو أنا هفضل محبوسة في الفيلا لحد ماتوصل للي عمل كده؟! افرض ماوصلتش! افرض قعدت سنة! هفضل سنة محبوسة؟!


سليم بتعجب، حاجباه ينعقدان وهو يرمقها بنظرة نافذة: محبوسة إيه يا ماسة!! أنا بقولك وقت ما تحبي تشوفي أهلك خليهم يجولك، حتى لو كل يوم، مافرقتش يعني، من هنا لهناك، دي فيلا ودي فيلا.


ماسة، بتوتر، واتساع بؤبؤ عينيها يعكس رعبًا خفيًا بدأ يتسلل إليها: سليم، إنت مش هتعمل كده فيا، صح؟ إنت بتهزر يعني؟ أكيد تقدر تظبط هناك الحراسة وبعدين هروح، مسألة يومين، ثلاثة، أسبوع، وعادي، صح؟


نظرت إليه بعمق، تحاول قراءة ملامحه الصلبة، لكنها لم تجد فيها مايطمئنها، بل على العكس، وجدت تلك الحدة التي لم تكن تحب رؤيتها فيه.


دققت النظر في ملامحه أكثر، وهي تقول بصوت مرتجف: هاا، سليم؟ صح يا سليم؟!


مسح سليم فمه بمنديل ببطء، قبل أن يتوقف، جسده مشدود ونبرته هادئة لكنها تقطر حسمًا: قولتلك الكلام في الموضوع ده هياخد وقت، اسمعي الكلام وبطلي العند اللي بقيتي فيه ده من بعد الحادثة.


بتنبيه، وصوته يحمل تحذيرًا صريحًا: ماسة، ممنوع الخروج، فاهمة؟!! عشان لو خرجتي، مش عارف أنا ممكن أعمل إيه؟! أنا مابهزرش! كلمي أهلك يجولك: يلا، سلام، افطري كويس، ها...


وضع قبلة سريعة على عينيها قبل أن يتحرك بعيدًا، تاركًا خلفه سكونًا ثقيلًا.


توقفت ماسة، وأخذت تنظر إلى آثاره بصدمة، أنفاسها تخرج ببطء كأنها تحاول استيعاب الصدمة. رفعت يدها إلى خدها، تحك فيه كأنها توقظ نفسها من وهمٍ ثقيل، قبل أن تتمتم بخفوت يائس: احنا شكلنا داخلين على أيام سودا، أخلص من حاجة يطلعلي في حاجة.


زفرت باختناق، ثم نادت على إحدى الخادمات بصوت منخفض لكنه يحمل قلقًا متزايدًا: سحر... سحررر!


اقتربت منها الخادمة فورًا: أفندم، ماسة هانم؟


ماسة بصوت ضعيف، لكنها تحاول أن تتمالك نفسها: لو سمحتي، هاتي لي تليفوني من الأوضة واعملي لي نسكافيه في الجنينة.


تحركت ماسة نحو الحديقة، خطواتها بطيئة، وكأنها تحمل فوق كتفيها عبئًا جديدًا لم تكن مستعدة له...


💕ـــــــــــــــــــــــــ بقلمي_ليلة عادل(⁠◕⁠ᴗ⁠◕⁠✿⁠)


ــ مجموعة الراوي التاسعة صباحاً


نشاهد هذا الصرح العملاق، أكبر مجموعة في الشرق الأوسط، التي يحارب الجميع للاستيلاء عليها، لكنها ستبقى تحت سطوته… مبنى ضخم يعج بالحركة، الموظفون يدخلون ويخرجون، بعضهم يتحدث، البعض الآخر مشغول بأعماله.


في الخارج…


توقفت سيارة سليم أمام بوابة المجموعة. نزل السائق بسرعة، ممسكًا بعكاز فاخر، فتح الباب الخلفي باحترام شديد. خرجت قدم ثابتة، تبعتها الأخرى، ثم ظهر سليم.


رفع رأسه قليلًا، أخذ العكاز من السائق، أمسكه بقوة وكأنه امتداد لجسده لا علامة ضعف. نظر إلى المبنى أمامه، لوهلة مرر عينيه عليه كما لو كان يقيسه من جديد، يستشعر المكان الذي كان مملكته… والذي سيظل كذلك.


استنشق الهواء، شعر بالوقوف هنا مجددًا وكأنه عاد إلى جزء من روحه، لكنه لم يسمح لأي مشاعر أن تضعفه، بل زادته قوة وإصرارًا.


لابد أن يدخل كما اعتاد، واثقًا، هادئًا، متحكمًا… لن يسمح للحالة التي فرضت عليه أن تنتزع منه هيبته، فهو لم يكن يومًا رجلًا يسقط، بل رجلًا يعود أقوى مهما كانت الضربات.


فقد عاد الملك إلى عرينه، قويًا، شامخًا، ليعيد الفئران إلى جحورها مرة أخرى، وبعينيه تلك النظرة التي تعني شيئًا واحدًا… انتهت مهلة العبث.


توقف عشري خلفه، يحيط به بعض الحراس، أعينهم تترقب المكان بتركيز شديد.


تحرك سليم إلى الداخل بخطوات ثابتة، كل حركة منه تحمل قوة لا تحتاج إلى إعلان. انتصب القامة كأسد جسور عاد إلى غابته، لا يحتاج أن يزأر ليُشعر من حوله بوجوده، فمجرد وجوده يكفي لفرض الهيبة.


فتح الباب الإلكتروني…


دخل للداخل، وما إن تخطى العتبة حتى ساد الصمت للحظات، كأن المكان بأكمله التقط أنفاسه دفعة واحدة. ثم، كما لو كان موجة اجتاحت الجميع، بدأ الموظفون والعاملون ينتبهون إليه واحدًا تلو الآخر.


فجأة، توافد الجميع نحوه بسرعة، وكأنهم لم يصدقوا عودته، الوجوه تملؤها الفرحة، الأعين تلمع بالاحترام، والأصوات تتعالى بالترحيب الحار.


أحد الموظفين، وهو يصافحه ويقبل أعلى كتفه بمحبة: حمدلله على السلامة يا سليم بيه، نورت المجموعة.


موظف آخر بحماس واضح: حمدلله على سلامتك يا سليم بيه، المجموعة كانت مضلمة من غيرك.


إحدى الموظفات، وهي تصافحه باحترام شديد:

الحمدلله اللي رجعت لنا بالسلامة، رجوعك رجّع الروح للمكان.


وهكذا، ظل الجميع يستقبله بحفاوة بالغة، أصواتهم تتداخل، مشاعرهم تتدفق بصدق، كل حركة منهم تعكس حبًا حقيقيًا لمن يعتبرونه أكثر من مجرد قائد… بل درعًا يحمي هذا المكان.


أما سليم، فوقف في وسطهم، يحرك رأسه بابتسامة خفيفة، نظراته تلتقط وجوههم واحدًا تلو الآخر، عينيه تشعان بالاعتزاز، ليس فقط بنفسه، ولكن بهذا الولاء الصادق الذي لا يملكه سواه.


كان هناك من يقف أعلى الدرج يراقب هذا الاستقبال الذي يليق بوريث إمبراطورية الراوي، الملك المنتظر... سليم باشا الراوي.


إنهما صافيناز ورشدي، يحدقان بالأسفل، يشاهدان سليم واقفًا بقوته وهيبته كما كان من قبل، وسط استقبال الموظفين له. كأن تلك الحادثة والإصابة لم تؤثر عليه، بل زادته قوة وعنفوانًا، وكأن كل مخططاتهما ذهبت هباءً منثورًا.


نظرت صافيناز إليه بغلٍّ وحقد يشتعلان في عينيها، وقالت بغيظ: شايف راجع عامل إزاي!! ولا كأن حاجة حصلت له! شايف بيعملوا معاه إيه؟ فاكر نفسه جدو الآغا! فاضل يقولوله يا آغا، فاكر نفسه في إسطنبول.


ارتسمت نصف ابتسامة ساخرة على شفتي رشدي، وقال ساخرًا وعينه معلقة على سليم:  الأمير الصغير رجع لعرش الراوي تاني... عشان يقش كل ده! لعلمك، سليم هيستوحش أكتر من زمان، تقدري تقولي... سليم القديم راجع، بس بنسخة متطورة.


ثم أضاف بغيظ وهو يجز على أسنانه: كل مرة نرجع للصفر تاني! كل ما نحاول نخلص منه يرجع أقوى وأعنف! إيه الحظ ده!


نظرت له صافيناز بمقت: ماهو لو كنت دوست شوية بالعربية، كنا خلصنا، وكان زمانا قاعدين على كرسي العرش!


ابتسم رشدي بتفهم وقال بنبرة ساخرة: أمال فين كلامك قدام فايزة؟ مش لدرجة القتل؟! ولا عايزة تطلعي في اللعبة دي الملاك الحارس وأنا الشيطان؟ قدام فايزة؟


ثم قرب وجهه منها قليلًا، وقال بقوة وشراسة:

اسمعي، أنا مش هطلع لوحدي الشيطان، ولا هقبل بالدور ده! أنا لو وقعت، هوقع الكل معايا!


قلبت صافيناز عينيها بملل، وردّت ببرود: قلتها كتير أوي وبقت مستهلكة جدًا.


أجاب رشدي بتأكيد: وهفضل أقولها وأفكرك بيها، وهخليها مش بس مستهلكة... هخليها زي الميه اللي بتشربيها! كل يوم هسمعها لك وأفكرك... إنتي وجوزك! أنا مش هطلع الشيطان لوحدي يا صافي، ولا هدفع الثمن لوحدي! كلنا اشتركنا في ده، وكلنا نفسنا نطير سليم، ومستعدين نعمل أي حاجة، حتى لو حطينا إيدينا في الدم! بس الفرق إنك عايزة تطلعي قدام الهانم الأخت الحنينة! ما تتلائميش عليا يا صافي... أنا رشدي!


نظرت له من أعلى لأسفل دون رد، ثم تحركت نحو درجات الدرج وبدأت تهبط، وهي ترسم على وجهها ابتسامة عريضة مصطنعة، وخلفها رشدي.


هبطت صافيناز حتى توقفت أمام سليم، ثم قالت بترحيب حار، وهي تبتسم بعذوبة مصطنعة: سليم! إيه المفاجأة الحلوة دي؟! مفاجأة غير متوقعة! حقيقي وحشتنا.


اقتربت منه، وقامت بتقبيله على وجنتيه واحتضنته، ثم ابتعدت متسائلة: عامل إيه دلوقتي؟ أحسن؟


رفع سليم عينيه لها، ورد باقتضاب: تمام.


اقترب رشدي وربّت على كتفه بحقد مبطن: عامل إيه يا ملك؟ نورت عرشك.


هز سليم رأسه بإيجاب، بجمود: ميرسي يا رشدي.


رشدي بابتسامة خبيثة: يلا بينا على الاجتماع، الملك الكبير مستنينا.


توجهوا جميعًا إلى المصعد، زتوقفوا داخله...كان سلام سليم عليهما باردًا متجمدًا كالشتاء، لا يحمل أي حرارة أو مشاعر أخوّة، فهو يعلم جيدًا أن قلبيهما خاليان من أي ذرة حب حقيقية له.


كان هذا السلام مجرد قناع، مجرد سلام زائف ليكملا تمثيلهما أمامه.


وقف سليم أمامهما في المصعد، وهما خلفه في مكانهما المناسب، يحدقان به بحقد دفين.


صعدوا إلى الدور الثاني... حيث غرفة الاجتماعات.

💕_______بقلمي_ليلةعادل_______💕


غرفة الاجتماعات


دخل سليم وخلفه صافيناز ورشدي غرفة كان في الداخل جميع أفراد عائلة الراوي وبعض الموظفين الكبار. فور رؤيتهم لسليم، هبوا جميعًا وتوجهوا لاستقباله والترحيب به بسعادة غامرة.


اقترب عزت منه بفرحة: سليم!

ثم صافحه وضمه وأضاف: إيه المفاجأة الحلوة دي ياحبيبي؟ إزاي ما قولتليش؟


تبسم سليم: مكنتش هتبقى مفاجأة لو قلت لك يا باشا.


تبسم عزت، ووضع قبلة على جبينه وربت على قلبه: ابني الذئب، نورت الإمبراطورية يا أمير.


اقتربت فايزة بفرحة، وقالت بابتسامة حب وتعظيم: أمير إيه! ده الملك. عامل إيه ياحبيبي؟

ثم ضمته، ووضعت قبلة على خده وهي تربت عليه بحنان.


اقترب ياسين وهو يصافحه بعتاب: برغم إني زعلان منك لأني اتفاجئت إن حتى أنا ممنوع أزورك، بس هعديها.


تبسم سليم وضمه: خلاص، تعال أي وقت.


اقتربت فريدة وضمته بحب: وحشتني ياحبيبي، الحمد لله على سلامتك. أخبارك إيه؟


سليم: بخير ياحبيبتي.


اقترب طه وضمه بقوة على غير عادته، فقد كان يشعر بتأنيب الضمير، ثم قال بعين ترقرقت بالدموع: الحمد لله على سلامتك ياحبيبي، إن شاء الله هترجع أحسن ما كنت وتنور المجموعة.


سليم: إن شاء الله يا طه.


اقترب إبراهيم وضمه: حمد لله على السلامة.


عماد: حمد الله على سلامه.


بدأ الجميع يرحبون به بحفاوة، ثم جلسوا استعدادًا للاجتماع.


سليم وهو يمرر عينه عليهم تسأل بعملية: ها، إيه الأخبار؟ يا ترى ليا ملف ولا؟


تبسمت نانا: حالا يا سليم بيه، حمد لله على السلامة.


عزت بإبتسامة: ماتقلقش، كل حاجة زي ماسبتها.


فريدة بتفخيم: كمان ماسة قدرت تسد مكانك الفترة اللي فاتت، حقيقي برافو عليها.


جلبت نانا الملف ووضعته أمامه، فأخذ سليم يقلب في الأوراق وهو يقول: ماسة طول عمرها شاطرة، وأنا كنت واثق فيها ومتأكد إنها قد الثقة اللي اديتهالها.


ثم تابع وهو يتصفح الملفات: الأمور ماشية تمام، شايف إن في كم صفقة جديدة، والأرباح في تزايد مستمر. مبروك يا باشا.


منى بخبث: راجع متحمس!


سليم بقوه: لازم، خلينا نبدأ الاجتماع.


بدأ الجميع في الحديث والنقاش حول أمور المجموعة والصفقات الجديدة وكل مايخص الشركة، وبعد انتهاء الاجتماع، وقبل أن ينهض الموظفون والأبناء ..

قالت فايزة بعملية: انتظروا من فضلكم، في خبر مهم لازم الكل يعرفه.


نظر الجميع بترقب.


نظرت فايزة إلى عشري، الذي هز رأسه موافقًا ولوّح بيده وهو ممسك بملف، فتبسمت ونظرت إلى عزت ليعلن الخبر.


عزت بقوة: أنا والهانم قررنا إعطاء كامل الصلاحيات لسليم دون الرجوع لينا، يعني من النهارده، سليم له حق إدارة نسبتي أنا وفايزة هانم، وختمي الخاص هيكون مع سليم.


نظر سليم له وهو يضيّق عينيه بتعجب، ثم مرر أصابع السبابه والإبهام أسفل شفتيه السفلى، لكنه لم يرد.


عزت: مبروك ياسليم.


أعطت نانا العقود لسليم بعد أن سلمها لها عشري، وبدأ سليم في التوقيع عليها كانت ملامحه ساكنه بشكل مثير للإنتباه. بعد الانتهاء،


نظرت له صافيناز: مبروك يا سليم، بقيت الملك رسمي.


سليم باعتزاز: ماحدش هيبقى الملك هنا غير الباشا طول ما هو عايش، ربنا يدّيه الصحة. بس الباشا شكله عايز ياخد إجازة ويرتاح شوية هو والهانم.


فايزة بتأييد وتفخيم: ده حقيقي، أنتم الخير والبركة، وأنا متأكدة إنك الوحيد الجدير بالمكانة دي، والقادر تحافظ على إمبراطورية الراوي. زي ماطول عمرك كنت الوحيد اللي تستحق المكانة دي، وأنا والباشا اديناها لك والثقة كمان.


كان طه ينظر إليهم بشماتة بسبب فشل مخططهم.


خرج الجميع للخارج، وتبقى سليم جالسًا مع فايزة.


سليم بتسأل بنبرة مليئه بشكوك: ممكن أعرف بقى اللي حصل ده حصل ليه؟"


فايزة بتوضيح: هو ده الصح، إنت وريث العرش، وزي ماقلت، إحنا تعبنا بقى ومحتاجين نرتاح شوية.


نظر لها سليم بشك فهو غير مصدق مد وجه: بس كده يعني؟ مافيش حاجة تانية؟


عزت بعقلانية: مافيش حاجة، وزي ماقلت، أنا ووالدتك تعبنا، وفعليًا، إنت اللي بتديرها، فما فرقتش بقى إنك تديرها رسمي.


هز سليم رأسه بإيجاب، لكنه لم يكن مقتنعًا، ومع ذلك لم يعطِ الأمر أهمية كبيرة، فهو لديه أمور أخرى أهم يفكر بها، وهي الوصول لمن تسبب في ذلك الحادث.


توقف سليم: طب، أنا في مكتبي.


خرج سليم للخارج، فنظر عزت إلى فايزة متسائلًا: كنتي شايلة الأوراق فين يا فايزة؟ مازن قال لي إنك استلمتي الأوراق من فترة.


نظرت له فايزة بترقب لثوانٍ. إذا أخبرته أنها كانت تخبئ الأوراق مع عشري، فسوف يشك في شيء، وسيفتح ذلك بابًا كبيرًا للحديث.


فايزة بثقة: في الخزنة بتاعتي هنا. بعد ما مازن خلص الأوراق، شِلتهم عشان يكونوا جاهزين وقت ماسليم يرجع.


هز عزت رأسه بالموافقة، بينما نظرت له فايزة للحظة، وتذكرت شيئًا.

💕__________بقلمي_ليلة عادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。

فلاش باك – مكتب فايزة


نشاهد فايزة تجلس على مقعد مكتبها في شموخ، بينما يقف عشري أمامها بانتباه.


فايزة بعملية: عشري، أنا بثق فيك، لأني عارفة كويس إنت ومكي بتحبوا سليم قد إيه، ومستعدين تفدوه برقبتكم.


عشري بحزم: دي حقيقة يافايزة هانم، حضرتك قولي اللي انتي عايزاه وسرك في بير، تؤمري بايه؟!


تمسك فايزة الملف الموضوع أمامها، تناوله لعشري بنظرة جادة.


فايزة بعملية وتحذير: الملف ده لازم تخبيه، وماحدش يعرف إنه معاك. يوم ما سليم يرجع للمجموعة، أيًّا كان اليوم، لازم الأوراق تتسلم لنانا بعد دخول سليم المكتب بدقيقة واحدة، بعدين، تراقب الوضع لحد ما تتأكد إن نانا سلّمت الملف لسليم بنفس الشكل اللي استلمته منك.... وماحدش غيرنا يعرف الموضوع ده. 


يأخذ عشري الملف وينظر إليه باستغراب تسال: هو أنا ممكن أسأل الملف ده فيه إيه؟


فايزة بحزم: هتعرف يوم ما سليم يرجع للمجموعة... المهم إنك ما تخلّينيش أندم إني وثقت فيك.


عشري باحترام وطاعة: أنا مش هقول لك رقبتي التمن، أعتقد إنها هتبقى أرخص، بس ما تقلقيش يا هانم أنا قد ثقتك.


تهز فايزة رأسها بإيجاب.


عشري: تؤمري بحاجة تانية، يا هانم؟


فايزة: لا، روح إنت ياعشري.


ينحني عشري قليلًا باحترام قبل أن يغادر الغرفة، بينما تنظر فايزة خلفه بتركيز، وكأنها تفكر فيما سيحدث لاحقًا.


خرج عشري للخارج، عادت فايزة بظهرها للخلف وهي تمرر يديها على رقبتها بتذكر.


((فلاش باك آخر))


سيارة فايزة


تجلس فايزة على المقعد الخلفي في سيارتها، وبعد قليل فتح السائق الباب الخلفي، دخل رجل يبدو في الخمسينات من عمره، بمظهر بسيط يعكس الطبقة التي ينتمي إليها.


نظرت فايزة للسائق: خليك بعيد يا خيرت.


تحرك خيرت مبتعدًا قليلًا، بينما جلس الرجل بجوارها لكنه ترك مسافة بينهما.


فايزة بعملية: قول اللي عندك.


الرجل: رشدي باشا كلمني وطلب مني الأوراق اللي تخص التوكيل اللي حضرتك طلبتيه، والمقابل هيديني 50 ألف جنيه.


فايزة: هي فين الأوراق؟


فتح الرجل الحقيبة التي كان يحملها بسرعة، وأخرج منها ملفًا وسلمه لها.


أعطته فايزة ظرفًا أصفر: ودول بقى 100 ألف جنيه، اللي وعدتك بيهم. لما يكلمك، هتقوله دورت على الأوراق ما لقيتهمش، ولما سألت مازن بيه، قالي إنه خلاص سلّمهم لفايزة هانم بنفسها


الرجل بطاعة: أمرك.


فايزة: انزل إنت.


فتح الرجل الباب ونزل سريعًا، بينما ظلت فايزة ممسكة بالملف، تحدق فيه بتفكير عميق، وهي تحرك أحد أصابعها بخبطات متتالية عليه، وكأنها تحاول استجماع أفكارها..

       الفصل السابع والخمسون ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات