رواية الماسة المكسورة الفصل السابع والخمسون 57 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل السابع والخمسون 57 ج2

بقلم ليله عادل


فلاش باك آخر /قصر الراوي مكتب عزت 

نشاهد فايزة تقف في الخفاء أمام مكتب عزت، تراقب بعينيها، بينما تظهر صافيناز وهي تبحث عن التوكيل في الخزنة وفي أدراج المكتب، لكنها لم تعثر على ضالتها المفقودة. تنفست بزهق، ثم قامت بإجراء مكالمة.


صافيناز بضيق: إيه يارشدي، أنامش لاقية الأوراق. دورت عليهم في مكتب الباشا ومكتب الهانم برده، مالقيتش حاجة. مازن أكد على عماد إنه سلّم الأوراق للهانم... طب والحل؟


أتاها صوت رشدي من اتجاه آخر: ولا حاجة، هنستنى اليوم اللي هيرجع فيه سليم ونحط الورقة في وسط الأوراق، هنتصرف في وقتها.


صافيناز بضيق: طب اقفل إنت.


ابتعدت فايزة مسرعة قبل أن تراها صافيناز. خرجت صافيناز وتوجهت إلى الدرج وصعدته، بينما كانت فايزة تراقب ما يجري بعينيها بضيق ووعيد. هزت رأسها وزفرت بضيق قائلة: شكلكم مش هتجيبوها البر.

(باااك)

فايزة تجلس مكانها وهي شاردة الذهن، تحرك أصابعها على سطح المكتب بإيقاع بطيء، وكأنها تحاول فك شفرة ما يدور في عقلها.


انتبه لها عزت، فألقى بالقلم الذي كان يمسكه، وأسند ظهره إلى الكرسي متسال: إيه يا فايزة، رحتي فين؟


فايزةوهي ترفع نظرها إليه وكأنها تعود إلى الواقع: معاك.


عزت بتفكير: سكوت وقبول صافيناز ورشدي بالهدوء ده مش مريحني.


فايزةبثقة: ولا هيقدروا يعملوا حاجة، هيزعلوا شوية وبعدين خلاص. هما عارفين ومتأكدين إننا مختارين سليم من زمان.


عزت وهو يهز رأسه بتأمل قال بنبرة تهديد: عمومًا أنا نفذت لك اللي انتي عايزاه، وأنا مقتنع إن سليم يستحق، لكن هقولها لك تاني، لو عرفت إنك بتعملي كده عشان تربي ولادك على غلطة هما غلطوها، ولو اللي في بالي صح... أناهحرقكم كلكم.


فايزةبنبرة صارمة: قلتلك وهقولها لك تاني ياعزت، اللي في خيالك ده مرض، لأني مش هلاقي له مسمى غير ده، تفتكر أنا ممكن أشارك في قتل ابني؟ اية هنتحول لمجرمين وعصابات مافيا؟ أناعملت كده عشان خاطر أديله الثقة، لأنه محتاجها دلوقتي أكتر من أي وقت. أنامقدرة الوضع النفسي السيئ اللي يمر سليم بيه، وهو كان محتاج دعم معنوي بشكل ده، عشان يبقى قوي، بحاول اوصل له رساله انت حتى لو ماسك عكاز، وعندك رصاصة في ظهرك، بس أنت لسه زي ما أنت القوة اللي بتتسند عليها مجموعة الراوي أنت سليم عزت الراوي.


عزت ينظر إليها بعمق: تمام يافايزة.يعود إلى الأوراق التي أمامه، بينما بقيت هي شاردة، تفكر فيما رأته وسمعته، وداخلها يقين أن المعركة لم تنتهِ بعد.


فيلا سليم،العاشرة صباحًا

نشاهد ماسة تتوقف في استقبال والدتها وهي تحمل بين يديها حقيبة، وخلفها أحد الحرس يحمل حقائب بلاستيكية.


ماسة بترحيب وفرحة: ماما، وحشتيني أوي.

اقتربت منها وضمتها.


سعدية وهي تقبلها في خدها: عاملة إيه؟ وحشتيني ياحبيبتي.


نظرت ماسة لما بين يدي سعدية وقالت معلقة: إيه اللي في إيدك ده بس؟ هو انتي جاية عند حد غريب؟


سعدية: استني بس إنتي ..وهي تنظر بعينيها على الحراس: واريه المطبخ فين.


ماسة: طب هاتي عنك.


أخذت منها كيسًا على شكل دائرة وهي تقول للحارس:

 تعال ورايا..


وتوجهت إلى المطبخ، وخلفها والدتها والحارس.

_المطبخ

نشاهد الخادمات يجلسن في المطبخ يتبادلن الأحاديث، وفور دخول ماسة ووالدتها توقفن باحترام.


وضعت ماسة الكيس على الطاولة، ووضع الحارس الأكياس.


نظرت له سعدية وقالت: خلاص روح إنت، أنا هقعد شوية وهبقى أكلمك تيجي تاخدني.


خرج الحارس إلى الخارج.


ماسة وهي تنظر لسعدية باستغراب: إيه اللي جيباه ده يا ماما؟ هو أنا غريبة؟


جلست سعدية على المقعد البلاستيكي وهي تفك الحجاب: أصل أنا إيه، كنت امبارح لافة كرمباية على شوية بتنجان كده وكوسة وفلفل لإخواتك، وكنت مطلعة بطة تفك الفجر. لما انتي بقى كلمتيني وقلتيلي تعالي، وأنا عارفة إن سليم حبيبي بيحب المحشي بتاعي وبيحب البط، روحت طلعت بقى كام حمامة واشتريت ملوخية. وأنا جاية قلت بقى إيه، ما دام ربنا هداه وقال لك هاتيهم ونقضي اليوم سوا، أعمله أكلة حلوة ترم عظمه، مش الدكتور خلاص سمح له؟


جلست ماسة بجانبها على المقعد: من بدري.


نظرت ماسة للخادمات وقالت: سحر، ماري، لو سمحتم اخرجوا انتوا بره دلوقت.


خرجت الخادمات، وأخذت ماسة ووالدتها تخرجان الخضار من الأكياس وبدأتا في تقطيف الملوخية.


سعدية بتعجب: وانتي يا أختي ما جيتيش ليه؟ أنا مافهمتش منك حاجة في التليفون. هو ده اللي قلتيه؟ أول ما سليم يبقى كويس هاجي لكم لأني زهقانة ومخنوقة من قعدة البيت، عايزة أشم هوا؟


رفعت ماسة عينيها ونظرت لها بصمت لوهلة، بأفكار مضطربة لا تعرف هل تخبرها بما قاله أم تنتظر .. حكت في أنفها وقالت بمراوغة: احمم... أصل سليم قالي لا، خليهم هما يجوا ويقضوا يوم معانا عشان وحشوني، حتى نخليهم يباتوا كام يوم


سعديةبابتسامة: والله، الحمد لله إن ربنا هداه. (تساءلت:) طب هو لسه بيتعصب عليكِ وخلقه ضيق؟


ماسة تبسمت: لا الحمد لله، أحسن كتير، وإمبارح صالحني وعمل لي مفاجأة حلوة، ووعدني إنه هيحاول يبقى هادي.


ربتت سعدية على قدميها وقالت بحكمة: ربنا يحميه ويشفيه ويخليكم لبعض ياحبيبتي. معلش يا ماسة، استحمليه يا حبيبتي، لسه قايم من رقدة طويلة، غير اللي حصل له، فمعلش اتحمليه حتى لو زعلك، أو صوته اترفع عليكِ، أو ضايقها عليكِ في الخروج، معلش، يومين كده وهتلاقيه رجع زي زمان، ده ما بيتحملش عليكِ النسمة.


ماسة بحب: أنا عارفة وفاهمة، هو صعبان عليَّ والله يا ماما، وقلبي موجوع عليه. جوه عينيه في وجع وحزن ويأس، حتى لو مابيقولش بلسانه، بس وجعه واصلني. نفسي أساعده، مش عارفة إزاي.


سعدية بعقلانية وحكمة: بإنك تتحمليه وتطبطبي عليه، وتقولي له نعم، حاضر، واللي إنت عايزه، ريحيه دايمًا، وقولي له إنت راجلي وسندي وحبيبي. الراجل يا بنتي مهما كان قوي، عنده لحظات ضعف، ولو ما لقيش مراته جنبه وقتها، هيحس إنه لوحده. دايمًا كده تدلعي عليه، وما تحسسهوش أبدًا إن عنده مشكلة، بالعكس، خليه دايمًا يحس إنه زي ما هو، وإنك فخورة بيه. الراجل يا ماسة لما يحس إن مراته شايفاه كبير، بيكبر أكتر، ولو حس إنها شايفاه ضعيف، بينهار.


أضافت وهي تربت على يدها بحنان: وبعدين ده الوقت اللي لازم تباني فيه، هو وقف جنبك زمان واحتواكي، وشالك على كفوف الراحة، مش كده؟ أهو جه دورك تردي له الجميل، مهما حصل، مهما كان عصبي أو متضايق، خليك صبورة، اتحملي، ده مش وقته تعاتبيه أو تزودي عليه، ده وقته تطمني قلبه، تدي له أمان، تحسسيه إنك مش هتتخلي عنه أبدًا. الراجل وقت ضعفه محتاج الست اللي تحسسه إنه حتى لو الدنيا كلها ضده، هي عمرها ما هتسيبه، وإنها هتفضل ضهره وسنده زي ما كان ليها يوم ضهر وسند.


ماسة بحب وصدق: والله العظيم، مابعملش إلا كده. بحاول دايمًا أكون جنبه، أسمعه، أطبطب عليه، أخفّف عنه حتى لو بكلمة. بس وجعه كبير يا ماما، مش بس في جسمه، لا.. في قلبه كمان. نفسي أساعده، نفسي أرجّعه زي زمان، نفسي أشوف الضحكة الحقيقية في عينيه من تاني.


نظرت لوالدتها بعزم وهي تمسك يدها بقوة: ومهما حصل، مش هتخلى عنه أبدًا، مستحيل أسيبه في الوقت ده، مستحيل أبعد أو حتى أفكر إني ماكنتش جنبه، ده سليم يا ماما، الراجل اللي سندني وحماني، اللي عمره ما تخلى عني لحظة، اللي دايمًا كان ضهري، أقل حاجة إني أكون جنبه دلوقتي، وأتحمل وأصبر عليه، هو يستاهل ده، ويستاهل أكتر كمان.

ربنا يكمل شفاءه على خير يا رب، ويخليه ليا.


سعدية: يا رب.


ماسة تساءلت: هي فين سلوى وإخواتي وبابا؟ ما جُوش معاكي ليه؟


سعدية: إخواتك في الشغل مع أبوكِ، هيجوا على العصرية كده، وأختك نايمة، مش قادرة تيجي.


ماسة: خلاص، بعد الظهر كده هبعت لها السواق يجيبها، حتى يجيب لها هدوم، شك

💕_______بقلمي_ليلةعادل_______💕


مجموعة الراوي


مكتب سليم، الحادية عشرة صباحًا


نرى عشري ومكي يجلسان على المقاعد الاماميه للمكتب مقابل بعضهما، وهم ينظران لسليم بنتباه شديد..

أما سليم، فكان يجلس على مقعده، يمسك بأحد الأوراق بين أصابعه، يقلبها ببطء قبل أن يرفع عينيه إلى عشري قائلاً بنبرة هادئة لكنها تحمل نبرة استنكار خفية:


سليم متعجباً: بس مش غريبة إن الهانم تشيل معاك إنت الأوراق؟


عشري بثبات: أنا أصلاً ماكنتش عارف إيه اللي في الأوراق، بس هي كانت دايمًا معايا، لأن ده كان طلب الهانم. قالت لي أول ما أنت ترجع لازم الورق يكون موجود.


مكي وهو يضيق عينيه قليلاً: طب إنت ليه ما قلتش؟


عشري وهو يهز رأسه بجدية: عشان وعدت الهانم إني مقولش.


مكي بابتسامة جانبية، وكأنه استوعب الصورة كاملة نظر لسليم: بكده بقى، ده إعلان رسمي من الهانم والباشا إنك خلاص بقيت الإمبراطور الجديد.


عشري وهو يومئ برأسه بتفخيم: هو الإمبراطور أصلاً من غير حاجة، بس دلوقتي بقى الموضوع رسمي، إلا جزء بسيط إن الأسهم تكون ملكه، مش حق إدارة بس.


ارتكز سليم بمرفقه على المكتب، أصابعه تضغط على الورقة التي بيده بينما عيناه تضيقان قليلاً، لا ليفكر في كلامهما فقط، بل ليحاول قراءة ما بين السطور. هل هذه مجرد خطوة لتثبيته رسميًا، أم أن هناك ما هو أعمق يدور في الخفاء؟


ظل للحظات صامتًا، ثم زفر بهدوء وألقى الورقة على المكتب، مسندًا ظهره إلى كرسيه. فهناك أمور كثيرة تحتاج تفكيره، لكن ليس الآن، ليس قبل أن ينتهي مما يشغل قلبه قبل عقله.


عدل سليم من جلسته ونظر لهم بحدة قائلاً: بقول لكم إيه، مش عايزين الموضوع ده ياخدنا بعيد عن موضوعنا الأساسي، اكيد رشدي وصافيناز عكو في حاجة تخص المجموعة، ها وصلتم لحاجة ولا بطلتم تدوروا؟


مكي بتوضيح: والله يا سليم، أنا وعشري وإسماعيل من وقت الحادثة مابطلناش ندور، حتى الباشا ورجالته كانوا معانا برضو، بس.مافيش فايدة..


وضع سليم يده على جبينه، وشرد للحظات وكأن العالم من حوله بات باهتًا، قبل أن يهمس بصوت منخفض يملؤه الإحباط: حاسس إني في مركب صغيرة وسط محيط هائج ومعيهاش بوصلة، تايه... مش عارف أوصل للبر. خيط واحد بس، لو مسكناه، هنعرف نعمل حاجات كتير.


عشري وهو يومئ بتفهم: عندك حق، بس المشكلة إن الخيط ده مش ظاهر قدامنا.


سليم وهو يزفر ببطء محاولًا كبح توتره: أنتوا دورتوا في الكاميرات زي ما قلت لكم؟


مكي وهو يعقد حاجبيه: آه، دورنا، بس... ماوصلناش لحاجة.


سليم بعزيمة تخللتها نفحة من الغضب المكبوت: أنا عايز أشوف تسجيل الكاميرات دي بعيني، وعايز كمان أشوف ملف القضية بالكامل.


عشري وهو يشيح بنظره جانبًا: بس الباشا قفل القضية بعد فترة صغيرة، قال إنها شوشرة على الفاضي.


سليم وهو يضغط أصابعه بقوة على الطاولة: أنا عايز الملف لحد آخر ورقة فيه، مش هسيب حاجة.


مكي: بكرة هيبقى عندك، متقلقش.


سكت سليم للحظات قبل أن ينظر إلى عشري بجدية: عشري، في واحد متقدم لسلوى، عايزك تسأل عليه.


رفع مكي عينه ببطء ناحية سليم بترقب واضح، بينما تبادل عشري ومكي نظرات صامتة قبل أن


يسأل سليم عشري بصوت متحفظ: أهو فيه حاجة؟


نهض عشري وهو يمدد يده ليأخذ مفاتيحه من الطاولة: طب هقوم أنا عشان أجيب لك الملف وتسجيل الكاميرات الأول.


خرج عشري، وتبقى مكي يجلس مع سليم. رفع سليم عينه نحوه وقال بنبرة متفحصة: هو في إيه؟


مكي وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة مصطنعة: مافيش حاجة، هو بس سابنا نتكلم براحتنا.


عاد سليم بظهره إلى المقعد وعقد حاجبيه بعدم فهم: مش فاهم حاجة.


مكي: عشري عارف إني دورت ورا الواد ده... زميلها في الكورس، بقالهم فترة بيتكلموا، هو شاب محترم، شغال محاسب في بنك، باباه ومامته مدرسين في مدرسة إنترناشونال.


سليم وهو يضيق عينيه ويثبت نظره على مكي قال متعجباً: مكي، هو أنت لسه بتفكر في سلوى؟!


مكي بضعف، وصوته يكاد يكون هامسًا: أنا عمري ما بطلت أفكر في سلوى.


سليم وهو ينظر له بدهشة: بعد كل السنين دي؟


هز مكي رأسه عدة مرات بصمت متأثر: بعد كل السنين دي.


أمسك سليم العكاز ونهض، ثم جلس على المقعد الأمامي للمكتب المقابل لمكي، ينظر له بتعجب، كيف له أن يظل متعلقًا بسلوى بعد كل تلك السنوات، ولم يكن بينهما ذكريات قوية أو قصة عشق جارف؟


سليم بعد لحظات من الصمت: غريب؟


مكي وهو يرفع حاجبه بسخرية: إيه الغريب في كده؟ عشان يعني مكي قلبه جامد ومايعرفش يحب؟


سليم وهو يشير بيده برفض: لا طبعًا، أنا ماقلتش كده، كل اللي أقصده إن مافيش بينكم قصة حب كبيرة تستدعي إنك تفضل كل الفترة دي بتحبها ومستنيها.


مكي وهو يزفر ببطء، وكأن الذكريات تهاجمه قال بتوضيح: لأني أخدت وعد بيني وبين نفسي إني هستناها لحد ما تكبر وأفاتحها في موضوعنا، وانت عارف مكي مستحيل يرجع في وعده حتى لو بيني وبين نفسه.


سليم: بس هي كبرت من زمان، دلوقتي داخلة في ٢١ سنة، ولا أنت برضه شايف إن ده مش سن مناسب للجواز؟


مكي وهو يتحدث بعقلانية واضحة: مش قصة سن، الموضوع كان نضج أكتر. ممكن واحدة عندها ٣٠سنة وتكون تافهة، وواحدة تانية عندها ١٧سنة وعندها وعي ونضج. ماسة وسلوى كان عندهم وعي، بس خبرتهم كانت قليلة. آه عقلهم أكبر من سنهم، بس ما كانش عندهم خبرة كفاية، ما يعرفوش حد زي ما قلت لك قبل كده...أنا كنت عايز سلوى تعرف ناس كتير وتختارني بعقلها وقلبها، مش قلبها بس. وفعلاً ده حصل، سلوى اللي كنت أعرفها زمان، رغم نضجها، دلوقتي بقت حد تاني، ناضجة أكتر، عندها وعي أكتر، وشافت الدنيا بعيد عن المزرعة، دلوقتي عندها الوعي الكافي عشان تختار شريك حياتها. دلوقتي أقدر أفاتحها.


سليم تسأل: مافتحتهاش ليه؟ مادام هو ده الوقت المناسب، مش خلاص بقت ناضجة وشافت كتير؟ إيه عذرك؟


مكي بصوت هادئ لكنه يحمل مرارة: مفيش عذر.. أنا فاتحتها فعلاً بعد ما إنت فوقت من الغيبوبة. بس هي رفضت.


سليم ينظر له بصدمة: رفضت؟


مكي يبتسم بمرارة: أيوه، رفضت.


سليم بدهشة: رفضت ليه؟


مكي يزفر بضيق: رفضت انتقام.


سليم متعجبًا: إزاي عرفت إنه انتقام أو رد اعتبار؟ يمكن هي فعلًا ما بتحبكش؟ أو يمكن دلوقت أدركت إنك مش الشخص المناسب ليها؟


مكي بحزم ممزوج بالحزن: أكيد هي مابتحبنيش، بس عايزاني... جواها حاجة ناحيتي ممكن تبقى حب، لكن رفضها ماكانش لأني مش مناسب ليها، كل كلامها كان عن إني بعدت من غير ما سبب، سبتها تواجه وجعها لوحدها، تفكر وتغرق في تساؤلات. حاولت أوصل لها سبب اللي عملته، بس هي مش قادرة تصدق إني كنت خايف عليها، مش مقتنعة إني كنت عايزها تختارني بإرادتها، مش لمجرد إني كنت الشخص الوحيد اللي قدامها وقدم لها حاجات كتير ما حدش غيري يقدمه لها ما استغليتش الانبهار.


سليم وهو يتكئ على العكاز ويفكر: طب والحل؟


رفع مكي يده إلى مؤخرة رأسه وحكها بحيرة، قبل أن يجيب بصوت مليء بالتردد: مش عارف... نفسي أتكلم معاها تاني، أحاول أوضح لها، بس مش ضامن رد فعلها... بص يا سليم، أنا مش عارف المفروض أعمل إيه، بس اللي واثق منه إني مش ناوي أخسرها.


سليم بجدية: لو عايزني أوقف الجوازة، أنا جاهز.


مكي وهو يهز رأسه نافيًا: لا، أنا أقدر أوقفها لوحدي، بس ده مش اللي عايزه، مش عايز أحطها في موقف تحس فيه إنها مضطرة تختارني، أنا عايزها تختارني وهي مقتنعة. لو فعلاً عايز تساعدني، اديني فرصة أكلمها لما أوصلك.


سليم يبتسم بثقة: بس كده؟ دي أسهل حاجة.


مكي يبتسم أخيرًا، وكأن بارقة أمل أُشعلت داخله: تمام، متخيبش ظني، انت أملي الوحيد دلوقتي.


سليم وهو ينهض مستندًا على العكاز: متقلقش، بس إياك تضيع الفرصة، سلوى مش هتفضل مستنياك على طول.


مكي بحزم وعزيمة واضحة: وأنا مش ناوي أسيبها تضيع مني تاني.


على اتجاه آخر في مكتب صافيناز، يجلس الأربعة ويبدو عليهم الضيق.


عماد يتحدث بمكر: الهانم شكلها يا إما شكت، يا إما عرفت اللي كنا ناويين نعمله.


منى تهز رأسها: ما أعتقدش إنها عرفت، لأنها لو عرفت، ماكانتش هتسكت. ده مش بعيد ما أخدت مننا شوية الأسهم اللي مالهاش لازمة.


صافيناز تتنهد بحدة: طبعًا هي أكيد شاكّة إن إحنا هنعمل حاجة، وحاطة جواسيس حوالينا. المهم دلوقتي، هنعمل إيه؟ خلاص، بقينا رسمي بناخد مصروفنا من سليم كل أول شهر.


رشدي بغضب: مع إني متعصب وهتجنن من اللي عملته الهانم، بس أنا دلوقتي مش قلقان من سليم، لأن تركيزه كله هيبقى في اللي عمل فيه كده. وإحنا هنستغل انشغاله ده ونحاول نثبت نفسنا، ممكن كمان نبوّظ عليه بعض الصفقات، إحنا دلوقتي بقينا غير زمان خالص.


عماد يومئ ببطء: فكرة حلوة، بس مش بالسرعة دي. إحنا بردو لازم نركز مع سليم عشان مايوصلش لأي معلومة عن الحادثة، لأنه لو وصل لأي طرف خيط، هيوصل لنا، ووقتها هتكون نهايتنا.


منى تعقد حاجبيها بقلق: فعلًا، لازم نفتح عنينا كويس.


رشدي بتحذير: أهم حاجة طه، لأن ضميره صاحي أوي الفترة دي.


صافيناز تنظر له بحدة: بالضبط! كل شوية فكّروه إننا ممكن نئذي أولاده، وده طبعًا مش حقيقي، بس هو لازم يفهم ويحس إنه حقيقي، عشان يحط لسانه جوه بقه.


منى تبتسم بخبث، أكيد.


♥️ـــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل ـــــــــــــــــ♥️


فيلا سليم وماسة – الرابعة مساءً


الحديقة


كانت ماسة وسلوى تجلسان في الحديقة يبدلن الحديث.


ماسة وهي تميل نحو سلوى بحماس: يعني خلاص، خلاص قرار نهائي؟


سلوى بتنهيدة ضجر: أنا مش فاهمة إيه مشكلتك؟


ماسة بملامح مستاءة: يعني كنتِ حابة تدي فرصة لمكي لانه حقيقي يستاهل بس انتي عنيدة.


أثناء ذلك، دخل عليهما سليم وخلفه مكي.


سليم بوقار وابتسامة هادئة: مساء الخير على المدموزيلات الحلوين.


ما إن استمعت ماسة لصوته حتى لمعت عيناها، توقفت مسرعة، توجهت نحوه وضمت ذراعيها حوله بحب، وكأنها كانت تنتظره طوال اليوم.


ماسة وهي تغرق في دفء حضنه: حبيبي.


سليم يحيط خصرها بذراعيه، يقربها منه أكثر ويهمس لها بصوته العميق الدافئ: aşkım، وحشتيني

. يضع قبلة على جبينها برقة، وكأنه يطمئن قلبها بوجوده.


ماسة تنظر إليه بلهفة: ها، عامل إيه؟ وعملت إيه النهارده؟


سليم بابتسامة خفيفة وهو يمرر يده على شعرها: لا، الموضوع طويل.. تعالي أوضتنا.


ماسة نظرت لسلوى بابتسامة ماكرة: سوسكا، شوية وجيالك.


سلوى ترفع حاجبها بسخرية: تمام.


تحرك سليم مع ماسة، وقبل أن يبتعد، التفت لمكي وغمز له بإشارة خفية، كأنه يشجعه على الحديث مع سلوى كما اتفقا. دخل سليم وماسة إلى الفيلا، بينما بقي مكي وسلوى في الحديقة، والصمت المشحون بالتوتر يحيط بهما.


كان مكي يراقب سلوى بصمت، عينيه تبحثان عن مدخل للحديث، بينما هي تتجاهله تمامًا، تمسك بإحدى المجلات وأخذت تقلّب صفحاتها بلا اهتمام، وكأن وجوده لا يعنيها. ظل مكي ينظر إليها، يفكر كيف يبدأ؟ كيف يجعلها تستمع إليه؟ كيف يقنعها بأن الماضي لم يكن وهماً؟ تحمحم قليلًا، ثم جلس على المقعد المقابل لها، يحاول لفت انتباهها.


مكي بنبرة هادئة: عاملة إيه يا سلوى؟


رفعت سلوى عينيها نحوه ببرود، لم تمنحه سوى نظرة خاطفة قبل أن تعود لمجلتها: الحمد لله.


مكي بعقلانية وصوت ثابت: أتمنى تكوني هديتي عشان نقدر نتكلم بهدوء.


سلوى تعقد حاجبيها بتعجب، وكأنها لا تفهم ما يريده: نتكلم في إيه؟ إحنا مافيش بينا كلام، إنت الحارس الشخصي وصديق جوز أختي وبس.


وقفت لتغادر، لكنه نهض سريعًا ووقف أمامها ليمنعها من التحرك، نظرت له بغضب، لكنه لم يتراجع.


مكي بثبات: هتسمعيني.


سلوى بشدة وعصبية: مكي، متتجننش! أمي هنا، وإخواتي وبابا ممكن يجوا في أي لحظة! ولا أنت عايز تعملي مشكلة؟


مكي بنفي وهو ينظر إليها بصدق: أنا مستحيل أعملك أي مشكلة أو أكون السبب في مشكلة، أنا بخاف عليكي.


سلوى بحدة محاولة إنهاء الحديث: مادام بتخاف عليا، لو سمحت أوعى.


حاولت التحرك، لكنه وقف في طريقها مرة أخرى، مما زاد من غضبها. وضعت يديها على خصرها ونظرت له بغيظ، بينما هو يراقبها بنظرة ثابتة تحمل شيئًا من التحدي.


سلوى بغيظ: هو في إيه؟


مكي برجاء وهو يحاول تهدئتها: خمس دقايق بس، نتكلم شوية وخلاص.


سلوى بجمو: مكي، إحنا اتكلمنا في كل حاجة، وأنا فهمتك إني مش موافقة، إنت طلبت وأنا رفضت، انتهينا.


مكي وهو ينظر داخل عينيها مباشرة: بس إنتِ رفضك مش عشاني، عشان زعلانة مني.


سلوى وهي تزفر بضيق: ده إللي انت بتحاول تقنع نفسك بيه.


مكي بهدوء وثقة: لا، مش ده اللي أنا بحاول أقنع نفسي بيه، أنا متأكد.


سلوى باستخفاف وهي ترفع حاجبها: جبت منين بقى التأكيد ده؟


مكي وهو يقترب قليلاً بصوته العميق: من عينيك.


شعرت سلوى برعشة خفيفة تسري في قلبها، لكنها لم تسمح لنفسها بالضعف، فردت باستخفاف زائف: وعيني بتقول لك إيه بقى؟


مكي بنبرة تحمل الحنين: بتقول اللي لسانك رافض يعترف بيه، وكبريائك منعك عنه...

اضاف مكي وهو يمرر يده في شعره بتوتر بضيق: هو أنا غلطت في إيه؟ فهميني! غلطت إني كنت عايز أحافظ عليكي؟ غلطت إني كنت خايف عليكي؟ غلطت لأني كنت عايزك تشوفي الدنيا وتختاري بعقلك مش بس بمشاعرك؟


رفعت سلوى وجهها له، ردت بصوت ثابت، لكنها كانت تكذب على نفسها أكثر مما تكذب عليه.


سلوى بجمود: إنت قلت الكلام ده قبل كده، وأنا قلت لك لا، المشاعر اللي كانت جوايا زمان دي.. كانت مجرد مشاعر مراهقة، بنت عمرها ماعرفت يعني إيه حب، ولا يعني إيه حد يهتم بيها، ولا يعني إيه حد يجيب لها هدية أو يقول لها كلمة حلوة، كل الحاجات دي.. إنت كنت أول واحد ادتهاني.


كان مكي يستمع لها بصمت، عيناه لم تفارق وجهها للحظة، لم تستطع منع صوتها من أن يهتز قليلًا وهي تضيف بوجع مكبوت اكملت:

فانا للأسف بكل سذاجة وعبط، سرحت بخيالي وعشت لوحدي مشاعر وأحاسيس مراهقة، أصل أنا كان نفسي أعيش قصة زي ماسة، وأحس إني كمان بتحب، برغم إنك عمرك مانطقت بيها بس معرفش ليه حاستها لدرجة إني صدقتها وعشت احلام كدابة لحد، لحدااا


بدأ يهتز صوتها و ترقرقت عينيها بالدموع تحاول مسك نفسها أضافت: 

ماصحيت وفوقت على سراب، طلعت موهومة، طلعت فاكرة حاجة والحقيقة حاجة تانية خالص، فات سنين، سنين كتير حاجات كتير اتغيرت فيها، أنا نفسي أتغيرت، والمشاعر اتحولت واتبدلت ونضجت، زي ما أنت كنت عايز وفهمت إن انا وإنت ماننفعش لبعض.


كان مكي يستمع لها، وعيناه تراقب كل حركة في وجهها، كل رعشة في صوتها، كل ارتجافة في أنفاسها، تأثر بكلامها قال بعقلانية 


مكي: وعرفتي منين بقى إن احنا ماننفعش وأنتي أصلاً لسه ماتعرفنيش يا سلوى؟ انتي ما تعرفيش مين هو مكي، مكي إللي عرفتيه زمان ده 1٪ من حقيقته.


سلوى بصوت حاسم: وأنا مش عايزة أعرفك، كفاية اللي عرفته.


تنهد مكي ومسح وجهه بتفكير اعطاه ظهره لوهله ثم نظر لها فهو يحاول ان يعيدها في اي طريقه قال:

طب بصي.. اعتبريني واحد متقدملك صالوناتي، تعالي نتخطب ونتعرف على بعض أكتر، يمكن ننفع لبعض، ويمكن تحققي حلمك وتعيشي قصة حب زي ماسة.


سلوى ضحكت بسخرية، وكأنها لم تصدق ما قاله: إنت عايز تفهمني إنك بتحبني؟


مكي بصوت هادئ لكن صادق: عشان يعني ماعشناش مع بعض حاجات كتير مش مصدقة؟ هو انتي فاكرة إن الحب بالذكريات الكتيرة والمواقف الكثيرة؟ خالص، ممكن نعيش سوا موقف واحد وذكرى واحدة ممكن تتحفر في قلبك لسنين، الكام موقف اللي عشناهم سوا والكام ذكرى، هما دول اللي فضلت عايش بيهم وواعد نفسي بيهم، إني هاعيش معاكي ذكريات ومواقف أكتر، سلوى بلاش عند أنا متمسك بيكي وبحبك، عشان خاطري أنسي إللي فات وخلينا نبدأ من جديد ماتحاسبنيش على موقف واحد وتحكمي عليا.


سلوى بضيق وهي تحاول ان لا تضعف: الجواز مفهوش خاطر، وكفاية بقى أنا محكمتش عليك من موقف بس خلاص


مكي هز رأسه بإيجاب، اقترب أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما شبه معدومة، نظر داخل عينيها مباشرة وقال بصوت منخفض لكنه يحمل يقينًا شديدًا: تمام، براحتك.. بس إنتي ليا.


نظرت له سلوى وهي تعقد حاجبيها، أكمل بحسم وهو يهمس قرب أذنها: خلي الجملة دي دايمًا قصاد عينِك وجوا ودانِك.. عشان هتتحقق. مش لازم دلوقتي، بس إنتي ليا.. مش لحد تاني.


سلوى عضت شفتها بغضب، شعرت أن قلبها يخونها، نبضاتها تتسارع رغمًا عنها، لكنها قاومت وقالت بصوت جاف وحازم: مش هيتحقق.


ابتسم مكي بثقة وهو يهمس: وحياتك عندي.. هيتحقق.


نظر لها نظرة طويلة، وكأنه يضع بصمته الأخيرة في عقلها، ثم ابتعد عنها قليلًا وقال بصوت هادئ:

تقدري تحركي، دلوقتي براحِتِك..


توقفت سلوى في مكانها، وكأنها تأبى أن تفعل ما يطلبه، عقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدٍ وقالت بعناد: مش همشي.. بمزاجي، هو بمزاجك؟ أنا هقف بقى.


نظر لها مكي، وارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة، بها الكثير من الإعجاب بولدنتها، ثم تمتم بصوت ملئ الاشتياق: برضه عنيدة.. زي ما كنتِ زمان.

تبسمت إبتسامة صغيره وتحرك... نظرت سلوى لآثاره وجزت على اسنانها بضيق. 


على اتجاه آخر / غرفة سليم وماسة 


توقفت ماسة أمام سليم وساعدته في تبديل ملابسه 


ماسة باهتمام تساءلت: قولي بقى، يومك كان حلو.


سليم: يعني شوية وحصل كم حاجه كده.


ماسة وهي تقوم بتلبيسه التيشرت:خير.


سليم: الباشا والهانم أعطوني حق الإدارة لنسبتهم في المجموعة.


ماسة: طب دي حاجة حلوة والا حاجة وحشة؟


سليم رفع كتفه: هي لا حلوة ولا وحشة بس توقيتها غريب؟


ماسةمتعجبة: ايه الغريب فيه؟ بقول لك ايه تعالى نتكلم على السرير أحسن عشان ترتاح.


هز سليم رأسه بايجاب توجها حتى الفراش تمددت ماسة وتمدد سليم بجانبها ووضع رأسه على صدرها وأحاطت يديها على ظهره وشعره وأخذت تمسح عليه.


تساءلت ماسة باهتمام وهي تمرر يدها على شعره بنعومة، صوتها يحمل فضولًا حقيقيًا: قولي بقى، توقيتها غريب إزاي؟


سليم، وهو يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يوضح: يعني إشمعنا دلوقتي؟ ليه مش قبل كده؟ بالأخص إنهم عارفين إني كاتبلك حق إدارة نسبتي في غيابي، غير طبعًا النسبة اللي كتبتها لك إنتِ وحور، واللي بعد موتها بقت بتاعتك بالكامل.


ماسة، وهي تحاول إيجاد تفسير منطقي: يمكن علشان خاطر اللي حصل لنا؟


سليم، بابتسامة ساخرة وهو يهز رأسه: نوع من التعويض والشفقة يعني؟


نظرت له ماسة للحظات بعينيها بصمت، ثم مدت شفتيها بعدم معرفة وهي تفكر بصوت عالٍ: معتقدش... بص، إنت كده كده كنت بتعمل كل حاجة، وهما بيمضوا بس. وحتى لو في مشروع أو صفقة هما عايزينها وإنت مش عايزها، كلامك هو اللي بيتنفذ في الآخر، كلمتك هي الأولى والأخيرة. أنا لما دخلت المجموعة في فترة غيابك، فهمت إنك إنت اللي مسكها والكل في الكل، وإن عزت باشا موجود بشكل شرفي بس... يعني يا روحي، إنت رئيس مجلس الإدارة الحقيقي، وكلهم تماثيل.


سليم، بابتسامة خفيفة: ده حقيقي.


تبسمت ماسة وهي تلمس كفه بحنان: طب خلاص بقى، الموضوع مش مستاهل كل التفكير ده، المهم إخواتك ما يضايقوش.


سليم، بضحكة قصيرة تخفي وراءها الكثير: إخواتي أكيد متضايقين، هم أصلًا طول عمرهم متضايقين لأن الباشا مميزني، بس بصراحة، هم اللي عملوا كده في نفسهم، هما اللي فشلة. بس مش فارق معايا، أنا مش هخلي الموضوع ده يشغل دماغي، عملوه شفقة، تعويض لاني أنا اللي استحق.. مش فارق، أنا اللي شاغل دماغي دلوقتي حاجة واحدة بس، هدف واحد إني أوصل للي عمل كده وأدفعه الثمن.


مسحت ماسة على ظهره بحنان، صوتها ناعم لكنه يحمل رجاءً: سليم، حبيبي، وحياتي كلها، أنا مش عايزاك تركز غير في إنك تبقى كويس، هو ده اللي عايزاه يبقى هدفك.


سليم: إنتِ عندك حق... ماينفعش أدور عليه وأنا كده، بعكاز وباخد مسكنات، لازم أدور وأنا قوي. لازم أركز أكتر في العلاج الطبيعي... لازم يا ماسة.


ماسة، بابتسامة مشجعة: إن شاء الله ياحبيبي.


تذكر سليم فجأة شيئًا، فالتفت إليها: على فكرة، سألت على الولد اللي هيخطب أختك، طلع كويس وأهله ناس محترمين.


ماسة: طب الحمد لله، الخميس الجاي هيتقدم لها رسمي.


سليم، وهو يرفع حاجبيه: أختك طلعت صعبة أوي، ياريت تعقليها شوية.


نظرت له ماسة باستغراب، ثم ضحكت بخفة: أعقل أختي شوية!! مش فاهمة، إنت تقصد إيه؟


سليم: يعني مش عشان مكي صاحبي، بس هو بجد إنسان كويس، وأحسن مني في حاجات كتير.


نظرت له ماسة باندهاش، ابتعدت قليلًا وهي تدقق النظر فيه: لحظة... هو إنت عارف؟!


سليم، بضحكة جانبية واثقة: أيوه طبعًا عارف، ومن زمان.


ماسة، وهي تميل برأسها قليلاً بذهول: ده إنت طلعت مش بسيط وخبيث والله! هو اللي حكالك ولا إنت عرفت لوحدك؟


سليم: هو حكالي من زمان.


ماسة، وهي تزفر بحيرة: أنا مش عارفة أتكلم معاها، مش عارفة أقنعها... زعلانة منه أوي، هي حاسة إنه جرحها، أصل سوسكا حساسة، حاولت أفهمها إن تفكيره كان منطقي وإنها اللي مكبرة الموضوع، بس للأسف، مفيش فايدة.


سليم بتعجب: إنتِ شايفة إن مكي كان صح في قراره؟


ماسة بعقلانية، نبرتها واثقة: آه طبعًا، معاه جدًا كمان، حبها من غير أنانية يا سليم. فضّل إنها تكبر وتبقى ناضجة، وأكيد ما كانش قصده السن بس، هو كان عايزها تنضج فكريًا وثقافيًا، عشان تبقى فاهمة مشاعرها وهي بتختار، مش تختاره بس عشان قالها كلمة حلوة، وجاب لها عروسة، وضحك في وشها... الجواز غير كده! مش عشان الحمد لله إحنا نجحنا يبقى هي كمان هتنجح، خصوصًا سلوى مش زيي، سلوى ما تتحملش وعصبيه.. أنا اتحملت زمان معاك ضرب، عصبية، خوف... وأكيد هو كمان مش زيك.


سليم تنهد بتوضيح: مكي مختلف عني، أعقل مني بكتير، بيعرف يسيطر على انفعالاته... هي لو كانت مع مكي، كانت هتبقى مبسوطة، لأنها ما كانتش هتواجه اللي إنتِ واجهتيه معايا. أنا بس كان نفسي يقول لها، يعرفها إن فيه مشاعر، ما يسيبهاش تفكر إنه كان بيتسلى بيها أو يحسسها إنها كانت لعبة في إيده... ده إحساس صعب، لكن طبعًا إنه يتجوزها وهي عندها 15سنة؟! تؤ، مكنتش هبقى معاه، وكنت هرفض.


ماسة، وهي تضيق عينيها باستغراب: أفهم من كده إنه لو رجع بيك الزمن مش هتعملها معايا وتستنى لحد ما أكبر؟


سليم، بابتسامة جانبية: لا طبعًا، هعملها... بس بطريقة تانية.


ماسة، بضحكة ساخرة وهي تهز رأسها: ولا تانية ولا تالتة، كنا هنتجوز غصب، أصلًا ماكنتش هتقدر تقاومني! 


نظرت له بحب، اقتربت منه ولمست وجنته برقة قبل أن تكمل بابتسامة دافئة: عارف؟ أنا عمري ماحسيت إنك سرقت طفولتي، أو إني ماعشتش شبابي ومراهقتي... بالعكس، أنا عشت معاك كل حاجة حلوة. ربنا يخليك ليا يا قلبي.


وضعت قبلة على خده، ثم ضمّته بحنان، قبل أن تضيف بابتسامة مشاغبة وهي تنهض: ماما عملتلك شوية أكل جامدين، هروح أصحيها عشان نتغدى.


سليم وهو يراقبها بحب: ماشي، أنا هاخد الدوا وأعمل التمارين اللي الدكتور قال عليها."


ماسة بابتسامة واسعة: ماشي.


توجهت للخارج، ثم حدفت له قبلة في الهواء قبل أن تختفي من أمامه، تاركة وراءها ابتسامة صغيرة على وجهه.

🌹ــــــــــــــــــــــ بقلمي_ليلةعادل ⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩

قصر الراوي – الرابعة عصراً

غرفة هبة وياسين.


نشاهد هبة تجلس على المقعد الهزاز، تقرأ في أحد الكتب بتركيز أمام النافذة المطلة على الحديقة. بطنها كان عاليًا، مما يوضح مدى تقدم حملها. بعد دقائق، دخل ياسين الغرفة وهو يحمل باقة من الورود، عطرها يملأ الأجواء.


ياسين بابتسامة دافئة: حبي


التفتت برأسها له بابتسامة جميلة: حياتي


اقترب منها وأحاط ذراعيه حول ظهرها من الخلف، وضع قبلة دافئة على أعلى رأسها، ثم تقدم أمامها، جلس جلسة القرفصاء وهو يضع يده على بطنها بحنان.


ياسين باهتمام، وهو يربت على بطنها: حبايب قلبي عاملين إيه؟


هبة بابتسامة مطمئنة: الحمد لله، إنت عامل إيه؟.


ياسين: تمام.


أمعنت هبة النظر له، لاحظت بريق الفرح في عينيه: وشك منور النهارده؟


ياسين وهو يزفر بسعادة: مبسوط، سليم رجع أخيرًا.


هبة بسعادة: بجد؟ عامل إيه؟


ياسين: أحسن من الأول.


هبة بحماس: خلينا نروحه له، حابة أطمن عليه وأطمن على ماسة، وحشوني أوي.


ياسين: ممكن نروح كمان يومين، هو سمح إننا نزوره.


هبة بتنهيدة خفيفة: لازم سليم يروح لثربيست.


ياسين: هكلمه بس شوية، الهانم والباشا نقلوا إدارة الأسهم له.


هبة بتردد: أنا حاسة إن إخواتك ليهم يد في اللي حصل، عشان كده مامتك عملت كده كنوع من العقاب، وممكن تاخد كل الأسهم منهم.


ياسين برفض قاطع: لا ياشيخة، مستحيل، إخواتي طماعين بس مش هيوصلوا للقتل، بطلي وسوسة.


هبة وهي تمد وجهها بعدم معرفة بقلق: يمكن، بس قلبي مش مطمن.


ياسين بحزم: بصي، أنا مش هينفع أقول لسليم ممكن احاول ادور وراه.


وضعت هبة يدها على وجهه بحب: خد بالك من نفسك يا ياسين، إخواتك لو طلعوا السبب في اللي حصل لسليم وماسة، إنت كمان هيبقى عليك الدور، أوعى تنسى سليم كان عايز يمشي بعد ما يحضّرك عشان تاخد مكانه.


ياسين بشراسه: لو هما اللي وراها، هقتلهم قبل ما يقتلوني. بقولك إيه، ما تيجي نرجع فيلاتنا؟


هبة بتردد: بس لو ماسة هترجع، بلاش، خليني معاها، حرام، محدش بيتعامل معاها غيري هنا.


ياسين: تمام، هشوف سليم، بس أوعي كلامك ده تقوليه لحد.


هبةبثقة: هو أنا هبلة؟ ماتقلقش، المهم خد بالك من نفسك.


فيلا سليم وماسة، السادسة مساءً

ـ السفرة

كان جميع أفراد عائلة ماسة يجلسون حول الطاولة، التي امتلأت بأصناف الطعام الشهية، من محاشي متنوعة، وملوخية، وحمام، وبط، ورقاق. أجواء عائلية دافئة تخيم على المكان، ووسط الضحكات الخفيفة، اقترب سليم. ما إن رأوه حتى توقف الجميع لاستقباله، لكنه أوقفهم بإشارة من يده.


سليم وهو يشير بيده بتهذيب: بس بس، بتعملوا إيه؟ خليكم زي ما أنتم، مساء الخير.


الجميع بصوت واحد: مساء النور.


مجاهد بحنان: عامل إيه يا بني دلوقتي؟


سليم وهو يجلس: الحمد لله يا عمي، وانت؟


مجاهد بابتسامة هادئة: نحمده.


سعدية بمودة: إن شاء الله هتبقى أحسن وأحسن مع العلاج.


سليم بثقة: إن شاء الله.


عمار بود: أخبارك إيه ياسليم؟ آسف لو مازرتكش، بس إنت كنت مانع الزيارة.


سليم: والله، للكل، حتى إخواتي.


يوسف بحماس: المهم، إنت دلوقت كويس؟


سليم مبتسماً: كويس يا يوسف، ما شاء الله كبرت، ولا أنا اللي نسيت؟


ماسة بمزاح وهي تضرب يوسف على كتفه: لا، طول، ما شاء الله، بقى أطول مني.


سليم: إنت كام دلوقت؟


يوسف بفخر:18سنة.


سليم: بقيت راجل أهو، اتجدعن في المدرسة، إنت كدة في سنة كام؟


يوسف: تانية ثانوي، أنا أخدت ثانوي عادي مش مجمعة.


سليم: ربنا معاك. وإنت يا عمار، أنا فاكر كنت في ثانوي قبل الحادثة، وسلوى وماسة المفروض يكونوا في الجامعة سابقينك بسنة.


عمار: همتحن، لسه فاضل شهرين.


سليم: ربنا معاك، وانتي يا سوسكا، عاملة إيه؟ دخلتي حقوق؟


سلوى: لا، هستنى ماسة، نقدم السنة الجاية مع عمار، بس أنا هدخل حقوق.


سليم: أن شاءالله 


سعدية بلهفة: بطلوا رغي، كل يا سليم، أنا عملت لك كل الأكل اللي بتحبه، المحشي، الرقاق، المعمر، البط، وأم علي كمان، بس خلّص الغدا الأول.


سليم ممتناً: تسلم إيدك. أنتم هتباتوا معانا كام يوم؟ أنتم واحشيني.


مجاهد بلطف: مش عايزين نتقل عليكم.


سليم بإصرار: تقل إيه بس؟ مش أنا زي ابنكم؟


سعدية بعاطفة: طبعاً، ربنا يعلم.


سليم بحماس: خلاص، هتقعدوا يومين.


مجاهد بابتسامة: ماشي، إن شاء الله.


بدأوا في تناول الطعام وسط أجواء عائلية دافئة، وكان سليم شديد اللطف معهم، وكأنه يعوّض حرمانه من هذا الجو العائلي الذي افتقده كثيرًا. كان واثقًا من محبتهم الصادقة له، مما جعله يشعر بالراحة والسكينة.


بعد العشاء، أمضوا وقتًا ممتعًا في مشاهدة التلفاز، وتناول الحلوى، وتبادل الأحاديث، وسط ضحكات ودفء عائلي افتقده الجميع.


غرفة نوم سليم وماسة


نشاهد ماسة وهي تحضر الفراش للنوم وبعد دقائق خرج سليم من المرحاض، نظرت له ماسة بابتسامة عريضة بحب، تبادل معها الابتسامة، وضع العكاز بجانب الكومودينه وجلس نصف جلسة، فرد ذراعه، تقدمت ماسة بابتسامة وجلست بجانبه وهو يحاوط ظهرها بذراعه.


ماسة تسألت: بقولك إيه، إنت الصبح رفضت تتناقش معايا في موضوع عدم خروجي، أنا مش بأنسى... يلا فهمني.


سليم رفع عينه نحوها: عايزة تفهمي إيه؟


عدلت جلستها في زاويته ونظرت له بتركيز: أفهم لحد إمتى ممنوع أخرج؟ وعدم خروجي كدة مقتصر على إيه بالظبط؟


سليم بنبرة واضحة: مقتصر على كل حاجة، مافيش خروج من الفيلا.


ماسة بحدة: لحد إمتى؟


مد سليم وجهه بعدم معرفة وقال بجدية: معرفش.


نظرت له ماسة بضيق وقالت بحدة مكبوتة: يعني ايه متعرفش؟! امال مين يعرف؟! ماهو بردو دي مش حياة ولا أسلوب، أنا مش هتحبس.


سليم محاولاً تهدئتها: لفترة مؤقتة يا ماسة، من فضلك اسمعي الكلام، لأني مش هرجع في قراري. لكن لو كلامك كنوع من الفضفضة وتعبير عن رأيك ورفضك، فأنا معاكي.


ماسة حاولت السيطرة على مشاعرها وسألته بهدوء حذر: الوضع المؤقت ده مثلاً هيبقى شهور؟


سليم مد وجهه بعدم معرفة: معرفش، بس إن شاءالله مش هنطول.


نظرت له ماسة بصمت، شعرت أنها لن تحصل على إجابة واضحة مهما حاولت، فتراجعت قليلًا عن الضغط عليه. كانت تعرف أن سليم عنيد، وأنه حينما يتخذ قرارًا يصعب تغييره، خاصة عندما يتعلق بحمايتها كما يراها هو.


هزت رأسها بإيجاب بابتسامة صغيرة تخفي خلفها استسلامًا مؤقتًا: طيب خلينا ننام، بكرة عندك جلسة، هتروح المجموعة؟


سليم وهو يحاول قراءة ملامحها: آه، بس مش هتأخر، هاجي في معاد الجلسة.


ماسة بفتور: تمام.


ثم استندت برأسها على كتفه وأغلقت عينيها، بينما سليم ظل يتأملها للحظات قبل أن يسحبها برفق بين ذراعيه، وكأن ذلك العناق هو وسيلته الوحيدة لطمأنتها دون كلمات.


خلال يومين


نشاهد سليم يذهب إلى المجموعة ليس فقط من أجل العمل، بل لكي يبحث عن من قام بتنفيذ الحادثة، يحاول أن يصل لأي خيط حتى لو كان صغيرًا، ربما يكون سببًا في كشف الجاني. كان يدقق في كل شيء، يراجع التقارير، يراقب تحركات من حوله، ويحاول الإمساك بأي تفصيلة قد تساعده في كشف الحقيقة.


في الوقت نفسه، جلست عائلة ماسة معهم في الفيلا، كانت الأجواء بينهم جميلة ودافئة، تعالت الضحكات، واختلطت الأحاديث بالمودة، وكأنهم يحاولون تعويض ماسة عن كل ما مرت به، بينما هي كانت تستمتع باللحظات العائلية، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها على سليم.


أما ياسين، فكان بدوره يبحث في الخفاء، يحاول الربط بين الأمور، لكنه لم يخبر سليم بعد بشكوكه نحو أشقائه، فضل أن يجمع الأدلة أولًا قبل أن يواجه أحدًا، فالأمر ليس بسيطًا، ويحتاج إلى يقين قبل اتخاذ أي خطوة.

💕_____________________ بقلمي_ليلةعادل 

مجموعة الراوي 

مكتب سليم التانية عشر ظهراً 

يجلس سليم خلف مكتبه وكان امامه ملف قضيته وورق وقلم يقرأ بعناية شديدة، ويكتب بعض الملاحظات في الورقة، ثم أخذ يشاهد فيديو كاميرات المراقبة أكثر من مرة بتركيز، كان يبدو على ملامحه أنه لم يصل لأي شيء، جز على أسنانه كاد أن يفتك بها دفع كل المتعلقات التي على المكتب بغل وهو يصيح برفض بعين حمرا من شدة الغضب. 


((بعد كام يوم))


فيلا سليم وماسة


ـ غرفة سليم وماسة السابعة مساءً


سليم مستلقٍ على ظهره على الفراش، يشاهد التلفاز بتركيز، وبعد قليل اقتربت منه ماسة وهي تحمل بين يديها فستانًا وطقمًا فورمال أنيقًا.


ماسة بابتسامة وهي تعرض عليه الملابس: كرملتي...


نظر لها سليم بعينيه بتركيز، فأكملت ماسة وهي تريه الملابس: ألبس ده ولا ده؟ أنا حابة ألبس الفورمال، بيحسسني إني مدام وكبيرة، لكن الفساتين كأنّي لسه ١٨سنة، عارف؟ بيفتكروني آنسة صغيرة، لما بدخل السوبر ماركت أو أي مكان...(ضحكت) أنا بقولهم أنا مدام على فكرة.


سليم مستغربًا: أول مرة أشوف واحدة بتضايق عشان بيقولها آنسة.


ماسة وهي تضحك: يمكن عشان لسه صغيرة، لما أكبر هبقى زيهم وأتضايق. (ضحكت مجددًا) المهم، ألبس أنهي؟


سليم مستفسرًا: ما أنا برضه مش فاهم، هتلبسيهم ليه وفين؟


ماسة وهي تجلس أمامه مباشرة: إيه يا كرميلا، إنت نسيت إن بكرة صالح العريس جاي يتقدم لسوسكا؟


سليم بهدوء: لا، مش ناسي.


ماسة بحماس: طيب، فأنا بكرة هروح بقى.


سليم بلطف: ماسة، إحنا مش متفقين؟ مافيش مرواح الفترة دي عند ماما.


نظرت له ماسة باستغراب: أنا افتكرت إن يعني في استثناء.


سليم بحزم: لا، مافيش استثناء.


ماسة بإصرار: بس دي حاجة مهمة يا سليم، دي أختي الوحيدة، إزاي مكنش معاها في يوم زي ده؟


سليم بهدوء: عادي يا ماسة، كأنك مسافرة، هوديكي يوم الخطوبة.


ماسة بتحايل: ما أنت هتبقى معايا، وهات كل الحراس بتوعك، مادام موافق على يوم الخطوبة، خلاص بقى ودّيني بكرة.


سليم بجدية: مش هينفع ياماسة.


ماسة بضيق: ياسليم.


تنهد سليم واعتدل في جلسته وأمسك يدها بعقلانية: ماسة، هو لما كان بيجي عرسان لسلوى، مش كنت بودّيكي؟ عمري قلت لك لا؟


هزت ماسة رأسها بلا، فأكمل سليم: طب أنا عمري رفضت أودّيكي عند والدتك في يوم؟


هزت ماسة رأسها بلا: لا.


سليم: مش كنت دايمًا بودّيكي عند والدتك وقت ماتقولي لي عايزة أروح، أو عايزة أخرج مع سلوى، مش كنت بوافق؟


ماسة بتأكيد: آه، عمرك مارفضت.


سليم بهدوء: الحاجة الوحيدة اللي كنت برفضها إنك تباتي بعيد عني، وده علشان حاجة واحدة.


ماسة بابتسامة خفيفة: علشان مابتقدرش تنام بعيد عني.


سليم بإيماءة: طب ياماسة، يبقى أكيد يعني رفضي الفترة دي لازم تقدّريه، وتفهمي إني خايف عليكي.


ماسة بتنهيدة: بس سلوى هتزعل.


سليم بعقلانية: لا، مش هتزعل، لو فهمتيها مش هتزعل. أنا ممكن أكلمها. (صمت للحظة ثم قال) طب، أنا هقول لك على حاجة أحلى، إيه رأيك نخليهم هم يجوا هنا ويتقدم لها العريس هنا؟ مش ده بيت أخوها وأختها؟


ماسة برفض قاطع: لا يا سليم، ماينفعش، لازم العريس يجي لها بيتها عشان يعرف إن هي ليها بيت، ده بيعمل كرامة للبنت وعزة...آه طبعًا بيت أختها زي بيتها، وإنت أخوها، وأنا عارفة إنك بتحبهم كلهم زي إخواتك، بس بيت البنت حاجة تانية، بيكبرها في عين جوزها.


سليم تنهد: فاهم ده، بس أنا كنت بحاول أشوف لك حل.


ماسة وهي تمدت شفتيها: أنا عارفة.


اقتربت منه ووضعت رأسها على صدره، فأحاطها سليم بذراعيه، شبك كفيه في بعضهما، ثم وضع قبلة حنونة على رأسها.


ماسة بتذمر مدلل: مفيش أمل يعني؟


سليم هز رأسه بلا: لا، مفيش.


ماسة بحسرة: كان نفسي أشوف شكله.


سليم بدهشة: لسه ماشُفتيهوش لحد اللحظة دي؟


ماسة بحزن: أشوفه فين؟ هي تعرفت عليه في كورس الفرنش.


سليم: هخليهم بكرة يصورهولك... أنا كنت فاكرِك  هتقدري تعقلي أختك العنيدة دي.


ماسة تسألت: قصدك عشان موضوع مكي؟


هز سليم رأسه بإيجاب أكملت إجابته بنبرة متأثر بتفسير:

صدقني أنا كمان كنت عايزاها ليه، بس هي اللي فظيعة، والموضوع مأثر فيها، مكنتش عارفة إنها مجروحة أوي كده، ما توقعتش إن سلوى لسه متأثرة... لإننا ما اتكلمناش في الموضوع تاني خالص، أنا ماحاولتش أسألها، مش تقصير مني، بس فعلاً افتكرت إن الموضوع بالنسبالها عادي، بس طلع لا.


سليم: وأنا كمان زيّك، كنت فاكر إن مكي نسي، لكن طلع لا... لو ليهم نصيب في بعض، هياخدوا بعض.


ماسة بتردد: قالت لي إنه قال لها إنتِ بتاعتي، حتى لو هتتخطبي دلوقت، المهم في الآخر هتبقي لمين.


سليم بثقة: لأنه واثق إنها بتحبه، بس بتعانده... أنا كمان بقيت زيه، متأكد. طريقه إللي أنا شفتها بتأكد ده.


تنهدت ماسة وهي تبتعد عنه قليلًا: طب أنا هروح أتصل بيها وأقول لها.


سليم: اعملي حسابك، إحنا من بعد الخطوبه هنروح القصر.


نظرت له ماسة باستغراب: اشمعنا؟


سليم بجدية: كده أحسن... الفترة الجاية هكون مشغول على طول في المجموعة، وكده هكون مطمن عليكي أكتر في القصر. يعني هناك هتبقي وسط العيلة، والتأمين هناك أقوى، وأنا أصلاً هزود التأمين.


ماسة وهي تمسح على خده بحنان: سليم، مافيش حاجة، اطّمن... الوساوس اللي في دماغك دي، بطلها.


سليم بحزم: لحد ما أوصل للي عمل فينا كده، هتفضل الوساوس دي في دماغي يا ماسة، لحد ما أطمن عليكي.


تنهدت ماسة، فهي لا تعرف ماذا تقول، ثم وضعت قبلة على خده: طيب، أعمل اللي إنت شايفه صح... أنا هروح أكلم سلوى.


نهضت وأمسكت هاتفها، وقامت بعمل مكالمة الو يا سوسكا...

((بعد كام يوم)


قصر الراوي 

الصالون  السادسة مساءً 

تجلس فايزة بكبريائها المعتاد، تحمل فنجان قهوتها بأناقة، بينما يجلس أمامها رشدي، صافيناز، كل منهم غارق في أفكاره.


فايزة بهدوء وهي تحتسي قهوتها وهي تمرر عينيها عليهم: غريبة يعني… ما حدش فيكم معترض على اللي حصل؟ فات اسبوع وما سمعتش نواح وزعيق واعتراضات وليه مش غريبه.


صافيناز بابتسامة ساخرة: هنعترض ليه يعني؟ ما أنتم كده كده مختارينه… مافرقتش بقى لما ياخدها رسمي.


رشدي يهز كتفيه بلا مبالاة: تفتكري حتى لو اعترضنا، هيحصل حاجة؟


فايزة بهدوء مخيف ممزوج بتهديد: عموماً، أنا مش هقول لكم تاني إن عيني عليكم… الغلطة الواحدة تمنها غالي. مش هقول لكم رقبتكم… بس أنا عندي أغلى منها. هعرف إزاي أحسركم.


رشدي ينظر لها بضيق: هو إنتِ كل شوية تهددينا ليه؟


فايزة تبتسم بهدوء قاتل: لا… ده مش تهديد. أنا بس بقول لك المعلومة اللي هتتم لو شكيت مجرد شك.


يخيم الصمت لثوانٍ، نظراتهم تتبادل الشك، بينما تحتسي فايزة آخر رشفة من قهوتها وكأنها أكدت للتو حكمًا لا رجعة فيه.


فيلا سليم وماسة – السادسة مساءً


نشاهد ماسة تتوقف أمام الفراش، تضع حقيبة سفر صغيرة، وتبدأ في ترتيب الملابس داخلها. بعد قليل، يدخل سليم إلى الغرفة وهو يتحدث.


سليم بتلقائية: عشقي، فينك؟


استدارت ماسة برأسها إليه، بابتسامة مشرقة ترتسم على وجنتيها: حياتي، تعال.


دقق سليم النظر في الحقيبة، ثم عقد حاجبيه متسائلًا: إيه؟ إنتي ناوية تسيبي البيت وتمشي؟


ماسة بمزاح: اممم، هسيبك وأطفش، ههه.


جلس سليم على الفراش بجوار الحقيبة، ورفع عينيه نحوها: بتعملي إيه؟


ماسة وهى تظبط الشطنه: بحضر الشنطة… بقولك إيه، هاخد لك بدلتين والباقي كاجوال، ولا كله بدل؟ هو أسبوع يعني.


عقد سليم حاجبيه بعدم فهم: مش فاهم.


ماسة: إنت نسيت خطوبة سلوى الجمعة الجاية، وقراءة فاتحتها الأحد، وهنجيب الشبكة يوم التلات؟


سليم: لا، مانسيتش، بس برضو مش فاهم إيه دخل ده في توضيب الشنطة.


جلست ماسة بجانبه، وقالت بتوضيح: عشان هنروح نِبات هناك الأسبوع كله.


مد سليم وجهه بتعجب: والله؟ ومين اللي قرر ده؟


ماسة: أنا، بعدين ده مش قرار، ده طبيعي.


سليم بحدة خفيفة: هو إيه الطبيعي؟ قررتي مع نفسك ونفذتي، وجاية تقوليلي؟


ماسة بهدوء: سليم، بعد إذنك، وطِّي صوتك واهدى، وخلينا نتكلم بالراحة.


سليم بحدة متوقفًا: إنتي هتعلميني أتكلم إزاي؟


رفعت ماسة رأسها له بتعجب: هو في إيه؟


سليم بغضب: في إن حضرتك فجأة قررتي إننا هنروح لأهلك ونِبات هناك، وأنا آخر من يعلم!


تنهدت ماسة لتبرر: أنا كنت فاكرة إنك فاهم، ومش محتاجة أقولك، يعني حاجة متوقعة جدًا.


سليم بضيق: حتى لو حاجة متوقعة، لازم تقوليلي، وتتكلمي معايا، وتاخدي إذني، وأنا أرفض أو أوافق.


تنهدت ماسة محاولة استيعابه: حاضر يا سليم، أنا آسفة.


سليم برفض قاطع: الموضوع ده مرفوض.


ماسة متعجبة: إيه اللي مرفوض!

تنهدت، نظرت له بضيق، توقفت ثم قالت بحدة: لا، اسمع… أنا المرة اللي فاتت سكت وعدّيتها، وقلت بلاش أعمل مشاكل، لكن المرة دي أقسم بالله مش هينفع.


سليم بحدة، رافعًا عينيه لها: هو إيه اللي مش هينفع! لا، هينفع… بعدين نروح نِبات ليه؟ ما تروحي يوم الخطوبة من الصبح وخلاص، وكفاية إني قبلت إنك تحضري في الظروف دي.


ماسة بسخرية: كمان؟ والله شكرًا!  (بقوه)سليم، سلوى دي أختي الوحيدة، لازم أكون معاها خطوة بخطوة.


سليم بجمود: ماسة، إنتي عارفة رأيي في الموضوع ده… بيات لا.


ماسة: ما أنت هتكون معايا.


سليم: وإنتي برضو عارفة إني مش برتاح غير في بيتي.


ماسة: المرة دي مختلفة… دي خطوبة أختي.


سليم ببرود: هي هي.


تنهدت ماسة بتعب، مسحت وجهها، وحاولت تجنب المشكلة: طيب خلاص، أنا هروح معاها من الصبح، وإنت راجع من الشغل خدني زي زمان… أظن كده مرضي.


سليم برفض: لا، مش مرضي! إنتي عايزاني أسيبك تلفّي في الشوارع وتروحي وتيجي عادي كده؟ لا، هي تروح مع مامتك أصحابكم، وكفاية أوي يوم الخطوبة… نقعد ساعتين، نعمل الواجب ونمشي.


اتسعت عينا ماسة بغضب: إيه هو اللي أروح ساعتين ونمشي! إنت سامع نفسك؟ إنت مش عايزني أحضر خطوبة أختي.


زفر سليم وأسند على العكاز بغضب: ماقولتش متروحيش! قولت روحي يومها، والحاجات التانية دي اعتذري عنها.


ماسة باستفزاز وضيق: إنت أصلًا إزاي تطلب مني كده؟ دي أختي الوحيدة، مالناش غير بعض! لازم أكون معاها، ولو حتى كنا عشرة، لازم أكون معاها في اليوم ده.


سليم بزهق: خلاص، خلاص… من غير زعيق، قولتلك هسمحلك تروحي من الصبح يومها.


ماسة بغضب وحسم: سليم، أنا هروح أبات عند ماما، وهخرج مع أختي، وهنلفّ على الفستان، وهاحضر كل لحظة معاها… كفاية ضيعت عليا فرحة لما اتقدّم لها! كفاية بقى.


توقف سليم بشدة قال: ماسة، ماتتكلميش معايا بالأسلوب ده… عندي استعداد ماودّكيش خالص! واطي صوتك.


ماسة بغضب: إيه الجبروت ده!


سليم بتعجب: هو إنتي إزاي مش خايفة كده؟ كأن اللي عمل فينا كده مسكناه، ودفّعناه التمن!


ماسة بضعف: أنا عشت أربع شهور ونص وإنت في الغيبوبة، وكنت بروح وآجي…، فلو كان عايز يعمل حاجة كان عملها من زمان.


سليم بهدوء: لا… أنا المقصود، مش إنتِ. لو جرالك حاجة وأنا في الغيبوبة، مش هيستمتع بإذلالي، لكن دلوقتي الوضع مختلف.


ماسة باستهجان: إيه التفكير ده!


سليم بضجر: هو كده… اسمعي الكلام بقى.


ماسة بعند وغضب: مش هسمع! أنا احترمت رغبتك المرة اللي فاتت، وسكت وعدّيتها، وقلت يا بت ماتعمليش مشكلة، الأيام جاية كتير… بس توصل بيك تمنعني أحضر مع أختي أسعد أيامها؟ لا!


سليم بشدة: هو إنتِ مابتفهميش؟ قولت هودّيك يوم الخطوبة من الصبح، أكتر من كده ممنوع، وكلمة كمان يا ماسة في الموضوع ده… مش هتروحي الخطوبة خالص!


ماسة بدموع وقهر: سليم، دي مش خروجة، ولا أصحابك اللي خايف عليّا منهم! دي أختي… فاهم يعني إيه أختي؟ إزاي عايزني أسيبها لوحدها؟ حرام عليك! إنت بتستغل الرخصة اللي ربنا اداها لك بالجبروت ده ليه؟ خليك عارف حاجة واحدة… أنا لو ماروحتش، هزعل منك أوي.


تحركت لتخرج من الغرفة، أوقفها سليم قائلًا بنبرة ضعف: بقولك خايف عليكي.


ماسة برفض: المرة دي لا ياسليم… لا.


تركته وخرجت من الغرفة، توجهت لغرفة تانية وأغلقت الباب خلفها. توقف سليم للحظة وهو يفكر كيف يقنعها دون أن تحدث بينهما مشكلة، ثم تنهد وتوجه خلفها.


في الغرفة التي بها ماسة في الطابق الثاني


توقف سليم أمام الباب، حاول فتحه لكنها أغلقته بالمفتاح من الداخل.


سليم وهو يحاول فتح المقبض: ماسة، افتحي.


أتاه صوت ماسة من الداخل، التي كانت تجلس على الفراش غاضبة.


ماسة بضجر: روح نام في أوضتك يا سليم، وكفاية خناق.


سليم بتعجب من طريقتها الجديدة تلك: أنام في أوضتي؟! إيه الأسلوب ده؟


ماسة بقوة: أنا هنام هنا النهارده… تصبح على خير.


سليم بأمر: افتحي الباب.


ماسة: لا.


سليم بغضب: بقولك افتحي الباب!


ماسة بعند: لا… هنام هنا.


سليم بغضب كبرياء: مش سليم اللي يتعمل معاه كده! لو مافتحتيش، هكسره.


ماسة بغضب: والله العظيم لو عملت كده، لأرمي نفسي من البلكونة… وجنان بجنان بقى!


جزّ سليم على أسنانه: إنتِ فاكرة هفضل أحايل فيكي؟ عنك مافتحتي!


ضرب على الباب بكفه، ثم توجه إلى جناحهما.


في جناح سليم وماسة 


فور دخوله، أغلق الباب بقوة شديدة، كان الغضب يخفي ملامح وجهه. جلس على الفراش وهو يجزّ على أسنانه بشدة، ثم أمسك الوسادة وألقاها أرضًا، وهو يقول بوعيد: طيب يا ماسة… طيب.


ضرب على الفراش بكفه بغضب، وعيناه تقدحان شرارًا.


على اتجاه اخر ظلت ماسة مستيقظة طوال الليل، عقلها لم يتوقف عن التفكير في التغيرات التي طرأت على سليم. رفضه أن تشارك شقيقتها أسعد لحظات حياتها كان أمرًا شاقًا على قلبها، يصعب عليها استيعابه أو تحمله. منذ زواجهما، لم تواجه منه هذا القدر من التشدد، أما الآن، فهي تشعر وكأنها سجينة داخل قصره، محاصرة بقراراته وخوفه عليها.


على الجانب الآخر، كان سليم يجلس على الفراش، غاضبًا بشدة مما فعلته. لأول مرة، منذ زواجهما، تنام في غرفة أخرى بعيدًا عنه. كان على يقين تام بأن ما يفعله صحيح، فهو يخشى أن تتعرض للأذى، لكنه يعلم جيدًا أن ماسة لا ترى الأمر من زاويته، كل ما تشعر به هو أنه يمنعها من مشاركة شقيقتها فرحتها.


مرت الساعات ببطء، كلاهما مستيقظ، يعاني من الوحدة والغربة رغم أنهما في نفس المكان، لا يفصل بينهما سوى خطوات قليلة. ومع ذلك، أصر كل منهما على التمسك بعناده، يحاول أن يتجاهل ضعفه، أن يقاوم رغبته في كسر هذا البعد القاسي.


((اليوم التالي))


غرفة سليم وماسة – الطابق الأول


نرى سليم يتوقف أمام التسريحة، يرتدي بدلته، ويرش عطره. بعد قليل، تدخل ماسة عليه.


ماسة بلطف: صباح الخير.


رفع سليم عينه لها في المرآة لثانية، ثم صرف نظره عنها، وأكمل مايقوم به دون رد.


نظرت ماسة له لوهلة، في إنتظار أن يرد عليها أو يتحدث معها، لكن دون جدوى. فهمت أنه منزعج جدًا بسبب فعلتها ليلة أمس.


تنهدت، وتقدمت خطوة، قائلة بارتباك: سليم...لكنه لم يُجب.


اقتربت أكثر، وضعت يدها على كتفه بضعف: سليم، مش هترد عليا؟


نظر سليم ليدها التي على كتفه، ثم رفع عينيه إليها، وقال بنبرة متجمدة كالثلج: نعم؟


ماسة بارتباك ممزوج بتوضيح: أنا عارفة إني امبارح زودتها في رد فعلي، بس لازم تبقى فاهم إنه غصب عني… أنت عارف سلوى بالنسبة لي إيه؟ وإنت مش عايزني أكون معاها، في أوقات لازم أكون جنبها فيها إحنا ملناش غير بعض! إنت لازم تكون فاهمني أكتر من أي حد، يمكن زودتها، بس كان لازم أعمل كده عشان مانتخنقش مع بعض لأني كنت متضايقة ومتعصبه منك أوي! أنا آسفة…


أمسكته من يده، ونظرت داخل عينيه بحب ورجاء:

ـ سليم، وحياتي عندك، سيبني أبقى مع سلوى.. بص، اعمل أي حاجة، تعالى معانا، جيب كل الحراس اللي عايزهم، بس بجد ماتعملش فيا كده بعدين، إنت هتفضل ساكت كتير؟


كان سليم يستمع لها وكأنه لم يسمع شيئًا، كان كالجليد، لم يحرك ساكنًا. يبدو أن فعلتها في الليلة الماضية جرحته كثيرًا...


ارتدى سليم جاكيت البدلة، وبدأ بالتحرك. كانت ماسة تراقب خطواته وهو يبتعد عنها باستغراب تام…


لأول مرة منذ زواجهما، يتجاهلها بهذا الجمود، بهذا البرود، بهذه القسوة...


توقفت ماسة مندهشة لوهلة، عيناها متسعتان بذهول، لكنها سرعان ما تقدمت خلفه، أمسكت ذراعه حتى توقفت أمامه، نظرت داخل عينيه بتعجب وضعف.


ماسة بنبرة مهزوزة: إنت ليه بتعمل معايا كده؟ مابتردش عليا وبتتجاهلني! أنا عملت إيه لكل ده؟


ملأت عيناها الدموع، أكملت بنبرة وجع:

كل ده عشان نمت امبارح بعيد عنك؟ أنا كمان اتوجعت زيك، اتوجعت اللي اتوجعته


سليم بجمود: كنتِ بتعاقبيني يعني؟


ماسة مسرعة بالنفي: لا! عقاب إيه؟ مش عقاب… اعتراض، نوع من الاعتراض على قرار إنت أخدته ومش عايز تتنازل عنه.


نظر لها سليم بنوع من العتاب ممزوج بعقلانية:

إحنا من أول جوازنا يا ماسة، من سبع سنين، عمرنا ما افترقنا عن بعض… عملتيها مرة، وقتها قولت لك بلاش تعملي كده تاني… اغضبي، عاقبيني بأي حاجة، بس خلافاتنا ماتوصلش لحد إنك تنامي برة أوضة النوم… تاني مرة، كنت غلطان غلط كبير وأستاهل تعملي فيا أي حاجة، وقتها أنا اللي حرمت نفسي من النوم في مكان إنتِ فيه… عاقبت نفسي... وبعدها تصالحنا وتعاهدنا إن ده مايحصلش تاني… ومن يومها، ماحصلتش…


اكمل بنبرة متأثرة بعتاب أحبه:

مافيش حاجة اسمها أنا وإنتي نكون في نفس المكان، وكل واحد ينام في مكان تاني، مافيش حاجة اسمها إحنا نكون زعلانين وثاني يوم ييجي وإحنا لسه زعلانين كنا على طول بنتصالح عمر زعلك ماهان عليّا، ولا عمر زعلي هان عليكي… دلوقتي بتعاقبيني عشان خايف عليكي؟ بتعاقبيني لأني بحاول أحميكي؟ مش عايزة تقتنعي ولا تفهمي المشكلة اللي إحنا واقعين فيها؟


ماسة بضعف: لا يا سليم، أنا فاهمة… وراضية… وساكتة… بس إنت لازم تفهم بردو إن دي أختي.


سليم بهدوء وتفهّم: فاهم، وعارف إن سلوى عندك حاجة تانية، بس زي ما إنتِ عايزة تبقي جنبها في فرحتها… الإحساس اللي جواكي ده، أنا كمان حاسه، بس بشكل تاني… بشكل يخوف… أناخايف عليكي…


اقترب منها قليلًا، يحاول أن يجعلها تفهم:

ياماسة، إنتِ عارفة وفاهمة إني الفترة دي تعبان، مش متوازن… ومفهمك إن عندي مشكلة، بس عندك، وكبريائك كان أكبر من إنك حتى تتحملي، المرة دي، أنا اللي بقول لك لا… مش هاعدي، ومش ببساطة، ولا حتى هعتذر… لأني ماغلطتش.


ماسة باهتزاز: أنا آسفة والله أنا حقيقي كنت متضايقة ومتعصبة.


سليم بجمود: أناهمشي متأخر.


تحرك من أمامها بجمود، تركها واقفة بحزن ووجع… شعرت بأن قلبها يضيق أكثر وأكثر… هوت دموعها على وجنتيها، تبكي بحرقة وحزن، وهي تدرك أن هذه المرة ليست كسابقاتها…


ذهب سليم إلى المجموعة وكان ذهنه مشغولًا بما حدث بينه وبين ماسة. كان غاضبًا للغاية لأنها نامت بعيدًا عنه، فهذه أكثر ما أزعجه. لهذا السبب، تعمد تجاهلها والتعامل معها بجفاء.


أما ماسة، فبقيت في غرفتها تفكر فيما تفعله. ورغم أنها تدرك أنه محق، إلا أنها ترى أنه بالغ في رد فعله. أرادت استشارة والدتها، لكنها عاهدت نفسها ألا تخرج مشاكلهما للخارج.


انتظرته حتى عاد، لكنه دخل إلى مكتبه بصمت، فجلست مكانها، فتوجهت له.


نرى سليم جالسًا خلف مكتبه، عيناه مثبتتان على شاشة الحاسوب، يشاهد تلك الفيديوهات بتركيز شديد.


دخلت ماسة الغرفة، توقفت عند الباب للحظات وهي تنظر إليه، ثم قالت بنبرة هادئة: سليم، مش هتتعشى؟


رفع سليم عينيه نحوها للحظة، قبل أن يعيد نظره إلى الشاشة مجددًا: لا.


ماسة بتعجب: إزاي يعني؟


سليم بجمود: مش عايز.


اقتربت منه ووقفت بجانبه، نظرت إلى الشاشة ثم إليه:  بتتفرج على إيه؟


سليم: فيديوهات كاميرات مراقبة… يمكن أوصل لحاجة.


ماسة بإيجابية: إن شاء الله، (أمسكته من يده بحنان) يلا قوم معايا عشان تاكل.


سحب سليم يده منها سريعًا، وقال بنبرة حادة: ماسة، لو سمحتي سبيني براحتي.


نظرت إليه ماسة بحزن: إنت أول مرة تبقى قاسي عليا كده.


سليم بضجر واضح: مش قسوة، بس اللي عملتيه حقيقي معصبني.


ماسة بهدوء: وأنا اعتذرت، وقلت لك هعملك اللي إنت عايزه.


توقف سليم عن النظر إلى الشاشة، أسند يده على ظهر المقعد برفض وضجر، ثم قال بنبرة عميقة: أنا مش عايزك تعملي اللي أنا عايزه… عايزك تعمليه برضا، تعمليه وإنتِ مقتنعة…إنتِ عارفة كويس إني بحبك، وخايف عليكي، وبحميكي، مش بحبسك، ولا بفرض عليكِ سلطتي، ولا بستخدم الرخصة اللي ربنا ادّهالي بجبروت، ولا عايز أمنعك تفرحي مع أختك.


ماسة تنهدت: أنا فاهمة ومقتنعة… والله العظيم فاهمة… بس غصب عني صعب عليّا ماكونش مع أختي في اللحظات دي.


نظرت له بابتسامة خفيفة تحاول كسر الجليد بينهما:

خلاص بقى، هتفضل مكشر؟ والله إنت أثبت إنك قاسي على ماستك، ده أنا بصالحك في ثانية!


لم يستطع سليم مقاومة ابتسامة خفيفة، فهو في النهاية لا يستطيع الغضب منها لفترة طويلة، ولا يقسو عليها أكثر مما فعل… قال بنبرة دافئة رغم الإنهاك الذي يشعر به.


سليم بحب: طول عمرك أحسن مني، وقلبك حنين، أنا اللي شرير في القصة دي.


ماسة بدلال: بس قمر، وبحبك.


اقتربت منه، وضعت قبلة على خده ثم ضمته بحنان، أمسكت كفه وربتت عليه بحب: يلا تعالى عشان نتعشى، وأعمل لك التمارين بتاعتك.

سليم وهو ينظر إليها باستسلام: ماشي.


((خلال الأيام التالية))

تظهر سلوى وهي تخرج مع والدتها سعدية لشراء فستان الخطوبة والملابس الخاصة بالمناسبات المختلفة، كما تذهب مع عائلتها لاختيار الشبكة.


رغم أن ماسة لم تشاركهم فعليًا في أي من هذه التحضيرات، إلا أنها كانت دائمًا على تواصل مع سلوى، تحاول مساعدتها في الاختيار عن بُعد من خلال المكالمات والفيديوهات، وكأنها تعيش التجربة معهم رغم بعدها الجسدي عنهم.


لكن، رغم محاولتها التصرف وكأن الأمور طبيعية، كان هناك شيء ما بداخلها لم يهدأ… شيء يجعلها تشعر بأنها بعيدة عن جزء مهم من حياة أختها… وعن حياتها هي أيضًا.

((يوم الخطوبة))


فيلا عائلة ماسة، الثامنة مساءً


حديقة الفيلا


نشاهد أجواء احتفالية جميلة حيث الزينة معلقة، مع الاستماع لأغانٍ مختلفة، وتلك الكوشة الرقيقة، وسط حركة المدعوين.


غرفة سلوى


نرى سلوى تجلس أمام التسريحة، ترتدي فستانًا في غاية الجمال بلونه الأزرق، وتضع القليل من مستحضرات التجميل. كانت بجانبها ماسة، تتطلع إليها بابتسامة جميلة وسعادة. انتهت سلوى من وضع أحمر الشفاه، ثم نهضت وتوقفت أمام ماسة.


سلوى متسائلة: شكلي حلو؟


ماسة بسعادة: زي القمر، يا روحي. مبروك يا سوسكا.


سلوى تبسمت: الله يبارك فيكِ، يعني الفستان حلو؟


ماسةمدت يدها وضمت كلا كتفيها: تحفة، ياروحي.


ضمتا بعضهما، ثم قالت ماسة باعتذار: حقك عليا والله، كان نفسي أكون معاكي، بس غصب عني.


سلوى بابتسامة حب: عارفة، ومش زعلانة منكِ ولا منه. أنا مقدّرة خوفه… انتي كمان متزعليش منه، يا ماسة.


ماسة: مش زعلانة والله.


دخلت سعدية وهي تقول: إيه! لسه مخلصتوش؟!


وحين وقعت عيناها على سلوى، وهي بهذا الجمال، قالت بإعجاب: ما شاء الله، إيه الجمال ده؟ ربنا يحرسك يا بنتي ويسعدك يا رب. يلا، العريس جه.

سلوى: يلا.


هبطن للأسفل… استقبلها صلاح، العريس، شاب في منتصف العشرينات، طويل القامة، ذو ملامح وسيمة وجسد نحيل نوعًا ما، استقبلها بابتسامة جميلة، ثم توجّها للكوشة وجلسا، وبدأت الأغاني تصدح. جلست ماسة بجانب سليم، قامت باحتضان ذراعه، ووضعت رأسها عليه...

أثناء ذلك، كان مكي يقف يشاهد كل ما يحدث من الخارج، مستخدمًا نظّارة معظّمة. كان الجميع يرقص، بينما ظلت ماسة طيلة الوقت بجانب سليم، لا تتركه للحظة. لم ترقص حتى مع شقيقتها، بسبب رفض سليم لذلك وغيرته عليها.


بعد وقت، ارتدت سلوى الشبكة وسط زغاريد الجميع. في تلك اللحظة، اقترب مكي، وكان وجهه لا يُقرأ.

اتسعت عينا ماسة: سليم، إلحق… مكي!

تقدّم مكي حتى توقّف أمام سلوى، ثم نظر إليها. رفعت عينيها نحوه...


       الفصل الثامن والخمسون ج1 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات