رواية الماسة المكسورة
الفصل الستون 60 ج1
بقلم ليله عادل
{~"أحيانًا، تكون الحقيقة التي تحاول الهروب منها، والكذبة التي تقنع نفسك بها لتعيش لحظات من الوهم، أشبه ببناء قصور من الرمال فوق الرمال. لكنها لا تلبث أن تنهار فوق قلبك، تصدمك، تفتك بك، وتتركك حائرًا بين أنقاضها، تتلمس بقاياك وسط الركام، تحاول جاهدًا أن تلملم ما تبقى منك... لكن عبثًا، فقد فات الأوان..فلا تدع العناد يدمّرك، فتجد نفسك تدفع الثمن وحدك، محاصرًا بصمتك وأخطائك. الحياة قاسية، تخدعك بلحظات جميلة، ثم تتركك في العتمة. لكنها في النهاية ليست سوى اختياراتنا... أو ربما قدرنا. ومع ذلك، هناك حقيقة واحدة لا تتغير: الألم الذي نحمله في قلوبنا، جرح لا يندمل، ونزف لا يسمعه أحد."~}
الفصل الستون
[بعنوان: نزيف لا يُسمع وعناد لا يُجدي]
وبمجرد أن فتحته، ارتسمت على وجهها ابتسامة صغيرة… لكنها ما لبثت أن خبت حين التقت عيناها بعيني منى.
مالت نيللي بجسدها قليلًا إلى الباب، وعقدت ذراعيها أمام صدرها، قبل أن تبتسم بسخرية قائلة: إنتٍ
بتهزري؟ جايه هنا؟ مش خايفة حد يشوفك؟!
دخلت منى بخطوات واثقة دون أن ترد، ثم أغلقت الباب خلفها والتفتت نحوها أخيرًا، قائلة بنبرة باردة:
لا… أنا عارفه بعمل ايه كويس؟! وعارفه إنه مش عندك
ضحكت نيللي بخفة، وتحركت، ثم أغلقت التلفاز وجلست على الأريكة مجددًا، ورفعت ساقًا فوق الأخرى قبل أن ترد بنبرة متسلية: ماشي يا ستي أنا مالي أنا مجرد وسيط..
عقدت منى حاجبيها وتوقفت أمامها، نظراتها كانت حادة وهي تسأل مباشرة: عملتي إيه مع رشدي؟
تنهّدت نيللي بضيق قبل أن تميل بجسدها إلى الوراء، بينما تحركت أناملها بكسل فوق حافة الأريكة، ثم تمتمت باستخفاف:
عكس اللي حكتيه…طلع مش بالسذاجة اللي كنتي متخيلاها شكله هياخد وقت كبير عقبال ما ياخد أول سطر.
لم يبدُ على منى أي انفعال، فقط رفعت حاجبها قليلًا قبل أن تقول بنبرة ثابتة:
المهم إنه يطمنلك ويتكلم ويحكي… وبعدين موضوع الإدمان يجي على مهله. رشدي ده لازم تدمريه فهمة زي ماقلت لك واتفقنا.
بدت نيللي مترددة للحظة، لكن منى لم تمنحها الفرصة، بل اقتربت منها أكثر مالت بجسدها ونظرت في وجهها مباشرة، ثم أضافت بصوت منخفض لكنه يحمل خطورة واضحة:
فخّمي فيه على قد ماتقدري… هو بيحب كده أوي. عنده عقدة نقص، وكل ماتفخّمي فيه وتحسّسيه إنه أحسن واحد في الكوكب، هيحبك أكتر.
ظلت نيللي تحدق بها، ثم سألت بفضول:
وبعدين؟
ابتسمت منى بسخرية رفعت ظهرها قالت بنفس النبرة الهادئة:
هيحبك ... خصوصًا لما تقارنيه بسليم… لازم تحسّسيه إنه أحسن من سليم، إنه مش أقل منه في أي حاجة وتحسسيه إنه فعلاً غلبان وإنه ماحدش فاهمه.
نيللي بابتسامة خفيفة وهي تميل برأسها قليلًا، ناظرة إلى منى بفضول:
تمام... بس إنتِ هستفيدي إيه يا منوشه؟ اللي فهمته إن اللي المفروض، يتلعب عليه عشان طه ياخد مكان الباشا سليم مش رشدي... رشدي مجرد عسكري في لعبة الشطرنج الكبيرة اللي بتلعبوها.
لم ترد منى على الفور، بل فتحت حقيبتها وسحبت ظرفًا منتفخًا، ثم ألقته بجانبها على الأريكة، ليصدر صوت ارتطام مسموع.
منى بصوت بارد وحاد:
مش شغلك! تنفذي اللي بقولك عليه وبس. وبعدين، انتِ مش هتطولي كتير، نفذي الخطة وبعدين اختفي. والله لو عايزة تكملي معاه وتتجوزيه، وتاخدي فلوسه، دي مشكلتك، مش مشكلتي. أنا ليَّا حاجة واحدة... رشدي لازم يدمن. أي حاجة تانية، تعمليها براحتك.
ظلت نيللي تنظر إلى الظرف للحظة، ثم التقطته ببطء، تقلبه بين يديها، بينما ترتسم على شفتيها ابتسامة أوسع، فيها مزيج من الحذر والتسلية.
نيللي بهدوء مشوب بالسخرية:
ماشي... بس بقولك، برده هو مش عبيط زي ما انتِ مفكرة، مش هيتضحك عليه بسهولة.
منى تتأملها للحظة، ثم ترفع حاجبها باستنكار:
ما قلتلكيش إنك تبتديها معاه بدري عشان مايشكش؟ رشدي تعلب، ولازم نمشي بالراحة. المهم، الراجل اللي تبعك ده... كلمتيه؟ أنا عايزة معلومات عن عماد، أي حاجة.
نيللي تتظاهر بالتفكير وهي تميل برأسها:
لسه بيدور... بس بقولك إيه، لو لقيتيني بقيت سِلفتك قريب، ماتتخضيش. الصراحة..أنا جاية على جواز!
ارتفع حاجب منى للحظة وهي تتفحصها من أعلى لأسفل، قبل أن تزفر بنفاد صبر.
منى بضيق:
اعملي اللي عايزاه،المهم الهدف. أنا همشي.
التفتت منى مغادرة، خطواتها سريعة وثقيلة، ثم تقف للحظة عند الباب، عيناها تلمعان بشر واضح وهي تتمتم بصوت منخفض، يكاد يكون همسًا، لكن مشحونًا بالغضب المكتوم.
منى بغضب مكتوم: أنا هوريكم مين هي منى...عشان تهددوني بولادي تاني!
💞_________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي السابعة صباحاً
جناح، عزت وفايزة
كان عزت يرتدي جاكيت البدلة، بينما وقفت فايزة أمام المرآة، تضع أحمر شفاهها استعدادًا للخروج إلى المجموعة. كانت ملامحها متجهمة، وأفكارها تدور حول أمر لم تستطع استيعابه بعد ثم قالت.
فايزة: عزت، أنت عرفت إن ماسة هتاخد بالها من نالا؟ حتى هي اللي اختارت لها الاسم ده؟
عزت وهو يعدل ياقة جاكيته: اممم، ما أنا كنت حاضر.
فايزة بضيق: آه صح، مش عارفة إزاي ياسين وافق.
رفع عزت حاجبيه باستغراب، ثم قال بنبرة واضحة: طبيعي، لازم يوافق، ده الصح.
ضحكت فايزة بسخرية، ثم قالت بتهكم: صح؟! أنت عايز الخدامة دي هي اللي تاخد بالها من حفيدتي؟
نظر لها عزت ببرود: خلاص، خدي بالك منها إنتِ، أو خليها مع صافي أو فريدة.
فايزة وهي تغلق الغطاء على قلم أحمر الشفاه: هم أولادي فاضيين؟ ولا أنا فاضية؟ بس عارفة كويس إن هي اللي هتاخد بالها منها، ما هي خدامة ودي شغلتها.
نظر لها عزت بضيق ويأس، ثم حول وجهه إلى الجهة الأخرى، وقال بنبرة جافة: أنا هستناكي تحت على السفرة.
أمام أحد مراكز اللغات الواحدة مساءً
نرى سلوى تهبط الدرج. بينما كان يقف أمام السيارة مكي بانتظارها، حينما شاهدته سلوى توقفت وهي تفكر، هل تقترب وتتحدث معه بهدوء؟! أو ماذا تفعل!! تنهدت وهما يتبادلان النظرات في صمت، ثم اقتربت منه.
سلوى بهدوء قالت بجمود: عايز إيه؟
مكي: عايز أتكلم معاكي.
سلوى بتعب: مافيش حاجة ممكن نتكلم فيها..
رفعت يديها أمامه لتطلعه على دبلتها وقالت: قلت لك قبل كده، طريقنا مش واحد، قصتنا انتهت من زمان. وأنا دلوقتي في حياتي واحد تاني..
أكملت بتأثر وهي تدقق النظر في ملامح وجهه: مش هو ده اللي أنت كنت عايزه. كنت عايزني أنضج واعرف وأقارن؟ سيبني بقى علشان أعرف وأختار صح.
مكى بضيق وغيره: بس أنا مش قادر أتحمل، والغيرة بتقتلني.
سلوى بحزن مبطن: مافكرتش ليه زمان، لما كنت بتاخد قرارك في اللحظة دي؟
مكي بتأثر: كل اللي فكرت فيه وقتها ياسلوى هو إني أحافظ عليكي وأحميكي حتى من حبنا .. قوليلي مبسوطة مع صالح.
نظرت له سلوى بصمت ثم قالت بحيرة: مش عارفة.
مكي عقد حاجبيه: يعني إيه مش عارفة؟
سلوى رفعت عينيها نحوه: مش عارفة، بعدين أنت الوحيد اللي ماينفعش نتكلم سوا.
مكي: ليه يعني؟! ماتنسي بقى، إحنا كنا بناخد رأي بعض زمان.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة وجع: زمان، انسى زمان، زمان انتهى خلاص.
مكي بوجع: أنا مستحيل أنسى زمان. تعالي نتكلم طيب، شوية يمكن اديكي نصيحة.
هزت رأسها سلوى برفض: مش هينفع. مش هينفع يا مكي.. تقبل عليا إني أكلم راجل غير خطيبي
مكي: لا طبعاً مش هقبل، بس ممكن أوصلك ونتكلم في العربيه كحارس.
فكرت لوهلة وهي تنظر له .. ثم هزّت رأسها إيجابًا. فتحت باب السيارة وصعدت للمقعد الخلفي، بينما جلس مكي في مكان السائق.
مكي وهو يدير المحرك: لسه مابتعرفيش تسوقي؟
سلوى: لا، مش بعرف. فشلت... عندي مشكلة مع تقدير المقاسات.
مكي: خلي ماسة تعلمك، هي بقت شاطرة جدًا... قولي لي بقى، محتارة في إيه؟
سلوى بحدة: مش هقول لك يا مكي، ومش هنتكلم في موضوع صالح لأنه مايخصكش
مكي بنبرة هادئة: زي ماتحبي. وقت ماتحسي إنك محتاجة تتكلمي أو عايزة نصيحة، أنا موجود. كل اللي بطلبه منك إنك تاخدي بالك منه وتاخدي وقتك... لأنه مش كويس.
سلوى باستنكار: هو أنت عرفت منين إنه مش كويس؟
مكي: يعني إحساس. صراحة ماعجبنيش.
سلوى متعجبة: أمال لما سألت عليه انت وسليم، قلت إنه شاب كويس ومحترم هو وأهله؟ إزاي؟
مكي بتأني: هو صحيح ماشي صح... لا بيشرب، ولا بيصاحب، ولا له مشاكل كبيرة. ده كلام الناس عنه. بس الطبع بيبان في العلاقات والمعاملات، خصوصًا مع البنات. شفته مرتين، وقلبي ما ارتاحلوش.
سلوى ساخرة: قلبك؟! قلبك ما ارتحلوش... عشان بس غيران.
مكي بصوت منخفض: يمكن... المهم، تاخدي بالك من نفسك. وحاولي تعرفي كويس قبل ما تاخدي أي خطوة معاه أكتر من دي.
نظرت سلوى له بصمت، لا تعرف ماذا تقول. كانت تشعر بتردد تجاه صالح، خاصة بعد آخر محادثة بينهما، لكنها لا تريد التسرع في اتخاذ أي قرار. فلم يمضِ سوا شهر على خطبتهما.
سلوى بابتسامة خفيفة، وهو ينظر إليها عبر المرآة: وانت كمان، ربنا يرزقك بواحدة تسعد قلبك.
مكي: سيبك مني، يا سلوى.
نظرت له سلوى: ازاي يعني مش هتتجوز ولا ايه؟! جميل إنك تكمل حياتك مع إنسان يحبك وتحبه والا هتعيش راهب يعني.
مكي بحب: لا مش هعيش راهب، بس أنا قلبي مليان بشخص اللي هو انتي، وطبعّا فمستحيل اخذ خطوة زي دي مع حد غيرك، أنا ماعرفتش الحب إلا معاكي. ولا فهمت معنى كلمة حب غير وياكي. مش عاوز أعيش الحب ده مع حد تاني... وياكي يعني الحب يا كدة، يامافيش.
سلوى بصوت خافت: بس أنا وانت قصتنا انتهت.
مكي باصرار: بس أنا لسه عندي أمل، يا سلوى. انتِ البنت الوحيدة اللي حبيتها، وعمري ماهفقد الأمل إنك ترجعي لي.
نظرت إليه بصمت، بينما حاول هو تفادي عينيها، ملتفتًا بوجهه نحو الطريق. لكن عينيه كانت تحملان الكثير، مما لم يتمكن من إخفائه أشاحت هي بوجهها الى النافذة وعينيها مغرقتان بالدموع فحديثه أثر بها بشدة
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
قصر الراوي التانية مساءً
جناح سليم وماسة
توقفت ماسة أمام التسريحة، تمرر المرطبات على بشرتها برفق، ثم تسرح خصلات شعرها التي ما زالت تحتفظ برطوبة خفيفة من أثر استحمامها. انعكاسها في المرآة بدا أكثر هدوءًا مما تشعر به بداخلها. كان خلفها سليم مستغرقًا في النوم، أنفاسه العميقة تدل على تعب لم تلاحظه من قبل.
اقتربت منه، توقفت امامه تتأمله بصمت، رُسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة مشبعة بشوق مكبوت، ثم انحنت قليلًا، وضعت قبلة خفيفة على خده، لم يكن لها صوت، لكنها تركت أثرها عليها أكثر مما قد تتركه عليه. توقفت للحظة، وكأنها تنتظر أن يتحرك أو أن يفتح عينيه، لكنه لم يفعل.
استقامت بهدوء، تحركت للخارج بخطوات خفيفة، كأنها تخشى أن تكسر سكون اللحظة.
في اتجاه آخر غرفة نالا
نرى ياسين يجلس على أحد المقاعد، يحتضن ابنته الصغيرة بين ذراعيه بحنان، يربّت على ظهرها بهدوء. وبعد قليل، دخلت ماسة الغرفة فجأة.
ماسة: ياسين إنت هنا؟
ياسين بابتسامة صغيرة: أيوه، هنا.
ماسة بخضة: هي كانت بتعيط ولا إيه؟ فين سحر؟
ياسين بإبتسامة موضحاً: لا، لا. مكانتش بتعيط ولا حاجة. سحر بتحضر لها الرضعة وغيرتلها.
ماسة: أنا بعد كده مش هسيبها تنام لوحدها في الأوضة. هخليها تنام معانا... رايح عند هبة؟
ياسين: أيوه، رايح.
ماسة: ربنا يطمنك عليها.
ياسين يعطيها الطفلة: خدي نالا بقى عشان ماتأخرش،هو سليم في المجموعة؟
ماسة: لا، سليم نايم، أعتقد مش هيروح معاك النهاردة.
في هذه اللحظة، طرقت الباب ودخلت سلوى بابتسامة هادئة.
سلوى: مساء الخير.
ماسة بحماس: مساء النور، يا سوسكا! عاملة إيه
قبلا بعضهما.
سلوى وهي تنظر لنالا: ما شاء الله قمر، هاتي القمر دي الأول.
حملت سلوى نالا وبدأت تداعبها بحب: ياروحي، ماشاء الله شبهك يا ياسين ..عامل إيه؟ وهبة أخبارها إيه دلوقتي؟
ياسين بلطف: الحمد لله، تمام.
سلوى: كنت عايزة أزورها، بس قالوا لي إن مفيش زيارات عليها دلوقتي.
ياسين بشيء من الحزن: أيوه، حالتها لسه ماتسمحش. إحنا بنشوفها من الإزاز، حتى هي مش واعية.
سلوى: ربنا يقومها بالسلامة. أمانة عليك، أول ماتتحسن وتبقى كويسة، بلغني عشان أجي أطمن عليها.
ياسين بامتنان: إن شاء الله، شكراً...
وجه نظراته لماسة: شكراً يا ماسة، تعبتك معايا بس بجد لو حسيتي إنك تعبانة ومش عارفه تاخدي بالك منها وهتشغلك عرفيني وانا هجيب لها دادا
ماسة بزعل: أوعى تقول الكلام ده! هزعل منك والله. دادا وأنا موجودة، عيب، دي بنت أخويا وأختي. يلا، روح شغلك واطمن على مراتك.
ابتسم ياسين بإمتنان: حاضر، سلام.
خرج ياسين، وهو يحمل عبء التفكير على وجهه.
نظرت سلوى الى ماسة بقلق.
سلوى: شكله مهموم قوي.
ماسة: طبيعي، تعالي ننزل نقعد تحت.
((الحديقة))
بالفعل، هبطتا إلى الحديقة وجلستا تحت ظلال الأشجار، والهواء ينساب بهدوء حولهما.
ماسة وهي تحمل نالا بحنان: إيه يا حبيبتي، عاملة إيه؟ طمنيني، إيه أخبارك مع صالح؟
سلوى بتنهيدة: والله لسه محتارة، وزاد حيرتي بعد الكلام اللي قاله لي.
ماسة بفضول: قال لك إيه؟
سلوى تبدأ تروي: بصي، هو قال... (تحكي التفاصيل).
ماسة تفكر للحظة: بصراحة، دي بداية مش مبشرة. بس أنا مع رأي ماما... لازم تديه فرصة. كمان ضروري تفتحي موضوع اصلنا ده قدام أهله. لازم يبقوا عارفين. بس عارفة أنا حاسة إن الجوازة دي مش هتكمل.
سلوى بتأييد: والله، وأنا كمان... حتى مكي كلمني... وهو إللي وصلني بالعربية وفضل يكلمني بس طبعاً رفضت اديله فرصة نتكلم عشان أنا مخطوبة.
ماسة بعتاب: والله يا سوسكا! انتي كبرتِ الموضوع، حقيقي مكانش محتاج كل ده عايزة تربيه على اللي عمله زمان، ربيه بس بالعقل.
سلوى بضجر: أنا مكنتش عايزة أربيه، كل الحكاية إنّي عايزة أخوض التجربة... زي ماهو قالي. وأفهمه إني مكنتش مستنياه طول السنين دي.
ماسة: المهم، أنا معاكي على طول ماتقلقيش فكري كويس لأن ده جواز.
سلوى تساءلت: المهم نالا هتبقى معاكي على طول.
ماسة مبتسمة: مش على طول... لحد ما هبة تقوم بالسلامة... عارفه يا سوسكا. أول ما بصيت في وشها، حسيت بفرحة كبيرة كده... إحساس حلو، وأنا شايلها وحاسّة إنها معايا. شكل سليم كان عنده حق.
سلوى متعجبه: ليه؟ سليم قال لك إيه؟
ماسة تنهدت بتعب: قال لي إن مع الوقت هتخليني أتعلق بيها وأعيش المشاعر اللي كان نفسي أعيشها مع حور. عارفة، سليم طلع كلامه صح... مجرد مابعدت عني الكام ساعة دول حسيت إني مشتاقة لها وهي يا دوب معايا من امبارح العصر أمال هعمل ايه في اللي جاي.
سلوى بجدية: خدي بالك يا ماسة... سليم عنده حق وخايف عليك تتوجعي.
ماسة بشيء من الحزن: هي صعبت عليا أوي ملهاش حد، عايزاني أقبل أنها تقعد مع دادا، لأن خالاتها بيباتوا مع هبة ويبدلوا ما بينهم. جدتها بتشتغل، حتى عمتها وجدتها محاولوش حتى يعرضوا بمجاملة رغم إننا هنا كتير.
سلوى باستنكار: هي صافيناز دي تعرف تربي عيالها أصلا؟
ماسة بابتسامة ساخرة: عندك حق
وهي تنهض قالت: بقولك ايه هروح أطمن على سليم أتأخر في النوم.
سلوى: طيب، خلي نالا معايا.
ماسة: ماشي.
صعدت ماسة إلى الجناح الخاص بها،
جناح سليم وماسة
فور دخولها وجدت سليم قد استيقظ جالسا على الفراش. كان يبدو عليه الضيق من ملامحه.
ماسة تبتسم وهي تقترب: كراميل، صحيت؟ صباح الفل. كل ده نوم؟
سليم يرفع عينيه لها قال بضجر: كنتي فين؟
ماسة تجلس أمامه على الفراش: روحت أطمن على نالا وسلوى كمان جت.
سليم بحدة: فأصحى ألاقيكي مش جنبي؟
عقدت ماسة بين حاجبيها بدهشة: مش فاهمة فين المشكلة؟
سليم بضجر: فيه طبعًا مشكلة! لما أصحى من النوم وما لاقيش مراتي جنبي، طبيعي أتعصب.
رفعت ماسة كتفها باستغراب: بس ده الطبيعي! أوقات بقوم قبلك او العكس.. بقينا كده من إمتى؟
نظر سليم لها بضجر فهو يشعر أنها تركته لأنها لم تستمتع معه في الليل أمس: طبيعي في الأيام العادية، مش بعد اللي حصل امبارح.
لوهله نظرت له ماسة فهمت ما يدور في رأسه مسحت وجهها وحاولت تهدئته: معاك حق... أنا آسفة. بس أنت عارف، كان لازم أطمن على نالا.
سليم بشدة: تطمني وتجيبيها هنا معانا.
ماسة تبسمت وضعت قبلة على شفتيه: حاضر، هخليها تبقى معانا هنا متزعلش.
سليم: خلاص.
ماسة: هتفطر؟
سليم: أممم.
ابتسمت ماسة: طيب، هخليهم يحضروا الفطار...
(تضع قبلة على خده)
سليم بنبرة مترددة: مش عارف، ليه نمت كتير كده؟
ماسة: يمكن علشان مرهق؟
سليم رفع حاجبه بشدة: مرهق من إيه؟
ماسة بتردد: تخمين يعني، أنا هروح أحضر الفطار.
وضعت قبلة خاطفة على خده، كادت أن تتحرك، لكنه أمسكها من معصمها، فجلست مرة أخرى. نظرت إليه باستفهام: في حاجة يا حبيبي؟
نظر لها سليم طويلًا، صمت ممزوج بتردد، كأنه يبحث عن شيء خلف ملامحها. ثم قال أخيرًا:
كنت هسألك... حقيقي كنتِ مبسوطة امبارح معايا؟
ضيّقت ماسة عينيها قليلًا قبل أن ترد ببساطة: آه والله. ليه بتسأل؟ شكلك إنتَ اللي مكنتش مبسوط، عشان كده كل شوية بتسأل؟
أجابها سريعًا، كأنه لم كان ينتظر السؤال: بالعكس، انبسطت جدًا، بس.....د...
صمت للحظة، لم يكن يعرف ماذا يقول. شعر بشيء غريب، إحساس بالعجز لم يمر به من قبل. لم يستطع أن يكون معها مرة أخرى، رغم أنه لم يعتد ذلك. بعد أن انتهى، اجتاحه إرهاق لم يفهم سببه، وكأن جسده يخونه لأول مرة
تنهد سليم واضاف بتبرير:
ـ عشان بقالنا كتير... خفت أكون متطلّعتش على قد التوقعات... رهان وخسرتُه خصوصا يعني اللي ما حصلتش مره ثانيه.
ابتسمت ماسة، اقتربت منه وهمست بخفة: لا... طلعت أكبر من التوقعات، يا كراميل وبعدين انا قلت لك انا اصلا كنت تعبانه ومش قادره.
طبعت قبلة ناعمة على شفتيه قبل أن تبتعد، ثم وقفت: هنزل أحضر الفطار.
ظل ينظر إليها وهي تغادر، يتابع خطواتها بنظرة غائمة، يشعر بشيء لم يعتد عليه... ولا يعرف ما هو.
على السفرة
نشاهد سليم وماسة وسلوى وهي تحمل نالا يجلسون على طاوله السفرة ويتناولون الطعام.
ماسة: يا بنتي ما تاكلي معانا.
سلوى باعتذار: واكله والله، بقول لك ايه احنا عازمين صالح بعد بكرة على الغداء هتعرفي تيجي؟
نظرت لسليم وقالت: هتخليها تيجي؟!
سليم وهو يتناول الطعام بمزاح: عايز تسمعي لا يعني طب لا يا سوسكا.
سلوى هي تضحك: ماشي شكراً ياسليم، بس إنت هتفضل حابس ماسة كده مش هينفع.
ماسة بدفاع: ياستي هو مش حابسني انا مبسوطة كده ماحدش ليه دعوة.
سلوى: طيب ماشي، هطلع منها.
ماسة: ركزي بقى في التفاصيل اللى أنا قولتلك عليها
نظرت لسليم باهتمام: حبيبي أحط لك جبنه تاني؟!
سليم: لا الحمدلله، شبعت ياعشقي.
ماسة: ألف هنا.
سلوى وهي تعطي نالا لماسة: طب تعالي بقى خديها عشان همشي.
ماسة وهي تحملها: خليكي قاعدة معايا شوية.
سلوى: لا عايزة أراجع عندي امتحان.
ماسة: ماشي.
وضعت قبلة على خدها وتحركت للخارج بينما، نظرت ماسة لسليم: حبيبي هتعمل ايه النهارده؟
سليم تبسم: ولا حاجة قاعد معاكي.
ماسة تبسمت: ماشي.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
خلال اليوم، كانت ماسة تهتم بسليم بجانب نالا، لكن بالطبع كان تركيزها أكبر على نالا، كما بدأ سليم في أول جلسات العلاج الطبيعي لهذا اليوم، ولكنه كان بدون عكاز، مما جعله يشعر بالتحدي. أما باقي العائلة، فكان كل واحد منهم منشغلاً بحياته الخاصة ولم يهتموا كثيرًا بحالة الطفلة الصغيرة، حتى جاء الليل.
في جناح سليم وماسة
كانت ماسة جالسة على الفراش بمفردها تحتضن نالا، مبتسمة لها وقالت:
حبيبة قلبي، أنتِ جميلة جدًا ما شاء الله عليكِ. تفتكري، حور كانت هتبقي شبهكِ كده؟ أكيد، لأن مافيش أحلى من كده، كان نفسي أخدها في حضني زي ما أنا واخدكي كدة، لكن المشكلة إن شكلي مش هحس الإحساس ده تاني. مش عشان سليم، لكن عشان أنا خايفة أتحرم للمرة الثالثة مش عايزه احمل تاني وتوجع كفاية.
قربتها إلى قلبها وضمَّتها أكثر، وقالت بحنان: ريحتك زي القرنفل، كل حتة فيكِي جميلة
أخذت تنظر لملامح وجهها لدقائق بدات الأفكار المشوشة تدور في رأسها، فهي كانت ترغب في فعل شيء صعب، شيء لطالما ترددت بشأنه. أرادت أن تُرضعها من صدرها، رغم أنها تعلم أنه لا لبن لديها، لكنها كانت تشتاق إلى هذا الإحساس، ولو لمرة واحدة. وبين التردد والشوق الذي ينهش قلبها، استسلمت لرغبتها، وضعت نالا على صدرها، وما إن فعلت ذلك حتى شعرت وكأن روحها تغادر جسدها. اهتزت بقوة، وارتجف جسدها، قبل أن تهبط دموعها بصمت.
في تلك اللحظة، دخل سليم. لكنه تجمد مكانه عند عتبة الباب، حين وقعت عيناه على ماسة وهي تفعل ذلك. حدّق فيها بعينين اغرورقتا بالدموع، لكنه لم يُصدر صوتًا. وضع يده على قلبه، وكأن الألم يمزقه، وكأنهما يتشاركان ذات الوجع. همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:
قلت لكِ يا ماسة... قلت لكِ، لكن مابتسمعيش الكلام.
تحرك خارج الغرفة، صعد إلى المصعد، ثم خرج إلى الحديقة. وقف هناك، يتنفس الهواء العليل، لكن صدره ظل يضيق، وكأن أنفاسه لا تصل إلى رئتيه. أخرج هاتفه، وضع سماعات الأذن، ثم شغّل إحدى القطع الموسيقية. لم تكن مجرد موسيقى، بل كان يستمع إلى نبض قلب ابنته، ذلك الصوت الوحيد الذي كان يبعث الطمأنينة في قلبه الموجوع ويجعله أن يتنفس.
ظل هناك لفترة، حتى هدأ قليلاً، ثم عاد إلى الغرفة. وجد ماسة جالسة أمام التلفاز، لكن الصوت كان منخفضًا، وعيناها شاردتان. لم تكن تشاهد حقًا، بل كانت تهرب من وقعها إلى أي شيء آخر.
سليم وهو يدخل ويغلق الباب: aşkım.
رفعت ماسة عينيها له، ثم قالت بصوت هادئ: حبيبي، امشي بشويش، البنت نايمة وماصدقت انها نامت.
أجاب سليم: حاضر، أنا بس هغير هدومي.
بعد أن انتهى من تغيير ملابسه، جلس بجانبها، لكن ماسة أشارَت له بيدها أن يخفف من الصوت.
سليم: هنفضل كده كتير؟
ماسة: عشان البنت.
سليم: طب، أنا هنام، تعبت من الجلسة النهاردة.
ماسة: سلامتك ياحبيبي، أنا هخلص الفيلم وأنام.
هز سليم راسه بإيجاب، وضع قبلة على جبينها ثم توجه إلى الفراش. بعد قليل، انتهى الفيلم، وذهبت ماسة للنوم بين ذراع سليم، ولكن أثناء نومهم، بدأت نالا تبكي.
استيقظت ماسة وتوجهت الى الفراش، وقامت بضمها، لكنها لم تسكت. سليم استيقظ على صوتها وقال: مالها يا ماسة؟
ماسة: ماعرفش.
سليم: يمكن جعانة.
ماسة هزت رأسها بلا وهي تتحرك بها فى الغرفة: لا مش جعانة، تفتكر عندها مغص؟
سليم جلس: مش عارف. طب، إيه هنعمل؟ أنا عايز أنام، عندي اجتماع بكرة.
ماسة: طب هروح أنا أوضتها ونام أنت.
سليم برفض: لا، خليكي هنا، خليكي. أمرنا لله.
تنهدت ماسة وبدأت تتحرك بها بحذر. سليم كان يراقبها بصمت، يتخيل لو أن ابنته الحقيقية بين يديها. تبسّم للحظات، وكأن قلبه استسلم لوهلة لهذا المشهد، لكن فجأة عبس وجهه، وتبدّلت ملامحه وكأن الوجع اجتاحه من جديد. هز رأسه برفض، وكأن عقله يرفض الانسياق خلف هذا الوهم، ثم استلقى مرة أخرى، وسحب الوسادة ليضعها فوق رأسه، محاولًا كتم الأفكار والصراع الذي يعصف بداخله.
بدأت تهدأ الطفلة، قالت ماسة: شكلها عايزة تتشال.. كلهم كده الفترة دي، نام أنت.بقى.
سليم تحدث وهو يضع رأسه أسفل الوسادة: طب لو عوزتي حاجة صحيني، ماتخرجيش بيها برا.
ماسة: حاضر.
💕_________________بقلمي_ليلةعادل
أحد النوادي الكبيرة، الثانية عشر ظهراً.
كان النادي يعج بالحركة، الهواء النقي يحمل أصوات الضحكات وأصوات الكرات التي تتدحرج على ملاعب التنس المجاورة. جلس رشدي إلى طاولة في الهواء الطلق، مرتديًا ملابس رياضية، هاتفه في يده يتصفح شيئًا ما، بينما كان ينتظر أحد. لم تمر لحظات حتى لمح نيللي تتقدم نحوه بخطوات واثقة، ترتدي ملابس كاجوال أنيقة، عيناها تلمعان بمكر، وابتسامة مغوية ترتسم على شفتيها.
نيللي بابتسامة جذابة وهي تجلس أمامه: إيه يا جامد، مستني بقالك كتير؟
رشدي وهو يرفع نظره نحوها ويبتسم: لا عادي، بس أول مرة أشوفك بالنهار كده!
نيللي وهي تميل للأمام قليلًا وتتّكئ بمرفقها على الطاولة: على فكرة.. أنا فعلًا أول مرة أظهر الصبح كده.
رشدي بسخرية: ليه يعني، انتي خفاش؟
ضحكت نيللي بخفة: آه والله، فعلًا أنا خفاش، مابصحاش غير بعد المغرب، وأول مرة أصحى بدري بالشكل ده عشان خاطرك.
أشار رشدي للنادل فاقترب منهما، طلبا عصيرًا باردًا، وما إن وضعه النادل أمامهما حتى ارتشف رشدي رشفة منه، بينما كانت نيللي تراقبه باهتمام.
رشدي وهو يقلب الكوب بين يديه: قولي لي بقى، كنتِ فين الفترة اللي فاتت؟ مختفية ليه؟
نيللي ترفع حاجبها بمكر وهي تميل برأسها قليلًا: أنا اللي أسأل السؤال ده.. إنتَ اللي كنت مختفي.
رشدي وهو يضحك بخفة: كنت مشغول.. عندي مشروع كده.
نيللي وهي تلعب بأطراف أصابعها على الطاولة: عملت فيه إيه بقى؟
رشدي بابتسامة فخر: أخدته، كان لازم أثبت نفسي عشان خاطر سليم.
نيللي وهي تتّكئ للخلف وتنظر له بتمعّن: أنا سمعت إن سليم ده الكل في الكل.. بس ليه ماتبقاش انتَ كمان الكل في الكل؟
رشدي بعزيمة واضحة: إن شاء الله قريب.. أنا بحاول، وعشان كده كنت مختفي الكام يوم اللي فاته.
نيللي وهي تميل نحوه قليلًا، تتحدث بحماس: أيوه فعلًا، حاول.. أنا واثقة فيك إنك قدها، إنتَ أصلًا شاطر، ماتخليش حد يحبطك. بالعكس، خلي اللي بيقولوا إنك فاشل وإنك مش قد سليم، هما اللي يشوفوا بنفسهم إنك أقوى منه بكتير.
رفع رشدي حاجبه وهو يحدق فيها، وكأنه يدرس دوافعها، ثم قال بنبرة مراقبة: إنتِ جايبة الكلام ده منين؟ شكلك عاملة علينا تحريات جامدة.
نيللي تهز رأسها بثقة وهي تحتسي رشفة من عصيرها: مش محتاجة، انتم عيلة الراوي مفيش حد ما بيتكلمش عنكم. الناس كلها عارفة أخباركم وعارفة كل واحد فيكم عامل إزاي.
ضحك رشدي بسخرية وهو يهز رأسه: آه، طبعًا. إحنا دايمًا حديث المجتمع.
نيللي بابتسامة جانبية: بصراحة.. أنا كنت مخدوعة في سليم، أصحابي كانوا بيفضلوا يقولوا جامد وقمر وكاريزما، شفته مرتين في حفلات وماعجبنيش. مغرور جدًا ومش حلو.. عادي يعني.
رشدي وهو ينظر لها باهتمام: معقولة؟ ده الناس كلها شايفاه جامد وقمر.
نيللي تلوّح بيدها باستخفاف: جامد بإيه؟ بالخوف والعضلات، مش بالدماغ. وشه حلو؟ آه، بس مش أوي..إنتَ أحلى منه على فكرة، انتَ وياسين أحلى إخواتك. حتى طه مش قد كده. يعني لو هرتبكم، أنت الأول، بعدين ياسين، طه، سليم، وبعدين البنات. فبجد، أخوك ده كل الكلام اللي عليه والجمدان اللي عليه ده عشان هو بيخلق شخصية وبس، وبياخد المناقصات بالتهديد مش بالعقل، لكن أنا متأكدة إنك لو ركزت شوية هتعدي عزت الراوي ذاته!
شعر رشدي بقيمته، والكلمات عززت إحساسه بنفسه، فقال بثقة: أنا فعلًا كده، بس ماحدش حاسس بقيمتي.
نيللي وهي تلعب في طرف شعرها: لو محتاج أي حاجة، أنا معاك، أصل صاحبتي الانتيم باباها وزير، يعني لو عايز توصية ولا حاجة..
ضحك رشدي باستخفاف، ثم نظر لها بنظرة ذات مغزى: توصية؟ ده لو أنتِ اللي عايزة توصية، قولي لي.
نيللي وهي ترفع يديها باستسلام: ماشي يا عم الجامد، أنا عارفة إنك جامد قوي. بما إنك جامد كده، ممكن تجيب لي العربية اللي جاية لي من الجمارك من غير فلوس؟ أصلهم عايزين ياخدوا مبلغ كبير.
رشدي وهو يبتسم بثقة: بس كده؟
نيللي تومئ برأسها وهي تضع يدها تحت ذقنها: بس كده.
ما إن رفع رشدي هاتفه واتصل بشخص ما، حتى تحدث لبضع لحظات نظر لها متسائلا اسمك نيللي ايه
تبسمت نيللي بدلال: رسلان.
تبسم رشدي وكمل حديثه، أنهى المكالمة.
ونظر إليها بابتسامة واثقة:
خلاص، كمان 3 أيام تروحي تستلمي عربيتك، كاملة مكملة.
نيللي وهي تصفق بخفة بسعادة: والله العظيم كنت متأكدة إنك جامد آخر 10/15!حاجات
رشدي وهو يضحك: 10/15 ؟بس
نيللي تضحك مليون كمان ... تتنهد وهي تلعب بعصيرها في الكوب أضافت: ... طب وبعدين؟ هتفضل مختفي كده ومش هنتقابل؟
رشدي وهو يميل للخلف ويضع يديه وراء رأسه بثقة: لا يا ستي، كمان يومين نتقابل، ونعمل حفلة كمان.
نيللي وهي ترفع حاجبها بدهشة: حفلة؟
رشدي وهو يغمز لها بمكر: حفلة.. بس مش أي حفلة، هتبقى حفلة جامدة.. زيي.
نيللي تضحك وهي تهز رأسها بخفة: اتفقنا.
فيلا عائلة ماسة الرابعة مساءً
السفرة
نشاهد أفراد عائلة ماسة وضيوفهم عائلة صالح. يجلسون حول طاولة السفرة، في أجواء عائلية والمحادثات مليئة بالود
سعدية ابتسامة عريضة: إنتوا شرفتونا والله،منورينا ياجماعة
والدة صالح: النور نورك يا مدام سعدية، ماشاء الله، الجو عندكم جميل.
سعدية:هو جميل بيكي ياحبيبتي، إن شاء الله يكون الأكل عجبكم.
والد صالح يأخذ معلقة من الرز: تسلم إيدك ياست الكل، الأكل جميل، خصوصًا الرز المعمر.
سعدية تضحك بتواضع: ده من ذوقك ياحاج. فين أيام زمان! كنت أعمل الرز المعمر ده في الفرن البلدي، كان ليه طعم ولا في الأحلام، ولا الفطير المشلتت اللي ست فايزة هانم الراوي حماة بنتي كانت بتحب تاكله قوي من إيدي.
والدة صالح تتناول ملعقة شوربة وتنظر لسعدية باهتمام تسالت بابتسامة خفيفة: هو إزاي سليم الراوي اتعرف على ماسة؟ جات منين القصة دي؟
عدلت سعدية من جلستها قالت بخبث: سليم شافها عند منصور بيه، اللي كنا شغالين عنده زمان، أصلهم قرايب، أنتم ماتعرفوش إن احنا كنا شغالين عندهم خدامين، ولا إيه؟
والدة صالح نظرت إليها للحظة ثم أخفضت عينيها بهدوء وهي تحتسي الشوربة فهي لا تعرف ماذا تقول فهي لأول مرة تسمع هذا الخبر، حاولت الثبات..
أكمل مجاهد بجدية: أيوه طبعًا. هو صالح ماقالكوش ولا إيه؟
صالح مقاطعًا بسرعة: ماجتش فرصة إني أتكلم في التفاصيل.
والد صالح يحاول تهدئة الجو: الأصل الطيب أهم من أي حاجة ياحاج.
مجاهد هز رأسه موافقًا: طبعًا، طبعًا يا أستاذ عمران، بس أنتم من حقكم تبقوا عارفين برضه ولا ايه ياصالح.
صالح: هو كل الحكاية يا عمي إن احنا مابنتكلمش في المواضيع دي، إنتم على راسنا من فوق.
والد صالح: اه طبعاً يا حاج الشغل مش عيب نسبكم يشرف اي حد.
أكملوا تناول الطعام في أجواء لطيفه حتى ذهبت عائلة صالح إلى منزلهم.
جلست عائلة ماسة في الهول يتحدثون
تساءل مجاهد: هو عريسك مكانش قايل لأهله ولا ايه يا سلوى؟!
سلوى زمت شفتيها: لا يا بابا ماكانش قايل، معرفهم ان احنا ناس بسطاء بس.
مجاهد متعجباً: بسطاء!! يعني ايه هو مستعر يقول اننا كنا بنخدم زمان في البيوت، يعني والا ايه ماتتكلمي يا بنتي فاهميني.
سلوى: والله يا بابا انا ماعرفش، أنا حتى اتكلمت معاه في الموضوع ده هو قال لي إنه هو محبش يقول لهم عشان الموضوع في حساسية.
عمار باستهجان: حساسية في ايه ان شاء الله؟!
مجاهد بحدة: الراجل ده مادام كدب واستعر منك، يبقى ينفعش، أنا هكلمه وأنهي معاه كل حاجة وأقوله كل شيء نصيب.
سعدية: أصبر يا أبو عمار.
مجاهد باستهجان: أصبر على ايه يا ولية بتقول لك استعر يقول لأهله على أصل شغلتنا.
سعدية: إنتي رأيك ايه يا سلوى؟!
سلوى بتردد: مش عارفة!
مجاهد بشدة: يعني ايه مش عارفة لازم تعرفي أمال مين اللي يعرف؟!
سلوى بتردد: أنا لسه مخطوبة بقالي شهر بفكر ندي له فرصة كمان وبعدين هم عرفوا كل حاجة هنشوف بقى هيتعاملوا معانا ازاي بعد كده.
سعدية: صح.
مجاهد بضيق هز رأسه: أنا مش موافق على الواد ده، الموضوع بدأ بالكذب من البداية يبقى الواد ده مش كويس يابنتي ده مستعر منك عارفه يعني ايه.
عمار: انتي مسكه فيه ليه هيجيلك أحسن منه.
سلوى برجاء: بابا عشان خاطري استنى بس شوية كمان.
مجاهد بعقلانية: يا بنتي يا حبيبتي الراجل اللي يكدب على أهله ويخبي حقيقة أهل مراته يبقى راجل مش كويس، بس ماشي أنا هخليكي تشوفي بعينك إنه مش كويس، عشان ماتجيش تقولي إنت ضيعته مني يا أبويا، قدامك شهر أهو من دلوقت.
سلوى: طيب.
في شقة عائلة صالح - الريسبشن الثامنة مساءً
الشقة تبدو أنيقة، تتناسب مع مستوى عائلة معلمين في مدارس دولية.
في الريسبشن، تجلس عائلة صالح في جو يسوده التوتر الواضح. صالح يبدو مضطربًا، بينما يتبادل الجميع النظرات بجدية.
والد صالح بدأ الحديث بحدة: انت إزاي يا صالح ماتقوليناش إنهم كانوا خدامين عند قرايب سليم؟
صالح بهدوء: وايه المشكلة يعني؟
والد صالح يرفع صوته قليلًا متعجبا: يعني إيه المشكلة؟!! إحنا بناسب عيلة، مش البنت بس، وده موضوع كبير. يا ترى لسه فيه حاجات مخبيها علينا؟
صالح محاولا تهدئة الوضع: مفيش حاجة تاني مخبيها. كل الموضوع إنها ماكانتش متعلمة وتعلمت على كبر، عشان كده مادخلتش الكلية لحد دلوقتي. وبعدين، جوز أختها هو سليم الراوي! إحنا بقى هنتكلم و نتنك.
شقيقة صالح بلهجة مترددة: بصراحة أهلها ناس كويسين جدًا. عمري ماحسيت إنهم كانوا خدامين أو فلاحين. تحسيهم ناس متوسطين الحال، بس مش عارفة...هو أنت عادي مع فكرة إنهم خدامين؟
صالح بحزم: أيوه، عادي جدًا. وبقولكم جوز أختها سليم الراوي، فاهمين يعني إيه؟
والد صالح بحدة: لو بتفكر بالطريقة دي، يبقى تسيبها. وأوعى تكون فاكر إن جوز أختها هيفتح لك الخزنة ويديك فلوس.
صالح بغضب مكتوم: أنا ماقلتش كده! بس إحنا بناسب عيلة راقية جدًا، وممكن يساعدني أطور من شغلي ومستوانا، إيه المشكلة؟ وبعدين دي حياتي، وأنا حر فيها.
نظرت والدة صالح له بحدة واضحة: هو أنا مربياك بالأسلوب ده؟ إيه الكلام اللي إنت بتقوله ده؟ يعني إيه؟ إنت طمعان في البنت؟ يعني مابتحبهاش بقى؟
صالح بتردد: هو أنا عمري قلت إني بحبها؟ أنا قلت إنها بنت كويسة، شفتها عجبتني، عشان كده عملت خطوبة, لانها كانت بنت قفل على الآخر ولا عايزة تخرج معايا ولا عايزة نتكلم ولا عايزة تعمل أي حاجة، قالت لي لو عايز تتعرف عليا تعالى اتقدم لي، بصراحة قلت دي فرصة بالنسبة ليا، إن جوز اختها سليم الراوي، قلت خلاص أتعرف عليها في الخطوبة، وبعدين زي ما قلت لكم، ممكن يساعدوني. يعني أشتغل في مكان أحسن من اللي أنا شغال فيه ده.
والد صالح يضرب الطاولة بغضب: شغل إيه ده اللي كل كلامك عليه؟ يعني مستعد تبيع مشاعرك وحياتك كلها عشان شغل؟ إنت عارف إن الجواز أكبر بكتير من كده؟ وبعدين ماتخلنيش أحس إني فشلت في تربيتك، أنا حاسس إنك مش ابني، المشكلة إنك وضعتنا في وضع محرج جداً مع الناس مش هينفع دلوقتي تسيب البنت هيقولوا علينا إن احنا سبناها بعد ما عرفنا أصلها.
والدة صالح: صح كلامك، مش هينفع نعمل أي خطوة دلوقتي خالص ولا حتى بعد شهر.
والد صالح بشدة قائلا بأمر: صالح اسمع إنت هتسيب البنت دي عشان إنت مابتحبهاش وطمعت فيها، ولا حتى تستهلها، شهرين ثلاثة وتنهي كل حاجة ما بينكم، إنت فاهم؟؟
صالح باندفاع: وأنا مش شايف إن فيه مشكلة! الجواز شراكة يا جماعة، وكل حد فينا بيحقق حاجة. أنا هكون سند ليها، وهي تساعدني نطور مستوانا. إيه الغلط في كده؟
هزت والدته رأسها بخيبة أمل: الغلط إنك مش فاهم يعني إيه تبني بيت على أساس هش زي ده. إنت حتى مافكرتش تقول إنك بتحبها، الجواز مش صفقة، يا صالح.
شقيق صالح بتعليق ساخر: أنا شايف إنك عامل الموضوع كأنه فرصة استثمارية، مش حياة تشاركها مع حد. يا أخي فكر كويس قبل ماتدخل نفسك في حاجة زي دي.
والد صالح بحسم: أنا مش عايز كلام كثير الخطوبة دي هتنتهي مش عشان البنت مش كويسة أو أهلها بالعكس البنت كويسة جداً وأهلها ناس محترمة بس أنا ابني اللي مش محترم.
ازداد الجو توترًا، و بدا صالح محاصرًا باللوم من كل الجهات. والده ينهض ويبدأ بالتجول في الغرفة بغضب، بينما والدته تنظر إليه بعيون مليئة بالعتاب.
منزل نانا التاسعة مساءً
نرى نانا جالسة على الأريكة، تضع رأسها على يدها، شاردة وتشعر بالضيق، دخلت نور، لاحظت حالتها فورًا، فاقتربت وجلست بجانبها.
نور: مالك يا بنتي؟ في إيه؟
نانا بضيق: عزت، مابقاش مهتم بيا، وأنا مش فاهمة هو عايز إيه.
ضحكت نور بسخرية وهي تهز رأسها: يابنتي سبيه، خدي بالك، حمدي شكله معجب بيكي بجد.
رفعت نانا حاجبها بسخرية: وأنا هتجوزه إزاي؟ ده شكله داخل على جواز.
نور اقتربت منها قليلًا، همست بنبرة ماكرة: ببساطة، اعملي عملية! وقطعي الورقة.
نانا نظرت لها بصدمة قبل أن تضحك: انتي اتجننتي؟
نور بنبرة جادة: نانا، عزت ده راجل كبير، جد! قد ابوكي، موضوكم مش هياخد ربع خطوه بعد كدة، اية ماشبعتيش؟ انتي خدتي منه كل اللي ممكن تاخديه، بقى عندك شقة، وعربيتين، وفلوس، وشاليه في الجونة، إيه تاني؟ هتفضلي لحد إمتى كده؟
نانا تنهدت وهي تهز رأسها ببطء: مش عارفة، بس تفتكري هو يرضى يسبني؟
وضعت نور يدها على كتفها وهي تبتسم بمكر: انتي خليكِ ذكية، نكدي عليه واقرفيه لحد مايزهق منك، وهو اللي يمشي!
ظلت نانا صامتة، حائرة، وكأن عقلها بدأ يستوعب كلام صديقتها.
تابعت نور بنبرة حماسية: أنا هظبط لك بكره خروجة مع حمدي، تشوفيه وتقعدي معاه، لو حسيتِ إن الدنيا تمام، اعملي اللي قلت لك عليه، ولو لا، خليكي مع عزت لحد ما تلاقي حد تاني كويس.
لم ترد نانا، لكنها بدأت تفكر بجدية في الخطة الجديدة.
((خلال فترة))
خلال تلك الفترة، كانت ماسة تعتني بنالا عناية شديدة، ولم تغادر القصر لحظة واحدة، إذ أصبحت حبيسة داخله. ومع ذلك، لم تشعر أبدًا أنها سجينة أو مقيدة؛ بل على العكس، وجدت في وجود نالا سعادتها وراحتها. الطفلة الصغيرة كانت تسليها كثيرًا، مما جعلها لا تشعر بالوحدة، أما سليم، فقد كان حريصًا على تجنب أي تواصل مع نالا؛ لم يحملها قط، ولم يقترب منها ولو لمرة واحدة، كان يخشى أن يتعلق بها، إلا أن ما كان يخشاه بدأ يحدث؛ إذ بدأت ماسة بالفعل تتعلق بالطفلة كما كان يخشى.
كمان انهمك سليم في عمله في المجموعة بقوة وعزم، محاولًا تعويض الأيام التي غابها. هذا التفاني والانشغال بالعمل جعله يبدو أكثر قوة وصلابة، مما أثار استياء أشقائه. لكنهم لم يكونوا قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك، ليس فقط لأنهم يخشون من عزت وفايزة، بل أيضًا لأنهم يعلمون أن سليم لم يتوقف عن البحث وراءهم محاولا كشف الحقيقة.
وخلال هذه المدة أيضاً بدأ سليم يخضع لجلسات علاج طبيعي مكثفة، مما ساعده على استعادة عافيته بالكامل. وبعد فترة من الجهد والإصرار، تمكن أخيرًا من التخلي عن العكاز بشكل جزئي، ليعود للمشي بشكل طبيعي حد ما. وهذا الإنجاز لم يضف فقط إلى قوته الجسدية، بل جعله يبدو أكثر تحديًا وثقة، مما زاد من توتر أشقائه الذين شعروا أن سليم أصبح أكثر صعوبة في المواجهة.
وعلى صعيد آخر، كانت العلاقة بين سلوى وصالح تسير في طريق مضطرب. بدأ صالح يبتعد عنها، نادرًا ما يتحدث إليها أو يرد على اتصالاتها، مما جعلها تشعر بأنه لا يهتم بها. بدأت تتساءل عن جدوى الخطوة التي اتخذتها، وشعرت بالندم، لكنها كانت عازمة على الاستمرار. وكأنها تخوض صراعًا داخليًا مع ذاتها أكثر، تريد ان تستمر ليس من أجل تعلقها بصالح أو محبتها له، بل لتؤكد لمكي انها أصبحت ناضجة وقادرة على الاختيار.
أما هبة، فقد كانت حالتها الصحية في غاية السوء. بينما كان ياسين يحرص على زيارتها باستمرار والاطمئنان عليها، لكنه منع أي زيارات أخرى عنها.
♥️________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。.
داخل المستشفى –الربعة مساءً
ياسين دخل المستشفى بخطوات سريعة، وجهه متجهم من القلق. اتجه نحو مكتب الطبيب، يحاول أن يبدو متماسكًا، لكنه فشل أمام شوق لرؤيتها الذي يغلفه.
قال بصوت مبحوح: دكتور، ممكن أشوف هبة؟ عارف أن ممنوع عليها الزيارة، بس أنا مش هطوّل، دقيقة واحدة بس.
الطبيب نظر إليه بتفحص، ثم زفر بهدوء: حالتها لا تزال غير مستقرة، الحمى لم تنخفض بالشكل المطلوب، والزيارة ممكن تجهدها.
ياسين بصوت متوسل: والله مش هتعبها.. بس عايز أطمن عليها، أشوفها ولو من بعيد.
صمت الطبيب لثوانٍ، ثم أومأ موافقًا: بس لازم تلبس الكمامة والجوانتي، وماتقعدش عندها أكتر من دقيقتين.
ياسين وافق بسرعة، ارتدى الأدوات الطبية، ثم دخل الغرفة بحذر. وجد هبة مستلقية على السرير، وجهها شاحب، وعرق الحمى يغطي جبينها. كانت عيناها نصف مغلقتين، لكنها شعرت بوجوده فرفعت بصرها ببطء.
قالت بصوت واهن: ياسين؟
اقترب ياسين منها بحذر، مرر يده على رأسها بحنان، وابتسم رغم الألم الذي يعصف به وهو يراها في هذه الحالة.
قال بهدوء دافئ: أنا هنا، يا حبيبتي، جنبك.. وحشتيني.
حركت هبة عينيها بصمت، غير قادرة على الرد. جلس بجانبها، أمسك يدها برفق، وظل يتأمل ملامحها بحب وحزن وشوق. وبعد دقائق، اضطر للخروج، وعيناه ممتلئتان بالحزن والدموع التي حاول أن يخفيها.
---
بعد وقت – الليل يخيم على الغرفة
المستشفى هادئة، لا يكسر صمتها سوى صوت الأجهزة الطبية الخافت. هبة كانت مستلقية على سريرها، تحدق بالسقف، تعبها جعلها غير قادرة على النوم. فجأة، لفت انتباهها شيء يتحرك خارج النافذة. حاولت التركيز، فاكتشفت أنها طائرة ورقية صغيره مربوطة ببالون يتأرجح في الهواء.
قالت بدهشة وعينها نصف مغلقة: هايدي.. شوفي، إيه ده؟
هايدي، التي كانت منشغلة بهاتفها، رفعت رأسها ونظرت نحو النافذة. قبل أن تجيب، رن هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة، فرأت اسم ياسين.
قالت بسرعة: ياسين بيتصل!
ردت على الفور، ووضعت الهاتف على أذنها.
جاءها صوته دافئًا ومليئًا بالحب: خلي هبة تطلع البلكونة لو تقدر..
التفتت لهايدي نحو هبة وسألتها بلطف: ياسين عايز يشوفك في البلكونة.. هتقدري؟
هبة لم ترد، فقط أومأت برأسها بصمت، متعبة لكنها مستسلمة.
ساعدتها هايدي على النهوض، فاستندت عليها وهي تسير ببطء نحو البلكونة. وبمجرد أن خرجت، تفاجأت بالمشهد أمامها – ياسين واقفاً في الأسفل، ممسكًا بحزمة من البالونات الملونة. أطلقها في الهواء، ثم سحب الخيط المتصل بالطائرة الورقية، ليقترب البالون المربوط بها شيئًا فشيئًا.
بيد مرتجفة، أمسكت هبة بالبالون، فكّت الخيط بحذر، ثم فتحت الورقة المرفقة. اتسعت عيناها وهي تقرأ:
يا طيفَ روحٍ في دمي مسكونةٍ،
إن كنتَ تسألُ كيفَ حالُ حبيبِها،
فالنبضُ باقٍ، والهوى لم ينطفئْ،
لكنها روحٌ غدتْ في لوعِها.
مشتاقُ قلبي مثلَ أرضٍ جدْبَةٍ،
تَحيا إذا جادَ السَّماءُ بمطْرِها.
تسارعت أنفاسها، ورفعت عينيها نحوه. أغلقت جفنيها للحظة، كأنها تحاول أن تحتفظ بالكلمات داخل قلبها، قبل أن تسمع صوته مجددًا عبر الهاتف.
قال لها بحب: أنا مستنيك.. أنا ونالا مستنيينك، عشان تيجي تملي حياتنا حياة.. تروّحي الحزن اللي مالي البيت.. وترجعي لنا السعادة اللي راحت معاكي. ما تغيبيش علينا، إحنا من غيرك دنيتنا فاضية ومش ليها طعم.
الدموع انسابَت على خدها، لكنها لم تكن دموع ألم، بل دموع امتنان وسعادة. قلبها نبض بشدة، وكأن الحياة تعود إليها شيئًا فشيئًا.
أما ياسين، فظل يراقبها من الأسفل، عينيه ممتلئتان بالدموع، يده على قلبه، كأنه يحاول أن يبعث إليها ببعضٍ من قوته، بعضٍ من حبه، حتى تتمسك بالحياة لأجله.. لأجل نالا.. ولأجل نفسها.
فى أحد الملاهي الليلية الوحده صباحاً
الموسيقى الصاخبة تملأ الأجواء، الأضواء الملونة تنعكس على وجوه الراقصين، وكأنها تزيد من حدة الفوضى، رشدي مستمتع بالحفلة، لا شيء يشغله سوى النشوة العابرة التي توفرها له لحظات كهذه. بجواره، نيللي تلتف حوله كالأفعى، تضحك، تتمايل، وتهمس له بكلمات لا يسمعها أحد سواه.
اقتربت منه أكثر، وضعت شفتيها قرب أذنه وهمست بنعومة:
نيللي: حبيبي، أنا رايحة الحمام دقيقة وراجعة، ما تروحش بعيد.
نظر إليها بكسل، ابتسم ابتسامة شبه سكرانة وأجاب بصوت منخفض: هاه.. يلا بسرعة، ما تتأخريش.
لمسته برفق على خده قبل أن تغادر، عطرها يترك أثرًا خفيفًا في الهواء، بينما رشدي يأخذ رشفة من كأسه. لم يمر وقت طويل حتى جلست بجواره زيزي، رافعة كأسها بطريقة مستفزة، نظرتها مليئة بالسخرية والريبة.
زيزي بنبرة ساخرة: بسلامتها، إيه اللي يخليك تجيبها معانا؟
رشدي ببرود وهو يحرك الكأس في يده: إيه المشكلة يعني؟ بقت صاحبتي بتغيير يا زوزه.
ضحكت زيزي بسخرية، عيناها تلمعان بعدم تصديق:
فجأة كده؟ من إمتى بتصاحب واحدة نام"ت معاك من أول مرة بسرعة دي؟ دي شمال يا حبيبي.
رفع رشدي حاجبه بغرور، مال بجسده للأمام قليلًا، وكأن كلماته كانت أمرًا محسومًا لا يقبل النقاش:
عارف يا حبيبتي، هي بس عجبتني. بتقعد تقول لي إن أنا جامد، وتشكر فيا، مش شايفاني شيطان زيك، وتقعد تكسر في مقاديفي عاملة نفسها ناصحة وشيخه، وأبوها تاجر مخ"درات.
زيزي بحدة: رشدي بطل، بكلمك جد، قربها منك فجأة ده مش طبيعي، في حاجة مش مظبوطة، المفروض تفهم ده.
رشدي بثقة زائدة: ليه إن شاء الله؟ هو أنا مابتحبش ولا إيه؟ أنا رشدي الراوي، وستات كتير تتمنى تترمي تحت رجلي! هي بتحاول تقرب بس عشان تبقى من الحريم بتوعي، مصلحة يعني، فلوس، أخلص لها حاجات مش أكتر، وفي المقابل بتقضي وقت حلو معايا في السرير، مصلحة، والمصلحة على مزاجي، هاخد مزاجي منها وهرميها.
تنفست زيزي بضيق، رمقته بنظرة مليئة بالاشمئزاز:
يخربيت الغرور، اللي لسه مالي دماغك؟ طب بقول لك إيه.. بطل، ماتخليش غرورك يعميك، دور وراها، حتى على الأقل عشان تبقى مطمئن.
رشدي بعناد: لا، ملكيش دعوة.
زيزي تنظر له بقرف: لا مش هسكت، البنت دي بتضرب كوك، وانت عارف كويس ده، وقربها منك مش صدفة، هي مش واحدة بريئة بعدين ممكن تخليك تضرب معاها.
نظر إليها بتهكم، ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه:
أنا عيل صغير عشان واحدة زي دي تضحك عليا؟ وبعدين هي حاولت وأنا رفضت، أنا مصحصح.
زيزي بسرعة: أه.. لحد دلوقتي، بس بعد كده؟ الله أعلم.
أطلق رشدي زفرة نفاد صبر، ثم نظر إليها بتحذير:
قلت لك ملكيش دعوة، أنا عارف أنا بعمل إيه.
هزت زيزي رأسها بإحباط، ثم رمقته بنظرة طويلة قبل أن تهمس: تصدق.. أنا فعلًا غلطانة إني بقول لك حاجة! وخايفه عليك.
لم يعلق رشدي، فقط نظر إليها للحظة، ثم غير الموضوع فجأة، وكأنه يهرب من الحديث الذي بدأ يزعجه: قولي لي بس.. انتِ فعلًا هتتجوزي اللي اسمه عمرو؟
زيزي بثبات: آه، هتجوز إنسان محترم وكويس، عشان نبطل الجنان اللي إحنا فيه ده. وأنت مش ناوي تعقل؟
ضحك رشدي بسخرية، ألقى برأسه للخلف قليلًا ثم قال: أنا لقيت اللي يعقلني وقلت لا.
رمقته زيزي بحذر، ثم قالت ببطء: دور يمكن تلاقي لك واحدة زي ماسة اللي هتموت عليها.
نظر إليها رشدي نظرة ذات مغزى، ثم ابتسم ببطء، ابتسامة جانبية بحسره.
رشدي بصوت واثق: ماسة دي مرة واحدة في الحياة، وجت من نصيب سليم.. بس إن شاء الله قريب قوي هيحصل تعديل بسيط وتبقى معايا.
اتسعت عينا زيزي بدهشة، رمقته وكأنه مجنون:
انت مجنون!
رشدي بغرور: مش مجنون.. بس مغرور شوية.
ضحك واحتسى كاس مره واحد مد يده ودغدغها من جانبها قال:
فكي بقى يا زوزه مش لايق عليكي الجد ماتخافيش قولتك.
هزت زيزي رأسها بيأس، ثم قالت باستسلام: بجد، اللي بيتكلم معاك يندم.
رشدي مبتسمًا وهو يأخذ رشفة أخرى من كأسه:
ماتنسيش تعزميني على الفرح بس عشان اشلك الشمعه.
نظرت له زيزي بياس ويتهز راسها لا تعرف ماذا تقول، في تلك اللحظة، عادت نيللي من الحمام، شعرها مصفوف بإغراء وابتسامتها مرسومة بثقة، تقدمت بخطوات رشيقة، ثم جلست بجواره، وبدون تردد، مدت يدها وأمسكت يده برقة.
همست له بصوت خافت مغوٍ: وحشتني.
ابتسم رشدي ابتسامة جانبية، لف يده حول كتفها مستمتعًا باللعبة، بينما زيزي كانت تراقبهما من بعيد، إحساس داخلي يخبرها أن النهاية لن تكون جميلة.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
قصر الراوي - السادسة ونصف صباحًا
جناح سليم وماسة
كانت ماسة تجلس على الفراش، تحاول تهدئة نالا التي لم تغمض لها عين رغم مرور ساعات، الطفلة الصغيرة تلعب بأصابعها، تبتسم بين الحين والآخر، بينما ماسة تستند إلى الوسادة، الإرهاق يثقل جفونها وكانت تجلس سحر معاهم.
ماسة، بإرهاق وهي تداعب نالا: إنتِ مش ناوية تنامي ولا إيه؟ من امبارح وإنتِ صاحية، وسليم مشي وسابنا، وأنا اللي شايلة الشيلة كلها!
ضحكت سحر وهي تراقب المشهد: واضح إنها واخدة على السهر زيكم، النهار يطلع وهي تصحصح.
ماسة، متذمرة بخفوت: يا بنتي نامي، خالتو تعبت بجد.
كانت عيناها تغلق ببطء، لكن ضحكة مفاجئة من نالا جعلتها تفتح عينيها من جديد. نظرت إليها بحب بابتسامه، زفرت وهي تحاول إقناعها بالنوم بأي طريقة.
ماسة، برجاء: نامي طيب... بس ساعة واحدة، ساعة! والنبي.
فجأة، لمحت شيئًا يتحرك خارج النافذة. رمشت قليلًا، ثم التفتت ببطء، لتجد طائرة ورقية كبيرة بألوان زاهية تحلق بخفة في السماء، تنعكس عليها أشعة الشمس الصباحية.
اعتدلت سريعًا، رمَت الغطاء جانبًا، تقدمت إلى النافذة وفتحتها، وعندها رأته.سليم، واقفًا في الحديقة، ممسكًا بخيط الطائرة الورقية، يحركها بمهارة، ثم رفع رأسه نحوها وابتسم.
سليم، بصوت مرتفع وهو يلوح لها: انزلي!
لم تفكر، ولم تتردد، التفتت سريعًا إلى سحر وقالت: خلي بالك من نالا.
ثم ركضت إلى الخارج.
وصلت إلى الحديقة وهي تلهث، عيناها تتعلقان بالطائرة الورقية، قبل أن تلتفت إليه بفرحة طفولية.
ماسة، بحماس: الله! يا سليم، بقى لنا كتير مالعبناش بالطائرات! سنين ماعملتليش واحدة!
سليم، وهو يقترب منها بابتسامة دافئة: حبيت أعمل لك مفاجأة... مع خبر كمان.
نظرت إليه بتساؤل: خبر إيه؟
رفع قدمه قليلًا، ابتعد خطوة إلى الوراء، خطواته ثابتة... بلا عكاز.
اتسعت عيناها، وضعت يدها على فمها بصدمة سعيدة، ثم همست بفرحة غامرة: أحلى خبر! مبروك يا حبيبي!
وقبل أن تمنحه فرصة للرد، قفزت نحوه، احتضنته بقوة، بينما هو يضحك ويدفن وجهه في شعرها، يستنشق رائحتها وكأنها دواؤه.
سليم، وهو يهمس قرب أذنها: كنت أقدر أمشي من امبارح، بس قلت لازم أعملها لك مفاجأة خاصة.
ماسة، وهي بين أحضانه: والله أحلى خبر، مبروك يا حبيبي! فرحنا لك اوي.
وضعت قبلة على رقبته، ثم تراجعت قليلًا، نظرت إليه بحب، قبل أن تخطف الخيط من يده وتقول بحماس: يلا نلعب!
وقفا معًا، ماسة أمامه، هو خلفها، يلف ذراعيه حولها ليمسك بالخيط معها، تتحرك الطائرة في السماء، يضحكان، يفرحان كالأطفال.
كان يراقب تعابير وجهها المضيئة، وكل مرة كان قلبه ينبض بحب أكبر. أما هي، فكانت تسرق النظرات إليه، تتنفس سعادتها بجواره، وكأن هذه اللحظة تعوِّض كل شيء.
بعد دقائق، اقترب منها وهمس بمكر، أنفاسه الدافئة تلامس أذنها، فشعرت بقشعريرة مفاجئة:
سليم: ما تيجي نطلع فوق؟
التفتت إليه بسرعة، ضربته على صدره بخجل: اتلم! مش هينفع عشان نالا!
ضحك سليم بخفوت، جذبها نحوه أكثر، لف ذراعيه حول خصرها وأراح رأسه بين عنقها وكتفها.
سليم، بنبرة عاشق: لا، هينفع... هنفطر، وننيمها، وبعدها... وهحكي لك حكاية حلوة أوي، وحشتيني .. ايه ماوحشكيش المكس بتاعنا؟! ميكس كراميل على قطع السكر يا احلى سكر... شكل كراميل ماوحشتكيش؟!
ابتسمت ماسة بحب، التفتت إليه قليلًا، همست: تو وحشتني.. و وحشني أوي كمان.
تبادل الاثنان نظرات مشبعة بالعشق للحظات بشوق، اقتربا ببطئ، كانا على وشك أن يتبادلا قبلة... لكن فجأة، جاء صوت سحر من الخلف:
سحر: ماسة هانم، الفطار جاهزأ
زفر سليم بضيق: سحر بتيجي في أوقات غلط.
تبسمت ماسة ثم التفتت إليها سريعًا: طب جبتي نالا؟
سحر، بابتسامة خفيفة: أه، وجبت لها الرضعة كمان.
نظرت ماسة إلى سليم نظرة ذات معنى قبل أن تقول: يلا بقى، نتسابق مين هيوصل الأول!
ركضت أمامه، لكنه أمسكها سريعًا، جذبها من يدها ليمنعها من الفوز.
سليم، مازحًا: لا لا، مش هسيبك تكسبيني، بعدين ده أول يوم ليَّ من غير عكاز، بلاش نصب! استني شوية!
ضحكت، فاحتضن خصرها بحركة مفاجئة، وسارا معًا نحو الإفطار، حيث بدأ صباحهما بأجمل مفاجأة.
السفرة
جلس جميع أفراد العائلة حول طاولة الفطور، يتناولون الطعام في هدوء. بعد لحظات، انضم إليهم سليم وماسة. جلس سليم في مكانه المعتاد، بينما اتخذت ماسة مقعدها بجوار عربة الطفلة نالا. تبسمت لها، ثم انحنت لتطبع قبلة صغيرة على جبينها قبل أن تقول بحنان:
الحلوة اللي هتفطر معانا النهاردة! صباح الخير.
ضحكت الطفلة بسعادة، بينما جلست ماسة وبدأت في تناول طعامها.
نظرت منى إليها متسائلة: هتفطري معانا النهاردة؟ غريبة.
رفعت ماسة حاجبيها باستغراب: إيه الغريب في كده؟
منى بتوضيح أصل بقالك فترة مابتفطريش معانا.
ابتسمت ماسة بلطف وهي ترد: والله، نالا بتصحيني طول الليل. ببقى سهرانة عليها وبنام بعد الفجر، مابصدق تنام.
تدخلت صافيناز باستنكار: مابناخدش بالنا يعني ولا بنسمع؟
أجابها سليم بجمود: هتاخدوا بالكم إزاي أو تسمعوا إزاي؟ كل واحد مع نفسه؟! أصلا في حد فيكم فكر حتى مرة واحدة يجي يشوفها عاملة إيه؟ كويسة ولا تعبانة؟ أنتم أصلاً فاكرين أن ياسين بقى عنده بنت؟
حاولت صافيناز الدفاع قائلة: أكيد فاكرين يعني، بس أنت عارف إننا مشغولين.
ضحك سليم بسخرية وهو يتناول طعامه: طبعًا عارف إنكم مشغولين وعندكم مسؤوليات. ربنا يكون في عونكم.
تدخلت فريدة بلطف: بس خليها فوق يا ماسة، أفضل.
ردت ماسة بعقلانية: بالعكس، لازم تشوف أماكن جديدة وتشوف ناس غيرنا. نالا مابتشوفش حد غيري أنا وسليم وسلوى وماما. فقلت بما إننا صاحيين، انزلها على الفطار ونشوف وشوش جديدة. كمان ناوية أقعدها في الجنينه النهاردة، الشمس حلوة والجو دافئ، كويس لصحتها.
اعترضت فايزة: عايزة تقعديها في الجنينة إزاي؟ ممكن يجي لها برد.
طمأنتها ماسة: لا تقلقي، الجو دافئ وأنا بلبسها كويس.
أكملوا تناول الفطور، لكن فجأة بدأت نالا بالبكاء. نهضت ماسة سريعًا، حملتها وبدأت تربت عليها لتهدئها. عادت إلى مقعدها وهي تهمس لها بكلمات مطمئنة.
تمتمت صافيناز بضيق: أنا بجد بحمد ربنا إننا ارتحنا من زن ده، مش عارفة إنتِ مستحملة إزاي!
عقّبت فايزة بانزعاج: ماسة، طلعيها فوق. ده مش مكانها أصلاً، ماينفعش وإحنا قاعدين على الفطار تبقى قاعدة تزن كده.
نظر لها سليم بحدة قبل أن يقول ببرود: مش قادرة تتحملي حفيدتك شوية يا هانم؟
حكت فايزة في أنفها وقالت بتبرير: أنا ماقلتش كده، بس إحنا لسه صاحيين من النوم، مش حمل الزن ده.
بدت ماسة على وشك النهوض والخروج بها، لكن سليم أمسك يدها قائلاً بحزم: خليكي.
ثم نظر للجميع مضيفًا بحدة: اللي عنده مشكلة وحاسس إنه منزعج، ممكن يقوم يفطر في أوضته أو في أي حتة تانية. ماسة مش هتقوم من هنا هي ونالا، هتكمل فطارها والبنت معاها.
حاول عزت تغيير الموضوع قائلاً: طب رشدي لسه نايم؟ فين ياسين وعماد؟
ردت فايزة: ياسين بايت مع هبة.
وأضافت صافيناز: وعماد في دبي.
نظر عزت إليها قائلاً هو يتناول ما في الشوكه: جوزك بيسافر كتير أوي! في إيه؟
صافيناز بلهجة محايدة: بيخلص شغل والده، لكن هو برضه مركز في شغل المجموعة، كله تحت الكنترول.
ضحك سليم بمكر: فعلاً، زيدان له استثمارات كبيرة هناك، السوق بيتكلم عنه.
فايزة ببرود: طب كويس، خليه يركز مع زيدان بدل ما هو مركز معانا وفاكر إنه ممكن ياخد مكان أكبر من ده.
تنهدت صافيناز ولم تعلّق.
قالت فريدة وهي تنظر للجميع: أنا هروح أزور هبة النهاردة. حد يجي معايا؟
تبادلت النظرات مع الجميع، لكن لم يجبها أحد.
سليم: أنا كنت عندها إمبارح، يومين كده وأروح لها تاني.
أنهوا فطورهم، ثم أخذت ماسة نالا إلى الحديقة. جلست على أحد المقاعد، بينما جاء سليم ووضع شالًا على كتفيها.
سليم مش هتنامي؟
ماسة هزت رأسها بلا: لا، مش هنام. هنام إزاي وهي صاحية؟
سليم وهو يمسح على شعرها: اطلعي بيها فوق، حطيها في السرير هتنام.
هزت ماسة رأسها بالنفي: بصدع لما بفضل أنام وأصحى وأقوم كل شوية، دماغي بتوجعني.
سليم: سيبيها مع سحر، عادي.
ماسة بتعب: لا، شويه وهتنام، خلينا نقعد في الشمس شوية. بس بالله عليك، لو جيت لقيتني أنا وهي نايمين، أوعى تعمل صوت ولا تصحينا.
ابتسم سليم وربت على رأسها: حاضر يا عشقي.
ثم أضاف وهو يهم بالمغادرة: أنا همشي بقى.
نظرت إليه بقلق: سليم، رجلك… إنت لسه سايب العكاز؟
أومأ برأسه إيجابًا، أقترب وهو يضع قبله على أعلى راسها قال بنبرة ذات معنى: بس بالليل مش هتنازل عن المكس غمز لها ثم تحرك مبتعدًا.
نظرت ماسة إلى نالا وابتسمت:
ها يا شقية ايه رأيك في الشمس! حلوة ها...بقولك تعالي نكلم تيتا سعدية…نرغي معاها شوية ونخليها تجيلنا، إيه رأيك؟
قبلتها وأخرجت هاتفها وقامت بعمل مكالمة.
وبالفعل بعد وقت جاءت سعديه وقاده مع ماسة وقت ...
♥️________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
في أحد التاكسيات الثامنة مساءً
كانت سلوى تجلس على المقعد الخلفي بجانب صالح، ويبدو عليها الضيق.
سلوى بتهكم: أنا بجد عايزة أفهم! ليه مابتردش عليَّا على طول؟ لازم أتصل بيك ألف مرة عشان ترد؟
صالح رفع عينه نخوها: أصبري لما ننزل من التاكسي ونتكلم، ده مش مكانه ولا وقته وبعدين فين عربيتك؟
سلوى بضجر: أنا ماعنديش عربية، العربية دي بتاعتنا كلنا، ونتكلم بعدين ليه؟ بسألك سؤال واضح وصريح: ليه مابتردش عليا؟ بتصل مرة واثنين وعشرة، وانت ولا بترد ولا حتى بتفكر ترد عليَّ دقيقة واحدة تقول فيها أنا كويس بس مشغول.
صالح بضيق: ببقى مشغول في الشغل، هو انتي فاكراني قاعد كده، لا شغلة ولا مشغلة زيك؟ أنا راجل بشتغل في بنك، عندي مسؤوليات وأرقام. لو في جنيه واحد ضاع، أنا اللي هتحاسب عليه.
سلوى بصوت غاضب: تقصد إيه بإني لا شغلة ولا مشغلة؟ تقصد إن أنا فاضية؟
صالح بسخرية: أيوه فاضية. إنتي واحدة فاضية، لكن أنا راجل عندي شغل.
سلوى باستهجان: والله اللي أعرفه إنك بترجع من شغلك الساعة 4 وبرضو مابتردش عليَّ.
صالح بضيق: برجع أكل وأنام، وبالليل بنزل شغلي التاني في الصيدلية.
سلوى بتعجب: يعني في كل يومك ده مش فاضي دقيقة واحدة ترد عليَّ!!
صالح بحدة: قلت لك بعدين نتكلم!
سلوى بإصرار: لا، نتكلم دلوقتي!
صالح بصوت حاد: هو تحكم وخلاص؟ أنا قلت مش هنتكلم يعني مش هنتكلم.
سلوى بعصبية: ماتتكلمش معايا بالطريقة دي!
صالح بحدة: أنا أتكلم معاكي بالطريقة اللي عايزها؟ إنتي الظاهر عايزة تمشي كلامك وخلاص!
سلوى بغضب: طب، نزلني هنا.
صالح بدهشة: فين؟ إنتي مجنونة؟
خاطبت سلوى السائق: يا أسطى، لو سمحت، وقفني هنا على جنب!
صالح بعصبية: سلوى بلاش عبط!
سلوى بعند: قلت لك هنزل يعني هنزل.
تحدث صالح مع السائق: طب اقف يا اسطا هنا.
توقف السائق، تنزل سلوى وتغلق الباب بعصبية. يشير صالح للسائق بالتحرك، فتبدأ السيارة بالتحرك تاركا سلوى تقف في ذهول تام، لم تتوقع للحظة أن يتركها صالح بهذا الشكل. تنظر حولها في صدمة، غير قادرة على استيعاب ما حدث. لم تمر سوى دقائق حتى توقفت سيارة أمامها. كان مكي خلف المقود، نظر لها وقال:
مكي: اركبي.
نظرت له سلوى للحظة باستغراب، ثم فتحت الباب ودخلت السيارة. جلست بجانبه وهي غاضبة بشدة.
سلوى بذهول: سابني ومشي بجد! قلت له سيبني أنزل وأنا متضايقة، وفعلاً خلاني أنزل وسابني لوحدي ومشي!
مكي محاولاً تهدئتها: طب اهدي يا سلوى.
سلوى بانفعال: ح"يوان بجد!
فتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها لتتصل بصالح، لكنه لم يرد.
سلوى بعصبية: شفت؟ مابيردش... الحي"وان!
مكي وجهه جسده في زاويتها: طيب، ايه اللي حصل أصلاً؟
سلوى بغضب: أيّاً كان اللي حصل، ينفع يمشي ويسيبني؟!
مكي نظر لها: أكيد ماينفعش. هو غلطان طبعاً، بس أنا عايز أفهم.
سلوى تنهدت: كنت بسأله ليه مابيردش عليا، ممكن يعدي يومين مايكلمنيش ولا حتى يهتم! ولما قلت له كده، يقول لي إنتِ واحدة فاضية، ماوراكيش حاجة!.شوف الغباء!
مكي محاولاً تهدئتها: طب ماتزعليش... اهدي.. هتروحي البيت؟
سلوى بضجر: يعني هروح فين؟ طبعاً هروح البيت.
تحرك مكي بالسيارة،
وأثناء القيادة تساءلت سلوى بتعجب: هو أنت جيت هنا إزاي؟
مكي وهو ينظر أمامه: صدفة.
سلوى وهي ترفع حاجبها باستغراب: والله صدفة؟
نظر مكي لها بطرف عينه بهدوء: أيوة صدفة، أحمدي ربنا إني كنت معدي.
سلوى بنبرة ساخرة: صدفك كترت قوي!
مكي بثقه: هتفضل تكتر قوي لحد مانرجع لبعض.
سلوى باستخفاف: نرجع لبعض؟ واحنا كنا أصلاً مع بعض؟
مكي تبسم: خلاص يا ستي... نبقى مع بعض!
سلوى بتهكم: طب سوق، عشان أنا متعصبة، وماتخلينيش أطلع عصبيتي فيك.
مكي مازحاً: طب اهدي!
ابتسم مكي، واستمر في القيادة حتى وصلا إلى الفيلا. وعند وصولهما، وجدا صالح جالساً في الحديقة ينتظرها مع والدتها.