
رواية لا تخافي عزيزتي
الفصل السادس 6
بقلم مريم الشهاوي
صلوا على الحبيب
واتسعت عينيه حين رأى رحاب واقفة أمام الغرفة التي بجانب غرفة أسيل وتتحدث مع شريف !
رجِع إلى الغرفة مرة أخرى وأغلق الباب بسرعة ووقف خلفه خائفًا وأنفاسه تتعالى حيث استغربت أسيل من رجوعه ونظرت إليه باستفهام؟
إلى أن قال لها بصوت يكاد مسموع:"طنط رحاب برا.... "
دهشت أسيل ففكرت في أن رحاب قد رأته فضّلت أن تتأكد منه قبل أن يصيبها الشك فاحضرت بدفترها وكتبت به:"شافتك؟ "
قرأ ما كتبته ونظر لها وهو يهز برأسه نافيًا وسرعان ما سمعا طرق باب الغرفة فاصابهما الخوف والتوتر تحرك يزن تجاهها وهمس :"هنعمل إيه دلوقتي؟؟"
نظرت إليه وهي لا تفقه شيئا فتلك أول مرة التي تستدعي فيها رجلا بغرفتها وإذا رأته رحاب لن تصمت أبدا وستغضب والدها عليها... ماذا فعل ذلك الأحمق بي... ياليتني أخرجته من الغرفة سابقًا.
-أسيل افتحي الباب وإلا هفتح أنا
تهتف بها رحاب بصوت صارم
كان صوتها تشمئز منه أسيل فاغمضت عينيها بوجع ثم شعرت به ممسكا بذراعها بخوف ويترجاها:"لو دخلت وشافتني ه... هنعمل إيه يا أسيل؟؟"
نظرت إليه بضيق فهو من أوقعهما بتلك الورطة !
ذهبت لخزانتها وفتحتها ثم نظرت إليه وأشارت له بأن يدخل لداخل الخزانة ليختبئ.
لم يفكر ولو لثانية فتوجه مسرعا فليس الوقت كافٍ للتفكير الآن.
أغلقت أسيل الخزانة وسرعان ما رأت الباب يُفتح ودخلت رحاب وهي غاضبة الوجه وتتكلم بحدة:"أنتِ مش سمعاني كل ده ولا إيه؟؟.... مانت صاحية أهو !"
نظرت إليها أسيل بلا مبالاة وتوجهت لفراشها لتنام دون أن تعطيها أهمية وهذا ما أشعل غضب رحاب أكثر فتوجهت إليها مسرعة :"لولا إن عندنا ضيوف كنت عّرفتك مقامك كويس وعلمتك إزاي تتجاهليني كده.... واحدة صاحبتي كلمتني على عريس ليكِ مفيهوش عيب ولو طفشتيه تاني يا أسيل والله لتشوفي وش عمرك ما شوفتيه وهرميكِ لأحقر واحد أشوفه قدامي احمدي ربك إني بدورلك على ولاد أكابر سمعتي؟"
أنهت كلامها معها ثم توجهت للخارج وأغلقت الباب ورائها بعنف.
لا يعلم لمَ انزعج؟ لمَ اشتعل بدنه حين سمع بأن هناك من سيأتي ليتزوجها؟... ما علاقته بها لينزعج؟! مشاعره اختلطت بمزيج غريب أول مرة فاليوم غمره شعور غريب فيه رهبة وفيه ضيق وفيه شيء من الفرح ! حين تذكر لمساتها على فمه يشعر بسعادة ودقات قلبه تتسارع ما هذا الشعور؟
فتح باب الخزانة ورمقها بطرف عينه ورآها نائمة ولا تريد مقابلته مرة أخرى فاقترب من فراشها وهمس لها بحنين:"أنتِ كويسة؟"
كانت واضعة الغطاء على رأسها شعرت بشيء غريب هو يطمئن عليها هل شعر بأنها حزينة؟... هل يشعر أحد في هذا العالم بحزنها؟
حين لم يجد ردًا منها فهم إنها لا تريد التحدث فتكلم :"هقابلك بكرة.... لازم نتكلم تصبحي على خير يا.. أسيل."
لمَ هذه القشعرة التي أصابتها حين نطق بإسمها للتو.... يمكن أن يكون ذكره هذه المرة ببحه غريبة تنوبها بعض من الحنين ! لم تسمع إسمها هكذا من قبل كان صوته مريح حين حدثها للتو شعرت بالأمان كيف وهي منذ دقائق كانت تشعر بالخوف تجاهه كيف تبدل حالها ببضع كلمات منه ممزوجة بحنين مختلف كلمات بسيطة كفيلة بأن تغير شعورها !
رفعت غطاء فراشها ورأته وهو يخرج كم تمنت بأن توقفه ولا تدعه يرحل !
تتذكر مرحه معها وثرثرته... يبدو مزعجًا ولكن إزعاجه لها أحبته !
تذكرت حديث رحاب واغرورقت عيناها بالدموع فهذه المرة الألف التي تأتي بها بعريس لكي تتخلص منها ولكنها ترفض بكل مرة مواجهته ولكن هل تلك المرة سيحالفها الحظ أيضا أم ستغضب رحاب وستريها الشر بعينه مثل ما قالت؟
استسلمت للنوم فقد أرهقت من محادثات عقلها التي لا تتوقف.
_____________________________
كان يمشي بالممر العلوي ويفكر بها... كالمعتاد
تقابلت رحاب به وألقيا التحيه على بعضهما في سرور مصتنع فهما لا يطيقان بعضهما البعض.
نزل يزن للأسفل فوجد أبيه يهمّ بالرحيل حتى لمحه فنظر إليه باستفهام عن سبب تأخره
تكلم يزن معتذرا من الجميع:"أنا بعتذر منكم بجد لإني اتأخرت كل ده...حصلت مشكله واتضطريت أطلع للحمام اللي فوق واتأخرت شوية بعتذر مرة تانيه عن تأخري."
ابتسم له شريف:"لا عادي ولا يهمك."
تكلمت رحاب بشك:"غريبة إيه اللي يخليك تطلع الحمام اللي فوق مع إن في واحد في الأرضي؟ "
تحدثت الخادمة لا تعلم أنها أنقذت يزن من الهلاك بنقاش مع رحاب :"حصلت مشكلة في محبس المايه يا رحاب هانم وأوعدك مش هتتكرر تاني صلحناها وعشان مزعجش الباشمهندس يزن عرضت عليه الحمام اللي فوق لحد ما نحل مشكلته."
هزت رحاب رأسها بتفهم واستأذن عبد الله ويزن للرحيل من بيت شريف.
__________________
صعد إلى غرفته وبدل ملابسه ثم مدد جسده على فراشه بإرهاق وزفر بعمق وسرعان ما حلّت على وجهه إبتسامة وهو يتذكر تعابير وجهها وإبتسامتها عندما فتح عينيه وكيف وضعت اصبعها الصغير على فمه.. كيف له أن ينسى ذلك الشعور ؟؟
وضع إصبعه على فمه يمرره ببطء وشيء ما بداخله يجعله سعيدًا ! وفجأة صفع نفسه بيده وقال:"اتخمد."
رأسه مازال يؤلمه من ضربة المزهرية ولكنها كدمة بسيطة ستتداوى بسرعة تذكر كل أحداث اليوم معها مرة أخرى وظل مبتسمًا فما حدث اليوم كفيل بأن يؤرقه طوال الليل يفكر بها وكيف سيجعل تلك الفتاة الشاحبة هزيلة الجسد والروح!
بأن تحب الحياة من جديد وتشعر بالسعادة؟
__________________________________
-حبيبي عامل إيه ؟"
كانت دعاء تبتسم لرؤية إبنها عمر قد أتى ولكن حين رأت يارا خلفه ضمت شفتاها بإمتعاض واختفت ابتسامتها
دخلت يارا مبتسمة وألقت التحيّة عليها وحين رأتها علا ركضت لاحتضانها بشدة وبحب قالت:"وحشتيني يا يويو... اخص عليكِ كل دي غيبة ومشوفكيش؟؟.... النهاردة مش هعتقك طول الليل هنرغي سوا ومش هتنامي ورانا حوارات قد كده."
ضحكا هما الاثنان وتوجهت هي وعلا لغرفتها إلا أن أوقفتهما دعاء بقولها:"استني يا علا.... نتعشى الأول بعدين خديها أوضتك وبعدين أخوكي علي لسه مجاش."
ظهر علي ورائهم فجأة بعدما صعد المنزل ووجد الباب مفتوحا عندما دخل عمر ويارا للتو:"مين قال علي مجاش؟؟فين الأكل يا ماما أنا جع...... (لمح يارا فاتسعت ابتسامته بشدّة)أهلا أهلا يارا عاملة إيه ؟وطنط رحاب إيه أخبارها ؟..عمر ده مزعلك في حاجة؟؟"
ضحك عمر لمشاكسة أخيه الصغير وتوجّه لغرفته لتبديل ملابسه وبعد قليل خرج إليهم حيث وجد علا وعلي يجلسان حول يارا ويتحدثان معها وأصوات ضحكاتهم تتعالى وكأنهم أخويها حقا ! شعرت يارا بتحسن ولمحته واقفًا مبتسمًا إليها فبادلته الإبتسامة بخجل ثم أكملت حديثها معهم.
ينظر إليها ويتمنى لو تلازمها تلك الابتسامة دائما حتى شعر بصوت والدته وراءه تهمس بصوت خافت:"جيبتها ليه ؟"
اتسعت عينا عمر ونظر إليها:"هو إيه اللي جيبتها ليه يا ماما !!.. أنتِ آخر فترة مبقيتيش حابة يارا كده ليه ؟؟"
تكلمت دعاء بحدّة:"رد على سؤالي جيبتها ليه؟ "
زفر عمر بضيق وأجابها:"نفسيتها زي الزفت فجيبتها هنا عشان تفرفش هي بتغير جو مع علا وعلي."
همست دعاء بغضب:"وإحنا مالنا؟ هو إحنا مبقاش ورانا غير يارا ونفسيتها !... ما تركز في حياتك يا عمر... وبعدين مودة فين أكيد متخانقين مش كده؟؟"
زفر عمر بضيق:"أيوة يا ماما.... هي اللي بعدت وبنتخانق دايما أصلا عالفاضي وعلمليان لازم نتخانق مودة اتغيرت أصلا."
ضحكت دعاء بسخرية:"ما أكيد... طول ما الزفتة دي حواليك مش هتخليك ترتبط ولا تكون حياتك."
تركته وذهبت من أمامه وقد استفزه حديثها عن يارا...
لمَ ترى أن يارا دائما المسببة بالمشاكل بيني وبين مودة؟...هي لا تعلم أن يارا هي من تساعدنا لنتصالح ! ولكنه هذه المرة حقا يعيد حساباته مع مودة ولا يعرف ما القرار الذي سيتخذه بخصوص علاقتهم؟
وضعت دعاء العشاء على الطاولة وأيقظت عدلي زوجها من نومه ليتعشى معهم الذي رحب بوجود يارا فهو يحبها ويعتبرها إبنته الرابعة ولا يفرّق بينها وبين أولاده.
عدلي:"وأنتِ عاملة إيه في الكلية يا يارا ؟"
ابتسمت يارا:"الحمد لله خلصت إمتحانات."
تحدثت علا بمشاكسة:"مش هتفرحينا بقى دي آخر سنة ليكِ عاوزة ألبس فستان سواريه محدش في عيلتنا بيفرح خالص."
ضحكت يارا وتكلمت دعاء :"ما تلبسيه أنتِ قبلها وميبقاش سواريه يبقى أبيض؟"
شهقت علا من حديثها وقالت:"يختاي تفي من بوقك يا ماما ونبي... وبعدين ما تجوزوا الكبير الأول... أهو كل شوية يتخانق مع مودة ومش عاوز يفرحنا خالص."
علي:"والله مودة دي عسل... أخوكي اللي نكدي."
ابتسم عمر ونظر ليارا فتفاجأ بها تقلب بصحنها بشرود فحاول تغيير الموضوع ونظر لأخيه بمكر وقال:" سيبكوا من مودة دلوقتي بيقولوا نتيجة علي ظهرت؟ "
توقف الطعام في فم علي فلم يقدر على بلعه ونظر لأخيه بتوتر
تابعه عدلي بنفس المكر:"واتقال إنها ظاهرة من أسبوع... مش سألناك وقولت إن النتايج لسه منزلتش وإن لو نزلت نتيجتك مش موجودة عشان أنت نحس ؟؟"
بلع علي الطعام وحاول أن يتحدث :"أه... أه... ظهرت... وفعلا روحت أشوف نتيجتي بس ملقتهاش !"
تعجب الجميع وتحدثت والدته بعدم فهم:"يعني إيه ملقتهاش ؟!"
نظر لها عمر وضحك:"سيبيه ياماما هو كل سنة يقول البوقين دول."
تحدثت يارا معه ضاحكة:"هم مستقصدينك؟ مش ده برضو اللي حصل السنة اللي فاتت !!"
ضحكوا الجميع وتحدثت علا وهي ممسكة بالسكين تهدده بها :"ما تقول جبت كام يا علي ده إحنا أهل يا جدع !"
بلع علي ريقه ونظر لوالده ولعمر يحاول تبرئة نفسه:"أنا روحت هناك وقالولي مفيش نتايج خالص... وبالذات أنت ملكش نتيجة."
شهقوا الجميع بسخرية وتحدث عمر بنبرة شفقة:"تؤ تؤ تؤ يخسارة."
أكمل علي بثقة:"أصلا مش هتطلع... بتاعتي أنا مش هلاقيها قولتلكم إني دايما منحوس بص... أنا مش عايزها خلاص... عادي يعني مش نتيجة... مش نتيجة هي اللي تحدد إذا كنت ناجح ولا لا... مش ورقة إمتحان اللي.... "
قاطعته دعاء بترجي:"لا ونبي حد يسكته لحسن لو فتح مش بيفصل... جبت كام يا علي انطق؟؟"
علي بإصرار:"يا أمي مش موجودة... معظم النتايج ضاعت في الكنترول وأنا نتيجتي ضاعت معاهم.. فالله يسامحهم بقى."
عمر بتحذير:"هتقول جبت كام... ولا أقول أنا درجاتك؟؟"
اتسعت عينا علي وقال بارتباك:"ت.. تقول إيه؟؟.... بقولك مطلعتش... أنت... جيبتها؟"
أخرج عمر هاتفه من جيبه ونظر له :"اهي الدرجات قدامي... أقول ؟؟"
ظن علي إنه يخدعه:"والله؟؟... وياترى جايب إيه بقى؟"
ضحك عمر :"جايب إيه؟.... قصدك مش جايب إيه ! إيه الدرجات دي !!! "
دعاء بقلق:"إيه يا عمر... متوقعش قلبي جايب إيه ؟؟"
نظر عمر للهاتف ثم نظر لأخيه الذي ظهرت تعابير الخوف على وجهه :"بصي ياماما أولا إبنك مش جايب درجات حتى مش مكتوب أي حاجة كان هاين عليهم يشتموه أو يكتبوا منك لله عشان يملوا فراغ الورقة بدل ما هي بيضة كده منغير أرقام."
شهقت دعاء :"يالهوي !"
عدلي :"لا يالهوي إيه... اصبري شوفي درجات إبنك بعديها ولولي براحتك (نظر لعلي بتوعد) دنا هنفخك."
ارتعش علي وقال بخوف:"قولتلك في مشكلة في الكنترول وأكيد دي مش درجاتي يا بابا... أنت عارف إني ذاكرت."
عدلي:"أه طبعا الكنترول فيه مشكلة...أنت كل ترم على هذا الحال ومتقولناش جبت كام وتخترعلنا أي حجة وتروح وترجع تقولنا إنك ملقتش الجامعة من أصله !"
عمر:"أمال كنت بتروح الجامعة طول الترم تعمل إيه بالدرجات اللي جايبها دي !"
ضحكت يارا وعلا وهم ينظران لعلي الذي اصفرّ وجهه وقال:"طب ما تقول... أنت كداب يلا وعمال توقع قلبي وخلاص متصدقيهوش يا ماما."
عمر وهو ينظر بهاتفه:"اهو إسمك أهو علي عدلي عز أبو زيد إسمك ده ولا مش إسمك ؟؟فيه مادة جايب فيها تلاته ونص... مش عارف دي فكة ولا إيه !... ومعظم الدرجات لو بصينا عليها هنلاقيها مواقيت صلاة مش درجات! "
ضحكوا الجميع وضحك معهم علي وهو يحاول تبرأة نفسه:"على فكرة دي خمسة وتلاتين هم تلاقيهم حطوا النقطة دي بالغلط."
تحدث عمر بسخرية :"يا راجل ! ده إيه الجمدان ده ! جايب خمسة وتلاتين من عشرين !!"
صمت علي وانفجروا بقيت العيلة بالضحك
ترك علي الطعام وركض بالمنزل وعدلي وراءه وعمر يحاول إمساكه
وامتلأت جدران المنزل بصوت ضحكاتهم وامتلأ قلب يارا بالفرحة هي تشعر بالانتماء لهذه العائلة أكثر من عائلتها الحقيقة هنا هي تبتسم وتضحك حقا من قلبها لا تدّعي هذا !
بعد انتهائهم توجهت يارا مع علا إلى غرفتها وظلت تحدثها طوال الليل ويضحكون سويا وهذا ما جدد نفسية يارا إلى الأحسن تحاول أن تتناسى ذلك الأمر وتحاول أن تفرح ولو بقليل فمن يعلم بالأيام القادمة هل ستكون فرحة أم حزن؟
__________________________________
دخل عمر غرفته وجلس على الاريكة واسقط رأسه للخلف يفكر بمودة حبيبته هل يصالحها أم لا؟.. وبعد صراعات داخلية فتح هاتفه وراسلها وكتب (أنا آسف ، أنا بحبك)
لم ينتظر القليل حتى رآها ترد عليه برسالة (وأنا كمان بحبك يا عمر ومش عاوزانا نبعد !)
ابتسم عمر من رسالتها فكل ما كان بداخله من غضب تجاهها قد ذاب من هذه الكلمات تحدث معها طوال الليل وهو يشعر بالسعادة فهي حبيبته تارة يتخيل اليوم الذي سيجمعهم بيت واحد ويأخذها بحضنه ذلك الدفئ يريد أن يشعر به بأسرع وقت.
وتارة أخرى يفكر بصديقته ماذا ستفعل ويفكر لها بحلول ولكن هذا الأمر أيوجد به حلول؟
أم يهيأ نفسه أنه سيجد حلا فقط !
_______________________________
رمقته هدير بنظرة عدم استيعاب ما قال... هل مازال نائمًا وتلك هي ما تسمى بالهلوسة؟
وقفت هدير ونظرت إليه بغضب مما قاله:"كويس إنك فوقت... اتفضل أخرج برا."
وذهبت للباب لكي تفتحه وينصرف ومصطفى لم يستوعب ما حدث... ألم يكن حلمًا؟ نظر بجانبه فوجد شهاب يحدثه بسخرية:"احمد ربنا إنها متدكش قلم فوقتك...."
اتسعت عيناه بدهشة فجلس على الفراش يحاول إدراك ما حدث... لمَ يحدث معه هكذا حظه دائما سيء ولكن حتما هو الآن تأكد أن لا حظ له على الإطلاق !
نظر لشهاب وأشار له بأن يختبئ قبل أن تراه هدير ونظر لها موجها باعتذار:"أنا آسف.... فكرتك شخص تاني."
لمَ هذا الضيق يا هدير؟
هل تمنيت من أن تكون هذه الجمله حقا لكِ...؟
ليس وقت الوقوع بالحب يا فتاة... فالذي مثلنا ليس لهم الحب إطلاقا افيقي نفسك فهذا وهم.
وقف على قدميه ولكن شعر بألم شديد بقدمه اليمنى فجلس على الفراش مرة أخرى وهو يتأوه بصمت.
همّت إليه مسرعة تقترب منه وقالت بخوف:"أنت كويس؟ إيه اللي واجعك.... "
كان مصطفى متوترًا للغاية فتحدث إليها بسرعة وأشار بيده لها بعدم الاقتراب:"لا أنا كويس... أنا آسف... آسف... مش عارف إيه اللي حصلي... بس... شكرا إنك جبتيني لحد بيتك."
كانت علامات الخوف على وجهها فنظرت إليه بعطف:"بتشكرني على إيه بس يا أستاذ... أنا اللي المفروض أشكرك على اللي عملته معايا... رجلك فيها حاجة؟؟.... خليني أشوفها."
أصابه القلق ونبتت قطرات من العرق على جبينه وأسرع في الوقوف مجددا:"صدقيني أنا كويس.... لازم أمشي."
كان يعرج على قدمه ويتحمل الألم وخرج من منزلها وهي وراءه :"أنا بجد آسفة كل اللي حصلك ده بسببي أنا آسفة."
سمع صوتها المكتوم بالبكاء وكان يخرج بصوت مبحوح فشعر بقلبه يتمزق.... لم يرد أن يقول لها أنه استسلم للموت منذ ساعات عندما علم إنها بخير وأن نفسه لا تهمه إطلاقًا فلماذا نفسه تهمها هي ! فقدَ شغفه تجاه نفسه منذ زمن ولم يعد يشعر بها الآن هو يبقيها حية حتى تنتهي من مهمتها وتعود إلى خالقها ينتظر هذه اللحظة !
اقترب منها مصطفى وقال بحنان:"كل اللي حصلي ده الجانب منه هو حمايتك وبس وأي نواتج بسببه فهي متهمنيش مادام أنتِ بخير.... بلاش دموعك تنزل على شخص زيي... أنا مستاهلهاش ولو حتى شفقة ! "
لمَ يتكلم بكل هذا البؤس؟
أنا أشعر إنه فاقد للروح والذي تعيش هي الجسد فقط!
مصطفى:"الوقت مش مناسب إننا نتكلم في اللي حصل النهاردة وليه...المهم إنك بخير."
أخذ خطوات للخلف وهو ينظر إليها ويودعها بابتسامة ثم فكر بأن يطلب منها الطلب الذي يراوده دائما :"هو... ممكن اسألك سؤال؟"
ابتسمت هدير وأجابته:"طبعا."
ابتسامته اتسعت أكثر:"حضرتك... مخطوبة أو متجوزة؟؟"
تغيرت ملامح وجهها للاندهاش من سؤاله فشعر مصطفى أنها غضبت من سؤاله فكر بالانسحاب والهرب فورًا:"أنا آسف... عن إذنك."
همّ بالرحيل حتى أوقفته هي :"لا استنى... أنا مش مخطوبة ولا متجوزة."
ابتسم والتفت إليها وهي الفرحة لا تسعه وشاور على يديها :"أمال الخاتم اللي في إيدك ده؟"
نظرت هدير للخاتم الذي بيدها هي تقصد أن تضعه حتى لا يأتيها الخطاب أو أحد يطلب منها الزواج فهي غير مستعدة لهذه الخطوة ولا تضعها في الحسبان بحياتها ولكن لماذا أجابته وصارحته؟ لماذا تريده هو أن يعرف إنها مازالت لم تتزوج؟؟
أجابته بهدوء:"ده خاتم ورثته عن ماما الله يرحمها ومش بقلعوا لكن هو مش خاتم جواز أو خطوبة."
تنهد بارتياح حتى هي شعرت بذلك أيضا !
اكتفى مصطفى بهذا الحديث كان يريد أن يسألها الكثير ولكن فضّل بأن تنتهي المقابلة بكل ود ولا يحدث شجار بينهم نعم كان الحديث قصيرا ولكن بالنسبة له فقد شبع ولا يطمع بالمزيد كان بالماضي يتمنى فقط أن تنظر إليه أو تلمحه والآن هو يستطيع التحدث معها فهذا يكفي.
تركها ورحل اتبعته بعينيها إلى أن اختفى من أمامها ماذا حدث لها تشعر بشعور يجتاح صدرها لم تشعر به من ذي قبل !.. أغلقت الباب ثم عادت إلى غرفتها وهمت لتغيير فرشة سريرها فكانت ملطخة بدماء مصطفى ولكنها شمت رائحة شيء.... رائحة عطر.. إنها رائحة عطره ! ظهرت ابتسامة بجانب شفتيها وأخلدت للنوم بصعوبة فهذا هو اليوم الأول الذي يصعب عليها النوم من شدة التفكير... برجل !
شعرت أن قلبها ليس كالمعتاد اليوم تتذكر كلمته وبشدة وكيف قالها بهوان (هدير أنا بحبك) ولكنها شعرت بالذنب الشديد فقامت من فراشها وذهبت للمرحاض وتوضأت وأقامت الليل لساعات طويلة تناجي بها ربها وتردد دعوة واحدة (اللهم لا تعلق قلبي بأحد غيرك)
_________________________________________
في الصباح الباكر استيقظت أسيل من النوم وذهبت إلى جامعتها كانت لا تريد الذهاب بوسيلة مواصلات أخذت تمشي وبداخلها يقين... أنها ستراه اليوم.. لقد اعتادت رؤيته يلاحقها وقد قال لها البارحة إنه سيقابلها اليوم....لمَ ترغب برؤيته هكذا؟
__________________________________
استيقظ مبكرا وبدل ملابسة للنزول خرج من غرفته مسرعا فتقابل مع أبيه الذي نظر إليه باستفهام:"الساعة ستة الصبح إيه اللي مصحيك بدري كده؟! أنت لحقت تنام ! "
لم يقل لأبيه إنه لم ينم من كثرة التفكير فقط غفل ساعة أو ساعتين وبعدها استيقظ ليذهب إليها :"صباح الخير يا بابا... أنا نازل دلوقتي الشركة."
تغيرت ملامح وجه عبد الله بعدم استيعاب:"في مدير بيروح الشركة الساعة ستة الصبح ! طب افطر قبل ما تنزل."
قال يزن بمرح:"عادي بقى نشاط وكده متقلقش عليا هفطر برا عن إذنك يا بابا."
ذهب إلى جامعتها وهبط من سيارته سند عليها ينتظرها ورفع يده ونظر لساعته:"الحارس قال إنها بتروح الجامعة بدري أديني جيت بدري أهو هبدّر إيه أكتر من كده ! ده الفجر لسه مأذن من ساعة."
وبعد مدة من الوقت رآها متجهه نحو بوابة الجامعة
التمعت عيناه وركض نحوها ووقف أمامها وهو مبتسم:"صباح الخير."
تفاجأت به أمامها فها هي تفكر به ويظهر أمامها وكأنه يقرأ أفكارها رمقته بنظرة مجهدة ألم يتعب من اللحاق بها؟
ذهبت من أمامه وهو مازال يمشي خلفها يحاول التحدث معها :"آنسة أسيل... لسه بدري أوي على محاضراتك... ممكن ناكل حاجة سوا أو نشرب حاجة في أي كافيه هنا ونتكلم وياستي هعرفك عليا عشان تبقي متطمنالي أكتر وأنتِ كمان تعرفيني عن نفسك ونتكلم ش....... "
قطع حديثه دخولها من بوابة الجامعة متجاهلة كلامه
وقف بيأس وظهر على ملامحه الغضب من فعلتها هذه لمَ تتجاهله بهذه الطريقة !
سمع حديث الحارس الممزوج ببعض السخرية:"ريح نفسك مش بتدي فرصة لحد."
استغرب يزن من حديثه وقال :"يعني إيه؟ "
الحارس:"أنت مش أول واحد تعجب بيها فيه قبليك كتير أوي وكانوا مبياخدوش منها حاجة."
يزن باستفهام:"أعجب بيها؟؟؟ "
الحارس::كانوا بيتنططوا زيك كده وراها وفي النهاية تسيبهم وتمشي وهكذا بقى وأهي الدورة بتلف."
غضب يزن بشدة واتجه نحو سيارته ودخل بها وظل يفكر بكلام الحارس الذي استشاطه غضبا وكرر:"أنا بتنطط !!.... كل ده عشان بس عايز أعرف حكايتها إيه وصعبانة عليا لحسن تكون بتتإذي في البيت.... أنا معجب بيها وبتنطط؟... أنا بتنطط !!! "
ضرب على "دركسيون" السيارة بقوة وتحرك بسيارته تجاه الشركة.
شرب الكثير من القهوة ليظل مستيقظا في عمله وآخر النهار استأذن للرحيل وذهب إلى جامعتها حيث ميعاد خروجها قد حان وقرر بداخله إنها المحاولة الأخيرة ونظر للأعلى يتكلم مع ربه :"يا رب أنا كده أبقى عملت أقصى ما عندي عشان أساعدها لو رفضت تاني فكده أنا عملت اللي عليا وهبعد خالص ومش هفكر فيها تاني."
خرجت من الجامعة ممسكة بشطيرة حلوى تحاول أن تأكلها وجائعة للغاية ولكنها غير قادرة على تناولها وكأن مر الحياة يجعلها مستصعبة إستطعام الحلوى أو حتى الطعام الطبيعي ! كان جسدها هزيل وضعيف للغاية حتى إنها تشعر بالدوار كثيرا ولكنها لا تخبر أحدا فلا أحد بالبيت يهمه أمرها.
كانت تمشي ودموعها تسيل على وجنتيها وكل ثانية تنظر لرسالة والدها بالهاتف :"أنا مسافر أنا ورحاب والأولاد نغير جو شوية كل حاجة محتاجاها هتلاقيها ولو ناقصك حاجة كلمي حد من الخدم.. دي إجازة وموبايلي هيبقى مقفول طول الوقت معرفش هتفضل قد إيه بس لحد ما نفسية يارا تتحسن."
همست بداخلها بوجع :"طب ونفسيتي يا بابا؟ "
ليه كل العالم بيهمك زعله إلا أنا !
مبتسألش عليا ليه وتقولي مالك إيه اللي مزعلك؟
ليه حسستني إني بقيت لا شيء في حياتك مجرد عبء عليك عاوز تتخلص منه بأي طريقة !
ليه نسيتني زي ما نسيت ماما؟
تلاشتني وكإني نكرة في حياتك !
كانت كل هذه التساؤلات دوما تدور بعقلها تريد أن تبوح بها أمامه ويجيبها على أسئلتها يجيبها بردًا يهدئ من روعة قلبها، ردًا يكون دواء على جوارح قلبها ترجعه للحياة مرة أخرى ردًا يكون مثل اللاصق على قلبها ليبنيه من جديد بعد أن تفتت !
أنفاسها تعالت ولم تعد تشعر بقدماها تحملها انهمرت دموعها تجهش بالبكاء بحرقة نزلت بركبتيها على الأرض ووضعت يدها على وجهها تبكي وتبكي لعلها تفرغ وجع قلبها.
كان ينتظرها وعندما طال إنتظاره توجه للحارس يسأله وأكّد له إنها رحلت منذ دقائق.
كان يبحث عنها في الشوراع ، تلك الفرصة الأخيرة يريد الفوز بها وبعدها سيتركها ويرحل ولن يفكر بأمرها.
فكّر بأنها قد تكون ركبت سيارة أجرة وذهبت للبيت فوقف بيأس وتنهد بحزن وحين التفت للرجوع إلى سيارته ويرحل وجدها بآخر الممر جالسة على الأرض تبكي ميّزها من ملابسها التي كانت ترتديها صباحا ورآها بها.
ركض نحوها بلهفه ويتسائل لمَ تبكي؟
كانت شهقاتها تتعالى فشعر بغصة بقلبه من صوت بكائها لمَ قلبه يؤلمه هكذا؟
نزل على ركبتيه أمامها يتسائلها بلهفة:"أسيل !... في إيه؟؟... إيه اللي حصل؟... بتعيطي ليه؟... أسيل ؟"
وفجأة وجدها ترتمي برأسها في حضنه وتشهق بقوة وهي تبكي لم يشعر بنفسه إلا وهو يحيطها بذراعيه ليضمها لصدره بشدة ويتمتم:"اهدي... "
انغمست بوجهها في صدره أكثر وهو يمسح على شعرها بحنين دافئ ويهدئها بكلماته
وبعد دقائق توقفت عن البكاء وظلت بحضنه
تحدث يزن بهدوء:"خلاص هديتي شوية؟"
أمسك بذراعها وأبعدها عنه وهو يتكلم:"يلا قو....... "
وحين أبعدها عنه وجدها مغلقة عينيها وساكنة الملامح
اتسعت عينا يزن بدهشة وهزّها بيده بقوة كي تفيق:"أسيل... أسيل !!"
لم تستجيب له وسقطت رأسها للخلف.. لقد فقدت وعيها !
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اللهم صلِ وسلم وبارك على نبينا محمد
دمتم سالمين❤.