
رواية شبح حياتي
الفصل الخامس 5 والسادس 6
بقلم نورهان محسن
الفصل الخامس
أسوأ المتاهات التي من الممكن أن يمر بها المرء هي متاهة العقل، أن يكون ساكن جدًا من الخارج وبداخل عقله يركض في تلك المتاهة ليجد آخرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهر بدر بجانبها من العدم ، وهو يسأل بهدوء : مالك
همست بكلمات أشبه بالهذيان ، تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها المرعوب من الأفكار المتضاربة في رأسها ، ثم لفظت كلماتها الأخيرة وهي ترفع رأسها وتنظر إليه بعينين مملوءتين بالدموع : هتجنن .. انت نفس الراجل اللي في الصورة .. نفس الملامح والوش و الطول و العرض .. يعني فعلا انت بدر زي ماقولت .. وانا الوحيدة اللي شيفاك معني كدا ايه!!
أشاح بدر بنظره بعيدًا عنها قائلاً بخفوت : معنديش اجابة
ثارت أعصابها بسبب برودة كلماته ، فتوقفت عن المشي ، والتفتت إليه مسرعة حتى واجهته بكل جسدها ، تنظر في عينيه الداكنتين بينما قلبها ينبض بقوة غير مفسرة ، ولم تعط نفسها مجالاً للتفكير ، متسائلة بإستنكار : ايه هو دا اللي معندكش اجابة .. اومال مين هيجاوبني ها!!؟
صرخت بجنون مجدداً ، مشيرة إلى نفسها بكلتا يديها : اشمعنا انا بس اللي قادرة اشوفك وانا اصلا معرفكش؟
تطلع بدر حوله ، ولاحظ التحديق المستنكر للمارة في شارع على حياة ، التي فعلياً كانت تتحدث إلى نفسها في شارع مليء بالناس ، ودمدم جازاً على أسنانه : وطي صوتك وامشي .. الناس بتتفرج عليكي!!
زفرت حياة بقهر وهي تخفض بصرها عن عينيه ، ثم تابعت طريقها قائلة بصوت يائس : ما انا خلاص بقيت مجنونة و بكلم شبح راجل ميت!!
غضب بدر مما قلته ، وهمس من بين شفتيه طاحناً أسنانه بقوة من الغيظ ، فما يحدث له أصبح يفوق قدرته على التحمل أيضًا : بطلي تقولي الجملة دي
بدأ الحزن والإحباط يطغى عليها تماما ، وتطايرت الأسئلة والاستفسارات مثل طائر فوق رأسها ، ليزيد من ارتباكها الذي ظهر في نظراتها الضائعة وهي تقول بتشوش : مش دا كان كلامك ليا الصبح .. مفيش تفسير غير كدا .. رغم ان دا اصلا مش منطقي برده!!
رفعت حياة وجهها إليه ، وامتلأت عسليتها بالدموع ، وقالت بصوت ضعيف متوسل : ارجوك حاول ترجع بأي وسيلة للعالم اللي جيت منه .. وسيبني في حالي
ومضت عيناه ببريق حزين عندما استمع إلى كلماتها المترجية إليه أن يتركها وشأنها ، لكنه لا يفهم سبب حزنه !!
بل يفهم سبب هذا الحزن ، ولا يمكنه إنكاره بدونها سيضيع في هذا العالم وحيداً.
ابتلع بدر غصة ألم في حلقه بسبب العجز الذي شعر به ، لكنه أبى ان يظهر هذا الشعور محاولًا السيطرة علي نبرة صوته أمامها ، وهتف باستنكار : ارجع فين يا مجنونه!! انا مش هسيبك
قطبت حاجبيها بإستغراب عندما رأت امرأة تنظر إليها بشفقة ، حيث إنتبهت فقط الآن أنها تتحدث إلى شبح غير مرئي في وضح النهار ، فأخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها ، وقالت بحسرة : انا بقيت مجنونة بجد الناس فعلا بتتفرج عليا .. فين تليفوني!!؟
وضعت حياة الهاتف على أذنها ، وهي تعدل الحقيبة مرة أخرى على كتفها متظاهرة بالحديث فيه.
لا يعرف بدر كيف وجد نفسه دون سابق إنذار ، يضحك من كل قلبه على فعلتها التي جعلته ينسى في لحظة كل الآلام العاصفة التي بداخله ، قائلاً من بين قهقاته الرجولية بغمزة من عينيه : لا ذكية
حدقت به حياة بإنشداه من ضحكته الجذابة ، فهذه كانت المرة الأولى التي ترى فيها أسنانه بشكل كامل ، ووجدت نفسها تضحك أيضًا دون تفسير ، قالت بمزحة بائسة : ابوس ايدك قولي اعمل ايه!! يا تعتقني لوجه الله وتبعد انا حياتي مش ناقصة عفاريت كمان
هدأ بدر قليلا من نوبة الضحك التي غرق فيها ، وضيق عينيه عليها وهو يسألها بمرح يلهث : ارسيلك علي بر .. انا روح و لا عفريت ولا شبح
رفعت حياة كتفيها ، دلالة إلى أنها لا تملك إجابة على هذا السؤال ، قالت بنبرة ساخرة : حاسة كأني في فيلم عربي قديم .. عارفو بتاع اسماعيل يس و العفريته كيتي
عقد بدر حاجبيه بعدم فهم ، وسألها بفضول : انا فاكر اسمي بالعافية .. و دا ايه حكايته؟
نظرت حياة إليه حياة بحاجب مرتفع ، وقالت بذهول : انت ماشوفتوش!!
أومأ بدر إليها بنفي صامت ، فأجابت بشرح : العفريتة دي كانت رقاصة واتفق مدير الكباريه والراجل بتاعه علي قتلها .. عشان يستفادو بفلوسها بعد موتها .. قامت طلعت العفريته بتاعتها لراجل غلبان وطيب و في حاله زي حالتي كدا
ضحك بدر على نبرة الحسرة في حديثها ، بينما كان منتبهًا لما تقوله ، ثم سألها باستفسار : يعني هي اتقتلت .. فطلع عفريتها لواحد بس!؟
أومأت حياة بالإيجاب ، وما زالت تحمل الهاتف على أذنها : بالظبط كدا
اتسعت حدقتي بدر في ذهول ، وزاد الفضول داخل عقله ، متسائلاً في حيرة : طيب و دا كانت تعرفه قبل كدا!!
أجابت حياة غير مبالية ، وهي تعبر التقاطع ، بعد أن نظرت يمينًا ويسارًا : ايوه كان بيغني معها علي المسرح
توقف بدر عن المشي ، ولمعت عيناه باهتمام ، و سألها بهدوء : واذا فرضنا ان اللي بيحصل معانا شبه اللي بتحكيه !! معني كدا ان انا وانتي نعرف بعض
نظرت حياة في عينيه مباشرة بعد أن وقفت أمامه ، وخلفه كان هناك متجر لبيع الملابس ، وبدا كما لو كانت تقف تنظر إلى المعروضات.
أومأت حياة برأسها و فسرت كلماتها : ايوه بابا كان ساكن في الشقة للي قصادك وانا وقتها كنت صغيرة اوي وانت كبير .. ماكنش فيه اي كلام بينا
هز بدر رأسه ، مجعداً حاجبيه بتشوش ، ثم تنهد بضيق عندما لم يصل لشيئا وأردف : انا مش فاكر حاجة من اللي بتقوليها!
زمت شفتيها في التفكير أيضًا ، وقالت بتعب : وانا كمان مش فاكرة اي حاجة عنك .. انا تعبت خلاص من المشي يلا نرجع البيت
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور فترة وجيزة
كانت حياة واقفة أمام باب الشقة ، تنظر إليه بشرود حتى استيقظت على صوت بدر الذي قال بضجر : هتفضلي واقفة كدا كتير!!
رفعت حياة رأسها ، ونظرت إليه بعيون واسعة ببراءة ، ثم قالت بتذمر : نسيت اعدي علي عم حمزة عشان اخد منه مفتاح الشقة .. وكدا مضطرة انزل خمس ادوار من تاني وانا ماصدقت طلعت اصلا
أجابها بدر بلا مبالاة : مش مستاهلة تنزلي ولا حاجة في مفتاح استيبن تحت المشاية دي
خفضت حياة نظرها مندهشة ، حيث أشار برأسه تحت قدميها ، ووجدت نفسها واقفة على مشاية صغيرة ، تراجعت خطوة إلى الوراء ، ثم هبطت على ساقيها ، ورفعتها قائلة بستهزاء منه : مفيش حاجة تحتها يا ذكي
إستطرد بدر كلماته بإصرار مشيراً إليها بإصبعه السبابة : هتلاقي المفتاح جوا بطانة المشاية .. افتحي السوسته دي و هتلاقيها
عقدت حياة حاجبيها بعدم تصديق من وجود مشاية ذات سحاب خلفي ، لكنها فعلت ما قاله ، ثم ابتلعت لعابها بغرابة عندما أخرجت مفتاحًا صغيرًا حقًا ، لكنها لم تعلق علي الأمر ، بل إستقامت ، وفتحت الباب ، ثم دخل كلاهما إلي الشقة.
أشار بدر بإصبعه نحو غرفة النوم قائلاً بهدوء : دخلي شنطتك جوا و تعالي نتكلم شوية
خطت حياة خطوات هادئة تجاهه ، تنظر إليه بريبة قبل أن تسأله بإستفهام : قبل ما اعمل اي حاجة .. انت كنت عارف مكان المفتاح بالتفصيل !! يعني اللي بيحصلي مش تهيوأت من خيالي .. ممكن تقولي ايه اللي حصلك وصلك لكدا!!
أغلق بدر عينيه بضيق من تكرار هذا السؤال الغبي منها ، لأنه لو توفرت له الإجابة لكان بإمكانه أن يساعد نفسه.
رد بدر بتنهيدة عميقة : مش عارف ولا فاكر حاجة عن حياتي .. كل اللي اعرفه اسمي بدر و اني صاحب العمارة دي
أردفت حياة بتساؤل أخر : وقولتلي انك كنت متجوز وحدة اسمها اميرة
أجابها بدر بعد أن وضع يديه في جيوبه ، ونظر إليها وهو يشعر بالسأم : ايوه
رفعت حياة حاجبيها بدهشة ، وسألته بعدم إقتناع : ازاي هي طليقتك وتدخل شقتك وانت مش موجود وكمان البواب بيقول انها مراتك؟!
سحب بدر يديه من جيوبه ، ورفع باطن كفيه للأعلي ، ثم غمغم في حيرة من أمره : علمي علمك..
صمت بدر برهة ، ثم استأنف حديثه بصوت واثق : بس كان واضح عليها لما دخلت هما انها جت لغرض معين عشان فضلت تدور جوا الدواليب و في أوضة مكتبي
اتسعت حدقتا حياة بصدمة ، واستدارت يسارًا ويمينًا متسائلة : مكتبك فين الأوضة دي!؟
أشار بدر ذقنه إلى اليسار ودمدم : هي دي
عضت حياة علي شفتيها بغيظ ، وهي تفرك فروة رأسها ، ثم قالت بإحباط ، بعد أن كانت تأمل أن تجد شيئًا مفيدًا من خلال هذه الغرفة : الاوضة دي حاولت أفتحها امبارح بس مقفولة!!
كاد بدر أن يرد ، لكنه سكت عندما سمعوا صوت خافت يطرق على باب المنزل ، فذهبت حياة لترى من الذي أتى.
★★★
في مدخل الشقة
عندما فتحت حياة الباب هتفت زوجة حمزة بقلق : انتي كنتي فين يا بنتي؟ خبطنا عليكي كتير الصبح!!
حركت حياة جسدها بعيدًا عن الباب قليلاً لإفساح المجال لهم للدخول ، قائلة بهدوء : اتفضلو الاول
وقفوا جميعًا في منتصف الصالة حيث وقف بدر بجوار حياة يشبِك يديه للأمام دون أن يدركوا وجوده باستثناء حياة التي لمست أنفها برفق وتلفظت بالكذب ، وتقسم في سرها أنها ستلجأ إليه كثيرًا في الفترة المقبلة : انا خرجت بدري تمشيت شوية .. ورجعت من عشر دقايق تقريبا
قال حمزة بابتسامة ، وهو ينظر إلى زوجته : ماشي .. كريمة خشي اعملي اكلة حلوة كدا من بتوعك لست حياة
ردت كريمة ببشاشة : من عيني حاضر .. انا عملت حسابي و نزلت السوق اشتريتلك شوية حاجات .. البت إسراء هتطلعهم
وأضافت ، وهي تمسد بحنان على ظهر حياة : ها تحبي اعملك اكل يا ست البنات شكلك لسه تعبان ووشك اصفر
هزت حياة رأسها في رفض ، وهي تبتسم قائلة بامتنان : لا انا ماليش نفس .. تسلمي يا ام كرم ماتقلقيش بقيت كويسة و كتر خيرك تعبتك معايا ماتحرمش منك
ضرب حمزة جبينه برفق ، وقال بسرعة : صحيح يا ست حياة قبل ما انسي زي كل مرة..
أردف بتخمين ، وهو يخرج من جيبه شيئاً لامعاً ، ثم أعطاه إلى حياة : اتفضلي مفتاح الشقة .. اكيد انتي سيبتي باب الشقة مفتوح لما خرجتي ورجعتي!!
ردت حياة باندفاع دون أن تدرك أثناء إخراجها نسخة المفتاح الآخرى من جيب بنطالها : لا يا عم حمزة .. انا معايا مفتاح الشقة لاقيته تحت المشاية
تمعن بدر النظر في وجه حمزة الذي بهت لونه عندما رأى هذا المفتاح بيد حياة ، ثم عاود النظر إلى حياة عندما سمعها تتساءل : قولي يا عم حمزة .. معلش هي طليقة استاذ بدر اسمها ايه!!؟
حياة بسؤالها أوقفت كل الأفكار التي إنهمرت كالمطر على عقل حمزة ، فنظر إليها بحاجبين مرفوعين بدهشة وقال بتصحيح : استاذ بدر متجوز يا ست حياة مدام أميرة
رفعت عينيها لأعلى مرتبكة عندما شعرت بوتيرة أنفاس بدر التي ارتفعت إلى جوارها ، ثم استجوبت حمزة بارتياب : يعني اميرة دي مراته .. انت متأكد؟
أومأ حمزة برأسه بقوة ، وقال بثقة : اومال طبعا .. دي حتي كانت هنا من كام يوم بعد سفر استاذ بدر
تمتمت حياة بهدوء وهي تفرك بتوتر مؤخرة رقبتها : طيب انت كلمت استاذ بدر .. وقولتلو اني قاعدة في شقته
أشار إليها حمزة بالسلب ، ورد عليها بمبرر : تليفونه مقفول .. بس مدام اميرة موصياني اي حاجة تحصل في غيابه ابلغها بيها وانا عرفتها ان حضرتك قاعدة هنا مؤقتا
حدقت فيه بعيون ضيقة ، متسائلة بفضول : هو بيشتغل ايه؟
رد حمزة بابتسامة واسعة : استاذ بدر محامي كبير ماسك مكتب والده الله يرحمه...
همهمت حياة ، وعيناها ما زالتا مثبتتين على سجادة الأرض ، بفكر شارد : الله يرحمه
جاءت كريمة من المطبخ ممسكة بيد إسراء وقالت بابتسامة سمحة : كل حاجة حطيتهالك في التلاجة يا ست العرايس وأكلت القطة .. لو احتجتي حاجة عرفيني و انا عيني ليكي
نظرت إليها حياة ، وظهرت ابتسامة خجولة على شفتيها بشكل عفوي ، وقالت بامتنان : ربنا يخليكي يا ام كرم و شكرا يا عم حمزة قلقتكو معايا
أغلقت الباب من خلفهما ، وعاودت بنظرها إلى بدر الصامت بوجوم منجلى علي ملامحه.
مشيت حياة نحوه ، ووقفت أمامه محدقة في عينيه قائلة بتأييد : واضح محدش يعرف بموضوع الطلاق دا وهي فعلا كانت هنا من كام يوم زي ماقولت
ضمت حياة شفتيها بصمت لوهلة ، ثم قالت بقلق : الموضوع دا مش مريحني
تنفس بدر بعمق وهو يسحب شعره للخلف ، هو أيضا يشك في الأمر ، لكن عقله سئم من التفكير وقرر تأجيل المناقشة لوقت أخر. وقال محاولاً تغيير الموضوع : علي فكرة عم حمزة استغرب لما عرف ان معاكي المفتاح الاستيبن
وضعت حياة باطن كفها على خدها بصدمة ، وقالت بندم : اوبس تفتكر ماكنش له لزوم اقوله ولا ايه!!
مدّ بدر شفتيه إلى الخارج ، في إشارة إلى عدم تأكده من الأمر ، ثم قال بلهجة هادئة : مش عارف .. يمكن!!
قضمت حياة شفتيها ، ثم همست بتردد طفيف : طيب .. انا .. كنت عايزة اتفق معاك علي كام حاجة كدا
حدقها بدر بأعين ضيقة ، وهمهم بقلق من نبرة صوتها الخجولة التي نادرا ما تتحدث بها منذ أن إلتقى بها : ايه!!
تنحنحت تصفي حلقها المتحشرج ، ثم هتفت بشجاعة لأنها يجب أن تضع النقاط على الحروف معه من البداية كما يقال : اول حاجة لازم تسيبلي حرية التحرك في الشقة هنا
حك بدر جبهته بخفة ، ثم قال بدهشة : يعني ايه مافهمتش!!
تساءلت حياة بداخلها لماذا يطلب منها شرح الأمور في كثير من الأحيان ، وخاصة المحرجة منها ، لكنها قاومت ذلك الشعور ، وأجابت بعد أن أدارت عينيها لتجنب النظر إليه : يعني الحمام طول ما انا فيه ماينفعش تدخل عليا او تشوفني وانا بغير هدومي مثلا دا مايصحش
رفع حاجبيه بذهول ، ثم غمغم ، وهو يعدل ياقة قميصه في حرج بعد أن رأى أنها على حق : ماشي وتاني حاجة
أخذت حياة نفسا عميقا كمكافأة بعد أن اجتازت المرحلة الأولى التي كانت محرجة للغاية بالنسبة لها ، ثم أردفت بنبرة مليئة بالتذمر : وياريت تبطل تصحيني من النوم مخضوضة كل شوية .. وسيبني اخد راحتي في النوم
نمت ابتسامة صغيرة على شفتيه من تغير مزاجها في لحظات معدودة ، ثم دني لمستواها قليلا لمواجهة عينيها ، وقال بتهكم تحذيري مزيف : تمام وياريت انتي كمان تبطلي تتحركي بهرجلة و تكسري في البيت
أشاحت نظرها بسرعة عن عينيه اللتين كانتا تحدقان بها بنظرة لن تستطع تفسرها ، لكنها جعلت نبض قلبها يرتفع داخل صدرها ، وهمهمت بتوتر من تحت أنفاسها : ماقدرش اوعدك
أبقى بصره معلقًا عليها ، ثم تساءل : في حاجة كمان عايزة تضفيها
رفعت حياة يدها بعفوية وفركت ذقنها في تفكير ، ثم صاحت بسرعة ، ورفعت إصبعها السبابة أمام وجهه بتحذير : اهم حاجة .. ممنوع الاقيك داخلي من الحيطة تاني انا كدا هتجيلي جلطة في عز شبابي
رفع بدر حاجب واحد في استنكار ، وهو يطلق ضحكة عالية ، ثم قال بأسلوب ساخر : لا والله .. انا ايه يجبرني اسمع كلامك من اساسو!!
رفعت حياة حاجبها الأيسر كما فعل لكن بتعبير ماكر ، ثم هتفت بتهديد مضحك مشيرة إلى رقبتها : ماهو لو ماسمعتوش انا هموت نفسي و تطلعلك عفريتي تتعامل معاك بقي و تمرمطك
عبست ملامح بدر بتصنع يخفي وراءه الابتسامة العريضة التي كانت بداخله على حركاتها المرحة ، والتي لم ينكر أبدا أنها تروق إليه ، وقال باستياء مزيف : مش ملاحظة ان انتي اللي في بيتي وضيفة عندي
تحرك بؤبؤ عينيها إلى اليمين ، وضمت شفتيها أثناء تفكيرها ، ثم غمغمت بنبرة سلسة : اه هو بيتك صح .. بس انا بنت يعني عيب تتجول براحتك من غير حدود ولا انا كلامي غلط
لم يعد يستطيع مقاومة الضحك أكثر من تعبيرتها الغريبة عندما تتحدث بتعقل وخجل ، وقال من بين شهقاته ، وهو يمد يده ليصافحها بتلقائية : طيب .. ماشي
حدقت حياة في يده الممدودة بملامح متقلصة ، وهي تتذكر آخر مرة أراد فيها مصافحتها ، ثم دمدمت بتوجس : تاني بتمد ايدك .. انت مصمم ترجعلي نوبة الخوف ليه!!
لوى بدر شفتيه إلى الجنب ، ثم غيّر وضع يديه عموديًا ، بحيث كان باطن راحتيه الكبيرين مواجهتين لها ، وقال بإيماءة من رأسه لحثها على أداء نفس الحركة : طيب ارفعي ايدك
نظرت إليه حياة مندهشة ، ثم خفضت بصرها إلى راحتي يديه المرفوعتين أمامها ، وفعلت كما قال ، ثم قالت بخفوت : كدا!!
قرب راحتيه يلامس باطن راحتيها مما سبب لها دغدغة لطيفة ، قائلا بابتسامة جذابة : خلي دا يكون السلام بينا بعد كدا
همست بضحكة خافتة لأنها أحبت تلك الحركة ، رغم أنها بالكاد شعرت بلمسته : اتفقنا
#الفصل_٦
الفصل السادس
من بين الكل ، كنتِ أنتِ من أشعر معهُا بالألفة الصادقة ، كالنُور يعبُر ضوئكِ ظلام روُحي لتُبدديه دون أن تدركين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت بعد الظهيرة في مجمع راقي
داخل فيلا صغيرة نوعا ما
امرأة في أوائل الخمسينيات من عمرها كانت جالسة بهدوء تحتسي فنجان قهوة في صمت ، بينما نزلت امرأة أخرى من أعلى السلم بخطوات مسموعة كسرت هذا الصمت بسبب الكعب الطويل الذي تحب أن ترتديه بإستمرار.
قالت السيدة الأولى بابتسامة : كل دا نوم يا ميرو و بعدين ايه الشياكة دي كلها!!
إبتسمت الآخري بغرور يليق بأناقتها ، وعلي عينيها نظارة شمس كبيرة نوعا ما تخفي ورائها ملامحها ، وقالت بنعومة : ميرسي يا ماما .. انتي عارفة اليوم اجازة عندي
سألت السيدة الأولى ، وحاجبها مرفوعًا عندما وجدتها تتجه نحو باب المنزل رغم أن اليوم عطلة كما ذكرت من برهة : انتي خارجة ولا ايه؟
توقفت عن الحركة لحظة ، ثم التفت إليها ، وقالت بنبرة رقيقة لكنها مليئة ساخرة : اه يا ماما .. هروح اشوف الهانم للي قاعدة في شقة جوزي من غير استئذان دي
أومأت إليها بفهم وقالت بعدم اهتمام : تمام انا شوية كدا و هخرج كمان هروح النادي اشوفك هناك بقي
لوحت لها بيدها ، ثم استدارت نحو الباب لتغادر ، وهي تهتف بسرعة : اوكي .. يلا باي
★★★
كانت سماعة الأذن في أذنها ، وهي تتحدث في الهاتف أثناء القيادة
زفرت الهواء من رئتيها ، وقالت بإمتعاض : عايزني ماروحش اشوفها ليه؟ انت ناسي انه جوزي!!
أطلق ضحكة ساخرة لم يستطع كتمها ، وقال مصححًا : قصدك طليقك شكلك نسيتي انك اطلقتي منه
جادلت في استنكار ، مشوب ببعض بالغيرة : لا انت اللي نسيت بدر هيفضل جوزي لحد ما جثته تظهر و استلم كل حاجة تخصه .. ماتنساش كمان اني وريثته الوحيدة
التوى فمه متهكمًا وتمتم بنبرة ذات مغزى : انتي مابتشبعيش ابدا ولا مكفيكي اللي عندك!! وهو حيلته ايه غير العمارة والمكتب اصلا اللي هتورثيهم؟
أردف بصوت غاضب حين استنتج أن كلماتها مجرد حجة تجادله بها ، ويبدو أن الأمر الأهم لا تكترث به : انا مش ناسي يا هانم .. زي ما انا مانستش ان اللي كنت عايز اوصله قبل مايموت .. لسه ماوقعش في ايدي ولسه ماتأكدناش من موته حتي
أدارت تارة السيارة بعصبية ، وعيناها على الطريق قائلة بتوتر : مافيش تفسير عن اختفائه غير انه مات وبطل اسلوبك دا عشان بيخوفني
صاح فيها بتحذير : لازم تفضلي خايفة عشان سواء اللي معه ظهر او هو ظهر انا وانتي هنخسر كل حاجة
نفخت خديها بحنق ، وهدرت فيه بإنفعال : يوووه احنا مش هنخلص بقي من الكلام دا .. اومال انا عملت اللي عملته دا من الاول ليه و ورطت نفسي معاك!!
تشدق صدغه بسخرية ، و قال بنبرة باردة : اللي ورطتك في دا كلو امك يا بنت خالتي
لم تعد قادرة على تحمل كلماته أكثر من ذلك ، لتقول بنبرة حاولت إخراجها هادئة قدر الإمكان : خلاص خلاص كفاية اقفل يا كريم انا وصلت عمارة بدر
زفر الهواء بهدوء مقرراً تأجيل هذا الحديث لوقت لاحق ليغمغم : ماشي هقابلك بليل في النادي
دمدمت بعجلة : طيب باي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في شقة بدر
جالسان بجانب بعضهما البعض على الأريكة بصمت ، ويشاهدان التلفزيون بينما تضع حياة القط في حجرها وتمسد رأسه برفق.
سأل بدر فجأة ، محاولاً قطع هذا الصمت بينهما : مين معاذ دا ؟ وقبل ماتسألي عرفت ازاي .. انتي قولتي اسمه وقت ماكنتي بتكلمي نفسك
سحبت حياة الهواء على صدرها بقوة قبل أن تجيب بهدوء : كان خطيبي
قال بدر بسؤال كأنه يريد استفزازها لسبب غامض عنه شخصيًا : ولما سابك جيتي علي هنا؟!
نظرت حياة إليه بحاجب مرتفع ، وأجابته بإندفاع : انا اللي سيبته .. عشان خاني
حدق بدر فيها بذهول ، وسألها باهتمام : خانك .. ازاي!!
حياة عبست ملامحها بلطافة ، وردت بسخرية مشوبة بقليل من المرارة : شوفته قاعد قعدة رومانسية جدا مع وحدة في مطعم
قوس بدر شفتيه للاسفل بإستغراب ، و تساءل بإستخفاف : هو اي وحدة يخونها خطيبها تسيبله البلد و تهرب؟
نظرت حياة إلى القط وهو نائم بهدوء و استسلام على ساقيها ، ثم رفعت بصرها نحو بدر ، وقالت بخفوت : انا ماهربتش .. كل الحكاية انه اخو جوز اختي وهي كانت هتضغط عليا زي كل مرة عشان ارجعلو بس المرة دي انا مادهمش فرصة لكدا
إستفهم بدر بجدية : كنتي بتحبيه؟
تجعدت حاجبيها وهي تنظر بحزن إلى اللا مكان ، بينما تضع مرفقها على حافة الأريكة خلفها ، وأجابت بصدق : يمكن اكون حبيته انا كنت معجبة بيه قبل ما نتخطب .. عارف انسحرت بشكلو وهيبته .. بس بعد ما اتخطبنا لاقيت احساسي نحيته بيتغير وهو ماقصرش الصراحة .. بالعكس ساعد كتير بتصرفاته يخليني اتجنبه
غمغم بدر بإبتسامة حين أنهت جملتها بإنفعال : طيب خدي نفسك وهدي اعصابك
ابتسمت حياة إبتسامة حزينة ، ثم تمتمت بأسي على حالها بطريقة مضحكة : انا في منتهي الهدوء .. شوفت حظي الحلو يعني بعد كل المشاكل اللي هربت منها دي .. وقعت في كارثة هتدخلني العباسية
أضافت بنبرة ساخرة : معرفش انا ايه مقعدني مع شبح و مستغربة من نفسي اني لحد دلوقتي ماجاليش انهيار عصبي بعد دا كله
لمعت عيناه بريق غامض قبل أن يتكلم بتأنى : وانا عمري ماكنت حاسس اني وحيد ومحتاج لحد معايا قد ما انا محتجالك دلوقتي يا حياة
رفعت حياة عينيها إليه لتجده يحدق بها بعينين ثاقبتين بنظرة غامضة تجاهها ، لكنها شعرت بالإرتباك يغلفها من كلامه ، فتجاهلت الإجابة وقالت بسؤال : هو ازاي انت بتقول ان اميرة دي طليقتك وعم حمزة بيقول انها مراتك و انها عادي بتيجي هنا؟!
نظر بدر إلى الجانب الآخر وقال بهدوء : معرفش اجابة السؤال دا زي اسئلة كتير مش لاقي لها تفسير
همت حياة للرد عليه ، لكن حديثهما انقطع بصوت جرس الباب ، فقالت بمزح مليئ بالتحذير ، وهي تنهض وتضع القط على الوسادة الدافئة بجانبها : هقوم افتح الباب .. خليك انت هنا جنب ميجو
ابتسم لها ، وهو يومئ برأسه في موافقة ، لكنه لم يستطع الجلوس وشعر بالفضول يحرضه على النهوض ، فذهب خلفها مباشرة ، لكن الابتسامة اختفت من على وجهه بعد أن رأى المرأة الجميلة التي هو متأكد من أنها ليست زوجته كما تدعي تقف أمام باب منزله ، لكن ليس لديه دليل سوى شعوره بذلك.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
أمام بوابة البناية
كان حمزة يضع قدمه على المقعد الخشبي ويتكئ بمرفقه عليه ، ناظراً نحو الفراغ ، ويبدو شارد الذهن.
تساءلت كريمة بإستغراب بعد أن جلست بجواره : في ايه يا حمزة سرحان في ايه!!
أطلق حمزة زفيرًا شديدًا قبل أن يجيب بصوت خافت : مستعجب يا ام كرم
جعدت حاجبيها بعدم فهم ، وتساءلت : من ايه خير!!
تحدث حمزة بقلق وغرابة شديدة : محدش عارف بمكان المفتاح الاحتياطي غيري انا و استاذ بدر حتي مراته ماتعرفش بيه
أردف بإرتياب : ازاي حياة لاقيته!!؟
ردت كريمة بسذاجة : يمكن لاقيته بالصدفة
لوح بيده غير مقتنع قائلا بتوجس : الله اعلم .. بس اللي مستغرب له اكتر .. سؤالها عن مرات استاذ بدر وليه قالت انها طليقته واللي حصل معاها بليل .. اول مرة ساكن يشتكي أنه شاف حرامي في البيت .. اشمعنا هي !؟
غمغت كريمة بتبرير : يمكن بيتهيألها البنية صغيرة وغريبة عن المكان اكيد كانت خايفة من القعدة لوحدها
أومأ لها برأسه ، وهو يحك أذنه قائلا بهدوء : كل شئ جايز
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بالأعلي في منزل بدر
خلعت المرأة النظارة عن وجهها ، وهي تقف أمام حياة.
رشيقة ، مرتدية ملابس أنيقة وتبدو ثمينة للغاية و رائحة عطرها قوية ومميزة كحضورها ، قائلة بابتسامة رقيقة تشبه نبرة صوتها الناعمة : مساء الخير .. اكيد انتي حياة!!
أومأت حياة برأسها بالإيجاب ، وسألت بهدوء : ايوه انا .. مين حضرتك!!؟
تقدمت منها خطوة ، ومدت يدها وصافحتها برقة ، قائلة بنبرة واثقة : انا اميرة مرات بدر عز الدين
حدقت بها حياة مندهشة ، فهذه الأميرة جميلة جدا ، ترتدي بنطال ضيق مناسب لقوامها النحيف ، بخصر مرتفع بلون زيتوني ، وبلوزة بأكمام طويلة وكتف مائل باللون البيج مع تداخل اللون الزيتي من منطقة الكم اليمين ويصل إلى الركبة من الخلف ويصل إلى منتصف الفخذ مائلة من الأمام وترتدي حذاء بكعب عال ، وتحمل حقيبة يد صغيرة في يدها باللون البيج ، ولها أيضا وجهاً لطيف.
حياة شعرت بغرورها من الطريقة التي نظرت بها إليها ، لأن أميرة إعتقدت أنها ستذهب لتلتقى بأنثى ماكرة ، ولكن حياة تبدو من هيئتها البسيطة أنها متواضعة الجمال.
: اهلا وسهلا .. اتفضلي..
قالتها حياة بتوتر طفيف ، وحاولت إبعاد ذلك الشعور عن طريق العض على شفتيها بخفة ، عندما لمحت بدر واقفا خلفها يحدق في أميرة بنظرات متجهمة في صمت.
دخلت أميرة المنزل بخطوات رشيقة ، ثم أشارت إلى القط في اشمئزاز ، الذي عندما رآها صار مواءًا نسبيًا بصوت عالٍ ، ونزل من الأريكة متجها نحو حياة.
هتفت أميرة في دهشة : القطة دي لسه موجودة هنا ليه انا قولت لحمزة يسربها !!؟
تساءلت حياة بغرابة : يسربها ليه ؟ هي مش بتاعت استاذ بدر!!
هزت أميرة رأسها بالإيجاب ، قائلةً بصوت غير مبالٍ وهي جالسة بشكل مريح أمام حياة : ايوه بس انا مابحبش القطط عندي فوبيا منهم
انحنت حياة وإلتقطت القط ، ثم عانقته بلطف على صدرها حتى يهدأ ، وكأنه يشعر بكراهية تلك المرأة الفاتنة له قائلة بهدوء : بس دا حرام اعتبريها قطتي انا لحد ما يرجع استاذ بدر واخدها منه لو مش عايزنها
مطت أميرة شفتيها بعدم إهتمام وغمغمت : اوكي
حاولت حياة التحلى بصبر رغم الضيق الذي أصابها من أسلوب هذه المرأة ، ثم قالت بإبتسامة مجاملة : تشربي ايه!!
ضحكت أميرة بصوت ناعم قائلة بنبرة متعجرفة ممزوجة بالسخرية : دا واجب عليا يا حبيبتي .. اول مرة اشوف الضيفة بتعزم علي صاحبة البيت!!
نظرت حياة إلى المرأة المتكبرة ببرودة زائفة ، لكنها لا تنكر أنها بدأت في إثارة غضبها الذي إذا اشتعل ، يمكن أن تلقى بها من الطابق الخامس دون ذرة ندم.
كنت على وشك الرد عليها ، لكن صوت بدر المحتد قطعها : دي طليقتي يا حياة مش مراتي قوليلها كدا
وزعت حياة نظراتها التائهة بين بدر الذي يقف بجانب المرأة التي تجلس على أحد الكراسي أمامها ، وتضع قدمها فوق الأخرى وتنظر إلى حياة بنظرة متعالية.
إبتلعت حياة ريقها بخفة متسائلة : انا كنت عايزة اسألك .. فين استاذ بدر؟
استغربت أميرة من سؤال حياة غير المبرر ماذا تريد من بدر حتى تسأل عنه ، لكنها أجابت ببرود : بدر مسافر في شغل
جلست حياة على الكنبة مقابل أميرة لتقول بارتياب : يعني بيكلمك!
نظرت إليها أميرة بازدراء ، وتمتمت بريبة : بتسألي ليه!!
أخذت حياة نفسا عميقا ، في محاولة لتهدئة أعصابها ، وفركت كفيها ضد بعضهما البعض ، ثم قالت بتبرير : عادي زي ما انتي شايفة انا هنا من امبارح وشقتي عبارة عن مقلب زبالة حتي العفش اللي فيها ماينفعش استعمله واللي هيحل المشكلة دي هو استاذ بدر
استندت أميرة على الكرسي بارتياح بعد اقتناعها بتبرير حياة قائلة ببرودة استفزازية : بدر بقاله كام يوم تليفونه مقفول ومش عارفة اوصله .. غالبا هو في مكان مفهوش تغطية
استفسرت حياة بعد أن رمقت بدر المقتحن وجهه بقوة : يعني هو بيترافع في قضية برا القاهرة!!؟
مدت أميرة شفتيها إلى الأمام ، وأجابت بلا مبالاة : انا الحقيقة معرفش تفاصيل شغله و مابحبش اسأله عنها
استأنفت أميرة حديثها وهي تنهض مستعدة للمغادرة : عموما خليكي هنا لحد ما يرجع معنديش مانع
زفرت حياة بحنق من برودة تلك الكائنة الفاتنة ، وقالت بضيق : ميرسي لذوقك
همهمت حياة بغيظ بعد أن أغلقت الباب خلفها : مراته دي لا تطاق ابدا بس مزة اوي الصراحة!!
"أميرة احمد يسري"
"28 سنة"
"تعمل في شركة إعلانات"
"متزوجة من بدر عز الدين"
"لديها شخصية طموحة وأنانية تسعى لتحقيق اهتماماتها في جميع جوانب حياتها ، تفضل دائما الاختلاط مع الطبقات الاجتماعية الراقية ، لديها القدرة على الإحتيال وخداع الآخرين بأسلوبها الدبلوماسي الخبيث ، وجاذبيتها الكبيرة ، وثقتها العالية بالنفس.
تغضب بسرعة من الأشياء التافهة ، وتعبر عن توترها بكلمات مؤذية ومضرة ، كما أنها تتشبت برأيها فهي عنيدة ولا تتوقف حتى تحصل على ما تريد.
رقيقة و ناعمة للغاية وتتمتع بجمال مبهر لأنها رشيقة ونحيلة ، كعارضة أزياء بمشيها وشكلها وجسمها الفاتن ، بجمالها الفريد وجاذبيتها الفطرية ، ووجهها المستدير ببشرة ناصعة البياض ، و لديها شعر بني حريري طويل ، وعيناها رمادية ذات نظرات ساحرة ، وشامة تزين الجزء العلوي من شفتيها الممتلئة."
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في صباح اليوم التالي
كان جالسًا طوال الليل بجانبها على السرير ، يحدق بها بنظرات غامضة وغريبة ، كأنه يستشف شيئًا من وجهها ، كأنه أمام لوحة جميلة يجب التأمل فيها بتركيز ، ويدرسها بأقصى درجات الرصانة والهدوء دون تعب أو ملل ، بينما لسان حاله يردد لقد تجلَّت لي الحياة في هذا الوجه.
أحب إطلالتها الرقيقة أثناء نومها ، محتضنة وسادته بين ذراعيها ورجليها بطريقة لطيفة للغاية ، وكأنها طفلة صغيرة رغم أن نومها كان متقلبًا وحادًا مثل شخصيتها.
اتسع بؤبؤ عينه مع بريق غامض ، عندما سقطت عيناه على خصلاتها البرتقالية الزاهية بشدة بسبب أشعة الشمس عليها ، حتى أصبحت ومضات من مشاهد خاطفة لذلك الشعر المتموج في تمرد يمر مثل شريط فيلم أمامه.
كان مستغرقًا في أفكاره ، غير منتبهاً إلى التي استيقظت تفرك عينيها بشدة ، وتتثاءب بصوت عالي حتى صرخت في استغراب عندما رأته واقفاً أمام السرير : انت بتعمل ايه هنا!؟
تفوه بدر بلا وعي : ايه!!
نظرت حياة إليه وعيناها منتفختان من النعاس ، وشعرها فوضوي وفي حالة يرثى لها ، كما لو كانت قد خرجت للتو من معركة حربية.
قالت بابتسامة ساخرة ، و تحك رأسها بكلتا يديها بخفة لتجعله أشعث أكثر : عمرك ماشوفت حد نايم قدامك قبل كدا .. انت عارف لولا اني متأكدة انك شبح .. ومش بتفكر بقلة ادب كنت شوفت مني وش احنا الاتنين هنتفاجأ بيه..
نظر إليها بدر بإنشداه من هجومها عليه ، ثم تمتم بتعجب ساخر : ابلعي ريقك و خدي نفسك!
تجاهلته حياة ، ونظرت بعيون شبه مغلقة في الهاتف بعد أن أسندت جسدها على ظهر السرير ، ثم مرت برهة قبل أن تنتفض فجأة من نومها وتقول بفزع : يا نهار مش فايت الساعة سبعة و نص!!!
عقد بدر حاجبيه بعدم فهم ، متسائلا بدهشة : فيها ايه؟
قامت حياة من السرير ، واستدارت دون هدف محدد ، وأجابت بتذمر : اتأخرت علي الشغل .. حرام عليك ماصحتنيش ليه!!
رفع حاجبيه بدهشة لأنه علم لأول مرة أنها تعمل ، قائلا بصوت مذهول : شغل ايه..؟
أضاف بضحكة ساخرة ، وعيناه تتبعانها ، متجهة نحو زاوية من الغرفة : ولحقتي تنسي تهديدك ليا لو حاولت اصحيكي يا مروشة انتي
عادت له حياة وهي تحمل إحدى حقائبها التي بدت ثقيلة عليها ، وألقتها على السرير الفوضوي بسبب نومها المتقلب.
صرخت حياة بسخط ، مشيرة إليه بإصبعها السبابة ، وهي تبحث عن حذائها الرياضي : اهو دا اللي باخدو منك تريقة و المرة الوحيدة اللي المفروض تصحيني فيها ماعملتهاش
لم تحصل منه على إجابة ، لتستغرب وتلتفت إليه ، فرأته يسير وراءها بفضول.
توقفت حياة وحدقت به بغضب ، وهدرت بنفاذ صبر : ممكن تبطل تتحرك ورايا كدا .. خليني اشوف هلبس ايه!!
أدارت حياة ظهرها إليه ، وانحنت لتفتح حقيبتها ثم أخرجت الملابس منها بلا مبالاة حتى ملأت السرير بالكامل بملابسها ، ونظرت إليها بحيرة وهي تحاول اختيار شيء مناسب لتلك المقابلة ، بينما تراقبها عيناه بتمعن وهو منتصباً بشموخ ، ويداه داخل جيب بنطاله.
سحبت حياة الملابس التي اختارتها ، ثم استدارت إلى باب الغرفة لتذهب إلى الحمام الخارجي ، وتغير ملابسها فيه ، وهي تهمهم بإستياء : صحيح اللي عنده دم احسن من اللي عنده عذبة!!
بعد عدة دقائق
عادت حياة بخطوات سريعة ، مرتدية جميع ملابسها ، والتي تتكون من بنطلون قماش ضيق بني فاتح ، وقميص شيفون أبيض ، ومعطف طويل بلا أكمام من قماش مفتوح من الأمام باللون البني ، بدرجة أغمق من البنطال.
وقفت أمام المرآة ، وأخذت تشهق ممسكة بشعرها المجعد من أطراف أصابعها : يووه نسيت خالص اغير لونه ودلوقتي متأخرة ودا بياخد وقت..!!
سأل بدر من ورائها عندما رآها تبحث في حقيبتها عن شيء ما ، ثم أخرجت قبعة قطنية عالية بنهاية عريضة وأنيقة من اللون الأبيض لتغطي شعرها تحتها : ليه عايزة تعملي كدا!؟
وقفت حياة تقوم بتعديل خصلاتها المتمردة خلف الطاقية ، وردت بعفوية ، دون أن تدرك ما تقوله ، لأنها كانت منشغلة بما كانت تفعله : عشان مديش لحد فرصة يتريق و يتنمر عليا
أنهت حياة جملتها بينما بدر عيناه تلمعان بوميض غريب...