رواية شبح حياتي الفصل الثالث عشر 13 والرابع عشر 14بقلم نورهان محسن


رواية شبح حياتي

الفصل الثالث عشر 13 والرابع عشر 14

بقلم نورهان محسن


الفصل الثالث عشر

عميق جدًا يتلمس مواضع في الروح لا يلمسها أحد ، و في ايامنا الصعبة يأسرنا من يلمس قلوبنا بحنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في المصعد بينما كان ينزلان معاً

سألت حياة بتوتر ، وهي تتكئ على جدار المصعد : تفتكر صدقني!!

أومأ بدر بالإيجاب ، ورد بثقة : طبعا اللي حكيته محدش يعرفو الا انا و هو بس

استأنفت حياة حديثها متسائلة بنوع من الحيرة : طب هو ليه رافض انه مايعرفش حد اسمه؟!!

تنهد بدر ، ومرر لسانه على شفتيه ، ثم أجاب بنبرة حزينة : اللي عاشو ماكنش بسيط يا حياة وانا اخدت وقت طويل علي ماقدرت اجيبو من بور سعيد عشان كان عايش هناك مع اهل امه الله يرحمها

خفضت حياة عينيها إلى الأرض ، تفكر لوهلة ، ثم حدقت فيه مرة أخرى قائلة بفضول : الله يرحمها .. مامتك كانت عارفة بوجوده؟

ظهرت ابتسامة صغيرة على فم بدر ، وهو يتحدث بحب : امي هي اللي خليتني اروح اجيبو .. ماكنتش قاسية زي بابا كانت بتحبه و قدرت تسامحه بعد ما مات..

تمهل بدر قليلا ، ثم استطرد قائلا : راحت معايا عند اهل جاسر و مامشيتش من هناك الا وهو معانا .. هو اتأثر بيها و بحنانها عليه و كان متفاجئ اوي بوجودنا .. بس ماقدرش لحد دلوقتي يسامح بابا علي ظلمه عليه ولأمه و ماكنش عايز ياخد اي فلوس و لا يغير اسمه رغم ان في شهادة ميلاد معمولة بإسمه بابا طلعها ليه من بور سعيد و بعد ما اتخرج اشتغل معايا في المكتب وبقي كل اعتمادي عليه

أردف بدر مُحمحمًا بعد أن لاحظ صمتها فور أن أنهى كلامه ، ولم ترد عليه أو تسأله كالمعتاد منها : ساكتة ليه؟؟

فركت حياة جبينها بشيء من التعب ، قبل أن ترفع رأسها تجاهه مجددا قائلة بتشوش : كتير عليا اني استوعب كل الحاجات للي بتحصل دي و اسئلة كتير اوي بتلف في راسي

لاحظ بدر نبرة صوتها المجهدة ، فإبتسم محاولا تغيير مجرى الحديث : خلينا نأجل الاسئلة دلوقتي وتعالي اعزميني علي الغدا

رددت حياة بدهشة : غدا!!

أومأ بدر إليها بهدوء ، وقال بنبرة ذات مغزي : ايوه مافطرتيش الصبح وانا مش حابب تقعي مني تاني

تغاضت حياة عن نبرة السخرية في كلماته الأخيرة ، وقالت بعناد طفولي : بس انا بقيت كويسة والله

نظر إليها بدر بحزم مزيف أتقن حرفته ، وقال بنبرة لا جدال فيها : مش عايز نقاش في الصح لو سمحتي

تمتمت حياة بانزعاج ، وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها : طيب يا اخرت صبري

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

تناولت حياة الغداء في أحد المطاعم المطلة على النيل مع بدر ، الذي كان يستمتع حقًا بتلك الجلسة اللطيفة معها بسبب روحها المرحة التي تجعله يتناسي ما يكدره.

لم يستطع التحكم بنظرته المشعة بالشغف تجاهها ، وهو يحدق بها بتركيز دون أن يغفل عن كل حركة تقوم بها أثناء تناولها الطعام ، وغضبها الطفولي من شعرها الذي يشاكسها بسقوطه على وجهها ، لذلك ظلت تدفعها بعيدًا بأطراف أصابعها ، محاولة وضعها خلف أذنها أثناء تناولها الطعام.

نظرت حياة إلى عينيه مرة ، ثم نظرت إلى جانبها ، وغمغمت بسعادة : كان نفسي من زمان اوي اقعد علي النيل

سألها بدر بإستفسار : ماجتيش ولا مرة القاهرة بعد ماسافرتو

ردت حياة عليه ، وعيناها لا تزالان متصلتان بنهر النيل : ولا مرة .. كل حاجة حصلت بسرعة سفرنا و انشغال بابا في شغله و جواز اختي و دراستي وبعدها موت بابا الله يرحمه

تمتم بدر ثم تريث قليلاً قبل أن يواصل حديثه : الله يرحمه .. ليه ماوفقتيش علي بيع الشقة اللي هنا لما كنتي خلاص هتجوزي في اسكندرية؟

أدارت حياة نظرتها إليه بغرابة متسائلة بصوت خافت : عرفت منين الموضوع دا!!

احتل تعبير ساخط ملامحه الرجولية الساحرة قبل أن يقول بتذمر : جاوبي عليا الاول

ازدردت حياة لعابها ، ووضعت خصلة من شعرها المتطاير أمام وجهها خلف أذنيها ، ثم أجابت بنبرة يشوبها الحزن : ميساء كلمتني من فترة في بيع الشقة بس ماحبتش الفكرة .. كنت عايزة يكون في حاجة تربطني بالمكان اللي اتولدت فيه وكمان حالي مع معاذ مكنش تمام اوي وكتير فكرت اسيبو بس كنت دايما مترددة في قراري

كان بدر منزعجًا من نبرة صوتها الحزينة ، لكنه سرعان ما قال بابتسامة جذابة ، وتعمد تغيير مسار الحديث : انا متشكر يا حياة علي اللي عملتيه انهاردة معايا

ردت عليه حياة بابتسامة رقيقة دون أن تنظر إليه ، لتجعله غارقاً أكثر فيها دون أدنى فكرة لديها : العفو يا متر

: تعرفي شوفتك انهاردة بشكل مختلف عن الايام اللي فاتت

انتبهت كل حواسها لكلامه ، وأخذت تحدق فيه بتساؤل : ازاي يعني .. مش فاهمة!؟

ابتسم بشكل عفوي وصادق دون وعي منه ، وتابع حديثه بنبرة أجش عميقة دون أن يحيد بصره عن عينيها المتسعتين ببراءة : يعني طريقة كلامك كانت رقيقة اوي عكس الدبش اللي متعودة ترميه وكمان عجبني أوي ذوقك في اللبس

خرجت منه كلماته دون تفكير ، ضارباً بكل تحذيراته لنفسه في الصباح عرض الحائط ، هكذا الحب أيها السادة بغض النظر عن مدى محاولتك لإخفائه ، فإنه يصر أكثر فأكثر على الظهور ، وأقل إيماءات منك تفضح وجوده.

شعرت بقلبها ينبض أسرع في صدرها بسعادة ، لأنه لاحظ التغيير الذي طرأ عليها اليوم ، لكنها حاولت السيطرة على حالها حتى لا تنجرف وراء أفكارها الحمقاء ، وسألته بهدوء : بجد!! يعني أديت دوري كويس؟

نظر بدر إليها بعيون ضيقة بسبب تعمدها لتفسير حديثه بشكل خاطئ ، ثم تحدث بهدوء وبصوت دافئ ، متغلغلًا في أعماقها : ليه ماتقوليش انك رجعتي لطبيعتك!! وان حياة اللي عايشة بيها السنين اللي فاتت شخصية بتتحامي فيها من نقد و تنمر اللي حواليكي

تمتمت حياة بعقل مشوش ، وقلب مشتت بعد أن أشاحت بعينيها عن عينيه العميقتين : مش عارفة!! يمكن

سكتت عدة لحظات ، ووجدت أنه لا يتكلم أيضًا ، فرفعت وجهها لتنظر إليه ، ورأت نفس اللمعان الذي ظهر بعينيه في الصباح.

كان وجهه قريبًا جدًا منها ، بينما كانت طاولة الطعام بينهما ، ثم تكلم بهدوء وبصوت رجولي مميز : حبي نفسك يا حياة ساعتها عمر مافي حاجة هتهز ثقتك في نفسك اتقبليها لان دي خلقة ربنا ليكي ومفيش حاجة خلقها ربنا وحشة بالعكس انتي مختلفة و جميلة

بدأ تنفسها يضطرب ، وضربات قلبها تسارعت ، وشعرت بحرارة شديدة تهاجم وجهها المشع بإحراج خجول من مجاملاته العفوية ، لترفع يدها نحو وجهها وتمسد عليه بظهر كفها بإرتباك ، لكنها كانت سعيدة بكلماته ووجوده معها.

سكت بدر لفترة قبل أن يعود بظهره للوراء ، ولم يريد أن يحرجها أكثر من ذلك ، خاصة وأنهما كانا في مكان عام حتى لا تتجه الأنظار إليها بارتياب ، بعد أن أصبح وجهها متورد بقوة ، ثم بدأ يخبرها بأحداث لقاء والدته مع جاسر ، واندمجت في حديثه حتى سمعت صوت رسالة وصلت على هاتفها ففتحتها.

اندهش بدر من تعبيرات وجهها المتفاجئ ، وسألها بفضول : في ايه؟

نظرت إليه حياة ، وهي تلوح بيدها إليه التي تمسك بها الهاتف ، ثم أجابته : دي رسالة من رقم غريب بس واضح انها بنت

إستفهم بدر باهتمام : مكتوب فيها ايه الرسالة دي؟

قرأت له الرسالة بصوت عالٍ ، ثم نظرت إليه بعيون متسائلة وأردفت : «عايزة اقابلك ضروري في موضوع مهم» .. وبعتالي شير لوكيشن لمطعم قريب من البيت

حرك بدر أطراف أصابعه على لحيته بينما كان يفكر بعمق ، ثم هتف متسائلاً : موضوع ايه دا اللي تكون عايزاكي فيه!!؟

أخذت حياة بعض النقود من حقيبتها ووضعتها على الطاولة ، ثم رفعت حدقتيها تجاهه ، واجابت بهدوء : معرفش لكن مش هخسر حاجة لو روحت اشوفها

صحح بدر كلامها ، وهو يرمقها بطرف عينه : هنروح نشوفها

ضحكت حياة بصوت منخفض على تعبيره المتهكم ، ثم تمتمت وهي تنهض : ماشي يلا بينا

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

بعد فترة وجيزة

وقفت سيارة أجرة بمحاذاة الرصيف ، ثم نزلت حياة ، وأخرجت نقوداً من حقيبتها وأعطتها للسائق الذي كان جالسًا بجانبه بدر ، الذي تحرك خلف حياة متجهين نحو مقهى راقٍ.

تمتمت حياة لنفسها بصوت منخفض : وانا هعرفها ازاي دي؟!

: طالما هي اللي عايزاكي يبقي هي اللي هتعرفك يا ذكية

جفلت حياة عندما لاحظت قربه منها ، مما يجعل نبض قلبها يضطرب لا إراديا ثم زفرت الهواء ببطء من فمها ، ودمدمت بضيق : يووه انت مابتسيبش فرصة الا وبتعدل علي كلامي

هتف بدر مازحا : ما انتي هرياني سيبني اخد فرصتي

قوست حياة فمها للأسفل ، وقالت بنبرة تحذير مليئة بالتذمر من بين أسنانها حيث أن مزاجها يتغير في كل لحظة معه ، لسبب غير معروف لها شخصيًا : ممكن تسكت عشان اقدر اركز ماتوترنيش

: سكت

قالها بدر بقهقه رجولية تلاشت فور وصول مسمعه صوت ينادي بأسمها

: انسة حياة

نظرت حياة إلى مصدر الصوت الرقيق الذي يناديها ، فرأت شابة جميلة جالسة على إحدى الطاولات وتلوح بكفها نحو حياة ، فتوجهت إليها ، ثم صافحتها باحترام قائلة بابتسامة مجاملة : مساء الخير

ردت بابتسامة حلوة بعد أن قامت من الكرسي مستقيمة بجسد رشيق للترحيب بها : اهلا مساء النور .. ازيك!!

قالت حياة بهدوء وهي تجلس مقابلها ، وعيناها تدور حولها بالمكان يمينًا ويسارًا : الحمدلله

تحدثت الفتاة بسؤال بعد أن أشارت إلى النادل الذي مر بجانبهم : تحبي تشربي ايه!!

لم تأخذ حياة الكثير من الوقت في التفكير ، قائلة بلا مبالاة : لو ممكن شاي

أومأت برأسها ، وأجابت على النادل بصوت خافت : اتنين شاي لو سمحت

إستفسرت حياة بدون مقدمات بعد ان ابتعد عنهم النادل : ممكن تقوليلي حضرتك تعرفيني منين و ايه الموضوع المهم اللي عايزاني فيه!!

ابتسمت لها الفتاة ، وقالت بهدوء : انا اسمي شذي .. بصي يا انسة حياة انا وانتي منعرفش بعض بس في صلة بتجمعنا

عقدت حاجبيها بدهشة ، وغمغمت بعدم فهم : صلة ايه!!

ابتلعت شذى ريقها بشيء من التوتر قبل أن تنطق بثبات : خطيبي اخو استاذ بدر المحامي

اتسعت عينان حياة في صدمة ، و تمتمت بإنشداه : قصدك جاسر

أومأت شذي بالإيجاب ، ثم شرعت تحكي كل شيء لحياة بصوت هادئ مليء بالحزن الخفي بين ثناياه : بالظبط .. من غير ما اطول عليكي انا هحكيلك الموضوع بدأ لما اخويا اتصاب في رجله نتيجة حادثة بالماكنة بتاعته و دخل المستشفي بس تكاليف العملية اللي كان محتاج يعملها كانت فوق طاقتنا .. جاسر حاول يساعدنا بس انا و بابا رفضنا عشان احنا لسه مخطوبين وعشان نحل الموضوع من غير مانزعل من بعض دكتور صاحب استاذ بدر اقترح ندخلو المستشفي اللي هو شغال فيها اخويا يعمل عمليته و المصاريف هتتقسط

التزم بدر الصمت منذ وصولهم ، يتابع ذلك النقاش بهدوء وتركيز ، وهو جالس على كرسي بجوار حياة.

سكتت شذى لبعض الوقت ، وهي تحاول التقاط أنفاسها السريعة من إعادة إحياء ذكرى تلك الحادثة الرهيبة ، لكنها استيقظت على صوت حياة الهادئ عندما قالت : وبعدين كملي!!

حدقت بها شذى وعيناها مغرورقتان بالدموع ، لكنها رمشت عدة مرات ، وهي تنظر إلى الأعلى حتى لا تنهار مرة أخرى ، وتنفجر في بكاء مرير ، ثم أخذت نفسا عميقا وحاولت التحلي بالصبر والثبات قبل أن تنطق بصوت مرتعش : اخويا .. دخل اوضة العمليات عشان عملية في رجله بس قالو ان وقت العملية قلبه وقف وطلعوه علي المدافن

وضعت حياة راحة يدها على فمها ، وتكتم شهقاتها حتى لا تلفت الانتباه إليهما ، ونظرت إليها بصدمة متسائلة بألم : لا حول ولا قوة الا بالله ازاي اللي بتقوليه دا!!؟

شعرت شذى بوخز في جرح لم يندمل داخل صدرها بعد ، حيث رفعت وجهها وتنهدت بصوت عالٍ في محاولة لقمع دموع القهر التي تجمعت في عينيها الواسعتين مجدداً ، والتي ذرفت مثلها كثيرًا فى الفترة الماضية ، ثم همست بصوت مختنق : انا السبب في اللي حصل ماكنتش عايزة اقبل مساعدة جاسر عشان عزة نفسي ماسمحتليش بكدا بس في الاخر خسرت اخويا الوحيد

ضغطت حياة على شفتيها لوقف ارتجافها حتى لا تبكي من هول ما تسمعه أذنها ، ثم مدت يدها عبر الطاولة وربت على ظهر كف شذى الرقيق قائلة تعاطفًا : انا اسفة علي اسلوبي .. معلش الله يرحمه دا عمره .. شدي حيلك

حاولت شذى الصمود ، فهذا ليس الوقت المناسب ولا المكان المناسب للانهيار ، ثم تنحنحت بخفة لتحسين صوتها المتحشرج ، في محاولة لجعل صوتها طبيعيًا : الله يرحمه .. وقتها من صدمتي وحزني علي اخويا ماكنتش قادرة استوعب للي بيحصل .. بس بعد كدا حصلت خناقة كبيرة في المستشفي بسبب اهل مريض كان بيتعالج في المستشفي دي طفل صغير مات برده بسبب مش مقنع ابدا و حالات غيرها و غيرها

شعرت حياة بتجمد أنفاسها ، ثم رمشت عينها عدة مرات وقالت بإنشداه : يعني السبب في موت الناس دول اصحاب المستشفي دي!!

أومأت شذي برأسها بالإيجاب ، قائلة بقلة حيلة و عجز : هو دا فعلا اللي حصل .. بس ماكنش معانا دليل علي اي حاجة نثبت بيها حقنا

ساد الصمت عليهم للحظة ، كانت حياة مشتتة للغاية ، فحدقت في بدر بعيون مليئة بالأسئلة ووجه شاحب بسبب ما تسمعه أذنها ، ولم يستطع عقلها ترجمته من شدة بشاعته ، ربما تتمكن من الحصول على تفسير منه ، لكنها وجدته أيضًا تائهًا ، وبدا أنه يتجول في أفكاره بمكان آخر.

وجهت عينيها إلى شذى التي كانت تمسح عينيها المبللتين بالدموع بمنديل ورقي ، وسألتها في حيرة من أمرها : طيب ممكن اعرف انتي بتحكيلي كل دا ليه؟

: انتي اللي طلبتي تعرفي بدر راح فين و ايه اللي جرالو؟

استدارت حياة وبدر نحو ذلك الصوت الذي ظهر من العدم من ورائهما ، بينما حدقت به شذى بعتاب ، ثم قالت بصوت مبحوح : انت ايه اللي اخرك يا جاسر؟

رأى جاسر الدموع تتجمع في عينيها الجميلتين ، ونبرتها الخانقة رغم محاولتها الفاشلة في إخفاءها أثرت على قلبه ، فلم يستطع الصمود أمامها ، حيث دنى إلى مستوي رأسها ، ووضع قبلة خفيفة على شعرها الناعم ، معتذراً بعد جلوسه على الكرسي المجاور لها : معلش حبيبتي .. لفيت بالعربية كتير قبل ما اجي هنا كنت بتأكد ان محدش مراقبني وانا جاي يا شذي

نظر بدر إلى حياة التي كانت تتابع ما يحدث بعلامات استفهام تحوم فوق رأسها ، وهز رأسه لها بتساؤل.

فهمت هذا لتتنهد ضيقا من إحساسها بالغباء وسطهم ، واستفسرت بغرابة : ممكن تفهموني ايه اللي بيحصل بالظبط؟؟

بادر جاسر مع شرح موجز : اختفاء بدر مش طبيعي يا حياة .. خصوصا ان الدليل اللي يثبت ان المستشفي دي بتحصل فيها حاجات مشبوهة كان معه اخر يوم كلمني فيه

وواصلت شذى الحديث بنبرة هادئة : وبعد موت أشرف اخويا الله يرحمه عرفنا ان في حالات مشابهة حصلت في نفس المستشفي وعدد الوفيات فيها فوق الطبيعي بكتير

سحب جاسر نفسًا عميقًا ، ثم أخرج الزفير ببطء ، واستأنف قوله بصوت جاد : بعدها كلمت بدر وحكيتلو اللي عرفته .. في الاول ماكنش مقتنع أن اللي بيحصل دا مقصود .. بس فجأة كلمني وقالي ان شكوكنا كانت صح والسبب في موت الناس هما اصحاب المستشفي اللي بيتاجرو في اعضاء الناس وبيبعوها لمستشفيات كبيرة بسعر خيالي و كمان الدكاترة المتدربين بيدفعو فلوس كتير عشان ادارة المستشفي تسمحلهم يفتحو في اجسام المرضي و يتعلمو فيهم بشكل اسرع من الطبيعي ومن ضمن الشركاء في المستشفي دي صاحبه كريم رفعت

عبست ملامح حياة ، وكادت عيناها تخرج من محجرها بذهول ، قائلة في اشمئزاز : ايه القرف دا .. كله معقولة البشاعة اللي بيعملوها الناس دول!!!

انسابت العبرات من عيني شذى ، وهي تهمس : ضحاياهم كتير اوي

نظرت حياة إلى بدر ، الذي كان جالسًا يستمع إلى ما يقولونه ، وعيناه متصلبتان ، محدقًا بشكل غامض في نقطة في الفراغ ، لتقول بعدها بسؤال : وهو بدر عرف ازاي الكلام دا؟

فور أن نطق جاسر بتلك الجملة ، أغمض بدر عينيه بشدة عندما هاجمت بعض المشاهد السريعة ذهنه من أحداث سابقة.

"شذي محمد مغاوري"

"عمرها 24 سنة"

"حاصلة على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية ، تعمل في دار للأيتام ، فهي تحب الأطفال كثيرًا ، ومخطوبة لجاسر عز الدين بدر ، وهي من عائلة متوسطة الحال ، لديها وجه بيضاوي جميل هادئ يتناسب مع شخصيتها وطبيعتها الهادئة التي لا تخلو من المرح في الأوقات المناسبة ورقيقة مثل أنفها الدقيق وبشرتها الحنطية التي تميل إلى اللون الذهبي وحاجبيها السميكين والداكنين ، لديها أيضًا شعر كستنائي كثيف ، ودائمًا ما يكون متدليًا على كتفيها ، كما أنها متوسطة القامة ، تتميز بجسدها الممشوق ، بعيون بندقية ذات نظرات دافئة ، وشفتيها ممتلئتين تتميز بابتسامتها الخجولة والساحرة."


#الفصل_١٤


الفصل الرابع عشر

ربما كانت فى العلاقة الأولى مشاعر حقيقية ، لكن مع طبيعة العلاقة والظروف المحيطة بها ، قتلت ذلك الحب ، أو ربما لم يكن حبًا على الإطلاق ، كان ظل الحب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نظرت حياة إلى بدر ، الذي كان جالسًا يستمع إلى ما يقولونه ، وعيناه متصلبتان ، محدقًا بشكل غامض في نقطة في الفراغ ، لتقول بعدها بسؤال : وهو بدر عرف ازاي الكلام دا؟

فور أن نطقت حياة بتلك الجملة ، أغمض بدر عينيه بشدة عندما هاجمت بعض المشاهد السريعة ذهنه من أحداث سابقة.

Flash Back

بدر جالسًا في مكتبه يفكر بعمق فيما قاله أخوه الصغير ، الذي يعرف جيدًا أنه لا يقول شيئًا إلا عندما يكون متأكدًا من مصداقيته ، ولكن يجب أن يتروي في تصرفاته ويبحث في الأمر بحذر و هدوء. 

لم يخطر بباله سوى صديق طفولته كريم ، الذي يعمل داخل ذلك المستشفى ، من المؤكد سيساعده حتى يتوصل إلى حقيقة ما يحدث هناك.

بحث بعينيه في المكان عن هاتفه ، ليتمكن من الاتصال بكريم لكنه تذكر أنه تركه في غرفة نومه.

نظر بدر إلى الساعة الأنيقة الملفوفة حول معصمه ، وتفاجأ بفوات الأوان لإجراء المكالمات ، فمن غير المعقول أن يتصل به بعد منتصف الليل.

نهض بدر من مكانه ، ثم أطفأ أضواء غرفة المكتب قبل أن يغلق الباب خلفه ، متجهاً إلى غرفة نومه ، لكن عندما اقترب من الباب بخطوات هادئة ، وصل لمسامعه همهمات زوجته بصوت غير واضح.

قطب بدر بين حاجبيه متسائلاً مع من تتحدث في ذلك الوقت؟

دخل الغرفة مباشرة دون أن يطرق الباب.

في ذلك الوقت

أميرة تقف عند الشرفة الواسعة مرتدية طقم نوم جميل.

شاهدها بدر تضع الهاتف على أذنها ، ولكن عندما شعرت أميرة أن الباب إنفتح خلفها ، سرعان ما أنزلت الهاتف إلى جانبها.

حدق بها بدر بحاجب مرتفع ، ثم سألها بصوت هادئ : كنتي بتكلمي حد يا اميرة؟

ارتبكت أميرة عندما حدق بها بنظراته العميقة وكأنه يخترق عقلها بهم ، لكنها حاولت أن تتماسك وأجابت ببعض التوتر الذي ظهر في صوتها : ايوه حبيبي .. دي ماما كانت بتطمن علينا .. وقالتلي هترجع من السفر بعد اسبوع

تمتم بدر بلا مبالاة وهو يجلس على حافة السرير المريح ، فارجاً بين ساقيه ، وأصابعه متشابكة تحت ذقنه ، ومرفقيه يستريحان على ركبتيه : كويس

ابتسمت أميرة بارتياح عندما لم يلاحظ عليها شيئًا وبدا أنه منشغلاً بشيء ما ، فتوجهت نحوه بخطوات رشيقة ومغرية ثم جلست بجانبه ، تتحدث في دلال ، وأصابعها تتلاعب بالأزرار قميصه العلوية : حبيبي .. ممكن اطلب منك طلب صغنن قد كدهون

ابتسم بدر بلطف علي تحركاتها حين تريد منه شيئًا ، بينما كانت عيناه تتبعان شفتيها الممتلئتين باللون الوردى الرقيق ، ليقلد أسلوبها بسخرية مزيفة : من امتي وطلباتك قد كدهون يا اميرة؟

عضّت أميرة شفتيها بحرج ، وهي تلكمه بخفة في صدره ، وتقول بغضب ناعم : ببطل بواخة بقي يا بوده

قاوم بدر رغبته في الضحك عندما رأى ملامح وجهها العابسة ، ثم لف ذراعه حول خصرها قبل أن تبتعد عنه بدلع ، وقبلها برقة على وجنتها الناعمة كالحرير ، ثم سأل بابتسامة وهو يقرصهم بلطف : ايه الطلب يا روحي؟

أمسكت أميرة بذراعه ، وابتسمت بغنج ، ثم همست في أذنه بطريقة مغرية جدًا لرجولته ، جعلت قبلاته تنزلق أسفل رقبتها ، ويقبلها بقوة لطيفة : عجبني فستان اون لاين تحفة عايزاك تشتريهولي

عندما أنهت كلماتها ، التي لم يركز فيها أبدًا ، حدق في عيون أميرة الرمادية بإفتتان ، وقال بصوت منخفض رجولي : الفيزا معاكي هاتي اللي يعجبك يا حبييتي

بدأت قبلاته تزداد جموح وحرارة أنفاسه الملتهبة تلفح بشرتها ، وتجرأت يديه على لمس جسدها بحميمية فائضة ، وهنا دق جرس الإنذار في ذهن أميرة التي بدأ جسدها يذوب نتيجة ما يفعله به.

أدركت أميرة وضعهم ، والذي إذا لم تتحكم فيه الآن ، سوف تنجرف معه أكثر ، وهي لم تأخذ لهذا الأمر أي اعتبار كما تفعل في كل مرة ، وقد تكون نتائجه فيما بعد نطفة منه داخل رحمها.

ابتعدت أميرة عنه بقليل من الارتباك خوفا من اكتشاف كذبها ، وتمتمت متظاهرة بالحزن بعد أن عدلت روبها علي كتفها العاري : لا ماهو .. اصلها يعني .. فضيت

نظر بدر إليها مليًّا ، محاولًا التركيز على ما تقوله بصعوبة من فورة مشاعره الثائرة.

احتدت نظرات بدر نحوها بعد ثوانٍ ، وجعد حاجبيه بنوع من الغضب ، متسائلا بإنفعال طفيف ، وخرج صوته متحشرجا قليلا بسبب أنفاسه المتسارعة : نعم!! فضيت .. ازاي يعني؟

رمقته أميرة بنظرة محرجة للحظة قبل أن تلوح يديها في الهواء بقلة حيلة ، وتبرر بصوت خافت : كان نفسي في شوية حاجات و جبتهم .. ايه هتستخسر في مراتك حبيبتك!!

قبض بدر على كفه محاولا التغاضي عن أفعالها التي كثيرا ما تغضبه رغما عنه ، قائلا بتنهيدة خافتة : اكيد لا .. بس مش شايفة ان دا اسمه تبزير مالوش داعي!!

ابتسمت أميرة في ذهنها بشكل خبيث ، لأنها وصلت إلى ما أرادته منذ البداية كما خططت ، لتهب من مكانها فجأة ، وتصيح بإنفعال وهي تبتعد عنه عدة خطوات ، متظاهرة بالتذمر منه وهي تعقد ذراعيها على صدرها بعبوس : اوووف يا بدر .. هو كل ما اقولك حاجة يكون ردك علي بالجملة دي..

تجمد بدر للحظة من هذا التحول غير المبرر إليه ، لأنهم فقط يناقشون ، فلماذا هذا التقلب السريع الذي يلقاه منها؟

نهض بدر خلفها مباشرة بملامح مقتضبة ، حيث سئم من تكرار ذلك المشهد معها ، خاصة أنه لا يفهم سبب تقلبها المزاجي الغريب في الفترة الأخيرة.

زفر الهواء ببطء ، محاولًا تهدئة نفسه حتى يتمكن من تولي زمام الأمور معها ، ووضع كفيه على كتفيها من الخلف ، وهمس بحنان في أذنها : اميرة حبيبتي .. ليه النرفزة والعصبية اللي مالهاش داعي دي..!

اكتفت أميرة بالصمت كإجابة ، دون أن تتأثر بكلماته اللطيفة ، ثم خطت بضع خطوات أخرى إلى الأمام حتى يرفع يده عنها ، وقالت بعد لحظات قليلة بحنق ناعم دون أن تلتفت إليه : اعملك ايه يا بدر!! انت مصعب كل حاجة بينا بطريقة تخنق .. مش مكفيك اني جيت اقعد معاك في شقة باباك ومامتك زي ماكنت عايز ومشيت كلامك

سقطت يداه على جنبه ، وضاقت عينيه سخطًا على حركتها ، ثم أغمضهما مطولاً بصمت ، ليفتحهما مجددًا ، قائلاً بضيق : انتي مش شايفة انك بتكرري الجملة دي كتير برده كل ما بنتناقش مع بعض..

استدارت أميرة ، محدقة فيه بنصف عين فسرها بدر على أنها إستخفاف بما يقوله.

تجهمت ملامحه بغضب تمكن منه رغم محاربته حتى لا يتصاعد ، لكن تصرفاتها استفزازية للغاية.

فجأة مد يده على ذراعها وسحبها نحوه بخفة ، بينما أذهلتها حركته المفاجئة ، لكنه كان أسرع من ردة فعلها ، حيث صاح فيها بإنفعال بعد أن ضاق به ذرعا : انا جوزك يا أميرة .. يعني مطرح ما اكون موجود تبقي جنبي دا مش اوبشن انتي بتجامليني بيه .. وانتي عارفة اني مطلبتش منك تيجي كان ممكن تقعدي في الفيلا اللي مامتك قلبها نايت كلوب لأصحابها ومعارفها وانا مابرتحش في الجو دا .. بس انتي جيتي لما هي سافرت مش وهي موجودة لانك مابتحبيش تقعدي لوحدك .. يعني ماجتيش عشان تراضيني زي ماعايزة توصليلي دلوقتي

نظرت أميرة إليه بعد كانت عيناها محدقة في أزرار قميصه ، ثم قالت بملل يشوبه السخط : بدر انت مستحيل حاجة ترضيك ابدا .. انا غلطت لما جيت هنا عشان اصالحك وافضل معاك

أنهت أميرة كلماتها ، وسحبت ذراعها من قبضته ، وسارعت تمشي بعيدًا عنه متوجهة إلى الخزانة : بتعملي ايه؟ ورايحة علي فين الساعة دي!!

ردت عليه بإنفعال دون أن تنظر إليه : مالكش دعوة بيا يا بدر هروح في داهية

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

فى اليوم التالى

داخل مكتب بدر عز الدين الصمت هو سيد المكان

نظر إليه وهو ينفث الهواء بملل ، بينما يعبث بمفاتيح سيارته بين أصابعه ، وهو جالس أمامه لأكثر من عشر دقائق دون أن يتكلم الشخص الآخر بكلمة ، وتبدو ملامحه مقتضبة لدرجة أنه شك اذا منتبهاً لوجوده حقاً أم لا؟

حمحم بخفة ليخرجه من أفكاره بطريقة غير مباشرة ، وسأل بهدوء : مالك يا بدر مضايق كدا ليه؟

تنهد بدر بعمق بعدما انقطع حبل افكاره بصوت صديقه ، و نظر اليه قائلا بحيرة شديدة يشوبها إرهاق ذهني : مش عارف يا كريم اتعامل مع اميرة كل ما احاول اظبطلها دماغها البايظة دي بتزعل و نتخانق

اتسعت عينا كريم بدهشة متصنعة ، ثم عادت إلى طبيعتها بعد برهة ، وقهقة بخفة ليقول بعد ذلك : دي طبيعة الستات يا بدر .. بس بكلمتين حلوين وهدية تزغلل العين هتصالحك

سكت بدر لبضع ثوان ، ثم استأنف حديثه بغضب طفيف : انا تقريبا مابعملش غير كدا .. بس مفيش فايدة تتعدل يومين و ترجع لعادتها من تاني

ابتسم له كريم بهدوء ، وهو بداخله يرقص بفرح على حزن صديقه الواضح قبل أن يهتف مازحا : هدي اعصابك كدا بس واكيد هتتصالحو زي كل مرة .. روق يا أبو البدور

أومأ بدر بالإيجاب ، وطيف ابتسامة داعبت شفتيه ، فهذه عادة كريم ، الذي لا يأخذ أي شيء على محمل الجد بعكس طبع بدر ، ثم سرعان ما اختفت ابتسامته قبل أن يقول على الفور : ماشي .. انا كنت عايزك في موضوع مهم

قطب كريم بين حاجبيه ، وسأله بفضول : ايه .. خير!!

انحنى بدر إلى الأمام قليلًا بعد أن كان مستريحا بظهره على كرسي مكتبه ، قائلاً بدون مقدمات : انت تعرف ايه عن اصحاب المستشفي اللي شغال فيها؟

استنكر كريم بشدة ما قاله بدر ، وأجاب بتوجس ممتلئ بالحذر  : ولا حاجة .. يعني معرفهمش شخصيا .. بس انت بتسأل ليه؟

أردف كريم بنبرة خافتة ، وهو يضيق عينيه محاولا إخفاء ارتباكه : في حاجة!!

رفع بدر إبهامه وسبابته ومسح بهما حول فمه في تفكير ، بينما نظرته ثابتة إلى الأمام ، ثم سأله بهدوء : مش ملاحظ ان عدد الوفيات فيها كتير و غريب

تصنع كريم الدهشة متفاجئًا مما يقول ، ويجيب على سؤال بدر بسؤال : غريب .. ازاي يعني!!

حدق به بدر بغرابة ، واستطرد كلماته : موت مفاجئ للمرضي ومن غير اسباب مقنعة

ازدرد كريم لعابه بعد أن هرب من النظر إليه ، ليتكلم بتبرير : لا يا بدر دي اعمار .. و وارد ان دا يحصل في اي مستشفي

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

في مساء نفس اليوم

رمشت بعينها عدة مرات بعد أن عجزت عن إستيعاب كلماته ، ثم تساءلت بتعجب : يعني ايه سألك عن المستشفي!!

زفر كريم بغضب وهو يميل بمرفقه على نافذة سيارته الواقفة أمام منزله ، ويكرر ما قاله للتو : زي ماحكيتلك يا اميرة انا حاسس انه شاكك في اللي بيحصل فيها

سكتت أميرة بعض الوقت حتى فهمت الأمر ، ثم قالت بإرتياب : هو يعرف منين اللي بيجرا في المستشفي بتاعتك؟

أغمض كريم عينيه من الإرهاق الذي سيطر عليه من كثرة التفكير فيما حدث ، لكنه أردف مجدداً بنبرة قلق حيث شتم نفسه على تلك الثغرة التي أحدثها عن غير قصد ، ومن الواضح أن بسببها ستفتح عليه جبهات كثيرة : هو مايعرفش .. بس من فترة جت حالة عندنا تخص المساعد بتاعته اللي اسمه جاسر و نتيجة غباوة دكتور متدرب الواد بدل ماتتعالج رجله قلبه وقف

لا شعوريا ، وضعت يدها على فمها ، وبهتت ملامحها الفاتنة من الصدمة ، تمتمت بخوف : يا نهار اسود!!

تحدث كريم بتوتر واضح في لهجته المنفعلة : اليوم كلو مابيبطلش اسئلة عن المستشفي وحالات الموت فيها ولو الكلام كتر .. دي فيها خراب و مصيبة كبيرة علينا

سمعته أميرة بعينان جاحظتان من الصدمة ، وبقيت متصنمة في مكانها لوهلة ، والدموع متحجرة في مقل عينيها ، تأبى الإنسياب من الاضطراب المسيطر على كيانها ، ثم هتفت برعب : هنعمل ايه يا كريم!! احنا كدا ممكن نروح في داهية .. احنا والناس للي ورانا لو بدر ركز مع الموضوع دا اكتر من كدا وعرف اننا اصحاب المستشفي

شد كريم شعره إلى الوراء ، وأرجعه بإنفعال وغضب يسري في عروقه ، لم يكن يرغب في ذلك ، لكن الأمر تفاقم الآن عليه ولا شيء في يده إلا هذا الحل المؤقت ، ثم تمتم : خليني افكر كويس وبعدين هكلمك..

سحب كريم كمية كبيرة من الهواء إلى رئتيه ، والغضب ينهش صدره بعد أن كاد يصل إلى ما يريد ، و يدبر له طوال الفترة الماضية حتي يتمكن من الحصول على أميرة ، لم يصدق لسانه بينما يردف بهدوء و إستسلام للأمر الواقع : اسمعي انتي لازم ترجعيلو .. خديه و سافرو المهم تلهيه عننا لحد ما ارتب اموري فاهمة وماتخافيش انا هعرف اتصرف

همست أميرة بصوت مرتجف من الخوف بعد مسح دمعة ساخنة انزلقت لتحرق خدها الناعم : ماشي

★★★

وقف بدر متيبساً في حالة ذهول مريعة مما سمعه ، بينما كادت عينيه أن يبرزان من محجرهما من شدة الصدمة وعدم التصديق.

كان يقف خلف زجاج الشرفة الواسعة التي تطل على الصالة الفسيحة في صالة فيلا زوجته ، حيث جاء لمناقشتها والتصالح معها ، رغم أنه يشعر في كثير من الأحيان بأنها تخلق مشاكل لأسباب واهية أو تفعل ما يمقته حتى تخرجه عن طوره.

عاد مشياً إلى الخارج بخطوات سريعة مثل الركض حيث يركن سيارته ، ثم أدار المحرك ليغادر المكان بأقصى سرعة ، ونيران الغضب تنطلق من عينيه حتى أن الأوردة برقبته إنتفخت بقوة.

لا يعرف وجهته ، يشعر وكأنه قد ضل الطريق ، وعقله لا يستوعب ، ورافضًا تمامًا تصديق خيانة أقرب شخصين إليه ، صديق العمر وزوجته الحبيبة ، بالرغم من أن طبيعتها تغضبه ولا تعجبه إلا أنه يحبها ويسعى لإسعادها بكل طاقة ممكنة.

يسعى جاهداً لتصحيح عيوبها تدريجياً ، لكن ما سمعه الآن تجاوز حدود خياله.

كيف استطاعت أن تكذب عليه وتخدعه طوال هذا الوقت ، وكيف دفعها حبها للمال للمشاركة في هذه الجريمة الشنعاء؟

بينما هو رجل قانون ، ويتطلب منه واجبه المهني والأخلاقي الدفاع عن حقوق الناس وحياتهم.

كيف يمكن لزوجته أن تكون شريكة في سلب الناس حياتهم بهذه الطريقة الفظيعة وغير الإنسانية على الإطلاق؟

في اليوم التالي

اتصل بأخيه وأخبره بما سمعه ووصل إليه ، لكنه لم يذكر اسم زوجته في الأمر مؤقتًا ، وهو ناوي تركها قبل أن يرسلهما إلى السجن حتى ينال كلاهما العقوبة التي يستحقهما بحق ، لكن لابد من دراسة الموقف بتفكير و روية.

Back

عاد من الغرق في بحر ذكرياته على صوت نداء متكرر من أخيه لشخص ما.

قام بتحريك حدقتيه إلى الأمام حتى رأى امرأة سمينة إلى حد ما ، عادية الشكل ترتدي الحجاب ، ويبدو أنها في الثلاثينيات من عمرها تتجه نحوهم.

وصلت إليهم ، وقالت بابتسامة محرجة : مساء الخير .. اعذروني اتأخرت عليكو

دعاها جاسر للجلوس بلطف بإشارة من يده على أحد الكراسي.

استأنف القول بابتسامة ، وهو يشير إلى الفتاتين : خليني اعرفكو ببعض .. الانسة حياة .. و شذي خطيبتي

قالت بنبرة هادئة بعد أن جلست على كرسيها ، وحقيبة يدها في حجرها ، تعبث فيها بقليل من التوتر بسبب تحديق الفتاتين بتساؤل نحوها : اهلا بيكم

ساد الصمت فترة قبل أن يسترسل جاسر تعريفهم علي بعض : دي مدام هاجر .. بتشتغل ممرضة في مستشفي كريم زي ماحكيتلكم من شوية .. اتفضلي يا مدام هاجر احنا سامعينك

ازدردت هاجر لعابها بتوتر واضح في نبرتها المترددة عندما بدأت تسرد ما رأته : انا اتعينت في المستشفي من فترة بسيطة حوالي شهرين .. بس اللي شوفته فيها حاجة رهيبة ماقدرتش أفضل ساكتة كتير ..اخر حاجة كانت من كام يوم بس .. شوفت بعيني دكتور كريم في وضع محرج في اوضته بالمستشفي مع وحدة ست اللي صدمني اكتر اني شوفت نفس الست دي مع استاذ بدر صاحب دكتور كريم من فترة وعرفت من ممرضة زميلتي انها مراته ونفس الست دي بنت خالة دكتور كريم..

بدت الصدمة واضحة على وجوههم ، ليقول جاسر بعد صمت مريب : اميرة علي علاقة بكريم

خفضت هاجر عينيها في حرج قائلة بهدوء : دا اللي شوفته .. انا والله ماكنتش عايزة ابقي متطفلة ولا عايزة ادخل في مشاكل مش قدها عشان مستحيل حد هيصدقني

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

في المساء

دخلت حياة منزل بدر الذي لم تسمع صوتًا منه منذ عدة ساعات.

زاد هذا من القلق في نفسها لدرجة أنها لم تعد قادرة على الصمت بعد الآن.

جلست بجانبه على الأريكة في لباسها الخارجي ، وعيناها تنظران إلى جانب وجهه وهو يحدق إلى الأمام مباشرة بجمود ، فهمست بتردد : ممكن تتكلم معايا .. من ساعة ما قابلنا شذي و جاسر وانت ماتكلمتش خالص

نظر بدر في عينيها ، وابتلع تلك الغصة المرّة في حلقه ، وهمس بحزن : معلش يا حياة .. حاسس اني هجنن من كتر التفكير و دماغي متلخبطة اوي .. لسه ماستوعبتش انها ماصدقت خلصت مني و راحت ترمي نفسها في حضن كريم

شدّت حياة شعرها بقهر شديد دون وعي ، وقالت بإندفاع بنبرة مرتفعة قليلاً : انا من الاول خالص وانا مش مستريحة للي اسمها اميرة دي

نظر بدر بعيداً عنها ، وأطلق زفيرًا عميقًا ، لعل أفكاره المتضاربة تخرج معه ، ثم قال بهدوء : الاكيد اني وصلت لحاجة خليتهم يحسوا انهم في خطر بسببه

تطلع إليها مجددا ، ووجدها تحدق في أصابعها وهي تضغط بشدة على شفتيها لمنع نفسها من البكاء حتى سمعته يتساءل بحيرة عارمة : بس ايه هي الحاجة دي ووصلتلها ازاي!!؟ واضح بعد ما اكتشفوا اني عرفت سرهم قتلوني...

قبل أن يتمكن من إنهاء جملته ، قاطعته قائلة بصوت منخفض ، بعد أن رفعت حدقتيها إليه بسرعة : بدر...

رن صوت الهاتف قاطعًا كلماتها.

أدارت عينيها إلى الهاتف على طاولة صغيرة بجوار الأريكة ، ثم نظرت إلى بدر وقالت بغرابة : دي اول مرة التليفون الأرضي يرن!!

رفع بدر كتفيه ، مبيناً جهله بالأمر ، قائلاً بنبرة هادئة : طب ردي

أومأت حياة بالإيجاب ، وهي تمد يدها ، والتقطت سماعة الهاتف لتجيب على الفور : الو!! ايوه .. دا بيته

اتسعت عيناها بدهشة ، وهي تستمع للطرف الآخر ، ثم قالت بذهول : بتقول ايه!!

هتفت بتساؤل ، وعينيها تبحث عن هاتفها ، ثم أمسكت به بسرعة : لحظة .. فين المستشفي دي..؟

صمتت حياة ، تستمع إليه بتركيز وتدون على الهاتف ما قاله بأصابع ترتجف ، ثم اردفت بتلعثم : تمام .. ماشي .. مع السلامة

قطب بدر جبهته ، وسألها بدهشة عندما لاحظ جمود نظرتها للأمام : حياة .. مالك متسمرة كدا ليه؟!!!

همست حياة بهدوء ، وهي تنظر إليه بعينين تتألقان من الدموع الكثيفة : بدر!!...

استفسر بدر بإلحاح ، عندما سكتت حياة ، ولم تتمكن من استكمال كلماتها : في ايه!! ومستشفي ايه اللي بيكلمو منها؟

مسحت حياة دمعة عالقة برموشها من هول المفاجأة عليها ، وتمتمت بصعوبة : دي المستشفي اللي انت راقد فيها..


الفصل الخامس عشر والسادس عشر من هنا   

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات