رواية شبح حياتي الفصل الثالث 3 والرابع 4 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي
الفصل الثالث 3 والرابع 4
بقلم نورهان محسن
الفصل الثالث
يبدو تائهًا ، عيناه نجمتان ، يداه سلال من الريحان ، صدره وسادة من القمر ، وشعره أرجوحة للريح والزهور ، يبدو تائهًا ، مسافرًا لا يحسن السفر...!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية.
تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض.
أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها.
فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما كانت تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟
تحرك نحوها خطوة واحدة محاولاً الاقتراب منها ، بينما كانت عيناها مثبتتين عليه بمجرد أن تحرك نحوها بسرعة ، خرجت من حالة الصدمة التي أوقفت عقلها ثوان.
توقفت قدمي ذلك الرجل دون أي حركة أخرى فور أن رآها إنحنت على الأرض ، وأخذت الكأس المكسور في يديها المرتعشتين بوضوح ، ثم نصبت بقامتها القصيرة نسبيا بطوله الفارع ، ووجهته على الفور بتهديد مباشر تجاه من يقف أمامها.
نظر إليها بملامح مبهمة لم تستطع قراءتها لأن وجهه كان مثل صفحة بيضاء تمامًا لم يُكتب عليها أي تعبير ، لكنه فجأة قام بعقد حاجبيه بغموض.
أطلقت حياة صرخة سريعة فجأة ، و قالت بنبرة تهديد مليئة بالذعر بعد أن ابتلعت لعابها برعب شديد ، بينما قلبها ينبض داخل ضلوعها بسرعة كبيرة نتيجة الخطر ، الذي شعرت به في تلك اللحظة التي تواجهها لأول مرة في حياتها : اثبت مكانك و اوعي تفكر تقرب مني والله ماهتردد ثانية و هموتك..
أردفت حياة بإستنتاج سريع أكثر منه بسؤال ، وعيناها تراقبان حركة يديه وقدميه الثابتين بتمعن : اكيد انت حرامي .. استغليت غياب صاحب الشقة وجيت تسرقها مش كدا!!
واصلت بنبرة صوت متلعثمة مشوبة بالإنفعال ، بعد أن سيطر عليها الهلع التام من صمته المريب : مااا.. ما ترد عليا يا صنم .. انت دخلت هنا ازاي!!
زم شفتيه في خط مستقيم ، وأغمض عينيه مع عقده حاجبيه بانزعاج من صراخها بصوت عال في وجهه ، ثم بدأ يقترب منها بخطوات هادئة ومتوازنة.
ارتسمت على محياه الجدية ، وقال بغموض ممزوج بالثقة جعل الخوف يتغلغل أكثر في قلب حياة : نزلي اللي في ايدك دا
تراجعت حياة عدة خطوات إلى الوراء حتى أصبحت المسافة بينهما كبيرة إلى حد ما ، و صاحت بهستيريا ورفض : لاااا .. بقولك اثبت مكانك .. انت مابتفهمش!!
اِمتثل الآخر لأمرها ووقف دون أن يرد على مضض ، لا يعرف ماذا يقول ، ويبدو عليه عدم الفهم ، من يجب أن يخاف من الآخر ، فهذه المجنونة هي التي تهدده بسلاح ، وليس هو.
كما أنه ليس لديه إجابة على أسئلتها الكثيرة ، بينما كانت تخطو ببطء إلى الوراء بحذر شديد تريد إستغلال وضعه الشارد أمامها ، وقلبها يرتجف برعب ، لكن ما يطمئنها قليلاً أنها ما زالت تمسك الكأس المكسور في يديها بتهديد ودفاعا عن النفس حتى لا يقترب منها.
ظلت حياة تحسب الأمر في ذهنها ، إذا حاولت الركض نحو باب الشقة البعيد عن موقعها الحالي ، فسوف يمسك بها بسهولة بسبب طول ساقيه.
إذن ليس هناك إلا مهرب واحد فقط ، حتى لو كان مؤقتًا.
لم تفكر كثيرًا في الأمر ، حيث استدارت بسرعة ، وركضت نحو المطبخ خلفها مباشرة ، وأغلقت الباب جيدًا بالمزلاج لأنها لم تجد مفتاحًا فيه.
أمالت رأسها على الباب ، ووجهها مواجه له ، وعيناها مغمضتان ، ودموعها تتساقط بغزارة ، وتشهق بعنف ، وقلبها يرتعد من الخوف.
همست حياة بشكل متقطع ، وهي تحاول إيجاد حل للكارثة الواقعة فيها ، وهي تدفع يدها اليسرى على الباب بينما الأخرى لا تزال تحمل الكأس المكسور : يالهوووي .. اعمل ايه .. اعمل ايه .. فكري بسرعة يا حياة..!!؟
أنزلت يدها ، ووضعتها في بنطالها تتفقده ، قائلة بلهفة : اه .. اكلم عم حمزة يلحقني
كادت تنهار وتبكي أكثر عندما وجدت جيوبها فارغة ، وقالت بتشوش : لا .. تليفوني راح فين؟!!
: قدام التليفزيون برا
فغرت فاهها ، وعينيها بصدمة و عدم تصديق ، و فرت الدماء هاربة من وجهها عندما سمعت صوته مرة أخرى ، فالتفتت بجسدها ورأته يقف خلفها مباشرة.
استدارت يمينًا ويسارًا محاولة أن تجد المكان الذي كان قادرًا على الدخول منه ، لكنها لم تجد أي مدخل أو مخرج سوى الباب خلفها.
ومضت عيناها بغرابة ، وبدون لحظة من التردد قذفت الكأس في وجهه بقوة ، واستدارت لتفتح الباب وهرولت بأسرع ما يمكن إلى باب الشقة ، ثم فتحته بأصابع ترتجف من خوفها الشديد ، وفور خروجها ، بدأت بالصراخ طلباً للمساعدة من سكان المبنى : حد يلحقني .. الحقوووني .. الحقوووني ياااا ناس!!
في ذلك الوقت
كان يصعد بخطوات هادئة ، وهو يتنهد متذمراً على درج المبنى بسبب تعطل المصعد ، لكنه رفع رأسه متفاجئًا عندما سمع صوت امرأة تستنجد بصراخ ، فأسرع خطواته علي السلم بإندفاع.
وجد امرأة شابة في ملابس المنزل متسخة ، تخرج من شقة بدر وتجري نحوه مذعورة.
سألها وهو يلتقطها بين ذراعيه ، ممسكًا بمعصميها الباردة من رعبها الرهيب : ايه .. بتصرخي كدا ليه .. في ايه!!
فتحت حياة فمها ، وأغلقته عدة مرات متتالية ، تحاول أن تجد صوتها حتى استطاعت أن تنطق بتلعثم : ف..ي ف...ي
عقد حاجبيه ونظر إليها ، محاولًا فهم شيء ، لكنه لم يستطع.
قال محاولاً تهدئتها بعد النظر إلى وجهها الشاحب ورعشة جسدها ، مما قد يتسبب في إصابتها بنوبة قلبية : ممكن تهدي .. خدي نفسك بعدها اكلمي عشان افهم!!
ابتلعت لعابها بصعوبة بسبب حلقها الجاف ، ووجهت يدها إلى باب المنزل ، تهمس بصوت مبحوح ، وعيناها تحدقان للأمام بذعر : في .. حد .. جوا!!
رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن
موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت
ضيق عينيه وقوس شفتيه في حالة من عدم الفهم ، ثم قال بريبة وهو يشير في اتجاه الشقة : قصدك علي شقة بدر .. مين اللي جوا؟ مش فاهم حاجة!!
تحدثت حياة باندفاع ، وهي تنظر إلى عينيه الخضروتين : حرامي .. في حرامي جوا الشقة
ترك يدها تزامناً مع صعود حارس المبنى وعائلته ، وبعض السكان الآخرين الذين استمعوا إلى ما قالته ، ثم اندفع الجميع إلى الداخل.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور عدة دقائق
خرج حمزة من المطبخ ، ووقف أمام حياة ، ثم قال بهدوء : يا ست حياة احنا دورنا في الشقة كلها محدش موجود خالص
كانت حياة جالسة على الكنبة بصمت ، ولكن حالما سمعت ما قاله حمزة ، هزت رأسها غير مقتنعة ، وصاحت بإصرار وكل إنش في جسدها ارتجف من الخوف : لا يا عم حمزة .. والله انا شوفته قدامي واقف زي ما انت واقف في نفس المكان حتي
تحدث ذلك الرجل ذو العيون الخضراء بنبرة هادئة حتى لا يثير فزعها مرة أخرى : ماينفعش يكون حرامي .. انتي بتقولي كنتي قافلة الباب علي نفسك وفي الدور الخامس و كمان الشبابيك كلها مقفولة كويس اهي
تطلعت به حياة ، وهو يقف عند النافذة ، ثم أخذت نفسا عميقا محاولة السيطرة على أعصابها فما قاله كان صحيحا ، لكنها همست في حيرة وهي تخفض رأسها : مش عارفة .. مش عارفة .. بس انا شوفته بعيني صدقوني!!
ربتت زوجة حمزة على كتف حياة ، قائلة بلطف قبل ان تبتعد وتدخل المطبخ : اهدي يا بنتي .. اهدي جايز كان بيتهيألك دا بيجرا مع اي حد
تنهدت حياة مستسلمة ، فهي ليست في حالة جيدة تسمح لها بالمجادلة أكثر من ذلك : يمكن!!
ظهر رجل في منتصف الثلاثينيات من عمره يدعي كرم هو الابن الأكبر لحمزة ، الذي كان يبحث في الغرف لعله يجد شيء ، لكنه قال بثقة : صعب حد يدخل العمارة يا انسة حياة من غير ما نحس بيه .. العمارة ليها باب واحد بس واكيد مش استاذ بدر اللي كان هنا عشان عربيته مش واقفة تحت
خرجت ابنة كرم البالغة من العمر 11 عاما ، وتقول بفخر طفولي لطيف لانها قد اديت مهمتها بنجاح : خلاص يا ابلة حياة انا نظفت الارض و المطبخ
ضمت شفتيها في حرج ، ثم قالت بابتسامة صغيرة : تسلمي حبيبتي .. انا اسفة اوي علي اللي حصل تعبتكو معايا و قلقتكو علي الفاضي
تحدث حمزة بصوت عطوف طمئن قلبها قليلاً : ماتقوليش كدا يا بنتي نامي و ارتاحي .. كرم اطمن علي كل الشبابيك مقفولة وانتي اقفلي باب الشقة كويس عليكي من جوا
حياة بتمتمة : تمام
خرجت زوجة حمزة من المطبخ ، وقالت بابتسامة حنونة : اتفضلي يا بنتي عملتلك ليمون يروقلك دمك و يهديكي
نظرت حياة إليها بصمت ووجه باهت ، وهي تأخذ الكأس منها بكلتا يديها ، و لسان حالها يقول بسخرية مضحكة : يروق دمي ايام ما كان عندي دم .. ما طفش خلاص .. كل دمي قطع تذكرة للمالديف يروق نفسه بنفسه ابن الجبانة
رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن
موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت
لكنها بدأت في استعادة زمام أمور نفسها ، ووجدت أنه لا داعي للمبالغة أكثر في هذا الأمر ، ربما كانت متوهمة كما قالوا ، وبغض النظر عما قالته ، فيبدو أنهم لن يصدقوا ذلك بأي حال من الأحوال.
كانت آخر من خرج من باب المنزل ، والدة كرم تقول بابتسامة : تصبحي علي خير يا بنتي
ردت حياة بابتسامة قبل أن تغلق الباب جيداً من الداخل : و انتو من اهله
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في غرفة نوم بدر في وقت متأخر من الليل
كانت حياة منغمسة في النوم بينما كانت مستلقية بشكل فوضوي على بطنها على السرير ، ثم شعرت بشيء ناعم يسير على وجهها ، مما تسبب لها في دغدغة لطيفة جعلتها تستيقظ من سباتها.
فتحت عينيها ببطء وبانزعاج ، لتنصدم بوجود القط أمامها جالس على الوسادة فوق رأسها.
همست بتذمر ناعس : هو انا مش هرتاح في الليلة الهباب دي ولا ايه!!
أضافت ، بعد أن إعتدلت على السرير ، بينما إمتدت يديها تمسك القط ووضعته في حضنها ، وقالت له بصوت مبحوح : يعني عشان نسيت أقفل باب الاوضة عليا .. تقوم تقلق راحتي من غير لا احم ولا دستور .. مش كفاية اللي انا فيه هتبقي عليا انت و الزمن كمان!!
كان القط يموء بصوت منخفض ، محدق بعينه الخضراء البريئة إلى حياة ، التي نظرت إليه في حيرة وقالت بصوت خافت ، متزامنة مع ثني جسدها حتى تنزل القط على الأرض : ولا فاهم حاجة طبعا!! يلا بقي يا عسلية خلي عندك حبه من أبو أحمر واطلع نام برا علي الكنبة ان شاء الله تعمل بيبيه عليها مش فارقلي بس سيبني انام شوية خلاص الفجر هيأذن
استلقت حياة على السرير مجددًا ، وقالت بحسرة مرهقة بينما تضع إحدى يديها على عينيها : ايه الليلة الغريبة دي!! معقولة اللي شوفته دا كان بيتهيألي .. بس دي أول مرة تحصلي .. انا خايفة لا اكون اجننت و يودوني العباسية و يشمت فيا معاذ و امه الحيزبونة
: انتي لسه ما طهرتيش جرح صباعك كدا يعمل صديد
فتحت عينيها بتفاجئ عندما سمعت ذلك الصوت الجميل والعميق مرة أخرى ، ورأت مجددا ذلك الشاب غريب الأطوار يقف فوق رأسها ناظرا إليها ، وقد مال بجسده قليلا تجاهها.
سرعان ما صرخت بعد أن قفزت ووقفت على السرير ، ولوّحت بكلتا يديها في الهواء بعفوية وعنف : اسمع انت ايه بالظبط!! حرامي و لا عفريت ولا أنا بحلم و لا ايه حكايتك في الليلة اللي مش عايزة تعدي دي!!
كان يحدق فيها بعيون بنية تتلألأ بالأمل ، متسائلاً بصوته الرجولي المميز : انتي شايفاني مش كدا!!
رفعت حاجبها في إنشداه كأن من يقف أمامها معتوه ، وأجابت على سؤاله بسؤال : يعني ايه شايفاك؟!
أشار إلى نفسه قائلا بإستفهام : يعني شايفاني و سمعاني
ردت عليه حياة وهي تؤمي برأسها وهي بداخلها ، أقسمت أنه مجنون أو أنها مجنونة ، لا يمكنها التحديد بعد ، لكنها قررت أن تسايره ، ربما تفهم شيئًا : ايوه!!
وضع كلتا يديه على وجهه ، وتنهد بارتياح واضح كأن هناك حجر ضخم على صدره يعيق تنفسه ، وإنزاح بعد أن كاد أن يفقد الأمل ، ثم ابتهج فرحًا وابتعد قليلاً عن السرير : الحمدلله .. اخيرا لاقيت حد حاسس بوجودي .. انا كنت قربت اتجنن!!
هزت حياة رأسها برفض ، وهي ترفع يدها وتلوح بها في الهواء بإشارة توحي بأن الشخص الذي يقف أمامها كان بالفعل مجنونًا و مختل عقليًا ، ثم صاحت مؤكدة أفكارها الداخلية ونفاد صبرها : لا انت شكلك مجنون اصلا .. انا مش فاهمه منك حاجة .. انت مين و بتعمل ايه هنا!!؟
شعر بالطمأنينة تتغلغل بعمق في داخله ، فتنهد ونظر إليها ، وتغيرت نبرة صوته قائلا بأمر ، وعينين ثاقبتين موجهتين إليها بنظرة بغيضة من الطريقة التي وقفت بها أمامه فوق فراشه : اسكتي شوية وانزلي من فوق السرير بهدلتيه ونص الحاجات في البيت اتكسرت بسببك
أضاف بنبرة واثقة ، وهو يشير بإصبع السبابة لأعلى ثم لأسفل : ولعلمك انا مش حرامي .. انا عايش هنا
زاد التشوش والارتباك في عقلها من أسلوبه الحازم والثقة بالنفس التي يتحدث بها ، فقالت مرة أخرى بتساؤل : ازاي يعني عايش هنا!! وتطلع مين اصلا؟
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في الصباح التالي
تملمت حياة بانزعاج من أشعة الشمس التي تسللت عبر النافذة إلى عينيها عسليتين ، فتحتهما ورفرفت حتى تعتاد على الضوء الساطع من حولها.
نظرت من حولها بعدم إستيعاب من آثار النوم والاجهاد ، ووجدت أنها مستلقية على سرير كبير ، ثم تذكرت أنها في غرفة فندق.
نهضت حياة بجذعها ببطء ، ووجهها شاحب ، ثم إستندت بجسدها على ظهر السرير ، وفركت جبهتها بألم من صداع يهاجم رأسها.
اتسعت عيناها من الخوف ، ونبضات قلبها أصبحت فوق الطبيعي ، حين عادت إليها ومضات من أحداث الليلة الماضية.
Flash Back
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
حدقت في يده الممدودة بخجل واضح على ملامحها ، من علمه أنها كسرت بعض أغراضه ، واستطاعت أن تشعر من نبرة صوته الواثقة أنه بالفعل صاحب المنزل.
شعرت بمزيج من الإحراج والاضطراب لكونها وحيدة مع هذا البدر ، و في غرفة نومه ، بينما كانت ترتدي إحدى بيجاماتها الطفولية السخيفة ، وقبل أن تمنح نفسها فرصة للتفكير وجعله ينتظر أكثر.
نزلت من السرير بهدوء إلى الأرض ، ومدت يدها لمصافحته بتردد ، لكن يدها مرت في يده ، وكأنها مسكت الفراغ.
نظروا إلى بعضهم البعض بصدمة متوازية ، ثم اختفي من أمامها دون ترك أي أثر ، وكأنه لم يكون موجود اطلاقاً.
ظلت محدقة بوجه باهت في المكان الذي كان يقف فيه لعدة ثوان في ذهول كبير ، ثم همست برهبة وشهقة قوية ، ورفعت كلتا يديها إلى فمها : شبح!!!!!
#الفصل_٤
الفصل الرابع
عالقاً بكِ كأنما لا حيلةً لدي سِواكٍ ، و أرى بكِ طمأنينة كما لو أنكِ المكان المُناسب لروحي التائهة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنفرجت شفتيها قليلاً عن بعضها البعض ، لتسمح للهواء بدخول رئتيها ، حيث أخذت نفسًا قويًا ، مع ارتفاع صدرها وهبوطه بقوة ، والعرق يملأ جوانب وجهها ، مما جعل شعرها يلتصق بخدها وجبينها.
لا تفهم أي شيء ، هل الذي رأته حقيقة أم كانت تحلم أم أنها فقدت عقلها؟
يصعب على عقلها استيعاب الموقف ، إذ لم يحدث لها شيء مثل هذا من قبل ، وإذا أخبرها أحدهم بأن ذلك حدث له ، فلن تصدقه بالطبع.
أغمضت حياة عينيها بقوة ، وأخذت نفسًا عميقًا ، ثم زفرته ببطء مرة أخرى.
كررت هذه الحركة عدة مرات لتنظيم تنفسها ، لمنع نوبة الهلع التي بدأت تتشعب في أعماقها مجدداً ، بعد أن هاجمتها تفاصيل ما حدث لها بعد إختفائه من أمامها.
غيرت ملابسها بأسرع ما يمكن ، ووضعت معظم أغراضها في حقيبة واحدة ، ثم غادرت هذا المنزل ، ثم ذهبت إلى فندق واستأجرت غرفة صغيرة ، وقررت أنها ستبقى هنا ولن تعود إلى ذلك المنزل اللعين أبدًا.
مدت يدها إلى الطاولة المجاورة لرأسها ، ممسكة بكوب الماء الموضوع عليها.
قربت الكأس إلى شفتيها ، ثم تجرعت قليلاً من الماء ، لتروي حلقها المتيبس من عطشها.
تمتمت بعيون تجول في الفراغ : ايه اللي بيجرالي دا!! اكيد ماكنتش بحلم!! خايفة لا اكون اتجننت ولا بهلوس من خوفي من اللي اسمه بدر دا
ضحكت بسخرية على حالتها البائسة عندما نهضت من السرير ، تمسح وجهها بيد مرتجفة ، تزيل خصلات شعرها الملتصقة بها ، وتمشي نحو الحمام : منه لله اكيد كانت تهيؤات .. وقال ايه هعفرتلو الشقة دي شقته هي اللي طلعت متعفرته .. توبة لو هبات علي السلم مش هدخل شقته الزفت دي تاني لحد لما يرجع ويرجعلي عفشي زي ما كان
أقنعت نفسها أن عليها فقط أن تنسى الليلة الماضية كما لو أنها لم تكن مطلقاً.
بعد فترة زمنية من دخولها الحمام
قامت حياة بتجفيف جسدها بمنشفة كبيرة بعد نهوضها من البانيو ، حيث أخذت حماما دافئًا ينعش جسدها مرة أخرى بعد أن كان متيبسًا من الرعب والضغط من قلة النوم.
وقفت أمام مرآة الحمام برداء حمام طويل وواسع نوعا ما ، تزيل البخار بيدها حتى تتضح صورتها في المرآة.
أمعنت النظر في شعرها الذي بدأت الصبغة تتلاشى منه ، وكأن لونه الحقيقي على وشك الظهور من جديد.
....: حياة
ارتجفت أوصالها وتجمدت في مكانها ، حيث وضعت كلتا يديها على صدرها لمنع قلبها من القفز من بين ضلوعها على الأرض ، ثم تمتمت بصوت مذعور وعينين واسعتين بعد أن استدارت ، ووقفت على قدم واحدة بخوف : سلاما قولا من ربا رحيم .. انت تاني ازاي!!
أمال بدر رأسه قليلا ، وابتسامة جانبية على شفتيه من نظرتها المرتعبة دون أدنى سبب من وجهة نظره ، قائلا بجدية : انا مش هأذيكي يا حياة زي ما انتي فاكرة .. اهدي كدا وماتخافيش مني
حدقت فيه حياة وعيناها مفتوحتان على مصراعيها مصدومة ، ثم سألته بغباء وفمها مفتوح : عرفت إسمي منين!!؟
زفر بدر بنفاذ الصبر ، ثم أجاب ببساطة : سمعت عم حمزة وهو بيناديكي بيه
أعطته حياة نظرة فاحصة من أعلى إلى أسفل ، وهي تفكر في إطلالته التي لم تكن مختلفة عن الأمس ، حيث كان يرتدي نفس القميص الأسود ، ويفتح الأزرار الثلاثة الأولى ، يكشف عن بشرته البرونزية ، وبنطاله الأسود القماش وحزامه الأسود اللامع.
تمتمت حياة بتساؤل ، وكأن عقلها على وشك الجنون لما يحدث ولا تستطع إستيعابه : ازاي دخلت هنا وعرفت مكاني ازاي من اصلو!!
كان بدر منغمسًا في التفكير بمكان آخر ، لا يعرف كيف تشتت انتباهه برائحة عبق شعرها ، قائلاً دون وعي : انا ماسيبتكيش من امبارح ولا لحظة
قوست حياة شفتيها بحركة طفولية ، دليل على استهجانها واستيائها من كلماته ، حيث اجتاح الإحراج حصونها من نظرته المتفحصة إليها ، لكنها صرخت بصوت عالٍ لإخفاء خجلها الذي كشفه احمرار خديها : هو انت ايه بالظبط!! ماهو انا اكيد ماتجننتش ولا بيتهيألي؟ انت موجود اهو وبكلمك وتكلمني
جفل بدر من صراخها ، وزم شفتيه في سخط ، ثم سألها بصوت مذهول : انتي ليه كل ما تشوفيني بتسألي اسئلة عاجز عن الرد عليها؟!
عقدت حياة ذراعيها أمام صدرها ، وسألت باستياء : اومال مين يجاوبني عليها ها؟
أشتعلت سخطًا وإنفعال عندما أدركت أين يقفان وماذا كانت ترتديه ، حيث وضعت يديها على رداء الحمام للتأكد من إغلاقه جيدًا ، وقالت بإستنكار غاضب يشوبه الكثير من الخجل : وازاي واقف قدامي وانا بالشكل دا!! حتي لو كنت عفريت لازم تحترم نفسك .. اطلع برا
أغلق بدر عينيه بقوة بعد أن أزعجته نبرة صوتها العالية أثناء حديثها معه ، وأوامرها له بمثل هذه الوقاحة التي لا تناسب شكلها إطلاقا.
خفض بدر رأسه عندما أدرك صحة كلامها ، ورفع يده بشكل عفوي وفرك رقبته من الخلف في حرج محاولاً إخفاء ذلك خلف صوته المتذمر : بطلي صريخ عشان انا صدعت منه .. هستناكي برا البسي وتعالي
وضعت حياة يديها على فمها بصدمة عندما رأته خارج أمامها عبر باب الحمام المغلق ، لتتمتم بصوت مكتوم : دا اكيد مش طبيعي او انا للي محتاجة اشوف دكتور نفسي بسرعة
هرولت بتبعثر إلى صندوق صغير بجوار المرآة ، ثم فتحته وظلت تبحث قليلاً بعشوائية ، ثم أخرجت مغلفاً صغيرًا يحتوي على قطعة من الشوكولاتة ، وبدأت في امتصاصه ببطء ، ووجهها شاحباً حيث شعرت بالدوار وأنها على وشك الإغماء من الرعب.
★★★
بعد دقائق خرجت حياة من الحمام مرتدية سروالا من الجينز الأسود الطويل وبلوزة قطنية رمادية ، وشعرها لا يزال مبللا وأشعث ، ثم بدأت تفحص بعينيها المكان الهادئ الذي لا أثر له فيه.
همست لنفسها وكأنها فقدت عقلها حقًا : مش موجود .. انا خلاص اجننت كلو من الزفت معاذ .. اكيد انا جاتلي حالة نفسية بسببه
تمتم بدر بنبرة ساخرة ، وكأنه يريد استفزازها : محدش له سبب في حاجة .. ومفيش عاقل بيكلم نفسه عمال علي بطال كدا
استدارت حياة بسرعة إلى الجانب الآخر ، فوجدته متكئًا بجسده على الخزانة ، وذراعيه متشابكتان أمام صدره.
رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن
موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت
تفوهت حياة بضجر ممزوج بالغيظ ، وهي تضع يديها على خصرها : ربنا يخليك في حالك .. مالكش دعوة بيا .. وانا مش مجنونة
رد بدر بإبتسامة باردة : كلامك مع نفسك دي اول علامات الجنان
كانت حياة على وشك أن توبخه بغضب ، لكن قاطعهم طرق خافت على باب الغرفة ، فذهبت حياة إلى الباب حتى تعرف من يطرق.
ظهر شاب في منتصف العمر ، وأمامه منضدة متحركة مع وجبة الإفطار التي طلبتها حياة قبل دخول الحمام ، قائلا بإبتسامة : صباح الخير يا فندم
همست حياة بإرتباك ، وهي تنظر خلفها تلقائياً ، فوجدت بدر يتحرك نحو الأريكة الموجودة أمام الباب مباشرة : صباح النور
قال الشاب بأدب بعد أن أدخل الطاولة في وسط الغرفة ، ولم يبدو عليه أنه رأي أي شيء غير عادي على الإطلاق : تأمري بأي خدمة تانية حضرتك!!
رمقت حياة ذلك الجالس على الأريكة ، بطرف عينيها ، ثم نظرت إلى الشاب ، وقالت بابتسامة مزيفة : معلش ممكن اسألك سؤال!!
تحدث الشاب بإهتمام : اوي اوي اتفضلي..
ابتلعت حياة لعابها وهي تخفض جفونها وسألت بأمل : احنا كام واحد واقفين في الاوضة؟
رفع الشاب حاجبه مندهشا ، ونظر حوله بعفوية ، وقال بسؤال : نعم .. مش فاهم قصد حضرتك!!
سعلت حياة بخفة من شدة الإحراج الذي كانت تشعر به ميقنة أنه يراها الآن حمقاء بالفعل ، لتدفع خصلة من شعرها خلف أذنها ، ثم سألت بصيغة أخرى : اقصد في حد سأل عليا وطلعلي هنا !؟
نفي الشاب برأسه وأجاب بجدية : لا حضرتك أي حد بيطلع لنزيل عندنا بنتصل بيه قبلها نديلو خبر
أعادت حياة بصرها إلى الذي كان يجلس أمامها ، بينما كان يفرد يديه على طول الأريكة ، بابتسامة جانبية على وجهه.
ضيقت عينيها عليه في سخط ، ثم شكرت الشاب بلطف : تمام .. شكرا
أغلقت حياة الباب خلف الشاب ، متمنية أن يكون ما تراه مجرد وهم بسبب الضغط الذي تمر به مؤخراً ، ولكن عندما استدارت مرة أخرى ، وجدته جالسًا على الأريكة بهدوء ، استنكرته بشدة وهتفت صارخة بعنف : انت طلعتلي منين و ازاي انت هادي كدا!!؟
زفر بدر منها بحنق ، وهو ينظر إلى الجانب الآخر ، ويقول في انزعاج و سأم : يوووه انا زهقت من كلمة ازاي للي مابتقوليش غيرها دي
أطلقت حياة ضحكة ساخرة ، وهي تضع إحدى يديها على خصرها والأخرى تحت ذقنها متظاهرة بالتفكير ، وعيناها تتجهان نحوه في غضب مشتعل قائلة بتهكم : المفروض اقولك ايه مثلا؟ اهلا بيك في حياتي المكعبلة..
اردفت حياة بينما تتمايل ، وهي تمشي أمام عينيه التي حركها نحوها مجدداً : قولت لنفسي يمكن تكون عفريت و مأجر شقة الزفت بدر اللي معرفوش دا .. سيبتلك العمارة كلها وطفشت .. جاي ورايا هنا ليه!!! يبقي العيب فيا انا اكيد اجننت
تحرك جسده إلى الأمام من الغضب ، وزأر عليها بحدة لدرجة أنها جعلتها تتجمد في مكانها ، وتقف بشكل مستقيم : اكلمي بإحترام عني .. قولتلك انا بدر صاحب العمارة اللي بتقولي ليكي شقة فيها
شهقت حياة خوفاً من غضبه ، لكنها حاولت الحفاظ على رباطة جأشها قائلة بسخرية لطيفة : وعايز مني ايه يا اونكل بدر!؟
تمتم بدر فيما استقرت نظرته على شفتيها المقوستين بلطف : زي ما شوفتي كدا محدش بيشوفني غيرك
ابتسمت حياة ببلاهة ، وكأنها قد جن جنونها بالفعل ثم همست وهي تميل قليلاً بجسدها في إتجاهه : يعني زي ما انا قولت عليك انت عفريت
قام بدر من مقعده ، ثم مشى نحوها شارحاً لها ما كان يحدث له : انا متأكد في سبب للي بيحصل .. انا فضلت ايام كتير جوا شقتي كل ما حد يدخل احاول اتكلم معه مايردش عليا حتي طليقتي .. كنت قربت اتجنن لحد ما لاحظت انك شايفاني و رديتي عليا لما حاولت اكلمك
فتحت حياة فمها بإنشداه ، متسائلة بغرابة : طليقتك مين!! اللي أعرفه انك متجوز
هز بدر رأسه رافضاً ، وقال لها بإصرار : كنت متجوز وطليقتي اسمها أميرة
لم تهتم حياة بهذا الحديث ، وسألته بزمجرة ، وهي تنفخ خديها بحنق : برده انا مالي و مال كل دا
أضافت راسمة تعبيراً توسلياً على وجهها الطفولي ، وهي تشبك كلتا يديها تحت ذقنها : لو كنت عفريت اللي اسمه بدر دا .. ارجوك انصرف من حياتي انا مش نقصاك ابدا
عقد بدر حاجبيه بتفكير ، ثم صاح بقلة حيلة و تردد إنجلى على ملامحه الرجولية : مابقتش قادر .. دا مش بمزاجي انا بتحرك وراكي غصب عني .. انتي الوحيدة اللي وانا معاها مش حاسس اني ميت
غمغمت حياة بصوت خافت بينما حدقتيها العسليتين يهتزون بخوف : ميت!!
رفع بدر رأسه ، ونظر إلى الأعلى ، وتحدث بثقة مصطنعة ، رغم أنه كان خائفًا داخليًا ، لكن هذا كان الاستنتاج الوحيد الذي توصل إليه : مفيش غير التفسير دا قدامي .. اكيد انا موت و محدش يعرف باللي حصلي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في أحد الشوارع القريبة من عمارة بدر
كانت حياة تسير بخطوات هادئة وكان عقلها مستغرقاً في التفكير ، وبجانبها كان بدر يسير موازيًا لخطواتها.
صاح بدر شاكياً بطء سرعتها : انتي ليه خطوتك بطيئة كدا ومارضتيش تركبي تاكسي ليه!؟
عادت حياة من شرودها إلى الواقع عندما استمعت لسؤاله ، وأجابت ببرود : بحب اتمشي لما بيكون تفكيري مشغول بحاجة
غمغم بدر بسؤال آخر : ماشي .. هتروحي علي البيت؟
تمتمت حياة بحنق من بين أسنانها عندما لاحظت المارة بجانبها ، وهم يحدقون فيها : ممكن تمشي وانت ساكت .. الناس حواليا بتبصلي وانا بكلم مع نفسي
همس بدر ضاحكًا على أسلوبها الطفولي في الغضب : خلاص
بقي الاثنان صامتين بعد ذلك حتى وصلت حياة إلى المبنى السكني الذي تعيش فيه.
عندما دخلت المبنى رأت الفتاة الصغيرة مرة أخرى وأختها تلعب معها ، فابتسمت وقالت بمرح : سلامو عليكو
حيا الاثنان معا : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ابتسمت عينا حياة على منظر الفتاتين الجميلتين ، وتساءلت بنبرة رقيقة : اخباركم ايه!!
ردت الفتاة الكبيرة بأدب : الحمدلله
سألت الفتاة الصغيرة ببراءة : حضرتك هتسافري تاني؟
نظرت حياة إلى الحقيبة التي كانت تحملها بضيق ، فهي قررت العودة إلى شقة بدر مرة أخرى ، لا يوجد باليد حيلة سيبقى وراءها في أي مكان ستذهب إليه ، إذن لا داعي إلى إنفاق أموالها في الفنادق ، ثم نظرت إلى الفتاة وأجابت بأول حجة خطرت ببالها : لا انا كنت بجيب شوية حاجات ليا وطالعة علي فوق
واصلت حديثها بعد أن نظرت من زاوية عينها إلى بدر الذي كان يقف بصمت بجانبها : ممكن اسألكم سؤال صغير واللي هتجاوب عليه ليها عندي شيكولاته كبيرة
تحمست الأختان ، وقالوا في نفس واحد : موافقين
رمشت حياة بأهدابها عدة مرات بتوتر قبل أن تسأل فيما كانت تفكر فيه طوال الطريق إلى هنا : جدو معندوش أي صورة لأستاذ بدر .. اصل انا ماشوفتوش ولا فاكرة شكله عشان لما ابقي اشوفه اعرفه علي طول
أعطاها بدر نظرة ساخرة ، وهز رأسه يمينًا ويسارًا دون رضا وهو يدحرج عينيه بملل.
يبدو أنها ما زالت لا تصدقه في حين رأت عبوسه لكنها تجاهلته.
رفعت الأخت الكبرى يدها ، وأجابت بحماس لأنها ستحصل بسهولة على مكافأة لذيذة دون عناء : انا عندي صورة لعمو بدر علي تليفوني
اتسعت عيناها بدهشة من كلام الفتاة ، وقالت بشك : بتكلمي بجد!!
أشارت الفتاة برأسها بقوة ، و ردت بصدق : اه والله خلاني اتصور معاه قدام عربيته الجديدة لما اشتراها
أومأت لها حياة بفهم ، قائلة بحماسة زائفة ودت بها إخفاء توترها الذي تفاقم بداخلها مما هو قادم : ماشي وريهالي
عندما نظرت إلى الصورة على الشاشة الصغيرة أمامها ، شعرت كما لو أن ماءَ بارداً قد سكب عليها بغفلة منها.
كيف يحدث ذلك ؟ فأمامها صورة مصغرة للشخص الذي ظهر لها من العدم ، و من دون العالم كله يقف بجانبها بنفس العيون السوداء بنظراتها الثاقبة ، والابتسامة الجانبية الصغيرة التي تزين شفتيه ، وكذلك اللحية المهذبة على جانبى فكه و بشعره الداكن.
شعرت حياة بجفاف في حلقها وضيق ، كأن أحدهم أمسك برقبتها ، قاصداً أن يخنقها بشدة ، فأصبحت تتنفس بلهاث ، لكنها حاولت جاهدة السيطرة على نفسها بأقصى طاقتها ، لكي لا تفزع الصغيرتين منها ، واغتصبت ابتسامة صغيرة على شفتيها قائلة بخفوت : ممكن اسيب الشنطة دي هنا .. افتكرت حاجة هجيبها واجي
خرجت حياة بسرعة من المبنى ، سارت بخطوات سريعة أشبه بالركض ، متحدثة إلى نفسها بصوت هامس : مش معقول!!
"بدر عز الدين بدر"
33 عام
"محامي ولديه مكتب محاماة ورثه عن والده
، متزوج منذ عامين"
"ناجح في عمله ، دافئ القلب وحنون.
كل ما كان يسعى إليه هو مستقبل أكثر سعادة وحياة هانئة مع زوجته.
يحب التفكير مليًا والتأمل كثيرًا قبل اتخاذ أي قرار ، أن طبيعته مليئة بالتناقضات.
يبدو هادئًا وصلبًا ، لكن يختبئ وراء هذا الهدوء إنفعالاً قوياً ينفجر في لحظات معدودة ، لكنه أيضًا مرح وخفيف الظل ، ليس فقط وسيمًا ، بل يتميز بالرجولة الكاملة.
له سحر إِستثنائي ، وكاريزما تجذبك إليه دون قرار منك ، وأسلوب خاص يسرق من عينيك نظرة تقدير يستحقها بجدارة ، وأحياناً يسوده الإحراج من الأشياء الغير المتوقعة.
له ابتسامة جانبية مميزة عندما يسخر من أحد ، وهناك غمازة في كل خد تزيد من جاذبيته عندما يبتسم ابتسامته الساحرة ، بالإضافة إلى لحيته المنمقة التي تزيد من وسامته أضعاف مضعفة ، لديه شعر أسود حالك ، وعينان بنيتان لامعتان تجذبان الآخرين بسهولة للغوص في أعماقهم ، وله بشرة برونزية ، ويمتلك جسم رياضي ذو ارتفاع مهيب."
ظهر بدر بجانبها من العدم ، وهو يسأل بهدوء : مالك
همست بكلمات أشبه بالهذيان ، تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها المرعوب من الأفكار المتضاربة في رأسها ، ثم لفظت كلماتها المبعثرة وهي ترفع رأسها ، وتنظر إليه بعينين مملوءتين بالدموع : هتجنن .. انت نفس الراجل اللي في الصورة .. نفس الملامح والوش و الطول و العرض .. يعني فعلا انت بدر زي ماقولت .. وانا الوحيدة اللي شيفاك معني كدا ايه!!
أشاح بدر بنظره بعيدًا عنها قائلاً بخفوت : معنديش اجابة
ثارت أعصابها بسبب برودة كلماته ، فتوقفت عن المشي ، والتفتت إليه مسرعة حتى واجهته بكل جسدها ، تنظر في عينيه الداكنتين بينما قلبها ينبض بقوة غير مفسرة ، ولم تعط نفسها مجالاً للتفكير ، متسائلة بإستنكار : ايه هو دا اللي معندكش اجابة .. اومال مين هيجاوبني ها!!؟
صرخت حياة بجنون ، مشيرة إلى نفسها بكلتا يديها : اشمعنا انا بس اللي قادرة اشوفك وانا اصلا معرفكش!!
تعليقات
إرسال تعليق