رواية شبح حياتي الفصل الاول 1 والثاني 2 بقلم نورهان محسن


رواية شبح حياتي

الفصل الاول 1 والثاني 2

بقلم نورهان محسن


المقدمة

قال : إن الأمر مثل قفزة سريعة ، قفزة من حافة الهاوية إلى المجهول!!

قالت : عيناك مثل تلك الهاوية ، وأخشى أن أسقط فيها.

قال : لكنها بالفعل تسحبك إلى أعماقها.

قالت : بطريقة ما أحب هذا الشعور ، وهذا العمق الدافئ داخل تلك العيون اللامعة ، كل شيء فيك معتدل ، كما لو كنت تعطي الجنة أو الجحيم!!

قال : رغماً عني ، أصبحت أخشي عليكِ ، وأفضل أن تظلى واقفة على حافة الهاوية.

_متسائلاً عما يجب أن أفعله؟!

_هل يجب أن أجذبك معي ، أو أتركك تذهبِ بعيدًا عني بسلام ؟

قالت : أشعر كأنني نفحة من الغبار ، تطاير بفعل الريح ، نقلتها وخلطتها بالمطر حتى سقطت على ديارك.

قال : كل ما يمكنني قوله لكِ ، هو أنني سأكون قدرك ، ولا أحد يستطيع الهروب من قدره!!


#نبذة_عن_الشخصيات


نبذة عن الشخصيات

"هو البدر في سماء حياتها المعتمة ، و هي الجسر الذي سيعبر من خلاله مرة أخرى إلى حياته ، أو هكذا اعتقد في البداية ، ولكن بمرور الوقت بينهما اكتشف أنها مثابة هدية الحياة التي جاءت من العدم لمساعدته بدون مقابل ، فـ هل ستكون قادرة على فعل ذلك أم أن الأوان قد فات بالفعل وسيصبح مجرد شبح في حياتها؟"

بدر "إنه رجل قانون يتعامل مع كل الأشياء بمنطقية ، ولكن ماذا سيحدث عندما يقع في بؤرة لا يوجد فيها شيء إسمه المنطق؟"

حياة "أما هي لم تكن طفولتها أفضل طفولة على الإطلاق ، وعندما نضجت أصبحت شخصيتها حادة أكثر وأكثر تمردًا على الآخرين ، خاصة بعد ما حدث لها من أقرب الناس إليها ، وحين قررت الابتعاد عن كل ما يزعج حياتها ، ويستغل طيبتها ، ويمزق كرامتها ، وعزة نفسها بدلاً من أن يصونها ، وجدت نفسها تقف علي حافة هاوية مجهولة القرار."


#الفصل_١


الفصل الأول

عزة النفس ليست شخصًا ساخرًا أو طبعاً متعجرفًا ، بل أنها إحترام للذات والابتعاد عن كل ما يقلل من قيمتك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتاة في ريعان الشباب إنتبهت من شرودها علي صوت سائق التاكسي الذي قال بصوت أبح : يا انسة .. وصلنا يا انسة!!

نظرت من النافذة المجاورة لها ، ورأت أنها توقفت أمام مبنى يكاد يكون قديمًا بعض الشيء ، لكنه لم يفقد رونقه في حي هادئ وأنيق في محافظة القاهرة.

أومأت إليه بهدوء ، ثم فتحت حقيبة يدها ، و مدت يدها ببضع أوراق نقدية للسائق ليأخذها منها ، قائلا بصوت عالٍ بينما يتفقد المال الذي يمسكه بين يديه : محتاجين 30 جنيه كمان علي دول يا انسة

حدقت في هاتفها لترى كم مضى منذ أن خرجت من محطة القطار وركبت معه ، ثم تساءلت بإستنكار : 30 جنيه ليه يا اسطا؟ دا المشوار كله نص ساعة!!

واصلت حديثها بصوت حاد ، عندما شعرت أنه يعتقد أنها ساذجة ، ويمكن أن يستغلها لمجرد كونها بمفردها : والمفروض كنت تقول من الاول ولا عشان شوفت المكان هنا نظيف شوية هتفكر اني من ولاد الذوات يعني

ظهرت ابتسامة وقحة على فمه الغليظ ، وكأن نبرة صوتها الشرسة قد راقت له ، وعيناه تلمعان ببريقًا خبيثًا تمكنت من أن تراه عندما أدار رقبته إلى الوراء ، ناظراً إليها وهو يمرر أصابعه الكبيرة على لحيته الغير المرتبة ، قائلاً بسماجة : خلاص خلاص .. احنا جدعان اوي ونحب نعمل الواجب .. خليها علينا المرة دي عشان خاطر حلاوتك يا ست البنات

جعدت حاجبيها ، وشعرت بالاشمئزاز منه ، وقررت تجاهل ما قاله حتى لا تتشاجر معه ، فإذا أطلقت عنان لسانها يرد ، فسوف تقضي تلك الليلة في زنزانة السجن لقيامها بفتح رأس ذلك الوغد بحقيبتها ، ثم نزلت من السيارة قائلة بغضب مكتوم : كتر خيرك .. نزلي الشنط دي اذا سمحت!!

ساعدها السائق في تنزيل الحقائب ، بينما كانت عيناه تتبعها واقفة صامتة تعبث في هاتفها ببرود ، وعندما أنهى تلك المهمة تركها و رحل في حال سبيله.

نفخت بخديها وهي تحمل حقائبها بضجر ، ثم توجهت نحو المبنى مباشرة ، وهي تتمتم في سرها : البداية باين عليها مبشرة شكلها ربنا يستر

مشيت إلى الداخل بخطوات هادئة ، وهي ترتدي ذلك الحذاء الرياضي الذي تفضله على الآخرين لسهولة الحركة فيه ، ثم توقفت بعد أن رأت طفلة صغيرة تجلس على مقعد عريض بجوار الحائط ، فقالت بابتسامة صغيرة : صباح الخير

ردت الطفلة بصوت خجول ، بعد أن رفعت عينيها للتحديق في تلك الشابة النحيفة ذات الشعر البرتقالي الداكن المنتفش المائل إلى اللون البنى ، وترتدي نظارة كبيرة تغطي عينيها بها : صباح الخير!

تجولت عيناها بإهتمام في المكان بعد أن خلعت نظارتها ، ووضعت حقائبها على الأرض بجانبها ، ثم تساءلت بينما يدها إرتفعت تلقائيا ، و أصلحت وضع حقيبة يدها التي كانت تحملها على كتفها : هو في حد كبير موجود اكلمه يا امورة!!

هزت الطفلة رأسها بالإيجاب ، وقالت بصوت منخفض بعد أن قامت من مكانها ، ثم توجهت إلى غرفة جانبية : اخويا راح يشتري دخان لجدي وهو جوه لحظة هناديه

ارتفعت ابتسامة على وجهها ، وقالت بنبرة رقيقة بعد أن استندت على حقيبة السفر التي بجانبها : ماشي

مرت عدة لحظات قبل أن يطل رجل في أوائل الستينيات من عمره ، ذو طول فارع و جسد عريض ، مما يشير إلى أنه لا يزال محتفظًا بقوته ، لكنه بدا كهل قليلا بسبب شيب شعره وتجاعيد وجهه البشوش ، و يبدو أنه حارس المبنى قائلا باحترام بصوت أجش : أمري يا بنتي اي خدمة!!

تنفست الصعداء براحة ، و شكرت الله سرًا على وجود شخص مازالت تتذكره في هذا المبنى ، وتساءلت بابتسامة عريضة : ايه دا يا عم حمزة!! انت مش فاكرني؟

ضيق العجوز عينيه على تلك الفتاة التي تكاد تكون ملامحها مألوفة له ، لكنه لم يستطع التذكر بسبب تقدمه في السن ، وقال بإستفهام : لا مؤاخذة يا بنتي مش واخد بالي مين حضرتك!؟

سحبت نفسا عميقا في صدرها قبل أن تقول بنبرة هادئة ، تتناقض تماما مع الحدة التي تحدثت بها للسائق منذ قليل ، وكأنها شخص آخر : انا حياة مجدي يا عم حمزة .. كنا ساكنين هنا في الدور الخامس من 12 سنة تقريبا

ظل ينظر لها في صمت مطول ، ثم إرتسمت ابتسامة واسعة على فم حمزة قائلا بصدق ، بعد انتعاش ذاكرته من خلال وميض الصور الذي مر علي مخيلته عن تلك الفتاة الصغيرة ذات الشعر البرتقالي : الله اكبر .. مصير الحي يتلاقي .. لسه فاكرك طبعا وفاكر شقاوتك .. معلش حقك عليا يا ست حياة اصلك اتغيرتي اوي خصوصا شعرك

ثم أسترسل كلماته بعتاب واضح في نبرة صوته : ليه كدا يا بنتي تغيري لونه هو كان فيه حد مميز في الشارع كله بلون شعرك الا انتي!!

أدارت عينيها بملل ثم أجابت بلا مبالاة : مافيش حاجة بتفضل علي حالها ودي حكاية تطول شرحها يا عم حمزة

أومأ حمزة برأسه بفهم ثم قال لها باحترام ، وهو يمد يده لحمل حقائب السفر الخاصة بها : ايوه عندك حق ما تأخذنيش مش وقتها الحكاوي دي .. هاتي عنك الشنط انا هطلعهالك عشان الاسانسير بايظ بقاله مدة

تبعته حياة ، ثم بدأوا في صعود الدرج الرخامي ، ثم هتفت بسؤال مازحة : الله يكرمك يا راجل يا طيب .. حرام الشقا دا ماصلحتهوش ليه؟ يعني هطلع خمس ادوار علي رجلي كل يوم!!

أجاب حمزة علي سؤالها بصدق بينما مازال يصعد السلالم ، و هي تلاحق خطواته بأنفاس لاهثة : اصل الاستاذ بدر غايب بقاله كام يوم .. وباقي السكان بيطلعو مصاريف التصليح بالعافية وانا كبرت حيلي مابقاش يستحمل المعافرة معهم .. قولت اسيب الامور علي حالها لحد لما يرجع بالسلامة

لم تكن تعرف سبب ضربات قلبها السريعة التي طرقت صدرها بشدة.

هل لأنها صعدت خمسة طوابق على قدميها ، أم بسبب ذكر اسمه الذي تمقته بشدة منذ طفولتها بسبب كراهية أختها الكبرى له؟

رغم أنها لا تتذكر ملامحه مطلقا ، لكنها شكرت ربها على تأجيل لقائها به ، فهي لا تريد أن تراه ، على الأقل الآن ، لأن ما تعانيه يكفيها.

قالت حياة وهي تتنفس بسرعة ، إذ أخرجت مفتاحًا من حقيبة يدها ، بعد أن وقفت معه أمام باب الشقة : ربنا يرجعه بالسلامة يا عم حمزة .. اتفضل المفتاح اهو يارب بس يفتح معاك زمان قفل الباب صدي

أخذ حمزة المفتاح منها بتردد ، وشعر بضيق بسيط ظهر في صوته عندما قال : بصي يا ست حياة الحقيقة في حاجة عايز اقولهالك!

ارتابت حياة من نبرة صوته القلقة ، وكأنه يضمر عنها شيئا ، ثم قالت بتركيز مشوب بالفضول لترى ماذا سيقول لها : ايه هي .. قول!!

تحدث الحارس ببعض التوتر ، وهو يخفض عينيه إلى يده وهو يعبث بالمفتاح بين أطراف أصابعه ، بينما عقله يعمل سريعا محاولًا التفكير في طريقة لحل هذا المأزق : انتي عارفة انكو غيبتو سنين كتير و البيت اكيد مش مناسب عشان تقعدي فيه

تردد صدى ضحكات حياة في المكان بارتياح ، ثم قالت بمرح وهي تربت بيدها على أعلي صدرها : خضيتني يا عم حمزة .. انا عارفة ان البيت اكيد مليان تراب ومبهدل شوية بس انا عاملة حسابي جبت فارشة نظيفة انام عليها مؤقتا وحبه حبه هبقي اوضب البيت

ضحك حمزة بداخله ، سخرًا منها ، ثم أعطاها مفتاح المنزل ، و قال محاولًا إقناعها بعدم الدخول : لا يا ست حياة انتي مافهمتنيش البيت متبهدل اوي

أضافت حياة بلا مبالاة أثناء ما كانت تضع المفتاح في باب المنزل حتي تفتحه : ماتقلقش يا عم حمزة قولتلك خلاص...

تلاشى صوتها فجأة ، و فرت الحروف من لسانها هاربة بسبب الصدمة التي تلقتها بمجرد ضغطها على زر الضوء الصغير الموجود بجوار الباب من الداخل.

أردفت حياة بشك مضحك ، وكأن عقلها يكذب ما تراه عيناها التي اتسعت أثر صدمتها القوية : عم حمزة متأكد اننا في الدور الصح و لا انت دخلتني شقة غلط!!

أجابها حمزة مؤكداً بعد أن أطلق سعال منظفا حلقه ، وهو يشبك يديه خلف ظهره من التوتر : لا يا بنتي .. هي الشقة حتي اسم ابوكي علي الباب زي ماهو

هزت حياة رأسها في حالة إنكار ، بينما لم يستطع عقلها استيعاب الفوضى العارمة الموجودة أمامها ، قائلة بعدم تصديق عندما قفزت تلك الفكرة إلى عقلها : بس دي مش شقة يا عم حمزة دا مخزن .. ايه اللي جاب الحاجات دي كلها هنا و فين عفش البيت؟!!

رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن

موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت

حاول حمزة تهدئتها قائلاً بتلعثم : احم .. استهدي بالله كدا بس يا ست حياة .. وانا هفهمك

نظرت إليه حياة بعيون جاحظة كادت أن تخرج من محجرها ، وقد تمكن الغضب منها تمامًا قائلة باتهام : تفهمني ايه!! انت قالب شقة بابا مخزن للعمارة في غيابنا

أومأ حمزة برأسه و لوح بكلتا يديه في نفي سريع ، قائلا بإندفاع : ابدا وحياة عيالي ماحصل .. مش انا اللي عملت كدا

حدقت به حياة بنظرة حادة ، وهي تسأله بإمتعاض : اومال مين!!؟

ابتلع حمزة لعابه بصعوبة قبل أن ينطق بتردد : استاذ بدر

رفعت حياة حاجبيها بتعجب ، واضحًا في ملامحها ، وتمتمت بصدمة : نعم!!

سارع حمزة في شرح الأمر لها ، قائلا بتبرير جعلها تستشيط غضباً أكثر من الأول : الحكاية انه لما غير عفش بيت والده الله يرحمه وجاب عفش جديد عشان الست مراته اصرت علي كدا .. ماهانش عليه يفرط في حاجة اهله .. حطهم هنا بشكل مؤقت عشان يعني الشقة قصاد الشقة وانتو كدا كدا مش موجودين

هتفت حياة مستنكرة ما تسمعه ، واحمر خديها من الغضب : دي قلة ذوق منه هو عشان صاحب العمارة خلاص يتصرف علي راحته لدرجادي .. احنا لسه أصحاب الشقة .. وبعدين دا مافيش مكان اقف فيه حتي .. كل حاجة فوق بعضها .. ايه هبات علي السلم!!

هز حمزة رأسه رافضاً ، ووصل عقله إلى فكرة عادلة قد تحل الأمر مؤقتاً : العفو يا بنتي ماتقوليش كدا .. انا عندي حل تمشي بيه الكام يوم الجايين لحد مايرجع بدر بيه

لمعت عيناها بأمل سرعان ما إختفي ، وقالت بإستفسار مشيرة إليه بإصبعها السبابة في تحذير وتصميم قويين : ايه هو يا عم حمزة !؟ اوعي تقولي اروح اقعد في اوتيل انا مش هتحرك من هنا

أجابها حمزة بجدية ، وهو يضع يده في جيب ثيابه الغامقة ، ويخرج شيئاً يلمع ويعطيه إلى حياة : لا انا معايا مفتاح شقة استاذ بدر .. عشان مراتي بتطلع تنظفها كل كام يوم .. ممكن تقعدي فيها لحد مايرجع ساعتها هو يشيل حاجته من شقتك وتسيبيلو شقته

قطبت حياة حواجبها استنكارًا لما قاله ، ثم صاحت احتجاجًا ، وهناك ناقوس الخطر يدق في عقلها يخبرها بعدم فعل ذلك : ازاي عايزني اقعد في شقته لوحدي يا عم حمزة مايصحش!!؟

زفر حمزة بإرهاق من عنادها ، ثم تكلم مرة أخرى بلطف محاولا إقناعها بذلك ، لأنه لن يستطيع فعل شيئا أخر حيال هذا الأمر ، فالمسؤل الأول و الأخير هو صاحب البناية : يا بنتي الشقة مقفولة بقالها اكتر من اسبوع وهو مش موجود والست مراته في بيتهم التاني

تنهدت حياة بأسي على حظها العاثر ، فلم يكن ينقصها إلا ذلك البدر حتى تتأكد من أنها لن ترتاح مهما هربت من المشاكل ، ثم هتفت بإستسلام ، وهي ترفع يديها وتفتح باطن كفيها للأعلي : خلاص امري لله .. ما انا معنديش حل تاني..

وأردفت بعد أن رفعت إصبعها السبابة في وجهه لتحذيره مجددا : بس لازم تكلمو او تبعتلو رسالة تعرفه اني هقعد في شقته مش عايزة ادخل في مشاكل و حوارات معاه

"حياة مجدي عبدالغفور" بطلة الرواية

.. 23 عام ..

.. تخرجت بدرجة الليسانس في الأدب الإنجليزي ، وتعمل معلمة أطفال في الإسكندرية ..

"والدها ووالدتها متوفيان ، وتعيش مع أختها التي تكبرها بسبع سنوات"

"صاحبة جاذبية طبيعية تلفت الانتباه إليها ، لديها وجه مستدير منبسط في منطقة الذقن والخدين ، حيث تكمن فيه ملامح البراءة والعفوية واللطف الذي يتناقض مع شخصيتها النارية ، حادة المزاج عندما تكون منفعلة ، لكنه يتناسب تمامًا مع لون شعرها المتموج ، الذي يتميز بلونه البرتقالي المائل للأحمر الناري ، مما يجعله مميزًا ومختلفًا ، ولكن بسبب تنمر الآخرين عليه منذ طفولتها ، كرهته كثيرًا ، حيث كانت تسعي جاهدة لإخفائه خلف قبعة ترتديها دائما عند الخروج من المنزل حتي لا ينتعها الأطفال بالساحرة الشريرة ، كما يشع من عينيها الجميلتين ، لون عسل نقي ، و بريق لا يمكن تجاهله ، من السهل له أن يخترق القلوب كالسهم الناري ، وهي محاطة بأسوار من الرموش الكثيفة مع حواجبها الجميلة المتناغمة مع بشاشة الوجه ، والابتسامة الدائمة على شفتيها الممتلئة بلون قرمزي طبيعي ، وهو مصدر جاذبيتها وجمالها الذي تغفل عنه ، حيث أنها ذات بشرة بيضاء ناعمة و نضرة كالأطفال ، كما أنها تتميز بجسدها الرشيق والنحيل."

من أهم صفات شخصيتها أنها مرحة جدا .. تغضب بسهولة .. تعشق الأطفال و تحب التعامل معهم .. تكره الأوامر .. كسولة و فوضوية عندما تكون وحدها .. حساسة جدا .. سليطة اللسان اذا حاول أحد العبث معها.

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

داخل شقة بدر

بعد مرور ساعة

تجولت حياة في جميع أرجاء هذا المنزل بعد أن غيرت ملابسها إلى بيجامة مريحة وواسعة ، وأنبهرت عيناها بأثاث البيت الرائع الذي يعكس الذوق الرفيع لصاحبها ، حيث كانت الشقة ذات مساحة كبيرة بها صالة كبيرة ومفروشة بأثاث أنيق وفاخر مزيج من النبيذ والأسود ، وتحتوي على العديد من الغرف من بينها غرفة نوم واسعة وغرفة أطفال فقط الذين لم تجدهم مغلقين كما الباقي.

وقفت حياة أمام النافذة مربعة الشكل المطلة على الشارع الواسع ، وعيناها تتبعان حركة السيارات بصمت.

رأت من انعكاس زجاج النافذة طيفًا خلفها ، لذا استدارت بسرعة ، لكنها لم تجد شيئًا سوى القط الصغير ذو الفراء الكثيف باللون البرتقالي والأبيض من أسفل عينيه الخضراء ، مروراً بأنفه الصغير ورقبته ، فقد أخبرها حمزة أنه ملك صاحب المنزل ، وأنه يعتني بإطعامه في حالة غيابه.

كان يقف على حافة الأريكة يحدق بها بنظرات بريئة ، يصدر صوتًا ضعيفًا ، دليلًا على أنه جائع.

تنهدت حياة براحة ، وشعرت بالأسف على ذلك الصغير لوجوده في هذا المنزل بمفرده.

ذهبت ناحيته ، وأخذته بين يديها بلطف ووضعته على صدرها ، ثم قادتها قدميها إلى المطبخ ذو الطراز الحديث ، أثناء حديثها معه بخفوت : يلا نعملك أكل يا صغنون

صبت بعض من الحليب الذي وجدته في البراد بطبق صغير إلى القط الذي كان يحوم تحت قدميها ، ثم وضعته بجانبه على الأرض.

جلست حياة على الأريكة أمام التلفزيون في غرفة المعيشة ، وثنت ركبتها إلى الأسفل ووضعت راحة يدها تحت ذقنها بعبوس لطيف ، ثم تحدثت إلى نفسها بصوت مسموع وهي تنظر حولها بغيظ : بيته حلو و مترتب و شيك اخر حاجة وانا مبهدلي شقتي و رمي فيها كراكيبه .. منه للي كلت دراع جوزها واصلا انا هقعد هنا ازاي لوحدي!! بس والله لا اخد راحتي وابهدلو شقته زي ما عمل معايا

كانت تشاهد التلفاز بملل ، وأخذت الطبق الموجود على المنضدة أمامها ، والذي كان يحتوي على بعض الخضروات التي وجدتها في الثلاجة.

رفعت حياة الجزرة إلى فمها ، وقطمتها بصوت عالٍ قائلةً لنفسها باستياءً : انا مالي قلبت علي ارنبة في نفسي كدا ليه!! وكمان الخس و الجزر دول ماشبعنيش

أمسكت هاتفها من جانبها ، وشكرت ربها على تسجيل رقم حمزة بعد أن فتح لها بيت بدر ، ثم نزل حتى يصلى صلاة المغرب.

قالت حياة بهدوء : ايوه يا عم حمزة .. انا حياة

أردفت بحرج : معلش هتعبك معايا .. ممكن تجيبلي شوية حاجات من السوبر ماركت التلاجة هنا مافهاش غير خضار بس

كانت صامتة ، تستمع إلى رده المهذب عليها.

قالت بتفكير أثناء ما كانت تفرك فروة شعرها ، وهي تربع قدميها على الأريكة ، وتعد علي أصابع يدها بتمهل ، مما جعل حمزة يوشك علي أن ينفجر غيظاً منها : الله يخليك .. لا مش حاجة معينه يعني شوية شيبسيهات و جبن و عيش و بقسماط وبيض وبلوبيف و لبن عشان القط و شوية لب علي كاجو ومربي يا عم حمزة بالفراولة والنبي و عصير .. لا أي نوع عادي .. ميرسي كتر خيرك كفاية كدا هاتهم ولما تطلع هنتحاسب .. تمام شكرا .. باي

خفضت حياة الهاتف من أذنها بعد أن أنهت المكالمة ، ونظرت إلى الساعة الموجودة فيه لتجد أن الوقت قد مر بسرعة وأنها مكثت هنا لمدة أربع ساعات ، ثم خطر ببالها ما حدث بعد دخولها الشقة ، وإجراء المكالمة الصوتية العميقة مع أختها ميساء التي ظلت تصرخ في أذنيها بغضب عندما أخبرتها بما حدث معها.

Flash Back

ميساء تحدثت بسخط لإعادة ذكريات مراهقتها إلى مخيلتها مرة أخرى ، حيث كانت هوائية المشاعر ومنجذبة لمن رفضها ، فيما كانت آنذاك ذلك الوقت فخورة بجمالها الذي برز منذ صغرها : انتي اكيد اتهبلتي!! قاعدة في شقة راجل غريب يا حياة .. مش كفاية المشاكل اللي حصلت بسببك هنا!!

ردت حياة بهدوء مصطنع : ممكن تهدي بقي .. انا سيبتك تزعقي زي عوايدك اللي مابقتش طيقها دي خلاص اسكتي واسمعيني شوية

التوي شدقها ساخرا ، ثم صاحت في استياء : هتقولي ايه يعني!! من الاول وانا مكنتش عايزاكي تنزلي القاهرة لوحدك وانتي عاندتيني ونفذتي اللي في دماغك .. حتي خطيبك ماديتلوش فرصة يتفاهم معاكي

قالت حياة بنبرة حازمة مليئة بالتحذير حتى لا تواصل شقيقتها هذا الحديث غير المجدي معها : ميساء .. انتي مش امي بطلي دور المتحكمة اللي عايشة فيه دا .. كفاية عليكي بيتك وعيالك مسيطرة عليهم براحتك .. وكلمة خطيبك دي ماتقوليهاش تاني معاذ كان خطيبي و دلوقتي مالوش كلمة عليا

تغيرت نبرة ميساء التي حزنت لما تقوله أختها لها ، وتمتمت بتوبيخ : بقي دي طريقة بنت محترمة بتكلم اختها الكبيرة!! ماينفعش ترميلو دبلته وتسافري من غير ماتتناقشو .. هو لولا شغله مقيده كان جه وراكي

أضاءت ومضة من الذكريات التي مرت عليها يومين فقط ، عندما وجدت خطيبها الموقر جالسًا في مطعم على البحر مع فتاة أخرى ، ويده على ظهرها وشعرها بطريقة مقززة ، لكنها أغلقت عينيها بإحكام ، حتى لا تذرف المزيد من الدموع على كرامتها المجروحة ، ثم فتحتها من جديد ، وكان في حلقها غصة إبتلعتها بصعوبة قائلة بعزم : انا مش صغيرة يا ميساء .. دي حياتي ماتدخليش فيها .. مستحيل هرجع لواحد خاني واللي خلاني سكت ومابهدلتش الدنيا فوق دماغه انه اخو جوزك .. بس انا مش هربط نفسي بإنسان عصبي ومعندوش تفاهم وفاكرني عروسة لعبة في ايده يحركني علي كيفه .. وفوق كدا خاني من قبل حتي مانتجوز اومال بعد الجواز كان هيعمل فيا ايه!! اسمعي انا سيبتلكو اسكندرية بحالها و هستقر هنا .. خلص باب المناقشة في الموضوع

رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن

موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت

تنهدت ميساء حزنًا على حالتهما ، إذ ابتعدت عنها أختها التي ربتها ، وأيضًا لتلك المشاكل التي نشبت بينها وبين زوجها بسبب أخيه الأصغر المدعو معاذ ، ثم قالت بغيظ طفيف رغما عنها لأن أختها تقطن في بيت بدر الآن : يا حبيبتي انا قلقانة عليكي .. افرضي وانتي نايمة هو جه اللي مايتسماش دا علي فجأة .. مايصحش كدا

ضغطت حياة على قبضتها من أجل السيطرة على نفسها بصعوبة ، حتى لا تنفجر بغضب على أختها التي تفهمها من نبرة صوتها التي تفضحها ، ثم قالت بسخرية لاذعة : عارفة ايه المشكلة؟ اني متأكدة ان كلامك دا مش من خوف عليا .. بس هطمنك برده

أنهت جملتها وهي تتجه نحو باب المنزل ، ثم فتحت مكالمة فيديو بينهما ، قائلة بجدية بعد أن وجهت كاميرا الهاتف نحو الباب : بصي قافلة علي نفسي بالترباس من جوا تمام ماتقلقيش عليا

أغمضت ميساء عيناها بقوة ، وتملكها شعور بالحرج من نفسها ، وهمست : ماشي يا حياة خلي بالك علي نفسك و كلميني الصبح

غمغمت حياة بإختصار : ماشي سلام


#الفصل_٢


الفصل الثاني

كل شئ في حياتك هو درس

من لجئت اليه خوفا ، ولم تجد عنده السلام والطمأنينة..

من أحببته بدفء ، وحول دفئك الى صقيع..

من عجزت عن النوم ذات يوم بسبب خيبة أملك به ، فحولها إلى أرق يهدم أمانك..

من كان بريقه في عينيك ، واليوم هو نفسه سبب إمتلائها بدموع القهر..

الحياة مجرد دروس ، وإذا قامت بسحقك ، فسوف تأخذ روحك لتضع فيك روحًا أشد قوة لمواجهتها والتغلب عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"ميساء مجدي عبدالغفور"

"30 عام"

"حاصلة على بكالوريوس تجارة"

"متزوجة ولديها طفلان ، فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات ، وابن يبلغ من العمر خمسة أعوام"

"لا تعرف كيف تسامح بسهولة ، خاصة عندما يشعرها أحدهم بأنها ليست جميلة جدًا ، كان ذلك في الماضي ، لكنها الآن لم تعد تهتم كثيرًا ، حيث أصبحت واثقة جدًا من مقاومتها الأنثوية ، لكن هذا لم يمنع من وجود بعض آثار الندوب التي حدثت في الماضي ، فهي تميل إلى حب السيطرة واتخاذ القرارات بدلاً من الآخرين ، لكن هذا لا يقلل إطلاقا من حبها الشديد لأختها الصغرى حياة ، وذلك لأنها تحملت مسؤوليتها منذ أن كانت طفلة ، حيث تعتبرها ابنتها الكبرى و ليست شقيقتها فحسب"

"جسدها ممتلئ بشكل متناسق ويميل إلى السمنة أكثر من النحافة ، وطولها متوسط ​​، ووجهها مستدير بملامح حادة ، وبشرة خمرية ناعمة ، وعيناها واسعتان باللون البنى ورموشها طويلة ، وأنفها صغير ، وفمها عريض قليلاً بذقن مدببة وشفتين ممتلئتين بشكل معتدل ، وتتميز بشعرها الناعم والطويل الاسود على عكس شقيقتها البرتقالية بشعرها المجعد و ترتدي الحجاب ، باختصار جمالها مميز وسحرها فاتن."

فتحت حياة عينيها ، ثم قلبتها بملل من تسلط أختها الكبرى على حياة الآخرين من حولها ، وكيف جعلتها تخاف من ذلك البدر الذي لا تتذكر ملامحه قط ، حتى أنها لاحظت أنه لم تكن هناك صورة له معلقة على جدران منزله ، لكنها سعيدة رغم كل شيء ، لأنها عادت للقاهرة وأخيراً تحررت من قيود تلك الخطوبة التي استمرت لأكثر من سنة ضاعت هباءاً من عمرها.

عادت ذاكرتها سنوات للوراء

عندما انتقلت مع والدها ، وأختها الكبرى بعد وفاة والدتهما إلى الإسكندرية ، لأن والدها جاء إليه فرصة عمل جيدة هناك ، بينما كانت أختها تتحدث دائماً بشكل سيء عن بدر أمامها بسبب حبها المراهق له ورفضه الغير مبرر لها ، ورغم أنها كانت جميلة ، إلا أنها كانت في الماضي مندفعة ومتهورة ، أرادت أن ترتبط بشاب ثري وتعيش الحياة في رفاهية.

بينما كان بدر شابًا جادًا منذ طفولته بسبب نشأة والده الصارمة له ، وإصراره على أن يكون محامياً مثله عندما يتخرج من كلية الحقوق.

لا يتذكر عقل حياة أنها تعاملت معه من قبل ، لأنها كانت أصغر من أختها بسبع سنوات ، حيث كانت حياة الفتاة ذات الشعر البرتقالي بسبب جينات وراثية و بيضاء ونحيلة ، وكان جسدها صغيرًا جدًا ، لكنها كانت شقية للغاية ، ودائما كانت تخفي خصلاتها المتموجة تحت قبعة كبيرة بسبب تنمر الأطفال عليها ، ولكن عندما كبرت قليلا ، غيرت لون شعرها إلى البني الداكن ، و أصبح لديها شخصية مشاغبة أكثر من ذي قبل ، فهي لا تغفر ولا تسكت عن كل من أخطأ في حقها مهما حدث.

تثاءبت حياة بتكاسل ، وتفكر بصوت عال كالمعتاد : خليني اريح انهاردة والصبح هبهدلو ام الشقة الحلوة دي برواقة وكويس ان بكرا اجازة هخليه مايعرفش يحدد ملامحها زي ماعمل في بيتنا .. بس انا هنام فين ؟

نظرت إلى غرفة النوم بشكل لا إرادي بنظرة محيرة ، قائلة وهي تداعب ذقنها في تفكير عميق : و فيها ايه لما انام علي السرير بتاعه!؟ ما انا تعبانة من السفر عادي

خرجت من أفكارها عند سماع صوت طرق باب المنزل ، فوقفت منتصبة على رجليها اللتين كانتا مخدرتين من ثني ساقها علي الأريكة أثناء جلوسها ، واندفعت نحو الباب ، ثم فتحته ورفعت وجهها لتلتقي بوجه حمزة الذي قال بابتسامة : سلامو عليكو يا ست العرايس

ردت حياة عليه بإبتسامة مرحة : وعليكم السلام يا عم حمزة

رفع كلتا يديه حاملاً عدة أكياس قائلاً ببشاشة : جبتلك كل طلبات اهي يا بنتي

ابتهجت أسارير وجهها وهي تلمح ما كان بيده ، وقد نسيت أنها طلبت منه منذ قليل شراء هذه الأشياء قائلة بامتنان : الله يكرمك و يخليك يارب تعبتك معايا يا عم حمزة .. ثواني هجيبلك الفلوس

★★★

توجهت حياة نحو المطبخ بعد أن أعطت حمزة النقود التي أنفقها على المشتريات ، ثم وضعتها على طاولة المطبخ ، وتفحص الأشياء التي أحضرها باهتمام بينما القط يدور حول قدميها ، يموء بشكل ضعيف ورأسه مرفوع نحو حياة ، التي هتفت بضحكة : دا انت قط طماع و عينك فارغة شبهي .. مش لسه شارب طبق لبن بحالو من نص ساعة .. حاضر يا زنان اصبر بس لحظة هرتب الحاجة دي

بدأت حياة في وضع الأشياء في الثلاجة ثم تمتمت ، وعيناها تلمع بفرحة طفل بينما تلعب بكيس اللب في يدها : عيني شافتكو طار منها النوم .. احسن حاجة احضر قعدة برا واشغلي فيلم و نقضي السهرة مع بعضينا يا قطقوط

★★★

حياة تجلس على الأريكة أمام التلفاز ، عيناها تشاهدان أحداث فيلم الرعب أمامها وهي تأكل رقائق البطاطس ، و مبعثرة حولها أطباق تحتوي على قشور لبّ ، الذي سرعان ما انهت عليه من فرط تركيزها و حماسها ، ثم فجأة صرخت في رعب وألقت كيس الرقائق على الأرض وهي تنتفض ، وتناثرت الأطباق بفوضى أكبر بعد أن قفز القط واقفا على ساقيها : يالهوي يمه..

تذمرت حياة وهي تشاكسه في بطنه : منك لله ياللي معندكش دم قطعت خلفي .. مش كفاية الشبح ابن التيت موت كل الابطال اللي عجبوني

واصلت حديثها بعد الانحناء لتجمع ما سقط على الأرض ، وترتب المكان قدر الإمكان : دا انت افظع من ولاد اختي كنت فاكرهم عفاريت طلعت معفرت اكتر منهم...

بترت ثرثرتها عندما سمعت صوت جرس باب الشقة ، لتنهض بشكل مستقيم وذهبت حتى تعرف من يطرق الباب ، و دعت سرًا أن يكون الطارق ليس من معارف صاحب المنزل عندها لن يكون الوضع لطيفًا على الإطلاق.

نظرت حياة للأعلى بعد أن فتحت الباب ووجدت امرأة أطول منها ، ترتدي تنورة سوداء طويلة وواسعة ، لكنها أنيقة للغاية ، وبلوزة ذهبية اللون ، وسترة من نفس لون التنورة ، بينما هناك حجاب ملفوف بشكل جميل حول وجهها ، قالت بابتسامة مضمومة : مساء الخير .. ازيك!!

ردت حياة بنبرة حذرة ، وهي تقطب حاجبيها : اهلا!! .. مساء النور

تساءلت المرأة ، وهي تعدل من وضع حقيبة يدها على كتفها : انتي حياة مش كدا!!؟

تحرك حاجبها الرقيق للأعلي ، وأومأت متسائلة بدهشة : ايوه انا .. حضرتك تعرفيني؟

ضحكت المرأة بخفة ، وأجابت بلطف : مش فاكراني طبعا ليكي حق شكلي اتغير اوي بس انتي ماتغيرتيش خالص يا مشمشاية

نظرت إليها حياة بعيون مملوءة بالحيرة والتساؤل ، والآخري قرأتها بسهولة ، ثم أجابت دون أن تضطر إلى انتظار سؤالها : انا مروة كمال .. ساكنة في الدور اللي فوقك علي طول .. احنا جيران من زمان اوي وصاحبة اختك ميساء

انفرجت شفتاها بابتسامة حلوة بعد أن فهمت ، ثم عادت للوراء قليلًا حتى أتاحت مكانًا للآخري للدخول قائلة بصوت ناعم : اها .. اهلا و سهلا .. أتفضلي جوا ماينفعش نفضل واقفين كدا علي الباب

أعطتها مروة ابتسامة واسعة جعلت وجهها أجمل ، قائلة لها وهي تمشي بالداخل : يزيد فضلك يا جميل

أردفت مروة بعد جلوسها على أحد الكراسي في الصالة : انا عرفت من الحج حمزة انك جيتي انهاردة وقعدتي في شقة بدر فقولت اجي واسلم عليكي

أومأت حياة بفهم ، قائلة بنبرة هادئة ، فهي إعتادت أن تتوخى الحذر في أول معاملة لها مع أي شخص : الله يسلمك .. ميرسي اوي يا مدام مروة

عبست مروة بلطف قائلة مازحة برحابة صدر : مدام ايه ابت!! خلي البساط احمدي بينا كدا .. ومالك متخشبة ليه اقعدي يا يويا .. انا بحب اللي ياخد عليا بسرعة

شعرت حياة بالحرج لكنها ابتسمت ، وقالت بود عندما شعرت أن مروة حقاً طيبة القلب : معلش .. تشربي ايه؟

نفت مروة برأسها وقالت بسرعة ، بينما مدت يدها إلى حقيبتها وسحبت هاتفها : ولا أي حاجة بصي انا مش هطول في القعدة المرة دي .. عشان جوزي جاي ياخدني بعد شوية انا قولت اجيلك ونتعرف و ناخد ارقام بعض .. عشان اذا احتجتي حاجة تكلميني!!

سجلت حياة رقم مروة على الهاتف ، وقالت بنبرة عفوية طفولية ، بحواجب مرفوعة من السعادة والحماس : ربنا يخليكي .. الحمدلله انك ظهرتي .. انا كنت بكلم نفسي من كتر الزهق مش متعودة علي الهدوء دا خالص

استأنفت مروة حديثها بإبتسامة : ولا تقلقي انا باجي هنا تقريبا كل يومين عشان اشوف ماما و احتياجاتها هي واخويا اكيد مش فاكراه هو كمان!!

هزت حياة رأسها قائلة بنفي : الحقيقة لا انا يدوب فاكرة عم حمزة بالعافية

قالت مروة بفخر ، شارحة كلماتها التي يبدو أن لها معنى معينًا وراءها : اخويا يا ستي اسمه مازن و بيشتغل دكتور باطنة و معظم الوقت برا البيت عشان شغلو في عيادته ولسه مش متجوز

شعرت حياة بالحرج من نبرة صوتها كأنها تبعث لها رسالة مطنة ادركتها حياة مع نهاية كلامها بغمزة شقية في عينها ، فحاولت تغيير مسار الحديث متسائلة : ها .. انتي عندك عيال؟

أغمضت مروة عينيها ، وقالت بحسرة مضحكة ظهرت في صوتها تزامناً مع وضع مرفقها على حافة الكرسي ، متكئة خدها على باطن كفها : اه عندي واد بعيد عنك وعن السامعين معجون بمية عفاريت مطلع عين امي .. بالمناسبة ماما بعتالك السلام معايا هي صحتها بعافية شوية ماقدرتش تنزل تسلم عليكي

قالت حياة بإبتسامة ودودة : الله يشفيها و يعافيها الف سلامة عليها

تساءلت مروة بمزاح : يسلملي الحلو دا .. قوليلي اختك الواطية اخبارها ايه؟ اكتر من سنتين ماسمعتش صوتها

انتبهت حواسها إلى الجملة الأخيرة ، لتسألها باهتمام : انتو كنتو بتكلمو!؟

أومأت مروة بقوة وأجابت بثقة : يوووه كتير وكنت لما اروح اسكندرية نتقابل بس مشاغل الحياة بقي والواد ابن العفاريت دا مش مخليني اشم نفسي زي الناس

ضحكت حياة بخفة وقالت بلطف : ربنا يحميهولك .. نفس العينه دي سيبتها في اسكندرية ولاد اختي اشقياء جدا برده

دوي صوت قهقة مروة أيضًا ، ثم تقوَّست شفتيها قائلة بأسي متصنع : كل العيال كدا يا اختي .. الا قوليلي انتي متجوزة ولا مخطوبة!!؟

همست حياة ضامة شفتيها الوردية : لا دي ولا دي كنت مخطوبة بس محصلش نص...يب

قطعت كلماتها عندما قفز القط في حجرها فجأة ، لترفع راحة يدها بشكل عفوي ، وتمسد علي رأسه برفق اعجب القط ، وشكرته سرا لأنه جعلها تتجنب التمادي في ذكر هذا الموضوع.

قالت مروة المتابعة للموقف من البداية : شكلك انتي و ميجو بقيتو صحاب بسرعة!!

تمتمت حياة بينما كانت عيناها مثبتتين على القط ، وتداعبه بيدها : اسمه ميجو!!

أكدت مروة ما قالته بشرح موجز : ايوه بدر مسميه كدا مراته ماتحبش القطط ابدا فسابو هنا .. اوقات لما بيروح بيته التاني بيسيبو مع ماما فوق بيسليها بس المرة دي شكله نسي يطلعه

توقفت حياة عن اللعب مع القط ، وهي ترفع وجهها حتى التقت بوجه مروة متسائلة بإندهاش متصنع : بيته !! هو مش دا بيته ولا عنده بيت تاني!؟

أردفت مروة تجيب على سؤال حياة بتفسير : اه دا بيته طبعا .. بس انا قصدي بيته اللي هو ومراته قعدين فيه .. الشقة دي بتاعت مامته و باباه الله يرحم...هم

قاطعت مروة حديثها ، واتسعت عيناها بصدمة عندما سمعت رنين الهاتف الذي كانت تمسكه في يدها ، ودون الحاجة إلى النظر إليه ، قالت على عجل ، تزامناً مع قيامها من الكرسي : يا خبر بنتنجاني الكلام خدنا و بهاء وصل تحت وبيرن عليا لازم انزلو .. بس اعملي حسابك لينا قعدات كتير مع بعضينا الايام الجاية اتفقنا

هزت حياة رأسها مؤيدة ، قائلة بنبرة رقيقة بعد أن وقفت هي أيضا ، وتحركت معها نحو باب المنزل : ماشي تسلمي يا مروة وخدي بالك علي نفسك

ودعتها مروة ، وهي تقبل خديها بخفة ، وقالت بابتسامة لطيفة : وانتي كمان يا جميل .. باي باي

ردت حياة بابتسامة مماثلة ، وانتظرت حتى نزلت الدرج ، ثم أغلقت الباب مجددًا : باي

"مروة كمال منصور"

"29 عام"

"متزوجة ولديها طفل عمره ست سنوات"

"تتميز بخفة الروح وحيوية ومبهجة وصديقة ممتعة ، وامرأة نشطة تستطيع الدخول في القلوب بحركاتها الشخصية واهتماماتها الجذابة ، ولباقتها اللطيفة ، لكنها فضولية وتحب الحديث وتعتبره وسيلة لمعرفة الكثير من المعلومات ، متواضعة جدا ، لديها ذوق راقي في اختيار الأزياء والإطلالات الفريدة ، لديها وجه مرح ، وشعر بني طويل ممزوج بلون أشقر صناعي ، يتدفق على كتفيها العاجيين ، وعيون بنية واسعة ، وابتسامة حلوة تزين شفتيها الناعمتين."

★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••

حدقت حياة في غرفة نومه بعد أن ضغطت على زر الإضاءة ، حيث لم تجد سريرًا في أي غرفة أخرى.

قادتها ساقاها نحو منتصف الغرفة ، وهي تمشي حافية القدمين كالمعتاد ، ثم استدارت ببؤبؤ عينيها حول الغرفة الأنيقة ، حيث يوجد السرير الوثير الذي يتسع لأكثر من شخصين ، وإلى يمين الغرفة توجد طاولة عليها قوارير عطور وبعض الأشياء الأخرى ، وعلى اليسار خزانة كبيرة خاصة بالملابس.

اقتربت حياة من الطاولة ، وحدقت في انعكاس صورتها في المرأة ، ثم رفعت يديها ولفت خصلات شعرها الكثيفة للخلف ، ولفتها للأعلي بمشبك شعر بلاستيكي ، ثم أمسكت بقارورة عطر غريبة الشكل كانت واقفة بشكل منظم ، وقربتها بفضول من أنفها.

أغمضت عينيها حيث راقت لها الرائحة المنبعثة من فوهتها ، والتي بدت وكأنها من النوع الفاخر والغالي.

غابت عما حولها بتلك الرائحة الرائعة التي أخذتها إلى عالم آخر مليء بالألوان الزاهية ، لكنها عادت إلى وعيها بصدمة على صوت اصطدام قوي.

دون قصد ، انزلقت القارورة من يدها على الأرض ، محطمة إلى شظايا زجاجية صغيرة متناثرة بفوضى ، ورائحة العطر الفواحة ملأت جميع أنحاء الغرفة.

سقطت حياة على قدميها بجانب شظايا الزجاج المتناثر ، وقلبها يخفق بقوة وخوف مما فعلته ، ومن شدة توترها جرحت إصبعها من قطعة مكسورة أمسكتها بعجلة ، ثم سالت منه قطرات من الدم.

شهقت بهلع وهي تصفع بيدها الأخرى على خدها ، وملامحها تبدو على وشك البكاء : يا خبر حبري و مهبب البرفان ادشدش اعمل ايه انا دلوقتي!!

تجعدت جبهتها من الألم وهي تحدق في إصبعها ، ثم فكرت في تجاهل أمر الاهتمام به الآن ، وأردفت بخفوت محاولة تهدئة جسدها المرتعش الذي تشنج من الارتباك : مش مشكلة دا خدش بسيط ماتتخضيش يا حياة .. خلاص بكرا هدور علي علبة البرفان بتاعته واجيب وحدة جديدة وارجعها مكانها .. لا من شاف ولا من داري و ربنا يعوض عليا الفلوس اللي هكوعها فيه حار و نار في جتتك يا بدر الزفت

قامت من الأرض وخرجت من الغرفة لإحضار أداة التنظيف لإزالة قطع الزجاج من الأرض ، لكنها تسببت بطريق الخطأ في إصابة قدمها العارية عندما داست على قطع الزجاج ، فرفعت ساقها من الألم ودمدمت بأنين غاضب ، وهي تمشي على أطراف أصابعها : يووه هو في ايه بيحصل!! دا بيت متعفرت مش طبيعي باين عليه

تحركت بخطوات حذرة و بطيئة بسبب ألم كاحلها ، وهي في طريقها إلى المطبخ ، لكن قدميها توقفتا عن الحركة في حالة صدمة ، وشعر عقلها للحظة وكأنه توقف عن العمل عندما سمعت صوتًا هادئًا يتخلله بعض السخرية يقول بنبرة لوم متهكمة : عيب لما نمد إيدنا علي حاجة مش بتاعتنا وكمان نكسرها!!

التفتت حياة إلى مصدر الصوت ، الذي صدر من جانب النافذة الكبيرة المغلقة خلف الستائر ، ولكن بسبب الإضاءة الخافتة ، لم تكن ترى بوضوح.

رفرفت عيناها بتوتر ، وكان السؤال الأول الذي خطر ببالها هو هل أغلقت باب المنزل من الداخل بعد مغادرة مروة؟

ربما يكون صاحب المنزل قد عاد ودخل دون أن تشعر به ؟ لكن شيئًا بداخلها استبعد هذا الاحتمال.

ملأ الخوف ملامحها ، لم يكن هناك سوى استنتاج واحد قفز في ذهنها المرتبك أن من تحدث الآن ليس إلا لص ، لذلك بحثت بعينيها جيدًا في المكان ، لكنه فارغ ، لا أحد على الإطلاق.

همست حياة بقشعريرة سرت علي طول جسدها ، وعيناها المذعورتين تجولت يمينًا ويسارًا : مين .. مين اتكلم!!؟

انتظرت بضع ثوانٍ ، لكن لم يكن هناك رد ، فأطلقت أنفاسها المحصورة في صدرها من شدة ذعرها ، و مسحت الدموع التي هطلت من الخوف رغم إرادتها ، ثم غمغمت : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ركضت سريعاً نحو باب الشقة ، فوجدت انه مقفل كما تركته.

واصلت حديثها بضحكة ممزوجة بالدموع ، وهي تفرك فروة رأسها بعد أن مسحت خديها بظهر كفها كالأطفال : انا لازم ابطل اتكلم بصوت عالي وانا لوحدي .. اكيد من كتر تفكيري واعصابي التعبانة دي كان بيتهيألي..

سخرت من نفسها ، وهي تبتعد عن الباب : لا كمان كنت بتفرج علي فيلم رعب .. عايزة يعني يحصلك ايه كاتك الارف في جبنك .. جبانة وتتفرجي علي رعب يخربيت الادمان وسنينو

أنهت كلماتها مع حالها بعد أن تذكرت ما كانت تفعله منذ قليل ، وهرولت بخطوات سريعة أشبه بالركض نحو المطبخ ، ثم بعد فترة عادت إلى غرفة النوم لتنظيف الأرضية من الزجاج بسرعة قبل أن تتوجه مرة أخرى إلى المطبخ لإلقاء القمامة في سلة المهملات ، ونسيت ما حدث بعد أن تشتت انتباهها بشيء آخر.

★★★

وقفت حياة تدندن بألحان أغنية تحبها بصوتها العذب للغاية ، وهي تصنع لها شطيرة صغيرة ، حيث شعرت بالجوع بعد أن خافت منذ قليل ، و قد فر من عينيها النوم مرة أخرى ، ثم سكبت لها كوبًا من عصير البرتقال الموجود في الثلاجة ، وتمتمت بضحكة ساخرة : قال بيقولو ان الخوف بيطفش الجوع .. اومال انا ليه لما بخاف شهيتي بتتفتح علي البحري!! دي حاجة عجيبة يا جدعان

قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية.

تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض.

أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها.

فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟...


         الفصل الثالث والرابع من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

 

تعليقات